9- هل تذكرين؟

لم تكن كارن تعني انها ستذهب , لم تكن تريد ان تعود الى استراليا , وآخر شيء تفكر فيه, متابعة رحلتها الى اوروبا , ولكن شجارها مع روك غير كل شيء, وبقيت كلماته الأخيرة تعطي صدى في رأسها واستمعت اليها بهدوء متجمد , ثلجي . . من جراء الصدمة .
اذهبي !.. عودي الى استراليا ! اللعنة عليك ! قالها وكأنه يكرهها .. وجلست على سريرها , وجهها شاحب وعيناها مليئتان بالألم , تواجه شيئاً كانت تحاول تجنب الاعتراف به منذ ان وقعت عيناها لأول مرة على روك ميلمان .
لم تكن تكرهه ابداً, إنها تكذب على نفسها مثل المجنونة , ويجب ان تتوقف عن هذا الآن .. الاعتراف كان مؤلماً , وجف فمها, واخذ جسدها يرتعد واطراف اعصابها متوترة وكأنها لمست النار , ولكنها اجبرت نفسها على مواجهة الحقيقة!
لقد وقعت في حب روك, ولم يكن هذا يشبه ذلك الشعور الدافئ السعيد العادي الذي كانت تشعر به مع تشارلز , فتشارلز لم يكن يجعلها ابداً تشعر هكذا, حتى انها لم تكن تعرف ان بإمكانها ان ترغب في شخص بهذه الحرارة , ولكن منذ اللحظة التي رأت فيها روك, كان هذا شعورها, ولهذا كرهته , ولهذا تشاجرت معه , ورفضته.ريحانة

مشاعرها , بعثت الرعب في نفسها! لم تكن تعلم كيف تدبر أمرها مع الألم الذي تثيره العواطف, ماعدا ان تقلب الرغبة الى غضب , لأن الغضب يخفي مشاعرها الحقيقية عن روك , ولكنها الآن لن تستطيع ابداً ان تتظاهر , لقد خرج السر من عقلها الباطني , وسيكون أصعب عشر سنوات ان تحاول إخفاؤه عن روك.
إنها مجبرة على التسليم , عاجلاً.. وعندما يعلم روك حقيقة مشاعرها , سيبدأ الضغط عليها , وسيقنعها بمعاشرته , وستكره نفسها إذا فعلت , إنها تحب روك , ولكنه ليس من ذلك النوع الذي ينظر الى النساء بجدية, روك لا يؤمن بالحب, إنه انتهازي, قرصان نساء , رجل من الكارثة ان تحبه امرأة!
وخرجت من السرير , وعادت لتكمل تحضير حقيبتها ثانية .. لا تستطيع بعد الآن ان تبقي هنا.. يجب عليها ان تبتعد , ستذهب الى لندن اولاً , لتعطي نفسها وقتاً لتقرر ماتريد فعلاً ان تفعله , ربما تحصل على وظيفة هناك؟ او ربما ستكون آمنة اكثر لو عادت الى استراليا؟
واخذت ترمي ملابسها في الحقيبة ثم اقفلتها , ودخلت الحمام لتغتسل , ثم ارتدت قميصاً نظيفاً وبنطلون جينز , ووضعت لمسة مكياج على وجهها ونظرت الى نفسها في المرآة , ولاحظت انها قد تكون مرتبة المظهر الآن , ولكنها لا زالت متوترة , وهبطت الى الطابق الأرضي .. وهي تحمل حقائبها.ريحانةمنتديات ليلاس
وجلست لتكتب لوالدها , ولكن كان من الصعب ان تشرح لماذا ستذهب دون ان تودعه , وتطلعت بالورقة امامها .. وهي تعض شفتها , ثم كتبت بسرعة رسالة قصيرة , تقول فيها إنها آسفة ويجب عليها ان تذهب , وتعد ان تكتب له ثانية, لتبلغه عنوانها , ثم خرجت ووضعت الحقائب في السيارة, أدارتها وبدأت رحلتها في الفراغ.. نحو لندن , لن يصعب عليها ان تحصل على غرفة في فندق هناك .. وربما غداً ستكون قد قررت ماذا تفعل .
وبرزت ابتسامة مريرة صغيرة على فمها وهزت كتفيها , لقد عرفت ماذا ترغب في فعله الآن ! ولكنها لم تستطع الاستسلام لهذا الشعور , فستكره نفسها طوال حياتها إذا فعلت , ستخف هذه الرغبة المؤلمة عندما تبتعد عن روك , وتعلقت بهذه الفكرة , وقادت بسرعة , وهي لا تبالي بالسيارات الأخرى على الطريق..
من المؤكد انها لم تلاحظ تلك السيارة الكبيرة السوداء التي مرت بها بسرعة على بعد عدة أميال من المزرعة , الى ان استدارت السيارة في منتصف الطريق , وذعرت كارن عندما اكتشفت انها تسير بين السيارات بسرعة رهيبة, وداست على المكابح بسرعة , واصدرت الاطارات اصوات صرير .. وتأرجحت سيارتها يمنة ويسرى على كل عرض الطريق , وقد فقدت السيطرة عليها تماماً , وانتهى بها الأمر الى خارج الطريق على منحدر مليء بالعشب.
وانقلبت كارن فوق المقود بعنف وبقيت حيث هي , غائبة عن الوعي للحظة , مذهولة حتى لم تعد تعي أي شيء , وخرج سائق السيارة السوداء , وركض ليفتح باب سيارتها , واحست بيديه تفكان حزام الأمان من حلوها , فرفعت رأسها اليه :
- روك!
لم تتعرف على السيارة الاخرى او تعرف من يقودها , وجعلتها الصدمة ترتجف بعنف. ولم يرد عليها , كان مشغولاً بسحبها من سيارتها , وشعرت بيديه فوق جسدها , فالتفتت اليه بغضب قائلة :

- ماذا جعلك تستدير في منتصف الطريق هكذا؟ هذه ثاني مرة تحاول قتلي فيها ! المرة الماضية القيت اللوم على تشارلز .. وما عذرك هذه المرة ؟
- كان عليّ ان اوقفك .
- انت .. انت قصدت ان تجعلني اتحطم مع السيارة ؟ انت مجنون أكثر مما كنت اعتقد! ماذا لو تعطلت المكابح ؟ وماذا لو انني لم استطع التوقف في الوقت المناسب؟
- كنت سأبتعد عن طريقك قبل ان تصطدمي بي.
- لدي دافع يدفعني للاتصال بالبوليس , وأتهمك بالقيادة الخطرة! كان عليّ ان أقاضيك في المرة السابقة , في المرة القادمة قد تقتلني .. انت رجل مجنون مستهتر!
ودفعها روك سيارته , وانحنى عليها ليقول:
- في المرة الماضية كانت غلطة تشارلز وانت تعرفين هذا , اما الآن فقد تعمدت هذا, تعلمت منه .
وصفق الباب ومدت يدها الى المقبض بسرعة ولكنه كان أسرع منها , وأسرع الى المقود , وسحب يديها عن الباب.منتديات ليلاس
- ابقي هادئة وإلا صفعتك!
- لن تجرؤ على ذلك!
- جربيني!
منتديات ليلاس
ونظرت الى عينيه الغاضبتين الملتمعتين وقررت ان لا تخوض هذا الامتحان .. فابتسم بسخرية :
- انت حكيمة !.
- ارجوك دعني اخرج ! انا في طريقي الى لندن!
- اعتقد انك في طريقك الى مكان ما.. لهذا أوقفتك , لن تذهبي!.
- لقد قلت لي ان أذهب ! منذ ساعتين فقط قلت لي ان أعود الى استراليا.
ونظر اليها بصمت , وفمه يرتجف والتوتر في عينيه , ثم تنهد ..
- لم اكن أعني ما أقول .. يجب ان تعرفي انني لم اعنِ ياكارن . لقد فقدت اعصابي وقلت اول شيء خطر ببالي .. أنا آسف..
وخافت ان تلين , لأن أقل ضعف تجاهه قد يعني الكارثة.
- حسناً .. أنا ذاهبة .. على كل الاحوال..
وأغمضت عينيها, عندما ينظر اليها هكذا كانت معدتها تتقلص وجسدها يشتعل بالرغبة , ولكن يجب ان لا تدعه يؤثر عليها , يجب ان تبتعد عنه قبل ان يدرك مدى رغبتها به, ومد ذراعاه ولفهما حولها واحتضنها , فقالت بصوت مرتجف:
- لا تفعل هذا!
ولكنه لم يرد عليها وتابع ضغطه على جسدها , وحاولت ان تقاومه , ولكنها كانت راغبة في لمسته , وشعرت بالراحة عندما تركها , وصبت غضبها عليه, آملة ان يكون ماتفعله مقنعاً له:
- انزع يديك عني!
- الا زلت متعلقة بذلك الغبي الذي رماك ليهرب مع شقيقتي ؟ لا تضيعي مزيداً من وقتك عليه ياكارن , إنه لا يحبك , ولم يحبك ابداً!
- وماذا تعرف عن الحب ؟
ونظر اليها روك باحتقار, حتى أنها كادت تنفجر بالبكاء , ولكنها تمالكت نفسها ورفعت رأسها وحاولت إظهار البغض له , فضحك وقال :
- اعرف عنه أكثر مماتعرفين أنت!
فقالت له بمرارة :
- أشك في كلامك !
ومرت بهما سيارة , وخففت سرعتها وأطل السائق منها وصاح .
- هل انتما بحاجة لمساعدة ؟

وجلس روك , وأطل رأسه وقال :
- لا .. شكراً.
- هل أصيب احد في الحادث؟
-لا.. إنه ليس حادثاً خطيراً.
- من كان يقود تلك السيارة محظوظ لأنه لم يقتل.
ثم تابع السائق سيره , ونظر اليها روك بسخرية وقال :
- لقد ظن انني أسعفك !
- لقد كان على حق عندما قال إنني محظوظة بأنني لم اقتل ! هل لك ان تساعدني على إرجاع سيارتي الى الطريق ؟
- لن استطيع , خاصة بعد كل المطر الذي كان , والارض رطبة , كل ماسنفعله ان نحفر الوحل فنزيد الامر سوءاً , اتركيها هنا وسأرسل واحداً من الكاراج ليأتي بها.
وذهب روك ليأتي بحقائبها من السيارة , ووضعها في سيارته ثم قال :
- سأوصلك الى البيت ...
- هل تتوقف عن تسيير حياتي كما تشاء؟
- يجب على احد ان يفعل!
- لقد تدبرت أمر نفسي لسنوات !
- لا يبدو انك نجحت كثيراً حتى الآن , لقد اخترت أسوأ مخلوقات الله.. وقفزت الى أسوأ الاستنتاجات دون ان تعرفي ماذا تفعلين في الحقيقة!
منتديات ليلاس
وفتحت فمها لتصرخ في وجهه , ثم تذكرت كم كانت مخطئة بحق أمه .. ومدى ضعف الدليل الذي كان لديها للاستنتاج الخاطئ عن بيتي ميلمان .. فأقفلت فمها ثانية.
وكان روك يرمقها جانبياً , ينتظر ردها , وارتفع حاجباه لصمتها , فقال لها ساخراً :
- حسنا.. أليس لديك ماتقولينه ؟
- لقد قررت ان لا أدع لك المجال لجري لمناقشة حمقاء عقيمة مرة ثانية , قد تتمتع انت بها , ولكنني لا أحبها ! لم أتشاجر مع احد طوال حياتي بالطريقة التي أتشاجر بها معك, ولست ادري لماذا نستمر بالصراخ على بعضنا ...
- ألا تعرفين ؟ استطيع ان اقول لك .. ولكن ...
- أنا لن أصغي إليك!
- انت لا تريدين ان تصغي!
ولاحظت انه لم يكن يأخذها الى منزلها , فقد كان يتجه باتجاه قصر ميلمان فقالت بقلق :
- اين ستأخذني ؟
- واين تظنين اني سآخذك؟
- اريد العودة الى منزل والدي...
- فيما بعد !
- لا .. الآن .. خذني الى منزلي!
واستدار نحو منزله دون ان يعيرها التفاتاً , ورمقته بمزيج من الغضب والرغبة التي كانت شتعر انها ستنفجر في أية لحظة .. ما العمل برجل مثل روك ميلمان ؟.
- انت تدفعني للجنون!
- اصرخي !
وأوقف السيارة خارج المنزل , ثم استدار نحوها وقال :
- كارن , ارجوك توقفي عن الجدال معي لبضعة ساعات , لوقت يكفي لتناول العشاء معنا ؟ امي تشعر بالتعاسة لماحدث , وهي تحبك كثيراً, هل ستكونين لطيفة معها هذا المساء .. اظهري لها انك لا تلومينها؟ انت لا تلومينها أليس كذلك؟

وهزت رأسها :
- اعتقد انني لا ألومها , وأنا أحبها ايضاً .. و أنا سعيدة لأنها تحبني!.
- هل هذا اتفاق .. إذا؟
ونظرت اليه وتنهدت , وهزت رأسها, ومضت الأمسية هادئة .. كان الاربعة هناك .. روك و أمه .. وكارن ووالدها , وبعد تناول العشاء جلسوا يتحدثون لعدة ساعات قرب نار المدفأة , وعادت كارن الى المزرعة مع ابيها , وجعلها الارهاق تنام نوماً عميقاً, لتستيقظ على اصوات في الخارج , وسيارات تقف امام المنزل , فقد اعاد روك والميكانيكي سيارتها.
وخرجت من فراشها , واخذت دوشاً , وارتدت ملابسها ثم نزلت الى الطابق الأرضي لتجد روك يتناول القهوة في المطبخ , ويتحدث الى ابيها , وعندما ظهرت امامهما, نظر اليها روك ساخراً من قمة رأسها الى قدميها متفحصا مما جعلها تحمر خجلاً , وقال مغيظاً لها :
- حسناً , هل استفقت اخيراً ؟
ونظرت كارن الى ساعتها :
- ليس الوقت متأخراً ! إنها التاسعة والنصف , ام ان ساعتي متوقفة ؟
وقال والدها :
- لا .. هل تريدين إفطاراً ؟ بيض ؟ لحم؟
- سآخذ القهوة فقط , شكراً.ريحانة
وجلست عند الطرف المقابل لروك , وابتسمت بخجل:
- أرى أنك جلبت لي سيارتي , هذا لطف منك , شكراً لك.
- لقد كان خروجك عن الطريق غلطتي, لقد غسلها الكاراج قبل ان نحضرها الى هنا, وصدقيني كانت بحاجة لغسيل ! لقد كانت مغطاة بالوحل .
- شكرا لك.
منتديات ليلاس
واحست ان والدها يراقبهما.. هل علم احد بما تشعر به تجاه روك؟ هل يظهر عليها ؟ عندما تنظر اليه ..أم في صوتها ؟ ونهض روك :
- يجب ان أذهب .. سأراكما فيما بعد.
وخرج .. وجلست كارن تحدق بلا شيء , تشعر بالوحدة بعد أن غادر .. وأرعبتها هذه الفكرة .. هل اصبحت تعتمد عليه بهذه السرعة؟ إنه أمر خطير , ويجب ان تضع حداً له!
وتمتم والدها :
- كارن!
والتفتت اليه بسرعة, ولاحظت قلقه , مما جعلها تقلق هي الاخرى :
- نعم؟
- كنت اتساءل .. لدي اعمال مكتبية كثيرة, تنتظر التعامل معها .. وسأكون شاكرا جداً لبعض المساعدة , لو سمحت؟ فلدي عمل كثير أقوم به هنا...
وضحكت وبدا الحنان على وجهها.منتديات ليلاس
- طبعاً يا أبي .. سأكون سعيدة بمساعدتك , مارأيك ان ابدأ الآن؟
ورد عليها جورج كارداس :
- سيكون هذا رائعاً !
وتنهد بارتياح.
وظنت بادئ الأمر انه قد اختلق عملاً زائفاً لا حاجة لعمله في الحقيقة , ولكنها عندما رأت طاولته القديمة, وقد تكدست فوقها الطلبات, والرسائل, والمذكرات الحكومية, و الوثائق الرسمية , اصبحت واثقة ان والدها بحاجة لها , إنه بحاجة ماسة الى سكرتيرة , وكارن سكرتيرة ممتازة , وقالت له واثقة من نفسها :
- اترك كل هذا لي.. سأتولى أمره.
وبعد احتجاج بسيط , أطاعها بسرور.
وقضت الايام القليلة التالية تعمل في الاعمال المكتبية التي طال هجرانها .. لقد كانت حياته العملية في فوضى معقدة, وتعجبت كارن كيف استطاع تدبير الأمور طوال هذه المدة, بوجود كل هذه الرسائل دون رد , وهذه الفواتير غير المدفوعة , دون ذكر الأموال التي له على الناس.