-لو انك توضحين ماتقولين لفهمت عليك!
فردت عليه بصوت حاد :
- ماذا لو اخبرت كارلا احداً بمارأت ؟
- لن تخبر احد!
- وكيف تكون واثقاً لهذا الحد؟
- اعرف اختي , وعلى كل سأتحدث معها وأتأكد من عدم قولها شيء.
- أليس من الأفضل ان تذهب ؟ كارلا لا تزال منتظرة , والسماء وحدها تعلم ماذا تفكر بأنه يحدث هنا! اوضح لها ان ليس هناك شيء بيني وبينك!ريحانة
- بعدما رأته ؟.
- قل لها إنك هاجمتني , وهذا لا يعني شيئا.
- عندما اهاجم امرأة , هذا يعني شيئاً .. يعني انني اهواها !
وعضت على شفتها , إذاً هو يهواها .. فقالت له متوسلة:
- حسناً .. ارجوك , قل لشيقيقتك ان تنسى ماشاهدته !
- قد افعل .. وقد لا افعل! إذا اردت مني معروفاً .. يجب ان تعديني برده ..
- وماذا تريد ؟
- اريدك ان تعديني بزيارة والدتي , وان تتصادقي معها .
منتديات ليلاس
- وهل سنجعل كارلا تعتقد انها اخطأت بما رأته ؟ وأننا كنا نتشاجر وليس .. قل لها إن الأمر لم يكن .. ماتخيلته ...
- سأبذل جهدي, سأكذب عليها إذا اصبحت لطيفة مع أمي ؟ هل اتفقنا؟
- لن تكذب على كارلا .. هذه هي الحقيقة!
- حسناً .. اتفقنا.
- ومتى ستزورينها؟
- لست ادري.. في وقت ما غداً .. هل هذا جيد؟
- تعالي في وقت تناول الشاي.منتديات ليلاس
- اوه .. حسناً ! والآن هل تذهب وتتركني بسلام؟
- لك طبع مشتعل.
- هذا صحيح , وأنت تدفعني لأقصى الحدود يا سيد ميلمان ! اخرج من هنا ! اتسمح ؟
وعادت كارن لإكمال تحضير العشاء , وعندما انتهت , صعدت الى غرفتها لتأخذ حماماً وتغير ثيابها قبل ان يرجع والدها , كانت تتمتع برؤية وجهه وهو يشرق عندما يدخل المنزل ليراها تنتظره والموسيقى تعلو من الستيريو , والزهور في أوانيها , ورائحة الطعام اللذيذ تملأ الهواء.
لقد مضى وقت طويل منذ ان حرم جورج كارداس من الحياة العائلية , وكان يتمتع برفقة ابنته , وكارن بدورها كانت تتمتع بوجودها معه , عندما وصلت شعرت بالبرودة في الطابق العلوي المخصص للنوم, وبوحشة الغرف غير المسكونة , واصبحت مصممة ان تقلب برودة هذا المنزل متأخراً , وهو متورد الوجه من أثر الريح في البراري , واعتذر قائلاً:
- آسف يا حبي .. لقد تجولنا اكثر مما كنا ننوي في الاراضي , وتوقفنا عند شارلي رودوك, لتناول القهوة والحديث ...
- ولماذا تأخرتم ؟
- حسناً ربما استغرقنا في الحديث, وعندما رأينا ان الوقت قد تأخر اوصلنا شارلي بسيارته , آمل ان لا يكون العشاء قد احترق !
وردت عليه وهي تتظاهر بالانزعاج :
- تقريباً.
ثم ابتسمت.
- ولكن لا تهتم .. اذهب واغتسل واخلع ثيابك الموحلة .منتديات ليلاس

كانت رائحة لحم الغنم والتوابل والاعشاب تملأ المطبخ , عندما عاد جورج , فتنشق الرائحة بقبول قائلاً:
- هاي.. إن الرائحة لذيذة يا فتاة ! وتبدو عظيمة ايضاً ! واحب البطاطا المطبوخة , وماذا هناك في هذا الوعاء؟
- إنه لبن رائب مع الثوم.
- اوه .. صحيح ؟ وهل الثوم من حديقتنا ؟ والبقدونس ايضاً! اتعرفين ان أمك هي التي هيأت الحديقة لزراعة الخضار قد نمت من كل الانواع , ولكنها لم تهتم بها بعدها , وحافظت عليها بعد ان ذهبت.
- حسنا اتمنى ان يعجبك طعامي!
واخذت الوعاء من منتصف الطاولة و سكبت اللحم .
- روك ميلمان كان هنا.
- هل كان مستعجلاً , وكانت معه اخته , وطلب مني زيارة منزلهم ثانية في الغد.
- وهل ستذهبين ؟
- اجل , لقد دعاني لتناول الشاي .. وهل ستأتي انت ؟
وتردد جورج قليلا , ثم هز رأسه وقال :
- لا.. اذهبي لوحدك هذه المرة يافتاة.
منتديات ليلاس
وتناول اول لقمة من الطعام , واغمض عينيه يتمتع برائحة الطعام ونكهته وراقبته كارن بسرور, وتناول المزيد , ثم ابتسم لها وقال :
- اين تعلمت الطبخ هكذا؟
- لقد كنت اسكن في شقة لوحدي في سيدني , وكان عليّ ان أتعلم الطبخ او اموت جوعاً , وهكذا تعلمت الطبخ الجيد لنفسي.ريحانة
- نفس الشيء معي, ولكنني لست طموحاً مثلك , وآكل في الخارج من وقت الى وقت .
في الصباح التالي زارت تشارلز , ووجدته جالساً في مقعد الى جانب السرير يقرأ قصة , واخبرته انها اتصلت بوالديه , وكانا مسرورين وارسلا له معها رسائل حب , واخذ يستمع اليها ويبتسم.
ولم تخبره بأنها ستتناول الشاي عند آل ميلمان , فقد نسيت ولكنها شعرت بالراحة لعدم ذكر الامر , لأنه كان سيسألها عن روك ميلمان , ولن تعرف ماذا سيقول عنه .
الطريقة التي تفكر بها روك كانت تزعجها , مع انها تكرهه , وتكره كل شيء فيه من نظراته المربكة الى تكبره , الى تصرفاته الاقطاعية نحو كل شيء يقع تحت سلطته .
روك كان متكلفاً و زائفاً , وهو يتودد اليها وكأنه واثق من نفسه , ويجب عليها ان لا تدعه يتصرف معها هكذا مرة اخرى.ريحانة
ورافقت والدها لتناول الغداء قرب المستشفى , في مطعم صغير جميل له ستائر ومفارش بيضاء وحمراء متقاطعة, وبعد الغداء تناولا القهوة .
كان والدها طوال الوقت يحني رأسه بالتحية لعدة زبائن كانوا يتطلعون الى طاولتهما , وقال جورج برضى , وهو يغمز لها :
- إنهم يتساءلون من اين حصلت على هذه الفتاة الجميلة في عمري هذا.
لابد انهم يعرفون انها ابنته , وقد بدأت تتعرف على هؤلاء الناس ! الاشاعة هنا تسافر بسرعة الضوء , ما إن يهمس بسر في احد اطراف الوادي عند الافطار حتى يصل الى الطرف الآخر عند الغداء.

هل الكل هنا يعرف عن والدها و بيتي ميلمان ؟ او على الاقل يتكهنون هذا , واذا لم يعرفوا فكيف استطاعا ان يخفيا علاقتهما سراً طوال العديد من السنوات ؟ ام ان الجميع يأخذون علاقتهما كأمر مسلم به بعد هذه المدة الطويلة؟ وهل جعل الزمن من هذه العلاقة مقبولة ؟
وأواصلهما والدها الى الغيوم الكثيفة في السماء وقال :
- تبدو السماء مكفهرة .
وردت عليه بيقين :
- لن تمطر قبل ان أصل الى هناك؟
- ربما ... اتصلي بي و سآتي لاحضارك بعد تناول الشاي.
وادار السيارة ثانية ونظر اليها قائلاً:
- متعي نفسك.
ولكن ماعناه في الحقيقة ان كوني لطيفة مع السيدة ميلمان .. فابتسمت له دون ان تعده وابتعد , وسارت ببطء , تنظر بإعجاب الى الوان الجبال الخضراء والبنية التي تلامس السماء, وكانت الغيوم تتجمع , رمادية , رطبة , واعدة بالمطر.
وتوقفت تراقب نعجة تحاول تسلق الجدار , ثم تفشل وتقع , إنها دائما تحاول الهروب نحو الطريق , كما يقول والدها :
- إنها مخلوقات غبية .
كل مرة كان يتلقى نبأ حادث لها :
- لا اعلم لماذا لا اتخلى عنها وأربي الطيور.
ولم تنظر في ساعتها إلا بعد ان اصبح ميلمان على بعد نظرها , واستغربت كم استغرقها من الوقت لتسير النصف ميل هذا .منتديات ليلاس
منتديات ليلاس
سنتأخر ! واسرعت الخطى, واقبلت سيارة مسرعة باتجاهها , إنها سيارة روك , وتوقف امامها بسرعة ومال ليفتح الباب :
- ادخلي.
- استطيع إكمال الطريق سيراً, يبدو انك مستعجل .
- كنت مستعجلاً لأبحث عنك! عندما تأخرتي اتصلت بالمنزل وقال والدك إنه اوصلك الى مفترق الطريق .. اين كنت؟
- كنت أتمتع بالمناظر .
- ولست مستعجلة للوصول ؟
- لم ألاحظ الوقت!
- أهكذا تحافظين على وعودك بالكلمات لا بالروح؟
- وماذا عنك هل وفيت بوعدك ؟ هل تكلمت مع اختك؟
- اجل..
- وهل أقنعتها؟
- هل تريدين ان تصعدي ؟ فمحرك السيارة يعمل وانا اصرف الوقود سدى , نستطيع الكلام في الطريق .
وصعدت السيارة على مضض , واستدار روك على الفور وتوجه نحو المنزل بسرعة كبيرة , وقال وهو ينظر امامه:
- لقد كانت كارلا بمزاج سيء عندما تكلمت معها .
- يبدو ان هذا مزاجها العادي , وأنا غير مندهشة , ولكن هل صدقتك؟
- بصراحة .. لا.
- وماذا قلت لها ؟
- قلت لها ما أردتني ان اقول .. عدة اكاذيب !
- اوه .. حسناً .. انت لم تحاول ان تكون مقنعاً حتى ..
وضغط روك على مكابح السيارة بقوة , حتى انها كادت تصطدم بالزجاج الامامي , وعندما استعادت انفاسها التفتت اليه لتصب عليه جام غضبها :
- ايها المهووس ! لقد اخفتني حتى الموت! ألا يكفيك حادث سيارة واحد؟
- الآن نظري إليّ .. لقد حافظت على وعدي وتكلمت مع اختي , وقلت لها كل ماطلبت مني ان اقول , وهل استطيع منعها إذا لم تصدق؟

كانت كارن تشعر بأن الخطأ خطأه بطريقة ما , مع أنها لا تستطيع إثبات هذا :
- وماذا قلت لها بالضبط ؟
- لم اقل الكثير .
- لابد انها قالت شيئاً؟
- لقد ضحكت .
- ضحكت؟
وهز رأسه :
- ضحكت في وجهي !
إنها انباء سيئة , ولم تعجب كارن , إذا كانت كارلا قد ضحكت في وجه أخيها, فهذا يعني انها لم تصدق كلمة مما قاله .منتديات ليلاس
وضحك روك , ضحك عالياً , وهو يعود لقيادة السيارة نحو المنزل, وجلست كارن الى جانبه ترتجف من الغضب .
عندما خرجت من السيارة , ظهرت السيدة ميلمان عند السلم , وجهها قلق :
- وجدك روك! .. هذا جيد .. لقد قلقنا عليك! هل ضعتي ؟
- انا آسفة , كنت اسير على الطريق, أتمتع بمنظر التلال.
وسحبت كارن الى المنزل وهي تتحدث عن مواقع الجمال المفضلة لديها وابتسمت لها وهي تقول :
- أنا سعيدة جداً بقدومك , كارلا خرجت وروك ذاهب الى القرية ليشتري شيئاً , لذا سنكون لوحدنا , اتمنى ان لا تضجري !
وارتاحت كارن بعمق لأن روك لن يكون موجوداً , وقالت :
- بالطبع لن اضجر !.
منتديات ليلاس
وتبعت السيدة ميلمان الى الغرفة , حيث سألتها السيدة ميلمان :
- كيف حال خطيبك ؟
و أومأت لها لتجلس الى مقعد مريح قرب الطاولة , التي وضع فوقها الشاي وسندويشات خفيفة الحلوى , والبسكويت المنزلي .منتديات ليلاس
- إنه افضل بكثير , شكراً , آمل ان يخرج من المستشفى بعد اسبوع .
ووجدت كارن ان التحدث مع السيدة ميلمان ممتع اكثر مما توقعت , لأنهما وحيدتان , وليس عليها ان تتذكر دائماً اسباب كرهها لها , غياب روك جعلها تشعر بالراحة بشكل غريب , واجابتها بيتي ميلمان:
- اوه .. هذا جيد .. من دواعي الاسف ان تحصل حادثة عند تمضية عطلة , وبعد قطع كل هذه المسافة! لابد ان الرحلة كلفتكما كثيراً.
- لقد سافرنا بالدرجة الاقتصادية , كلانا لا يملك الكثير من المال..
وتحدثت السيدة ميلمان لعدة دقائق , حول العطل , ثم نهضت قائلة :
- سأحضر الشاي .. اعذريني للحظة.
وتجولت كارن في الغرفة حتى وصلت الى حقيبة ملئية بالكتب , كان فيها عدة كتب مهمة ومختلفة , فالتقطت احدها , عندها دخلت السيدة ميلمان ومعها صينية , عليها إبريق شاي , ووعاء سكر من الصيني المرسوم بالزهور , وفناجين من نفس الطقم.
والتفتت كارن بسرعة وفي يدها كتاب, وظهر على وجهها الاعتذار :
- آٍفة .. لم استطع مقاومة الفضول ...
- ابداً .. لا تهتمي . . انا مثلك تماماً .. عندما ارى الكتب في اي منزل لا استطيع سوى ان انظر فيها , إنها تشير الى شخصيات البشر , تستطيعين معرفة الكثير عن شخص ما ممايقرأه , اليس كذلك ؟

وصبت الشاي , وجلست كارن ثانية , واخذت منها فنجان الشاي وقطعة سندويش صغير , و سألتها وهي تتناول بعض مربى الفريز :
- هل صنعت هذا بنفسك؟
- اجل صنعتها بنفسي فأنا احب الطبخ, صنعتها من الفريز الخاص عندنا.ريحانة
- لقد شاهدت عدة كتب طبخ لديك , ويظهر انك تحبين الروايات الرومانسية.
- هل تحبينها انت ؟
- اجل احبها كثيراً.. ماذا تفضلين منها جين آيير او مرتفعات ويذرنغ ؟
- اوه .. يا للسماء ! ماهذا السؤال .. حسناً ..
واكملت حدبثها , وتناولت كارن قطعة حلوى بالشكولا, وتحدثتا بحرية وراحة بعد هذا, حول مواضيع عادية , لا تتطرق الى مواضيع حساسة , الحديث عن الكتب كان الأسهل من بين ما تفضلان , ولم تذكرا ابداً جورج كارداس ولا روك .
ودخل جوش بعد ساعة , والتفتتا اليه وهما تضحكان , وتوقفت كارن عن الضحك عندما شاهدته .
- لقد عدت باكراً , هل اشتريت الأدوات التي تحتاجها؟
- البعض منها...
ونظر الى كارن مستغرباً تعبيرها البارد , وكرهت كارن هذا الصوت الناعم والسخرية التي يحملها, فنظرت الى ساعتها ثم وقفت :
- يجب ان اذهب .. شكراً لك على الشاي سيدة ميلمان!
- ناديني بيتي يا كارن , وشكراً لقدومك , لقد جعلت بعد الظهر هذا سعيداً لي .. يجب ان نتحدث عن مؤلفينا المفضلين ثانية .
منتديات ليلاس
- سأوصلك أنا ..
- افضل السير , شكراً , احتاج الى تمرين .. سأراك ثانية سيدة .. بيتي !
ونظرت السيدة ميلمان بقلق الى السماء :
- لقد حل الظلام ويبدو انها ستمطر .منتديات ليلاس
وقال روك :
- سأوصلها .
ولكن كارن بدأت السير نحو الطريق , وقد تملكها الغضب لطريقة تحدثه عنها وكأنها طفلة وبحاجة الى حماية هذا المهووس الاقطاعي , لقد شاهدت طريقة الأوامر على اخته , وحاول ان يفعل الشيء نفسه معها عدة مرات حتى الآن , ولن تتحمل منه هذا .
وقال لها وهو يمر بسرعة بسيارته من امامها :
- افعلي ماتشائين !
وراقبت اضواء سيارته الخلفية تختفي في الظلمة وشعرت بالغباء, فالطريق طويل الى المزرعة , وكان اكثر تعقلاً لو انها قبلت ان يوصلها , ولكنها قطعت عهداً على نفسها ان تتجنبه, وسوف تحافظ على هذا الوعد.
وما إن سارت عشر دقائق حتى انهمر المطر, بدأ بقطرات صغيرة , ثم انهمر بقوة , مغرقاً إياها , محولاً شعرها الأحمر الى اسود , والتصق بشعرها وكأنه قبعة , وتبللت ملابسها وبدأ الماء يدخل الى قدميها عبر حذائها .
لم يكن هناك مكان تلتجئ اليه, وكان عليها ان تستمر بالسير واحنت وجهها من الريح والمطر , وهي تصلي حتى يعود روك اليها .ريحانة
لابد انه يعرف انها على وشك الغرق , تقاوم ريحاً تهب في وجهها مباشرة .. فهل سيعود لإنقاذها ؟
وشاهدت امامها انوار سيارة قادمة , فتنهدت بارتياح عندما خففت سيرها , ونظرت الى داخلها , ولم يكن روك بل غريب اضخم منه وأقصر :
- إنها ليلة سيئة للتمشي , هل ترغبين بإيصالك ؟