كاتب الموضوع :
Ahmad Rufai
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: رواية 13
-13-
خرجت خلفه وأنا أخرج علبة السجائر من جيبي وأشعل واحدة، قالت الأستاذة (معالي):
- أطفئها أن كنت رجلاً..
كنت قد تقدمتها فأجبتها بصوت بارد:
- ومن قال لك أنني بحاجتها لأثبت أنني رجل..!!
لم أستطع معرفة التعبير الذي رسم على وجهها حينها لأنني كنت قد منحتها ظهري قبل أن أتحدث، عبر بنا الأستاذ حامد عدة أقسام قبل أن نصل إلى مكتبه ثم جلس وأشعل سيجارة هو الآخر، وبينما اتخذ داني مقعده أمام مكتب الأستاذ (حامد) وراحا يكتبان صيغ العقد وبنوده بينما اتخذت مقعدي في ركن قصي من الغرفة أفكر في ردة فعلي من تصرفها.
إن أكبر خطأ قد ترتكبه المرأة هو محاولة الانتقاص من رجولة أحدهم، لأن ردة فعله حينها تكون محاولة منه لإثبات رجولته وخشونته التي لن تأتي مناسبة لما تريده هي أبداً..
نكزني داني ثم همس لي:
- قصي.. هيا، لقد تم عمل كل شيء.. بقي تعميد الأستاذة معالي.
أشرت بيدي:
- اذهب وحدك.. لا أريد أن أراها.. سأنتظرك هنا..
اقترب مني وهمس لي في أذني بخجل:
- قصي.. رجاءاً لا تحرجني.. أنني أتلعثم أمام النساء سريعاً.
لم أتحدث بكلمة واحدة طوال بقائنا في مكتبها، وضعت الورق على الطاولة فقامت بتوقيعه دون أن تنظر إليّ ثم قالت:
- يعتبر هذا العقد نافذاً من صباح الغد.. مبارك لكما..
توجه داني إلى الباب فتبعته لكنها نادتني، قالت:
- أستاذ قصي.. هل تعلم لماذا طلبت منك أن تطفئ سيجارتك؟؟
لم أجبها.. اكتفيت فقط بالنظر في عينيها، فقالت بلهجة عراقية خالصة مليئة بالشوق في ثناياها:
- آني أحب ريحة السجاير.. لو ضليتك مولعها بضل أمشي وراك..
للحظة شعرت أنني أهوي في عالم ابتسامتها وحمرة خدها.. بدت امرأة أخرى غير تلك التي استقبلتنا هذا الصباح، شعرت أن تنهيدتها التي تبعت حديثها سحبت كل الأوكسجين من الغرفة، فنظرت لها بتوتر ولم أعرف ماذا يجب أن أقول أمام كل هذا الجنون..
وكما استطاعت أن تشعلني بكلمة، فقد أطفئتني بكلمة أيضاً ثم وجدتني وأنا أضغط على أصبعي بقوة خارج مكتبها أحاول أن أعود إلى وضعي الطبيعي دون فائدة.
وما أن دلفنا إلى السيارة حتى بدأ داني في الضحك بطريقة هستيريه.. لا بد أنه سمع ما قالته تلك المجنونة لكنني تظاهرت بعدم الاهتمام وأشعلت سيجارة أخرى فقال محاولاً تقليدها:
- لو ظليتك مولعها يا قصي .. آني..
لم يستطع إكمال جملته من الضحك فرميت سيجارتي من النافذة وأمسكت برقبته وصرخت في وجهه بتوتر:
- أسكت..
غطى وجهه بكلتا يديه ليمنع نفسه من الضحك، ثم عاود القيادة وهو يحاول السيطرة على نفسه.
أشعلت سيجارة أخرى ونظرت من النافذة أحاول أن أمنع نفسي من التفكير، قلت:
- مجنونة.. لا أعلم كيف تجرؤ على ذلك.. لوهلة شعرت أنني كنت أحلم.. تخيل أنني لم أستطع حتى أن أجيبها.. مجنونة..
- لكنها جميلة.. أعتقد أنها لم تتجاوز الثلاثين..
- لا.. لا.. أعتقد أنها.. في الرابعة والثلاثين.. الخامسة ربما.. لا أعلم.. لكنها تجاوزت الثلاثين دون أدنى شك.. عينيها صغيرة بعض الشيء.. لكنها تتناسب مع أنفها المنساب.. أعتقد أنها..
أدركت أنني أتحدث بصوت عالٍ بعض الشيء وداني ينظر إلي، قال:
- تعتقد أنها ماذا؟
- لاشيء.. داني انعطف إلى اليمين وتوقف أمام الصيدلية، لقد تذكرت شيئاً.
انعطف إلى اليمين ثم توقف، فخرجت من السيارة وأنا أقول له:
- سأتأخر كثيراً.. لا تنتظرني.. أخبر (حسن) أنني قد لا أعود اليوم.. وداعاً.
لم أنتظر لأسمع ما يقوله بل قطعت الشارع مسرعاً باتجاه الشارع المقابل وبعد ثلاثمائة متر توقفت لابتاع علبة شوكولاته صغيرة ثم توجهت إلى المشفى حيث ود..
دخلت إلى غرفتها بهدوء، بدا على وجهها أنها تحسنت كثيراً فجلست بقربها أتأمل وجهها وأسأل نفسي، أليس لها أهل أو أصدقاء يأتون للسؤال عنها؟؟ تخيلت نفسي في ذات الموقف ورأيتني وأنا ممتد على سرير في مشفى بوسط المدينة ولا أحد حولي فظهرت لي بعد قليل صورة أبي يدخل حاملاً في يده مجلة أطفال ومجموعة أوراق اللعب التي كنت أحبها كثيراً، ثم يقترب مني ويمسح على رأسي لينزع كل الآلام بيد واحدة بينما تحمل يده الأخرى كل سعادة الدنيا ليغمرني بها.
لطالما كنت الأثير عند أبي وإخوتي ولا زلت.. أذكر أنني أصبت يوماً بالحمى عندما كنت صغيراً ولازمت الفراش لأسبوع، كنت أشعر بأنني محور اهتمام كل عائلتي، فلا يكاد ينقضي وقت قصير جداً حتى أرى من يقف أمام سريري ويغمرني بابتسامة أو قبلة أو هدية ترسم الابتسامة على وجهي وتجعلني أتجاوز تعبي بسهولة.
مدّت (ود) يدها ولامست يدي، قالت:
- منذ متى وأنت هنا؟
وقفت مباشرة، قلت وأنا أنظر إلى عينيها:
- قبل لحظات..
صمتت قليلاً ونظرت إلى السقف كأنها تحاول أن تبحث عن كلمة تعبر عما بداخلها، قالت:
- تدخل وتخرج هكذا دون أن تحضر معك شيئاً.. يا لك من بخيل.
ضحكت وقمت لأحضر علبة الشوكولاته من على الطاولة وجلست على طرف سريرها، وشرعت أزيل عنها الغلاف ثم أمسكت بواحدة وقلت لها ضاحكاً:
- افتحي فمك..
فتحت فمها فوضعت قطعة الشوكولاته لكنها اكتفت بقضم نصفها ثم أغلقت فمها، فأعدت القطعة إلى الطاولة، قالت بخجل:
- قصي هل كنت أتحدث وأنا نائمة؟؟
ضحكت دون أن أجيبها ثم مسحت على وجهها، قالت:
- هل تعلم أنني أكرهك؟؟ من سمح لك بالدخول وأنا نائمة؟!
حاولت أن أزيل توترها فقلت لها ضاحكاً:
- لا تخافي.. لا أعرف أحداً من أهلك أو أصدقائك لأخبره بما تحدثتِ به أثناء نومك..
تغير وجهها تماماً، وقالت لي بحدة:
- ولا أعتقد أنك بحاجة لأن تعرف..
قمت من مكاني وتوجهت نحو النافذة ورحت أنظر من خلالها وأنا أعرف أن هناك أمراً تخبئه خلف هذه الجملة، وأن هناك احتمالات كثيرة خلف عدم سؤال أحد عنها منذ أن دخلت المشفى، لكن وجه الشبه بين كل هذه الاحتمالات هي أنها قاسية بكل تأكيد، قلت بابتسامة:
- ومن أخبرك أنني بحاجة إلى معرفة أحد منهم.. يكفي أن أعرف (ود) فقط.. النساء اللاتي يشبهنك لسن بحاجة إلى أحد يعرفن من خلاله.. أنت قبيلة كاملة بمفردك يا جميلة.
نظرت إليها لأرى تأثير ما قلته على وجهها لكنها بدت شاردة، صمتت قليلاً ثم قالت:
- عندما تكذب يا قصي فأنت لا تستطيع النظر إلى وجه محدثك، فتصطنع النظر من النافذة مثلاً كما تفعل الآن.. وكما فعلت في الحفلة سابقاً.. لكن لا بأس.. أنا أحب كذبك..
اقتربت منها، قلت:
- يبدو أنك معجبة بي لدرجة أنك تحاولين قراءة كل تصرفاتي في محاولة فاشلة منك لفهمها..
- لا يأخذك العجب بنفسك كثيراً يا قصي.. كل مافي الأمر أنني أفعل ذلك لأتجنب خوض تجربة أخرى مع رجل يشبهك في المرة المقبلة.. لا وقت لدي لأخسره كما ترى..
رحت أضحك بشدة إلى أن دمعت عيني من كثرة الضحك فجلست على طرف السرير ووضعت يدي على فمي في محاولة فاشلة للسيطرة على نفسي، ابتسمت (ود) بسعادة عندما رأتني أضحك بهذه الطريقة، ثم شدت على فخذي وقالت:
- أنا على ثقة من أنك تفعل الشيء ذاته معي.. لكنني أحبك هكذا.. كاذباً حنوناً خائناً مجنوناً ورائعاً.. كما أنت..
ابتسمت لها ثم حملتها دون أن تطلب مني ذلك ووقفت بها أمام النافذة لدقائق تدثرتُ فيها بالصمت بينما اكتفت هي بإغراق يدها في شعري واللعب به ومشاركتي النظر من خلال النافذة، كان المنظر يبدو متأثراً لدرجة أنني شعرت أنه يشاهدنا متعجباً وسعيداً كما نشاهده فيتأمل أصابعها النحيلة وقامتي المرهقة.. وتشابهنا القديم!!
عندما هممت بالخروج تلك الليلة قالت لي:
- قصي..
التفت نحوها بابتسامة لأحثها على الكلام، قالت:
- لقد تعلمت منك اليوم أمراً يا قصي..
تعلمت أن لا أكون آسفة على موتي.. وبالرغم من أنني عرفت الكثير من الرجال إلا أنني أعتقد أن الحياة كانت كريمة جداً معي في النهاية حين أرسلت إليّ هدية على شكل رجل اسمه قصي.
ابتسمت لها فتابعت:
- لا يعني ذلك أنك أفضل رجل التقيته في حياتي، لكنك رجل جيد..
أعلم في قرارة نفسي أنك مغرور جداً، وأنك قد تقف بجانبي الآن فقط لتقوم بالتكفير عن أخطاء سابقة ارتكبتها مع أخريات.. لكنني لست غاضبة من ذلك لأن هذا يعني أنك تتمتع بنصف ضمير ولأن ذلك أيضاً لا يعنيني طالما لم أكن الفتاة التي أخطأت في حقها!!
ولكن.. لمَ تخطئ في حق الفتيات إن لم تكن تستطيع أن تعالج جراحهن؟؟ أعتقد أنك تفقد القدرة على الحب.. هل تعلم لماذا؟
لم أجبها.. استمريت بالابتسام وأنا أحاول النظر إلى عينيها فقط، فتابعت:
- يقولون أن فاقد الشيء لا يعطيه، وأنا أقول أن مالك الشيء هو من لا يعطيه.. لأنه يرى أن الوصول إليه طبيعة لا عطاءاً وأن امتلاكه له يأتي من منطلق استحقاقه له، متناسياً أنه قد ينزع عنه في أي لحظة ليمنح لغيره..
جلست تلك الليلة في غرفتي أنظر إلى المرآة وأفكر في حديثها، كنت أنتظر أن يخرج صوت ضميري من المرآة كما يفعل دائماً ليجادلني فأبرر له أسبابي وأقنعه بأنني على صواب، ولكنه آثر عدم الظهور ربما لأنه لا يريد تضييع وقته في نقاش يعلم تماماً أنني لن أقتنع به فأغمضت عيني وألقيت رأسي على السرير فسمعت صوت هاتفي وقمت لأجيب، قلت:
- أهلاً..
جاءني صوت أذكر أنني سمعته مسبقاً، قالت صاحبته:
- هل أنت قصي؟؟
- نعم..
بدأت تكيل الشتائم وتصرخ بكل قوتها ولم تترك نعتاً سيئاً أعرفه ولا أعرفه إلا وقذفتني به ثم بصقت في وجهي وأغلقت الخط دون أن تترك لي فرصة للرد أو الحديث.. أغمضت عيني وحاولت أن أشتت تفكيري كما أفعل كل مرة أحاول الهروب فيها من الواقع لكن ذلك لم يزدني سوى محاولة لمعرفة صاحبة الصوت.. ثم اكتشفت بعد أن قمت بعصر كل ذرة في دماغي أنها (هند)!!
في صباح اليوم التالي وبينما كان داني يشرف على تركيب الأجهزة بالأعلى، كنت أشرف على العمال الذين يقومون بإدخالها إلى الشركة ولمحت الأستاذة (معالي) وهي تقترب فابتعدت عن مدخل الباب قليلاً لكنها اقتربت مني، قالت:
- صباح الخير..
حاولت أن أكون طبيعياً جداً، فآخر ما ينقصني الآن هي وجنونها، قلت:
- صباح النور..
- أبو صدام.. هل لي أن أدعوك إلى فنجان قهوة في مكتبي؟
- لكنني.. أ..
قاطعتني:
- سأنتظرك حتى تكمل عملك..
حاولت الرفض مرة أخرى لكنها قاطعتني:
- سأسحب دعوتي وأطلب منك دعوة مماثلة إلى فنجان قهوة.. كما سأطلب من داني أن تقوم أنت بتركيب الجهاز في مكتبي لأنني سمعت أنك خبير في ذلك..
شعرت أنني لا زلت رافضاً هذا اللقاء فتابعت لتمنحه شيئاً من الرسمية والأهمية:
- ولدي بعض الأسئلة.. بخصوص العمل..
دلفت إلى مكتبها قبيل الظهر لأجد كل شيء بانتظاري.. قمت بتركيب الجهاز على عجل وهي تسألني عن بعض أمور العمل، قالت:
- الآن أريدك أن تنقل لي بعض البيانات من جهازي السابق إلى هذا الجهاز.. اعتبرها خدمة شخصية.
قمت بجميع ما طلبته مني دون أن أتحدث، كنت أجيب على أسئلتها فقط وحالما أنهيت عملي قمت لأخرج، قالت:
- عجباً.. أذكر أن شهماً بدوياً دعاني إلى فنجان قهوة.. وها أنا الآن أراه يتنصل من وعده.
للحظة أردت أن أسألها ماذا تريد، لكنني فضلت أن أعرف ماذا تخبئ لي هذه الجريئة، قلت بابتسامة باردة:
- لا زالت الدعوة قائمة..
كان لابد من قتل الخوف بداخلي أعلم إنني لو لم أفعل ذلك لبقيت ألوم نفسي طوال الليل منشغلاً بالتفكير في حديثها وتصرفاتها، وأنا لا أريد التفكير بأحد..
قامت باختيار المقهى الذي تفضله هي وما أن أخذنا أماكننا متقابلين حتى جاء النادل ليقف على رؤوسنا، قالت:
- فنجاني قهوة من فضلك..
وحلما جاءت القهوة سألتها:
- ثم ماذا؟؟
قالت ببراءة مصطنعة:
- ماذا عن ماذا؟؟
حركت أصبعي مشيراً إلى القهوة وأنا أنظر إلى عينيها، قلت:
- وماذا بعد القهوة؟؟
التقطت علبة سجائري بخفة وأشعلت واحدة ثم قدمتها لي، قالت:
- قصي.. أريد أن أنظر إليك وأنت تدخن سيجارة.
- فقط؟؟!!
- حتى الآن.. يكفيني ذلك.. أو لنقل أن هذا ما أريده حتى الآن..
لم أجبها ورحت أدخن سيجارتي، ولأول مرة في حياتي أتمنى أن تنتهي هذه السيجارة بسرعة، لكنها وضعت كفيها تحت ذقنها وراحت تنظر إليّ باستمتاع، قالت:
- لم قمت بدعوتي إلى فنجان القهوة هذا؟؟
- لأستطيع النوم ليلاً..
- وما الذي قد يمنعك من النوم إن لم تقم بدعوتي؟
نظرت إليها قليلاً وأنا أفكر، قلت:
- لا أعلم.. لكن على فرض أنني من قمت بدعوتك لفنجان القهوة هذا.. فما السبب الذي دعاك لاستجابة طلبي؟
شبكت أصابعها وبدت أكثر جديّة من ذي قبل ثم قالت بصوت رزين:
- أنا لا أؤمن بالصدف ولا أعترف بالحظ، لذلك أقوم بصناعة الفرص في حياتي بنفسي.. أو لأكون أكثر واقعية لنقل أنني لا أحب أن أترك فرصة في حياتي تمر دون أن أستغلها.. حتى لا أندم على ذلك لاحقاً..
هل فهمت ما أقصده؟؟
اكتفيت بالابتسام ونفثت دخان سيجارتي إلى الأعلى، فكأنها فهمت أن سبب صمتي هو عدم استيعابي لما قالته، فرحت تحاول أن تشرح الأمر بطريقتي، قالت:
- لقد استجبت دعوتك لأستطيع النوم ليلاً.. هل فهمت الآن؟؟
- نعم.. لكن أليس السعي وراء كل الفرص يحرمنا متعة الشعور بالحياة ويجعل صدمتنا أكبر حين نكتشف أن ليس كل ما نسعى وراءه يستحق كل هذه التضحية؟؟
أعادت جسمها إلى الوراء ونظرت إلى كوب القهوة شبه الفارغ كأنه يعلن عن نهاية اللقاء ثم قالت بصوت حائر:
- لا أعلم.. لكنك رجل غريب تجبر محدثك على الاعتراف بما تريده أنت دون أن تبذل جهداً يذكر..
- أرى أنك تنظرين إلى كوب القهوة.. هل تريدين كوباً آخر؟؟
نظرت إلى ساعتها ثم قالت:
- لا.. لقد تأخرت على ابنتي.. لابد أنها خائفة الآن.
قمت من مكاني وأنا أشير إلى النادل ليأخذ الحساب، قلت:
- لا بأس.. سأعيدك إلى مقر عملك بسرعة..
قالت بتردد:
- لا.. لا.. سأوقف سيارة أجرة من أمام المـ..
قاطعتها بسرعة:
- لا بأس.. سأوصلك بنفسي.. ليس لدي عمل.
عادت لتجلس بجانبي في السيارة تدلني على طريق مدرسة ابنتها، واتصلت بالسائق لتطلب منه عدم الحضور. وصلنا إلى المدرسة فاختفت وسط المبنى لدقائق ثم عادت وهي تمسك بيد طفلة صغيرة أجلستها في المقعد الخلفي ثم عادت لتجلس بجانبي وتوجهنا إلى منزلها.
قالت وهي تفتح باب السيارة:
- لقد أجبت دعوتك صباح اليوم وأريد منك أن تجيب دعوتي.
حاولت أن أتحدث لكنها قاطعتني:
- لا تتعذر بانشغالك.. أنت مدعو على الغداء معنا ولكن ليس الآن، حدد اليوم الذي يناسبك وأخبرني..
- لا يـ..
قاطعتني مرة أخرى:
- أنا لا أجبرك على النزول الآن.. طلبت منك أن تختار الذي يناسبك.. لا عذر لديك.. هل يناسبك نهاية الأسبوع؟
كان من الواضح أنها لن تغيير رأيها، قلت:
- حسناً..
أغلقت باب السيارة وهي تقول بلهجة جادة:
- عدني أنك ستحضر؟؟
- أعدك..
رفعت رأسها وأمسكت بيد ابنتها، ثم منحتني ظهرها وهي تقول:
- سنكون بانتظارك.. شكراً لوقتك قصي.
وسألت نفسي السؤال نفسه وأنا على فراشي تلك الليلة، وما الذي قد يمنعني من النوم إن لم أقم بدعوتها إلى فنجان قهوة!!؟؟
ثم رحت أسأل السؤال ذاته ولكن بطريقة مختلفة.. هل يمكن أن تكون (ود) على حق حين قالت أنني لا أستطيع أن أحب؟!
لقد كان بإمكاني أن أحب ربى لو كانت أجمل، وكنت سأهيم بخصال جداً لو كانت أقل جرأة مما كانت عليه، كما أنني كنت سأذوب عشقاً بـ (سمر) إن كانت أقل علماً مما هي عليه الآن.
هل هذه هي الحقيقة أم أنني أحاول أن أجد لنفسي عذراً عن كل علاقة فاشلة مررت بها حتى الآن؟ وهل يعتبر ما مررت به معهن تجربة حقاً إذا افترضت أنني لم أختر أن أحبهن؟؟!
لقد كانت (سمر) صادقة حين قالت أن أجمل الأشياء هو ما يحدث لنا مصادفة، فأنا لم أختر أن ألتقي بسمر كما لم أكن يوماً أملك خياراً معها..
بات يومي فارغاً جداً بدونها وباتت ترهقني الأفكار كثيراً، كانت (سمر) جرعتي المهدئة التي أتناولها يومياً للوصول إلى قمة النشوة في عالم جميل لا يشاركني فيه أحد، ومنذ أن رحلت قررت أن لا أمنح هذا الامتياز لأي أحد كان حتى لا يستطيع أن يسلبه مني لاحقاً..
وبعيداً عن كل هذا يبقى لسمر امتيازها الخاص في قلبي لشيء لا أعرف سببه أبداً.. ربما لأنني كنت أرى فيها أحد عناصر الحياة الأساسية..
يتبع..
|