كاتب الموضوع :
Ahmad Rufai
المنتدى :
القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
رد: رواية 13
-4-
- يا لوقاحتك.. هل تعتقد أنني سأسرق منها شيئاً؟؟ تصرخ كأنك المالك هنا؟؟ أنت حقير!!..
لم أتركها تكمل حديثها، ابتسمت ثم انحنيت لألتقط محفظتي من الأرض وأرحل دون كلمة واحدة، كنت أعلم أن ذلك سيثيرها أكثر، ويحفظ لي حقي في حال حاولت الادّعاء عليّ في عملي.
ما أن خرجت من المبنى حتى ضحكت بكل قوتي، هكذا أحاول دائماً السيطرة على غضبي من خلال تذكر الجوانب والمواقف المضحكة في الأمر، لابد أنهم اعتقدوا أن هناك صلة تجمع بيني وبين خصال!!
لم أعطي لنفسي الحق فيما قمت به، كما لم أحاسبها عليه في الوقت ذاته، هل كنت محقاً فيما فعلته أم لا؟ الحقيقة هي أنني لم أدرك ما قمت به فعلاً منذ اللحظة الأولى لرؤيتي لها حتى الآن.. هل أحببتها حقاً؟؟ أم أنه مجرد إعجاب بشخصيتها القوية والمتمردة، مهما يكن.. فقد باءت محاولة التقرب منها بالفشل.
عندما عدت إلى البيت رأيت باسل يستعد للخروج، ألقيت عليه التحية ودخلت إلى غرفتي وأنا أسمعه يقول من خلف الباب:
- قصي.. لا تنتظرني على العشا.. قد أتأخر قليلاً هذا المساء.. ربما يطول بقائي في المعرض.
رفعت صوتي ليسمعني جيداً:
- لا بأس..
اختفى صوت باسل لكنني لم أسمع صوت باب الشقة، فخمنت أنه ربما انشغل بشيء ما، لكنه فاجأني حين فتح باب غرفتي دون استئذان:
- قصي.. بإمكانك الحضور إن أردت، سيكون هناك الكثير من الكتاب والمثقفين، أعلم أنك تحب ذلك.
للحظة شعرت أن هذا ما كنت أود أن أقوم به فعلاً حتى أنشغل عن التفكير في ما حصل اليوم مع خصال، لكنني أحببت أن أواجه نفسي كما وعدتها، وأن لا أترك لها فرصة للهرب، اعتذرت من باسل بحجة أن لدي عمل مهم أقوم به في الصباح الباكر، وما أن خرج باسل حتى بدأت بإعداد وجبة صغيرة تبعدني عن الشر القابع في زوايا روحي، وتعيد لي القليل من الطاقة، وضعت الأكل على الطاولة وسمعت هاتفي يرن في غرفتي، ترددت قليلا في البداية حين وجدت أن المتصل رقم غريب لا أعرفه وفضلت عدم الرد، لكنني حين بدأت في الأكل أنبني ضميري، قال لي أنه ربما كان شخصٌ يعتقد أنه اتصل بالرقم الصحيح وحينما لم يجد رداً أخذته الظنون.. فسارعت لهاتفي وطلبت الرقم، وبعد ثوانِ جاءني صوتها:
- مساء الخير.. أنا خصال..
كانت هي آخر شخص أتوقع اتصاله هذا المساء وأخذتني الدهشة فلم أستطع الكلام، تابعت حينما لم تجد تفاعلاً مني:
- أخذت رقم هاتفك من فاتورة الاستلام.
أجبت وأنا أحاول أن أسبغ على صوتي الكثير من الهدوء:
- مساء النور، أهلاً أستاذه خصال؟!
نقلت لي الشبكة تنهيدتها العميقة، قالت:
- أنا آسفة..
أجبت ببرود:
- لا بأس.. لا عليكِ.
قالت محاولة تبرير موقفها عندما لم تجد اهتماماً من طرفي:
- لقد كان أبي على حافة الموت مساء الأمس، وكنت قلقة عليه جداً، لم أقصد الإساءة لك، صدقني.. أرجوك، لا تغضب.. لا أريد أن أشعر أنني أخطأت في حق أحد.
بدأ صوتها يتهدج فقلت:
- لا بأس يا خصال.. لست غاضباً منكِ.. سامحتك.
انهارت تماماً وقالت من بين بكائها:
- أنت المخطئ!! لقد شعر الجميع أن هناك صلة تربطني بك حتى أن السكرتيرة الحقيرة تسألني كيف سقطت محفظته دون علمه، حقيرة.. جميع الموظفين حقراء يعتقدون أن كل علاقة بين اثنين لابد وأن لا تكون نزيهة أبداً، ينتظر الواحد منهم ابتسامة فقط ليروي لأصدقائه عن قصة كاملة من خياله، كأن الابتسامة جاءت تدليلاً على ما في عقولهم.
غاب صوتها بين بكائها الذي أصبح واضحاً جداً فقلت محاولاً تهدئتها:
- وكيف حال والدك الآن؟
هدأت تدريجيا وقالت:
- بخير.. تحسنت حالته قليلاً.. لا زال في المشفى.
- لا بأس عليه.. سآتي غداً صباحاً.
ردت بحدة:
- لم؟؟!
- لتصرخي في وجهي مرة أخرى فربما تحسنت حالته أكثر.. يقولون أن الصراخ في وجهي يحسن حالة المرضى.
بدا لي أنها توقفت عن البكاء، قالت:
- غبي.. أنت غبي.
- لا بأس.. أنا غبي.. المهم لا تقلقي يا وصال.. سيكون والدك بـ..
قاطعتني:
- اسمي خصال.. وليس وصال.
بالغت في ضحكتي قليلاً لأستفزها وقلت:
- لا بأس، خصال.. آنسه خصال.. سيكون والدكِ بخير، لا تقلقي، عندما يمرض الإنسان فإن الله يريد به خيراً لأن المرض سبب لمغفرة الذنوب.. لكن هناك استفسار بسيط أود سؤالك عنه، قد يدعوني لزيارة مكتبك مرة أخرى؟
قالت باهتمام واضح:
- ما هو؟؟
- محفظتي.. كنت قد وضعت بها ألفاً، بينما لم أجد الآن سوى خمسين، قد أحضر لأبحث عنها فربما سقـ...
قاطعتني:
- هل أنت مجنون!! تريد أن تحضر مرة أخرى لتثبت لهم صدق ما يفكرون فيه.
ضحكت:
- وبماذا يفكرون؟
- أغبياء.. يفكرون أنني على علاقة بك.. وستكون غبياً مثلهم إن سألت أكثر من ذلك.. فلن أجيب.
- بالعكس.. إن حضرت فسأدحض جميع توقعاتهم، وتثبتين للجميع أنك لست خائفة.
صمتت، كان من الواضح أنها تفكر ثم قالت:
- مممممم.. لا قصي.. رجاءاً لا تأتي.. لست مستعدة لذلك أنا آسفة لما فعلته معك.
- سآتي، ربما سيكون ما يفكرون به حقيقة لاحقاً.. فمن الأفضل أن يعتادوا على مشاهدتي إذاً.
قالت مستجدية:
- قصي رجاءاً، رجاءاً لا تأتي.. أرجوك.. وإلا سأطلب من الأمن إخراجك بالقوة.
- افعلي إن استطعتِ.. سأضربهم جميعاً، ثم سأضرب مروان وأكسر رقبته لكي لا ينظر إليكِ مرة أخرى.
- أنت تحلم بي إذن؟
- لا.. أريد سبباً مقنعاً لأضربه فقط!!
- أنت مجنون..
طال الحديث وانتقلنا لعدة مواضيع، كنت أستمتع بصحبة صوتها القوي وضحكتها الرنانة، كانت تمتلك شخصية قوية لا تتورع عن الشتم وإلقاء الأوامر، وإن كانت جميع النساء ضعيفات، فقد كانت ضعيفة أكثر منهن، لأنها لا تبوح بمشاعرها حتى للمقربين الذين يعتقدون أنها قوية جداً، متسلطة وجبارة، بعض الحنان فقط هو ما كان ينقصها، والغريب في الأمر أنني أصبحت أمتلك الكثير منه!!
أصبح ذلك سبباً وجيهاً في زيادة التواصل بيننا، تحدثني عندما تخرج من عملها لاستراحة الغداء، فأختار المطعم مرة بينما تختاره مرات، وكان قناع القوة والسلطة هو ما تخفي به ضعفها وانكسارها من عدم التفات الرجال إلا لجمالها، وغيرة النساء منها.
كل ذلك جعلها تكتفي بنظرات الإعجاب التي تحيطها وتخافها في الوقت ذاته، فلم يجرؤ أحد الموظفين على الاقتراب منها أو التصريح لها بما يمكن أن يقربه منها شبراً، ناهيك عن الابتسامة في وجهها، دائماً ما كنت أقول لها أن الجمال الذي يصاحبها هو جمال ديكتاتوري، فتضحك بثقة.
عينيها الواسعتين، كانت جميلة بقدر ما كانت تساعدها على استيعاب كل ما يحدث من حولها، قالتها لي يوماً بصراحة "الزواج هو محصلة العادات والتقاليد يا قصي، لكن النجاح لا يأتي دائماً محصلة لشيء اعتدنا فعله"
قالت لي ذات يومٍ ونحن نتشارك طعام الغداء في أحد المطاعم:
- متى ولدت يا قصي؟
- منذ زمن بعيد.. أكثر من عقدين.
- أنا ولدت في مثل هذا اليوم، اليوم هو عيد ميلادي.
- جميل، كل..
قاطعتني:
- لا.. لا تقل شيئاً.. هل بالإمكان أن ألتقيك مساء اليوم.
- كما تحبين، لكن أين؟
- ممممم.. في منزلنا، سافر أهلي صباح اليوم للتنزه، لن يعودوا قبل يومين.
في البداية توقعت أنني أحلم، أو ربما لم أسمع جيداً في أحسن الأحوال، لكن حين بدأت تشرح لي طريق منزلها تأكدت أنني لا أحلم.
أخذت عنوان المنزل، وتعليمات الأمان ثم خرجت من المطعم باتجاه منزلهم، كان لا بد أن أتأكد من العنوان حتى لا أتأخر مساءاً، في موعد كهذا لا يتحمل الضمير أي مسئولية !!
دخلت أحد محال الساعات، اخترت ساعة صغيرة و طلبت من البائع أن يغلفها ثم أخذتها وذهبت إلى منزلي، أخذت دشاً بارداً كعادتي عندما أتعرض لاستفزاز داخلي من الضمير، لست منعدم الضمير، ولا يوجد شخص ليس لديه ضمير، كل ما في الأمر أنه ينام بين الفينة والأخرى متعذراً باختلاف التوقيت!!
رششت العطر حول عنقي وأنا أحاول أن أتهرب من ذلك الرجل الغريب الذي ينظر إليّ في المرآة لدرجة أنني لم أنتبه حين أوقعت زجاجة العطر على قدمي ظناً مني أنني وضعتها على الطاولة، شعرت أنه هو من قذفني بها وهو يقول "لقد أوقعت بها مهيئاً لها أن ما حدث كان محض مصادفة عمياء"!!
أزعجني اتّهامه أكثر من منظر الدم وهو يخرج من طرف إصبعي، فنظرت إليه بتحدِ وأخبرته أن ذلك سيزول مباشرة عندما أخبرها الليلة بحقيقة كل ما حدث، رمقني بنظرة استحقار وخرج.. لا أعلم من خرج منا أولاً لكنني كنت على يقين أنني سأصارحها بذلك الليلة.
كانت بانتظاري عند العاشرة، تركت لي الباب مفتوحاً فدلفت إلى الداخل وأغلقت الباب خلفي، أدخلت يدي في جيبي وأخرجت هاتفي لأتصل بها وأعلمها بوصولي لكن شيئاً ما شد انتباهي، كان صوت أقدام تقترب من الدرج فنظرت إلى الأعلى وكانت هي.
نظرت لي مبتسمة، كانت ترتدي قميصاً بلون برتقالي يضغط على جسمها من الأعلى وينفرج عند خصرها ليصبح فضفاضاً جداً، مدت يدها فمددت يدي لكن سلامها كان طويلاً هذه المرة، مختلفاً كثيراً عن سابقيه في المطعم، ربما كان يحمل جزءاً مما كانت تنوي أن تفعله في عشية يوم عيد ميلادها.
أعطيتها الهدية قائلاً:
- كل عام وأنتِ بخير.
- لا تستعجل، بقيت ساعتين، لكنني سأفتح الهدية لأنني لا أطيق الانتظار.
لم أجب ففتحت المغلف بهدوء وأخرجت الساعة وهي تقول:
- جميلة جداً..
- اخترت الساعة لأنني أعلم أنك تهتمين بالوقت كثيراً فأحببت أن أهديكِ واحدة.
- شكراً.
قمت من مكاني ونظرت إلى غرفة الجلوس وأنا أقول:
- ما رأيك أن نأكل الآن، ولنترك البريستيج لوقت لاحق، فأنا جائع جداً.
لم تجبني وإنما قامت بنزع الغطاء عن طاولة الطعام بهدوء وأشارت إلى المقعد فجلست عليه وبدأت بالأكل وهي تنظر إلي مبتسمة، وبعد دقائق كنا نجلس على الأريكة نتناول بعض السكاكر ونتكلم.
قالت:
- سأريك بعض صوري.
قالتها ثم ذهبت إلى أحد الغرف وعادت تحمل عدة ألبومات، وضعتها على الطاولة ثم قاسمتني الأريكة واقتربت مني جداً فتجرأت بوضع رأسي على حجرها، تقلب صفحات الألبوم وتخبرني بقصة كل صورة.
قالت:
- أبي من هواة التصوير، كان لا يكف عن تصويرنا أنا وأختي في كل حالاتنا، ربما أراد أن يأتي يوم نستمتع فيه بمشاهدة بعض لحظات حياتنا.
انظر هذه الصورة عندما كنت طفلة، وهذه في أول يومٍ دراسي، هذه الصورة عندما كنا في حديقة الحيوانات الكبرى، هل تعلم تمنيت دائماً أن أكون سلحفاه، هل تعلم لماذا؟
لا أحد يستطيع مضايقتها، فما أن تشعر بالخطر حتى تتقوقع حول نفسها ولا تخرج إلا حينما تريد.. لو كنت مثلها لاستطعت التغلب على كثير من مشاكلي مع البشر.
لم أجب كنت أنظر إلى الصورة وأنا أعلم أنها تقلب نظرها بين الصورة وعيني لترى تأثير ما تقوله على وجهي، وبعد أن عرضت صوراً كثيرة أغلقت الألبوم وأخذت واحداً آخر، لكنها ما أن شاهدت أول صورة حتى أعادته مرة أخرى وأخذت ألبوماً آخر وأكملت حكايتها.
قالت:
- هنا عندما تخرجت من المرحلة الثانوية، أحلام كثيرة كانت تراودني، لكنني لم أحقق أياً منها، كثرت المشاكل بين والدي و والدتي، كان عصبياً وكانت عنيدة جداً.. كنت أخاف في كل مرة أعود فيها من المدرسة ألا أجد أحدهم، وفعلاً هذا ما حصل..
وضعت الألبوم فوق الطاولة، و وضعت يدها على شعري، تنظر إلى وجهي وأنظر إلى السقف، قالت:
- بالرغم من أنه يحبنا جداً لكنه دائماً ما يتصرف بطريقة غريبة، وددت منذ صغري أن أكون مهندسة ديكور، لكن شعوري الدائم بعدم الاستقرار في منزلنا جعلني أتنازل عن ذلك الحلم وأتخصص في إدارة الأعمال، أصبح حلم هندسة الديكور في بيت على وشك الانهيار يشبه أن تفكر في طبق من اللازانيا بينما يقتلك الجوع، فتكتفي بقطعة خبز يابس.. درست إدارة الأعمال والتحقت بالعمل في نفس الشركة التي يعمل بها والدي.
وتفوقت.. تفوقت جداً لدرجة أنني أصبحت في مركزٍ مرموقٍ كما ترى، في كل يوم كانت تلاحقني نظرات الموظفين في ذهابي وإيابي، وفيما صرح البعض بإعجابهم ورغبتهم بالارتباط بي بشكل مباشر، اكتفى البعض الآخر باتصالات ورسائل غزل مجهولة الهوية.
وتقدم لي ابن عمي الذي يبلغ من العمر أربعين سنة ولم يتزوج بعد، كما أنه لم يجمع فلساً واحداً خلال السنتين التي سبقت خطوبتنا، كان يجيد إلقاء الأوامر فقط، ويقتات على وظائف تعاقدية تنتهي بطرده لعدم صلاحيته للعمل، قلت له يوماً ما رأيك أن تجلس في البيت بينما أقوم أنا بجمع المهر بدلاً عنك، رحب بفكرتي ولما يعارضها أبداً فطلبت من والدي أن يفسخ العقد ، أخبرته أنني مقتنعة تمام القناعة أنه لو كان يصلح للزواج لتزوج عندما كنت أنا في عمر الخامسة.
وكالعادة وافق والدي كل رغباتي لأنه يعلم أنني لا آخذ قراراتي عن تسرع أبداً، أصبحت أكره الرجال جميعاً، أشعر بالقرف عندما ينظر لي أحدهم.. أشعر أنهم حشرات.
ابتسمت ونظرت في عينيها، أحببت أن أصنع جواً لطيفاً، قلت:
- حتى أنا حشرة، لكن بقرة هي التي أرضعتني فكبرت على هذا النحو.
ضحكت بشدة وغطت وجهها بيدها حتى هدأت ثم قالت:
- أتعلم يا قصي؟؟ جميع الرجال متشابهون، لكنك لا تشبههم، كأنك من عالمٍ آخر، فأنت بالرغم من هدوئك ولا مبالاتك إلا أنني أشعر أن جنياً يسكن أعماقك.
ابتسمت فقط، لم أكن مستعداً أبداً للإبحار نحو الأعماق، فقالت:
- قصي.. أخبرني عنك.. أي سر من أسرارك.. لقد تحدثت لساعتين على الأقل وأنت صامت تماماً..
قلت:
- أي شيء؟
قالت:
- أي شيء..
قلت بهدوء وأنا أنظر إلى عينيها مباشرة:
- ممممم.. أنا لا أتعامل بالأسرار لكنني سأخبرك بسرٍ يخصك أنتِ، قبل شهرين ونصف، ثلاثة شهورٍ على الأغلب، طلب مني مديري في العمل أن أقوم بصيانة أحد الأجهزة التابعة لأحدى الشركات الكبيرة، ذهبت إلى هناك وسلمت ورقة الطلب إلى موظفة قصيرة وبدينة بعض الشيء، فقادتني عبر ممر قصير نحو أحد الأجنحة، ثم طلبت مني أن أدخل، وفي الداخل كانت المفاجأة..
توقفت عن اللعب بشعري، ورأيت ظلال ابتسامة خجلى ترفرف على ملامحها، فتابعت عندما شعرتُ أنني استحوذت على كل حواسها:
- في الداخل كان ملاك صغير يزين طاولة المكتب من الجهة المقابلة، لجم لساني عن الحديث وعقلي عن التفكير، فاقتربت منه وأنا أتحاشى النظر في عينيه التي خفت أن أكون ضحيتهما.. رأيت ورقة صفراء كتب عليها (معرض الكتاب) فعرفت أن الملاك سيكون هناك الليلة على الأغلب، ألقيت محفظتي تحت الطاولة وغادرت المكتب، وكما توقعت حضر في نفس الساعة التي حددتها له، انتظرته عند المدخل، ثم أوقفت سيارتي ملاصقة لسيارته كي أمنعه من الخروج، جاء هذا كله حسبما رتبت له، لكن ما أثار استغرابي هو أمر واحد. هل تعلمين ما هو؟
أشارت بعينها فقط، كانت عاجزة عن الكلام، فتابعت:
- تخيلي أننا التقينا في نفس المعرض وفي نفس الزاوية أمام نفس البائع مصادفة..!!
الأغرب من ذلك أننا التقينا في مواقف السيارات مرة أخرى، هل تعلمين ماذا قال لي الملاك؟
رفعت يدها عالياً لتهوي بها على كتفي لكنني تحركت في الوقت المناسب وسقطت على بطني وأنا أضحك، فراحت تضرب ظهري بكل قوتها وتشد شعري وتقول:
- أنت جني.. عفريت.. لست من البشر.. لئيم.. كيف استطعت أن تفعل كل هذا.. أنت عفريت.
شعرت أنها هدأت قليلاً فقمت من على الأرض بمساعدتها وجلست على طاولة الطعام هذه المرة وأنا أقول:
- لقد انتصف الليل، لم لا نطفئ الشمعة.
لم تجبني، جلست أمامي مباشرة وقالت:
- قصي سأسألك سؤالاً، رجاءاً جاوب دون أن تكذب؟
- نعم.
- هل أحببتني حينها أم أنك أعجبت بشكلي فقط؟
يتبع..
|