لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 28-09-13, 09:46 PM   المشاركة رقم: 11
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2013
العضوية: 258684
المشاركات: 28
الجنس ذكر
معدل التقييم: Ahmad Rufai عضو له عدد لاباس به من النقاطAhmad Rufai عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 121

االدولة
البلدKenya
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
Ahmad Rufai غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : Ahmad Rufai المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: رواية 13

 

-4-


- يا لوقاحتك.. هل تعتقد أنني سأسرق منها شيئاً؟؟ تصرخ كأنك المالك هنا؟؟ أنت حقير!!..
لم أتركها تكمل حديثها، ابتسمت ثم انحنيت لألتقط محفظتي من الأرض وأرحل دون كلمة واحدة، كنت أعلم أن ذلك سيثيرها أكثر، ويحفظ لي حقي في حال حاولت الادّعاء عليّ في عملي.
ما أن خرجت من المبنى حتى ضحكت بكل قوتي، هكذا أحاول دائماً السيطرة على غضبي من خلال تذكر الجوانب والمواقف المضحكة في الأمر، لابد أنهم اعتقدوا أن هناك صلة تجمع بيني وبين خصال!!
لم أعطي لنفسي الحق فيما قمت به، كما لم أحاسبها عليه في الوقت ذاته، هل كنت محقاً فيما فعلته أم لا؟ الحقيقة هي أنني لم أدرك ما قمت به فعلاً منذ اللحظة الأولى لرؤيتي لها حتى الآن.. هل أحببتها حقاً؟؟ أم أنه مجرد إعجاب بشخصيتها القوية والمتمردة، مهما يكن.. فقد باءت محاولة التقرب منها بالفشل.
عندما عدت إلى البيت رأيت باسل يستعد للخروج، ألقيت عليه التحية ودخلت إلى غرفتي وأنا أسمعه يقول من خلف الباب:
- قصي.. لا تنتظرني على العشا.. قد أتأخر قليلاً هذا المساء.. ربما يطول بقائي في المعرض.
رفعت صوتي ليسمعني جيداً:
- لا بأس..
اختفى صوت باسل لكنني لم أسمع صوت باب الشقة، فخمنت أنه ربما انشغل بشيء ما، لكنه فاجأني حين فتح باب غرفتي دون استئذان:
- قصي.. بإمكانك الحضور إن أردت، سيكون هناك الكثير من الكتاب والمثقفين، أعلم أنك تحب ذلك.
للحظة شعرت أن هذا ما كنت أود أن أقوم به فعلاً حتى أنشغل عن التفكير في ما حصل اليوم مع خصال، لكنني أحببت أن أواجه نفسي كما وعدتها، وأن لا أترك لها فرصة للهرب، اعتذرت من باسل بحجة أن لدي عمل مهم أقوم به في الصباح الباكر، وما أن خرج باسل حتى بدأت بإعداد وجبة صغيرة تبعدني عن الشر القابع في زوايا روحي، وتعيد لي القليل من الطاقة، وضعت الأكل على الطاولة وسمعت هاتفي يرن في غرفتي، ترددت قليلا في البداية حين وجدت أن المتصل رقم غريب لا أعرفه وفضلت عدم الرد، لكنني حين بدأت في الأكل أنبني ضميري، قال لي أنه ربما كان شخصٌ يعتقد أنه اتصل بالرقم الصحيح وحينما لم يجد رداً أخذته الظنون.. فسارعت لهاتفي وطلبت الرقم، وبعد ثوانِ جاءني صوتها:
- مساء الخير.. أنا خصال..
كانت هي آخر شخص أتوقع اتصاله هذا المساء وأخذتني الدهشة فلم أستطع الكلام، تابعت حينما لم تجد تفاعلاً مني:
- أخذت رقم هاتفك من فاتورة الاستلام.
أجبت وأنا أحاول أن أسبغ على صوتي الكثير من الهدوء:
- مساء النور، أهلاً أستاذه خصال؟!
نقلت لي الشبكة تنهيدتها العميقة، قالت:
- أنا آسفة..
أجبت ببرود:
- لا بأس.. لا عليكِ.
قالت محاولة تبرير موقفها عندما لم تجد اهتماماً من طرفي:
- لقد كان أبي على حافة الموت مساء الأمس، وكنت قلقة عليه جداً، لم أقصد الإساءة لك، صدقني.. أرجوك، لا تغضب.. لا أريد أن أشعر أنني أخطأت في حق أحد.
بدأ صوتها يتهدج فقلت:
- لا بأس يا خصال.. لست غاضباً منكِ.. سامحتك.
انهارت تماماً وقالت من بين بكائها:
- أنت المخطئ!! لقد شعر الجميع أن هناك صلة تربطني بك حتى أن السكرتيرة الحقيرة تسألني كيف سقطت محفظته دون علمه، حقيرة.. جميع الموظفين حقراء يعتقدون أن كل علاقة بين اثنين لابد وأن لا تكون نزيهة أبداً، ينتظر الواحد منهم ابتسامة فقط ليروي لأصدقائه عن قصة كاملة من خياله، كأن الابتسامة جاءت تدليلاً على ما في عقولهم.
غاب صوتها بين بكائها الذي أصبح واضحاً جداً فقلت محاولاً تهدئتها:
- وكيف حال والدك الآن؟
هدأت تدريجيا وقالت:
- بخير.. تحسنت حالته قليلاً.. لا زال في المشفى.
- لا بأس عليه.. سآتي غداً صباحاً.
ردت بحدة:
- لم؟؟!
- لتصرخي في وجهي مرة أخرى فربما تحسنت حالته أكثر.. يقولون أن الصراخ في وجهي يحسن حالة المرضى.
بدا لي أنها توقفت عن البكاء، قالت:
- غبي.. أنت غبي.
- لا بأس.. أنا غبي.. المهم لا تقلقي يا وصال.. سيكون والدك بـ..
قاطعتني:
- اسمي خصال.. وليس وصال.
بالغت في ضحكتي قليلاً لأستفزها وقلت:
- لا بأس، خصال.. آنسه خصال.. سيكون والدكِ بخير، لا تقلقي، عندما يمرض الإنسان فإن الله يريد به خيراً لأن المرض سبب لمغفرة الذنوب.. لكن هناك استفسار بسيط أود سؤالك عنه، قد يدعوني لزيارة مكتبك مرة أخرى؟
قالت باهتمام واضح:
- ما هو؟؟
- محفظتي.. كنت قد وضعت بها ألفاً، بينما لم أجد الآن سوى خمسين، قد أحضر لأبحث عنها فربما سقـ...
قاطعتني:
- هل أنت مجنون!! تريد أن تحضر مرة أخرى لتثبت لهم صدق ما يفكرون فيه.
ضحكت:
- وبماذا يفكرون؟
- أغبياء.. يفكرون أنني على علاقة بك.. وستكون غبياً مثلهم إن سألت أكثر من ذلك.. فلن أجيب.
- بالعكس.. إن حضرت فسأدحض جميع توقعاتهم، وتثبتين للجميع أنك لست خائفة.
صمتت، كان من الواضح أنها تفكر ثم قالت:
- مممممم.. لا قصي.. رجاءاً لا تأتي.. لست مستعدة لذلك أنا آسفة لما فعلته معك.
- سآتي، ربما سيكون ما يفكرون به حقيقة لاحقاً.. فمن الأفضل أن يعتادوا على مشاهدتي إذاً.
قالت مستجدية:
- قصي رجاءاً، رجاءاً لا تأتي.. أرجوك.. وإلا سأطلب من الأمن إخراجك بالقوة.
- افعلي إن استطعتِ.. سأضربهم جميعاً، ثم سأضرب مروان وأكسر رقبته لكي لا ينظر إليكِ مرة أخرى.
- أنت تحلم بي إذن؟
- لا.. أريد سبباً مقنعاً لأضربه فقط!!
- أنت مجنون..
طال الحديث وانتقلنا لعدة مواضيع، كنت أستمتع بصحبة صوتها القوي وضحكتها الرنانة، كانت تمتلك شخصية قوية لا تتورع عن الشتم وإلقاء الأوامر، وإن كانت جميع النساء ضعيفات، فقد كانت ضعيفة أكثر منهن، لأنها لا تبوح بمشاعرها حتى للمقربين الذين يعتقدون أنها قوية جداً، متسلطة وجبارة، بعض الحنان فقط هو ما كان ينقصها، والغريب في الأمر أنني أصبحت أمتلك الكثير منه!!
أصبح ذلك سبباً وجيهاً في زيادة التواصل بيننا، تحدثني عندما تخرج من عملها لاستراحة الغداء، فأختار المطعم مرة بينما تختاره مرات، وكان قناع القوة والسلطة هو ما تخفي به ضعفها وانكسارها من عدم التفات الرجال إلا لجمالها، وغيرة النساء منها.
كل ذلك جعلها تكتفي بنظرات الإعجاب التي تحيطها وتخافها في الوقت ذاته، فلم يجرؤ أحد الموظفين على الاقتراب منها أو التصريح لها بما يمكن أن يقربه منها شبراً، ناهيك عن الابتسامة في وجهها، دائماً ما كنت أقول لها أن الجمال الذي يصاحبها هو جمال ديكتاتوري، فتضحك بثقة.
عينيها الواسعتين، كانت جميلة بقدر ما كانت تساعدها على استيعاب كل ما يحدث من حولها، قالتها لي يوماً بصراحة "الزواج هو محصلة العادات والتقاليد يا قصي، لكن النجاح لا يأتي دائماً محصلة لشيء اعتدنا فعله"
قالت لي ذات يومٍ ونحن نتشارك طعام الغداء في أحد المطاعم:
- متى ولدت يا قصي؟
- منذ زمن بعيد.. أكثر من عقدين.
- أنا ولدت في مثل هذا اليوم، اليوم هو عيد ميلادي.
- جميل، كل..
قاطعتني:
- لا.. لا تقل شيئاً.. هل بالإمكان أن ألتقيك مساء اليوم.
- كما تحبين، لكن أين؟
- ممممم.. في منزلنا، سافر أهلي صباح اليوم للتنزه، لن يعودوا قبل يومين.
في البداية توقعت أنني أحلم، أو ربما لم أسمع جيداً في أحسن الأحوال، لكن حين بدأت تشرح لي طريق منزلها تأكدت أنني لا أحلم.
أخذت عنوان المنزل، وتعليمات الأمان ثم خرجت من المطعم باتجاه منزلهم، كان لا بد أن أتأكد من العنوان حتى لا أتأخر مساءاً، في موعد كهذا لا يتحمل الضمير أي مسئولية !!
دخلت أحد محال الساعات، اخترت ساعة صغيرة و طلبت من البائع أن يغلفها ثم أخذتها وذهبت إلى منزلي، أخذت دشاً بارداً كعادتي عندما أتعرض لاستفزاز داخلي من الضمير، لست منعدم الضمير، ولا يوجد شخص ليس لديه ضمير، كل ما في الأمر أنه ينام بين الفينة والأخرى متعذراً باختلاف التوقيت!!
رششت العطر حول عنقي وأنا أحاول أن أتهرب من ذلك الرجل الغريب الذي ينظر إليّ في المرآة لدرجة أنني لم أنتبه حين أوقعت زجاجة العطر على قدمي ظناً مني أنني وضعتها على الطاولة، شعرت أنه هو من قذفني بها وهو يقول "لقد أوقعت بها مهيئاً لها أن ما حدث كان محض مصادفة عمياء"!!
أزعجني اتّهامه أكثر من منظر الدم وهو يخرج من طرف إصبعي، فنظرت إليه بتحدِ وأخبرته أن ذلك سيزول مباشرة عندما أخبرها الليلة بحقيقة كل ما حدث، رمقني بنظرة استحقار وخرج.. لا أعلم من خرج منا أولاً لكنني كنت على يقين أنني سأصارحها بذلك الليلة.
كانت بانتظاري عند العاشرة، تركت لي الباب مفتوحاً فدلفت إلى الداخل وأغلقت الباب خلفي، أدخلت يدي في جيبي وأخرجت هاتفي لأتصل بها وأعلمها بوصولي لكن شيئاً ما شد انتباهي، كان صوت أقدام تقترب من الدرج فنظرت إلى الأعلى وكانت هي.
نظرت لي مبتسمة، كانت ترتدي قميصاً بلون برتقالي يضغط على جسمها من الأعلى وينفرج عند خصرها ليصبح فضفاضاً جداً، مدت يدها فمددت يدي لكن سلامها كان طويلاً هذه المرة، مختلفاً كثيراً عن سابقيه في المطعم، ربما كان يحمل جزءاً مما كانت تنوي أن تفعله في عشية يوم عيد ميلادها.
أعطيتها الهدية قائلاً:
- كل عام وأنتِ بخير.
- لا تستعجل، بقيت ساعتين، لكنني سأفتح الهدية لأنني لا أطيق الانتظار.
لم أجب ففتحت المغلف بهدوء وأخرجت الساعة وهي تقول:
- جميلة جداً..
- اخترت الساعة لأنني أعلم أنك تهتمين بالوقت كثيراً فأحببت أن أهديكِ واحدة.
- شكراً.
قمت من مكاني ونظرت إلى غرفة الجلوس وأنا أقول:
- ما رأيك أن نأكل الآن، ولنترك البريستيج لوقت لاحق، فأنا جائع جداً.
لم تجبني وإنما قامت بنزع الغطاء عن طاولة الطعام بهدوء وأشارت إلى المقعد فجلست عليه وبدأت بالأكل وهي تنظر إلي مبتسمة، وبعد دقائق كنا نجلس على الأريكة نتناول بعض السكاكر ونتكلم.
قالت:
- سأريك بعض صوري.
قالتها ثم ذهبت إلى أحد الغرف وعادت تحمل عدة ألبومات، وضعتها على الطاولة ثم قاسمتني الأريكة واقتربت مني جداً فتجرأت بوضع رأسي على حجرها، تقلب صفحات الألبوم وتخبرني بقصة كل صورة.
قالت:
- أبي من هواة التصوير، كان لا يكف عن تصويرنا أنا وأختي في كل حالاتنا، ربما أراد أن يأتي يوم نستمتع فيه بمشاهدة بعض لحظات حياتنا.
انظر هذه الصورة عندما كنت طفلة، وهذه في أول يومٍ دراسي، هذه الصورة عندما كنا في حديقة الحيوانات الكبرى، هل تعلم تمنيت دائماً أن أكون سلحفاه، هل تعلم لماذا؟
لا أحد يستطيع مضايقتها، فما أن تشعر بالخطر حتى تتقوقع حول نفسها ولا تخرج إلا حينما تريد.. لو كنت مثلها لاستطعت التغلب على كثير من مشاكلي مع البشر.
لم أجب كنت أنظر إلى الصورة وأنا أعلم أنها تقلب نظرها بين الصورة وعيني لترى تأثير ما تقوله على وجهي، وبعد أن عرضت صوراً كثيرة أغلقت الألبوم وأخذت واحداً آخر، لكنها ما أن شاهدت أول صورة حتى أعادته مرة أخرى وأخذت ألبوماً آخر وأكملت حكايتها.
قالت:
- هنا عندما تخرجت من المرحلة الثانوية، أحلام كثيرة كانت تراودني، لكنني لم أحقق أياً منها، كثرت المشاكل بين والدي و والدتي، كان عصبياً وكانت عنيدة جداً.. كنت أخاف في كل مرة أعود فيها من المدرسة ألا أجد أحدهم، وفعلاً هذا ما حصل..
وضعت الألبوم فوق الطاولة، و وضعت يدها على شعري، تنظر إلى وجهي وأنظر إلى السقف، قالت:
- بالرغم من أنه يحبنا جداً لكنه دائماً ما يتصرف بطريقة غريبة، وددت منذ صغري أن أكون مهندسة ديكور، لكن شعوري الدائم بعدم الاستقرار في منزلنا جعلني أتنازل عن ذلك الحلم وأتخصص في إدارة الأعمال، أصبح حلم هندسة الديكور في بيت على وشك الانهيار يشبه أن تفكر في طبق من اللازانيا بينما يقتلك الجوع، فتكتفي بقطعة خبز يابس.. درست إدارة الأعمال والتحقت بالعمل في نفس الشركة التي يعمل بها والدي.
وتفوقت.. تفوقت جداً لدرجة أنني أصبحت في مركزٍ مرموقٍ كما ترى، في كل يوم كانت تلاحقني نظرات الموظفين في ذهابي وإيابي، وفيما صرح البعض بإعجابهم ورغبتهم بالارتباط بي بشكل مباشر، اكتفى البعض الآخر باتصالات ورسائل غزل مجهولة الهوية.
وتقدم لي ابن عمي الذي يبلغ من العمر أربعين سنة ولم يتزوج بعد، كما أنه لم يجمع فلساً واحداً خلال السنتين التي سبقت خطوبتنا، كان يجيد إلقاء الأوامر فقط، ويقتات على وظائف تعاقدية تنتهي بطرده لعدم صلاحيته للعمل، قلت له يوماً ما رأيك أن تجلس في البيت بينما أقوم أنا بجمع المهر بدلاً عنك، رحب بفكرتي ولما يعارضها أبداً فطلبت من والدي أن يفسخ العقد ، أخبرته أنني مقتنعة تمام القناعة أنه لو كان يصلح للزواج لتزوج عندما كنت أنا في عمر الخامسة.
وكالعادة وافق والدي كل رغباتي لأنه يعلم أنني لا آخذ قراراتي عن تسرع أبداً، أصبحت أكره الرجال جميعاً، أشعر بالقرف عندما ينظر لي أحدهم.. أشعر أنهم حشرات.
ابتسمت ونظرت في عينيها، أحببت أن أصنع جواً لطيفاً، قلت:
- حتى أنا حشرة، لكن بقرة هي التي أرضعتني فكبرت على هذا النحو.
ضحكت بشدة وغطت وجهها بيدها حتى هدأت ثم قالت:
- أتعلم يا قصي؟؟ جميع الرجال متشابهون، لكنك لا تشبههم، كأنك من عالمٍ آخر، فأنت بالرغم من هدوئك ولا مبالاتك إلا أنني أشعر أن جنياً يسكن أعماقك.
ابتسمت فقط، لم أكن مستعداً أبداً للإبحار نحو الأعماق، فقالت:
- قصي.. أخبرني عنك.. أي سر من أسرارك.. لقد تحدثت لساعتين على الأقل وأنت صامت تماماً..
قلت:
- أي شيء؟
قالت:
- أي شيء..
قلت بهدوء وأنا أنظر إلى عينيها مباشرة:
- ممممم.. أنا لا أتعامل بالأسرار لكنني سأخبرك بسرٍ يخصك أنتِ، قبل شهرين ونصف، ثلاثة شهورٍ على الأغلب، طلب مني مديري في العمل أن أقوم بصيانة أحد الأجهزة التابعة لأحدى الشركات الكبيرة، ذهبت إلى هناك وسلمت ورقة الطلب إلى موظفة قصيرة وبدينة بعض الشيء، فقادتني عبر ممر قصير نحو أحد الأجنحة، ثم طلبت مني أن أدخل، وفي الداخل كانت المفاجأة..
توقفت عن اللعب بشعري، ورأيت ظلال ابتسامة خجلى ترفرف على ملامحها، فتابعت عندما شعرتُ أنني استحوذت على كل حواسها:
- في الداخل كان ملاك صغير يزين طاولة المكتب من الجهة المقابلة، لجم لساني عن الحديث وعقلي عن التفكير، فاقتربت منه وأنا أتحاشى النظر في عينيه التي خفت أن أكون ضحيتهما.. رأيت ورقة صفراء كتب عليها (معرض الكتاب) فعرفت أن الملاك سيكون هناك الليلة على الأغلب، ألقيت محفظتي تحت الطاولة وغادرت المكتب، وكما توقعت حضر في نفس الساعة التي حددتها له، انتظرته عند المدخل، ثم أوقفت سيارتي ملاصقة لسيارته كي أمنعه من الخروج، جاء هذا كله حسبما رتبت له، لكن ما أثار استغرابي هو أمر واحد. هل تعلمين ما هو؟
أشارت بعينها فقط، كانت عاجزة عن الكلام، فتابعت:
- تخيلي أننا التقينا في نفس المعرض وفي نفس الزاوية أمام نفس البائع مصادفة..!!
الأغرب من ذلك أننا التقينا في مواقف السيارات مرة أخرى، هل تعلمين ماذا قال لي الملاك؟
رفعت يدها عالياً لتهوي بها على كتفي لكنني تحركت في الوقت المناسب وسقطت على بطني وأنا أضحك، فراحت تضرب ظهري بكل قوتها وتشد شعري وتقول:
- أنت جني.. عفريت.. لست من البشر.. لئيم.. كيف استطعت أن تفعل كل هذا.. أنت عفريت.
شعرت أنها هدأت قليلاً فقمت من على الأرض بمساعدتها وجلست على طاولة الطعام هذه المرة وأنا أقول:
- لقد انتصف الليل، لم لا نطفئ الشمعة.
لم تجبني، جلست أمامي مباشرة وقالت:
- قصي سأسألك سؤالاً، رجاءاً جاوب دون أن تكذب؟
- نعم.
- هل أحببتني حينها أم أنك أعجبت بشكلي فقط؟

يتبع..

 
 

 

عرض البوم صور Ahmad Rufai   رد مع اقتباس
قديم 29-09-13, 11:51 AM   المشاركة رقم: 12
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو راقي


البيانات
التسجيل: Sep 2011
العضوية: 229283
المشاركات: 7,565
الجنس أنثى
معدل التقييم: براعم عضو ماسيبراعم عضو ماسيبراعم عضو ماسيبراعم عضو ماسيبراعم عضو ماسيبراعم عضو ماسيبراعم عضو ماسيبراعم عضو ماسيبراعم عضو ماسيبراعم عضو ماسيبراعم عضو ماسي
نقاط التقييم: 6201

االدولة
البلدJordan
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
براعم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : Ahmad Rufai المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: رواية 13

 
دعوه لزيارة موضوعي

السلام عليكم

يعطيك العافيه استاذ احمد

مازلنا في الرقم 3 في مغامرات قصي واللي كشفت عن جزء بارد في شخصيته

محاولته للتقرب من خصال كانت بغية اثبات شي في داخله >>>> ربما انتصاره على تلك الانثى التي تظهر انها شخصيه عمليه وممنوع الاقتراب منها

شكلت له تحدي لكسر ذلك الحاجر المحيط بها >>>> وعرف باسلوبه كيف يكسر ذلك الحاجز

في رحلة البحث عن الجنس الاخر >>>> اتوقع ان لايكن لها اي مشاعر

والا اخبرها عن كل مايجول في ذهنه >>> اخبرها بالجزء الخاص بها كيف خطط للايقاع بها وهذا بعد ان عرف مافي قلبها

وهي بكل غباء صرحت له بكل مابداخلها معتقده انه هو الشخص الذي احبت >>> لان خطته المحكمه اوقعت بها

عرف كيفية كسر الحاجز >>> مو قليل هالقصي

الرجل هنا في رحلة بحث وخصال كانت احدى تلك التجارب

هل وقع في حبها ؟؟؟

سيكون الجواب لا حتى لو كان بينه وبين نفسه >>>> هل يجروء على اخبارها مباشره بذلك او سيتهرب من الاجابه

الحوار بينه وبين ضميره اثبت لنا انه لايهتم بمشاعرها >>>> ربما ستاتي من تعلمه الدرس وايقاظ الضمير

جميل جدا ماتخطه يداك هنا >>> وخصوصا انها تنقل لنا مكنونات ربما الكثير منا لايعرفها وينخدع بها

تكشف لنا اسرار نحن بحاجه لها وهذا مايجعل من قصتك قريده من نوعها

بالتوفيق >>> بجد تستحق المتابعه

 
 

 

عرض البوم صور براعم   رد مع اقتباس
قديم 29-09-13, 12:55 PM   المشاركة رقم: 13
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متالق


البيانات
التسجيل: Mar 2011
العضوية: 218737
المشاركات: 1,290
الجنس أنثى
معدل التقييم: قرة عين امي عضو ذو تقييم عاليقرة عين امي عضو ذو تقييم عاليقرة عين امي عضو ذو تقييم عاليقرة عين امي عضو ذو تقييم عاليقرة عين امي عضو ذو تقييم عاليقرة عين امي عضو ذو تقييم عاليقرة عين امي عضو ذو تقييم عاليقرة عين امي عضو ذو تقييم عالي
نقاط التقييم: 950

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
قرة عين امي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : Ahmad Rufai المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: رواية 13

 

ياللهي منك ياقصي طالع على مين بكل هذا البرود والله مسكينة خصال اللي وقعت في حبال العنكبوت التي تنسجها حولها
عاجبني كثير معرفه تفكير الرجال من منظور ذكوري بحت
مشوقة الرواية كثير وتستحق المتابعة بشغف
في الانتظار

 
 

 

عرض البوم صور قرة عين امي   رد مع اقتباس
قديم 04-10-13, 03:52 PM   المشاركة رقم: 14
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2013
العضوية: 258684
المشاركات: 28
الجنس ذكر
معدل التقييم: Ahmad Rufai عضو له عدد لاباس به من النقاطAhmad Rufai عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 121

االدولة
البلدKenya
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
Ahmad Rufai غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : Ahmad Rufai المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: رواية 13

 

أهلاً أستاذة براعم وعليكم السسلام ورحمة الله

أشكرك على تفاعلك الدائم وتوقعاتك اللي تلهمني بعض الأشياء اللي أكون قد غفلت عنها..

دمتَ بود :)

****

أهلا أستاذه قرة

لا تستطيعين تعميم حالة قصي على جميع الرجال وذلك بسبب المؤثرات الخارجية التي لعبت دورا كبيراً في حياته..

أما عن تفكير الرجال وعلاقتهم بالأشياء فسأكتب لكم عنها يوماً.. إن طال مقامي هنا :)

كل الاحترام ..

ملاحظة:

الجزء الخامس سيكون مساء اليوم بإذن الله :)

 
 

 

عرض البوم صور Ahmad Rufai   رد مع اقتباس
قديم 04-10-13, 09:01 PM   المشاركة رقم: 15
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2013
العضوية: 258684
المشاركات: 28
الجنس ذكر
معدل التقييم: Ahmad Rufai عضو له عدد لاباس به من النقاطAhmad Rufai عضو له عدد لاباس به من النقاط
نقاط التقييم: 121

االدولة
البلدKenya
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
Ahmad Rufai غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : Ahmad Rufai المنتدى : القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
افتراضي رد: رواية 13

 

-5-

- هل أحببتني حينها أم أنك أعجبت بشكلي فقط؟
للحظة شعرتُ أن كل خلية في جسمي تصرخ وجعاً يملأ الفضاء، اسودّت الدنيا من حولي واختفى كل شيء، كأن العالم تحول إلى سراب، أعادتني بسؤالها إلى تلك النقطة الأخيرة في الحياة.. النقطة التي يتبعها اللاشيء..
الحب هو حلم بعيد.. حياة بائسة.. حرمان وبعد.. إنه آخر محطات الحياة، يستمر بنا الإعجاب حيناً ثم يأخذنا الشوق والحنين دهراً، يغمرنا الحنان بدفئه والاحتواء بعطفه، يطير بنا إلى نقطة يتوقف عندها الزمن، ثم يسقطنا الحب زمناً فنموت سريعاً متأثرين بجراحه منتقلين إلى عالم اللا شيء.
الحب لا يجيد الانتظار يا (خصال) ولا يعرف الرحمة، لا يسمع أنين الموجوعين ولا أغنيات التائهين التي نقدمها في محرابه، يفتك بالقلوب مهما كبر حجمها أو حجم صاحبها، فترى الوحوش الكاسرة تموت حباً..
الحب أنانية يا (خصال)، إنه ديكتاتورية شخصين، يحاول كل منهما أن يفرض نفسه على الشخص الآخر..
صدقيني الحب هو أسوء ما في الحياة..
إنه الكذبة التي نطلق عليها مسمى الأمل، إنه الفخ الذي ينصبه لنا اللا شيء ليستدرجنا به إلى عالمه فيقتلنا.. صدقيني.
خرج من داخلي صوت لا أعرف مصدره ولا أقوى على التحكم بصاحبه:
- لا أعلم.. حقيقة لا أعلم، كل ما أعلمه هو أنني أردت لقائكِ مرة أخرى.
بالرغم من أنه لم يعجبني أبداً إلا أنه جاء مقنعاً جداً بالنسبة لها، قالت بابتسامة:
- ناولني قداحتك..
ناولتها القداحة وأنا تحت تأثير اللا شيء، غابت قليلاً وسط ضوضاء أفكاري ثم خيم الظلام على المنزل فجأة إلا من شمعات زينة تتوسط كعكة على الطاولة، سحبتني من يدي وأوقفتني أمام الطاولة وهي تقول بصوت حنون:
- اقترب يا قصي.. الليلة سأحتال على حلمي لأحوله إلى حقيقة.
قالتها ثم احتضنتني من الخلف وخلال بضع ثوان شعرت أن أنفاساً ساخنة اخترقت أذني لتعبر المسافة الفاصلة بيني وبين الشموع فأطفأتها، اختلطت أنفاسنا وتلاصق وجهانا، لنغيب من بعدها في ظلام ستر كل انفعالاتنا وجنوننا.
استيقظت في السابعة، وفيما ارتديت ملابسي على عجل أعدت هي وجبة إفطار خفيفة، تناولناها سوية وابتسامات الرضا تملأ وجهها ثم رحلت..
في طريقي إلى البيت اتصلت بزميلٍ لي لأطلب منه أن يقدم لي إجازة مرضية ليومٍ واحد، ليس لإرهاق ألمَ بي سوى أنني كنت أؤدي كل شيء كأنني آلة صدئة أعطبها التصاقها بجسد خصال، تصيبني القشعريرة كلما اقتربت مني انثى أكثر من اللازم لتدخل إلى أضيق المساحات في روحي فتصيبها بالعطب، لا زال رأسي غارقاً تحت تأثير اللا شيء بالرغم من أنني حاولت نسيانه بالاستجابة المباشرة لجسد خصال دون فائدة، ودخلت في سبات عميق لا يشبه سوى ظلام البارحة.
واستيقظت على لمسة من يد (باسل) على جبيني كأنه يتأكد من درجة حرارتي، ابتسم وحرك شفتيه دون أن أعي ما يقول فحركت رأسي وأنا أنظر إلى هاتفي لأعرف الوقت، كانت الساعة الرقمية تشير إلى الحادية عشرة ظهراً، و سبع دقائق وخمس اتصالات من خصال.
أغمضت عيني أحاول الهرب من كل شيء، أن أنسى ما حصل البارحة، وكيف أنسى ورائحة عطرها وأحمر شفاهها لا زال يعربد على جسدي مثبتاً وبقوة ما حدث بالأمس؟ لابد أن علاقتنا ستتخذ مساراً مختلفاً الآن، فالنساء يختلفن دائماً عندما يعتقدن أنهن يملكن رقم هاتفك وجزءاً من رائحتك!!
رن هاتفي فأجبت دون أن أفتح عيني:
- أهلاً..
كان صوتي قد تغير بفعل النوم فلم تستطع أن تمييزه، قالت:
- قصي؟
- لا.. ليس رقمي.. ورائحة الأمس كانت من زجاجة عطر عثرت عليها بالقرب من منزلكم.
ضحكت، لم تفهم شيئاً مما كنت أقول، قالت:
- هل أنت متعب؟
- لا.. كنت نائماً فقط.
- أين تحب أن نأكل ظهر اليوم؟
صمتّ لثوانِ أردت أن أتهرب فيها من الغداء معها فطلبت أمراً مستحيلاً:
- في أول مكان التقيتك فيه.. أريد أن أتناول غدائي في مكتبك.
كنت أتمنى أن ترفض ذلك، فيكون سبباً وجيهاً يؤخر لقاءنا يوماً على الأقل، قالت:
- قصي!!! هذا مستحيل.. هل أنت جاد؟؟
- نعم.. لن أعبث بالمكان، سآكل بهدوء.
ضحكت، ثم تابعت:
- يبدو أنك تريدني أن أخسر وظيفتي وسمعتي، هل تعلم ما ينطوي على طلبك من المخاطر؟
- لا شيء.. سأحضر بعد الواحدة عندما تتأكدين أن الدب اللطيف غادر لاستراحة الغداء، وسأجلب معي طبقك المفضل، سأدخل سريعاً ثم أخرج قبل أن يراني أحد.
- لم كل هذا؟
- تقاليد، أعتقد أن اليوم هو يوم صباحيتك.
صمتت قليلاً ثم قالت في حديث أقرب إلى الهمس:
- قصي.. هل تحبني؟
أجبت ضاحكاً:
- لدرجة أنني أفكر في تبنّيك.
- هل تعلم.. أنت مجرم.. سأنتظرك..
في المكتب كانت هادئة على عكس ما توقعت، قرأت لي قصيدة لنزار وشربنا من كأس واحدة، وغنت لي.. لم يكن صوتها جميلاً بقدر ما كانت روحها منطلقة نحو الحياة، كأنها كانت تغني لتعيش.
منذ الليلة السابقة، بدأت العلاقة تتخذ مساراً مختلفاً من أهم ملامحه هي وجنونها، تلى ذلك الغداء لقاءات كثيرة في مطاعم مختلفة، أصبحت أكثر حيوية وانفتاحاً في حديثها وتصرفاتها، تمسك بيدي كلما أرادت أن تخبرني بشيء وتقترب من وجهي كثيراً جداً، في المقابل كان برودي يزداد كل مرة أكثر من سابقيه، في البداية كنت أستمع لحديثها وانتقادها لديكورات المطاعم والأماكن التي نزورها، كان ذلك أفضل ما تمارسه هي، التعبير عن إعجابها بالديكور والألوان، بعدها أصبحت أستمع لها دون اهتمام، دون أن أتخيل تعديلاتها، بعد ذلك أصبحت أنظر إلى شفتيها وهي تتحرك لكنني لا أستطيع أن أسمع شيئاً..
عندما أنظر إلى عينيها، وتصرفاتها المراهقة أسأل نفسي.. هل هذه هي مديرة شئون الموظفين التي يقول عنها الجميع أنها المرأة الحديدية التي لا يستطيع أحدهم اختراق مشاعرها؟!
لم أجدها صعبة المراس أبداً، بل على العكس تماماً فقد وجدتها سهلة جداً؟؟ لم أبذل جهداً كبيراً في إبقائها على الخطة التي رسمتها لها، حتى أنها باتت تمشي عليها من تلقاء نفسها.
أعتقد أنه كلما زاد تعليم المرأة وانفتاحها أصبح من السهل السيطرة عليها أو قيادتها، وكلما قل تعليمها وزادت بدائيتها غلب جنونها وباتت السيطرة عليها أو قيادتها أمراً مستحيلاً.. أقصد أن أقول أن أصعب النساء طباعاً هن أكثر انقياداً وطاعة للرجل، وأسهلهن طباعاً هن أكثر تعقيداً في التعامل مع الرجل!!
باتت تشبه ربى في كثير من تصرفاتها، حتى أنها باتت تضيق الخناق حولي، تحادثني في اليوم أكثر من عشر مرات، أصبحت أشعر بالحرج من اتصالاتها أحياناً لكنني لم أوضح لها ذلك أبداً، حاولت أن أتقبلها كما هي دون أن أجرح مشاعرها لكنني لم أستطع، فمهما أجدت التمثيل سيعلم المشاهد لاحقاً حين أصمت أنني انتهيت من أداء المشهد وتحولت إلى مشهد آخر، وكان لا بد أن تفهم ذلك هي أيضاً!!
أمسكت بيدي ونحن على الغداء قالت:
- انظر هنا، لو أنهم وضعوا إنارة بيضاء بدلاً من هذه الإنارة الباهتة لجاء انعكاس الضوء على اللون الخشبي رائعاً جداً، ثم أن وجود كل هذه المرايات جعل المطعم يبدو وكأنه صالة ألعاب رياضية. أ..
أوقفت حديثها عندما رأتني أسحب يدي من يدها بهدوء وأضعها على وجهي، ونظرت لي باستغراب:
- قصي مابك؟؟ هل أنت مريض؟!
- نعم.. قليلاً..
سحبتني من يدي وطلبت مني الوقوف:
- هيا أعدني إلى المكتب واذهب إلى منزلك لترتاح.
- حسناً..
لم نقل حرفاً واحداً طوال بقائنا في السيارة، حتى اقتربنا من مقر عملها فقالت:
- هل تستطيع القيادة وحدك إلى المنزل؟
- نعم..
- أنا خائفة.. سأذهب معك إلى منزلك ثم أستقل سيارة أجرة من هناك إلى المكتب..
- لا .. لا .. ستتأخرين.. وأنا على ما يرام.
توقفت أمام نافذتي وهي تقول:
- قصي.. رجاءاً اتصل بي عندما تصل إلى البيت..
- سأفعل..
- رجاءاً يا قصي.. رجاءاً..
ابتسمت وشدت على يدي ثم منحتني ظهرها فانطلقت نحو المنزل، أغلقت الهاتف عمداً واسلمت جسدي للسرير يقلب هواجسه كما شاء، منذ صغري لا أستطيع النوم دون أن أتقلب على سريري لساعات أحاسب فيها نفسي على كل حرف صدر مني، وأحلل كل تصرفات الأشخاص الذين قابلتهم من بداية يومي حتى نهايته، لدرجة أنني أكره النوم أحياناً لكثرة ما يسببه لي من القلق والإرهاق النفسي. استيقظت في الخامسة يراودني شعور أنني لم أنم أصلاً فقمت أعدّ لنفسي كوب قهوة وأجلس لمتابعة التلفاز سارحاً في الفراغ.
عاد باسل في الثامنة، وضع يده على كتفي وهو يقول:
- اتصلت بك مرتين.. هل أنت على ما يرام؟؟
- الحمد لله.. كنت أريد أن أبتعد عن العالم فقط..
تذكرت خصال فقمت لأحضر الهاتف من غرفتي، لأجد خمس رسائل وسبع اتصالات منها فقط، وقبل أن أفتح رسائلها جاءني اتصالها، قلت:
- مرحبا..
- أين كنت؟؟
- كنت نائماً، لقد فتحت هاتفي للتو.. كـ..
قاطعتني بغضب:
- أعلم أنك فتحته للتو.. جاءتني رسالة تخبرني أنك استلمت رسائلي.. أنا أسألك أين كنت؟؟ ألم أطلب منك أن تتصل بي عندما تصل إلى المنزل؟؟
بالرغم من أنني كنت قادراً على الكذب والدفاع عن نفسي إلا أنني فضلت الصمت، فتابعت هي بسخط:
- أنت لا تستحق.. ثم أغلقت الخط في وجهي.
وضعت الهاتف بجانبي وعدت لمتابعة الفراغ على التلفاز، رأيت (باسل) يخرج من غرفته وهو يعدل ياقة قميصه ثم يقترب مني ويحرك شفاهه بحديث لم أسمعه، قلت:
- عفواً..
اقترب مني وجلس أمامي مباشرة:
- ما بك يا قصي.. أعتقد أحياناً أنك تتقدم في حياتك للأفضل، بينما أشعر الآن أنك تهوي إلى عالم ليس فيه أحد سواك.. ما الأمر؟؟
ابتسمت في وجهه دون أن أركز في حديثه، أصابني التبلد تماماً ولم أستطع التركيز على ما يقوله بالرغم من أنني سمعته جيداً.. فكررت آخر كلمة من جملته فقط:
- ما الأمر؟!!
ابتسم ابتسامة عريضة وهو يحاول كتم غيضه الذي بات واضحاً جداً:
- لا شيء يا سيدي أبداً.. لا شيء.. سوى أنني سألتك لمرتين إن كنت مرتبطاً بعمل هذا المساء، ولم تجبني حتى الآن؟
أنا على يقين أنني لو حاولت التفكير في سؤاله فلن أجد إجابة مقنعة لأنني حتماً سأكون قد نسيت سؤاله!! فأجبت دون تفكير وبسرعة:
- صدقاً.. لا أعلم إن كنت مرتبطاً بعمل أو موعد مع أحدهم، لكن ليذهب كل شيء إلى الجحيم.. لا يهم.. أخبرني فقط ماذا تريد.
لم يستغرب تصرفي، فأحياناً أشعر أنه أقرب إليّ من نفسي، قال ضاحكاً:
- كنت أريد أن ترافقني فقط.. فقط.. هكذا بكل سهولة..
قمت عن مقعدي، لأستعد للخروج:
- لك ذلك..
- ألا تريد أن تعلم إلى أين؟؟
كنت قد أغلقت باب غرفتي فرفعت صوتي:
- لا يهم.. أمهلني دقائق فقط وأكون مستعداً لمرافقتك إلى القطب المتجمد.
أشعر أحياناً أنني غائب عن الوعي تماماً سوى أنني لا أغمض عيني، يتفاقم هذا الشعور عندي كلما تعمقت في التفكير أكثر فلا أشعر بجسمي أبداً، ثم وفي مرحلة متقدمة أصبح كأنني مجرد إسفنجة، لا تستطيع التفكير ولا التفاعل مع البشر، يكون رد فعلها مبنياً دائما على تعاملك معها واستخدامك لها، فإن جرحتها جرحت نفسك، وإن أغرقتها في الماء فلن تخرج لك غير الماء..
(باسل) هو أول من اكتشف هذه الحالة عندما كنت أجلس معه لساعات دون أن أنطق بكلمة واحدة، وهو أول من أطلق عليها ضاحكاً لقب (نمط الإسفنجة)، كان يتجنب النقاش معي في أمر مهم عندما يراني قد بدأت في الدخول إليها..
- قصي.. قصي..
رفعت نظري إليه بعد أن كنت قد سمرت عيني على السيارات والطريق، فتابع:
- هاتفك يرن..
أخرجت هاتفي من جيبي لأجد اتصالين من خصال، تمنيت أن أخترع جهازاً يجعل الاقتران بيني وبين هاتفي ممكناً.. فبمجرد أن أدخل في حالتي الاسفنجية يدخل هو في حالة السبات الشتوي فلا يزعج من بجانبي.. سيضحك (باسل) كثيراً إن أخبرته بتلك الفكرة وستعجبه جداً..
يعمل (باسل) في تجهيز وإقامة المعارض والمؤتمرات، ساعده عمله في عقد الكثير من العلاقات مع رجال ونساء المجتمع النافذين في كثير من المجالات، وبالرغم من أنه يبدو هادئاً جداً إلا أنه مستعد لقضاء الليل كله لصنع فكرة تليق بمعرض أو الإشراف على العمل لساعات متواصلة.
بعد دقائق سمعت صوت باسل يفتح باب السيارة وهو يقول:
- اتبعني بسرعة.. لم يتبق الكثير من الوقت.. لا بد أن أكمل باقي التجهيزات قبل أن يحضر الضيوف.
تبعته سريعاً ودلفنا إلى المصعد، وما أن استقرت قدمه على أرض القاعة حتى شرع مباشرة في عمله، يوزع كل شخص في مكانه بذكاء كأنه يقود فرقة أوركسترا مكونة من عشرات الأشخاص دون أن تغفل عينه عن أحدهم للحظة، بينما رحت أقلب نظري في تجهيزات القاعة من معدات صوتية وإضاءات وخلاف ذلك.. جميل هذا (الباسل) بالرغم من أن لمساته في اختيار الديكور والتجهيزات كلاسيكية بحتة، هذا إذا نظرنا إليها من منظور خصال!!
كنت قد بدأت بالتفكير في خصال فعلياً لولا أنني سمعت صوتاً أنثوياً عند المدخل وامرأة متوسطة الطول تدلف إلى القاعة يتبعها رجل له ملامح آسيوية، اتجه إليها (باسل) تتوسط شفتيه ابتسامة واثقة عندما رأى ملامح الرضا ترتسم على وجهها، قالت لـ (باسل) بصوت طفولي:
- رائع جداً يا (باسل).. بالرغم من أنني سمعت كثيراً عنك لكنني لم أتوقع أن تكون بمثل هذه الخبرة.. أنا سعيدة جداً.
أجابها باسل وهو يقترب منها أكثر:
- شكراً..
كانا قد أصبحا قريبين جداً مني، فقالت لي بتلقائيه وهي تشير إلى الرجل الآسيوي:
- لو سمحت.. خذ هذه الحقيبة من السائق وضعها في غرفة التجهيز.
ضحك باسل بشدة وأنا أستلم الحقيبة، ثم حاول أن يسحبها مني وهو يقول:
- نسيت أن أعرفكِ إليه، إنه صديقي قصي.
لم تستطع إخفاء خجلها الشديد، قالت:
- أنا آسفة حقاً.. لم أنتبه.. اعذرني أرجوك.. لقـ..
قاطعتها بهدوء:
- لابأس.. ليست هناك مشكلة.
حاول (باسل) أن ينهي الموقف بهدوئه المعتاد:
- إنه خطأي، فقد نسيت أن أعرفكما إلى بعضكما البعض.
ثم تابع موجهاً حديثه إلي:
- الأستاذة (سمر) كاتبة صحفية و مشرفة اجتماعية لها مقالات رائعة في علم السلوك، وهي هنا الآن لتصدر كتابها الأول بعد أن نجحت إطلالتها في الكثير من الصحف.
قالت بخجل:
- لا تصدق ما يقوله باسل.. إنه يبالغ كثيراً.
- فرصة سعيدة جداً أستاذة سمر، حديث باسل عنك شدني لقراءة كتابك.. أعتذر منكم الآن فقد نسيت شيئاً في السيارة، سأعود حالاً.
تركتهما يتحدثان في أمور التجهيزات واتجهت نحو المصعد، لم أكن أريد شيئاً من السيارة، أحببت أن أقلل من حدة توترها وخجلها، وأن أدخن سيجارة فقط.
بعد لحظات بدأت تتوافد السيارات من كل حدب وصوب، لم أكن أعلم أن هناك الكثير من المهتمين لأمر تلك الخجولة وما تعرضه من كتب، وقبل العاشرة والنصف جاءني اتصال من باسل:
- أين أنت؟
- بالأسفل..
- غريبُ أمرك.. أصعد بسرعة رجاء.. لقد حجزت لك مقعداً في الصف الأول.
- حاضر.
أغلقت هاتفي وتوجهت إلى المصعد.. وحين دلفت إليه تذكرت أنني لا أعرف رقم الطابق الذي نزلت منه، فخرجت أبحث عن السلالم، لا أريد أن أكون وجبة لسخرية باسم هذا المساء.. كانت الطوابق الثلاثة الأولى مظلمة تماماً وفي الطابق الرابع خيّل لي أني سمعت صوتاً يصدر من باب مفتوح، وبالرغم من أنني لا أحب التدخل في شئون الغير إلا أنني دخلت عندما لمحت في المرآة انعكاس ظل مبهم لوجه امرأة، وما أن حطت رجلي داخل المعرض حتى شعرت أنني في أرض الأحلام، كان المعرض عبارة عن صور زيتية علقت على الحائط بحرفية كبيرة، وكل صورة تحكي عن عالم مختلف يفيض روعة وشاعرية، أعادني صوت رزين إلى الواقع:
- أحب هذه اللوحة جداً.. أشعر أنها حياتي.


يتبع...

 
 

 

عرض البوم صور Ahmad Rufai   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتمله من وحي قلم الاعضاء
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 10:26 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية