كاتب الموضوع :
حلمْ يُعآنقْ السمَآء
المنتدى :
القصص المكتملة (بدون ردود)
رد: أبرياء حتى تثبت إدانتهم
ثلاث سنين أم ثلاث ليالِ
هي البرق أم مرَّتْ كلمحِ خيالِ؟
وما كان هذا العمرُ إلا صحائفاً
تلاشتْ ظلالاً رُحْن إثر ظلالِ
وما كان إلا أمس لقياك إنه
لأثبتُ ما خطّ الزمانُ ببالي
وما العمر إلا أنت والحب والمنى
وما كان باقي العمر غيرَ ضلالِ!
إبراهيم ناجي
قلب ينبض ، و جسد يتعرق بغزارة ، عضلات تتقلص و روح ترفرف مترقبة ، هاج و ماج على إسفلت الشارع منذ السادسة ، لم يستطع اطباق جفنيه لـ دقائق ، و كيف يفعل بعد إكتشاف متأخر بأن له من صلبه إبنة !
صغيرة قضى من الأعوام ثلاثا دون أن يعلم بأن لها انفاسا ناعمة تشاركه بها الكون ، و أربعة منذ أن أكرمه الله بـ تكوينها في رحم من أمنها كـ نفسه ، و أكثر
اغتصبوا حقه بـ نسبها إليه .. قاسم الوغد ، يستحق أن يقتله ، أن يقتص حقه بخنجر يشق عنقه ، أن يحني يديه بدمه ، لكنه لن يفعلها
إكتفى من لعبة قذرة لا تناسب آل صفاء ، لعبة لم يربح بها سوى جولة واحدة ، هذا إن كان إمتلاك واحدة إجتثت قلبه من موضعه لتضعه في حقيبة سفرها و تغادر يعتبر ربحا !
لتعود ، نعم عادت لـ ترفع هذه المرة سيفها و تغمده من دبر فتنصف عظمة الكتف غدرا ، ليس ضعفا ، لا ضعيف امام الحق ، بل شيطان أخرس من يصمت متقبلا الظلم ، هو الأحمق الذي ظن بأن سقياه ستنبت من بذرة قاسم سنبلة مليئة بالخيرات ، هو الأحمق الملام !
عندما وصل عبد الله بـ إبنته ، و الخائنة لم يطيق صبرا لـ رؤيتها ، و حالما فتح الباب سارع لإجتذابها من بين الكومة الملوثة بقاسم الكلب ، ظل لحظات لا تعد باهت الوجه بتلك الصورة الملائكية التي يراها ، بـ براعة طبعت بمقلتيه صفحة الوجه الأبيض المزين بـ حجرين كريمين من الزمرد ، و المحاط بـ تاج ثائر ذهبي اللون ، خشن الملمس ، إذ لم يفتأ أن يدغدغ ذقنه و عنقه لتصدمه " المشاكسة " بمحاربتها إياه كمن تحارب الموت
صوتها الناعم النافر خطف قلبه ، ملامحها الجميلة ، نظراتها الشرسة الثابتة كادت ان تشككه للحظة في أن تكون إبنة هذه الغبية ، إلا إنها و من نظرة واحدة تؤكد لمبصرها بأنها ثائرة كأبيها و عمتها ، فذات الصوت الصارخ ، و الاطراف الهائجة هي قطعا تحمل دماء آل صفاء ، دماءه !
لما خلا الحي إلا منهما و ثالثتهم ، نقل بصره نحوها ، لينعصر قلبه و لم يستطع عقله إرغامه على التظاهر بالـ لانبض .. هزيلة الجسد ، مرعوبة الملامح ، متلألئة المقل ، إنخفض عداد غضبه لبرهة قصيرة ، عمر مر منذ اللقاء الأخير ، المحمل بـ بلح الحنين .. اللذيذ !
كاد أن يفتضح أمر شوقه ، فيؤثم .. فأرغم نفسه على التفكير بـ بشاعتها ، لولاها ما كان الآن يحاول أن يهدهد " إبنته " التي تظنه وحشا
لولا والدتها ... والدتها الحمقاء ، الغبية ، التي لم تكف عن الثرثرة المهتزة ، والدتها التي تخلت عن حقها في الظفر بهذه النعمة ، بل تنازلت كعادتها الخرقاء ، بعقل خرف لا يستطيع السيطرة على رعبه ، و التصرف بدهاء ،
لا ليست حمقاء و لا غبية ، بل هي خائنة ، خائنة لها من الوجع نصيب ، طعنتها الأخرى أدمت القلب الغبي الذي بحوزتها منذ زمن ، أنى لها أن تتبناه و من ثم تغدره ؟
كان واقفا يستمع لثرثرتها بلا تعابير ، إكتفى بالنظر لحركاتها ساخرا بإدلاءها لسلسلة تبريراتها الطويلة ، التافهة !
الصغيرة يئست من أن يحررها فتقبلت الامر و صارت تلهو بهاتفه الذي سلمها إياه لحين اقتصاصه الحق من امها ، نار تأكل أضلاعه و تتغذى على أنسجته ، نار " لولا فعلة عبد الله منذ اعوام " لكان ما حاول احجامها ولا كبت لهيبها ولو كان في الأمر عنقه هذه المرة
عديله طعنه ، لكنه حاول بـ الخفاء رتق الجرح الغائر ؛ حاول بجهده ، و يبدو أنه نجح و لو قليلا بـ تخفيف وطأة الوجع .. بينما هذه .. المذنبة الأولى في قائمته السوداء ، ذات الطعنة الأعمق أثرا ، قد أسرت له بالحب يوما ، لتخذل قلبها و قلبه ، و تغرس رمحها به شر غرسة ، لن يسامحها ، لن يفعل ابدا ، لا تتحدوه بنظراتكم الماكرة ، هو لن يسامحها ما دام حيا ، و أنتم الشاهدون !
: جاوبني
بس قلي إنوو مصدقني ، حاااس بية ؟ أدري انتة عمرك محسيت و لا رح تحس بية او بغيري
علي طول عمرك متحس غير بنفسك ، بس هالمرة لازم تفتهم موقفي ، جنت بين ناريييين ، شسووي ؟ تريدني اجازف بيك لو بيها ؟ فهمنننيي شتريد مني أسوووي و اني وحدي ، وحدي ارتبط بيكم كلكــم
اذا بابا صارله شي اني أحترق ، و إذا امي تعذبت من ورة مشاكلي فـ أنتهي ، و اذا ..... خسرت جودة فـ ..... أموت ، و إنتة ......... إنتتة ....
حس بية ، الله يخليك
جمود وجهه تغير قليلا ليبخس توسلها حقه ، و يشح عليها بـ كرمه ، رف جفنه ، ليرسل قلبه الساخر نظرات كادت تقتلها بهزءها ، لم يرد عليها و كأنه أصم قرب طحنها لتماسكها تحت كعبيها امامه ، إنهارت أكثر متمتمة : لتبااااوعني هيجي علي ، لتحسسني انو ممصدقني ، إنتة بقلبك مصدقني و تدري انو كلشي صار غصباا علية ، و تدري إنوو ........ أخاف عليـ ـ ـك
هذه المرة تطاول بإهانتها ، فأرسل لها إبتسامة ذبحتها بنصلها الساخر ، لتراقبه برجفة و هو ينحني أرضا ليحرر .... إبنتهما ، تلك التي سرعان ما ركضت نحوها بخطوات متعثرة تغمرها السعادة صارخة بـ حماس : جوووووج حبيبتي
لم تتحرك ، ظلت للحظات متسمرة النظرات على من تجبرت قسوة احداقه ، تجلى الرعب بـ مقلتيها و هي تلمح تحركه البطئ نحو الأريكة المتواجدة ، وكزها بـ مقدمة السيف و هي تنتبه توا لعرجه الواضح ، مر عمر يا حبيبي ، و ما زلت تعاني مما أغدقوك به من ظلم !
تابعته يجلس بـ لا إهتمام لوجودها ، رافعا ساقا فوق الأخرى ، ليذهلها و هو يخرج علبة السجائر من جيب قميصه ، فغرت فاها لوهلة تراقبه يشعل أولى سجائره ، لتزدرد ريقها بالخفاء ، ثم تمني النفس بقدرتها على معاتبته ، إذ خرج صوتها ثابتا نوعا ما وهي تقول بغيظ : علي لتدخن ، الطفلة شنو ذنبها
: جوووج إحمليني هيااا ، أين مدينة الملاهي ؟ ألم تقولي بأنك ستأخذيني إليها
اطرقت برأسها نحو صغيرتها المحتضنة ساقها ، لتميل شفتها ببسمة هادئة ، إنحنت بجذعها حتى وصلتها ، هامسة بـ رجفة لم تكبتها : حبيبي الحلو ، روحي قعدي على ذاك الكرسي ، و لعبي بالموبايل ، أني شوية و اخذج و نروح لأي مكان تريديه ، هسة حتصيرين حبابة و تسمعين كلامي ، ماشي ؟
: هممم .. ماشي
نطقتها بـ نبرة مرتفعة ، لتتحرك بخطوات سريعة نحو المقعد الذي أشارت عليه " جوج " ، لتتخذه مخدعا لها و هي تلهو بالهاتف بين يديها المكتنزتين ، إبتسمت بشجن أصابها بالصميم ، شاعرة بخضوعها للمراقبة المستهزئة ، لتدير وجهها نحوه ، فترى إنشغاله بـ نفث دخان " ثاني قاتليه " ، و متابعة حركات " إبنة أولاهم " !!
إنحشرت أنفاسها بين الفم و الحنجرة ، ظلت تناجيه بصمت أن يراها ، يعطيها من إهتمامه ولو القليل ، إنها تفتقده ، ليليا تأن بحنينها ، و تحن بـ أنينها المكسور قلبه ، تتوسل هاتفها أن يهديها صوته ، تهرع راكضة عند كل رنين يصدره حتى إذ مات الأمل و شيعته الى قبره ، فصار الهاتف بـ لا نغمة !
و ما حاجتها بها و من توده ، شحيح بـ الوصال ، أجودي في الغياب ! تلمه ، وهي الملامة و تعلم ، و لكن ما تفعل ، تحتاج أن ترمي بثقل خطأها فوق كتفيه ، فهي قد تهدلت أكتافها ، و دق عنقها لثقل ما تحمله !
تعلقت نظراتهما لفترة ، لتفر من عينيها دموع هربت بـ عجل من بين الأهداب ، قطع أنفاسها بديمومة صمته ، فـ إستجدته بـ ضعف : كافي تباوعني هيجي
شهقت وهي ترى كيفية سحبه لنفس طويل من سيجارته ، لتختفي ملامحه خلف سحابة دخانية تمكنت من شق جيب صدرها ، دهس العقب المتبقي بالمنفضة القريبة منه ، و نظراته مصوبة نحوها بـ طريقة أفزعتها ، لكنها حاولت السيطرة على ذاتها المنصهرة تحت اشعته الفتاكة ، لتتحرك نحو أحد مقاعد طاولة الطعام ، فتديره مقابلا لـ جلادها الصامت ، حتى إذ جلست فوقه بإنهاك ، أطرقت برأسها لتغمر وجهها بين كفيها مهمهمة بـ خمول : هسة شرح تسوي ؟
ابوية بالحج ، من يرجع نرجع لعمان ، و و ... جود ،، متعرف .... علي .... بـ ـ تـ ـي عبالها أني ...
رفعت رأسها لـ تريه أثار غيابه الموشومة ببقع داكنة تحت عينيها ، فتضيف كلمتها بـ إبتسامة متألمة : أختها
لم يرف جفنه ، و لم تمني ذاتها بـ غير ذلك ، إهتزت شفتاها لـ تهمس بنشيج يأن : دتقلي أنو الصوج بية ، دتتهمني بضعفي و بـ غبائي ، يمكن تكرهني لإن ضميت عليك ، و ممصدقني ولا مقتنع بحجاية انو اني جنت مجبورة
بس أريدك تفكر شوية ، تخيل شقد تحملت بهالتلث سنين ، أحضن بتي ... و لازم ادرب نفسي إنو تكبر على أساس إنو هية أختي ، تعررررف شنو يعني أخسر احلى شعور بالدنيا ؟ تتنغص فرحتي ببتي الي ابوها ......... تعرف ؟
إنتة انظلمت صح ، بس أني انظلمت بقدك مرتين ، على الاقل انتة مجنت تعرف ، مو تشوف و تنحررم ، بتي تكبر قدامي ، و اني لازم اسيطر على نفسي و ابعدها عني
اي اي اي ابوية ظالم و مخاف ربه ، و ما ادري شلون ديانة ديانته و هوة كل سنة ، كـــل سنة هيج وكت تلقاه ديحج ، ما ادري بيا منطق ديفكر و هوة مغير نسب ، بس لإني اعرفه ، و اعرف انو كلشي عليه سهل ، فـ إنجبيت ، و اختاريت حياتكم اثنينكم ، أعتبرها أختي و اتحمل ، و أعتبرك مـ ـاكو ... و أتعود !
لشوكت حتبقى ساكت ؟
: جوووج غير جميل هذا الموبايل ، أريييد هاتفكييي
نقلت بصرها حيث الصغيرة ، لتلحظ تمللها في مكانها ، و بعد قولها أدركت إنها حين غادرت سيارة عبد الله تركت حقيبتها ، و بها الهاتف ، فركت مقدمة جبينها بإرهاق ، لتحاكي الـ جود و صوتها بالكاد يعلو : موبايلي بالسيارة حبيبتي ، لعبي بهذا هسة
: و لكن هذااا غير جمييل ، إففف تبا
: جوج انا جائعة و أشعر بالنعاس
أيين الفطور ؟
أريد أن أنام
الجود و ثرثرتها التي لا تنتهي ، و رغم إنها لم تلق بالا من أحدهما وجداها تستمر بالهلوسة اللفظية ، لتنعكس النظرات العطوفة على عدستي والدتها ، تنهدت بـ تعب و كفاها تمسحان صفحة وجهها بـ هدوء ، معلقة بعدها دون أن تصوب نظراتها نحوه ، بل ظلت تراقب طفلتها و تحاكيه على مهل : ممكن افتهم شنو ناوي ؟ علي مو حالة صارلي ساعة أحجي و إنتة بس ساكت
كافي تحسسيني بالذنب ، قلتلك وضعي .... قلبي يوجعني علي ... يوجعني حيييل
نقلت نظراتها نحوه هذه المرة ، لتضيف بركازة كاذبة : إنتـ ـة ... مو طبيب قلب ؟ إلقيلي حل ، تدري ... أدمنت على المهدئات ، صار سنتين !
بصرها نفذ لما تحت جلده ، لتجفل إثر الرعشة التي سرت به ، و للإنتفاضة الدموية التي شعرتها بأوردته بعد قنبلتها الأخيرة ، و لـ عشق الحال وجدت ثغرها يفتر عن إبتسامة بلهاء ترضى بالشحة هذه !
إنقباضة كفه لم تخف عن ناظريها ، لتقرر الإسهاب بمعاناتها علها تلامس إنقباضة أخرى ، للقلب !
: ورة مأجيتنا ، بابا صار نار كبرة ، خفنا عليه ، بـ ـس مقدرنا نسويله شي ، شوية شوية صار يسمعني من احجي وياه ، بعدين فجأة يقلب ، و يرجع على حالته الاولى ، أتدمر ، جنت أموت و كل يوم يعاملني بطريقة شكل حسب مزاجه ،
بتي تكبر و أني ما أقدر أسوي شي ، بتي إلي انحرمت حتى من كلمة بتي الها ، انحرمت اسمع منها " ماما " ، قدامي تصيح لامي ماما ...... و لأبوية بابـ ـا
عبالك سهلة ؟ تذبح ، و الله تذبح بس مجان بيدي شي ، و لا رح يصير بيوم ، و هسة إنتة عرفت ، بس مستحيل رح تعرف معاناتي و لا وجع قلبي ، قتلك .. إنتة متحس غير بنفسك
مرح تجاوب ؟ فهمنيييي ليش دزيت علية و إنتة متريد تحجي ؟ جايبني بس حتى تلومني بنظراتك ، محسسني انو اني حشرة ، مستحقرني و كأنو سويت كل شي راضية ، دا اقلك انجبرررت ، فهمني شلون هسة
: رجعي من وين مجيتي
جف حلقها و طنت أذناها برنين متواصل ، و صدى صوته الفخم ينعكس على جدران قناتها السمعية ، ليخترق طبلتها راكضا نحو القلب ، فيرحب به الأحمق مشرعا بابه المؤصد أمام غيره .. فاتحا ذراعيه على إتساعهما مستقبلا إياه بـ حفاوة تليق به
كرر بـ إكفهرار و هو يراقب ملامحها المصعوقة : ردتج بس لأن ادري البنية مرح تجي وياية بدونج ، بس هسة هاهية ، إنتهت مهمتج ، طلعي برة و سدي الباب وراج
: نعم ؟؟
: إلي سمعتيه ، و بسرعة
: علـ ـ
: ماريد حجي زايد
: بتـ ـ ـ
: قصدج اختج ، إنتي تخليتي عن نسبها ، تخليتي عن تعب حملج بيهه تسع شهور ، بس اني لأ
: سبعة ، حبلت بيها سبع شهور ، و بوكتها توسلتلك تاخذني ، لإن جنت ضامنة بتي بداخلي و ابوية ميقدر يوصللها بس إنتة مردتني ، إنتة الي قلتلي انو تزوجت و كملت حياتك و متريد صلة بية و انو اني اصل المصايب بحياتك
هاج فجأة و هو يفز واقفا كمن لدغ لتوه ، نظراته اخترقت رأسها و أنهت مقاومتها فإضمحل ما إصطنع من تماسك و هي تتلقى قسوة كلماته : لعد كــذب ؟؟ إنتي مو اصل المصايب بحياتي ؟ إششفت من وراج و من ورة اهلج غير سم هاااري اتجرعه كل يووم و اني اشوف سارة قدامي بهالحال ،
انسى كل شي جلنار ،، كل شي ... إلا الي سواه الكلب إبن عمج بسارة ، و الي إكتشفت هسة انتي مسويته بية
إنكمشت على جسدها في موضعها ، لتلمح بطرف عينها الرعب المتجلي بوضوح في نظرات صغيرتهما ، حاولت لفت إنتباه قسوته لتخبو قليلا ، هامسة ببعثرة : علي الطفلة شنو ذنبها ، لتعيط ، لتخرعها
زفرات ملتهبة و عجلة تناوبت للخروج من فمه و هو يقف متخصرا بجسد مستنفر ، أبعد انظاره عنهما ليقول بشراسة : إذا متريديني اعيط طلعي برا ، و هسسة ، طلعي و إنسي .. هه بتج
سكنت كـ هيكل لتمثال صب فوقه الشمع توا فـ جمد ، متوسعة المحاجر متدلية الفك ، متوقفة النبض !
تبعثرت أنفاسها بـ هلع ، ثوان و إستوعبت ما يقول ، ها هو الكابوس الأول يدنو من التحقق ، يود حرمانها من طفلتها ، ألم يكتفي بأنها شبه محرومة منها ؟!
ألم تأخذه بها شفقة و رأفة رغم كل ما قاسته و أعلنته لـ توها ؟ .. أي بشر أنت يا عزيزي ؟.. و أي قدر جعلني أهواك فـ أخنق قلبي بيدي هاتين ، ألا أثير بك أي قهر أو عطف ؟ ألا ترآني مظلومة مسودة القلب ، ملكومة بالجراح ؟
متى ستبصر ما أحاق بي أنا الأخرى ، متى ستتخلى عن أنانيتك يا رجلي الشرقي .. متى ؟
عاكست رغبته و هي تقف لتتحرك مسرعة حيث جود فتقف لها الاخيرة مرحبة بـ خوف انعكس فوق سطح المقل ، رفعتها بـ هلع لتحتضنها بقوة و هي تراقب تقدمه العجل منهما و نظراته تحدجها بشر قاتم : جلنااااااار عوفيهاااااا
بهستيريا رفضت و هي تتقهقر بخطوات تجرها نحو الخلف : ماااا ، علييي تخبببلت ؟ شلون تريييدني اعوفهااا و ارووح ،، لااا اكييد تخبلت ، لو تموووت ما اعوفها هاااية كلشي بحيااتي ، لووو تموووت ما اعووف بتي
تعالى صراخ الصغيرة ليندمج مع صياح والدتها ، و زئير والدها الغاضب المشتعل يعلو فوقهما ، إذ إنه لم يرفق بـ قارورتيه ، و لم تهزه ادمعهما ، بل صب جام قهره فوق رأسي الإثنتين و هو يجر الجود منها و سبابه لم يتوقف لحظة ، إلا إن الطفلة رفضت قسوته وهي تتشبث بكل قواها بـ والدتها صارخة بـ كلمات " مضحكة لولا عسر الموقف " : جوووج انقذييني
أتركناااا أيهاااا المتووحش
النجـــــدة سااعدوووونااا ارجوووكم
يا الهــي أنقذناااا
: ووووجع سكتيييي
كانت صرخته كافية لصم أذن رجل بعمره ، فكيف بـ صغيرة لا تفقه عظيم الحال و الوقع ؟ يبس حلقها رعبا و زاغت نظراتها ، لتتلألئ عيناها بمياه صافية ، و ترتعش شفتها السفلى بمنظر فطر قلب الجلنار ، و لم يخدش بصره ، فظل مصمما على أخذها حتى إستسلمت امها و حررتها ، فالصغيرة تألمت نفسيا و لا حاجة لإيلامها جسديا بإقتتال غبي بين الوالدين !
ما إن صارت بين يديه ظلت تتلوى ، ليعصرها بـ غيظ داكن اللون ، و بيده الاخرى مسك زند جلنار ليحركها نحو باب المطبخ ، متكلما بـ صياح : دييري بااالج تقولين عليها بتج ، ديري بالج ، إنتي عفتيها ، بس اني ما اعوفها لو بيها موتي سمعتي ، و يللا روحي لأبووج هه " حجي " قاسم الله يحرقه بجهنم ، سلميلي عليه و قوليله هاهية ديننا خلص ، ياخذ بته و اخذ بتي
قاومته بشراسة و هي تركله تارة ، و تحاول فك قبضته القوية الموجعة أخرى : لالالالا علي اوووقف ، إسمعنييي ، أمووتك ، و الله اذا حرمتني من بتي اموووتك ، إنتتة مخبببل شلوون تريدني اعوفهااا .,آآآآه اييدي
ما اروووح ، اصلااااا هية موو بتك ،، ممتسجلة بإسمك ، و الله العظييم اروح اجيبلك الشرطة هسة و اقول خاطف أختي ،، و الله
إرتخت قبضته للحظة فـ أختها حتى حررها ، ليرفع كفه محيطا فكها هذه المرة ، ضاغطا فوق عظامها الضعيفة بقسوة و تجبر ، لتضطر الوقوف على انامل قدميها و عنقها تمدد بإنبساط متألم ، نطق بتصلب أمام فمها المرتجف خوفا و نظراته تتحدى مقلتيها أن تقاومه : زين و الله ، فوق مصيبتكم انتي تكذبين ... يكون بعلمج يا .... هه مرتي .... نسيبكم الي هوة عديلي ، و الي كالعادة طلع اشرف منكم كلكم ، مسويلي هوية لبتي ببغداد ، هوية تثبت أني أبوها ، و ميحتاج أقلج شلون ..... إنتو متعلمين عالوووصخ ، المهم ، فهيجي حركة حلوة منج تطيح حظ ابوج و حظج
سمعتيني ؟ تخيلي تجيبين الشرطة ، و تراويهم الهوية الـ يمج ، و اني اراويهم الهوية الـ يمي .. و تكبر القصة و نروح نسوي تحليل
: آآآآه علـ ـ ـ
: إششششش ، خلي أكمل ، و تطلع البنية بتي ، و أني أقدم بلاغ ، و كلكم .. كلكــــم تطبون للسجن بقضية تلاعب بالنسب ، هه ، النهاية السعيدة .. المجرمين بالسجن ، و المظلوم إلي مبقيتوا شي مسويتوه وياه يعيش بسعادة وية بته .... بتتتتتتتتته
صراخه الهائج بكلمته الأخيرة أفزع إبنته لتصرخ هي الأخرى وهي تثور لتضربه بقبضات هلعة و لسانها يكرر بـ هستيريا باكية : عووووف أختيييي ، أتررركهااا أيهااا المجرررم ،
النجـــدة ، أنقذواااا اختييييييي
ليفعل و يترك " أختها " ، ليغير وجهة قبضته نحوها ، وهو يثبت ذقنها و لكن " بشدة أقل " ليجعلها تبصر أختها وهي تشهق طلبا للهواء و دموعها تغرق الملامح الشاحبة ، ليلقنها بـ غضب هامس : هااية مو اختج ، هااية امـــج سمعتي ، أممممج
والله اذا سمعتج تقولين اختج اموووتج
فيحرك وجهها نحوه هذه المرة مكملا : و انييي ابوووج ، إفتهمتي ، هااي الغبية الثولة امممج واني ابووووج
كادت تفقد عقلها الصغير و هي تتلقى منه هذا الجنون ، لتصيح مرتجفة محاولة رمي نفسها من علوه الشاهق رغبة بالنجاة : إبتتعد عنييي ايهاا الكاذب ، أمييي سوووسن و ابي قااســـ
: من دنعل ابووج لابوو قااسم ويااج
افزعها للمرة العاشرة ، فإنكمشت على نفسها و هي تنتحب بطريقة تدق بالقلب مسمارا ، ليعلق فوقه صورة إحدى أسوء مواقف حياته ، و أعظمها
كرر مجددا تلقينه : أنييي ابوووج ، سمعتيي ؟ أني بااباا ، و رح تبقين يمي ، و هذولاا الناس الي جنتي يمهم ايييييع .. هذولا خـ**
افلتت عقال وعيها و هي تتوسله جارة بساعده بعيدا عن وجه صغيرتها ، بقلب مذبوح تراقب امارات الفزع تغطي ملامحها الباكية وهي تهز برأسها موافقة برعب طفولي مؤلم : عليييي حرااام عليك عوف الطفلة ، ابوووس ايدك عوفها ، عوووفهااا لتعقدهاااا ، هياااتني قداامك فرغ عصبيتك بية ، هية شنوو ذنبهاا دتخوفها ... عوفهااااا
و كأنها صفعته على خد وعيه ليستفيق ، إنهال عليه ضميره بالركلات و اللكمات ، ليستقبلها بملامح مذنبة ، و هو يبتعد عن مرمى يدي الغبية مقبلا رأس الطفلة لـ ينزلها أرضا ، فيهمس بإذنها رغم علمه بأنها لن تسمعه وسط ضجيج عويلها " أسف باباتي "
إنتصب بإعتدال ، ليعتصم قلبه عن النبض بعجل ، شاهرا بوجه اسلحته ، مهددا إياه بالتوقف إن قرر مواصلة الطريق الوعر ، فيفضل الموت على إتباع اهواءه الساذجة ، و لم يصدم بقراره قلبه المخذول المتهدل الكتفين !
تحرك خطوة عائدا حيث كان ، رغبة منه بإنهاء هذه المهزلة ، لترتطم " المهزلة القادمة بعجل " بصدره ، فـ جمد معها لبرهة بها تعانقت نظراتهما ، و تآلفت القلوب ، مقبلة بعضها البعض بـ شوق لم و لن ينضب يوما بينهما
لم فعلتها ؟
لم لم تتوشجي بي طالبة العون ، ألم تكفيك صولاتي البطولية لأبرهن لك بأني قادر على حمايتكما ؟ بدمي !
لم ما زلت تجتثين الأوردة بأناملك ، و لم أرآك و أصمت راضيا ؟!
أخبريني سر الهوى الذباح ، فإني أشم ريح دمك و أنتي تتمزقين أوردة و شرايينا ، إخترتي أن تكوني مع الفؤاد ندا لـ عقلي ، و قهري ، أوتظنين بأنك ستبسلين بالفلاح ؟! خسئت و خسأ القلب بالجحيم !
على ذكر القهر ، أني لألوكه بين فكي كـ علقم .. ملأ بطني فصرت به متخوما ، و عليك تحمل قيئي به !
بهيام سافر كانت تبصر احداقه ، تحاول زرع مودة بينهما و سقيها بـ دمعة ، شكته غيابه و الوجع ، إستقبلت عتابه بـ بكاء صامت ، و إحتمت به من قسوته !
أنت بـ وجع لـ ضغط يده على ساعدها ، و كم ندمت ، إذ إنه إستعاد ذهنه ، و إشتعاله ، ليجرها بقسوة متحركا بها نحو باب المطبخ ، محذرها بـ زئير : و الله العلي العظيم قوووة لازم نفسي ، اذا مـ وليتي هسة أحرررق الدنيا على راسج و راس الخلفووج ، اشتري نفسج و ولي منااا ، و مثل محرمتيني من بتي رح احررمج منها ، حتى تعرفين الي دا احسه هسة من ورة استغفالج
تجلى الضعف بنبرة بالهم تحتضر ، و بالبكاء تختنق و هو تتوسله مذهولة من القلب الأخر الذي يملكه .. فيفزعها به : علي الله يخليك لأ
: الله ليخليني إن شاء الله ، يللا وليي
: انتة تخبلللت ، رسممي تخبببلت ، جنطتي عفتها بالسيارة ، حتى موبايلي مو يمي ويين أولي
انتحاب الصغيرة من خلفه لم يثنيه عن طرد والدتها ، و هو يدفعها بقسوة تركت أثارها على جسدها المضحمل عوده ، و من دون ان يحررها تحركت احدى يديه لجيب قميصه فأخرج لها عملة نقدية متداولة ، ليثبتها بكفها ، صمت لثوان ملاحظا الخدوش الحديثة العهد الممتدة على باطن الكف و الرسغ ،
جر نفسا ثقيلا ليرمي إهتمامه كعقب سيجارة يدهسها بحذاءه ، فتقسو نظراته مجددا وهو ينطق بسخرية : هاي فلوس التكسي ، يللا روحي و لتنسين تقولين لقاسم مبروك ، بته رجعتله
إحتضن كفها بين يديه ، ليدهسها بغلظة ، ثم يضيف مقتدرا على القتل : باجر ورقتج توصلج جلنار .. باجر
تراخت أطرافها ، و هربت الورقة المالية من بين قبضتها ، لتطير مع النسمات العليلة في أول ساعات الصباح و التي صفعت تنورتها و طرف الخمار ، ليتطايرا بـ ثورة هائجة ، معترضين على سكون الأموات الذي أحاق بجسد صاحبتهم ، المذبوحة الكرامة
و الملكومة القلب
و الخالية الحضن من إبنتها !!!!
؛
اين حبنا
يركض حافيا في البرية
و قد اطال شعره و اظافره و اضاع ذاكرته !
غادة السمان
أوصد الباب خلفه بقوة ، ليلتفت و انفاسه تتلاحق معلنة حالة إستنفار غير مستتب ، راقب إجفال الصغيرة بعقل غاضب ، و قلب حانق ، بكاءها المرتفع لم يزعجه البتة ، بل وجد نفسه يتقدم نحوها بخطى بطيئة بغية اعلان السلام ، و أوجعته بـ رعبها الذي جعلها تتقهقر مدبرة ، فارة من قبضته الشريرة ، و صوت صراخها الفزع يعلو اكثر
بخطوتين وصلها ليرفعها بملامح ممتقعة ، فرجفتها و تلويها بين يديه كانا ذوي أثر سلبي في قلبه ، حاول هدهدة خوفها بـ لطافة غير محسوبة ، ماسحا على شعرها تارة و على وجنتيها أختها : إششش بلة بجي بابا حبيبتي سكتيي ، إشششش أسف اسسف والله بعد ما اصيح يللا سكتي
نجح بـ خفض مستوى الطنين الصارخ ، ليتحرك بها قاصدا حوض المغسلة في المطبخ ، فيغسل لها وجهها من أثار البكاء ، مضييقا نظراته المفكرة ، لتزداد وتيرة النبض و يشتد حبلها ، إزدرد ريقه متوقعا أنه على حق ، و أن هذه الحسناء الصغيرة قد توسدت حضنه في سالف الاعوام ، داعبها و إستمتع بجمالها الملائكي
شهقاتها الباكية سرقت لبه ، ليحاول بجهد جهيد أن يتواصل معها و قلبه يخنقه بالعتاب ، هاهو ينجح و بتفوق برسم صورة الوحش الشرير كـ بصمة اولى له في حياة ابنته .. يا الله ، أ يعقل أن تكون هذه الجميلة الذهبية اللون إبنته ؟
بالطبع يعقل ، فـ لو رآها صدفة لـ شبهها بعمتها المغترة بنفسها كـ هرة ، مال ليقبل الوجنة المكتنزة ، هامسا بـ صدق يناجي به الرحمن : الف الحمد لله و الشكر يارب .. الف الحمد لله و الشكر
تململت و هي تعاود البكاء ، مشيرة بسبابتها نحو الباب الزجاجي ، مطالبتا إياه بـ فتحه و إطلاق سراحها ، لتعود لحضن اختها : أرييييد جووج ، أرجووك ... أريييد أختي
هذه المرة كان العقل سيد الموقف ، إذ تحرك بها نحو الأريكة ليجلس و هي تتخذ من جحره عرشا ملكيا لها ، عرشا لا يليق إلا بفتيات آل صفاء .. ثبت كفا خلف ظهرها لئلا تقع ، و الأخرى تحتضن كفها الصغير .. يحاكيها بـ تمهل ، عيناه تحملقان بكافة تفاصيلها الشهية ، و سعادة لا مثيل لها فاضت لتغرق كونه فـ يبرد بها قلبه المحترق
: باعيني ، خلي نحجي شوية .. و بعدين شتريدين اسويلج زين ؟
هزت رأسها برجفة ، و لا يزال بوزها يتمطى بحلاوة : سييين
أبعد خصل شعرها الشائكة من حول محيط وجهها ليقول : حبيبتي إنتي شسمج ؟
: إسمي جود
: الله .. حلوو إسمج ... جود الحلوة تدرين اني منو ؟
: إنتة لص !
: ايااااا بت الكلب .... هوة بس باقي انتي علية و تكمل السبحة
ببلاهة مطت شفتيها لتنغمس معه بالحديث : مازا ؟
ضيق نظراته ليتمتم بـ شرود " مخبلة هاي شلون معلميها تحجي !!!! " ، إرتدى زي البهلوان و أعقد صفقة مع نفسه لتسمح له بتقديم العرض الغبي معها : لا شئ عيني لا شئ
بس اني موو لص ، عيب هيج تقولين على ابووج
تغضن جبينها لتصرخ منفعلة : لكنك لست أبيييي
إبتسم على مضض و ود لو يحطم لها ما تبقى من أسنانها ، كاذب ... لن يفعلها فهذه الجنية تربعت على عرش عال ، لم تطئه قدم أحدهم من قبل ، و كأنه خلق ليملأ بجسدها الممتلئ القصير
اكمل حواره بـ لطف : حبيبتي .. اني ابوج ، و ..... جوج أمج سمعتيني
رددت بذهول : و لكن جوج اختي
: لا بابا جوج امج ، ماما ... و اني بابا
اذا صرتي حبابة و سمعتي كلامي و صرتي تقولين الية بابا و لجوج ماما شتريدين اسويلج
: هممم ، مازا بشأن بابا كاسم ؟
: الله ياخذ كاسم وعشيرة كاسم ، الكلب ابن الكلب حتى ببتي لاحقني
: هااا ؟
: حبيبتي هذاك خلي يولي ، هوة مو ابوج .. ميحبج مثلي
: نعم انتة محق ، هو لا يحبني ... و لا يحب جوج ايضا
إبتلع ريقه ليشعر بجفافه فيجفل ، يا الله رغم عظيم فعلتها تراه حتى الآن ينبض بها ! ، همس بتأن و كأنه يستحي أن يسمع نفسه متراخيا امام اوامر الفؤاد : ليش ميحبها ؟
رفعت كتفاها الصغيران و معها الكفين بعلامة الجهل ، معلقة بـ " لا أئرف " ، ليوشك مع حركاتها أن يقضم خديها الواحد تلو الأخر ، كم هما شهيتان تلكما التفاحتان
بتوجس سألها و الإهتمام تجلى بـ نظرته المعتمة : زين هوة يضربكم ؟
لتهز رأسها رافضة تلك الوحشية ، و بملامح مكفهرة نطقت : كلااا ولكن إن تحدسنا معه يزل يصرخ بقوووة .. أصلا هوة لا يحبنا
هز رأسه للحظة ، ليتناسى أمر اغلاقه باب حياته بوجه إبنة " كاسم " ، متجاهلا تهديده الأخير عمدا ، فهو بالطبع لم ينطقه بلحظة غضب ... هو قد أخذ قراره و لم يتبق سوى تنفيذه ، و إن قدمت له تبريرات الكون أكملها لن تزحزحه عن موضعه !
: زين جود باعيني ، أني احبج كلش فبعد قوليلي بابا ... زين ؟
فغر فاه وهو يراها ترفع حاجبيها و تتنقل بنظراتها من حولهما لتقول و سبابة يمينها تنصف شفتيها طولا : همممم لحظة دعني أفكر
سعل بخفة ، منتشيا بهذا الكائن الممتع : فكري يابة فكري
لترفع يديها بعد ثواني و بـ فرح صاخب صاحت : تم التفكير .. نعم سأفعل و لكن بشروط
: هلووو يابة تتشرط بت الكلب .. يللا عيني شنو شروطج بت جلنار خاتون
لم تفهم ما يقول ، فركزت إهتمامها صوب شروطها و هي تعدد على أصابها الصغيرة التي ظل عاكفا على إشباع جوعه بالنظر إليها : تأخذني الى الالعاب كل يوووم ، و لا تزعجني .. و تشتري لي اللعب الكثييييرة ... و اخيرااااا تحبني كثيرااا جدااا
ضحك ملئ شدقيه كما لم يفعل منذ زمن ، ليعتصرها فوق صدره بقوة و ضحكته المجلجلة تتسرب حوله كغاز سام قاتل !!
أبعدها عن صدره قليلا ليتمكن من إبصارها جيدا فيحاكيها بـ لطف : تأمرين بت الكلب .. تتدللين ، شتريدين أسويلج .. بس قولي بابا
بخجل شقي غطت فمها بكفيها و هي ترفع كتفيها لتغمر رأسها بينهما ناطقة بنطرة مشاكسة : بابااااااا
: يا روح بابا
سعل متفاجئا من حاله الغريب ، و إندماجه الاغرب مع هذه المشعوذة القزمة ، و كأنها تملك عصاة سحرية قلبت به مزاج ازرق بلهب أحمر رافقه منذ الأمس ! بل و منذ اعوام ، لربما تقارب سنين عمره الـ أربع و ثلاثين !
: زين حبيبة أبوها شتحب بعد ؟
: هممم ، تحب جوووج
وسع حدقتيه مهددا ، لتعدل كلمتها بإمتعاض : ماما
ثم تضيف بـ حماس لحظي أدركها فور تذكرها من تحب : ئمو ئبد الله و ليوووسي
رفع حاجبه لينطق بـ نبرة لم يستسغها عقله : ليوسي هذا منو ؟
: ليوووسي .. كيف لا تعرفه ، إنه ليووسي
: إي والله العتب علية ما اعرف منو ليوسي هذا ... شنو جلب ؟
: لاااااء ... لاا تقل عنه كذلك .. ليووسي ابن خالة روشن
: ليوووثي ... هلاو يابة فسدولي البنية من هسة ، سمعيني عيني .. بعد ماكو لا تحبين ليوسي و لا بطيخ ، تحبيني بس أني زين ؟
: لأ موو سين ، لإن ليووسي يحب جودي
: إي بس جودي تحب ابوها
: اي و تحب ليوسي و جـو .. ماما ماما .. و ئمو ئبد الله وووو بسسس
ثرثرته معها لم تتوقف ، شعر بأنه قد صغر عشرين عاما ، ليضعوا بيده دمية صغيرة مشاكسة ، أمتعته بحق هي و لسانها المعوج ، إستخدامها اللغة الفصيحة كاد يخنقه بضحكه ، إستطاع جذب إهتمامها ، و مشاعرها ، فلم يبق شئ إلا و عمله لها ، من الجيد أن غرفة لينا ما زالت تضج بـ ممتلكاتها ، ليقدم لصغيرته الكثير من الدمى من أجل أن .... تحبه !
سألته اكثر من مرة و بتذمر عن إختفاء جوج ، و لكنه كان يلهيها عن الجواب ، و يغريها بـ مستقبل ماطر بالسعادة الكارتونية ، و ود لو يكسر جمجمتها مع والدتها الحمقاء ، كيف لها أن ترتضي رجلا غريبا يزعم إنه والدها ؟ أي تربية خرقاء ربتها تلك الجلنار عليها !
.
.
.
تقف متحاملة على ألآم جسدها قرب الموقد ، تجهز الطعام لـ زوجها الحبيب ، فموعد وصوله قد دنى ، و والدته الحنون تهتم بالصغير و ازعاجه ، ليصير أمر تجهيز المائدة من واجبات تشترك بها مع الحبيب ، إذ إنه يساعدها في اغلب الأحيان رغم رفضها القاطع ، فـ وجوده في المطبخ يعني حالة إستعداد للمصائب
فتارة يجرح يديه بعد حرب عناد يفتعلها لصنع السلطة ، و أخرى يحطم البيض إن قرر اعانتها بترتيب المشتريات ، و كثيرا ما يفلت الصحون لينتهي به الأمر مجروحا عند محاولته رفع ما هشمته يديه !
إبتسمت عند سماعها صوت محرك سيارته ، ليهتف قلبها شوقا لطلته الحبيبة ، كم تحبه ؟ ... لا تعلم ، و متى بدأت تغوص في بحره ؟ لا تعلم أيضا ، لكنها متيقنة بأنها قربه تشعر بأن قلبها ذو عمر يناهز المليون نبضة !
كما دأب أن يفعل أدخل سيارته للموقف دون إزعاجهم بفتح الباب له ، عكفت على مراقبته من النافذة المطلة على المدخل ، لتراه يترجل بكسل ، ممتقع الملامح إثر الحرارة الحارقة لشمس الظهيرة ، لم يبادلها الإبتسامة كما تحب منه ، بل دلف المطبخ على حاله الواجم ذاته ، و ما إن تبادلا التحية نطقت متوجسة : شنو حبيبي خير ؟ خوما اكو شي ؟
: شي متتخيليه
علق ليتحرك نحو الرواق و هي تتبعه كظله ، و منه الى الحمام شامرا عن ساعديه ليقف امام المغسلة و يحاكي قلقها الواضح بإبصار صورتها المنعكسة بالمرآة : علي طلع عنده بنية !!!
: شنوووو ؟!!!
فزعت و بلحظات فقط جال ببالها مئة إحتمال ، بل مئة و واحد كعادة النساء ، لكنه بتر عليها سبيل المبالغة و هو يكمل : بت قاسم من رجعت لاهلها جانت حامل
: جلنااااار ؟
هلعها المستفسر رسم البسمة الخفيفة على وجهه و هو ينحني قليلا ليغسل وجهه و عنقه بـ حركات سريعة ، ثم يدخل رأسه كاملا اسفل الصنبور ، فيختفي صوتها المحمل بالصدمة القلقة ، حالما اعتدل واقفا جر الفوطة القريبة ليفرك بها رأسه مجيبا على ما التقطه من إستفسارات : هوة خابرني قبل شوية ، عصبي و روحه واصلة لخشمه ، بس هية مو هنا المصيبة
إلتفت نحوها لتقاطعه بـ ذهول : بعد اكوو مصيبة اكبر من انو جانت حامل و مقلتله ؟ عزززززة بعينهااا يمممة شلون مخااافت الله ... عزززة ،، عزززة .. والله يكتلها ، عزززة عمر إلحقه
خرج من الحمام ليقابلها ، فيحاول امتصاص رعبها بحسن الحديث : عمري على كيفج ، ادري صدمة و ادري الله يساعده ، بس لتخافين ميسويلها شي ..... يحبها
نطقت بغيظ جعل منها نسخة من الـ ملك ، حينما كانت تعتبرها تهديدا لـ عقل شقيقها و قلبه : يااا يحبها ؟ عمر انتة متعرف علي قابل ؟ يعرف يحب احد ؟ حبتهااا حيييية
بس لحظة ترة انثولت ، شلوون عرف هوة ؟ هية قلتله لو شلون ؟ يعني هسة بته شكبرها ؟ مامااا ، هسة اخوية متخبل ، " لتسهب بذهول " يمة عمري .. حبييبي ابو ... ههه
علق المنشفة على كتفها ليقول بـ مشاكسة : لين لين لين على كيفج ، على شنو اجاوبج هسة .. ترة اني الي انثولت من أسئلتج !!
: لا جديات عمر ، و الله مدا استوعب
: تدرين .. يقول تشبهج ، بس خلي يولي هذا الذوق سز " عديم الذوق " ، إنتي وين و بته الجكمة وين ، اصلا وين اكو مثل حبيبتي
ارتعش قلبها شوقا ، ليختض جسدها وهي تلتصق بذراع زوجها صارخة بصخب متحمس : اوووووي حياااتي ، عمووورتي اخذني هسسة ، الله يخلييك خلي نرووح ، هية وين هسة ؟ يمه ؟ اخذنييي فدوة لطولك ارييد اشووف ملامحه وهوة صاير ابووو
: اي يمة هية ، و امها همين ، و همة ببيتكم !
: هـــئ ، جلناار يمه ؟ شجاابها ؟ و هوة .. شلون خلاها تجي
: والله ما ادري مفهمني شي ، بس قلي المصيبة و جان عصبي يجدح نار ، بحيث والله لو وياه اي احد غير بت قاسم جان قلت رح يذبحه اكيد
انتي مو هنا السالفة .. يقول ابوها مسمي الجاهلة بإسمه
توسعت احداقها و جف ريق القلب صدمة ، لم تنطق بشئ ، ليسترسل هو : بس زين طلع عبد الله عديله مسويلها هوية لخ ببغداد ، ما ادري شلون لعبوا هاللعبة بس همة ناس ايدهم واصلة و شيريدون يسوون
: عزة ... عزة .... عزززة ، لالالا ، هسة يكتلهااا
اخوووية رح يكتلهاا و حققه منوو يلوومه ، عمر خلي نرووح ، الله يخلييييك أخذني ، لنخليهم وحدهم والله تصير مصيبة ، ليروح ابوهاا يسويله شغلة ، مصدقنا على الله رجع طبيعي يريدون يخبلوه مرة لخ .... الله لا ينطييييهم ان شاء الله
: لتخافين عمري ، أبوها بالحج ، و قبببل لتقولين شي ، لا يزكي الأنفس إلا الله ، بس قولي الله يحنن قلبه على بته ، و يهديه حتى يعوف هالمصايب
: هسسة عوفنا من ابوها ميخالف ، بس اخوية .. محتاجنا هسة ، خلي نروح فدوة ، قلبي مثل النار علييه ، و اريد اشووف بته ، رح امووت
: إسم الله على حبيبتي
لين عمري خليهم شوية يتفاهمون ، أكيد الها مبرراتها ، كلنا ندري بيها البنية تحبه ، فأكيد أكوو شي ورة الي صار ، العصر نروح إن شاء الله
إنتي هسة خابريه و هديه شوية بلكت يسمع كلامج ، ولو اشك اخوج يسمع احد غير نفسه
.
.
.
تتوسد الصغيرة صدره بعد أن غفت إرهاقا ، و بعد أن حضر لها وجبة طعام بسيطة ، إذ إنها كانت على وشك أكله لشدة جوعها ، ستة ساعات إنقضت عليهما سويا ، و لم يجزع أو يمل كعادته ، بل على العكس قد غضب لسرقتها منه بالنوم .. واكبت تحركاته خطوة بأختها حتى ارهقت ، لم تبتعد عنه حتى في صلاته ، بل تعلقت برقبته عند سجوده ، فـ أطال سجدته هامسا لـ ربه حمدا لا يكفي عظمته و جلاله ، ما دام قدره من الله ألا يحتضنها صغيرة كل ليلة ، فـ بالأمر خير سيناله عاجلا أم آجلا ، و بالله محسن الظن لا يخيب ظنه
لا يدري ما حدث مع " تلك " ، تمنى ألا تتقهقر بصمتها مولية مدبرة ! ود لو إنها حطمت النوافذ للوصول لطفلتها ، لكنها و كما العادة ، كانت كتلة من يأس متحرك
وخزة ضمير ، تبعتها اخرى للقلق ، قرصا قلبه ، منزلهم ليس بالقريب ، و ليقينه بوفاء ذاكرته فهو أكيد بأنها تخاف التورط مع الغرباء ، أيعقل إنها تحسنت ؟
تغير حالها و صارت أخرى لها من القوة ولو بذرة ؟
أ جعلت منها الأمومة شجاعة ؟
لا يظن ... لا يظن ابدا
بالذات إنها و حسب قولها قد أدمنت المهدئات !!!!!
قاسم قاسم قاسم ..... أنى لك أن تخاف الله برعيتك ؟ آل بيتك يا قاسم لهم عليك حق و أنت تبخسهم حقهم .. فقف و حاسب نفسك قبل أن تحاسب من قبل العظيم
مدد الصغيرة بإهتمام متأن على الأريكة واضعا الوسائد الصغيرة على جانبها لئلا تقع ، ليقرر بعدها البحث عن والدتها ، فلا يعقل أنها إستسلمت نهائيا .. و رضيت بما قرره فغادرت .. و لا يعقل أيضا أن يجدها خارجا تفترش الأرض منتظرة منه فكا للحصار !
تحرك نحو الباب الزجاجي ، لتحتد نظراته و هو يفقد أي أثر لها " و كأن المنطق يخبره بتوجب حدوث العكس " ، قسى قلبه و طالبه الصمود ، لن تمت ، لابد أن تخرج " بأعوام عمرها الذي عبر الثلاثين " بحيلة ما تساعد بها نفسها
زفر بـ غيظ متخيلا حالها الآن ، ليعنف نفسه الضعيفة ، و يقرر تناسي أمرها كما فعل لساعات .. و في خضم صعوبة تنفيذ سهل القول ابصر الورقة النقدية التي اعطاها إياها منحشرة قرب إنبوبة الغاز ، إكفهرت ملامحه و أحتقن الغضب برأسه ، ليفتح الباب بسرعة و بلا أدنى تفكير ، بحث عنها هنا و هناك ، ومن خلف الأعمدة الضخمة للمنزل ، حتى وجدها ... تجلس على الإرجوحة رافعة قدميها و محتضنتهما ، الشمس تسطع بحرارة عبرت الخمسين ، و هي تتكور هنا .. تحت أشعتها مباشرة !
لم ترفع رأسها نحوه ، و لم توليه إنتباها ، ليكور قبضته حانقا ، ثم يتقدم نحوها و نظراته منصبة على الكفين الناصعين ببياض محمر يخطف العقل ، بياض يشابه ثلوج أربيل ، نقاء خالص يعاكس ما يتوارى خلفه !
لما وصلها نطق بصرامة تنافي الرتابة النبضية التي اصابته بعد إطمئنانه عليها : بعدج هنااا
جفلت ليجفل قلبه ،
رفعت رأسها نحوه بسرعة ، ليهلع من الإحمرار القان و أثار الكحل الملطخة للملامح ، العرق بنداه يلتصق على الجبين النابض بـ عرق بارز .. خنق انفاسه !
إزدرد ريقه ليخفت صوته حد الهمس ، مائلا نحوها قليلا : شبيج ؟ جنتي نايمة ؟
.
.
.
نهايةْ الجلسةْ
حُلمْ يُعانقْ أرواحكمْ
|