كاتب الموضوع :
حلمْ يُعآنقْ السمَآء
المنتدى :
القصص المكتملة (بدون ردود)
رد: أبرياء حتى تثبت إدانتهم
بسم الله الرحمنْ الرحيمْ
×
صلاتكم أيها الأحبة .. ثم كونوا معي
الإدانة العشرونْ / الأخيرة
×
مَتى مِن طول ِنـَزْفِكَ تَستـَريحُ ؟
سَـلاماً أيـُّها الوَطـَنُ الجَريحُ !
تـَشابَكَت النـِّصالُ عليكَ تَهوي
وأنتَ بكلِّ مُنعـَطـَفٍ تـَصيحُ
وَضَجَّ المَـوتُ في أهليـكَ حتى
كأنْ أشـلاؤهـُم وَرَقٌ وَريـحُ !
سَـلاماً أيـُّها الوَطـَنُ الجَريحُ
وَيا ذا المُسـتـَباحُ المُستـَبيحُ
تـَعـَثـَّرَ أهلـُه ُبَعضٌ ببَعض ٍ
ذ َبيحٌ غاصَ في دَمِه ِ ذ َبيـحُ !
وأدري..كبـرياؤكَ لا تـُدانَى
يـَطيحُ الخافِقـان ِوَلا تـَطيحُ
لذا سَتَظلُّ تـَنزفُ دونَ جَدوى
ويَشرَبُ نَزفـَكَ الزَّمَنُ القبيحُ !
سَـلاماً أيُّـها الوَطـَنُ الجَريحُ !
عبد الرزاق عبد الواحد
هي امرأة هزمتني في أول لحظات اللقاء
لكن انا رجل لا يعترف بالهزائم
بشير الشمري
نشيج الروح قد يعلو ليصم الآذان ، و نحيبها قد صم قلبه لـ برهة من الزمن ، كآبة عظمى لفت من حوله لتخنقه ، ماذا فعل ؟ أي ذنب إقترفه بحق احداهن ، لم يكن يوما من فئة الظلمة ، لم سمح لنفسه ان يستأسد و يستذئب قربها ؟ لم لم يقتص انتقامه الغبي بـ طريقة اكثر ' شرفا ' ؟ هو آلمها ، فـ أوجعته ! قد لا تدرك بأنه فعلا يشعر بالندم ، الندم كلمة لم تكن لها معنى في قاموس تصرفاته الهوجاء ، لكنه الآن فقط و بعد عام من ارتداء قناع الوحوش ، يجد نفسه مطئطئا لرأس الرجولة ، باحثا بدواخله عن عذر بجح يبرر به وقح عمله ، أدخلها بدوامة الثأر ، لـ يكون هو أول من يجر بحلزونيتها المرعبة ، بين يديه تأن ، ذاك الأنين الحقير كم كان له دور في حكايتهما .. يتداعى أرضا مستندا بظهره على الباب المؤصد دونهما و ذلك الكائن السخي بإزعاجه الباكي كل ذي برهة ، لتقع هي كـ مغشية بين احضانه ، لا يصله منها سوى تمتمات غير مفهومة لأسماعه ، و واضحة كقرص شمس تموز لـ نابضه ، ذاك الذي لم يكف عن الإرتجاج بصدره ، و كأنه أسير عاد توا لأرض الوطن ، الوطن ! دوما ما تقارن حواء بالأوطان ، و يبدو إنها تستحق ، فكل إبن آدم بـ دونها ' غريب ' ، و لو كان في حضن الوطن ، لكم إشتاقها يا الله
تتوسد صدره بجذعها ، جانب خدها ينام بـ هناء تام فوق عضلة تكاد تنفجر لشدة إرتجاجها ، تهذي بحكاوي غريبة و كإنما حمى ' رؤيته ' قد أصابتها ، من الجنون ان تعود لها حالة الهستيرية الآن ، و كأنما لقياه هنا ، في أرض آل قاسم له من الأثر أعمقه في خدش خلايا المخ و تحفيزها للإنفلات لتجعلها تهيج بأشجانها ، يأتيها بكاء الصغيرة الراجي ، فتقابله بالخمول ، و الجمود .. لتصمت تلك مجبرة ، و لا يطيل الامر حتى تعود متوسلة حضور والدتها الشاردة ، لا تشعر بشي إطلاقا ، و كإن بها قد ألقت بوعيها في قارورة زجاجية لتحكم إغلاقها فترميها في بحره ، بل محيطه ! علي ، لم إخترت العودة ؟ لم أكد أتقبل فقدانك الأبدي و بقائي معلقة بـ جيدك و رباطنا هو هذه الباكية التي لم تكف عن إبداء إنزعاجها من حضورك ، لم ظهرت الآن ؟ فاقد القلب لا يعطي حبا يا حبيبي ، و أنت بـ فقدانك كل شئ لن تستطيع تقديم ' نتفة ' لي و لـ صغيرتك ، لن تفعل ، صغيرتك التي إنشقت من نسبك بفعل قاتل ، و مجرم ، بفعل والدي ، قرة عيني .. إني أتوجع لهذا القرب ، يكاد قلبي يميز من النبض بنبضات ترتعش لوجودك هنا معي و إبنتنا و أمام اعين أسدي ! لم احلم قط بهكذا لقاء ، فمنذ زمن تعلمت كيف أكتم صوت الحلم ، فأكمم فمه و أعصب عينيه و أخيرا أربط كفيه و القدمين ، و بـ برود ميت أشعله بـ ولاعة الواقع ، آراه يتلوى امامي طالبا العون ، لأشيح بوجهي ضعفا و يأسا ، لا تلمني إن عبست لـ رؤيتك ، فإني أخافك و أخافه ! هل تدرك مابي من ضياع ؟ هل يؤلمك كوني إمرأة عتبت الثلاثين و كل مابي يستصرخ الطفولة ؟ إمرأة اعتادت منذ أعوام أن تكون كيسا يلقون فوقه قبضاتهم كمصارعين هائجين ، و لـ ويل قلبي لم أتلق تلك الضربات إلا من كل حبيب و غالي ! فهل لك أن تستجيب لوجعي و ترحل من جديد ، إرحل فما عاد بـ جسدي مكانا لـ كدمة ، إزرورقت حتى اظافري ، فهل لك برحمة لترحمني بها ، سيدي ، نبض قلبي ، إني أشتاقك ، و أتنفسك بالحضور و الغياب ، غادرني قبل أن يزل قلبي و يعترف لك بجريمته الشنعاء ، بجوره بحقك ، أتوسلك الغياب ، لكن قبله إشبعني بك ، فأنا أتضورك شوقا ، صومي إياك يكاد يقتلني ، جفت أوردتي من مصلك ، فهل لك أن تسخى علي بجرعة تكفيني لعام أخر ؟! ضمني إليك أكثر ، علي
رأسه المطرق نحوها أضرم بها ثورة من خجل و إثارة ، فأنفاسه الحارة لم تفتئ أن تصفعها كل ثانيتين ، مسبلة الأهداب لكن الفؤاد يبصر ما ألم بمالكه من جنون ، فعيناه لم تتركا إنشا بين طيات الملامح إلا و مسحته بالكامل ، و كأنه يملك أشعة سينية فتاكة كاشفة عما ينوء بعيدا عن الأعين ، إشتعل القلب رغبة بعد إذ أحست بأنامله الخشنة تحط فوق خدها الناجي من الغرق بمحيط صدره ، حركاته الناعمة تكاد تغشيها فهي لم تعش معه يوما بـ عقل ! و لم يلمسها بهذا الشغف الرقيق ، و كإنه يحتضن بين يديه كائن هلامي يخاف أن يتزحلق منه أرضا ، ظل يتلمس ملامحها بإفتراس رغم فزعها منه إلا إنه أنعشها ، و جفف ما تبقى من الادمع من على الوجنتين ، لينير قبس من ذكرى قريبة في دماغها ، ذلك اللقاء ، في دورة مياه المحكمة ، لقد كان شغوفا يومها و بشدة ، أرادها و لم يتوان عن إخبارها بذلك ، نحت ملامحها بـ أصابعه كما الآن ، لكن رشفة الحنو هذه هي ما تستغربها ! ما باله هذا الحبيب ؟ هل يدركه الهم فـ يودها كـ " عادته " مرتعا لانفجاراته بكافة أشكالها ؟
إنتفضت بلا شعور حينما ثبتت سبابته على ذقنها ، لتتمايل برقة مدغدغة فوق سطحه المشتعل و المنتفخ إثر البكاء ،! فرجت شفتيها دون ان تدرك و نبضها يتعالى حتى ظنت بأنه سمع ضجيجه فـ أبعدها لإزعاجها إياه !!
و لكن ظنها خاب و هو يرتشف من نبعها الصاف بـ هدوء خدر أطرافها ، ليتجمد الكون كاملا في هذه اللحظات ، لا تنصت إلا لضجة أنفاسهما ، و همهمات تنطلق منهما بحالة من اللاوعي ، إختض جسدها بين يديه ، بيمينه حل عقدة شعرها الذي طالته يداها بجنون صرف فتشعث ترتيبه ، أما اليسار فكانت كعقد من جحيم يلف عنقها النابض ، رافعا بطرف سبابته ذقنها نحوه
فالشوق فاض بمكاييله عنده ، أدرك للتو معنى النفي ، هو قد نفي من جنتها ، حرم من إرتشاق عذب الزلال هذا ، أي رحيق هذا الذي يملأها و لا ينضب ، إنه يكاد يلتهمها ، تأوهاتها بدل أن تبعده كانت تثير رغبته المرعبة بها أكثر غارسا انامله بين خصلات الليل و جارا لبويصلاتها بجنون مشتاق ، لتلهث في غفله من تطلبه المصر : كافي
لا يدري كم مر من الوقت وهو يعاقبها و نفسه على الحرمان حتى ترهق و تطالبه الإبتعاد ، هذه المرة غرس أنفه في ليلها الحالك ، منتشيا بعبير الزهور و الاعشاب الذي شق صدره و إستكان به ، يا الله ، كم لها من التأثير العنيف على صدره ، يكاد يقسم بأن قلبه لم يختض بين اظلعه يوما كما يفعل عند كل لقاء بينهما
' علي ، شبيك ، كافي ' همست به بلهاث متواصل تحاول ثنيه عن لحظات فقدان السيطرة هذه ، ليسكتها مجددا بما اشعل عودها الفتان لعينيه النهمة ! كانت تتلوى بين ذراعيه و وجيب القلب يسابق سرعة الأنفاس من منهما يثبت عشقه أكثر ، كان قد ألصقها بصدره و كأن هنالك غراء يمنعها من فك الإلتحام ، ليفقد تماسكه لوهلة فيقرر أن يتخم نفسه بما حرم منه بإصرار و ترصد من ذاته المترفعة ، و كأنه بهذا المكان " الملوث " لا يعلم عمن تشتعل تحت يديه سوى عشق يتآكلها ، و يحرقه ! تمادى بـ إرهاقها ، فأبعدها لبرهة ، هامسا امام وجهها بـ صوت أجش خدرت له كافة أعضاءها الحيوية ، إلا عيناها ، فما كان منهما سوى التحديق بـ حدقتيه المتمثلة بجمرتين متقدتين نارا : جلنار ، إنتتي .... جلنار !
إنفرجت شفتاها لوهلة ، لتدرك عظيم خطأها و نظراته تتسرب من مقلتيها للثغر المستعر ، و برقة نادرة مال بجذعه و بها نحو الأرض ، متمتما بـ سباب أفزعها ، صدرها يعلو و يهبط بسرعة اجفلتها ، إدراكها بمراقبته لكل تخلجاتها اصابتها بالدوار ، لتقرر الهرب بـ إرخاء جفنيها ، فما تحس به قمة في الفوضى و كأن إعصارا قد جاءها به فـ حطم ما بنته منذ أشهر ، إقتلع تماسكها من جذوره ليعيد لها فداحة خسارتها بين ساعديه ، خسارتها التي ما زالت تعاني من توابعها حتى هذه اللحظة ، تأوهت بـ وجع شاعرة بيديه تجر شعرها من جذوره بـ رجفة ، رعبها السادي قد بلغ أوجهه و هي تحس بـ علوه فوق جسدها المستلقي على السجادة الفخمة ، ذاك العلو الشاهق الذي بات يتناقص تدريجيا لا تعلم إن كان الجبل قد قرر الهبوط نحو السفح ، أو أنها قد حملت بـ ساعدين لتوازي قمة الجمل بعلوه ، حتى عاد لها الدوار لكونه قرر معاودة الإرتشاف ، إبتعد عنها لـ يهمهم بـ إشتعال خض قلبها بين حناياه المتراقصة : يا الله ، يا الله
و أخيرا قرر تحريرها ، ارتخى جسدها كـ قطعة من زبد إضطرمت تحتها نيران لتصهرها ، فهاهي تنساب من بين أنامله بعد إهداءها قبلة على الجبين ، ليرتطم ظهرها بالقاع ، لا لم يكن إرتطاما ، بل هو شئ اقل شدة ، و أكثر رقة ، تأوهت لدى ملامسة حروفه المشتعلة بإحتراق قد طال اذنيها و هو يهمس : إنتي ... إنتتتي ، ما أقـدر أعوفج بعد ، رجعي وياية جلنار ، رجعي
يراقب شفتيها المكتنزتين بمشاعر أودت بعقله نحو الجحيم ، بعد سكرته اللذيذة بها أحاقت به الفكرة ، لم يجيئها بنية تناولها السريع ، ما يرغبه اعظم ، يودها كاملة ، تفر بنفسها من عائلتها البائسة و تلتصق بظهره ، يود أن يجد بها فناءه و بقاءه عند كل إشتهاء ، و إحتياج ، ما تذوقه الآن ليس سوى غيض من فيض .. فهذه السخية المشاعر تمتلئ بالكثير ، و هو الأعلم بالأمر !
تابعها و هي تميل على جنبها مولية إياه ظهرها ، إحتضنت جسدها الغض و جفناها انفرجا لتتركز نظراتها امامها بذهول ، مالذي فعلته ؟! كيف إنساقت وراءه كالغبية ؟ لم قربه لا تجد بدا من المقاومة ؟ بعد ما حدث الا يفترض بعودها ان يشتد و يقسى ؟ لم تراها لينة تذوي بين انامله ؟
آه
فلتت منها حالما شعرت بضغطه القاسي على جانب خصرها ، أغمضت عينيها لتتحدث مجفلة و بلا شعور منها عادت مآقييها لتمتلأ بالدموع ' ممكن اعرف ليش رجعت ؟ ' ، ألا يكف عن قسوته ؟ هل يدرك مقدار ما تعانيه بضعفها الغبي قربه ؟ إنها تحترق ، كارهة لذاتها الصاغرة امام سيدها الجائر ، جسدا و روحا هي جارية لدى هذا السادي المتغطرس ، الخائن !
يا الله ، كيف نسيت غدره و تلاعبه بأعصابها و هو هنالك ، يتهنأ برفقة أخرى ، و لربما مشاعرها ، آه ، يؤلم ، قصتها بأكملها تدمي الروح .. فهل لك بإغداقك صبرا علي يا رحمن ، نشيج خافت فلت منها ، لتتدارك الأمر بتكميم فمها بقبضتها ، لكن لم يطل الأمر لتشعر بدفء يحيطها ، لا لم يكن دفئا ، بل نارا مشتعلة إلتفت حول قدها ، ليديرها نحوه مجددا ، رافعا إياها نحو صدره ، ليهدهدها بخفوت جمد إحساسها بالكون فجأة ، هذا ليس برجلها ؛ ليس بعلي ! من المستحيل أن يكون هذا هو ذات الرجل الحاقد المستعر بجنون انتقامه ، ذاك الذي شق ستر عاطفتها ، و جسدها ! لمساته الحانية على شعرها المسدل ببعثرة طرقت على ناقوس الخطر بداخلها ، لن تستسلم له مجددا ، آه ، ليتها تنجح ، فليكف عن التلاعب بشرايين فؤادها ، فـ ليرحمها ، هتفت بحنق مختنق بالبكاء و شفتاها تلامسان عضلات صدره المتشنجة : علييي ليييش جييت ؟ موو انتة خلص ، موو اخر مرة تخابرنا عرفت سارة يمك ، مو إنتة متريدنـ ـ ـ
تألمت بحق فما كان منها سوى الاعتراض " بآهة بغيضة " عن عنف يده التي جرت بشعرها قليلا حتى يرتفع عنقها و تواجهه ، أخرسها قوله الشرس و هو ينقل بنظراته الحاسمة بين مقلتيها بتوتر اخافها : ديري باالج ، ديري بالج تقولين اني ما اريدج ، لتصيرين غبية ، إنتي تدرين ... تدرين إنو إنتي أكثر شي بحياتي كلها اريده ، أريدج ! .. حيل أريدج " جدا "
زاغ بصرها رعبا و فمها عبر عن بلاهة حالها و هو يرتخي بـ ذهول صرف ، اهدابها ترفرف بـ سرعة رسمت على ثغره بسمة عطوفة رغم نظراته المتقدة ، لم يقاوم رغبته و لا لبرهة ، لم يجئ بنية الفطور ، لكنه فعل ، و بما أن صومه كان طويلا ، و قاسيا ، فـ على فطوره أن يكون مشبعا ، و ثقيلا ! مال نحوها مجددا مثبتا لها مصداقية حديثه ، مهمهما بعبارات غير واضحة ، غالبيتها تحتوي على " أريدج ، جيت لإن اريدج ، بعد ما اقدر ما اريدج "
كمحوم كان ، و كـ مصابة بعدوى صارت ، لتتعلق به بغير ذي صبر ، و لا عقل ، هامسة له بين لهاثها المغري غامرة رأسها بين سترته وقميصه : علي ، لتروحلها ، لتبقى يمها ، أني أحبك بس ، لتخلي غيري يحبـ ـك ، لتحب احد انتة ، اني الاولى بيك ، لتقترب من غيري
طنين اصدره نابضه و إستقبلته أسماعها بـ سعادة زقزقت لها عصافير حول رأسها ، لكن الصورة إنطفأت بعد قوله الصارم : لعد تعااالي وياية
هتف بقوله الصارم و انفاسه تتلاكم من منها اولا تصل لتقبل بشرتها الشهية ، لتنطفئ اللهفة بصوتها ، و ينسل الوجع من بين همسها الخافت وهي تبعد نفسها عنه مكرهة : مستحيل ، ما اقدر
خبت ثورته بدجاها ، ليعدل من وضعها أخيرا ، محاولا بشتات ان يتمالك نفسه ، بصعوبة قسوى حررها بعد إذ تناولها راضية هذه المرة ، و متوسلة ، إستقام بـ تكشيرة ملامح مستندا بثقله على قدمه اليسرى ، و ما إن إستقر ناظرا إليها من مرتفع ، مد يده نحوها ، لتتقبل اعانته بـ إستسلام اذهله ، و ما إن وقفت جرت بيدها لتتحرك مبتعدة عنه نحو السرير الوحيد في الحجرة .. و كأنما للتو قد وصلته ذبذبات الصوت المزعج للصغيرة ، تغضن جبينه لوهلة مدركا بعقل مغطى بغيمة من الشرود أنه حتى هذه اللحظة لم يتحدث معها بعقلانية حول رجوعها الواجب معه ، ان ظنت انها ستنتهي منه بـ " مستحيل " فعليها ان تكون اكيدة بأن ظنها اثما ، الجبين المجعد قد ارتخى مراقبا هذه الرمانة الشهية و هي تميل بجسدها المغطى ببجاما صوفية ثقيلة ، لترفع الكتلة الباكية الصغيرة و التي سرعان ما اتخذت من صدرها وسادة ، و لكم تمنى تبادل دوريهما الآن ، هالة من الحنان تشكلت حولها فأعشت عينيه برقتها ، إكتفى بالانصات الصامت و المتابعة الهادئة لحركاتها الرقيقة في معاملة تلك الطفلة ! ، إقترب منهما قليلا بحركته المائلة نحو اليسار ، ليشعر بتشنج عودها المياس و انحباس أنفاسها بات ظاهرا ، لتكتمل صورة الرعب بـ إزرقاق شفتيها ، لم يستطع إشاحة بصره عنها ، همس بخشونة متلاعبا بعاطفتها مشددا على احرفه : تعالي وياية ، و خلي نجيب جهال و نربيهم سوة ، جلنار كافي ، جم مرة قتلج رجعي !
صامدة بمواجهته ، السرير خلفها و هو امامها و طفلتهما بينهما ، يا لطيف إلطف بي ! ، كـ مارد مرعب يسيطر عليها من علوه ، و هي الجنية الصغيرة المرتعدة الفرائص قربه ، لكنها لم تكن مرتعدة حقا ، بل متخشبة ، لا شئ بها قد عاود لعمله الطبيعي ، حتى هدهدتها للصغيرة قد خبت ، و الأمر ' للعجب ' لم يزعج الجنية الصغيرة ذات المزاج الازرق الشبيه بمزاج " مارد كبير " ، كان رأسها مرفوعا قليلا حتى تبصره ، لتنتقل انظارها حيث يده الممتدة على غفلة منها لتحط تحت ذقنها اليابس ! ، مسح بإبهامه بشرتها بـ دغدغة آلمتها ، ليعود فيستطرد بنبرة لم تخلو من الإعتزاز ، رغم جوهرها العاري بـ إحتياجه : اني تعبان ، خايف على أختي ، و ما ادري بأي حق بس مدا اقدر انسى الي صار ، و لا إنتي ناسية و لا رح تنسين ، خصوصا اني ما اطلق ، لو الدنيا تنقلب ما اطلق ، و ابوج مثل مشفته مناوي يسامحج ، فتعالي وياية و خلصي من هالعائلة الزفرة
شمخ رأسها بحدة ، لتكز أسنانها و نظرتها الوديعة العاشقة قد ذوت لتحل محلها شعلة من إحتراق أجبرته على الإبتسام و التقدم خطوة أخرى حتى لامست بطنه ذراعاها المحتضنة للصغيرة ، إنكمشت برعب افزعه ، لتتقهقر خطوة للخلف كادت بها ان تتهاوى على السرير لتصرخ بـ هلع لحظي بسبب " حلاوة الروح " ، و لحسن حظها و الصغيرة إستطاع أن يجرها من زنديها بقوة أجفلتها لتتلصقان بشدة بصدره وهو يهتف بقلق " الله الله الله ، على كيفج يمعودة شبيج " ، و هنا أعلنت صافرة الإزعاج الصغيرة عن غضبها ، لتسحبها من سكونها الجسدي و الحسي ، فتحاول جاهدة ان تسكتها بـ هزات خفيفة متمتمة بـ : إشش كاافيي حياتيي ، كاافيي عمرري ، دوودي ي حلووة كاافي أششش ، خلص خلص إسسم الله ، حياتي مامـ ـ
انشد حبلها الشوكي بقسوة لترفع رأسها على اثره نحو رجلها بصورة مباغته و الفزع قد لون ملامحها التي شحبت فجأة و كأن الموت قد أدركها ، تبا لها لقد اخفقت في التماسك ، يا الهي فقط لو إنه قد سمع ، سيقتلها ، لا محالة سيفعل ،
: شبيج ؟!
استفسر بإقتضاب مراقبا هيئتها الذاهلة بملامحه ، كان قريبا جدا ، ملاصقا لها و الكائن الباكي المزعج ، ألا يضاف مع هذه الدمية زر لكتم صوتها ؟ و لتزداد حيرته هزت رأسها بسرعة هائلة ضيق إثرها عينيه ، حاول ان يستشف منها ما تخفيه و لكنه فشل ! فلم يجد سوى أن يكرر : جلنااار لتصفنين بوجهي ، أني عايف اختي بالمستشفى و جااي علمودج ، تعرفين شنو يعني اعوف اخر شي بقالي من اهلي و اجيج ؟ اذا تعرفين فبدون حجي زايد هسة تحضرين غراضج و تجين وياية ، و ابوج اني اتفاهم وياه ، لتخافين
بضعف اهلك جسدها إرتأت أن ترمي بحملها فوق السرير ، لتصرخ المزعجة طالبة النجدة بمن يحملها و يهدهدها ، كما اعتادت لتتدلل ، و لكنها لم تلبي نداءها ذاك ، اكتفت بهزها في حجرها و عيناها شاردتان ، لحظة لحظتان و ثلاث ، ظلت تفكر بجدية في نهاية ما تخفيه ، لابد أن يكتشف علي أمر إبنته ، سيفعل و لو طال الامر دهرا بأكمله ، هي لن تفلح بمواراة الحقيقة طويلا ، قلبها يتآكلها لوقع الإثم الذي اذعنت له كشيطان اخرس ، مالذي فعله هذا الشهم ليتلقى منهم كل هذا النكران ؟ ألم يكتفوا بما سلبوه منه ؟ اختيه و قريبته و شرفه و فوقهم جسده ! ، لم يشبعهم الأمر لتتمادى اياديهم القذرة فتطال طفلته ، نسبه ! يارب ، إرشدني للفلاح ، أعلم بأني إن عريت الحقيقة امامه لن اكون سوى متهمة ، و قد ينفيني بعيدا عن مملكته التي ظل ساعيا لشهور كي اعود لها و انا الملكة ! لأجاوره ، و الاهم من ملكوته ، سيعمي بصري و و يلكأ قلبي و يأخذها ، هذا الرجل الذي تعرفه كما تعرف خطوط يدها إن علم فقط بأنه قد ظلم بمقدار ذرة فإن ما به من شر كامن في دواخل نفسه سيتفجر لـ يستوطن الاحداق و الفؤاد و يتحول من كائن بشري لأخر جحيمي !
أرعبتها هذه الفكرة ، فوأدت نيتها بالبوح ، يا الهي ستجن .. كلهم يعصرونها غير مدركين مقدار الجفاف بداخلها ، لم لا يرحمها قاسم و يفض عن جيدها حبل الندم ؟ و الخوف ؟ شعرت فجأة بأن السرير سيقع بأعمدته الاربعة الضعيفة حالما استقر المارد فوقه ، قربها ، ملامسا لكتفها بكتفه ،
: ليش متحجين مثل الاوادم ، جاوبيـ ـ
بـ هدوء اجش علق فجأة حالما وقعت عينيه سهوا على " الكائن الاحمر المزعج " ، تاهت حروفه و جف حلقه فجأة ليفغر فاهه لأقل من ثانية ، بلا وعي منه همس : ما شاء الله
رمش بـ خفة ليمد يمينه نحو من سكنت عن الصراخ مراقبة الجسد الضخم و العينين المعتمتين بفضول من يستكشف الكائنات من حوله ، قرب سبابته من القبضة الناعمة ، لتتدغدغ اعصابه بهيجان اختض له قلبه فما كان منه سوى أن يبتسم بعفوية ، متمتما بـ : لج هاي شقد حلوة ؟ بتمن ؟
' بتك و الله بتك ، بتك و بتي ، عليييييي لو تعرف بيها رح تموتني والله رح تموتني ، إلهي قلي شسوي رح اتخبل '
جفلت اثر ملامسته لكفها الراسخ على بطن الـ " جود " ، رفعت رأسها نحوه لـ يحادثها بقوة ضاغطا على اناملها : انتي ابد مو طبيعية فهميني شنو السالفة ؟
: ماكو شي
همست بها لكنه اصر ، فما كان منها سوى أن تصيح بنفور راجف : رجاءا روح ، مناقصة هم أني ، أني ابوية برة حيموت من وراية و انتة تريد تريح نفسك
توسعت احداقة لثوان فقط ، شقت رائحة الغضب الفواح مسامات جلدها لتلسعها برعب و هي تراقبه يرفع كفها ليعتصر بنصرها بقسوة ، و عيناه اظلمتا بقهر فاض به مكياله : تدرين مليت منج ، و من سلبيتج و غباااءج ، و يكون بعلمج اني جيت مو لخاطر سواد عيونج ، بس لينا حلفتني اجي .. عبالها انتي عاقلة مثل العالم و الناس ، بس متدري الله بلاني بوحدة زمالة
اهانات متكررة و قاسية نفثها بـ حدة " المرفوض " بوجهها محاولا بإستماتة ان يستل له منها غضبا و جمرات متقدة ، لكنها ظلت على حالها الساكن لتقلبه على صفيح يصل بين جرفي سعير
: موو صووجج صوجي قدرتج و جيت ، انتي وحدة مو ماال احترام
بحنق صاح بها راميا بكفها بعشوائية لتضرب وجه الصغيرة التي هاجت فجأة و كإنما اسبابا تنقصها للثوران ، زمجر كـ ليث جريح لـ يهب واقفا ضاربا عرض الحائط كون ثورته سهلة التسلل لأسماع قاسم ، فالجرح بالجرح و البادي أقسى ، و هي اول من آتتها شجاعتها الواهنة لخدش كبرياءه التي ابداها هي عليها أكثر من مرة ، لتكرر تخيبها لظنه : الي علية سوييته و زاييد ، ميية مرة قتلج رجعي ، ثبتتلج تمسكي بيج بس إنتي غبية ما عندج شخصية ، انسانة ضعفها مقررف ، تعرفين شنو يعني مقرف ؟ أني واحد اريدلي وحدة قوية توقف بوجه اكبر واحد علمود ' لأجل ' نفسها و علمودي ، شسوي بـ زعطوطة مثلج ، رح تطخين التلاثين و لهسة تصرفاتج مال زعاطيط ، شوووكت تكبرين ؟ شوكت تعرفين انو كلج على بعضج غلط ؟
نفث بـ غضب لم يتحكم في لجم جماحه حتى تفجر لينهب المحيط من حوله بـ إشتعاله ، كموقد فحم قد اضرمت به نيران من كل الاتجاهات ، لن يكتفي بتدفئة المنزل ، بل و سيفجره كذلك ، القى عليها نظرة معاتبة دكت حصون مقاومتها ، لتقف هي هذه المرة ، حاكت صغيرتها بهمسة خافتة اودعتها قلبها الضئيل ، لتضعها رغم انتحابها المبكي على سريرها ، متجاهلة أهمية وضعها بالسرير الصغير الخاص بها ، و متعجبة لكون الـ علي حتى الآن لم يلحظ كثرة الدلائل المشيرة للجريمة من حوله ، أم إن انشغال عقله بـ مرض أخته قد الهاه ؟ لا تعلم ، ليسطع فجأة نور من ماض بعيد ، يهديها قولا من تلك الاخت المريضة ، حيث أخبرتها بأن هذا الشامخ احيان كثيرة لا يهتم بصغائر الامور بل لا ينتبه لوجودها حتى !
تحركت نحوه بعجل قبل ان يقرر المغادرة ، لتقف امامه غالقة الطريق دونه بجسدها المملوء بجاذبية ، و لم تصدم لما دفعها بقسوة باعدا إياها عنه ، إلا إنها بإصرار عادت لتحشر كتلتها بينه و الباب ، فتهمس بتحشرج واضح : اني غبية و ضعيفة و زماالة و كلشي قلته ، بس علي خلي نفسك بمكاني ، أني وجعت قلب ابوية ، شلون تريدني اعيدها وياه ؟ قلبي مينطيني والله ، لو على موتي ما اعيدها
لتنكمش هلعا حال أن ضرب بقبضته الباب من خلفها ، لتقترب من صدره بـ فزع و تكتفي باحتضان تلابيب سترته ، لتشدها بقوة متوسلته الشعور : حس بية
أتوسلك أن تفعل ، فأنا أرهقت ، و جدا .. لكنه لم يفعل ، فـ إذا بذراعه تمتد محررا سترته من قبضتيها نافضا يديها بقسوة ، لينحيها عن طريقه مجددا غير آبه بتسمرها فاغرة الفاه ، زفر بـ غضب مكبوت : ولي من قدامي لا ابتلي بيج
هذا هو ، قد عاد لها الغائب الآن ، فذلك الغريب الذي ردد على اسماعها كلمات الاحتياج بالتأكيد لا يقرب لهذا بصلة ، عاندته لتقف مجددا امامه و هذه المرة احتجزت بين الجدار على يمينها ، و يده الراسخة فوق إكرة الباب الساكن خلفها ، انتفض قلبها بجزع و هي تراقب نظرة السخرية بـ احداقه الباردة ، همت بالحديث ليقاطعها بنفور : و ضيفي على الي قلته ، متناقضة متعرف تتخذ قرار ، يللا وخري
بجرأة اجفلته مدت بيدها لتقبض على يده الماسكة للإكرة متمتمة بقهر سافر : إنتتتة ليش متحس لخاطر الله ؟
استرسلت و الألم فاض بها : حرااام عليييكم كلكم ، و لاا واحد يحس بية ، كلكم تشوفوني الغلطانة الي جابتلكم المصاايب ، إتقوا الله بيية ، انتة اتقي ربك بيية حرام عليك والله ، بس تذكر الي صارلي ، تخييل وضعي انخطف مرتين و كل مرة احس بالموت اكثر من القبلها ، تلوومني لإن دخلتك بحياتي بس لوم نفسك انتة الي سويت نفسك عنتر و نقذتنـ ـ آآآي عليي
تود إستفزازه ، قبض على فكها بقوة ليهمس بوعيد نافثا امام فمها انفاسه المشتعلة غيظا : إنجببي ، سدي حلقج و انجبي ، لو مو انيي صرت عنتر على قولتج جـان هسة اني بخير ، عاايش حياتي مرتاح بلة مصايبج انتي و اهلج الـ ***
رفعت كلتا يديها حيث قبضته لتحاول افلات وجهها لكنها فشلت ، فنطقت بذل كئيب : محد قلك ساااعدني حتى هسة تتندم
ثم أضافت هامسة بحشرجة ارتعش لها نبضه : كاافي عاد يووجع
لكنه كابر ليزمجر : حييل " تستاهلين "
نظرة عتب لامعة ، أدركت تأثيرها عليه و هو يحررها مبتعدا خطوات نحو الخلف " بعرج اوجع فؤادها " ليوليها ظهره ناطقا بحدة : شتريديني اسوي و اني اشوفج يمهم و ادري بيهم ميخافون الله ؟ عندي خوات و خفت عليهم تخيلتج بمكانهم
تصلب ظهره اثر حدة صوتها و هي تناقشه بـ غضب جامح لا يدري من اين آتاها : يعني هسة تتمنى اختك بحالي هذاا ؟ تقول علية متناقضة و انتة اكبر متناقض ، تدري بية مظلومة و مع هذا مستمر بتعذيبك
استدار بقوة لـ يزأر : إنتتي زماالة ؟ جم مرة قتلج اني مستعد ارجعج و اصلح حياتج ؟
: علي لتكذب ، إنتة محترجعني علمودي ، إنتة اناني و تريد ترجعني لنفسك
ضيق بؤبؤيه و ثار النبض به متخبطا تحت الاظلاع ، زمهرير مر كان لعابه الذي ازدرده بالخفاء ، يا ويلها ، كيف علمت ؟ نعم ، هو آتاها لنفسه لا لها ، لكونه لن يصطبر أن يبقى منفيا منها اكثر ، جزيرته الخلابة التي استساغ طعم التملك اللذيذ لها وحدها ، و لكن هل هنالك من فرق لكونه يودها لنفسه أو لأجلها ؟ ما دامت النتيجة هي إنغمارها فوق صدره المنتفخ بـ غيظه منها الآن
على حين غفلة اجهشت بالبكاء ، مراقبة لشئ خلفه ، لم يزيح ناظريه عنها ، مدركا بأنها تتابع الصغيرة المجهولة حتى الآن ، آثر الصمت و إنتظارها لتسدل الستارة عن هذه المسرحية المبتذلة لكن انتظاره طال ، فـ خبا سنا غيظه ، و تفجرت نظراته قهرا ، ليشتم بقسوة افزعتها و هي تنكمش على نفسها اكثر محتضنة وجهها بكلتا كفيها ، وحيدة تلعق جراحاتها كـ قطة متشردة من حضن مالكها الآسر ، اشتعل قلبها بـ قبس توتر و هي تشعر بخطواته الدانية منها حتى تلقتها ذراعيه لـ تتلوى بين احضانه بمواء غر ، سعيدة بـ عودتها حيث تنتمي ، تدرك بأنه محق ، و بأنه مما لا شك فيه أن مقدار تناقضها المبجل يدعو للسخرية ، فما ان يبتعد تتوسله التريث ؛ و ان طالب بحقه في رجوعها تهرب متقهقرة في قمقم مؤصد كـ طفلة مخطئة ، و لكنه لا يعلم ، و لو عرف سببها لبطل عجبه !
تأوهت عندما لفحتها انفاسه الحارة و هو يهمس مغتاظا : ليش البجي ؟ فهميني شتريدين مني يا بت الناس ترة خبلتيني ، مرة تريديني و مرة ..... إنتي شنووو قصتج فهميني ؟ خايفة من ابوج ؟ قتلج اني احجي وياه ، و اصلا هوة ديقول اخذها ، شنو الي يمنعج .. صار جم مرة اسألج و متجاوبين و بديت امل و ماريد اعرف السبب ، بس اريد افتهم هسة على شنوو هالمناحة ؟
كانت لا تزال مغطية لملامحها بكفيها ، مهمهمة بـ اصوات ضعيفة ،، حروف مبعثرة لن يسعفه ذكاءه بلملمتها ، لم يجد بدا من الانسحاب ، فـ قد أرهق ، جدا ، و هذه الـ " غالية " لن تصل بـ مركبها لأي بر ، ستبقى متخبطة هكذا بين مد و جزر ، و هو لا يريدها بهذا الخنوع ، لن يحتمل انغماسها في وحل الضعف ، ليتها كانت كـ اخته ، او كـ سارة ، محاربتين ضد اي عدو يهدد بالهيمنة عليهم و سلب مصالحهم !
لم لا تكف عن المكابرة و تعترف بأن ما يشدك لـ هذه المرتجفة فوق صدرك هو ذاته ما يبعدك عنها ، الشئ المستفز بها هو احتياجها لـ كف تمسك بيمينها و تيسر عليها اختيار الدرب الصحيح ، لكنه حاول كثيرا ، جدا ، حتى مل انتظار ما لن يتحقق قريبا ، لذا سيرحل ، فالبعد أولى به من غيره
آه يا علي ، ما أروع وجهك الأخر ، أقسم بأنه لا أجمل من رؤيتك تعامل من يهتمون لأمرك بالمثل ، لأتمادى قليلا بأحلامي ، و أتخيلك محتضنا صغيرتك ، يا الله ، كم ستكون صورتك معها مثالية ، نقية و ممتعة ، أنت و هي و أنا " إن سمحت لي " ، علي إني أموت بكم ، فإنصفوا ضعفي و قلة حيلتي ، كن أنت العادل إن لم يفعلها قاسم ، أرجوك !
إن قلبي صار كـ إرجوحة تتدلى بين اضلعك فـ كفاك هزا له بحق ربك ، بـ هدهدتك تلك تكاد تستل الشرايين الموصلة به ، لتتقطع واحد تلو الأخر ، كـ شعرة تفصل من بويصلتها ! ، لم تكد تنعم بلطفه ، ليدفعها عنه بهدوء متحاشيا بقسوة النظر لها ، ليهمس بعد زفرة ضيق : ديللا وخري داروح
ابتلعت ريقها بجمود ، لتردد متوترة بهمس خافت ، شارد : تروح ؟
: إي اروح شعندي باقي ، جيت علمود شغلة و مصارت فضت خلصت
تنهيدة فلتت من صدره و هو يتابع اختلاجاتها القلقة ، ليضيف بجدية : وضعج هذا ميعجبني ، من تحطين عقلج براسج تعرفين شلون توصليلي ، و وصلي لأبوج اني مرح اطلق ، و خلي يشد حيله بالي يريد يسويه ، مرح يخلص مني إلا بموتي ، زين هيج .. يللا وخري دا اطلع
تألقت مقلتاها بدمع نقي ، زمت شفتيها الكرزيتين لداخل فمها ، لتهز رأسها رافضة بخفة ، لا تعلم إن كانت إبتسامتها الحزينة هي السبب بـ عقدة حاجبيه ، إلا إنه بدا أجمل ، و أكثر وسامة ، هذا الكائن الضخم قد كان يوما لها ، و ما زال !
لا تنسي إنه وحيد ، و هنالك العديد من الفراشات الهائمة حوله ، سيسلبونك إياه قريبا ، إن كنت تعتبرينه ملك لك يا إبنة أبيك ، و أنتي ، بفداحة ذنبك بحق ربك و من ثم حقه ، ستعلمين قدرك جيدا ، و سترين ما بإمكان إبن صفاء أن يفعله ، سترين شخصه الشرس موجه لك أول مرة ، و حينها ، إذكري الفرص التائهة من بين يديك ، واحدة تلو الأخرى
افزعتها ما توصلت إليه من قرارات ، لتهز رأسها مجددا و بحدة أكبر شدت انتباهه ، ليراها تبتعد خطوة الى الخلف ، هاتفة به بـ توتر نبضت به هزات جسدها و صوتها المحمل بـ دلو ملئ بالعبرات ، إذ جاءه مخنوقا ، ميتا : دقيييقة بس هسة ارجع ، لترووح انتظرني
راقبها و هي تغادره بسرعة قصوى ، مغلقة الباب دونه ، ليرفع كفيه نحو ملامحه الصخرية فاركا إياها بعنف ، مزمجرا بـ زئير غاضب محمل بسباب ، الغبية الغبية الغبية ، ماذا تريد أكثر من الذي فعله ؟ إنه ليحتقر ذاته التي صغرت لأوامر قلبه الحقير و نفذت توسلات المشاعر ، مالذي جناه الآن سوى رفض متجدد من سيادتها ؟ ، تبا لها و آل قاسم أجمعين ، و تبا لقلبه الأخرق ، البائس ، يود لو أن بإمكانه اجتثاثه من محله و عصره عقابا ، الغبي !
بتر عليه جلسة جلد القلب تلك صوت سقوط شئ ما ، متبوعا بصرخة باكية عالية الحدة افزعته ، ليستدير بإجفال ، فتكشف له نظراته ذلك الكائن الصغير و قد تكوم أرضا يدفنه الغطاء الوردي ، نحيب عال ، و انتفاضات عديدة بمحاولة فاشلة للنجاة من قبل المزعجة ، جعلاه يدنو منها بـ سرعة عرجاء ، لينحني رافعا اياها ببساطة ، لحظة فقط ، اكتفت بها الصغيرة لـ إخفات صوتها ، و لكن الشهقات المتواصلة لم تنتهي ، و أكثر ما شده هو ارتجاف شفتها السفلى البارزة بـ " برطومة " سرقت نبضه !
فلتت منه ضحكة قصيرة ، متناسيا " عمدا " كل ما حوله ، ليرفع من يعتقد إنها الفرد الجديد لعائلة عديله ، عبد الله .. لم يجد صعوبة في حملها بالطريقة الصحيحة ، و عيناه تمشطان ملامحها الجميلة جدا ، من الأذن المتألقة بحلق لماع يخطف انفاس الفتيات بالتأكيد ، الى الأنف الصغير و الفم الواسع المضحك ، إنتهاءا بـ المقل ، سبحان من صورها ، دائرتين متسعتين بلون الزمرد الآخاذ ، لا يعلم لم تذكر عيني اللين ؛ تبدو هذه المزعجة و كإنها إبنتها ، ذات العينين ، و بالتأكيد اللسان السليط ، فهذه الجنية الصغيرة لم تكف عن إظهار امتعاضها من وجوده الطويل مع خالتها ، لـ تطرق اسماعهما كل برهة بـ بكاء متواصل ، حتى لون الشعر ، يكاد يكون ذاته لـ أخته ، إن كان ما امامه يسمى بالشعر ، فهو لا يزيد عن عدد من الرموش الرفيعة المعلقة بـ فروة رأسها الحمراء
: إشششش ، كافي عموو ، سكتي
و كأن اذنيها الصغيرتين لم تسمعا من قبل صوتا لـ غول ! أحس نفسه وحشا قد زمجر وهو يراقب معاودتها الارتجاف و صراخها الذي صم اذنه ، فما كان منه سوى ان يصيح بها غاضبا : وووجع و سم ، إشششش سكتي لج شنو هالصوت العالي ، خرررب سكتي لا انعل ابوج هسة ، بت الكلب إنتي شقد حلووة ، ايا ناقص يا عبد الله ، شلون بتك بهالجمال و انتة وجهك وجه النعال ، لا وفوقاهة دبة ، شيوكلوج انتي ؟ رح تنفجرين
أصابعها الصغيرتين صارتا وجبة شهية لفمها الكبير المتصل بآلة تجيد الصراخ ، عيناها تبرقان بـ الدموع ، و بقايا منها تغرق الملامح ، سال انفها بمحتوياته ، و كأي ' طفل ' لا تدرك قذارة ما تفعله صارت تلطخ وجهها ، ليكشر هو بإشمئزاز واضح ، و لم يتوان عن سحب كومة مناديل من العلبة الموضوع قرب السرير ، ليمسح بها وجهها بـ انامل حاولت ان تتلطف بالكائن الاحمر قليلا ، وجد نفسه بعد ان اتم مهمته يهمس بخفوت : شنو هالخلقة ماشاء الله ، تخبل
هذه المرة الانامل الصغيرة الكروية ، إمتدت لتلامس وجه الغول المتوحش ، في بادئ الامر امتعض كارها ليتوارى برأسه الى الخلف بملامح منقرفة ، و لكن تهديدها له بـ " برطومتها اللذيذة " قد أجبره على الاذعان لها و تركها تسرح و تمرح بالتعرف على ملامحه ، عاد ليشتمها و " أبيها " ، متمللا من تأخر خالتها التي طالها السباب ايضا
لا يدري مالذي دفعه لتقريبها له أكثر متلذذا بـ إستنشاق ....... يا إلهي ! عطر طفولي ممتزج بـ رائحة غمرته قبل دقائق ، خليط جعل جسده يختض بالتوتر ، لم يدرك مدى انفعاله و صدره يرتفع فيهبط بـ عجل ، هذه المرة لوثت خده و ذقنه بقبلات " مقرفة " امتزجت بـ لحيته ، أبعدها حامدا الله إنها بترت حالة الارتجاف الكلي التي هزت بدنه ، حاكاها بـ غيظ مبعدا إياها قليلا عن مجال وجهه ، غير آبه لتهدديها الصرف ، فلتبك أو تحترق تبا لقرف الاطفال !
اختارت ان تبكي ، فـ تجعل العفاريت يتقافزون من حوله ، و كاد أن يرميها على السرير بعنف متخلصا من إزعاجها ، و لكن شئ ما منعه ، وجد نفسه يتشبث بها بقوة ، مدركا بأن هذه الجنية اللا لطيفة إبنة اخت تلك الغبية ، يا ترى هل كانت تلك بمثل هذا الجمال الملائكي ؟ هل فعلتها و قبلت الغرباء بـ سوائلها المقرفة ؟ لا يعتقد ، فخالتها اضعف من ان تسكن قرب اي كان ، و بالتأكيد لن تصرخ بأذنه كهذه !
مال عليها مقبلا وجنتها المكتنزة بالشحوم المتراكمة ، مداعبا خدها بـ أنفه تارة و مزعجا إياها بـ لحيته اخرى ، يا الله ، هذه الرائحة ستقتله ، و تراه كـ مدمن يأبى الإبتعاد ، ما سر هذه النشوة الغريبة ، جلنار ، لقد تمكنت مني و جدا ، فها انا أراك بكل شئ ، كل شئ يا غبية !!
ضحك لسماعه ضحكتها الناعمة إثر دغدغته إياها ، و كرر مشاكستها ، فتارة بعض خدها ، و اخرى دغدغة رقبتها المنتفخة ، و ثالثة بتقبيل بطنها المليئة بالطيات اللحمية المغرية للمداعبة ! ، تواصلها معه كان مذهلا ، لم يعرف نفسه و هو يخرج هاتفه من جيب سترته الداخلي ، مجلسا الصغيرة على حجره بطريقة محسوبة و مناسبة لعمرها الصغير ، و يده الأخرى إلتقطت لها اكثر من صورة محدثا إياها بـ مشاكسة : بت الكلب سمحيلي اخذلج جم صورة اراويها لاختي ، تحتاج تشوف هيج وجه حلو حتى تصير زينة ، بس بطريقي اهدد ابوج القرد بهالصور ، تدرين كله صوج خالتج الزماالة ، لو باقية وياية جان هسة عندي ولد و الا ازوججياه ، هالجمال مو مال يتفوت
ما إن إكتفى بعدد لا بأس به من الصور ، أعاد الهاتف لـ جيبه ، و استقام حاملها بإهتمام بالغ ، متمتما بأذنها بمناغشات لطيفة ، فتضحك بـ جنون لدغدغته اياها بأنفاسه ، و يكتفي هو بإبتسامة صادقة مقبلا ملامحها المملوءة كل ذي ضحكة !
نسي أمر خالتها ، و أخته ، و صدقا هاله ما يفعله ، قضى عمره مدركا أن بداخله كره غير مفهوم للاطفال ، إلا " يسر و ضي" رحمهما الله فهو من قام بتربيتهما على حد ذاكرته ، إلا إن هذه الصغيرة قد سلبت لبه .. و كأن ذكر اختيه قد اضرم بداخله حريق ، ليشتعل صدره الحامل لتلك الصغيرة الملوثة بقذارة قاسم ، يا رب السماوات ، كيف سهى عن الأمر ؟ ألم تكفيه خيانة واحدة لـ عائلته و الآن تنضم إليها إبنة شقيقتها ؟ برر لنفسه بكونه احبها لأبيها ، لـ رفيقه الشهم !
حاول ابعادها عنه بحدة لم تستسغها فوجدها تداعب أسفل فمه و لحيته الخفيفة بـ سعادة ، و اصوات غريبة تنطلق من حنجرتها الصغيرة ، ليتساءل عن مدى عظمة تلك الحنجرة القادرة على الصراخ كصافرة إنذار تنبئ بـ قصف دمعي مدفعي !
رفع رأسه حالما تناهى له صوت انين منتحب ، و لم يحتاج لذكاء لمعرفة صاحبته ، تملل بوقوفه ، مادا الصغيرة نحوها ، معلقا بتوضيح ، لا تبرير : شلون تعوفيها عالجرباية ؟ وقعت و دوختني بمناحتها ' بكاءها '
لتأتيه ، لكنها لم تستلمها ، ظلت تنقل نظراتها بينه و بين المزعجة ، و هو إكتفى بمراقبة اثار البكاء المفجع النافخ ملامحها اجمع ، ليتجاهل وجيب قلبه الذي يستجديه للسؤال عن السبب ، ضاربا بـ التواء معدته " المتوسل إياه أن يحتويها مجددا " عرض الحائط ، لن يهتم ، قالها لها ، سينتظر أن تتعقل و تدرك عظيم خطأها ، و حينها سيكون الرأي رأيه ، و القرار قراره ، و هو من يختار إما ان يتخذ فيها حسنا ، أو يتخذ لكرامته ثأرا !
نظراته ارتكزت على فمها الذي تفغره لثوان ، فتعود لتغلقه بوجع باد على ملامحها ، و بذات اللحظة التي هتفت بها باكية " علييي اكووو شي لازم تعرفه " رن هاتفه بجيبه ، ليتغضن جبينه بـ تساؤل ، مميلا برأسه قليلا فيستفسر : شكو ؟
رجفة شفتيها انتقلت لتشمل الاهداب وهي تهمس : شوف منو بالتليفون ، الموضوع مهم
مد يمينه الرافعة للصغيرة نحوها ، موجها لنظراتها المنصبة عليه بسمة خفيفة ، ليداعب اصابعها بـ سبابته حالما صارت بحضن خالتها ، بينما اليسار كانت قد اخرجت الهاتف لتفتح الخط على مكالمة ألن ، و ما إن سمع الصوت الآتي من دار " الموت " حتى إبتعد عنهما ، جارا اصبعه من الكف الصغيرة ، فقد كان ما قاله ألن رعب ، رعب بزغ له شيب رأسه !!
" ميس ماتت "
من دون الإلتفات لما وراءه ، و من دون النبس بكلمة ، إختفى من امامها و الصغيرة كـ أنه لم يكن !!
إنشداه تام جعلها تظل متسمرة مكانها لـ لحظات بعد إختفاءه ، و لم تعود لواقعها إلا عندما سمعت صوت والدتها التي دلفت الغرفة لتوها قائلة بـ صيحة مرتاعة : قلتييله ؟جلنااار قلتييله ؟
رجفت شفتاها ، لتهز رأسها بـ " لأ " مرتعشة ، فما كان من الـ سوسن سوى ان تتنفس بعمق مرددة بحبور مرتاح : الحمد لله و الشكر ، شفتي ، قتلج لتقوليله ، أمي مناقصنا مشاكل ، ابوج يموت ، و الله رأسا تصير بيه جلطة و هالمرة ميقوم منها ، و مرح يفيدج حجيج .. ماما علي اذا يعرف ياخذ بتج و يحرمج منها ، و انتي متقدرين بدونها
إرتج قلبها بين اضلعها ، لتتمتم شاردة الذهن ، و ما زالت غير مستوعبة رحيله : اني ردت اقله ، بس هوة مـ راد ، و اذا مرجع و سأل ، بعد ما احجي
.
.
.
|