كاتب الموضوع :
حلمْ يُعآنقْ السمَآء
المنتدى :
القصص المكتملة (بدون ردود)
رد: أبرياء حتى تثبت إدانتهم
بسمْ الله الرحمنْ الرحيمْ ،
حبآيبْ الحُلمْ .. دُمتُمْ بـِ صحة و سلآمةْ و رخاءْ
لآ تأخروآ صلآتكمْ أحبتي لأي سببْ .. رجاءا
الإدانة السَـآدِسَةْ عَشرْ
يا آدم لا تسأل .. حوّاؤك مطويّه
في زاويةِ من قلبكَ حيرى مَنسّيه
ذلك ما شاءتهُ أقدارٌ مقضيّه
آدم مثل الثلج ، وحوّاء ناريّه !
- نازك الملائكة -
*
من أنت كيف طلعت في دنـياي ما أبصرت فيا
فـي مقلتيك أرى الحياة تـفيض يـنبوعا سخيا
وأرى الـوجـود تـلفتا سـمحا وإيـماء شـهيا
ألـممت أحـلام الصبا وخـلعت أكـرمها عليا
مـهلا فـداك الـوهم لا تـرمي بـمئزرك الثريّا
أنا في جديب العمر أنثر مـا تـبقى فـي يـديّا
عودي إلى دنياك واجني زهـرها غـضا زكـيا
يـكفيك مني أن تكوني فـي فـمي لـحنا شجيّا
عمر أبو ريشة
يتصلب الجسد بأكمله و كإن به قد أصيب بـ تيار كهربائي يسري بموصل قطره يفوق قطر الارض ، لأول مرة منذ الأزل يشعر تجاه من يحفر صدره ظهرها بعمق هذا الشعور بالإنتماء ، و الله اضحى يحس بها و كإن منها بضعة من جسده تاهت دهرا لتعود للإمتزاج بـ بقية اجزاءه الآن ! مالذي يحدث معه ؟ يتمنى لو بإمكانه عصرها حتى تذوب و تختفي ، به ! لا يدرك حقيقة رعبها مم ؟ أ يعقل انها عانت من العنف الجسدي بسببه ؟ هل يتجرأ قاسم و يمد يده ليؤذي غاليته بـ صفعات ؟ قطيرات من عرق برزت بـ استهتار على الجبين المثلج ، ليميل برأسه قرب اذنها فـ يهمس مجددا حالما شعر بها تكاد تذوي ارضا من بين يديه لتحيل صلابتها لـ ' سائل ' : قتلج لـ تخافين
ألصقها به اكثر عله يطمئن بها الفزع و يكف عن قلبها هذا الارتياع الذي هز له قلبا بين جوانح الصدر المنتفخ .. ليضيق الباب من المتسع الذي يخبئهما بعد فتحه كاملا فيلامس جسدها الممتلئ و ذراعه الملتفة حول عنقها بـ نية سكنته لـ تبرئتها من تهمة ارتضاء البقاء معه فيما لو كان القادم هو عدوه ، زفر بـ نفس كثيف حالما تبين له الشخص الذي كاد أن يأتي بمصرع عقلها ! ابعد ذراعه ليؤشر بـ سبابته طالبا الصمت ممن اقتحمت عليهم جنون خلوتهم و سرقت منه لقمة الاعتراف الشهية : خاالة إصص بس صوتج ، هاية مرتي ، لتخافين و لتصيحين ' تصرخين '
كانت على ما يبدو إحدى عاملات التنظيف هنا ، مسنة بـدينة ملامحها تبث في النفس راحة غريبة ، اولئك الذين يقال لهم خير سمات تلون اوجههم ، كانت منهم ! رفعت حاجباها بـ شك لتتحدث بنبرة مرتفعة نوعا ما : شتسوون هنا ؟ اذا مرتـ ـ
بترحديثها بـ جملة هامسة : صوووتج خالة صووتج هسة افهمج
نقلت انظارا متفحصة نحو الفتاة المستندة بجسدها كاملا على الجدار البشري الناطق ! لتهمس متهمة : اكو واحد يقعد وية مرته هنااا ؟ بسرررعة احجي لا هسة اعيط ' أصرخ ' و الم الناس عليك واسويك فررجة لأمة محمد
هذه المرة التفت ذراعه حول المنتصف الـ ' متورم ' للكتلة الهلامية التي توشك على الانسكاب ، ليشعر بلزوجة قلبه الـ ' متورم ' بدماه ، تحدث ببطئ وهو يحاول عبثا ان يرد لـ زهرة الرمان ' اليانعة ' قليلا من ادراكها الغائب بتحريك جسدها بذراعيه : صدقيني مرتي ، بس عاقدين يم الشيخ و هسة جايين دنثبت بالمحكمة
لم يتزلزل ثباتها المتفحص ، لتستجوبه بنبرة هادئة كادت تقرص شياطين الغضب به : و شعدكم هنااا ؟ بحمااام النسوان ؟ خلصت الامااكن جايين هناا ؟ مااعدكم بيت تقعدوون بيـ ـ ـ
شعر بغصن ساق الورد يلامس كفيه بمحاولة لفك قيد الريحان ، فطرقت اسماعه حروفها المتعبة : خالة دخيلج ستري علينا ، صدقيني احنا متزوجين ، بس ابوية يريد يطلقنا و اذا عرف هسة بينا هنا رح ....
و كإن بشئ من التصديق قد تسلل خلسة لـ يسيطر على مشاعر العجوز بالاخص بعد ان قطعت الصبية جملتها بـ شهقة تنفث رائحة مرة ، مثيرة لحليمات الوجع ! لتبتعد عن ذلك الجدار خطوة ، ثم تستطرق همسا موليته ظهرها و مقابلة الإمرأة بنظراتها الجامدة : حطلع ، لأن تأخرت
خطوة فقط بينها و الباب ، و اقل منها بينها و بينه ، فإستطاع منعها بقبضة لفها حول زندها محدثا إياها بـ صرامة غير آبه بوجود الغريبة : ورة العقد اخذج وياية .. قولي لابوج لهالحجي .. أو خلي عبد الله يقله مـ يهمني ، تجيـ ـ
أوجعت قلب المسنة و هي تحاول الخلاص منه و بكاءها يعلو متوسلته دون الالتفات : علي عووفني ، قتلك تأخررت ، خللص انسـى ، خلينا نخلص من هالمصيبة الي حطيتنا بيها ، أني هالحاال حيموووتني بعد مابيية اتحممل
لم يحررها ، بل تقدم تلك الـ ' نصف خطوة ' ليلامس ظهرها مجددا و يضرم شعلة من نار فيدخلها بدلا من الحبل الشوكي بين ثقوب الفقرات .. و يهدي جسدها انتفاصة دائمة ، بفحيح افتقدته هو الاخر هدد : ترجعين غصبا ما عليج و على ابوج ، مرتي و محد يقلي لأ ، لتخليني اطلبج لبيت الطاعة !
ببؤس ضحكت ساخرة ، ليحررها بهدوء فتعود و تخفي رجفة جسدها و ' مصيبة يفزعها افتضاح امرها ' بـ تكبيل قدها بالمعطف الكئيب مرة اخرى ، تغاضت عن كذبة كانت قد حضرتها لوالدها بـ أن تأخرها كان بسبب تقيؤها على معطفها ، ستجد سببا أخر ، عليها ان تتناسى هذه الحكاية الملفقة قبل ان يكشفها ذاك الذي يعاني من افاقة ضمير و قلب ، ما يهم الآن هو الهروب قبيل ان تخبو قوتها و تعترف .. يدها التي تحكم اغلاق الازرار ارتعشت بوضوح عندما تحدثت العجوز بـ صوت متزن : عدكم جهال ؟
رفعت رأسها كمن لدغت ، لتحاكيها الاخرى بنظرات مصوبة نحو صدرها تارة و عينيها اختها ، رغم إنها قد اخفت فضيحة ادرارها للحليب إلا إنه من الواضح سرعتها لم تسعفها بالامر ! تقوست شفتاها اسفلا و الرعب بات يستفحل على مشاعرها الانثوية الرقيقة ! فقط لو يفتضح الامر لـ تصير هنا مصيبة جديدة ، كتلك التي لم يمض عليها الا نصف عام ، يا إلهي ، لا .. لن تحتمل إستنشاق دماءا اخرى ، و هذه المرة لن تكون سوى دمى الأحبة ، أحدهما سينتهي إن علم زوجها بـ جريمة والدها ، اما هو ، او ابيها !
بدماء حارة سيغرقهم سيلا من غضب يغلي رأسه إن علم بأن إبنته سميت بـ كنية ابيها ، يا الله ، مالذي سيحدث إن كشف الستار ، سيقتلها ! دمها هي من سيراق حلالا طيبا ، و لن يلام حينئذ وربه ، لقد أوجعته بقدر ما أوجعها ، بمناصفة عادلة كانا يتبادلان الطعنات العمياء ، لتذبح بهما القلوب من كل زواياها ! موتا سيهديها إياه حتى و إن إعترف بـ شوق يعتريه نحوها ، و آه لـ ذاك خوف من القادم حرم عليها التمتع بـ تلكما الاحاسيس الفريدة منه ، سينقلب شوقه لـ شوكة في القلب ، كـ عينيه ! تلك التي تحسها تخترق كـ أشعة ممزقة لطبقات الاوزون ، فـ كيف بظهرها الرفيع !
إنتابتها رعشة غبن و هي ترى بـ مقلتي العجوز نظرة تأمل ، و كأن بها لمحت صغيرتها و حبيبها و هي ! ماذا سيحدث لو كانت عائلتها الصغيرة لها ، لا تخشى بها ظالما ، و لا تخاف قاذفا ! ماذا لو ذيل الجود بالعلي الصفائي ؟ لم ' قسمت ' حياتها لـ نصفين متدحرجين من قمة جبل ، فـ نصفها يمينا و الاخر شمالا ، لتفقد حتما منها المنتصف !! هذا المنتصف الذي إعترف توا بـ أن له رغبة بها في حياته ، و لو غلف رغبته بـ عبوس شرقي ، إنها تظلمه ، أهداها طمأنينة و وشاح من امان يدفي بها رجفة العظام ، لتهديه سما في كأسه الأحمر ، لكنها و الله إرتشفت منه قبلا ، قبلا يا علي !
إن كنت في هذه الجريمة مجني عليك ، فإنني الشيطان الاخرس ، إني أخفي عليك بضعتك ، و ستذبحني يوم تعلم ! و لكن كلي املا مشنوقا بأن تنصفني حينها ، حين تدرك بأن الاعتراف يعني فقدانها و فقدانك ، حين ترى بأن الشهادة بالحق تتركني ' أرملة ثكلى ' على سفح الجبل ! و أنا لا أقدر ، لا أقدر أن أموت بكما فقدا ، سأبقى أنتظر منك العقاب بـ قلب منفطر ، و بضمير يتقلب على جمر من برك جحيمية ، ستظل انت مخدوعا ، و سأظل أنا موجوعة ، سـ أحتضن قطعتك لأخبرها بأنني شقيقتها ، شقيقتها يا علي ، أ لسعك وجعي ؟ أم إنك كما دوما لا تحس إلا بك !
أي جرم إقترفته يداك يا قاسم ، أي ظلم جديد و وحل من قذارة اخرى بت تدوسه بـ قدميك بعد وضوءك ، أين توبتك و أنت تتلاعب بالانساب كمن يتلاعب بـ قطع شطرنج !
ازدردت ريقا جافا شق حنجرتها عندما اعادت المسنة سؤالها بـ جزم واضح ، و لكن اعمي عنه أسدها لحسن حظهما : إنتو عدكم جهاال و يريد يطلقكم ؟ زيين لييش ؟ و شلون عدكم جاهل و انتو لحد هسة ممثبتين زواجكم وين جنتوا لعـ ـ
و كإن بـ خمارها قد تحرك إثر زفرة حارة صفعت بها من الخلف ، ليأتيها صوته متنهدا : ما عدنا جهال
ثم إستطرد قاصدا الـ جلنار : و هسة ؟
بحركة بطيئة إستدارت نحوه ، لترفع بصرها صوب عينيه ، ثم تزيغ بنظراتها ضعفا ، بظهر ابهام اليمين مسحت عددا من الدمعات ، لتهمس بحشرجة مؤلمة : لازم اطلع ، تأخـ ـرت
حبست نفسا كادت تتقيئه عندما خرق بحدة صوته الخافت جدار المكان : مـ رح اطلــق
كـ طفلة مطيعة هزت برأسها مرتين ، و بالاهتزاز تم انهمار بضع من قطرات .. لتكفكفهم قبل أن تخطو خطوتها نحوه لـ ترى بـ مقلتيه صدمة منها ، ما إن وقفت قبالته ، وضعت يسارها فوق يمينه المستندة على العكاز ، لتشدها بخفة ، ثم رفعت برأسها حتى وصلت ذقنه ، لتتجرأ بـ ترك توقيعها على ورقته البيضاء المطوية بعناية ، شعرت بتصلب فكه و تنافر شعيرات ذقنه لتـنغز بها حويصلات الآه المالئة لـ قرمزية الشفتين ، فتتأوه فراقا أضحى يلوح أمامها مستنكرا وقح فعلتها ! جفلت لـ صوت الباب الذي طرق بـ حدة أكبر باترا عليها حق التأمل في من لن تراه دهرا لا يعلمه إلا الله تعالى ، بأنفاس اصبحت على شفير الإنقطاع همست يمين ثغره المزموم بـ غيظ عار : ديـ ـر بالك على نفسـ ـك ، و سامحني
أكدت شامخة برأسها نحوه لتتلاقى نظراتهما صمتا ، و لكل من العينين حكاية بوح تأبى أن تبتدأ فصولها ، : أي شي سويته مو بيدي ، فـ سامحني
و قبل أن يعترض ، أو حتى يتفقه بـ طلاسم نطقتها كانت قد إختفت كما السراب في أرض قاحلة ! أيعقل إن جريه السابق حتى لهثت انفاسه كان يطارد به سرابا ؟ أ لم تكن هي ؟ أ هو نوع من هذيان بات يرافقه ليجعل منه مثالا للضعف المقيت ، ليس ضعفا ، بل كان عطشا ، و الله عطش ! و تهئ له بأنه و بعد إحتراق الجلد بـ شمس الصحاري قد وجد ظالته بـ واحة كمن خليج من مرمر لبريق يتناثر حوله ، فيفقده صوابه ، أو المتبقي منه ! و تلك النخلة المثمرة بـ قدها المائل ، تذوق تمراتها هو جل ما تحتاجه معدته لأسكات عصافير الجوع بها .. و لكن ما حدث سرابا ، كان سرابا يا أنت !
و لكن لطفا ، أسألك إن كنت تسمح ، هل للسراب ان يترك أثرا ناعما في اراضيه الجافة ؟ لم إذن يشعر بـ قرصات متتالية في خده ؟ يا إلهي ، إنه يفقد ذاته ، صارت تلك هاجسه المجنون ، فقط لو يفهم سببا عقلانيا منها يدعوها لرفض مرافقته ، فقـط لو تخبره منطقا قد يرضيه و يصمت به الحاجة ، و لكنها تأبى إلا أن تتركه يصارع التخبط في الأسئلة ، وكإن بها تنتقم لـ نفسها منه حين كان هو الرائد في مركبتهما ، هناك .. حيث ارضا شهدت لهما قصـة مثيرة ، قصة اسفر عنها موتا جنونيا و عرضا مستباحا ، قصة أبت إلا و أن تترك خلفها عميقا من الأثر !
: يمة شبيك ؟ رووح الحقهااا ، روح وراها و انعل ابوها اذا قلك لأ ، الدنيا مووو فوضى ، إذا تريد مرتك اخذهااا ، إنتة بمحكمة ، محد منهم يقدر يعلي حكمه على القاضي
رفع حاجبيه كمن عاد توا لأرض الواقع بعد رحلة دامت ساعات طوال في الأجواء ، ليهز برأسه خفيفا ثم يهمس بحشرجة فلتت منه بلا ادراك : إي يوم طالع ، بس شوفيلي الطريق إذا متصير عليج زحمة
لانت ملامح المسنة لـ تكرر فوق اسماعه اصرار الأقدمين بالتملك الطاهر : إسمك علي مو يوم ؟ ' و بعد أن رمش لها موافقا اردفت بـ شبه إبتسامة ' : إبني همين علي .. بس ولده بطوله فدوة لعينه ، همين اهل مرته مية مشكلة سوولهم بس هوة اصر ياخذها و معليه بأحد ، و هسة عنده تلث جهال
ثم استطرقت مجددا بحيرة : إنتو شقد عدكم جهال يخليهم اللـ ـ
لم تكمل لإدراكها المكان الذي يقفان به ، ليجيب متمللا و يساره تفرك وجهه ببعثرة : ما عدنة
يعلم جيدا حكايات المسنات الخيالية ، تلك اللاتي يختلقنها عند وجود الحاجة لإيصال رسالة ما ! ، فهو خبير بـ إحداهن ، يا ليتها كانت معه الآن ، يا ليت !
ضيقت نظراتها .. و قبل أن تضغط على اطراف اعصابه بـ وزنها الثقيل همس بـ غيظ مكتوم قهرا : يوم فدووة لعينج شوفيلي الطريق دا اطلـ ـ
ليرن هاتفه بجيب سترته الـ رمادية الرسمية ، و لم يكن سوى عبد الله يطلبه الإسراع ، فـ ما كان من المسنة سوى أن تساعده بالخروج الناجح ، و قبل أن يبتعد وقف امامها بتوازي لجانبي الاجساد ، ثم طلبها بـ غرابة : إدعيلي يوم ، إدعيلي ربج يفرجها
لـ تضع الأخرى يدها على صدرها من تحت العباءة الواسعة ، ثم تتحدث صادقة : يا بعد ابوية و امي ، إن شاء الله يفرجها عليك ربك و يرجعلك مرتك بحظنك و تشوف كل الخير يا ادمي ، لـ تخاف يمة ما راح انساك من دعائي ، بس إنتة لـ تخلي البنية ، البنية ضعيفة و مضيوومة و مكسورة و محتاجة وقفتك وياهة يوم ، لـ تطلقها
رده اقتصر على نصف هزة رأس ، ليكون على وشك المغادرة إلا إن شئ ما قد دفعه للتقدم نحوها ، فـ مال على رأسها احتراما ليودعها بـ قبلة صادقة همس بعدها : ياللا فيمان الله
وصلته من الخلف نبرة تهدج صوتها بضعف : الله وياك يممة ، الله يفتحها بووجهك يا يمة ، و يرزقك كل خير دنيا و اخرة !
دلفت لـ دورة المياه بعد اختفاءه من مدى نظرها الضعيف ، لـ تنتزع جسدها من العباءة ، فتلفها واضعة إياها في كيس محلي اكل عليه الزمان و شرب ، و تبتدأ عملها بـ ثوب عريض و محتشم ، توسعت عيناها فجأة لما لمحت الأربع اوراق من فئة الـ خمسة و عشرين الف دينار ، على طرف المغلسة موضوعة بعناية !
لقد أكرمها الشاب بـ نصف راتبها الشهري ، شعرت بفتيل الراحة يشتعل بها وهي تدعو صادقة لأن يجزاه الله خيرا و يسدد خطاه ، و يبارك له و زوجته في حياتهما ، و أطفالهما اللذين ينكرانهم !
؛
لنفترق الآن ما دام في مقلتينا بريق
وما دام في قعر كأسي وكأسك بعض الرحيق
فعمّا قليل يطلّ الصباح ويخبو القمر
ونلمح في الضوء ما رسمته أكفّ الضجر
على جبهتينا
وفي شفتينا
وندرك أن الشعور الرقيق
مضى ساخرا وطواه القدر
***
لنفترق الآن , ما زال في شفتينا نغم
تكّبر أن يكشف السر فاختار صمت العدم
وما زال في قطرات الندى شفة تتغنّى
وما زال وجهك مثل الظلام له ألف معنى
***
لنفترق الآن , أسمع صوتا وراء النخيل
رهيبا أجشّ الرنين يذكّرني بالرحيل
وأشعر كفّيك ترتعشان كأنّك تخفي
شعورك مثلي وتحبس صرخة حزن وخوف .
لم الإرتجاف ؟
وفيم نخاف ؟
ألسنا سندرك عمّا قليل
بأن الغرام غمامة صيف
***
لنفترق الآن , كالغرباء , وننسى الشّعور
وفي الغد يشرق دهر جديد وتمضي عصور
وفيم التذكّر ؟ هل كان غير رؤى عابره
أطافت هنا برفيقين في ساعة غابره ؟
وغير مساء
طواه الفناء
وأبقى صداه وبعض سطور
من الشعر في شفتي شاعره ؟
***
لنفترق الآن , أشعر بالبرد والخوف , دعنا
نغادر هذا المكان ونرجع من حيث جئنا
غريبين نسحب عبء ادّكاراتنا الباهته
وحيدين نحمل أصداء قصتنا المائته
لبعض القبور
وراء العصور
هنالك لا يعرف الدهر عنّا
سوى لون أعيننا الصامته
نازك الملائكة
ما إن وصلهم ، صار يدنو بـ خطى بطيئة متعمدة ، و ضغط قبضة يمينه على العكاز يزداد ، كان يشعر بـ خمسة أزواج من الاعين تراقب خطاه ، ليتضائلوا الى الاربع ، و علم بدواخل نفسه من ذو جبن ليهرب منه ، و من غيرها هي الارنبة المرتعدة الفرائص !
على بعد متر و نصفه توقف ، ليميل رأسا محيي عديله الـ ' وفي ' و الخارج عن القواعد النارية المسنة من قبل حماهما .. ليفاجئه الاخر بتقدم يخطوه نحوه ، تبادلا التحايا بالاكفف ، و من ثم إبتعد الاخر ليترك له مجال البدء بالمبارزة !
يشعر بنظرات شرسة ، حاقدة تأتيه من قاسم ، الكلب ! سحب لصدره نفسا طويلا و من ثم قابل عيناه بـ صرامة ، و فجأة خلا الكون إلا منهما ، و مناطحة ثوران في حلبة الاقتتال الاسباني حدثت صمتا و بسكون ، و كإن عراكا ادى لتفتق لباسهما لشدته ، يلهثان تعبا ، ليتطايرا اخيرا من مضمار المعركة ، كلاهما خاسرا ! حربهما كانت مزحة ساخرة ، و صراع النسور قد شهدته الانثى الوحيدة بين الحضور ، لم ينبس احدهما بحرف ، و كل عين تود اثبات قوتها و وقاحة اصرارها ، لا يعلم احد كم من الدقائق مرت بإنتظار اعتلاء الراية البيضاء ؛ حتى قرر النسر الشاب زحزحة انظاره بخيلاء ، ليس احتراما ، فـ جل ما يشعره نحو قاسم هو الإشمئزاز و القرف من رجولته الكاذبة ، و لكن ترآى له شخصا قد افتقد وجوده منذ اعوام ، يخبره بهمس إن لـ قاسم جانبا من حق قد هضم ، فهو قد سرق منه فتاته ، و للحقير شيئا من رد الدين قد احاق به
رفع حاجبه عندما اعاد سير نظره نحو الحقير ، ليجد نظرة ساخرة تغشي مقلتيه ، حاول الحفاظ على غرور حضوره ، و إلتفت نحو الـ زهرة المستنفرة بـ تخشب لمحه بإحساس فقط ، ليبتسم لها بحاجب مرتفع ، ثم يحييها بـ رقة بها ينوي دهس الخرقة البشرية المسماة بـ والدها ، و فعل : شلونها مرتي ؟
و لعجبه ، لم يتدخل قاسم سوى بـ ضحكة هازئة ، لم يعطيه بالا ؛ و ظل منتظرا منها جوابا ، لتهز برأسها متوسلته الرأفة ، و الإبتعاد عن حقل الغامها الخطر ، تخاف عليه حتى الخنق ، لم لا يكف عن التلاعب بالألسنة المتطايرة ؟ ويح له من رجل عجن الإباء بـه كما الماء و الطين ، يود المحاربة حتى الرمق الاخير و عث الدمار في جسده لا يهمه بقدر حصوله شرف المقاومة !
هذه المرة نقل نظراته نحو عديله الذي تحدث قاطعا حربا قد تندلع نيرانها بولاعته المستفزة لفتيل قاسم الكلب : دياللا خلي نفوت نعقد ، صار هواية ينتظـرون
كل شئ حدث بـ روية ، و حسب تعاليم القانون ، و ود حينها قاسم لو قدم بلاغا رسميا لدق عنق هذا الجرذ لئلا يتجرأ و يقضم جبنة نظيفة صالحة للتناول البشري فقط ، و لكنه تحامل على غيظه ، و تماسك فقط من أجل خنق عنق الفضيحة التي ظلت تؤرق مضجعه شهورا ، و أي فضيحة تلك التي جاءته بها إبنته ، أتراها شعرت بـ كفها التي غرست بصدره و إجتثت منه القلب و الرئتين ، ؟ هل التصقت اناملها بلزوجة دمه الأسود بعد إحتراقه منها ؟ أ تساءلت ما سبب ريحة العفن من رئتيه و تفحم قلبه ؟ أم تراها لا تهتم سوى لـ هذا الاخرق ، الجرذ الحيوان ؟! كور قبضته بـ رغبة جامحة تسكنه لـ إسكات ثرثرة الحقير ، ذاك الذي استسهل وجوده ، و نسي ماقدمت يداه بطشا بحق الفتاة ، ليطالب بها الآن بكل وقاحة العالمين !
: جايبة هواية ملابس وياج ؟ ترة اربيل باردة !
كان تعليقه المتحدي اول ما نطقه بعد خروجهم من نطاق دار القضاء ، لـ يتبع حديثه صوتا عنيفا ارتعش له جسدها ، رعد فـ برق و من ثم فجأة هطلت الامطار بـ كثافة ، ليعيد الجميع خطواته .. حيث سقفا من البنيان حماهم من ضربات تسددها السماء لهم بـ شفرات مطرية ! كان يقف على جهة ، و هي و والدها و عبد الله على جهة اخرى ، يترأسهم الكلب ، المقابل بجسده الشارع يتابع رجليه و هما يركضان نحو مركبة يقودانها ، ليأتي احدهما لهم بـ ثلاث مظلات سـوداء ، و قبل الحراك عاد هو ليتحدى بهم الاعتراض ، مادا بذراعه و العكاز امام الكلب مانعا اياه من مواصلة الطريق ، ليلتفت نحوه الاخير بذات النظرة الساخرة ، غير آبه بـ بالبرق الصادر من نظراته و لا رعده المكبوت بفخامة رغم ميلانه في وقفته الغير معتدلة : مرتي ، تجي .... وياية !
صر على أسنانه لـ يكرر بحدة لما صفعه قاسم ببرودة النظرة الهازئة ، و كإن به يتلذذ بذلك الرقص على الاوتار العصبية : ما رح تاخذها وياك ، بتتتك هيـة مرررتي ، و ماخذها اني ماخذها
بسمة ملتوية داعبت فمه القذر ، ليهمس ضاحكا فخرجت حروفه كمن يتحدث و فمه مملوء بالطعام ، و لم يدرك حينها هو مالذي كان ينفخ خديه بهذا الشكل المستفز : أخذها
تباعد حاجباه صدمة و تراخت ذراعه ، ليعود فينزلها سريعا و يستند على عكازه بصمت ، لم يشأ أن يبدو بتلك الدرجة من الإستغراب ، و لكنه بدا ، ليتحرك قاسم بعد أن نطق جملته بجدية صارمة : إسألها .. و إذا تريد تجي وياك أخذها ، واذا قلتلك لأ ، فـ عندك شهر و تدز ورقتها لعمان ، أتوقع مو صعب تعرف عنواننا
اضاف تعليقه الاخير ساخرا و نظراته تنسحب نحو عبد الله ، ليشيح الاخير نظره حرجا ، و من ثم اختفى قاسم بـ حركات ثقيلة الخطى ، متبوعا بـ احد كلابه المطيعة ذاك الذي يحمل له مظلته و كإن به سلطان عصره !
لم يتبق سواهما و عبد الله ، لينسحب الاخير بـعد قوله : علي اعذرنا ، و الله العظيم مـ جنا نريد نأذيك ، اعذرناااا
مالهم يطلبون منه سماحا و عذرا ، أ فعلوا به جرما بالخفاء ؟ أوصلت اياديهم لـ بقعة في الجسد لم يطأها الوجع حتى الآن و جاؤا بـ معولهم لحرثها ؟ أصابه القليل من الشك مما قد يكون ينتظره منهم ، فـ قرر بلا شعور أن يتصل فورا بـ أخته و جدته ، لن يفعلها قاسم و يعيد تشغيل لعبة الانتقامات المتتالية ، لن يفعلها !
و لكن قبلها عليه أن ينهي هذه المسرحية المعلنة امام الجميع ، فـ هو على يقين بأن قاسم يراقبهما و جنديه المتطفلين ايضا ، بالإضافة لـ عبد الله ، و قد يكون الاخير هو المشجع الوحيد للنهاية السعيدة ' السخيفة ' ، سبقته بالحديث و هي تتحرك خطوة واحدة للامام ، فجعلت منها كـ حمامة بيضاء مبللة الريش بالمطر : أحب المطر
حذرها من المضي قدما في اللا اهتمام وهو يتابع إلتفاتها نحـوه و تلألئ الدمعات في مقلتيها : فتحي الشمسية ' المظلة ' ، رح تتمرضين هيج ، و يللا امشي نروح
بـ بسمة ميتة قابلت به اصراره متحركة خطوة خلفية ثانية : وين نروح ؟ أني راجعة وية ابوية ، ما ارجعـ ـ
صدر منه صوتا خشنا مهددا ، و نظراته مصوبة نحو وجهها البدري بـ ملامحه المتوردة بردا ، و قطرات من ندى الامطار تتكاثف فوق ارنبة الانف و الشفتين : لـ تعااااندين ، ابووج و قلج رووحي ، فهميني شنوو قصتج انتي تخبلتتتي ؟
إزدردت ريقها و ارتعشت شفتها السفلى ، فـ عضت طرفها لتتذوق طعم الغيث ، شعرت بـ عيناه تراقبها بـ شئ من شغف لامس بها خلايا الخجل ، بغير ميعاد فـ تحدثت بـ جدية لـ تبتعد عن هذا الخطر : ما عندي قصة ، غير انو لاااازم ارجع لاهلي
بتحفز للقتال نطق و نظراته مصوبة نحو عينيها تارة ، و الثغر المنتفخ دما اخرى : هوة مهددج بشي ؟ مهددج بية ؟ لتخافين ميقدر يسويلي شي ، إحجي بشنوو هددج
بـ تماسك على وشك الانصهار اجابته مشتتة بنظراتها رعبا من خجلها و وقاحته : مهددني
توجس شرا و هو يستفسر بـ حدة و ما زال يراقب مواضع البقع المحمرة بها إثر البرد و البكاء ، و لـ ربما الخجل ! : لعد ليش تريدين ترجعين للجيفة مالته
صرخت بغير ذي وعي و انفاسها تعلو غيظا منه : هذولااا اهلي ، اهلـــي
فاجأها بـ استقامة جسده ، و همسه المترقب : زين منو الشخص الاهم ؟
صدمت بسؤاله ، ليجف حلقها رعبا ، شتت نظراتها عبثا ، لتعقد جبينها اللجين أخيرا ، و من ثم تردف بـ خفوت : أمي مريضة حيل ، قلبها مو زين ، مـ تتحمل مني ضربة لخ ' أخرى ' ، الطبيب موصينا منعرضها لأي صدمة ، و اني ممستعدة أخسرها ، هية أهم شي عندي ، أهم شي
زفر بـ هم ، ثم مد يساره أمامه مشيرا لها بالـ ذهاب : يللا لعد ، روحي لأهلج ، بس قولي لابوج الكلب مـ رح اطلق لو يموت
: فتحيي الشمسية قلت
إستطرق امرا حالما خطت خطوة اخرى في العراء لتضرب بها الامطار الشديدة ، بحدة مخيفة فيلتصق حجابها بوجهها و تفلت من جانبيه خصلا رفيعة ، إمتدت إحداها بوقاحة حتى استلقت على مخدع الشفتين المبللتين ، فـ نبض قلبه إثر إغراء وجهها الحسن ، لم تنفذ طلبه ، بل مالت نحوه قليلا ، لتترك له المظلة ارضا ثم توليه ظهرها متحركة بـ خطى راكضة نحو السيارة ، ليتلقاها احد الرجلين بـ مظلة تحمي جسدها من الاغتسال بماء الطهر اكثر ، وقفت قبل ان تركب في المركبة خلف والدها ، لـ تستدير نحوه و تبتسم له بضعف يلوك ملامحها المتوجعة !
لتغيب !
فقط هكذا ، إرتقت في قطار الفراق و غادرت ، مرارا تنازل و طالبها بالمجئ ، لـ تكرر حديثا ملته اسماعه ، رحلت و ظل هو على استقامته يتابع طيفي السيارتين يبتعدان عن مدى نظره ، انفاسه اضحت خجلى منه و من ضعفا سكن به نحوها ، أدرك توا إنه يريدها ، يريد الاحتفاظ بها كما لم يرغب بشئ قبلها و لا يظن بأنه سيود بعدها أحدا بهذه الرغبة المجنونة !
و كإن بـ نبضه عاد ليثور و هو يراها امامه مجددا ، بـ ندى يقبل شفتيها بـ لذة ، فيشتهيها هو غيرة ! مالذي فعلته تلك الأدمية ؟ أو لنقل الـ ' حوائية ' ، فـ هي أنثى متكاملة حد الوجع ، لم يظن يوما بأنه سيراها بعين الرجل المستذئبة ، يا رباه ! يكاد يهبط حتى حضيض قاسم لينتشلها منه مجددا و ليسخر الاخير كيفما يشاء ، فـ هي حمامته ، لطالما كانت كذلك .. فـ لتحتمي بهم دهرا ، سيأتيها اليوم الذي تطالب به ان تعود عشها ، و يأمل أن لا تكون مكسورة الجناحين ، يأمل أن تقبل عليه فرحة و مرفرفة سعادة لـ يحتضنها عشه بـ إزدواجية مشاعر تكاد تفتت عقله ، إنه يتصرف بـ جنون ؛ بل يحس الجنون يأكل معه بذات الملعقة و يشرب بكأسه ، إنها إبنة قاسم يا بشر ، إبنة عم الـ **** عديم الشرف و الدين ، هم من شقوا ثوب اهله الطاهر بعد تلطيخه بدم طفلتين ، هي إبنة الأعداء ، أليس كذلك ؟ لم إذن لا يشعر بها سوى إمرأته ، و كإنه بتلك الليلة قـد سلخها من قبيلة إنتمائها لـ ينسبها لنفسه ، لـ علوه و شمخه ، لـ آل صفاء ليتها إنتمت منذ الأزل ، ليتها كانت إبنة لـ عمه ، ليتها كانت انثاه منذ أن خط شاربه الأول ! أ وتراها ادركت عظيم فعلتها به ؟ لا يظن ، فهي ليست من فصيلة المغترات بـ ذيول طاووسية ، هي تتلصص و تسرق بـ نية حسنة ، تسرق لتقتات لنفسها حياة ، لا لـ تترفها ظلما بـ قلوب الرجال !
هي بريئة من تهمة إختطافه من عقله ، هنا ، يتنازل عن حقه في جريمتها ، لأنه أكثر من يدرك بأن بيضاء اليدين لا تمد اناملها لتتلوث جورا ، غجرية الشعر ، و ريانة العود انقى من ان تكون مدانة بالسرقة ، لكنها قد تدان بالحيلة البريئة ، بالعشق الجنوني ، بالتكتم الذي يكاد يؤتي بعقله !
لا تريد أن يطلقها ، و لا توافقه العودة ، ترتحل و تترك له بصمة في القلب ، و عطرا يشق الصدر ، تذهب ، و تبقى لتسكن به ! تناقض يسكن افعالها و الاقوال سيصرعه ، و لكنه سـ يكون لها شبيها ، لن يطلق و لن يعود ليسأل ، سيحررها ، و لكن يحتفظ بقيد واحد حول جيدها يشده اليه عند رغبته ، يرتضي البعد ، و يطارد خيالاتها عنوة !
عقد حاجبيه عندما شعر بـ أن دهرا مر به وهو واقف هنا كـ شجرة عريت من وريقاتها ، لتغادر طيورها الأعشاش ، كئيبة خاوية من معاني الحياة ، جاء بغداد و بـ رأسه بصيص من شعاع بأن يغادرها ممتلئ الحضن بـ إمرأته ، و لكنه هزم بـ رفضها ، و كإنها من دون ان تقصد او تنوي تقتات لنفسها ثأرا ، ثأر أشهر مضت حيث أوهمها بـ زواج أخر ، و حواء أخرى تتقلب بين ذراعيه ، ظن بأنه سيستدرج عقله بتلك الكذبة حتى تغادره منكسة قلبها وجعا ، و لكنها ظلت متمسكة بـ لعبتها المتلصصة تلك ، بين دهاليز المخ المشقى ، و الآن فقط إنتقمت ، كسـرت زجاجات عطورها الفخمة ، و حطمت كؤوسهما الفارغة في انحاءه حتى خدشت به الجدران و هشمت المرايا ، قلبت طاولات و مقاعد كانت تحتضن جسدها الندي عند إجتماعات تعقدها مع اعضاءه المطيعة ، فتحت مضخات الدماء و اغرقته .. ثم ببساطة ، إنسحبت رافعة بـ كعبها العالي بيمينها و متمايلة بمشية متغنجة بـ إغراء غير متعمد !
إبتسم على حين غرة من سرحانه الهاذي ، ليميل قليلا و بصعوبة حتى رفع المظلة المبللة برذاذ بارد ، و تحـرك بها ' من دون إستخدامها ' نحو سيارته ، حركة نزول الغيث العجلة اجبرته على جر خطاه بإسراع .. حتى ركب مكانه ، و من ثم نفض من على شعره القصير ما تجمع من برك مائية ، و شغل المدفأة بـ حركة تلقائية ، فـ سكن لفترة ، حتى تذكر شكه بـ ضربة اخرى في الظهر قد تفقده بقيته ، ليخرج هاتفه من جيب بنطاله عجلا ، لـ يهاتف اخته بـ أعصاب مستنفرة ، نصف رنة فقط و جاءه ردها ، حتى شعر بـ خوف يغزوه ، فتكلم مترقبا و متأهبا لـ مصاب : ها لينا شلونج ؟
بـ توتر وصله تحدثت : الحمد لله حبيبي زينة ، و إنتة شلونك ؟
تنهد لترتسم شبه بسمة هازئة على ثغره ، و شئ من راحة سكنته بعد الـ ' زينة الحمد لله ' التي نطقتها : الحمد لله
بيج شي ؟ شبيه صوتج ؟
ظهر القلق واضحا له لـ تجيبه بحيرة : ما اعرف والله علي ، عمر تأخر علية ، المفروض قبل ساعة يجي و لهسة ماكو ، و موبايله مديرد عليه خبلني
إعتدل بجلسته لـ يستفسر مسرعا : إنتي بالمستشفى ؟
: إي
: ديللا هسة جاييج ، من اوصل ادقلج و طلعي
: ماشي إن شاء الله أنتظرك
إبتسم صدقا ، فـ الـ ' ماشي ' هذه من حكاوي عمر ، و يبدو إنها انتقلت بعدوى جميلة للسان اخته !
شغل المحرك ثم وجه سير عجلاته نحو طريق المشفى ، و بـ أحدى إشارات المرور لمح منظرا هزه حتى بويصلات الشعر لـ طفل لا يتجاوز الستة أعوام يجلس على احد الارصفة ، يغتسل مطرا و يرتجف بردا ، يده تحمل أحد الصفائح الحديدية يغطي بها بضاعته الصغيرة المكونة من علب مناديل ورقية يبيعها لأصحاب المركبات المارة !
شد بخده احد العروق ، و تمتم حمدا للرحمن ، فـ أدار المقود حيث هو ، انزل زجاج النافذة ليطلب من الصبي علبتين ، و بإهتمام بالغ اعطاه الاخير ، فـ قدم له نقدا اعلى مما يستحق ليرفضها الصغير بـ كرامة من ذهب ، أغمض عينيه لوهلة ، ثم نطق بـ لمحة لطف لا يمتاز بها : إعتبرني اخوك الجبير ، أخذها و اسكت ، أصلا اني بعمرك جنت مثلك و شوفني وين وصلت ، ياللا سبع اخذها
قبلها الطفل بخجل و أمل بمستقبل قد يسمح له بقيادة مركبة كهذه ، و التأنق كـ صاحبها ! ، فـ انتشل ' الأنيق ' المظلة من على المقعد المجاور له ، و مدها له مضيفا بجدية : أخذها ، و لـ تبقى هنا ، روح بمكان بعيد عالمطر لا تمرض ، يللا بسرعة
.
.
.
لـ يُتبَعْ !
|