كاتب الموضوع :
حلمْ يُعآنقْ السمَآء
المنتدى :
القصص المكتملة (بدون ردود)
رد: أبرياء حتى تثبت إدانتهم
تلومني الدنيا إذا أحببته
كأني أنا خلقت الحب واخترعته
كأنني على خدود الورد قد رسمته
.. كأنني أنا التي
للطير في السماء قد علمته
وفي حقول القمح قد زرعته
.. وفي مياه البحر قد ذوبته
.. كأنني أنا التي
كالقمر الجميل في السماء قد علقته
.. تلومني الدنيا إذا
.. سميت من أحب .. أو ذكرته
.. كأنني أنا الهوى
.. وأمه .. وأخته
من حيث ما انتظرته
.. مختلف عن كل ما عرفته
مختلف عن كل ما قرأته
.. وكل ما سمعته
.. لو كنت أدري
أنه نوع من الإدمان .. ما أدمنته
.. لو كنت أدري أنه
باب كثير الريح ، ما فتحته
.. لو كنت أدري أنه
عود من الكبريت ، ما أشعلته
هذا الهوى . أعنف حب عشته
.. فليتني حين أتاني فاتحا
يديه لي .. رددته
.. وليتني من قبل أن يقتلني
.. قتلته
.. هذا الهوى الذي أراه في الليل
.. أراه .. في ثوبي
.. وفي عطري .. وفي أساوري
.. أراه .. مرسوما على وجه يدي
.. أراه .. منقوشا على مشاعري
.. لو أخبروني أنه
.. طفل كثير اللهو والضوضاء ما أدخلته
.. وأنه سيكسر الزجاج في قلبي
.. لما تركته
.. لو اخبروني أنه
سيضرم النيران في دقائق
ويقلب الأشياء في دقائق
ويصبغ الجدران بالأحمر والأزرق في دقائق
.. لكنت قد طردته
.. يا أيها الغالي الذي
.. أرضيت عني الله .. إذ أحببته
أروع حب عشته
فليتني حين أتاني زائرا
.. بالورد قد طوقته
.. وليتني حين أتاني باكيا
.. فتحت أبوابي له .. وبسته
.. وبسته
.. وبسته
نزار قباني
لا عجلة زمن تتوقف من أجل أحدهم ، و لا حتى تبطئ بخطواتها ، فـ عمر يمضي و هم راحلون .. من يماشيه فلنفسه ، و من يعاديه فـ لا قدرة له على غلبة الوقت ، كانت كـ البقية .. تماشيه كرها و إجبارا ، ! ليستفحل هو على ضعفها و قلة حيلة تسكنها من شعيرات رأسها لأخمص القدمين
تجلس في صالة الشقة بجسـد مضمحل ، البشرة يغطيها الشحوب و العينان غائرتان في قرار رمادي ، تستمع لاحاديثهم المتشعبة بـ أذن صماء ، و لسان اخرس ، فلا يهمها التعقيب عن أي موضوع ' تافه ' كما تراه ، ما يجول بخاطرها المكسور أعمق و ذو اهمية أعظم مما تقولانه ، ما يمزق فؤادها المثقل بأرطال السموم الـ 'علية ' هو أكثر وخزا من أن يسمح لها بالاقتراب من دوائر احاديثهم ، هي ليست سوى مجرمة ترتدي الاحمر فيتقيد ميعاد شنقها ، تعاني الإحتضار منذ شهور ، و ها هي حتى الآن معلقة من نحرها الطويل ليجف ريق الهلع بها ،!
لن تنسى يوما فعلته .. و لن تسامحه ، لا اليوم و لا غدا و لا بعد سنة ، لقد إصطبرت شهرا عن الاتيان بذكره جهرا ، أما ما يدور في الخلد لا يعلمه غير رب العرش العظيم ، و كما نجحت لثلاثين يوما ، ستفعلها لثلاثين سنة ضوئية أخرى !
يقولها بـ وقاحة قلب و روح بأنه إختار اعادة بناء حياته بعيدا فمعها لا حياة تربطه ، و كإنه لم يحطمها كـ كأس مرصع بـ ياقوت و مرجان ، ملئ بـ حلال الخمر و لذيذه ، فـ كسرت هي و فاض خمرها الحلال ، بل عشقها المغلف بـ عرس غير إعتيادي .. عرس من دماء !
لربما كانت فعلته خيرا ، فـ هكذا لن تضطر لإن تخبره عما تحمله في رحم العاطفة ، لن يعلم بأنها ستصبح لـ صغيره أما ، لن يعلم بأن ليلة في عمرهما مليئة بـ المجازفة و الجنون و العشق المحظور سببت بـ إنبثاق شعلة أكبر و اعظم لتربطه معها طيلة العمر شاء ام أبى ؛
أي خير ذاك الذي تبحثين عنه يا أنتي ؟! تخفين ما برحمك و تطلبين الخير من الله ؟ لكنه هو من إبتدأ ، و هو من رفض الإستماع لما هو اكبر من الحياة بيننا ، هو من قذفني كـ بقايا خردة إنتهت صلاحيتها ، و هو من إستبدلني بـ أخرى بذات الوقت الذي إستبدلت به أبي و أمي و الناس اجمعين ، يعلم جيدا ما أصبحت عليه به ، و يعلم مدى إنهياري لأجله ، و بكل بجاحة ذكورية يـؤكد لي بأنه إختار أن يكمل النصف الباقي من عمره في أحضان أخرى ليشبعها من رجولته الناخرة لعظيمات قلبي و الخانقة لـ صمامات شراييني ، يحتضنها و يكون لها الموطن رغم إنه لي لم يكن سوى منفى ، يغدقها حنانا و انا التي لم اتذوق سوى قسوته ،، يغطيها بدفئه و أنا التي إحترت أن أشتعل بناره أم أن اتجمد بثلوجه ، فـ عندما كان لي لم يكن هنالك من منتصف بين جحيم و جليد ، أما يشعلني او يدفنني تحت اطنان متثلجة !
لطالما شطرني و بعثر اجزائي ، لطالما نصف قلبي و شق جيوبه ، لطالما تلوثت يداه بدمائي ، أيظن بأن أخرى ستذيقه ما تناوله معي ؟ العبرة ليست بالمدة ، بل بالجنون ، و معي قد شهد أعاصير العشق السرمدي ، و إن لم يحمل لي حبا ، فـ أنا من أغرقته بـ مشاعر لن يجد لـ عطرها شبيه ، أنا من أدخلته مدينة الموت ، و أقسمت أن أشاركه النزهة بين القبور ، أنا من حطمت له حياته ، لأربطه بي بغير قصد ، لن ينتهي مني و لو بعد مائة عام ، و لكنني سـ أفعلها و أفر من قسوة ذكرياته المريرة ، كما هو قلبه ، و كما هو طعم إحتضانه ،!
إلهي .. كيف إستطاع النسيان و التغلب عن حرقة الذكرى و عبقها ؟ لم انا ما ازال اشعره كل ليلة و كإنني بالأمس قد تذوقت جنوني معه ؟ و إن أرخص عمري و لقائنا فـ كيف ترك لـ ضميره ان يموت ؟ و الله لم أعهده هكذا ، دوما ما كان رجلا عن سبعين اخرين ، كيف يدكرني تصديق قوله بأنه نحر كرامته التي هدرت في أرضنا و مضى مع الوقت ؟، ماشاه و لم يعاديه !
آه عليها و على صغيرها المظلوم ، سيجئ هذه الدنيا و لا يعلم ما حدث من قبله ، و لا تعلم هي ما سيكون من بعده ، تبتهل لله ان تصاحب مجيئه رحمة ، لكنها تخاف ظلم أبيها ، لا علم لها عن نية تسكنه تجاه قاتل إنوثتها المأجور و إبنه ، ذاك الخانق لـ عنق العشق بـ يد ضخمة مخدشة !
أطرقت رأسها لبرهة حالما وصلتها نبرة والدها الذي دلف عليهم لتوه ، سيجن جنونه لـ رؤيتها هنا ، فهي قد حرمت من الولوج خارج الغرفة عند تواجده في الشقة ،، بالإضافة للإحتجاز التام المصدر بحقها ، فـ منذ وصولهم هذه البلاد لم تعتب الباب الخارجي ، و لم تقابل أحدا غيرهم هم ، أهليها ،! حتى أمر توثيق زواجها فالطلاق قد رفض من قبله .. بل أجل حتى إشعار أخر ، فـ إن ذهبت سيعلم صهره بأمر حملها و بالتأكيد ستكون له ردة فعل .. لذا يجب ان يكفن الموضوع و يدفن ، و من ثم يعاد إحياءه في الوقت المناسب !
تخشب جسدها محله و كإنما مساميرا عملاقة قد اخترقتها لتثبتها بأرض تبغضها و تطردها ، فـ والله تشعر بقرف والدها و استهجانه من وجودها المنفر لخلاياه العصبية ، قاسم ذلك الرجل الناجح بكل شئ ، حتى في طرد الشياطين من السيطرة على حياته ، ليكون تائبا متعبدا اغلب وقته ، لا يستفزه سوى ذكر رجل واحد ، و إمرأة ، و لسوء الحظ ليس الرجل سوى زوجها ، وهي الإمرأة !
: وين رجلج ؟
محدثا الـ ' متزوجة ' و المعترف هو بزوجها ، روشن ، لتجيبه الاخيرة بتوتر ناتج عن حدة صوته : بالمحل
إبتلعت هي وجع الشعور بعد إنصات كافة حواسها لـ خشونة نبرته التي تشتاقها ، والله يا أبتي إشتقت ان تطئ نظراتي الخجلة عتبات عينيك الساهمة ، إشتقت ان اراك و احدثك ، عقابك لي يكاد يأتيني بـ مقتل بطئ ، أنت تؤلمني و تخنق بي الروح ، كن عادلا يا سيدي و عاملني كإمرأة ، كما استحق !
إبنة حواء ضعيفة يا ابتاه ، وجودي مع ادم شرس أجبرني على تنفس هواءه المذموم ، لا تلمني على إدماني سما تتشربه خلاياي بنهم و عطش ، لا تلمني لكوني اعلنت ضعفي و رفعت رايات إستسلامي للإنحدار من فوق هاوية مشاعر افتقدتها دوما .. سقطت من علوي في عينك .. و ها أنا ادفع ثمن عدم تشبثي بقشة من أجل أن أبقى كما أنا لـ أجلك فقط !
و لكن بربك يا حبيب ، ألا ترى بأن الله قد أرسل مصيبتي لك لـ تعود إليه راجيا و متوسلا عطفه و رحمته ؟ لو لم أكمل انحداري بعيدا عن مملكتك ، ما كنت سـ تكون كما أنت الآن !
: طلعوا برا
أمره التعسفي اجبرها مع شقيقتيها لأن تغادرن ، مقلتاها تكتلتا دموعا حارة ، و تقلصات اسفل البطن بدأت بإيلامها جسديا .. لتجر خطاها خارجة من المكان ، و قبيل أن تخطو العتبة مرها خاطر يدفع بكتفها بأنامل ضخمة لتتوجه نحو الجسد الراسخ فوق مقعد جلدي ضخم ، شعرت بـ تجمد شقيقتيها عن الحراك ، ليصلها منهما اعتراضا صامتا و توسلا لتعود ادراجها ، إلا إنها لم تهتم ، بل أكملت الدرب نحو جرف الجحيم ، لتلظى بناره قبل أن تطأه قدماها ، حرارة الألسنة وحدها تكفي و تزيد ليدركها الرعب من المواصلة ، و لكن تلك الانامل لم تكف عن فعلتها ، لتنهي رحلتها قرب مقعده الضخم ، إنهيار قلاعها الصلدة قد تعاظم وهي تنحني بضعف ، لتستقبلها الارض بكرم ، كان جامدا حد الوجع !
لم يرف له جفن رغم عويلها الذي إرتفعت طبقاته ، صامدا ضد إنكسار صغيرته بـ شموخ رجل مثقوب الكرامة و تملئ نفسه رغبة بالإنتقام من المطرقة التي ثقبته ، و كذلك المسمار ! يسكنه منها غضبا و جورا و حقدا ، يود عقابها على تنكيس رأس رجولته و ثقته أرضا و إن كان الأمر بينه و بين ربه ، يود أن يخنقها فيغسلها بدموع محاجره كي تتطهر .. علها حينها تعود نقية الروح حبيبته ، و لكن هيهات و هي تحمل بذرة قذرة بين أحشاءها يراها تكبر يوما بعد يوم تستل لنفسها عمرا متغذية على صحة إبنته و دماها ، تضعف فتاته و تضمحل ، ليكبر إبنه بها و ينمو !
نطفة ذلك الجرذ تنبت في رحم طفلته ، فتثبت له بأن أملا قد ظل متمسكا به بكون إبنته ' عاقل و لن تخيب ثقته ' قد طار أدراج ريح عاصفة ، لتصفعة التيارات الحارة فيستفيق على حقيقة طعنه بـ خنجر في الكتف ! ، يالفعلتها الشنيعة .. بلهجة شديدة الحدة نطق من دون ان تتزحزح نظراته عن شاشة التلفاز امامه : وخروها من قدااام عيني
إرتعبت بكره من عنف اسلوبه ، لتتقدم صاغرة لأوامره ، فتتوسل صغيرتهن ان تنصت لأمره ، بدأت تجرها من زندها بلطف ، لتفاجئها الأخيرة بتشبث كفاها في ساق والدها فتميل عليه منتحبة و كإنها عجوزا قد وصل لها خبر إستشهاد وحيدها في الحرب !
: جلنااار قومي حبيبتي ، قومي و قولي يا الله
محاولات زينة لتخليصها من غضب والدها لم تعود بنتيجة ترجى ، اذ انها تمسكت به اكثر لـ تستنطق نيران صدرها اللسان فيتوسل الأخير مذلولا : بابـ ـ ـا ، الله يخليييك سـ ـ ـامحنييي ، بعـ ـ ـد ما اتحممممل ، حمـ ـ ـووت والله حمـ ـ ـوت !
: زييييينة وخريهاااا لبت الكللللب قبل لا اخليها تنسى إسمهاااا
: جلناار قومي ياعيني ، إششش قوومي و عوفي بابا ، بعدين تعالي هسة قـ ـ
: وخرررري مني ، عوفييني ، خلي يضرربني ، أني اريييده يضربني و يمووتني ، أريـــده يعاااقبني .. تعبببت بابا والله احس حمموووت الله يخليييك كـ ـ ـااافـ ـييي
: وخــروووهااا
هذه المرة تعاونت كل من زينة و روشن لمحاولة جرها ، و لم تفلحا البتة .. لينتهي الأمر بإستسلامه هو ، و مغادرته المكان تشيعه دموع غاليته و غصات روحها الملتاعة ، فـ لا قلبا من حجر ينتصف في الصدر عند فتياته ، لا يقوى جفاف إحدى زهراته ، بل يقوى .. كما تحمل إنهيار زينة ، سيتحمل إنهيار أختها .. كما ربت بكره صغيرتها بمفردها ، ستربي اخر العنقود طفلها وحيدة .. و كإن العمر قد عاد ليكرر ثرثرته فوق أسماعهم الضجرة ، و كإن الماضي قد مر مجددا إلا إنه متلحفا بـ مصيبة أكبر ، و خسائر أعظم !
.
.
.
حبيبتي إن يسألوك عني يومَا، فلا تفكري كثيرا
قولي لهم بكل كبرياءٍ، يُحبني .. يُحبني كثيرا
صغيرتي إن عاتبوك يوما، كيف قصصت شعرك الحريرَ
قولي لهم أنا قصصت شعري، لأن من أحبه يحبه قصيرا
صغيرتي إذا معاً رقصنا، على الشموع رقصة مثيرة
وظنك الجميع في ذراعي، فراشة تهم أن تطيرَ
فواصلي رقصك في هدوء، واتخذي من أضلعي سريرا
وتمتمي بكل كبرياء .. يحبني يحبني يحبني كثيرًا
حبيبتي يا ألفَ يا حبيبتي، حبي لعينيكِ أنا كبيرٌ
وسوف يبقى دائماً كبيرا
نزار قباني
ياسمينة الحي ،
حبيبة الفؤاد و إحدى نبضاته ،
عوجاء الأضلع و مصاصة الدماء
إبنة السلطان ، و أخت الملك !
اليوم أعلنت عصياني و تمردي على كل وعد قد قدمته ، على اي عهد حانق و تهديد غاضب قد نطقته ، الليلة قررت أن أحط شرائعا جديدة و أشيد مسلة من قوانين منظمة ، عادلة بحق قلبي المتأرجح بين كفي محبوبتي ، إدماني و عصياني ، هي التي جعلتني بالحب كافرا ، لتعيدني به مصدقا و متمسكا ، هي التي أسكنتني في كهوف الهم ، لتعود فتنير لي قبسا بزمردتيها الشهيتين ، هي التي نطقت بحق حياتي الظلم ، لـ أفاجئ بإلتهام ثغرها اللذيذ لـ بقية عمري ، هي التي سكنتني و أسكنتني بها ،
حبيبة عمري الغالية ، سـ تقلدني شرف رؤيتها بالأبيض ، سـ تستدير أصابعي حول خصرها الغظ الملفوف بـ لون اللؤلؤ ، ستكون عروستي ، ستكون فتاتي و زنبقتي ، كم أود إستنشاقها الآن ، بت أعشق عطر الياسمين و لون الياسمين و شكله ، إلا إسمه .. فمن اسماء بنات حواء لا أعشق سوى اللين قلبي ، هي من كانت و ستكون دوما صفة لـ قلب عمر !
عمر من دون لينه كان تائها والله ، لا يود ذكر تلك الأيام ، إلهي كم من وجبات يأس قد اجبر على تناولها مسبقا ، كم من فراغ بـ شمال الصدر شعر به عند كل خبر راح يلقى فوق أسماعه من قبل إبنة أبيها ، كم من نبضة ضاعت بمرور السنين ،! كل شئ قد عاد له الآن حتى هي ، فـ ها هي تنتظره خلف هذا الباب ، ليزف لها عريسا ، لم يفلح بـ أن يحتضن غيرها عروسا ، كانت أولاه منذ الأزل ، و هاهي الأولى تتربع بـ كامل زينتها على عرش العروس ، و كإن عرش الفؤاد لم يكفيها ، و لكن لتتدلل ، فالليلة لها كما هي لي ، سأعوضها .. إن شاء الله سـ أكون لها كما كنت دوما ، عمر يعشق ادق تفاصيلها الحبيبة
إلتفت يمينا حيث يقف أحد ساعديه ، ليشد الأخير أزره بإبتسامة هادئة ، فقول جميل : احمد الله ، على حجيك جان هالشي مستحيل !
همسة من أعماق الروح توزعت بين شفتيه و اللسان : الف الحمد لله و الشكر
تحدث الأخر عجلا وهو يتحرك خطوة نحو الخلف : أقلك ، علي مخابرك ؟ شو لهسة ما إجى ،، لو خلاني اجيب بيبيته وهوة غلس عالجية ' طنش ' ؟
جمدت ملامحه لثوان اعقبها بـ هستوة ' للتو ' خابر .. يقول مرح يجي
: شقد كلب ، و اخته .. مقال خطية ، والله حقها لو انقهرت و ماتت منه ' كرهته ' !
: كلب مو شلون مجان
نقل الإثنان انظارهما بشكل تلقائي نحو الباب الذي شرع ، لتظهر من خلفه الحنون بـ لباس خليجي أبيض اللون و ملئ بـ كريستالات مبهجة من الفضة ، كانت طلتها مبهرة للشابين ، فـ رفيق شبلها لم يرها غير باللباس الأسود حزنا على فقيدها ، أما الحبيب فـ إعتاد رؤيتها بالألوان المعتمة ، بينما الآن فـ لم يستطع كبح جماح رغبة تسكنه لإحتضانها و تقبيل رأسها الغالي ، : هاااي شنوو كفووحة ، ؟ لا لا لا
ليكمل عليه الأخر بـ شقاوة ' هادئة ' : ماشاء الله عيني عليج باردة ، تنحسدين خالة
ضحكـت بخجل غريزي وهي تحتضن إبنها بكامل ما تمتلكه من طاقة ؛ و صلوات على اطهر الخلق واصدقهم تنبعث من قلبها بإندفاع امومي عطوف ، ثم إبتعدت خطوة ليظهر لها من خلف ألن صهريها ، فيبدأها الكبير ، زوج ملك بـ مباركة هادئة : مبرووك خالة ، شايفين كل الخير ، يوم الي تفرحين بجهاله
إبتسم هو بـ هدوء ، بعكس ما يعتمل بين جنبات الصدر من أهازيج و أفراح عمر ، فقط لو يعلمون عنها ، لتركوه حرا لينطلق بعروسه حتى القمر ، فيقضي معها هنالك عمر العسل ، فـ حياته بوجودها ' هادئة ' تعد أطيب من الشهد ذاته ، وصله صوت والدته ترد على نسيبه بـ دعوات متكررة ، ليتحدث هذه المرة محمد ، خطيب أية .. و من بعده ألن الذي علق باسما : يوم الي تزوجين ابنه ان شاء الله
لتعقب هي بـ ضحكة سعيدة : و أزوجك قبله يااارب
غص بريقه الجاف ، ليبتعد خطوات الى الخلف و التوتر بان بحركاته و طريقة اخفاء كفيه في جيوب بنطاله دافعا بالسترة الرسمية بلونها الحبري الى الخلف قليلا ، ليلتفت عمر نحوه متمتما بـ هدوء : كمل حياتك ، و إنسى !
أ تودني أن أكمل حياتي ؟ أن أنسى إبنة عمي كما تظن بأني ما زلت جالسا ارثي حبها على الاطلال ، خذها مني يا رفيق الدرب ، أنا معلق بـ هوى شقيقتك من قمة رأسي لـ أطراف انامل القدمين ، أنا مغرم بـ مسلمتكم ، وربي و ربكم الواحد أريدها لأكتمل ، أريدها بشدة !
حان وقت دخول العريس ، و كما هي أغلب حفلاتنا ، الزفاف يكون مختلطا ، لذا ، كانت ياسمينة حيهم ترتدي فستانا خاص بالمحجبات ، لا يظهر منها سوى الوجه و الكفين ، و ليتها تغطى بالكامل ، فـ جمال طلتها و روعة مظهرها سلبوا لب عقله ،!
كان من المفترض أن تكون في منزلها مع اخاها و الجدة ، و اقاربهم .. و هو و اهله من يذهبون لأخذها من هنالك ، كما هو المتعارف عليه في تقاليد بلادي ، ليذهب الجميع بعد ذلك لـ صالة العرس ، و لكن كل شئ معهم كان فريدا ، و يال روعة ذلك التفرد !
تمت عملية زفه لـ عروسه ، تلك التي إكتمل حسنها بـ إبتسامة صبح بعد حلكة ليل كئيب ، و الله حسنها خلاب ، بل غلاب ، و هو المغلوب على امره امامها ، سيدة الجاذبية و الجمال ، إمرأة من طين معجون بـ ماء من ذهب ؛ أميرة مكتملة المظهر ، و رغم عناد الجوهر ما زال يراها الافضل !
كانت القاعة مليئة بالنساء ، و اصوات الزغاريد تطغي على كل صوت اخر ، عيناه اختارتا طريقهما ، لينتفخ صدره بكما ضخما من الهواء ، يا الله
ها هو يلتمس حبال حلمه الأزلي ، ذاك الذي ظل معلقا بين سحب السماء ليعانق النجوم و القمر ، حلما كان و ظن إنه سيكون هكذا دوما ، و لكن ها هو يقترب منه واقعا خطوة بعد اخرى ، هاهي أمامه ببهاء يخرس الالسن ، !
تغض البصر أسفلا .. و كفاها يضغطان على مسكة الورد بشدة ، لا يرى سـوى صفا من الاهداب المثيرة و شئ من الجبين الناصع ببياضه ، ثبت شفتيه فوق جبهتها ليطبع قبلة رقيقة ، فيتحدث مدغدغا بشرتها بحرارة أنفاسه : مبروك .. يا قلبي !
شعر بتصلبها يزداد ، فـ حاول تخفيف الضغط النفسي و تقليل نسبة الإحراج ، و الحاجة لمن هم تحت الثرى ، و خلف مسافات بعيدة : كل هالجمال إلي ؟
لـ ترفع برأسها هذه المرة فـ شعر و كإنما احدهم إجتث قلبه من بين الاظلع ليعتصره مرة و اثنتين و ثلاثة ؛ و من ثم يعيده محله ليعود فيمتلأ هو بكم هائل من الدماء ،
لو خرج المارد من قمقمه
وقال لي : لبيك
دقيقة واحدة لديك
تختار فيها كل ما تريده
من قطع الياقوت والزمرد
لاخترت عينَيْكِ .. بلا تردد
آه على سهامك يا نزار .. تخترق القلب بلا تردد فـ تفصح عما ينفخ اوداجه !
عيناها ، لطالما كان لهما دور البطولة في حكايته معها ، لطالما كان العشق متأصلا بين العيون ، قبل القلوب !
كم من مرة قرأها ، و كم من مرات اشتهاها ، سواء لتقبيلهما او تناولهما ، إبتسـم متمتما بـ إنبهار مفضوح : اللهم صل على سيدنا محمد وعلى اله و صحبه
شهد رقرقة خلجانها بـ مياه صافية ، ليهمس و كفه تمتد لتضغط برقة فوق كتفها الهزيل و أمنية ترفرف بين ثنايا الروح لإحتضانها و تثبيت أضلعه المتراخية من أجل حبسها بينهم ، فـ عوجاءه هي ما كانت تنقص ذلك القفص المتهالك ليركز ، و الآن إكتملت مواد بنيانه ، وهي يجب ان تنحشر في مكانها بين الضلوع : إششش ، بلا دمووع ، كل شي يصير تمام ان شاء الله بس لتبجين !
: أريـ ـ ـد علـ ـ ـي
؛
فشلت جميع محاولاتي
في أن أفسر موقفي
فشلت جميع محاولاتي
فتقبل عشقي على علاته
وتقبل مللي .. وذبذبتي .. وسوء تصرفاتي
فأنا كماء البحر في مدي وفي جزري وعمق تحولاتي
إن التناقض في دمي وأنا احب
تناقضاتي
ماذا سأفعل يا صديق
هكذا رسمت حياتي
..منذ الخليقة .. هكذا رسمت حياتي
نزار قباني
بـ بدلة رسمية بلون الكحل ، قميص ببياض السحب ، و ربطة عنق رمادية ، هيئة ملكية و ربكم ، يقف امامي بطوله الفارع و جسده العريض يغطي عن مرآي الكون بأسره ، يسد عيني و يملئها !
والله أشعر بإنصهار ساقاي ، لا شئ يحملني !
كعب حذائي العالي سيتبرأ مني و سيسقطني لا محالة ، قلبي يعتصر عند كل نبضة ، لا أحتمل هذا الضغط .. لا أحتمله ! أقرأ بهمساته مدى عشقه ، و أشعر حينها بذوبان دماغي مع خلاياه العصبية ، دمي يغلي في الشرايين فيخترق الفؤاد بعنف حتى ثقبه الف ثقب ، و من خلف الالف ثقب الفا اخرين ، و يغلي في الاوردة فـ يمزق انسجتي ، فها انا اشعر بالام متعددة في الكبد و المعدة و الكلة و حتى الدماغ الذائب !
عليه ان يتوقف حالا عن الاقتراب ، فـ ليكف عن صفعي بحرارة انفاسه ، ألم يخبره أحدهم بـ أن اللين مجرد واجهة ، بأمكاني ان اعود لـ أجابهه الآن بتمرد ،، كلا لن انجح ، لا عتاد عندي ، و لا حتى جنود .. كل ما املكه اعلن العصيان ، ها انا ارتجف بين يديه ، ها هي خلاياي تتوسله ان يحتويها بكامل إنوثتها و رجولته .. لا يهمني إن اصبحت ' فلما واقعيا ' للحضور ، فما يحرقني حاجة فقط هو أن أحفر كتفه بـ رأسي ، و أنبش صدره بـ أظافري ، كما إعتدت أن أفعلها حين الغضب من تجاوزه حدودي ، من الآن فليتجاوز ما يشاء ، فـ لم يعد هنالك بيننا من خطوط و لا حدود ، أريد أن أكون معه دولة واحدة ، أرضنا تمتد من بغداد إلى الصين !
أقدم له نفسي بـ طبق من ماس ، و ليلتهمني كاملة أو يقضمني أجزاءا ، حتى إن عصرني و جعلني خمرا مسكرا لقلبه لا يهم ، ما يهمني أن أخترقه ، أريد أن أشعر بـ زلزلتي قربه أكثر فأكثر ، تلك الزلزلة التي لم يفلح اي جنس رجل بـ إشعاري بها سواه ، نكرت دوما حطامي قربه .. و ها انا ذا أعترف بـ أنني لا أكتمل إلا و ذراع هذا الرجل تحتويني !!
طالبت بـ أخيها بعدما وصلت لـ هرم حاجتها لقرب العمر ، فـ دماغها السائل ما زال يعمل رغم بطئ اوامرا صادرة منه ، هكذا ستهرب عامدة من ثورة و هيجان الشعور ، و لكن لم يكن بحسبانها أن تشتعل أكثر ، كم ودت أن تغمس بين منكبيه ، و كم توسلته صامتة ، و ها هي الآن تشعر بـ موقدين في طرفيها السفليين يشتعلان ، اغمضت عينيها لـ تنحبس الأنفاس بعد سماعها قوله المتأني : إنسي علي اليوم ، ممكن ؟!
و الله نسيته ، نسيته و لم ينسني إياه غيرك يا رفيقه ، لا اذكر احدا حتى انا فلا اذكرني ، كل ما اوده ان يختفي العالم من حولنا ، لأذكرك وحدك ، عمر مالذي فعلته بإبنة السلطان ؟ كيف إستطعت التسلل من فوق سور قصر أبي و العبث بـ حراستي المشددة ؟ كيف نجحت بـ الوصول لـ غرفة السلطانة الصغيرة بهذه البسالة ؟ لم ادلك على خريطة غرفتي ، و لم أمدد لك ظفائري من النوافذ ، لم أنظر نحوك .. و لم أدعوك لـ خطفي !!
كيف إستطعت أن تصلني بفرسك الجامحة لتربط ساقيي و اليديين بـ إحتضان ، و فمي بـ قبلة ! فتخطفني مني ! كيف سرقت اللين من فوق سريرها الملكي بقصر من العاج ملئ بالحراس من كل مكان لـ تحتجزها في قعر كوخك ؟! أمام شجاعتك أنحنى الفرسان ، فما فعلته يستحق التبجيل ، لم يتجرأ أحدهم لـ إثارة طرف هدبي ، لتأتي أنت فـ تهزني من منابت الشعر في رأسي حتى منابت الاظافر في قدميي ، و ها نحن ذا فوق فرسك ، نتركها لتهرب بنا أينما تريد ، ها أنا أشعر بـ خسارتي مملكة والدي العظيمة ، و رغم ذلك لا أحس بأحزاني ، لا السابقة منها و لا اخاف القادمة ، هل ستدخلني لبلاد السعادة و السرور يا ايها الشجاع ؟ هل ستنسيني كم من فقدت و ما زلت افقد ؟ هل ستكون لي ابا و اخا غير الذين خسرتهم في المملكة ؟ أسـ أعصيك لـ تعيدني مرغمة الى شريعتك منفذة ، و راضية ؟! ،، عمر .. هنيئا لك ، لقد هزمت إبنة الباشا ، هزمتها حتى صارت ترى بإنها قربك إحدى جواري السلطان ليس إلا ! و لكن أسمعت يوما عن مكر الجواري و خبثهن ؟ لا حاجة لك لتسمع ، فـ إن قررت أن تكون سلطانا لغيري ، سـ ترى بحق كيد الحريم ،! كن معي أدم لأكون لك حواء !
فـ أدم خلق له الله تعالى حواءا واحدة ، و أنت خلقك بعد عبادته سبحانه لي بمفردي ، و لتكف النساء عن ملاحقتك فلن يطالهم غير وجع الفؤاد ، لا انثى بأمكانها إشباع لهفة قلبك غيري ، ألا تتفقهن بحبك لي ؟
: ممكن ؟
همس بها ليعيدها لواقع يجمعهما مع الكثيرون من حولهما ، لتحبس أنفاسها الوجلة فتهز برأسها قليلا لـ تثير عجبه بسبب الموافقة السريعة ، تحرك معها حيث ' الكوشة ' بخطوات راكزة و ثابتة ، و تزفهم خطوات شقيقاته من جهة ، و جدة اخيها و بنات اعمامها من جهة اخرى ، أما بجانبه فـ والدته تشاركه المسير ، و هي .. تستمتع بـ مرافقة الحبيبة التي لم تحرمها تتويج سعادتها بوجودها الذي افتقدته منذ ابعد الازمان ، رسل ، جاءت لتقلدها عقد السعادة و الثقة ، تعلم جيدا بكونها تحتاج من يشد على ذراعها ، فكانت لها ذراعا بكاملها هذه الليلة ، لا تعلم لولاها بعد الله ما كانت ستفعل !
ما إن وصلوا العرش اللؤلؤي ، مالت عليها رفيقتها لتحتضنها بـ صدق محدثتها بنبرة شقية تحاول ان تخفي بها تهدج حبالها الصوتية : عمررري و اخيراا فرحتييني ، مليووون الف مبرووك حيااتي ، الله يسعدج يا رووح رسوش ، إن شاء الله تفرحيني بـ كتكوتة لإبني حبيبي
علقت واضعة يدها على بطنها المنتفخة قليلا فقط ، لتضحك الاخرى بتوتر يكاد يخنقها ، لتتوافد بعدها التهاني ، من قبل الجدة و والدته و اختيه ، حتى وصلت عندها الكبرى ، إستعدت هي لـ تقبل حدة الكلام ، لتصدمها تلك بهدوء نبرة وهي تميل لتقبلها برسمية : مبروك ، شايفة كل الخير ، ديري بالج على اخوية .. ترة قلبه مو حمل أذية ثانية ' لا يحتمل أذى '
إكتفت بـ : الله يبارك بيج
و ملامحها جامدة ، بينما الاخرى إبتعدت خطوة لـ تقف بالقرب حيث اختيها ، تصفق بكفيها بحرارة معتادة من قبل شقيقة العريس ، الحل الامثل هو الرضا بما اختاره شقيقها ،، لا تود خسارته هي ، و لا حتى تنغيص فرحته ، حاولت جاهدة لإبعاد إبنة السلطان نعم .. استخدمت الكثير من الوسائل و منها اللعب بـ وتر زينب فأخبرتها بشأن اصل الزواج الخدعة ظنا منها ان هذه المغرورة ستبتعد حالما تعلم بأن تفاخرها لا اساس له و ان اخاها قد قدمها لـ عمر للمرة الثانية و لكنها مع الاسف فشلت !
لذا قررت ان تكف عن النبش عن المشاكل كما يقول لها زوجها ، و لتتركهم يفعلون ما يشاءون و لكنها لن تتدخل لفك ازمة ان حدثت !
راقبت صغيرتها مرفوعة بحضن خالها و بشكل تلقائي همست بينها و ذاتها بـ ' الحمد لله شفناك عريس يا قلبي ' لتستقبل بعدها كلام ميس المتوترة : اقلج القااعة عاليمنة لو على اليسرة ؟
لم تفهم ، اوقفت التصفيق قليلا لترفع من صوتها : شنوو ؟
كررت الاخرى و نظراتها تجوب في القاعة باحثة عن شخص ما : صديقااتي وصلوا ، و دخلوا للنادي وهسة همة بالكراج ، بس مديعرفون القاعة وين بالضبط
إستأنفت التصفيق لتعلق بلا مبالاة : خلي يسألون اي احد و يدليهم
ومن ثم ختمت جملتها بـ زغرودة صمت أذني اختيها لتبتعدان خطوات بشكل تلقائي ، و من ثم شاركتها الزغاريد والدتها و جدة علي ، ليعلو فوقهم صوت المطرب الذي دخل لتوه ، يطالبهم بالهدوء لـ ثواني قبل أن يدخل بعاصفة هوجاء من التبريكات و من ثم الاغاني !
.
.
.
من أنت كيف طلعت في دنـياي ما أبصرت فيا
فـي مقلتيك أرى الحياة تـفيض يـنبوعا سخيا
وأرى الـوجـود تـلفتا سـمحا وإيـماء شـهيا
ألـممت أحـلام الصبا وخـلعت أكـرمها عليا
مـهلا فـداك الـوهم لا تـرمي بـمئزرك الثريّا
أنا في جديب العمر أنثر مـا تـبقى فـي يـديّا
عودي إلى دنياك واجني زهـرها غـضا زكـيا
يـكفيك مني أن تكوني فـي فـمي لـحنا شجيّا
عمر ابو ريشة
لم يكن ينوي الدخول ، و الله لم يشأ ، فهو على يقين بأن قلبه سيتمزق أكثر ، فـ لا طاقة لقلبه كي يتحمل حسن من نوع أخر ، لا يستطيع رؤية تلك الفراشة بـ البنفسج و يصطبر ، سقياه للعشق المحظور ما زال قائما ، و ترفه بمشاعر الأسى قد زاد عن حده ، بالأمس فقط إضطر أن يتهم أحدهم زورا و بهتانا لكي يبعده عن طريقها ؛ و ماذا الآن ؟
هل سيستمر في الادعاء الباطل ضد رجال العالمين واحدا تلو الاخر ليتركها تعاني من الوحدة طيلة العمر ؟ يقيد حياتها من دون علم لها بـ مغرم مفتون ؟ ما ذنبها إن غرق في رغبة وصالها رغم التحريم التام للسباحة في محيطها النقي ؟ ليس لها يد في جنونه ، و عليه أن لا يغوص أكثر فـ يجرها معه من دون علم ، تستحق أن تتنفس هواءا طليقا ، يجب أن يكتم ما بصدره و عساه يموت به و لا أن يصيبها أذى ، لن يجعل منها أنثى بائسة تنتظر من يأتيها ولا يأت ، يجب أن تكتمل بعرس إسطوري كهذا ، لـ رجل يحبها جزء من العشرة لما يحمله هو في صدره لها ، فـ لا يستطيع أحدهم ان يصل المنتصف ، و لا حتى الربع ولو جاب محيطات المعمورة مائة مرة ، بل ألفا !
إن ما به قد تجاوز حدود الطبيعة ، ما به قـد هشم رأسه بضربات متتالية على الجدار الفاصل بينهما ، يشعر بأن امتلاء القاعة بهذا الحشد سيخنقه لا محالة ، و كإن البشر مجرد سموم منتشرة وهو مجبر على استنشاقهم و الاحتفاظ بهم في فوهات القصبات من دون سعال ،! شتان بين شعوره و رفيقه هذه الليلة ، فالأخير قد نال ما إصطبر عليه سنين ، أما هو فـ إن إصطبر قرونا لن ينال ما يتمنى و يحلم ، ستبقى هي الفاكهة المحرمة من الإقتراب ، و لن يكون هو سـوى رجلا شرقيا مبدعا في كبت المشاعر و دفنها في ثرى الوجدان !
دائما ما يمتاز الشرقي بـ قابلية هائلة على أن يكون صامتا ، و يالروعة حبهم الأخرس لو نطق بعد حين ، و يال بؤسه و ضياعه لو مات دون أن يشاع ، لو ذابت شمعته دون ان تضئ ما حاولها !
كان كـ أخ لذلك العريس ، يتحرك هنا وهناك بين الرجال يتأكد من الحضور و بالذات زملاء عمر في المهنة ممن كانوا قبل شهور فقط اساتذته ! ، اصابه قلق من ان يحضر الضابط ، و يبدو أن قلقه قد كان في محله ، فـ سرعان ما لمحه على الكوشة مع بعض الرجال يحيون العريس مع اغداقه بالمباركات الكريمة ، كاد أن يشتعل بـ نار شبت بين اضلعه في هذه اللحظة و هو ينتقل بـ نظراته نحو زهرة البنفسج الخلابة ، ليجدها تتحرك لتهبط من المنصة رافعة بخفة طرف فستانها الطويل بيسار مزينة بـ إسوارة ذهبية ، و اليمين تثبت الهاتف فوق صيوانها ، عاد ليراقب الضابط ، فـ وجد أن الأخير تائه بـين الرجال و يبدو أنه لم يتبين من هي التي خطبها ، شعر بإستكانة قلبه في مكانه بعد ان اوشك على المغادرة نحو المنصة ، حمد الله جهرا و هذه المرة تغضن جبينه و هو يتابع ابتعادها عن المكان بأكمله لـ تخرج من باب القاعة أخيرا ،!
هز برأسه بخفة و كإنما إستوعب للتو مراقبته لها ، لينقل ببصره بين الحضور باحثا عن أعين فضولية تكون قد إلتقطت فضيحته النكراء ، و لكن حظه افلح و كان الجميع مشغولا بشئ اهم ، كالعرسان او الانبهار بكعكة الزفاف المكونة من 7 طوابق ، و بالنسبة للرجال فـ كان اكثرهم مغموسا بالرقص
يعلم إنه ضرب من الجنون و لكنه ما زال يتبعه ، يعلم إنه إدمان ممنوع و مع ذلك يستمر بإستنشاقه ، يعلم إنه الموت الحي و ها هو يركض وراءه صاغرا !
قلبه وجهه بغير ادراك نحو الخارج ، و حالما غادر الصالة شعر بطنين حاد في أذنيه لإختلاف الضغط بين الضجيج في الداخل و الهدوء هنا ، تحرك في الممر العريض بأنواره الخافتة و لا يسمع صوت حذاءه بسبب السجادة البنفسجية التي إختارت أن تكون الليلة بأحلى الألوان ، في نهايته وجد حلوة المبسم و المعشر ، توليه ظهرها و رأسها ينحني اسفلا مغموسة انشغالا في هاتفها ، إنفرجت اسارير القلب ، رؤيتها فقط هو ما يصبو اليه .. و الله لا يود ان يتجاوز الامر ، يكفيه من الدنيا أن يلمحها ، و إن قذفه القدر بـ محادثتها لهو حينها ذو حظ عظيم !
،
ونسيت دائي، حين جاء دوائي
من ذا يقام نظرةَ السمراءِ ؟!
صادتْ فؤادي والفؤاد ضعيفٌ
والآه أصل الآه، من حواءِ
كريم العراقي
تقدم حتى وصلها و من ثم تجاوزها ، فـ قالها منذ برهة لا يود لها الغرق ، عليها أن تبقى حرة ، فهي عصفورة صغيرة ، تبحث عن الحرية ولن يقيدها هو بـ محيط ازرق ، لن يفعل ! تظاهر بـ إنشغاله في إخراج مفتاح سيارته .. و قبل أن يبتعد كثيرا ثبتت قدماه ارضا لسماعه نبرتها المستنجدة و كإنما قد رأت ' بابا نؤيل ' ، خرافة هي
نصدقها و نكذبها كيفما و متى ما نريد ، إستدار بـ خفة ليلوح له حسن وجهها الملفوف بـ حجاب أسـود متداخل مع البنفسج ، و الوان خفيفة تلون البشرة السمراء ،
آه عليك يا قلبي ، خذ .. تفضل .. و تناول اقداح الحرام ، هيا إشرب ببطئ ، و إخدر كما شئت ، إخـــدر و اهذي كيفما تود ، سيأتيك وقت الصحوة .. سيأتيك و حينها فقط ستندم !
شعر بتوترها و هي تتقدم نحوه و كإنما حالما رأته قد وجدت ما تطمح إليه : ألن بس دقيقة حبااب ، صديقاتي جايين و مديندلون القاعة !
إزدرد ريقه لمرة .. و حاول الثانية و لكنه فشل .. فلا ريق يبتلع مرتين متتاليتين ، حقيقة علمية حاول إنكارها في هذه اللحظة كما هو منكر لكل شئ سوى هذه السمراء ، كيف لا ينكر وهي بنظراتها البريئة تطلبه أن يكون مرشدها ، تقف بقربه و تتشجع لوجوده ، لا تهتم بكونه رجلا ، فهي تراه أخا مسيحيا ليس إلا ،!
بإنفال فتي شق روحه هتفت به : حباب بس انتة طويل شوووف سيارة دوج رصاصي
إبتسامة رسمت فوق ثغره تلقائيا بعد سماعه تعليقها بشأن طوله ، هز برأسه موافقا ثم أشار لها للعودة ، فـ عديد من العيون تلك الموجهة نحوها من قبل العاملين في المكان و كذلك ضيوف القاعة الاخرى : دفوتي إنتي جوة
: شلوون افوت مرح تعرفهم ،
: ميييس قتلج فوتي
لتأتي بمصرع انفاسه نظرة تتقد بـ بريق مشع ، فتعقب بـ هدوء : أوكي ، العفو ،
إلتفتت للعودة و لكن قبل أن تخطو مبتعدة سمعته ينطق : هياتهم جوي !
عادت لتدير جسدها بإتجاهه بسرعة و حماس و معه إلتف طرف فستانها و كانت على وشك أن تعثر لولا تماسكها بصعوبة ، لتفلت ضحكة شقية أنستها سخطها من الماثل امامها ، هو شعر بقلبه من يلتوي و على وشك ان يخر بين القدمين ، زفر براحة حالما تماسكت ليعلق معاتبا : غير تديرين بالج ، جان وقعتي
لم تهتم ، بل تقدمت لتقف قربه عجلة و الابتسامة تشق ملامحها الجميلة ، يتابعها و هي تشير لـ رفيقاتها بـ سلام منفعل و وجهها يمتلئ بالسعادة ، شعر بغشاوة فوق عينيه تجر به نحو العبث بالمحظور اكثر ، ليتنهد بغير شعور ، لم يدرك بأنه قد قضى دهرا في الاستمتاع ببهجة قلبها الحبيب حتى إلتفتت نحوه لتتكلم بمكر : ألن شوووف هذيج صديقتي ام الاحمر و شعرها اشقر ، إسمها اماندا ، مسيحية و تجننن و خوش بنية ، اذا عجبتك قلي رأساا اخطبلكيااها
جمدت ملامحه ، لتنقشع تلك الغشاوة فتصير عينيه بركتين من إحمرار ، لولا تأخر الوقت و قلة الاضاءة لـ كانت ارتعبت من توسع الشعيرات المنتشرة في القرنية لتتقد نظراته دما ، تركته لتتقدم نحو رفيقاتها الثلاثة ، تبادلن سلاما حماسيا امام انظاره الهازئة من ذاته ، يصله تبادلهن المديح بشأن اطلالاتهن ، و يكاد قلبه يستصرخهن بأنها هي الاجمل و الاروع و الاكثر بهاءا ، إذن يبدو إن الغشاوة قد عادت !!
مررن بقربه و كإنه اخيلة فارغة ، لم تقول له شيئا ، حتى ذكرنها رفيقاتها ، فـ سمع احداهن تعلق بشئ قد مزق شرايين الفؤاد ، إلا واحدا عطفت بشأنه و تركته سليما : لج ميوو الكلبة منو هالحلوو هذا ؟ ها هااا ؟ إعترفي و شعندج وااقفة وياه ؟
لتكمل اخرى بمشاكسة : إيييي جدياات يجنن هيبة و جماال ولاااايقلج يللا ان شاء الله مرة اللخ نجي لخطوبتكم
كانت لا تزال موليته ظهرها ، لتستدير فتلمحه و من ثم تعود لهن فتجيب رافضة افكارهن : صديق اخوية ،، ووووو قبل لتقولون تعليق سخيف فهوة مسيييييحي
نطقت كلمتها الاخيرة و هي تميل بجذعها ضاحكة نحو ذات الفستان الناري و الشعر الاشقر ، فكاد فؤاده ان يميل معها هو الاخر لكنه استطاع السيطرة عليه و الحفاظ على تماسكه بعد مقاومة ، بعد كل هذا الكم الهائل من العنف المشاعري يستحق أن يلتهم الهواء لساعات كي يستعيد القليل من سيطرته على الذات ، إلتفت بسرعة حالما شعر بـ دنوها منه مجددا ، ليستقبل منها أجمل إبتسامة و أصدق نظرة لها القدرة على ان تلجم أقسى القلوب و تليينها : شكرااا ألن ، أوقفلك بيوم عررسك ان شاء الله !
بل تفتيت اقسى القلوب و دعس فتاتها بكعب حذائها و من ثم النفخ على بقايا الرماد ليطير و يضيع ! لا اريد منك شيئا ، فقط إبتعدي .. إبتعدي حتى أخر الدنيا و إتركيني أقضم بعضي بعضا ، رجاءا إجعلي مني خيالا و لا تقتربي حدوي كي أحاول أن أنسى .. أو أتناسى فقط بالأحرى ،!
: تتدللين !
نطق بها بريق جف و يبس ، لتعود هي فتغرس بصدره اناملها و تحط كومة الرماد التي كانت قبل قليل قلبا ، تعيد بقاياه محلها مدعية البراءة و اللطافة ، : شعندك باقي هنا ؟ ألن اخاف اكو نقوصات حباب تعال ترة كل الامور انتة تعرفها
: ماشي ، هسة جاي
بـ جفاء نطق كي تبتعد ، فصار يحفظها و يعلم جيدا انها لا تحتمل ان تعامل بـ برود و سرعان ما تستل نفسها من موقف كهذا ! و بالفعل لم تخيب ظنه الصغيرة و ابتعدت بملامح منزعجة نوعا ما ، قليلا و وصله صوت ضحكات رفيقاتها و هي معهن قبل أن يختفي كل همس لدخولهن القاعة ، زفر بـ غيظ ذاتي بشكل متكرر و التفت حيث المواقف ، إحدى يديه بجيب بنطاله و الاخرى يمسح بها ذقنه المشعث .. والله لن تكفيه ساعات بل يحتاج دهرا كي يستعيد ذاته ، على حين غفلة منه أتاه صوتا قويا خشنا من الخلف ، بحدة و شراسة اعتدها و لم يعتدها : ألــــن ، شعــندك ويية البنيييية ؟؟!!
.
.
.
نهآيةْ الإدانة الثآلِثةْ عَشرْ
.[COLOR="rgb(112, 128, 144)"]
إن تأخرتْ فإلتمسوا ليِ عُذراً أحبتيِ أرجُوكمْ
و أعدكمْ بمحآولاتٍ شتى َ لأكونْ بالقُربِ
إن طالَ الإنتظآر لنْ يُدرك أحبةْ حُلمْ المَلل و لا اليأس
أثقُ بِكمْ أنا
حُلمْ[/COLOR]
|