لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > المنتدى العام للقصص والروايات > القصص المهجورة والغير مكتملة
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

القصص المهجورة والغير مكتملة القصص المهجورة والغير مكتملة


إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-09-13, 05:00 PM   المشاركة رقم: 11
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2013
العضوية: 257857
المشاركات: 33
الجنس أنثى
معدل التقييم: عاشقة القصص1 عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 40

االدولة
البلدAlgeria
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عاشقة القصص1 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عاشقة القصص1 المنتدى : القصص المهجورة والغير مكتملة
افتراضي رد: رواية أن لي (كاملة )

 

الحلقةالحاديةعشرة
**********








و أنا استفيق من النوم ، و أشعر بنعومة الوسادة تحت خدي ، و سمك و دفء البطانية فوق جسدي ، و النور يخترق جفني ...
بقيت مغمض العينين ...
حركت يدي فوق الفراش الدافئ الواسع ، و الوسادة الناعمة و أخذت أتحسسهما براحة و سعادة ...
ابتسمت ، و يدي لا تزال تسير فوق الفراش ، و البطانية ، و الوسادة مداعبة كل ما تلامس !
أخذت نفسا عميقا و أطلقته مع آهة ارتياح و رضا ...
كم كان النوم لذيذا ! و كم كنت أشعر بالكسل ! و الجوع أيضا !
آه ... ما أجمل العودة إلى البيت ... و الأهل ...
فتحت عيني ببطء ، و أنا مبتسم و مشرق الوجه
و على أي شيء وقعت أنظاري مباشرة ؟؟
على وجه أمي !
كانت والدتي تجلس على مقعد جواري ، و تنظر إلي ، و دمعة معلقة على خدها الأيمن ، فيما فمها يبتسم !
جلست بسرعة ، و قد اعتراني القلق المفاجئ و زالت الابتسامة و السعادة من وجهي ، و قلت باضطراب :

" أماه ! ماذا حدث ؟؟ "

والدتي أشارت بيدها إلي قاصدة أن أطمئن ، و قالت :

" لا لا شيء ، لا تقلق بني "

لكنني لم أزل قلقا ، فقلت مرة أخرى :

" ماذا حدث ؟؟ "

هزت أمي رأسها و مسحت دمعتها و زادت ابتسامتها و قالت :

" لا شيء وليد ، أردت فقط أن أروي عيني برؤيتك "

ثم انخرطت في البكاء ...
نهضت عن سريري و أقبلت ناحتها و قبلت رأسها و عانقتها بحرارة ...

" لقد عدت أخيرا ! لا شيء سيبعدني عنكم بعد الآن "




~ ~ ~ ~ ~ ~ ~





طبعا لم يستطع أحدنا النوم تلك الليلة ، غير وليد !
نام وليد في غرفة سامر ، إذ لم يكن لدينا أي سرير احتياطي أو غرفة أخرى مناسبة .
أنا لا أستطيع أن أصدق أن وليد قد عاد !
لقد آمنت بأنه اختفى للأبد
كنت اعتقد بأنه فضل العيش في الخارج حيث الأمان و السلام على العودة لبلدنا و الحرب و الدمار ...
لكنه عاد ... و بدا كالحلم !
لا يزال طويلا و عريضا ، لكنه نحيل !
كما أن أنفه قد تغير و أصبح جميلا !
البارحة لم أتمالك نفسي عندما رأيته أمام عيني ...
كم تجعلني هذه الذكرى أبتسم و أتورد خجلا !

" رغد ! كم من السنين ستقضين في تقليب البطاطا ! لقد أحرقتها ! "

انتبهت من شرودي الشديد ، على صوت دانة ، و حين التفت إليها رأيتها تراقبني من بعد ، و قد وضعت يديها على خصريها ...

ابتسمت و قلت :

" ها أنا أوشك على الانتهاء "

دانة حدقت بوجهي قليلا ثم قالت :

" لقد احمر وجهك من طول وقوفك قرب النار ! هيا انتشليها و انتهي ! "

أنا اشعر بأن خدي متوهجان ! و لكن ليس من حرارة النار !
انتهيت من قلي البطاطا ثم رتبتها في الأطباق الخاصة.
مائدتنا لهذا اليوم شملت العديد من الأطباق التي كان وليد يحبها
والدتي أصرت على إعدادها كلها ، و جعلتنا نعتكف في المطبخ منذ الصباح الباكر !
ربما كان هذا الأفضل فإن أحدنا لم يكن لينام من شدة الفرح ...
و الآن هي بالتأكيد في غرفة سامر !

" دانه "

كانت دانة تقطع الخضار لتعد السلطة ، و التفتت إلي بنفاذ صبر و قالت :

" نعم ؟؟ "

قلت :

" هل كان وليد يفضل عصير البرتقال أم الليمون ؟؟ "

رفعت دانة رأسها نحو السقف لتفكر ، ثم عادت ببصرها إلي و هزت رأسها أسفا :

" لا أذكر ! حضّري أيا منهما "

قلت :

" أريد تحضير العصير الذي يفضله ! تذكري يا دانة أرجوك "

رمقتني بنظرة غضب و قالت :

" أوه رغد قلت لك لا أذكر ! اسألي أمي "

وقفت أفكر لحظة ، و استحسنت الفكرة ، فذهبت مسرعة نحو غرفة سامر !
في طريقي إلى هناك صادفت والدي ...

" إلى أين ؟ "

استوقفني أبي ، فقلت بصوت منخفض :

" أريد التحدث مع أمي "

ابتسم أبي و قال :

" إنها عند وليد ! "

تقدمت خطوة أخرى باتجاه غرفة سامر ، إلا أن أبي استوقفني مرة أخرى

" رغد "

التفت إليه

" نعم أبي ؟؟ "

لم يتكلم ، لكنه رفع يده اليمنى و بإصبعه السبابة رسم دائرة في الهواء حول وجهه
و فهمت ماذا يقصد ...
انعطفت نحو غرفتي ، و ارتديت حجابا و رداءا ساترا ، ثم قدمت نحو غرفة سامر و طرقت الباب طرقا خفيفا ...
سمعت صوت أمي يقول :

" تفضل "

ففتحت الباب ببطء ، و أطللت برأسي على الداخل ... فجاءت نظراتي مباشرة فوق عيني وليد !
رجعت برأسي للوراء و اضطربت ! و بقيت واقفة في مكاني ...
أقبلت أمي ففتحت الباب

" رغد ! أهلا ... أهناك شيء ؟؟ "

قلت باضطراب :

" العصير ! أقصد الليمون أم البرتقال ؟ "

أمي طبعا نظرت إلي باستغراب و قالت :

" عفوا ؟!! "

كان باستطاعتي أن أرى وليد واقفا هناك عند النافذة المفتوحة ، لكني لا أعرف بأي اتجاه كان ينظر !

" هل أصنع عصير الليمون أم البرتقال ؟؟ "

ابتسمت والدتي و قالت :

" كما تشائين ! "

قلت :

" ماذا يفضل ؟؟ "

و لم أجرؤ على النطق باسمه !
والدتي التفتت نحو وليد ، و كذلك فعلت أنا ، فالتقت أنظارنا لوهلة ...

قالت أمي :

" ماذا تفضل أن تشرب اليوم ؟ عصير البرتقال أم الليمون ؟ أم كليهما ؟ "

ابتسم وليد و قال :

" البرتقال قطعا ! "

ثم التفتت والدتي إلي مبتسمة ، و قالت :

" هل بقي شيء بعد ؟ "

" لا ... تقريبا فرغنا من كل شيء ، بقي العصير ... و السلطة "

" عظيم ، أنا قادمة معك "

ثم استأذنت وليد ، و خرجت و أغلقت الباب .
و عندما ذهبنا للمطبخ ، وجدنا سامر هناك ، و كان قد عاد لتوه من الخارج حيث أحضر بعض الحاجيات ...
بادلانا بالتحية ثم سأل :

" ألم ينهض وليد ؟ "

قالت أمي :

" بلى ! استيقظ قبل قليل "

" عظيم ! أنا ذاهب إليه "

و ذهب سامر مسرعا ، فهبت دانة واقفة و رمت بالسكين و قطعة الخيار التي كانت بيدها جانبا و قالت بانفعال :

" و أنا كذلك "

و لحقت به و هي تقول موجهة كلامها إلي :

" أتمي تحضير السلطة ! "

و في ثوان كانا قد اختفيا ...

ماذا عني أنا ؟؟
أنا أيضا أريد أن أذهب إليه .... !
نظرت إلى أمي فقالت :

" أنا سأقطع الخضار ، حضري أنت العصير ...




~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~





قبل قليل ، جاءت رغد و وقفت عند باب الغرفة لعدة ثوان ...
أظن أنها جاءت تسال والدتي عن عصيري المفضل !
يبدو أنها نسيت ذلك ... لطالما كنت آخذها معي إلى في نزهة بالسيارة ، نتوقف خلالها لتناول البوضا أو عصير البرتقال ، أو حتى أصابع البطاطا المقلية !
يا ترى ... ألا تزال تحبها كما في السابق ؟؟
طرق الباب ، ثم دخل أخي سامر و دانة ...
أقبل الاثنان نحوي يحييانني و يعانقانني من جديد ...

قال سامر :

" أحضرت لك بعض الملابس يا أخي ! إنك بحاجة إلى حمام طويل جدا ! "

ابتسمت بشيء من الخجل ، فأنا أعرف أن هندامي كان سيئا ... و شعري طويلا ... و لحيتي نابتة عشوائيا بلا نظام ، و الملابس التي اشتراها لي سيف على عجل خالية من الجمال و الأناقة !

قلت :

" هل أبدو مزريا ؟؟ "

ضحكت دانة و قالت :

" بل تبدو كأحد نجوم السينيما الأبطال ! "

ضحكنا نحن الثلاثة ، ثم قلت :

" بطل بلا عضلات !؟ لا أناسب حتى لدور مجرم ! "

و جفلت للكلمة التي خرجت من لساني دون شعور ... ( مجرم ) ... ألست كذلك ؟؟
لكن أحدا لم يلحظ تغير تعابير وجهي ، بل استمرت دانة تقول :

" بل بطل ! أليس كذلك يا سامر ؟ إنه ليس رأيي وحدي بل هذا ما تقوله رغد أيضا ! "

أثارت جملتها هذه اهتمامي البالغ ، هل قالت رغد عني ذلك حقا ؟ هل أبدو كذلك في نظرها ؟
تعلمون كم يهمني معرفة ذلك !
لقد كانت تعتبرني شيئا كبيرا عاليا في الماضي ، و الآن بعدما كبرت ... ترى ماذا أصبحت أعني لها ؟؟
فيما بعد ، نعمت باستحمام طويل و مركز !
نظفت جسدي و ذاكرتي من كل ما علق بهما من أيام السجن ... و بلاء السجن ...
بدوت بعدها ( شخصا محترما ) ، إنسانا مكرما ... رجلا يستحق الاهتمام ....

حينما حضر سامر للغرفة بعد ذلك ، أطلق صفرة حادة مداعبا !

" ما كل هذه الوسامة يا رجل ! بالفعل كأبطال السينيما ! "

ابتسمت ، ثم قلت :

" يجب أن تصحبني إلى الحلاق اليوم لأقص شعري ! "

قال :

" أبقه هكذا يا رجل ! تبدو جذابا به ! "

ضحكنا كثيرا ، ثم خرجت معه من الغرفة فإذا بي أرى أمي و أبي يقفان في الردهة ...
ابتسما لرؤيتي ، و تبادلنا حديثا قصيرا ، ثم ذهبنا أنا و أبي و سامر لتأدية صلاة الظهر في المسجد .
عندما عدنا ، و ما أن وطأت قدمي أرض مدخل المنزل ، حتى هاجمت أنفي روائح أطعمة شهية جدا !
أخذت نفسا عميقا متلذذا بالرائحة الرائعة !
ظهرت أمي ، و قادتنا إلى غرفة المائدة ...
و ذهلت للأطباق الكثيرة التي ملأت المائدة عن آخرها ...

" أوه ! كل هذا !؟ "

نظرت إلى أمي بتعجب ، فابتسمت و قالت :

" تفضل بني بالهناء و العافية "

لا أخفيكم أن معدتي كانت تستصرخ !
انقبضت مصدرة نداء استغاثة ، ثم توسعت أقصى ما أمكنها استعدادا للكميات الكبيرة التي أنوي التهامها !

في هذه اللحظة تذكرت صديقي سيف ، قلت :

" سيف ! يجب أن اتصل بسيف ! "

و ذهبت إلى حيث يجلس الهاتف بسكون ، و اتصلت به في الشقة حيث كنا
اعتذر سيف عن الحضور و قال أنه لا يود التسبب بأي حرج على أفراد العائلة في هذا الوقت ، لكنه وعد بالحضور مساء ...
اتخذت مجلسي حول المائدة ، على يمين والدتي ... ، فيما سامر إلى يسار والدي . و أخيرا أقبلت الفتاتان ، دانة و رغد ... فجلست دانة إلي يمين والدي ، و بقي الكرسي الأخير ... المقابل لي شاغرا ...
أقبلت رغد فجلست مقابلي على ذلك الكرسي ، و اتضح لي فيما بعد أنني جلست على الكرسي الذي تجلس هي عليه في العادة !
كانت ترتدي رداءا طويلا ، و حجابا .
لا أخفيكم أنني كنت أشعر بشيء كلسعة الكهرباء كلما التقت نظراتنا عفويا
إنها صغيرتي رغد !
محبوبتي المدللة التي حرمت من رؤيتها و العناية بها لثمان سنين ...
تعرفون ما تعني لي ...
و قد كبرت و لم يعد بإمكاني مداعبتها كالسابق ...
إنني أريد أن أطعمها هذه البطاطا المقلية بيدي !
إنني أشعر بأنها تراقبني !
ليست هي فقط ... بل الجميع يراقبني
إنني رغم شهيتي العظمي للطعام تصرفت بلباقة و تهذيب ، و أكلت بنفس السرعة التي بها يأكلون ....
و لكن لوقت أطول ... و لكميات أكبر !
ما أشهى أطباق أمي !
كل شيء يبدو لذيذا جدا ... حتى الماء ...
لم أذق للماء طعما منذ ثمان سنين ...
و هل للماء طعم ؟؟
أنا أعتبر نفسي دخلت الجنة بخروجي من ذلك الجحيم ... السجن ...
الحمد لله ...

أمور كثيرة قد تحدثنا عنها إلا أن السجن لم يكن من ضمنها مطلقا
كما و أنني لم أكن مقبلا على الحديث ، بل الاستماع ... و علمت عن أشياء كثيرة و تطورات جديدة حدثت في البلاد و الحياة خلال سنوات غيابي .
و كانت رغد أقلنا حديثا ، بل إنها بالكاد تنطق بكلمة أو كلمتين من حين لآخر
كنت أريد أن أتحدث معها ...
أسألها عما عملت في غيابي ...
أمسك بيديها ...
أمسح على شعرها ...
أضمها إلي ...
كما كنت أفعل سابقا ... فهي طفلتي التي اشتقت لها كثيرا جدا جدا ... أكثر من شوقي لأي شخص آخر ...
لست بحاجة لوصف المزيد فأنتم تعرفون ...
لكنها الآن أمامي فتاة بالغة ترتدي الحجاب ... لا أجرؤ حتى على إطالة النظر إليها أكثر من بضع ثوان ...
هل تتصورون كيف هو شعوري الآن ؟؟
لقد قضيت ثمان سنوات من العذاب... تغير في الدنيا خلالها ما تغير ، إلا أن حبي لهذه الفتاة لم يتغير ... و إن لم أعد الماضي الجميل و علاقتي الرائعة بها فسوف أصاب بالجنون !

قلت ، في محاولة مستميتة لإحياء الماضي الميت و إشعارها و إشعار نفسي بأن شيئا لم يتغير :

" رغد ... صغيرتي ... إلى أين وصلت في الدراسة ؟ "

رغد رفعت بصرها إلي في خجل ، و قد تورد خداها ، و قالت :

" أنهيت الثانوية ! و سوف ألتحق بإحدى الكليات العام المقبل "

ابتسمت بسعادة ! فطفلتي الصغيرة ستدخل الجامعة !

" عظيم ! مدهش ! أبهجتني معرفة ذلك ! وفقك الله "

ابتسمت رغد بخجل شديد ، ثم قالت :

" و أنت ؟ هل أنهيت دراستك أم لا زال هناك المزيد بعد ؟؟ "

تصلبت تماما لدى سماعي هذا السؤال ...
و نقلت بصري إلى أمي ... أبي ... سامر ... و دانة ...
و علامات الذهول صارخة في وجهي ...

أبى قال مرتبكا :

" يكفي لحد الآن ! هل تظنين أننا سنتركه يغادر ثانية ! مستحيل "

نظرت إلى أمي و سامر ، فإذا بهما يتحاشيان النظر إلي ...
أما دانة فكانت مشغولة بتقطيع الطعام و مضغه ...
و رغد ، حين عدت ببصري إليها وجدتها تبتسم ...
شعرت باستياء كبير لهذه الحقيقة التي فاجؤوني بها ...
لم يبد على رغد أنها تعلم ... أنني كنت في السجن !
هل أخبروها بأنني سافرت لأدرس ؟؟
ألم أطلب أنا منهم ذلك ؟
ألا يزالون محتفظين بالسر ؟؟

انزعجت كثيرا لاستنتاج ذلك ، و فقدت شهيتي لتناول المزيد ...
لكنني شربت حصتي من عصير البرتقال كاملة ، لعلمي المسبق بأن رغد هي التي حضرته ...
بعد الغذاء ذهبت مع أهلي في جولة داخل المنزل لأتعرف على أجزائه ، و كان موضوع جهل رغد بأمر سجني يسيطر على تفكيري ... و يتعسني ...

و انتهزت أول فرصة سنحت لي فسألت والدي :

" ألا تعلم رغد بأنني ... كنت في السجن ؟؟ "

والدي تردد قليلا ثم أجاب :

" لم يكن بإمكاننا إخبارها بشيء كهذا ذلك الوقت ... ثم كبرت ... و دانة ... و لم نجد داعيا لإعلامهما بالحقيقة "

غضبت كثيرا من هذا التصرف ، فأنا الآن وضعت في وجه المدفع ... لا أعرف كيف ستتصرف رغد حين تعلم بالأمر ... و لا حتى دانة ...

الاستياء كان واضحا على وجهي ، فقال أبي :

" هون عليك يا وليد ... نتحدث عن ذلك فيما بعد "

كان الأمر شديد الأهمية بالنسبة لي ...
في المساء ، كنت أشاهد التلفاز مع والدي و والدتي في غرفة المعيشة ، ثم أردت الاتصال بصديقي سيف لأؤكد عليه الحضور
لم أشأ استخدام الهاتف الذي يقع فوق التلفاز مباشرة لذلك خرجت من غرفة المعيشة و توجهت نحو المطبخ ... و هو الأقرب إلى الغرفة ..
لقد كان الباب مغلقا ، لذا طرقته أولا ...

فتح الباب قليلا و ظهرت دانة

" أهلا وليد! أتريد شيئا ؟؟ "

" أردت استخدام الهاتف "

ابتسمت دانة و قالت :

" اذهب إلى غرفة المعيشة أو الضيوف !"

استغربت ، فقلت :

" هاتف المطبخ لا يعمل ؟ "

ابتسمت مجددا و قالت :

" بلى ! لكن رغد بالداخل ! "

شيء أثار جنوني ... فقبضت يدي بقوة ... و قهر
بعد أن كانت رفيقتي أينما ذهبت ، أصبحت ممنوعا من الدخول إلى حيث توجد هي ...
لن يستمر الوضع هكذا لأنني سأجن حتما ...
لسوف أتحدث مع أبي بهذا الشأن في أقرب فرصة ... لا ... بل الآن !
و استدرت قاصدا غرفة الضيوف إلا أنني وقفت فجأة و بذهول ... حين رأيت باب المطبخ يتحرك ، و يفتح ، و يخرج سامر منه !
خرج سامر مبتسما و أغلق الباب ، و بقيت محملقا فيه بذهول ...

سامر نظر إلي و ابتسم و قال :

" غرفة الضيوف من هنا "

أنا بقيت واقفا مصعوقا ... و أخيرا تحرك لساني المعقود فقلت :

" رغد ... بالداخل ؟؟ "

أجاب مبتسما :

" نعم ! ... لم تجلب الحجاب معها "

جننت ، و لم أعد قادرا على فهم شيء أو تصور شيء !
ببلاهة و اضطراب و تشتت فكر قلت ، و أنا أشير بإصبعي إلى سامر :

" لكن ... أنت ... ؟؟؟ "

سامر رفع حاجبيه و فغر فاه بابتسامة استنتاج ، كمن فهم و أدرك لتوه أمرا لم ينتبه له من قبل ...

" آه ! تقصد أنا ... ؟؟ نعم ... فـ... نحن ... "

و ضحك ضحكة خفيفة ، ثم أتم الجملة التي قضت على آخر آخر ما كان في ّ من بقايا فتات وليد :

" نحن ... مخطوبان ! "

 
 

 

عرض البوم صور عاشقة القصص1   رد مع اقتباس
قديم 03-09-13, 05:07 PM   المشاركة رقم: 12
المعلومات
الكاتب:
اللقب:

البيانات
التسجيل: Sep 2013
العضوية: 257857
المشاركات: 33
الجنس أنثى
معدل التقييم: عاشقة القصص1 عضو بحاجه الى تحسين وضعه
نقاط التقييم: 40

االدولة
البلدAlgeria
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عاشقة القصص1 غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عاشقة القصص1 المنتدى : القصص المهجورة والغير مكتملة
افتراضي رد: رواية أن لي (كاملة )

 

لقد قضيت اليوم بكامله في المطبخ !
فبعد وجبة الغذاء العظيمة التي أعددناها صباحا ، الآن نعد وجبة عشاء من أجل وليد و صديقه الذي سيتناول العشاء في منزلنا .
إنني أشعر بالتعب و أريد أن أنام ! لكن دانة لي بالمرصاد ، و كلما استرخيت قليلا طاردتني بقول :

" أسرعي يا رغد ! الوقت يداهمنا ! "

كان سامر يساعدنا و لكنه خرج قبل لحظة ، و الآن أستطيع أن أتحدث عن وليد دون حرج !!

" أخبريني يا دانة ، ما هو التخصص الذي درسه وليد ؟؟ "

دانة منهمكة في صف الفطائر في الصينية قبل أن تزج بها داخل الفرن ...

قالت :

" أعتقد الإدارة و الاقتصاد ! "

صمت قليلا ثم قلت :

" و أي غرفة سنعد له ؟ أظنها غرفة الضيوف ! فالبيت صغير ... ألا توافقينني ؟ "

قالت :

" بلى "

انتظرت بضع ثوان ثم عدت أسأل :

" ألا يبدو أنه قد نحل كثيرا ؟ ألم يكن أضخم في السابق ؟ "

قالت :

" بلى ... كثيرا جدا ! لابد أنه لم يكن يأكل جيدا هناك "

قلت :

" أ رأيت كيف التهم البطاطا التي أعددها كلها ؟ لابد أنها أعجبته ! "

التفتت دانة إلي ببطء و قالت :

" و كذلك أكل السلطة التي أعددتها ، و الحساء الذي أعدته أمي ، و الدجاج و الرز و العصير و كل شيء ! بربك ! هل تعتقدين أن طبقك المقلي هذا هو طبق مميز ! "

قلت مستاءة :

" أنت دائما هكذا ! لا يعجبك شيء أصنعه أنا "

انصرفت دانة عني لتضع صينية الفطائر داخل الفرن ، و ما أن فرغت حتى بادرتها بالسؤال :

" ألا يبدو أقرب شبها من أبي ؟ فأنت و سامر تشبهان أمي ! "

قالت :

" لا أعرف ! "

ثم التفتت إلي و قالت :

" و أنت ِ !؟ من تشبهين ؟؟ "

صمت قليلا ، ثم قلت :

" ربما أمي المتوفاة ! "

لكنها قالت :

" لا ! تشبهين بل شخصا آخر ! "

سألت باهتمام :

" من ؟؟ "

ابتسمت بخبث و قالت :

" الببغاء ! فأنت ثرثارة جدا ! "

رميت بقطعة من العجين ناحيتها فأصابت أنفها ، فأطلقتُ ضحكة كبيرة !
أما هي فقد اشتعلت غضبا و أقبلت نحوي متأبطة شرا !
تركت كرة العجين التي كنت ألتها من يدي و ذهبت أركض مبتعدة و هي تلاحقني حتى اقتربت من الباب و كدت أفتحه

" انتظري ! وليد بالخارج "

أوقفت يدي قبل أن تدير المقبض و التفت إليها و قلت :

" صحيح ؟؟ "

قالت :

" نعم فهو من طرق الباب قبل لحظة ، دعيني أستوثق من انصرافه أولا "

تنحيت جانبا ، منتظرة منها أن تفتح الباب ، فأقبلت نحوي و على حين غرة ، و بشكل مفاجئ ، ألصقت قطعة العجين على أنفي و ضحكت بقوة و ركضت مبتعدة قبل أن أتمكن من الفرار منها !
أنا فتحت الباب بسرعة لأهرب لكن بعد فوات الأوان !
و تخيلوا من لمحت في الثانية التي فتحت الباب فيها ثم أغلقته بسرعة ؟؟
لقد كان وليد !
كم شعرت بالإحراج و الخجل و ابتعدت عن الباب في اضطراب
لا بد أنه رآني هكذا ... و قطعة العجين ملتصقة بأنفي ! أوه يا للموقف المخجل !
نزعت العجين و رميت به نحو دانة و أنا أقول :

" لماذا تقولي لي أن وليد خلف الباب ؟؟ "

رفعت دانة حاجبيها و قالت :

" بلى قلت لك ! "

" ظننتك تمزحين للإيقاع بي ! لقد رآني هكذا ! "

دانة ابتسمت ابتسامة صغيرة ، ثم قالت :

" أنت و وليد مشكلة الآن ! يجب ألا تغادري غرفتك بعد اليوم ! "

قلت :

" شكرا لك ! إذن أتمي تحضير الفطائر و أنا سأذهب للنوم ! "

في هذه اللحظة فتح الباب فدخل سامر ...

نظر مباشرة إلي و قال :

" ذهب إلى غرفة الضيوف ، إن كنت تودين الخروج "

نظرت إلى دانة ثم إلى سامر ، و الحمرة تعلو خدّيّ و قلت بمكر :

" نعم سأذهب ! "

و انطلقت مسرعة نحو غرفتي ...

غير آبهة بنداءات دانة المتكررة !
بعد أن غسلت وجهي و يدي في الحمام المشترك بين غرفتي و غرفة دانة توجهت نحو سريري و استلقيت باسترخاء
كم كنت متعبة !
إنني لم أنم البارحة كما ينبغي و عملت كثيرا في المطبخ
و للعلم ، فإن العمل في المطبخ ليس أحد هواياتي ، فأنا لا أهوى غير الرسم ، لكنني أردت المساعدة ...
تقلبت على سريري يمينا و يسارا و أنا أفكر ...
ما الذي سيقوله وليد عني !؟
فالفتيات البالغات لا يغطين أنوفهن بقطع العجين !
إلا إذا كانت طريقة جديدة لترطيب البشرة و تغذيتها !
شعرت بالدماء تصعد إلى وجهي بغزارة ... لابد أن وجهي توهج الآن ... لم لا ألقي نظرة !
قفزت من السرير و أسرعت نحو المرآة ... و رأيت حمرة قلما أرى لها مثيلا على وجهي هذا !
أبدو جميلة ! و لابد أنني مع بعض الألوان سأغدو لوحة رائعة !
نزلت ببصري للأسفل و فتحت أحد الأدراج ، قاصدة استخراج علبة الماكياج بفكرة جنونية لتلوين وجهي هذه اللحظة !
الشيء الذي وقعت عليه يدي بمجرد أن أدخلتها داخل الدرج كان جسما معدنيا باردا .. أمسكت به و أخرجته دون أن أنظر إليه ثم رفعت به نحو عيني ّ مباشرة ...
إنها ساعة وليد ...
نسيت فكرتي السخيفة بوضع المساحيق ، و عدت حاملة الساعة إلى سريري و استلقيت ببطء
الآن .. الفكرة التي تراودني هي إعادة هذه الساعة لوليد ...
لابد أنه سيفاجأ حين يراها ... و يعرف أنني ظللت محتفظة بها و أرتديها أيضا خلال السنوات الماضية !
قمت فجأة عن سريري و ارتديت ردائي و حجابي و طرت مسرعة للخارج
دعوني أخبركم بأنني قلما أفكر في الشيء مرتين قبل أن أقدم عليه !

لقد أخبرني سامر أنه في غرفة الضيوف و مع ذلك مررت بغرفة سامر ، ثم غرفة المعيشة ، و بالطبع تجنبت المطبخ ، قبل أن أذهب إلى غرفة الضيوف حاملة ساعة وليد بيدي ...
حين وصلت عند الباب ، و كان مفتوحا ، استطعت أن أرى من بالداخل ، و لم يكن هناك أحد غيره ...
وليد كان جالسا على أحد المقاعد ، بالتحديد المقعد المجاور للمنضدة التي تحمل الهاتف و قد كان مثنيا جدعه للأمام و مسندا رأسه إلى يديه ، و مرفقيه إلى ركبتيه في وضع يشعر الناظر بأنه ... حزين
طرقت الباب طرقا خفيفا ، ألا أنه لم يسمعه
فأعدت الطرق بشكل أقوى و أقوى ، حتى رفع رأسه ببطء و نظر إلي ...
و ما أن التقت أنظارنا حتى علت وجهه تعابير غريبة و مخيفة ...
بدت عيناه حمراوين و جاحظتين و مفتوحتين لحد تكادان معه أن تخرجا من رأسه !
و لمحت زخات العرق تقطر من جبينه العريض
حملق وليد بي بشدة أثارت خوفي ... فرجعت خطوة للوراء ... و حالما فعلت ذلك وقف هو فجأة كمن لدغته أفعى !
أنا ازدردت ريقي بفزع ثم حاولت النطق فجاءت كلماتي متلعثمة :

" كنت ... أعني ... لدي شيء أود إعطائك إياه ... "

وليد ظل واقفا في مكانه كالجبل يحدّق بي بحدّة ... ربما أزعجه أن أحضر بمفردي ... أو ربما ... ربما ...

لم أستطع حتى إتمام أفكاري المبعثرة لأنه تقدم خطوة ، ثم خطوة ، تلو خطو باتجاهي
لقد كنت أمسك بالساعة في يدي اليمنى ، و لا شعوريا تحركت يدي للخلف و اختبأت بالساعة خلف ظهري ...
لا أظن أن وليد رآها و لكن ...
حين صار أمامي مباشرة ، مد يده بسرعة و انقض على يدي اليمنى و سحبها للأمام بعنف
ارتعدت أطرافي و جفلت !
وليد قرّب يدي من عينه و أخذ يحدق بها بنظرات مخيفة و قاسية ، فيما يشد بقبضته عليها حتى يكاد يهشم عظامها ...

نطق لساني بفزع و اضطراب :

" أنا ... لم ... كنت ... سأعيدها إليك ! "

وليد ظل قابضا على يدي بقوة ، و يحدّق في عيني بنظرات تكاد تخترق عيني و رأسي و الجدار الذي خلفي ...

في تلك العيون الحمراء القادحة بالشرر ... رأيت قطرات الدموع تتجمع ... ثم تفيض ... ثم تنسكب ... ثم تشق طريقها على الخد العابس ... ثم تنتهي عند الفك المنقبض ...

لقد تهت في بحر هذه العيون و غرقت في أعماقها ...

أخذتني إلى ذكرى قديمة موجعة ... حاولت جهدي أن ألغيها من ذاكرتي ... فرأيت وليد و هو يبكي بمرارة و شدة ذلك اليوم و هو جاث ٍ فوق الرمال قرب السيارة ..
يمد يده إلي و يقول :

" تعالي يا رغد "

" وليد ... "

نطقت باسمه فإذا به يغمض عينيه بقوة و يعض على أسنانه بشدة .. و يشدد قبضته على يدي و يؤلمني ...

بعدما فتح عينيه ، ظل يحدق في يدي قليلا ، ثم فجأة انتزع الساعة من بين أصابعي و رمى بها نحو الجدار و زمجر بقوة :

" انصرفي "

أنا انتفضت بذعر ... و ارتجفت جميع أطرافي ... فتحركت خطوة للوراء ... ثم انطلقت بأقصى ما أمكنني ... و بأوسع خطى ... و ذهبت إلى غرفتي ... فدخلت و أغلقت الباب بل و أوصدته مرتين ، ثم تهالكت على سريري ...

كان قلبي ينبض بسرعة عجيبة و أنفاسي تعصف رئتي بقوة ... و أنظر إلى يدي فأراها ترتعش ... فيما تشع احمرارا أثر قبضة وليد القوية عليها ...

بعدما هدأت قليلا اقتربت من المرآة فهالني المظهر الذي كساني
أصبحت مرعبة !
ألم أكن جميلة قبل قليل ؟؟
لا أعرف لماذا فعل وليد ذلك ...
هل غضب لأنني ظهرت من المطبخ و العجين يغطي أنفي ، فبدوت كطفلة غبية ؟؟
أم لأنني لم أكن ارتدي الحجاب وقتها ؟؟
أم ماذا ؟؟

و جعلت الأفكار تلعب في رأسي حتى أتعبته ...
الساعة !
لقد حطّمها !
لقد احتفظت بها كل هذه السنين لأعيدها إليه ... لماذا فعل ذلك ؟؟ لماذا ؟؟

شعرت بشيء يسيل على خدي رغما عني
بكيت من الذعر و الخوف ... و الحيرة و الدهشة ...
لا أعرف كيف سيكون لقاؤنا التالي ...
لم يعد هذا وليد !
وليد لم يكن يصرخ في وجهي و يقول :

" انصرفي "

كان دائما يبتسم و يقول :

" تعالي يا رغد !! "




~ ~ ~ ~ ~ ~ ~





رميت بجسدي المثقل بالهموم على أقرب مقعد للباب .. و أطلقت العنان لشلالات الدموع لأن تعبر عن قسوتها بالقدر الذي تشاء

لم يكن أمامي شيء يرى ... أو يسمع .. أو يثير أي اهتمام
لا شيء يستحق أن أعيش لأجله ... بعدما فقدت أهم شيء عشت على أمل العودة إليه حتى هذه اللحظة
رفعت رأسي إلى السقف و أردت لأنظاري أن تخترقه و تنطلق نحو السماء ...

يا رب ...

لقد كانت لدي أحلامي و طموحي منذ الصغر ...
و أمور ثلاثة كانت تشغل تفكيري أكثر من أي شيء آخر ...
الحرب ، و ها قد قامت و تدمر ما تدمر ، و لم يعد يجدي القلق بشأن قيامها
الدراسة ، و ها قد انتهت و ضاعت ... و قضيت أهم سنوات عمري في السجن بدلا من الجامعة ... و انتهى كل شيء و لم يعد يقلقني التفكير فيه ...
و رغد ...
رغد ..
أول و آخر و أهم أحلامي ...
رغد الحبيبة ... مدللتي التي رعيتها منذ الصغر ...
و راقبتها و هي تنمو و تكبر ...
يوما بعد يوم ...
و قتلت عمار انتقاما لها ...
و قضيت أسوأ و أفظع سنوات حياتي حتى الآن ... في السجن
منفيا مبعدا مهجورا معزولا عن الأهل و الدنيا و الحياة ... و نور الشمس ...
و ذقت الأمرين ... و سهرت الليالي و أنا أتأمل صورتها و أعيش على الأمل الأخير لي ... بالعودة إليها و لو بعد سنين ...
أعود فأراها مخطوبة لغيري !
و من ؟؟
لشقيقي ..؟؟
يا رب
رحمتك بي
فانا لست حملا لكل هذا
و لم يعد بي ذرة من القوة و الاحتمال ...

كنت أبكي بحرقة و لا أشعر بشيء من حولي ، حتى أحسست بيد تمسك برأسي و تأخذني إلى حضن لطالما حننت إليه ...

" ولدي يا عزيزي ما بك ؟ لماذا تبكي يا مهجة فؤادي ؟"

و أجهشت أمي بكاءا و هي تراني أبكي بحرارة

حاولت أن أتوقف لكنني لم استطع ...
لقد تلقيت صدمة لا يمكن لقلب بشر أن يتحملها ...
رغد !؟
رغد صغيرتي أنا ... أصبحت زوجة لأخي ؟؟
إن الأرض تهتز من حولي و جسدي يشتعل نارا و تكاد دموعي تتبخر من شدة الحرارة ...

لم أجد في جسدي أي قوة حتى لرفع ذراعي و تطويق أمي ... بكيت في حضنها كطفل ضعيف هزيل جريح ... لا يملك من الأمر شيئا ...

بعد فترة من الزمن لا أستطيع تحديدها ، حضر والدي و حالما رآنا أنا و أمي على هذا الوضع قال :

" يكفي يا أم وليد ... دعي ابننا يلتقط أنفاسه أما اكتفيت ؟؟ "

والدتي أخذت تحدق بي بين طوفان الدموع ...
قلت بلا حول و لا قوة و بصوت أقرب إلى النحيب منه إلى الكلام :

" أنا متعب ... متعب جدا ... لقد انتهيت ... انتهيت ... "

و بعد حصة البكاء هذه صعدا بي إلى غرفة سامر ، و جعلاني أضطجع على السرير و هما يقولان :

" ارتح يا بني ... نم لبعض الوقت "

ثم غادرا ...

و أنا مضطجع على الفراش و وجهي ملتف ٌ نحو اليمين ... و دموعي لا تزال تنهمر و تغرق الوسادة ، وقع ناظري على الهاتف ...
مددت يدي و أخذته و استرجعت بصعوبة رقم هاتف الشقة التي يقيم سيف بها و اتصلت به

" يجب أن تحضر الليلة "







بعدها ... جاء سامر يخبرني بأن سيف قد حضر ...
كان سامر يبتسم ، و إن بدت من نظراته علامات القلق ... خصوصا و هو يرى الوجوم الغريب على وجهي الذي كان مشرقا طوال النهار
ذهبت معه إلى حيث كان سيف و والدي يجلسان و يتبادلان الأحاديث ...
لابد أن الجميع قد لاحظ شرودي ... و عدم إقبالي على الطعام ، على عكس وجبة الغذاء التي التهمت حصتي منها كاملة تقريبا

" ما بك لا تأكل يا وليد ؟ كُلْ حتى تسترد الأرطال التي فقدتها من جسمك ! "

أجبت ببرود و بلادة :

" اكتفيت "

و بعد العشاء جلسنا في غرفة الضيوف نشرب الشاي ، و كانوا هم الثلاثة ، أبي و سامر و سيف ، في قمة السعادة و يتبادلون الأحاديث و الضحك ...
أما تفكيري أن فكان متوقفا و جامدا عند اللحظة التي قال فيها آخي :

( نحن مخطوبان )

بعد ساعة ، استأذن سيف للانصراف و أخذ يصافح الجميع و حين أقبل نحوي قلت :

" سأذهب معك "

أبي و سامر تبادلا النظرات ثم حدقا بي ، كما يفعل سيف ... و قالا سوية و باستغراب :

" ماذا ؟؟ "

و أنا لا أزال ممسكا بيد سيف و ناظرا إليه أجبت :

" إذ لا سرير لي هنا ... "

و توقفت قليلا ثم تابعت :

" و لا أريد ترك صديقي وحيدا "

كان سيف يعتزم السفر بعد يوم آخر ، لينال قسطا أوفر من الراحة بعد مشقة الرحلة الطويلة التي قطعناها ...
و انتهى الأمر بأن خرجت معه دون أن أودع غير والدي ، و سامر ...

في السيارة بعد ذلك ، فتحت الخزانة الأمامية و استخرجت علبة السجائر التي كنت قد دسستها بداخلها أثناء تجوالنا
و فتحت النافذة ، ثم أشعلت السيجارة و التفت إلى سيف و قلت :

" أتسمح بأن أدخن ؟؟ "

صديقي سيف لم يكن من المدخنين ، أومأ برأسه إيجابا و فتح نافذته ، و انطلق بالسيارة ...

بقيت صامتا شاردا طوال المشوار ، و لم يحاول سيف خلخلة صمتي بأي كلام
بعد فترة ، و نحن نقف عند الإشارة الأخيرة قبل المبنى حيث نسكن ، و فيما أنا في شرودي و دهليز أفكاري اللانهائي ، قال سيف :

" متى بدأت تدخن ؟؟ "

لم أجبه مباشرة ، ليس لأنني لم أسمعه أو أستوعب سؤاله ، بل لأن لساني لم يكن يدخر أي كلام ...

" السجن يعلّم الكثير ... "

قلت ذلك و ابتسمت ابتسامة ساخرة باهتة شعرت بأن سيف قد رآها رقم تركيزه على الطريق ...
تذكرت لحظتها تلك الأيام ...
و أولئك الزملاء في السجن ...
لماذا أشعر بهم الآن حولي ؟؟
كأني أشم راحة الزنزانة !
ربما أثارت رائحة السيجارة تلك الذكريات السوداء !
و هل يمكن أن أنساها ؟
و هل يعقل أن تختفي و أنا لم أبتعد عنها غير أيام فقط ...؟؟
ليتهم ...
ليتهم قتلوني معك يا نديم ...
ليتنا تبادلنا الأرواح ...
فمت ُّ أنا
و بقيت أنت ... و خرجت لتعود لأهلك و بلدك و أحبابك ...
أنا ... لا أهل لي و لا بد ...
و لا أحباب ...

لمحت الإشارة تضيء اللون الأخضر و أنا أسحق سيجارتي في ( المطفئة)
ثم انطلق وليد بالسيارة ...
أنوار كثيرة كانت تسبح في الظلام ...
مصابيح السيارات القادمة على الطريق المعاكس
مصابيح المنازل
مصابيح الشارع ...
لافتات المحلات الضوئية
نور على نور على نور ...
كم هو أمر مزعج ... لم أعد أرغب في رؤية شيء ...
أتمنى ألا تشرق الشمس يوم الغد ...
أتمنى ألا يعود الغد ...
أتمنى ... ألا أذكر رغد ...

كانت المرة الثانية في حياتي ، التي تمنيت فيها لو أن رغد لم تخلق ...

عندما دخلنا الشقة، و هي مكونة من غرفة نوم و صالة صغيرة و زاوية مطبخ و حمام واحد ... أسرعت الخطى نحو غرفة النوم و دون أن أنير المصباح دخلت و ألقيت بجسدي المخدر أثر صدمة النبأ على أحد السريرين ...

ثوان ، و إذا بسيف يقبل و يشعل المصباح

" كلا .. أرجو أطفئه "

قلت ذلك و أنا أرفع يدي ثم أضعها فوق عيني المغمضتين لأحجب عنهما النور ...
سيف بادر بإطفاء المصباح و بقي واقفا برهة ... ثم أقلق الباب و أحسست به يتقدم ... ثم يجلس فوق السرير الآخر و الموازي لسريري ...

ساد السكون لبعض الوقت ، إلا من ضوضاء تعشش في رأسي بسبب الأفكار التي تتعارك في داخله ...

" ماذا حدث ؟؟ "

سألني سيف بصوت هادئ منخفض ...
لم أجبه ... و مرت دقائق أخرى فاعتقدت أنه حسبني قد دخلت عالم النيام ... لكنه عاد يقول :

" أخبرني ... ، إنك لست على ما يرام "

بعد ذلك أحسست بحركته على السرير المجاور و بصوته يقترب أكثر ...

" وليد ؟؟ "

الآن فتحت عيني قليلا و لدهشتي رأيه يقف عند رأسي و يحدق بي ...
الظلام كان يطلي الغرفة بسواد تام ، إلا عن إضاءة بسيطة تتسلل بعناد من تحت الباب
و يبدو إنها كانت كافيه لتعكس بريق الدموع التي أردت مواراتها في السواد .
لحظة من لحظات الضعف الشديد و الانهيار التام .. توازي لحظة تراقُص الحزام في الهواء ... ثم سكونه النهائي على الرمال ... إلى حيث لا مجال للعودة أو التراجع ... فقد قضي الأمر ...

جلست ، ليست قوتي الجسدية هي التي ساعدتني على النهوض ، و لا رغبتي الميتة في الحراك ، بل الدموع التي تخللت تجويف أنفي و ورّمت باطنه و سدت المعبر أمام أنفاسي البليدة البطيئة ... و كان لابد من إزاحتها ...

تناولت منديلا من العلبة الموضوعة فوق المنضدة الفاصلة بين السريرين و جعلت أعصف ما في جوفي و صدري و كياني ... خارجا

إلى الخارج ...
يا دموعي و آلامي
يا أحزاني و ذكرياتي الماضي
إلى الخارج يا حبي و مهجة قلبي
إلى الخارج يا بقايا الأمل
إلى الخارج يا روحي ...
و كل ما يختزن جسمي من ذرات الحياة ....
و إلى الخارج ...
يا اعترافات لم أكن أتوقع أنني سأبوح بها ذات يوم ... لأي إنسان ...

" هل واجهت مشكلة مع أهلك ؟؟ ... بالأمس كنت ... كنت َ ... "

و صمت ...

فتابعت أنا مباشرة :

" كنت ُ أملك الأمل الأخير ... و قد ضاع و انتهى كل شيء ...
إنني لم أعد أرغب في العودة إليهم ! سأرحل معك يا سيف "

قلت ذلك و كانت فكرة وليدة اللحظة ، ألا أنها كبرت فجأة في رأسي و احتلت عقلي برمته ، ففتحت عيني و حملقت في الفراغ الذي خلقت منه هذه الفكرة ثم استدرت نحو سيف و قلت :

" أنا عائد معك إلى مدينتنا ! "

طبعا سيف تفاجأ و لم يكن الظلام ليسمح لي برؤية ظاهر ردود فعله أو سبر غورها

سمعته يقول :

" ماذا ؟ ! "

قلت مؤكدا :

" نعم ! سأذهب معك ... فلم يعد لي مكان أو داع هنا "

سيف صمت ، و لم يعلق بادئ الأمر ، ثم قال :

" أما حدث ... كان سيئا لهذا الحد ؟؟ "

و كأن جملته كان شرارة فجرّت برميل الوقود ...
ثرت بجنون ، قفزت من سريري مندفعا هائجا صارخا :

" سيئ ٌ فقط ؟؟ بل أسوأ ما يمكن أن يحدث على الإطلاق ... إنها خيانة ! إنهما خائنان ... خائنان ... خائنان "

مشيت بتوتر و عصبية أتخبط في طريقي ... أبحث عن أي شيء أفرغ فيه غضبي بلكمة قوية من يدي لكنني لم أجد غير الجدار ...

و هل يشعر الجدار ؟؟

آلام شديدة شعرت أنا بها في قبضة يدي أثر اللكمة المجنونة نحو الجدار ، و استدرت بانفعال نحو سيف الذي ظل جالسا على السرير يراقبني بصمت ...

" لقد سرقوا رغد مني ! "

لأن شيئا لم يتحرك في سيف استنتجت أنه لم يفهم ما عنيته ... قلت :

" أعود بعد ثمان سنوات من العذاب و الألم ... و الذل و الهوان الذي عشته في السجن بسبب قتلي لذلك الحقير الذي أذاها ... ثمان سنوات من الجحيم ... و المرارة ... و الشوق ... فقدت فيها كل شيء سوى أملى بالعودة إليها هي ... أعود فأجدها ... "

و سكت ...
لأنني لم أقو على النطق بالكلمة التالية ...
و درت حول نفسي بجنون ، ثم تابعت ، و قد خرجت الكلمة من فمي ممزوجة بالآهة و الصرخة و الحسرة :

" أجدها مخطوبة ؟؟ "

هنا وقف سيف ...
إلا أنني لم أكن قد انتهيت من إفراغ ما لدي

قلت بصوت صارخ جاد مزمجر :

" و لمن ؟؟ لأخي ؟؟؟ أخي ؟؟؟ "

حتى لو كانت الغرفة منارة لم أكن لأستطيع رؤية شيء وسط انفعالي الشديد ساعتها ...
لذا لا أعرف كيف كانت تعابير وجه سيف ...
و لكن بإمكاني رؤية خياله واقفا هناك ...
اندفعت كلماتي مقترنة بدموعي و زفيري القوي و صوتي الأجش المجلل ... و أنا أقول :

" لو كان ... لو كان شخصا آخر ... أي شخص ... لكنت قتلته و محوته من الوجود ... لكنه أخي ... أخي يا سيف ... أخي ...
كيف تجرأ على سرقتها مني ؟؟
كيف فعلوا هذا بي ؟؟
أهذا ما أستحقه ؟؟
ليتني لم أخرج من السجن
ليتني مت هناك
ليتني أفقد الذاكرة و أنسى أنني عرفتها يوما
الخائنة ...
الخائنة ...
الخائنة ... "

و انتهيت جاثيا على الأرض في بكاء شديد كالأطفال ...

" لقد أطعمتك ِ بيدي ... كيف تفعلين هذا بي يا رغد ؟؟ أنا قتلته انتقاما لك ِ أنت ِ ...
أيتها الخائنة ... أكان هذا حلمك ...؟
اذهبي بأحلامك إلى الجحيم ... "

و أدخلت يدي إلى جيبي ، و أخرجت منه الصورتين اللتين رافقتاني و لازمتاني لثمان سنين ، لستين دقيقة من كل ساعة من كل يوم ...
أخرجتهما و أخرجت معهما القصاصة التي وجدتها تحت باب غرفتي ...
لم أكن أرى أيا مما أخرجت ، و لكن يدي تحس ... و تدري أيها صورة رغد ... فلطالما أمسكت بالصورة و احتضنتها في يدي لساعات و ساعات ...
الدموع بللت الصورتين و كذلك الورقة ...

" أيتها الخائنة ... اذهبي و أحلامك إلى الجحيم ... "

و قبل أن أتردد أو أدع لعقلي المفقود لحظة للتفكير ...
مزقت الورقة ... إربا إربا ...
و رميت بها في الهواء ...
و مزقت صورة رغد ... قطعة قطعة ... و بعثرتها في الفراغ ... إلى حيث تبعثرت آخر آمالي و أحلامي ...
و انتهت آخر لحظات حبي الحالم ...
و تلاشت آخر ذرات غبار الماضي ...
و لم يبق لي ...
غير حطام قلب ٍ منفطر ...
يتبع........

 
 

 

عرض البوم صور عاشقة القصص1   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
(كاملة, رواية
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المهجورة والغير مكتملة
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 10:28 AM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية