كاتب الموضوع :
آجر.
المنتدى :
ارشيف خاص بالقصص غير المكتمله
رد: رواية : أنتِ فجري لا غدى صبحي ظلام ، وأنتِ نوري لا طفت كل الشموع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسعد الله صباحكم/مساءكم :$
كيف حالكم ؟ عساكم بخير وسعادة ؟
عزيزاتي ، أنا حابه أنزل الأجزاء يوم الثلاثاء والجمعة بإذن الله ، وإن شاء الله يكون مناسب لنا كلنا ..
-
الجزء الـ 11
[ شاركني حزنك
أخبرني بما يؤلمك
سأشاطرك وأخفف عنك ]
تراجعت عِدّت خطوات ، تنفست بأريحية ، كُدت أنْ أحرج أمي مع ضيفتها ، كم هي ظريفه ، تخبطت في العباءة لئلا أراها !
لا أريد أن أراها على أية حال
عُدت إلى عفاف والغثيث "فهد" ، كان يجلس في
حُجرها بخجل ، وهي تداعب أنفه وتسأله عن أحواله وأحوال عائلته ، جلست بجانبها وأنا اردف : دخلت على ضيفتك .. ضحكت بتوتر
نظرت لي عفاف بصدمة : يا مجنوون
رمت الدمية "فهد" في حجري وهروّلت بسرعة
لغرفة الجلوس ، تقززت منه وعدت لرميه في الكرسي الذي بجانبي : يع
صرخ بي : شفييييك ؟
ضحكت على تصرفي الغبي : إن شاء الله تبي تجلس في حضني ؟
: لااا
طلّت هيفاء علينا برأسها : الله يهديك يا طارق ، يعن.. اووه فهود حبيبي
وها قد بدأت الدراما !!
ألن يكفوا عن التغزل بهذا الصعلوك ؟
الغريب أنه يُشبهني ؟
لا لا أنا أجمل منه ، بالأساس هو لا يشبهني ، حُلم حياته أن يُشبهني ، هه !
أمسكت برأسي ، ثم عدت لانظر للقاء المكسيكي بين أختي وابن عمتي "البثر"
هيفاء : ليه ما صرت تزورنا ؟
اردف بخجل : ما عندي أحد يجيبني
: يووه يا حرااام
قُلتها بسخرية ، وتجاهلت ذراع هيفاء التي تضربني على كَتفي : ما عليك فيه فهود
قُلت بتضجر : أمي وينها ، بأخذ العشاء
ودخلت والدتي العزيزة لِتُكمل يومي : حسبي الله على إبليس واعوانه ، اللحين أنت وش فيك ؟ ليه تدرعم على خلق الله ، متى تترك هبالك ؟
يا الله
ماذا فعلت لاستحق التوبيخ هذا ؟
هل لهذه الدرجة أنا اذنبت ؟ لم أرى أحد حتى !
هذه الفتاة إحد قريباتي وإلا أمي لن تدافع عنها بهذه الطريقة !
: العشاء وينه ؟
عندما أستغفل توبيخ أحد لي ، واتحدث وكأن شيء لم يحصل ، إذاً فأنا في قمة عصبيتي وبركان
حنقي يكاد ينفجر ، يجب الحذر ..
اردفت هيفاء بخوف : بجيبه اللحين
ثم عادت لتسترسل بخجل : ما أقدر أشيله ثقيل
: شوفي الطريق لي
انتظمت أنفاسي أخيراً ، شعرت ببرودة أطرافي ، هل رآني ؟
يا للإحراج
أول يوم لي في هذا المنزل ، يحدث هذا
الموقف ! ،
هذا يدل على شؤم قدومي إلى هُنا ، جفّ ريقي ، أمسكت بكوب الماء بارتجاف يدي ، حاولت أن ابدو
هادئة لكنني لم أفلح !
وجهي الأحمر كشفني ..
جلست عفاف بجانبي : آسفه على الموقف البايخ اللي سوّاه ولد عمي
نظرت إليها بصدمة : ولد عمك ؟؟
أشارت بيدها أمام وجهي : إيه اللي تخرّج !!
: بس أنتِ قلتِ أنه أخوك !
ضحكت ثُم اردفت : إيه صح ، شوفي يا "سِتِي" هو ولد عمي صحيح ، بس أخوي من الرضاعه
: أهاا
أغلقت هيفاء الباب وأبتسمت بخجل ، ارتجفت : ليه .. ليه سكرت الباب ؟
: يمكن بيمر طارق
هذا الاسم يخيفني جداً "طارق" ، جميع من حملوا هذا الاسم أصبحوا مرعبين واللوم يقع على كاهل طارق "كندا" : أها
ضحكت على تكراري لكلمة "أهاا" وكاني استعملها لأُداري خوفي قليلاً ، نهضت عفاف وخرجت من الغرفة ..
اقتربت من العشاء ، 3 صحون ..
من غير المعقول أن أحملها جميعها ! ، اتصلت بسامي ، هذه المرة يجب عليه أن يحضر ويحمل معي الصحون ، لن أحملها وحدي ، هذا وأنا الضيف !!!
هيفاء : هذه الصحون
: باللهِ ؟
توّجست خشية مني وأبتعدت قليلاً لتفسح
مجالاً لعفاف التي جاءت مُسرعه وهي تردف : شفيكم ؟
: تقدرين تبلعين لسانك ؟
تعقد وجهها ، لوّت ثغرها بتدلل ..
أين رقم المل***
: تجي اللحين لبيتنا
: يا ولد أنا مشغول
صرخب بغضب : تجي بسرعه
أغلقته ونظرت بتفكير
إلى عفاف ، أبعدت نظرها عني بتوتر ، لكن عندما لاحظت بأنني أطلت النظر ، اردفت : فيه شيء ؟
: إذا جا سامي أبيك تشيلين معي الصحون علشان نركبها السيارة
بحلقت بي : من جدك طارق
: ما يشوف شيء المكان مظلم هناك وبعدين مستحيل أقدر أشيله لحالي
هزّت رأسها برفض : لا لا لا مالي شغل
صرخت : عفااااف !!
امتلأت عينها بالدموع : طارق ما أقدر اطلع له وشكلي كذا ، خلّ هيفاء تشيل معك
نظرت هيفاء بحدة لعفاف ، فهمت بأنها
مُتعبة ولن تستطيع حمل أي شيء ثقيل
: هيفاء لا ، البسي عباتك وما راح يوضح شيء فيك
: على أساس أنّك حليتها !
اقتربت منها وأنا أمسك بشياطيني : بتشيلين معي ولا كيف ؟
ابتعدت قليلاً ، همست والدموع تتجمع في عينها : طارق تكفى لا تفضحني !
ضحكت بقهر من غباءها : وش أفضحك أنتِ الثانية ؟ تراه زوجك وبعدين حطي الصحن وادخلي
ما راح يشوفك !
مسحت أهدابها : طيب
عدت للداخل أما أنا بقيت انتظر
في المطبخ ، لفت نظري فهد كان ينظر إلي بخوف ، ما كان ينقصني سوى أن أكون وحش العائلة !!
سرعان ما أتت عفاف بكامل حِشمتها ، غريب أمرها ، لا أظن بأنه سيراها حتى !
أمسكت معي الصحن وبدأنا نمشي به خطوات صغيرة ومتقاربة ، فوجئت بأن الباب الخارجي مغلق ، صرخت
استنجد بفهد ، ولأول مرة سيكون له فائدة في الحياة ، تعال يا بات مان ..
قدم إلينا وهو يركض انحنى تحت الصحن
وبدا يتحرك كعنكبوت صغير ، أمسك بمقبض الباب وفتحه لنا ، بدا وجهه وكأنه يحمل شعلة الأولمبياد من
فرط الحماس ، خرجنا أنا وعفاف التي بدأت تتخبط في الظلام : عفاف أرفعي النقاب علشان ما نطرح العشاء
همست لي : كيف أرفعه ويديني هنا !
أشارت بوجهها إلى يديها اللواتي تعانقان الصحن من الأسفل ، هل يمكن أن يسوء يومي أكثر ؟
قفز فهد ونزع نقابها ، صرخت عفاف : فهوود !!
ابتسمت له ، هذا الطفل بدأ يُعجبني
أكملنا سيرنا وبدأ فهد بتمهيد الطريق لنا ، تفاجأت بوصول سامي بسرعه ، أعدت النظر إلى عفاف
التي لم تنتبه لوجود سامي لأنه اغلق أنوار سيارته ، رفعت نظرها لي ،
وسرعان ما جحظت عيناها : طارق طارق طارق طارق طارق
ضحكت على توترها : شفيك !
: طارق خلاص نزله خلني أمشي
وبالفعل ، أنزلنا الصحن ، واسرعت أنا بالعودة للمطبخ لإحضار الصحن الآخر ، لم انتبه !
لم انتبه بأنني وضعت الصحن على عباءة عفاف ، التي بقيت هناك ترجو النجدة
ما إن اتصل بي طارق ، حتى هرعت لنجدته ، أشعر بأن تصرف نادر مُحرج لأخيه ، من الذي
يُتعب الضيف في "عزومته" ؟
بحكم أن منازل العائلة تتجاور ، أسرعت بالوصول إلى منزل عمي سلمان ، نزلت بسرعة ، واتكأت على
سيارتي
رأيت ظهر طارق وهو يحمل صحن العشاء ، تقدمت لمساعدته ، لكنني لمحت سواد خلفه !
تلقائياً فكّرت بأن تكون هيفاء ، فتلك المتغطرسة
لن تتنازل لأن تحمل أي شيء ..
ضحك طارق ، ابتسمت أنا ، لابد بأنها قالت شيء اضحكه ، لطالما كانت ذات حس فكاهي ، من الممتع صحبتها ..
وضعوا الصحن ، وأبتعد طارق
هذه ليست هيفاء
أنها الصغيره المغروره !
لم تتحرك وبدا ظهرها مائل للأمام ، وعباءتها مشدودة
، لا استطيع رؤية ملامح وجهها من شدة الظلام ، لكنني أشعر بدموعها ، تماماً كما شعرت
بها في السابق ، اقتربت منها نية أن أساعدها
وضعت يديها على وجهها
وبدأت بالبكاء ، يا إلهي كم هي مدللة
: لا تقرب لا تقرب ، يا ربي يا ربي
عقدت حاجبي ، أتظن أنني اقترب من أجلها ؟ ، هي مجنونة أن ظنّت هذا ، لا تعنيني ولا تمثلني ولا أُريدها أبداً ، ألا تعي هذا ؟!
: بأخذ الصحن ..
: أتركه لين يجي طارق
اقتربت أكثر وبدأت بالصراخ : لاااااااا مو لابسه نقاب ، بعّد يا دُب
تنرفزت من وصفها لي بهذه الكلمة ، تذكرت أشخاص نعتوني بهذه الكلمة وكيف كان تصرفي معهم ، لا استطيع أن أعيد التصرف نفسه معها ، لا خوف منها !
بل لأنها ليست على ذمتي
ليس بعد ..
صرخت : جسمي الدُب اللي موب عاجبك أزين منك يا النتفه ، اللي يشوفك يقول انك بثاني متوسط وأنتِ كُبر جدتي
أبعدت يدها عن وجهها بسرعة ، كما كانت تقول جدتي "غاوية مشاكل" أي : تُحب إثارة المشاكل ، اردفت لي بصوت حاد آذى أذني : أزين منك يا .. بحلقت بي بسرعة رهيبة وتجحظت عينها .. عصقول ! هه نحفت يا دُب !!
سحبت الصحن ، لست في مزاج جيّد لأن أحادثها ، هذا الوقت الذي أمضيته معها كان من
الممكن أن يكون أكثر فائدة ، أضعت دقائق ثمينة من عمري ،
يا إلهي
هروّلت بسرعة ، ضربت كتف طارق الذي كان
ينظر إلي بعصبية ، انت الذي تركتها عندي ، نحن قطبا مغناطيس ..
اقترب مني ، همس بغضب : وش هبّبت ؟ البنت تبكي
: ما قلت شيء ، يا ولد أمسك الصحن معي
حمله معي وادخلناه صندوق السيارة ، قرّب طارق
سيارته بجانب المدخل ، وادخلنا الصحنين الآخرين في سيارته ، لأنهما أصغر بكثير من الصحن الأول ، لمحت
ابن عمتي الصغير "فهد" شعرت بالشفقة ناحيته ربّت على رأسها وركبت سيارتي : بتمشي معي ؟
: من اللي بيجيب الماء والعصيرات ؟
اردفت وأنا استعجله بنظري : قلت لعبدالقادر ، أمش يا ولد قبل لا يبرد العشاء
: يالله يالله جاي ، سندريلا مشينا
ركض فهد ناحية سيارته ..
ماذا يجب أن أقول ؟ هل اتحدث عن أحوال الوطن العربي ؟ لا لا يبدو الأمر مملاً ، إذن سأتحدث عن
المسلسلات الخليجية واسألها عن رأيها بها !
لا ، لا يوجد شيء لاتحدث عنه في المسلسلات "اللحجية" ، جميع قصصها تتشابه ، علاقة فاشلة ثم
زواج فَحُب ، تتزوج في الحلقة الأولى وفي الحلقة الثانية تلِد والحلقة الثالثة نتفاجأ بأن طفلها يبلغ من العمر 16 سنة !!
أو ربما يختصرون جميع هذه الأمور في حلقة واحدة ، أسرع ..
يا إلهي ماذا يجب أن أقول ؟
حسناً حسناً ، سأقول لها عن ماضيّ الأسود ، هذا أفضل ، رُبما تطردني من منزلها وأبتعد عن
هذا اللقاء المُحرج والمخيف أيضاً ..
: تدرسين في الجامعة يا فجر ؟
من التي قالت هذا ، لم أكن انظر ! أظن بأنها والدة عفاف ، رفعت نظري لها بصعوبة بالغة : لا
وضعت هيفاء كفّها تحت ذقنها واردفت : غريبة ، أحس انك صغيرة
لا لا ، يبدو انها فهمت شيء آخر : أنا ما درست الجامعة أبد
ضحكت هيفاء : أوه ، أنا توقعت انك خلصتِ الجامعة !
أشارت والدة هيفاء لي : لا بسم الله عليها بيّن أنها صغيره
تلوّن وجهي وتسارعت نبضات قلبي ، لا أحب المديح المباشر ، خصوصاً إن كان من أُناس غرباء : شكراً
ابتسمت لي : عفواً
: أنتِ تعرفتِ على عفاف بكندا ، صح !
تعرف الإجابة مسبقاً ، هذا ما اتضّح لي : أيه
امسكت أم عفاف فنجال القهوة وتفحصته بنظرها الثاقب وكأنها تَحِل لغزٌ ما فيه : أمك ليه ما جت معك ؟
أجبتها بتوتر وكأنني في مقابلة تلفزيونية ، ما هذا التشبيه يا أنا !
بل أشبه بتحقيق مُرعب : ما تقدر تجي
: آفا ، ليه ؟
فركت أصابعي : لأنها مُقعدة وصعب عليها تتحرك كثير
تعقدت حاجبا هيفاء واردفت : يا عمري
أم عفاف : عسى ما شر ؟
فجر : لمّا ولدتني صابها خطأ طبي وانشلت
اردفت بقهر : حسبي الله عليهم
هزّت رأسها هيفاء : طيب قاضتهم ؟
رفعت أكتافي ، لإبرر تصرف أمي : تعرفين من زمان ما يعرفون المحاكم ولا يعترفون فيها ، علشان كذا تركته أمي
تحدثت بحزم : مفروض ترفع عليهم قضية
تنفست بصعوبة ، هذا الموضوع يثير عاطفتي ، كونني الابنة التي انشلت والدتها
بسبب ولادتها مؤلم ، والاكثر ألم أن أراها يومياً على
كرسي متحرك وأنا أعدو بحرية وأعصي هُنا وهُنَاك ، اعتصر قلبي بشدة ، أشعر بأن احدهم
سيُعيُرني بهذا الأمر ، بأنني التي سلبت والدتي قدماها ، سيأتي هذا الشخص ، حينها سأتوّجع ،
وسأتوّجع كثيراً ، ولن يقدر أحد أن يواسيني ، ويقنعني بأن ما حصل لها ليس خطئي ، بل إنني
وُجِدت في المكان الخاطئ والوقت الخاطئ فقط ، حتّى وأنا طفلة تخرج مني الأذية ؟
يا ترى بماذا تُفكِر أمي ؟
هل تشعر بأنه خطئي ، أم لا ذنب لي لِما حصل لها ، وانه قضاء وقدر ؟
حتّى وان لم تفعل ، يحق لها ذلك ، لو لم تلدُني ، لو لم يُحضرها أبي إلى ذاك المستشفى ، لو لم أُصاب باختناق أثناء الولادة ، لكانت بأفضل صحتها الآن ..
أستغفر الله
هذه الـ 'لو' تَجُرني إلى عصيان الله والتعدي على قضاء وقدر ربي ، هذا ما يجب أن
اؤمن به ، ما خُلقت عليه ، ما تكوّن داخل جيناتي ، بأن ما يحصل لي ويحصل لمن حولي ، إنما خيرة / اختبار من الله -عز وجلّ-
دخلت غرفتي ، أغلقت الباب بسرعة ثم أشرعت بالبكاء الشديد ، شعرت بأن أقدامي
ترتجف وتضعف ، جلست على سريري واكملت أمسيتي وأنا أبكي على شيء
تافه حصل لي ، بقيت أفكر بشكله ، صوته ، كم كان عجيب وغريب
لم اعهده هكذا !
بهذه الجراءة ، أو ربما الوقاحة ، من هو ليقترب مني هكذا ؟ ولماذا يُكلمني ؟
"أزين منك يا النتفه"
حقير ، ظننت أنه لن يُبادلني الإهانة ، على الأقل ليس بهذه الطريقة ، عندما نعته بالـ 'دُب' ، لم أعني
شكله ، أنا انعت الجميع تقريباً بهذه الصفة !
لكنها ربما أثارت عصبيته وجعلته يعود لي الكلمة بشكل أقوى وبقانون "سامي" ، لكن لِما الغضب ؟ فأنا مُحقة هو دُب !
ليس بعد الآن ، الرجل يبدو وكأنه لم يتناول الطعام لشهور من فرط نحالته ..
حاولت تهدِئة نفسي ، غسلت وجهي عدّت مرات ، لاحظت بأنني لا زلت ارتدي عباءتي ، خلعتها
ورميتها على سريري ، خرجت لأُقابل هيفاء على السِلم ، سألتها : وين فجر ؟
: جالسه تحت ، ترا العشاء وصل
نزلت بِخطاها للأسفل ، ثم تذكرت شيء وعادت لتردف بخوف
: وش صار فيك برى ؟
وصلنا لمجلس عمي "منصور" ، ساعدونا بعض الشباب بوضع صحون العشاء في المجلس الخارجي ، ثم عدت
أنا للداخل ، رآني أبي ووقف ونادى بصوت عالي "حياكم الله على العشاء ، تفضلوا تفضلوا " ، تزاحم الأطفال
مع المسنين على العشاء ، كانت الرائحة منعشة ، وكأنه قرن مرّ بي لم أتذوق فيه "المفاطيح" ، جلست على الصحن الكبير الذي عذبنا أنا وعفاف ..
تذكرت شيء
ماذا حصل بين عفاف وسامي ؟
ألقيت نظرة على الرجال حولي باحثاً عن سامي ، ولم أجده ، لمَا لم يتناول الطعام معنا ؟
شعرت بجوعي يتقلص ، ورغبتي في "المفاطيح" تتبخر ، رفيق عُمري ليس موجود !
نهضت وتوجهت الأنظر إلي ، صرخ جدي بي إن أقعد وأكمل الأكل لكنني رفضت ذلك
دخلت في المجلس ولم أجده ، أمسك فيصل بكتفي وسألني بعينه ، اردفت : مالي نفس للأكل ، سامي وينه ؟
هزّ كتفه لأنه هو الآخر لا يعلم أين هو سامي ..
خرجنا من الباب الخلفي ، لنجده يتكئ على
سيارته ويُدخِن
شتمته في قلبي ولعنته سبعون لعنة ، لا أعلم لِما شعرت بالخوف عليه ، ولا أعلم لِما نبأني حدسي بأن مكروه قد أصابه ..
وضع فيصل يده على جبينه براحة ، حتّى هو
الآخر كان قلق عليه ، أمّا هو فكان ينظر إلينا
ببرود وينفث الدخّان ، أتكأنا بجانبه ، آمال علبة سجائره نحوي ، أخذت واحدة واشعلتها ، أعاد حركته لفيصل
لكن فيصل رفض ، بقينا نُدخِن أثناء صمت فيصل المُجبر وهدوءنا
: ليه ما تعشيتوا ؟
أشار فيصل ناحيتي ، يعني بأنني أنا السبب في منعه من تناول وليمة العشاء ،
ابتسمت بسخرية : أنا ما قلت قُم معي ، انت اللي جيت علشان تُشبع فضولك وتشوف أنا وين رايح
اخرج هاتفه ، نقر بأصابعه وكتب
جُمل كثيرة ، أعطى سامي الهاتف ،
قرأ سامي المكتوب : "أنا خفت عليك وقلت بسوف" ، توقف عن القراءة ثُم اردف : بسوف يعني بشوف ؟
ضحكت بشدة ، نظر إليه فيصل بجدية ، ابتسم سامي وأكمل : "بشوف ليه الولد قام من ضيفته ، ويوم سألت عن
سامي قلت أكيد صار فيه شيء ولا ما كان قام من العشاء كذا ، فهمت يا حمار ؟ "
هزّيت رأسي لتفهمي سبب قدومه ، أشار سامي إلي : وأنت ، ليه ما تعشيت ؟
نظرت إليه بتأمل : الأكل ماله طعم بدونك يا أبو طارق
بادلني النظرات بعمق ، أردف بهمس : هل تقبل الزواج بي يا أبو سامي ؟
انفجرنا ضحك على مسلسلنا الدراماتيكي ، لم يُخلق الشاب السعودي ليكون رقيق ، ولا أن
يُعبِر عن مشاعره ، ببساطة نحن أفعال ولسنا أقوال .. لهذا لم نتبادل أنا ورفيقيّ المدح والمشاعر الصادقة
على الرغم من وجودها ، لأننا نؤمن بصدقيتها بأفعالنا.
نزلنا للأسفل ، سبقتني هيفاء للمطبخ
لإحضار ما تبقى من الطعام ، دخلت غرفة الجلوس لأجد فجر تُفكر بهدوء ، جلست بجانبها ، لكزتها بيدي واردفت : العشاء
نظرت لي وهزّت رأسها
حينما هلّمنا بالنهوض حضرت والدتي وقالت : حياك الله على العشاء ، واعذرينا على القصور
ابتسمت أنا ، شتّان بين قولي ، ودعوة أمي المهذبة ، سأفسر ما قلته بأنها "ميانة" ، لا داعي لخلق
رسميات طالما إنني لا أريدها ، أحب أن أوجِد الرسمية بيني وبين شخص لا أحبذه ، أو ربما بيني وبين
شخص لا أريده أن يعرف شيءٌ ما ..
أحياناً الرسمية مفيدة ، أو كما يُقال "تُفك أزمات"
كوّنا حلقة صغيرة حول طاولة الطعام ، ابتسمت هيفاء لفجر بهدوء ، أمّا والدتي اكتفت بأن توّزع السلطات
أنحاء الطاولة
تعسّر علي ابتلاع الطعام من نظرات
هيفاء لي ، شعرت بأعصابي تتفجر داخلي ، تمنيت أن يعود الزمن للخلف قليلاً ، فقط لأسحب ما قلت ..
: وش صار فيك برى ؟
رفعت أكتافي : ما صار شيء
اردفت بتشكيك : كنتِ تبكين !
تاففت بملل : هيفاء الله يخليك ..
بحزم : عفاف ، لا تعاندين سامي علشان ما يعاندك
عفاف : عفواً !
أخذت نفس : عفاف حبيبتي ، سامي طيّب ولا يقول شيء بس إذا عاندتيه بيعاندك
كيف أصبحت المشكلة بسببي الآن ؟ هل تقف
ضدي ؟ جررتها معي لغرفتي ، لأني أعلم بأن أصواتنا ستعلو ، ستعلو كثيراً ..
أغلقت باب الغرفة : كملي ، وش مواصفات زوجي ؟
تعكّرت ملامحها : عفاف
: لا كملي حبيبتي ، شكلك تعرفين صفاته كلها
اقتربت مني واردفت بحدة : أيه أعرفها ، سامي أخوي وأنا قاعده أنصحك ، ركزي
ضحكت بسخرية : تنصحيني بأيش ؟ أنا طلبت نصيحتك
هيفاء : أنتِ تهاوشتي مع سامي برى ، سمعت صوته يهاوشك ، وشفتك تبكين
: أنا وزوجي نتفاهم ، أنتِ وش دخلك ؟ أوه صح نسيت انه أخوك !!
أحّمر وجهها بغضب : عفاف عدلي أسلوبك زين
صرخت بها ، لا يحق لها أن تتحدث عن
المُسمى بزوجي : أنتِ اللي عدلي أسلوبك ، ما تلاحظين انك تتكلمين عن زوجي ؟!
ضحكت بصدمة : عفاف من جدّك ؟ تغارين على زوجك من أختك ؟
أنا لا أغار لاسيّما على سامي ، لكن هذا
ليس عذر بأن تتحدث عنه : أغار ولا ما أغار ، أنتِ تتكلمين عنه كأن بينكم عشرة عُمر
تحدثت بهدوء : أنتِ شكلك موب فاهمه طبيعة العلاقة بينّا ، عفاف أسمعي زين واتركي موضوع الغيرة على
جنب ، سامي أخوي ، من لمّا كنّا صغار واحنا مع بعض ، أنا أحبه بس مو الحُب اللي في بالك ، أنا أحبه مثل
طارق ، طارق ولد عمنا ومع كذا نحبه ، لأننا ربينا مع بعض ، نفس الشيء مع سامي وفيصل ولد عمي ،
ربيت معهم ، أنتِ تدرين أن بنات عمي كلهم أصغر مني ، علشان كذا كان وقتي كله معهم ، تعوّدت عليهم
، لدرجة أن تصرفاتي صارت مثلهم ، ولا مرة فكرت فيهم غير انهم إخواني
شعرت بالذنب ، حاولت كبح دموعي ولم أفلح ، انهمرت بغزارة لأسباب كثيرة ، لا أُحب أن أكون
المذنبة ، تجاهلت كلامها : بس ليه تحطين الخطأ علي ، ليه موب عليه هو ؟
ابتسمت لي : أنا أعرفك زين واعرف سامي بعد ، أنتِ عنيدة واهم شيء كلمتك تمشي ، أمّا سامي ما يحب احد يرادده ، كان يضربني إذا رديت عليه
يضرب !
لا لا لا ، أنا لا أرغب بأن أتزوج أحدٌ يرفع يده على امرأة ، هذا أمر غير حضاري جداً ، بالطبع هذا الهمجي
السمين معتاد على الضرب والامور الشواريعية ، أحمق ، يظن أنّه قوي !
: لا ما أبيه يضربني
ضحكت بقوة وغمزت لي : ما أتوقع يضرب حبيبته
أي حبيبه !
أنزلت رأسي ، ولا ، لم يكن خجلاً بل كان حزناً على حالي ، ربما كان من الأفضل أن يتزوجا ، سامي وهيفاء
: يالله ننزل ، تأخرنا
ودّعنا فجر ، وعدتنا بأن تُعيد الزيارة ، ولم يخلو الوداع من توصيات والدتي بأن تحضر والدتها في المرة المُقبلة ، ركضت لغرفتي ، لا أريد أنا ارى أحد/ هيفاء.
أمضينا ما تبقى من "العزيمة" في الخارج ، ضحكنا كثيراً ، ودخنّا كثيراً باستثناء فيصل الذي يأبى وبشدة التدخين ، يظن بأن الانخراط في التدخين أصعب من تركه ، وأنا ارى العكس ..
كُنا جلوس ونبحلق في الرجال ، احدهم
راحل ، واحدهم باقي ليلعب تلك اللعبة السخيفة "بلوت" ، وبالطبع يترأسها والدي العزيز ، مرّ من جانبنا "فهد" الصغير ، تعكرت
ملامح وجهي ، بينما لمحت نظرة شفقة تعلو
وجه فيصل ، استغربت ، فهو ليس أول شخص ينظر إليه بشفقة ، سألته : فيصل علامك شفقان على البثر ذا
أشرت ناحيته ، نظر إلي بعصبية ، بينما قال سامي : أستغفر ربك يا طارق
نظرت اليهم بتشكيك : ليه وش فيه ؟
أردف بحزن : المسكين شخصّوا حالته ، طلع فيه سرطان
آلمني قلبي كثيراً ، انصدمت ، ظننت بأن مرضى السرطان طريحي الفراش ، بلعت
ريقي بصعوبة ، ونظرت إلى الأرض بخجل ، تذكرت معاملتي له ، وكيف كان ينظر إلي
ببراءة ويصمت ، تجرعت الشعور بالذنب ، أحسست بتفاقم الحُزن في صدري ، المسكين ، لا يعلم
ما أصابه ، ولا يعلم ما سيحصل له بالتأكيد ، كيف تلقّى الخبر ؟ أم أنهم أخفوا عنه مرضه ؟ أواليتني
استطيع مساعدته : الله يشفيه
جاءت في رأسي كلمات ، شعرت بمعناها الآن
..
"This life don't last forever
So tell me what we're waiting for
We're better off being together
Being miserable alone
'Cause I've been there before
And you've been there before
But together we can be all right
'Cause when it gets dark and when it gets cold
We hold each other 'til we see the sun light"
..
لا أعلم كم تألم هذا الطفل وحده ، ولا أعلم كم بقي له من قدرة لتحمل المزيد ، فقط أرجو الله أن يمنحه
ظهراً قوياً ليحمل مصائب الدنيا ، ولن أتركه بالتأكيد ، سأقف معه ، لا أريده أن يواجه هذا الأمر وحده ، طفلٌ مثله
لا يجب عليه أن يعرف للألم مسلك ، طفلٌ مثله لا يجب على الابتسامة أن تُفارقه ، هو ليس
كبير لأواسيه واُصبّره ، هو صغير لا يفقه بالمواساة ، سأفعل ما بوسعي ..
امتلأت وسادتي بالدموع ، تضايقت من البلل الذي أصاب خدي ، قلبتها إلى الجهة الآخرى ، وعدت
لإبلل هذه الجهة ، سمعت باب غرفتي ينفتح ، أيقنت بأنها هيفاء ، شعرت بالغصة تتسلق صدري ، واطرافي
تبْرد ، استلقت بجانبي وأمسكت بيدي ، حتى دفِئت ، بكيت وبكيت وبكيت ، حتى خُيّل لي بأن دموعي على وشك النفاذ ، امسكت بوجهي بين يديها
: إذا تضايقتي مني يوم من الأيام قولي لي ، لأني
بسوي أي شيء يرضيك ..
عانقتها وأنا أكاد أحشرها في صدري ، لا أريدها أن تحمل ألم الزواج بشخص لا تُحبه معي ، أي مزاج أنا أحمله وأي صبرٌ تملك
..
"I can tell that you're tired of being lonely
Take my hand, don't let go, baby hold me
Come to me and let me be your one and only
'Cause I can make it all right 'til the morning"
..
عاد هذا الحلم ليُداهمني من جديد ، صراخ هذه المرأة مُزعج جداً ، أنينها المُستمر ، وأيضاً شتائم
نادر مخيفة ، لا أعلم لمَا أغلقت الهاتف في وجه مُفسِّر الأحلام عندما أردت تفسيره ، أشعر بأن هُناك
أمرٌ ما بين هذه المرأة ونادر ، وأنّ هناك حقيقة خلف هذا الحُلم لا أريد معرفتها !!
جلست بجانب أمي واطلقت تنهيدة ، أردت منها أن تُحادثني ، لكنها كانت
تُشغِل نفسها بالتلفاز ، لكزتها بيدي : يُمه !
نظرت إلي ببرود : شفيك ؟
أخذت نفس طويل ، أعلم ما سيكون الرد ، لا بأس ببعض المخاطرة : يمه أبي جوال
عادت لتنظر إلى التلفاز : قلت لك لا
صرخت بضجر : أبوي موافق
نظرت إلي بحدة : وأنا موب موافقه
أستغفر الله ، كادت الـ "أُف" أن تخرج من فمي ، شعرت بالغصة في حُنجرتي ، لن تُلبى حاجتي في هذا المكان !
عادت تنظر إلي وكأنها قد تذكرت شيء : ورا ما تلزقتي عند طارق يوم إنه نزل ؟
وها قد فُتِح موضوع طارق : يا يمه وش أبي فيه ؟
غضبت كثيراً : وصمه إن شاء الله ، تنصصي (تميلحي) عنده أظنّه يخطبك
سارعت بالوقوف والاستعداد لإنهاء هذا الموضوع : ما أبيه وهو ما يبيني
إبتسمت بسخرية وهي تُحرِك يدها : تحسب أن فيه أحد يبيها أصلاً
اعتدت على كلامها ، وعلى محاولاتها الكثيرة
لتزويجي طارق ، أذكر كيف كانت تُلبسني ملابس لا تليق بفتاة صغيرة بعمر 13 سنة وكيف كانت تُدخلني
مجلسهم عندما يعود من كندا ، واذكر أيضاً الأصباغ التي تضعها في وجهي نية الزينة !!
هي أمي ، لذا لا استطيع رفض أوامرها ، لا أعلم
لما تُريد مني أن أتزوج بسرعة ، ربما تخشى أن ابقى "عانس" !
وإذا بقيت عانس ؟ أنا انثى أكمل غيري ولا أُكمَّل ..
لن تنقصني حياة ولن اخسر جنة ، هذه هيفاء ، لم تمُت
ولم تصبح تعيسة ، بل ازدادت جمال وازدادت سعادة ، أحسدها على عائلتها
طارق
لم انجذب إليه يوماً ، أعتبره شخص موجود في حياتي ، ولا أُريد الزواج منه ، أتمنى له الحياة السعيدة ، وليته يرى
بأنني لا أرغب به وانها مجرد محاولات بائسة من أمي
عُدت إلى المنزل وأنا أشعر برأسي يصرخ ، وعظامي تستنجد ، دخلت غرفتي بحثاً عن أغطية
سرير لا يحتاجه أحد ، ووسائد أيضاً ، أجبرتني قدماي بأن ادخل غرفة عفاف ، طلّيت برأسي ، وجدتها
غارقة في النوم ، لكنني لمحت شيء ما بجانبها
عدت لأنظر مجدداً ، كان جسد
شخص آخر ، عجيب !
اقتربت أكثر وأنا أدقق في ملامح هذا الجسد
هيفاء !
بالتأكيد هُما متشاجرتان ، لا تنام هيفاء أو عفاف
عند الأخرى إلا وهُما غاضبتان من بعض ، سلوكهن المعتاد ، عدت ادراجي وسمعت صوت همس ، ألتفت
لمصدر الصوت ، كانت هيفاء بعين مغمضة
وأخرى تُحارب لتنظر إلي : وين بتروح ؟
رأت وسائدي والأغطية : بروح أنام عند سامي
عادت إلى النوم وتركتني واقف انتظر تعليقها ، بالأساس أنا لا أريدها أن تُحادثني ، فأنا مُستعجل !
"أصلاً عادي"
ركبت سيارة سامي لأجده يتثاءب بتعب ، وفيصل مُستلقي في الخلف وعيناه تغالبان النوم ، تبدو
حالتنا مُزرية ، ذهبنا إلى منزل سامي ، منزله أكثر منزل في العائلة
مطَمئِن ، فهو خالٍ من جنس حواء ، والأفضل من هذا هو انه خالٍ من الأطفال !
استلقى فيصل وسرعان ما غطْ في النوم ، أما سامي فذهب ليحضر الماء لنا ، وفراشه ..
تقلبت على فراشي ، بحثت عن النوم ولم أجده ، ناديت لسامي ولم يُجيب ، لقد "مات" نوماً ..
سمعت آذان الفجر ، ضربت سامي بقدمي ، ورششت
بعض الماء على وجه فيصل ، أردتهم أن يستيقظوا
لأداء الصلاة ، تذكرت أيامي في كندا ، وتظاهري بالنوم أثناء رؤية زميلي في السكن يُصلي ، أستغفر الله ..
صليّنا جماعة وعدنا لننام ، وأخيراً شعرت بجفني ينسدل ، واهدابي تهدأ ، واطرافي تتمدد إلى آخر الفراش ، ونمت
افزعني صوت هاتفي ، إمسكت به وأنا أحاول أن انظر ، فركت عيني وأنا أسمع صوت سامي خلفي "ردّ يا ولد وفكّنا"
رأيت اسم المنحوس ينير شاشة هاتفي
"اليهودي"
لا أعلم كيف أسميته هكذا !
: هاا
صرخ بي : الله يأخذك ، انت وينك فيه ؟
___
الجزء الـ 12
[ أنا مجودٌ لك ولماضٍ عانقنا سوياً ]
رأيت اسم المنحوس ينير شاشة هاتفي
"اليهودي"
لا أعلم كيف أسميته هكذا !
: هاا
صرخ بي : الله يأخذك ، انت وينك فيه ؟
قفزت من فراشي بهلع ، شيءٌ ما حصل
ونادر يُريدني بجانبه : جاي جاي
اقفلت هاتفي غير مراعي لشتائم
نادر في الجهة الأخرى ، نظر سامي إلي باستغراب : علامك ؟ اهلك فيهم شيء ؟
اردفت بعجل : لا لا
ارتديت ثوبي ، عذراً ثوب سامي
دون أن أُلاحظ ، التقطته بسرعة ، بحثت عن مفتاح
سيارة سامي ، لكنني لم أجده ولم أجد صاحب المفتاح ، أين ذهب الآن ؟!!
اتى سامي وهو يحمل المفتاح : مشينا
بحلقت فيه : وين بتروح يا الطيّب ؟
سامي : بوديك لبيت اهلك
أنا أعلم بالتحديد ماذا يحصل ، يظن بأن خطباً ما أصاب
"عفاف"
لهذا يُريد القدوم ليتطمن على محبوبته ، شكراً سامي : لا لا أنا بروح لحالي
أخذت المفتاح منه ، وركبت سيارته ، لأجده يجلس بجانبي ، وعيناه تنعسان بشدة ، عنيد
ما هي إلا دقائق حتى وصلت لمنزلنا ، ترجّلت
من السيارة ولحق بي سامي ، وجدت عمي
واضعاً يده على جبينه ونادر يجلس أمامه
بنظارته ، سرعان ما وقف ومسك رأسه ما
أن رآني ، تسارعت نبضات قلبي ، كُنت
ارى عمتي جميلة أمام عيني ، فهي بالتأكيد قد أُرهقت اثر طبخ العشاء ليلة أمس ، خرج صوتي وبالكاد أيضاً
: وش فيه ؟
القى سامي التحية مُسرعاً ، ثم اردف : وش فيه ؟
ابتسم عمي لسامي وهي يُطمنّه : ما فينا شيء ، توّكل يا سامي ، أزعجناك
نظر سامي إلي بعدم فهم ، ثم ذهب
دخل عمي ونادر إلى المنزل دون أن
ينظرا إلي ، لا يخفى عليكم شعوري ، كانت قدماي ترتجفان بشدة ، شعرت بدمي يتجمّع في رأسي ، هل عرفا بأمري ؟
الشريط ؟
دخلت خلفهما وأنا أتنفس بصعوبة ، جلسنا في صالة
الرجال
نظر إلي والدي : طارق
: سمّ يبه
مسح على جبينه : بعدين إذا بتنام برى عطنا
خبر ، عاجبك كذا ، أنا وأخوك ما خلينا مكان إلا
ودوّرناك فيه ، حتى الاتصالات ما قصّرنا ، 3 ساعات وحنّا نتصل عليك ولا ترد ، وقفت قلبي عليك يا أبوي
أخفضت رأسي ، هذا كل ما في الأمر ، شعرا بالخوف علي
: حقك علي ، بس نمت وما حسيت بنفسي من التعب
تحدّث الجلمود ، كان صوته ناعساً مُهاباً : حصل خير
نهض والدي ، وتركني بجانب نادر ، شعرت بالغضب
منه : تراني موب بزر علشان تخافون علي ، عمري 26 سنة
نظر إلي بجمود ، لا أظن بأنه يقدر أن يُقاوم النوم : لا موب
بزر ، رجّال طول وعرض وشنبك يوصل الباب ، بس حِنا خوفنا شيء ثاني !
فهمت قصده ، يُحاول أن يوّضح لي بأنني اتصرف
كالمراهقين ، أُعربد وافعل وافعل ، لو قال لي هذا في كندا لوافقته الرأي ، لكن هنا الأمر مختلف ..
نهض وتركني خلفه ، سار مبتعداً عني ، بحثت عن سجائر
لعلّ وعسى استطيع بها أن أُداري أنفاسي المضطربة
تبدو الأشياء مُبهمة ، والروائح تلاشت من حولي ، حتى الألوان فقدت بريقها ، حكم عليها السواد ..
جلست في مقهى يقبع خلف منزلنا ، لا أملك الطاقة
لأن ابتعد أكثر عن منزلنا/سريري ، شربت قهوة ، كوب
تلو الآخر ، تناولت الدونات ، السُكر ، أي شيء قد يُنشطُني ، أشعر بالخمول مؤخراً
رأيت وليد قادم ، تذكرت طارق ، أي أيام كُنت
أعيشها معه ، ذاك المُتبلد الحقير ، جلس وليد أمامي
: سلام خيتو
نظرت إليه مطولاً : أهلاً
وليد : شو بِك ؟
: ما فيني شي
طلب من النادلة كوب قهوة له : إمتى حترجعوا للسعودية ؟
: عن أريب
هزّ رأسه بتفهُم ، ثم عاد للصمت ، دقق نظره بي ، رُبما تعجّب من رؤيتي صامتة هكذا : دانه
: هممم
استرسل بالحديث : إزا فيك شيء ، أحكي لي ماشي !
يا الله ، لا أُحب أن أقول لأحد ما أشعر به ، الفضفضة ، المشاعر ، هذه أمور لا تروقني البتة : ما فيني شيء
آمال فمه بعدم اقتناع : بس أنتِ مو عَ بعضك !!
ظهرت نبرة صوتي حادّة : وليد ما فيني شيء ، حلّ عني ياااه
: تصطفلي
خرج من المقهى ومعالم وجهه غاضبة ، تنهدت
بألم ، إلى متى سأستمر بأبعاد الناس عني ؟ لم يتبقى لي أحد ، ولا أظن إنني سأكسب احدهم
عن قريب !!
لا يبدو شيئاً ممتعاً في هذا المقهى ، حملت مُفكرتي وكوب قهوتي ، حينها رأيت "لوك" يدلف إلى
المقهى مع عدد من رِفاقه ، أشار لي بحاجبه
كنوع من التحية ، لكن نظر إلي
بتعجب عندما رآني ملمة بالمغادرة ، قال شيءٌ ما لأصحابه واقترب مني
_ المحادثة مُترجمة بالعربي_
نظر إلى حقيبتي : مرحباً يا آنسة
ابتسمت له : أهلاً لوك
: كيف حالك يا داين ؟
"داين" ؟ هه ، أنا من اخترع هذا الاسم ، ليناديني به أصدقائي "الأجانب" ، كُنت أظن بأنه أكثر عصرية ، واسهل في
النطق لهم ، راعيت مشاعرهم عندما تخليت عن هويتي !
: بخير ، وأنت ؟
رفع أكتافه : بخير لكن ..
: لكن ماذا ؟
لوك : اشتقت لصديقي القديم
طارق
يقصده ، هو يعلم بأمر انفصالنا ولكن يظن بأن
علاقتنا تُشابه علاقة الغرب ، عند الانفصال والابتعاد ، لا يكنّون لبعضهما الضغينة ، بل يبقون على تواصل
ويصبحون أصدقاء ، لكن أنا وطارق أصبحنا أعداء بسرعة البرق ، كلانا مُستعد ليحطم الآخر بأقل ثمن ..
: لم أفهم
غمز لي : تعلمين من أقصد
صمت قليلاً ، وعاد ليسترسل : أقصد طارق
: لا تصلني أخباره للأسف
أردف بحماس : أنا أُحادثه عن طريق الـ Skype ، سأُعطيك ..
قاطعته مُسرعه : لا لا ، لا احتاجه
: أوه عذراً
تنهدت : لا بأس
أمسك بكتفي : آسف داين ، لم أقصد أن .. تعلمين ! التدخّل
ابتسمت مجدداً : لا بأس لوك ، إلى اللقاء ، أراك لاحقاً
: إلى اللقاء آنستي
هذا ثقيل !
تحركت يمنةً ويُسرة وما زال الثُقل يؤلم
كَتِفي ، فتحت عيني ببطء ، بذلت مجهوداً في الحقيقة لأفتحهما .. كانت كُتلة شعر !
أملت رأسي قليلاً ، كانت عفاف تضع رأسها على بطني
وتغط في النوم ، تبدو وكأنها لم تذق النوم منذُ شهور
: عفاف ، عفاف ، قوومي
فتحت عينها بصعوبة ، ونظرت إلي : هاا
: قومي عنّي
تذمرت : لاااااء ، أبي أناام
حثيتها على النهوض وأنا أحشر أصابعي
في بطنها كما تفعل دائماً ، صرخت وفي صوتها أكاد أسمع البُكاء : أبي أناااام ، حرام عليك
بعد محاولات قاسية ، في النهاية استطعت النهوض ، تركتها تنام في العسل ..
من الذي اخترع هذه الجملة على أية حال ؟
"تنام في العسل" ، هه ، لم أواجه شخص
في حياتي قد مرّ يومٌ عليه نام فيه في العسل !!
إما أن ينام ومزاجه متعكِّر ويصحو بنفسية أخرى أكثر انشراحاً ، أو ينام ومزاجه "عال العال" ليصحو والنفسية "تجارية" !
ولما العسل بالذات ؟ لِما لا يكون جُبن ؟ قشطة ؟ تمر ، نعم تمر فهو أكثر فائدة من العسل ، أمثال حمقاء .. !
دخلت غرفتي ولملمت اشيائي المتساقطة في
أرجاء الغرفة ، أشياء أقصد بها علب مساحيق التجميل ، ليلة أمس وضعت بعضاً منها لأن صديقة عفاف حضرت
إلينا ، لكنني لم أُعيدها لأني ..
نزلت للأسفل وجدت نادر يجلس بجانب أبي ويتناولون طعام الفطور ، سلّمت عليهم وردّوا السلام ، جلست
معهم وبدأت أذني تلتقط أحاديثهم ..
أبو نادر : لا لا ما فيه إلا العافية
أردف نادر بعدم اقتناس : إيه بس .. كأنه متضايق ، خاطره موب عاجبني
جلست أمي معنا واردفت باستغراب : من اللي موب عاجبك ؟
أبو نادر : أبوي يا جميله
: وش فيه عمي ؟
حرّك كتفه : مغر نادر يقول كأنه تعبان ، خلونا نوديه للمستشفى نتطمن عليه وأنا أقول ماله داعي
ضربت صدرها : وعليّ عليه عمي ، طيب ودوه للمستشفى ما راح يضركم
نظر إليها والدي بحدة ألجمتها : جميله ! أبوي ما فيه إلا العافية لا تهوّلين الأمور
صمتت أمي بضيق ، لا تَحُب أن يحادثها أحد
بهذا الأسلوب الجاف ، لطالما كانت حنونة في تعاملها معنا ، وتَحب أن تتلقى المثل مننّا
: اللي ما كان عاجبني أمس ، سامي
أردف نادر موافقاً لكلام أبي : إيه والله صحيح
ما عسى أن يكون به ؟
ربي أُستِر
أمي : ليه عسى ما شر ؟
نادر : مدري والله ، ما تعشّى وطول وقته
وهو معقّد الحواجب
اردت أن أُشاركهم الحديث ، فأردفت : يمكن من الشُغل تعب
: يمكن
سكبت أمي لي حليب في كوبٍ كبير ، تعكرت ملامح وجهي ، لا أحُب الحليب ولا حتّى رائحته !
نظرت إلى والدتي باعتراض ، فهي تعلم بعقدتي
من الحليب ، بادلتني النظرات بصرامة ، اقتربت مني وهمست في أُذني : اشربي الحليب الساخن تراك تعبانه !!
تلوّن وجهي وأمسكت بالكوب الكبير وأخفيت
ملامح وجهي به ، أكان من المفترض عليها أن تُحرجني هكذا ؟!!
عندما تخلخلت رائحة الحليب أنفي ، قفزت مُسرعة لدورة المياه -أعزكم الله- ، سمعت نادر : وش فيها ؟
إبتسمت والدتي : ما فيها شيء
دلفت إلى غرفتي ، شعرت بخطوات خلفي ، أعلم من تكون
ولا أريد الإلتفات ، فهي مؤكداً تُريد مُحاسبتي ، إمسكت بأحد ثيابي ، وعندما أردت الخروج ، أغلقت الباب
: ليه تكلمني كذا عند العيال ؟
لا إله إلا الله ، لست في مزاج جيّد للنقاش : جميله ، وراي مشوار ، بعدي عن الباب
تكتّفت بصرامة : سلمان ، بعد كل هالسنين ولا انت عارف كيف تتعامل معي ، أنا ما هوّلت شيء على قولتك ، أنا خايفه
على صحة أبوك
مسحت على وجهي ، سيطول الأمر إن عاندتها : طيب ، حقك علي ، والله يجزاك خير إنك حسيتِ
في أبوي ، خلاص !!
رفعت يدها بقلة حيلة : أنا مدري ليه أكلمك ، روح روح ، توّكل الله يستر عليك
فتحت الباب لي وبانت ملامح الضيق
على معالمها ، اقتربت منها : يا جميله ، يا أبوي أنتِ ، أنا ما أحب أحد يشفق على أبوي ، وادري انك موب
شفقانه بس كلامك وتصرفك ما أعجبني
: طيب
خرجت من الغرفة وأنا أعلم بأنني سأعود والأمور صافية ، هذه جميلة ..
قبيل الـ 30 عاماً
أجلس متجهمٌ في خيمة " لافي " ، أو بالأصح عمي ، والد زوجتي جميلة ..
في ذاك اليوم كان زواجي ، الذي ظننت
حينها بأنه زواجاً ملعوناً ، كُنت لا أرغب بالزواج البتة ، أردت الصيد ، الطيش والتخييم ، والترنح في العزوبية لبقية عُمري ، لكن ..
حُكم القوي على الضعيف
أراد أبي أن أتزوج ، إذاً فسأتزوج
كُنت ألتفت كثيراً ، أبحث عن
شخصٌ ينقذني من هذه الزيجة ، كان اليوم مثيراُ للتخييم ، كانت السحب جائدة ، شعرت بالمرارة ، جدَر
بي أن اتهرّب من هذا اليوم ، يا إلهي
حانت الزفة ، كانت التهاليل تتسابق لأُذني ، والرجال
"يصرخون"
مُرحبين بي في منزلي الجديد الذي سيضمني أنا وجميلة للأبد ، كم هي مؤلمة الأبدية ..
جلست في غرفة المعيشة ، وكانت جميلة
تقبع بجانبي ، لم استطع رؤية وجهها ، لأنها تصد عني من فرط الحياء ، لكن لمحت شعرها ، طويل يصل
إلى أسفل ظهرها ، لونه بُني يقارب الأحمر ، حريري منساب حولها ، اقتربت منها ، مددت اصبعي
نحوها ، ما أن وقع طرف اصبعي على كتفها ، أجهشت بالبكاء ، ارتعبت كثيراً ، قفزت نحوها : جميله ، علامك ؟
همست لي وهي ترتجف : لا تقرب
ضحكت كثيراً عليها ، دفعت كتفها ممازحاً ، يقال بأني حاولت أن أُهدئها ، لكنني زدت الأمور صعوبةً ، بات كحلها
يسيل على ثوبها ، وعلى عقدها الذي يُزين
جيدها ، تعكّر مزاجي ، لا أُحب البكاء ، وخصوصاً من "الإناث" ، تنهدت ومسحت على جبيني : جميله ، لا تبكين
يسيل الكحل وتطلعين تروعين ..
عميت ما يُفترض أن أُكحْله !!
لكنني اكتشفت بأن هذا ما يحصل في بداية الزواج ، الخوف من المستقبل ، المسؤولية ، التخلي
عن العزوبية / الحرية ، بعدها بأيام أكملت
جميلة حياتي بوجودها ، وأكملت ديني أيضاً ، أضافت وجود وهالةٍ خاصة بها ، أسعدتني كثيراً ..
جلست والدتي بجانبي وتأففت ، علمت بأن شيءٌ ما أصابهما ، أقصد والدي وأمي ..
: وين أختك ؟
نظرت إليها مطولاً : نايمه
جميله : روحي جيبي لي بنادول ، وصحيهم من النوم
لأجل يأكلون شيء ، لا فطور ولا غداء
اذعنت لها ، نهضت وأنا أجر أقدامي خلفي ، هذا الخمول
ممل كثيراً ،
أُحضر البنادول ؟ هه
ماذا أصاب البشر ؟ أصبحوا لا يستغنون عنه ؟ جميع الأدوية
أصبحت كذلك ، ركن أساسي في منزل كل شخص ، لا يعلمون بأنها هي من تسبب لهم الأمراض
أعطيتها البنادول ، وصعدت السُلم ذاهبةً لإيقاظ طارق
وعفاف ، طرقت الباب ، لا صوت سوى التكييف ، دلفت إلى الغرفة ، جلست على سرير طارق ، كانت الغرفة
مهيأة للنوم بحق !!
ملت قليلاً ناحية طارق ، لكن تلك الوسادة أغوتني ، سحبتها ناحيتي ، ونمت بجانب طارق
لمحت عفاف تقترب مني ، كنت أجاهد نفسي
لإبقاء عيني مفتوحة ، همست وأنا أعصر عيني بتعب : شفيك ؟
دفعتني بيدها ، تنحيت بجانب طارق ، شعر
بوجودي ، فتح عينه ونظر إلي ، افسح المجال لي لأنام بجانبه كي تستطيع عفاف أن تنام معنا ، أغلقت عفاف الباب ، وعادت
لترمي جسدها بجانبي
استغربت من تأخر هيفاء ، فهذه ليست عادتها ، ذهبت
لغرفتها ، لم أجد أحد فيها ، أكملت سيري لغرفة عفاف ، فارغة من أي كائن !!
إين ذهبوا أطفالي ؟؟
فتحت باب غرفة طارق ، وجدتهم "منصرعين" على
السرير ، لانت ملامح وجهي ، تبدو أشكالهم مريحة جداً ، إبتسمت ، ليت نادر يكون بمثل عفويتهم ، لا أعلم لما هذا
الفتى جديّ هكذا ؟ أتمنى أن يتغير ، قريباً !
امسكت بالهاتف ، اتصلت على "فوزيه" و "منيره" حماواتي ، وطلبت منهما القدوم لتسليتي في
فترة العصر ، طلبت الفطائر والعصيرات من المتجر القريب ، ذهبت للمطبخ وبدأت
بعمل الحلويات ، أردت المساعدة بشدة ، لكن لا يوجد من يقدمها لي ، سمعت جرس الباب ، فتحته وكانت ..
في الوقت المُناسب !!
: هلا هلا ، هلا بالزين كله
إبتسمت لي بخجل ، ومدت يدها لتصافحني : كيف حالك يا خاله ؟
: الحمدلله زينه ، حياك ادخلي
دخل خلفها "فهد" ، قبّلته على رأسه ، أغبطه على
صبره ، كيف لقلبه الصغير الابتسام للحياة ، صبرٌ جميل يا فهد
امسكت بالطعام الذي أحضرته معها ووضعته على
الطاولة : وين أمك ؟
: بتجي
: زين زين ، دقيقه بروح أنادي البنات
في الحقيقة لم أكن أريد أنا أُنادي بناتي ، بل كُنت
أريد أن أُنبِه طارق ألا ينزل ، لأن ابنة عمه "ريم" موجوده ، قرعت الباب ، وتذكرت انهم رقود ولن
يجيبني أحد ، فتحته وأمسكت بذراع طارق ، هزّيتها أكثر من مرة ، لن يجيب هذا الفتى ، دلفت
إلى دورة المياه - أعزكم الله - بللت يدي بالماء البارد ، وعدت إليه "بسم الله" ، مسحت على وجهه ، انتفض
بسرعة عندما شعر بأصابعي تلمسه ، سميّت عليه ، نظر إلي بنصف عين
مدّد ذراعه إلى آخر الفِراش ، ذراعه الأيمن ضرب في رأس هيفاء : هاه
اقتربت منه وهمست له : بنت عمتك تحت ، انتبه لا تدرعم علينا
: طيب
عاد إلى النوم وأنا عدت للأسفل ، وجدت كُل
الطعام قد قُسِّم ، والعصيرات سُكِبت ، والحلويات قد وُزِعت ، علمت بأنها ريم ، ما أجمل هذه الفتاة ..
سمعت كلمات والدتي لطارق ، استيقظت بعد عناء طويل ، ذاك الخمول الغبي !!
استحممت وبدأت بالتجّمل ، لم أكن في المزاج
لهذا ، لكن يجب علي أن أفعل ، فَ عماتي يكرهنّ عندما لا نلقي التحية عليهن ، كيف استنتجت قدومهن ؟
حسناً
عمتي فوزيه لا ترسل ريم إلينا إلا وهي قادمة ، أما عماتي الأخريات ، بالتأكيد والدتي لن تتركهن دون دعوة !!
نزلت للأسفل ، رأيت ريم تُصلح السُفرة ، سلّمت
عليها واطلقت بعض الدُعابات عن المدرسة ، لكنها لم تضحك ، لا أعلم لما يكرهون المدرسة !!!
دخلت المطبخ ، تفجّرت في جيوبي الأنفية رائحة الطعام ، أصدرت معدتي أصواتاً مُرحبة
كان فهد يجلس على الطاولة وعلى وجه
ابتسامة بريئة ، اقتربت منه وعانقته ، حرّكت أنفه كثيراً ، ضحك وتوّهجت السعادة في وجنتيه ، شعرت بفراشات
قلبه تحلق حولي
أذكر تلك القصة التي كانت خالتي ترويها لنا ، هو الطفل صاحب الفراشات ، إذا ابتسم حلّقت الفراشات حوله ، وإذا شعر
بالسعادة تلوّنت حوله الطرق ، أذكر بأنني لم اقتنع
بكلامها ، كُنت أبلغ من العمر 8 سنوات ، لم أصدقها ، ، أعلم بأنها قصة خيالية ، لكن الفضول تآكلني ، وأردت أن
أفهم كيف يحصل هذا ؟ ، لهذا أخبرت "فيصل" عن قصتها ، عن فراشات القلب ، وهل يعقل بأن تكون موجودة ؟
أجلسني فيصل ، ثُم وقف أمامي
أبتسم
بقيت أبحلق فيه ، انتظر شيءٌ ما أن يحصل
لكنه بقي مبتسم ولم يتحرك ، استاءت ملامح وجهي ، شعرت بالضجر ، نهضت وأنا انفض التراب عن
ملابسي ، مسك كتفي ، وهز رأسه يريد مني البقاء قليلاً
جلست مرة أخرى "بسرعه وش تبي ؟" جلس أمامي ، واتسعت ابتسامته ، كتب على التراب ، إلهي كم صَعُب
علي قراءة خطّه المتعرج ، أملت برأسي وأنا أحاول قراءة ما كتب
"طلعت مني فراشة"
نظرت حولي باحثة عن تلك الفراشة المزعومة ، لم أجدها ، عاودت النظر إليه ، حاولت أنا فهم إلى
ماذا يُشير ، طمس كلامه وهو يمرر يده على التراب ، وعاد للكتابة ، لكن هذه المرة علَت
ابتسامة أخرى ، تختلف عن تلك ، ابتسامة صادقة ، وللحظة شعرت بسعادته تلفحني
"أنتِ فراشة قلبي"
إبتسمت له ، كُنت طفلة ، تظن بأن هذا الغزل الطفولي مجرد مُزاح ، نهضت مجدداً وأنا أردف "فراشتك بتمشي"
كلما تذكرت هذا الموقف ، شعرت بالحمرة تتسلل إلى وجهي ، عندها آمنت بأن هُناك فراشات قد
حلقت من قلبي وطافت حوله ، آمنت بفراشات القلب ، ما ألطفك يا فيصل ، وكيف كُنت رقيق مع
طفلة مثلي ، لو حُبِكت هذه القصة في هذا الزمن مع أحد أطفال هذا الوقت ، لكان السيناريو مُختلف
: هيوف ، فيك شيء ؟
قبلت جبينه ، لا يوجد خطبٌ بي ، وحتى إن كان يوجد ، فهو لا يُقارن بما فيك : لا حبيبي
امسكت بأحد الفطائر واطعمته بيدي ، كيف
للجمال أن يتشكّل في هيئة هذا الطفل ، يا سذاجة آلامنا نحوْه ، ويا هلعنا من المصائب أمام صبرِه ، كيف بدت الدنيا أمام عينه ؟ لا شيء
يعيش يومه ، وهو يعلم ما أُبتليّ به ، هو مثال في عالم تقلصت فيه الأمثلة ، هو درس وجب علينا حِفظه ، سلمت يد من ربّاك ، وسلم بطنٍ حمِل بك ..
نزلت عفاف وهي تترنح على السلالم ، حاولت فتح عينها ، قابلتها ريم ، بدأت عفاف بالتدقيق في ملامح ريم ، فجأة
توّسعت عينها بصدمة ، غطت وجهها
بيديها ، هروّلت للإعلى ، ضحكت ريم كثيراً عليها ، كانت بملابس مبهذلة وشعرها أشعث ، وكأنها قد تنازعت
مع قططة ، لا بأس ، هكذا هي الحياة ، قد تكون غير عادلة أحياناً
لعنت غبائي الذي أنزلني للأسفل ، أكان من الضروري أن أنزل ؟! ، هذا الوقت بالذات الذي لا أشاء
أن يراني فيه أحد ، وأنا ابدو هكذا ..
أين مساحيق التجميل ؟ أين الملابس
البرّاقة ، وضعت أنواع المجمِلات على وجهي ، وسرّحت شعري ، وارتديت ما وقعت يدي عليه ، نزلت للأسفل
وأنا رافعة أنفي للإعلى ، أبحث عن نرجسيتي
التي أضعتها هنا ، سلّمت على ريم سمعت ضحكتها الخافتة ، لم أبالي وأنا أمشي بكبرياء شديد ، دلفت إلى المطبخ
ورأيت هيفاء شاردة الذهن ، وفهد ينظر إلي ببراءة ، اقتربت منه وأنا أُداعبه : كيف حالك فهودي ؟
ابتسم لي وهزّ رأسه : بخير
تقدمت إلى هيفاء : هيوف
حدّقت بي ثم اردفت : يالله نرتب السفرة ، ريم سوّت كل شيء ما قصّرت
ساعدنا ريم فيما تبقى ، وطبعاً لم يتبقى إلا القليل ، شكرتها على المساعدة ، واعتذرت منها على المنظر المخيف
الذي رأته ، جلسنا أنا وهيفاء ونحنُ نحدق في
أنفسنا ، امتدحت ملابسها ، وهي فعلت الشيء نفسه معي ، جلس فهد بجانب أخته وهُما يلصقان أجسادهما
في بعض من الخجل ..
إبتسمت له ، وأبتسم لي ، تشجعت قليلاً ورفعت أصابعي في مستوى أُذني وحركتها بسرعة وأنا اخرج لساني ، ضحك
على حركتي السخيفة ، نظرت إلى هيفاء وأنا اضحك ، لأجدها تقول "الحمدلله والشكر" ، تلوّن وجهي ، أكان شكلي
غبي إلى هذه الدرجة ؟!
أم كان على أن اتصرف بلباقة لما يناسب ملابسي ، كي لا يفسد "برستيجي" ؟؟!
غير مهم
سمعنا أصوات ترحيب وضجيج قادم من الخارج ، لا بد من انهما عماتي ، وقفنا أنا وهيفاء وتقدمت هيفاء
عند الباب ، أول من دخل كانت عمتي منيره "زوجة عمي منصور" ، سحبت هيفاء في عناق ، نظرت
إلى هيفاء وأنا أكاد أن انفجر ضحكاً على نظرتها المستنجدة
أطالت في عناقها ، ثُم ابتعدت وهي تناديني أن اقترب إليها ، اقتربت وقبّلت رأسها وصافحتها ، افسحت لها المجال لتدخل
صالتنا ، ما أن التفت إلا وأمسكت بي ابنتها "وفاء" ، سلّمت عليها وأمسكت بابنها الصغير "سعد" قبلت أنفه واعدته إليها ، جلست بجانب أمها ..
دخلت أمي ورحبت بهم وطلبت من هيفاء بأن "تقهوي" الضيوف ، جلست أنا بجانب ريم ، ومن خجلي التصقت
بهم أيضاً
: كيف حالك يا عفاف ؟
نظرت إلى عمتي وأنا أحاول أن ابدو طبيعية قدر المستطاع : بخير
أستأذنتنا هيفاء ، لماذا هربتي وتركتيني أواجه هذا الوضع لوحدي ؟
نظرت إلى وفاء التي كانت تتفحصني بنظرها ، حشرت
نفسي بجانب ريم وأخيها ، حتى شعرت بفهد يحاول أن يتنفس ، ابتعدت قليلاً ، يا إلهي
كم أمقت هذه النظرات
انتظرت والدتي ، حتّى استطيع الهروب من هذا اللقاء ، سمعت صرخة من عند الباب
" يا أهل البيت "
"جميلة"
" بنت "
" وينكم "
لا أحد يملك صخب الحضور إلا عمتي
فوزيه ..
اقتربت أمي من الباب وهي تُرحِب بها ، وجاءت من خلفها هيفاء ، بعد السلام والقُبل ، لمحت طارق
يعدو مع السُلم ، لا بد من أن صراخ عمتي ايقظه ، دخل صالة الجلوس
دعوني أوضح الأمر ، طارق يُعاني من ضعف في النظر وللتو قد صحى من النوم ، إذن فَ النظر 0 ..
لم يُلاحظ الموجودين وهو يردف : شفيكم ؟
وفاء التي كانت ترتدي عباءتها ، كان من السهل عليها أن تضع النقاب بسرعة على
وجهها ، لكن ريم التي ظلّت متخبئة خلفي
لم تكن ترتدي إلا القصير والذي توضح منه بياض ساقيها ، قفز فهد من جانبي ، لربما شعر
بالغيرة على أخته ، دفع طارق بيده ، لنسمع ضحكة عمتي فوزية "أتركه خلني أسلم عليه" ، وضحت الصورة
لطارق وهو يفرك عينه ويداعب خصلات شعره بضجر ، ابتعد وهو يصعد السُلم وعاد إدراجه ..
إبتسمت أمي بخجل من تجاهل طارق ، لتردف عمتي منيره بزعل : وراه ما يسلّم علي الفالح ؟
حاولت اختلاق الأعذار لأخي ، هؤلاء النسوة التهمنه "حياً" : ما تشوفون ريم هنا ؟ كيف يدخل ويسلم ؟
حشرت ريم نفسها بداخلي ، في الحقيقة انزعجت ولكنني قدّرت حياءها ، نظرت حولي باحثة عن فهد ، ولم أجده
شتمت عمتي فوزية في داخلي ، أحقاً تحتاج "ترويع" الناس كي يعلموا بوصولها ؟ لا أعلم ما خطب هذه
المخلوقة ، ولماذا تُريد بشدة إن تقتلني أو أن تتسبب في قتلها ؟!
نظرت خلفي لأني سمعت خطوات ، وجدت
فهد ينظر إلي ، كُنت سأصرخ ولكنني تذكرت مرضه ، فعاد قلبي يؤلمني ، أكملت سيري ودخلت غرفتي ، ودخل هو !!
ماذا يُريد ؟
عجيب
جلس على سريري ، وبقي يحدق بي ، خلعت قميص بجامتي ، لم يتحرك بل كان ينظر ببراءة ، نظرت إليه وأنا أُحاول أن أُلين صوتي : تبي تشوفني مفصّخ ؟
تقززت ملامحه ، وهز رأسه مراراً بالرفض ، بدا وكأنه وجد الحل ، التفت وقابلني ظهره ، أخذت قطع ملابسي
ونوّيت الاستحمام ، أسرعت بالتحمم وفي رأسي
منظر فهد وهو ينبش بأغراضي ويجد الشريط الذي تظهر فيه دانه ويخرج ويخبر والدته وينتشر الخبر ويقتلني عمي وينبذني الجميع ، واعيش يتيماً وحيداً وسيكرهني الجميع ،
ارتعبت من هذه الأفكار ، خرجت بسرعة وأنا ألف منشفتي حول وسطي ، وجدت فهد مستلقي على سريري ويحدق في السماء
عدت للخلف قليلاً .. شعرت بكهرباء تسري بي ، وشعر جسدي واقفاً رهبةً من المنظر ، كان ينظر ، إلى نقطة
معينة فوق ، وكأنه يُحادث احدهم بنظراته ، أو ربما يناجي ربه ، نظرته أعمق ما رأيت ، تلك العدسة كانت
ثابتة ، ملامح وجه لم تُشابه البراءة التي اعتدتها منه ، بل كانت حادة وذابلة ، وكأنه كبر 10 سنين ، ارتديت
ملابسي وعدت له وأنا أجاهد نفسي ألا انظر إليه ، ولكنه جلس مجدداً ورتّب نفسه ، كان جسدي بأكمله
يرتجف ، رُبما تلبسته جنية : فهد
ابتسم وعاد وجهه مُبتهج مجدداً ، أكان يُفكِر بمرضه ؟ ، أردفت : انت فيك مرض ؟
سألته ، لأني خشيت بأن عائلته لم تخبره ، لهذا لم أرد إن أكون الفاجع !!
ابتسم وهو يتأنى بكلامه وكأنه
يحادث طفل : قصدك السرطان ؟
لا حقاً ، يبدو بأن هناك جنية تتلبسه ، بسم الله ، بسم الله اخرج يا عدو الله ، اهززت رأسي موافقاً لكلامه : وين ؟ أقصد السرطان ؟
: في رأسي
كانت ضربة موجهة مباشرة لصدري ، حاولت إن اصمد واتحدث دون أن أُثير انتباهه لخوفي
وصدمتي : طيب ، انت اللحين تحس بشيء ؟
ضحك ثم أردف باريحية تامة وكأنه يتحدث بتخصص هو أعلم به : أنا ما أحس بشيء اللحين ، لكن اكيد راح أحس بعدين
نظرت إليه بريبة ، ماذا يعلم هذا الطفل ولا اعلمه أنا ؟ : كيف يعني ؟
ببساطة قال : يا أني بعاني من العلاج بالكيماوي ، أو أني بموت ..
جحظت عيني ، لم استطع إدراك ما قال ، صرخت به : أستغفر ، ما تدري ربي وش كاتب لك
كان ينظر إلي بجمود : ربي على كل شيء قدير ، بس أنا أعرف ناس ماتوا من السرطان ، اللي في الدماغ !
كانت أنفاسي غير منتظمة ، كادت الدموع تتدحرج
من عيني ، ماذا أقول ؟ أنا الذي لا أحفظ شيء من المواساة سوى الشتائم والغضب : أكل تراب ، ما راح تموت ، ألا إذا أنا اللي قتلتك
اقترب مني وعانقني ، تصلبت عضلاتي ، حبست أنفاسي فجأة ، ابتعد عني ونظر إلي : اللي كاتبه ربي بيصير ، جدي قال كذا
أدرت وجهي عنه : اطلع برا
خرج من الغرفة وسمعت صوت الباب
نزلت دمعتي التي جاهدت أن أبقيها سجينة في
عيني ، مسحتها بسرعة ، لا أحب أن يراني أحد وأنا أبكي ، حتى وإن لم يكن أحداً موجود فأنا أخجل من خروج الماء
من عيني ، ربما أنا شرقي ، لكن هذا ضعف ، بكاء الرجل ضعف وليس إلا كذلك ..
2009 م.
الجميع يمتدح حياتي ، يظنون بأني سعيد واكاد أتمزق من فرحتي ، رُبما هذا ما أوضحه لهم ، ولانني
أيضاً لا أحبذ أن أشعر من حولي بحزني ، بل كنت اتجرعه واستمع لحزن غيري ، مساعدتهم أهم من مساعدة
نفسي .. كم أنا بسيط
في أحد الأيام طلبني أخي الصغير "فارس" بأن اتحقق من مواعيد مباريات "الهلال" ، كان مُعجب بهم ، لهذا
وافقت ، عندما انتهيت فتحت بريدي الإلكتروني ، كان مكتظ بالرسائل ، دعوات زواج ، نُكت ، ادعية ، ورسائل
طارق من جهة ، والغريب رسائل من المنتديات ، لا أعلم من يُسجل في هذه المواقع بأيميلي !
كان إخوتي حولي جلوس ، عبدالله ، منصور ، عزام ، فارس وأنا
عبدالله أكبرنا ، ويصغرنا عزّام
وقع نظري على رسالة كان موضوعها "الآنسة عفاف" ، تبادر في ذهني بأنه طارق ويُريد ممزاحتي ، إبتسمت وأنا
افتح الرسالة ، اعتدلت في جلستي واتسعت ابتسامتي ، لكن صُدِمت وما أبشعها من صدمة ..
..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ابن عمي "سامي" ..
كيف هي أحوالك ؟ أظن بأنك بخير ، لا أعتقد بأن هناك شخص مُتعب مسافر للصيد !
أليس كذلك ؟ إذاً لا بُد بأنك بصحةٍ جيدة ..
كيف كانت تلك الرحلة ؟ أظن بأنك استمتعت فيها ، بل أنا مُتيقنة بهذا .. لأني أمضيت هذه الأسابيع استمع لعمي وهو يتكلم عن الصيد ، مللت بحق ..
كم حيوان اصطدت/قتلت ؟ لا بد من انك تشعر بالقوة الآن لقتلك تلك الحيوانات المسكينة والتي لا ذنب لها سوى الوقوع بين يديك !
على أية حال ، لطالما أحببت الدخول في صلب الموضوع ، لكنني لم أريد أفجاعك ..
مرّت بِنا 3 أسابيع منذُ خُطبتنا
سامي ، لا أريد أن أُطيل الأمر أكثر من اللازم
أنت أخي ، ولطالما كُنت كذلك ، مواقفك البطولية معي تُسعد قلبي كثيراً ، زُدتني شرفاً عندما تقدمت لي
أنا لا أُحبك ولا أتخيلك زوجاً لي - لا أعني الأنقاص من قدرك - ولا أريد الارتباط بك ، ولكنني قد فعلت
لما لم أرفض ؟
ببساطة لأنك ابن عمي ورفضي لك سينتشر كالنار في الهشيم ، وسيظن الناس بك السوء ، ولن يُزوجك أحد ابنته لهذا السبب ، أو أسبابٌ أخرى ..
وسبب آخر هو طارق ، أنت تعلم بصداقتكم ، ولا أظن بأنه سيفرح عندما يعلم برفضي لصديقه الغالي !
وأهم سبب هو ; ليس هناك مانع من زواجي بك ، لأني لن اخسر شيء في هذه الزيجة ..
لُب هذه الرسالة ..
أرجوك ، نحن زوجان على الورق فقط ، لا تتوقع مني أن أُعاملك كزوجة ، ولا أريد أي شيء يربطني بك سوى ورقة ، وهي تحت كامل تصرفك
ولن أكون عثرة في طريقك ، ستُسنح لك الفرصة للزواج بأخرى ، لأن والدتك تُريد مشاهدة أطفالك متشبثين في ذراعها ، وصدقني .. لن تكون الأم أنا .. لهذا ستُسارع بالخطب لك ، عندها ستعيش سعيداً مع زوجتك .. بعيداً عني.
إلا إذا أردت الطلاق فسيكون لنا حديث آخر.
لا ضغينة
ليُكن الله في عونك ..
___________________
المُرسل : عفاف سلمان العزام.
تاريخ الإرسال : 21 / 8 / 2009 م.
البريد الإلكتروني : AfafSol@hotmail.com
المُرسِل إليه : سامي عوّاد العزام.
البريد الإلكتروني : Swemaz@hotmail.com
يتبع ..
قراءة مُمتعة للجميع ..
موعدنا القادم في الجزء الـ 13 .. الجمعة بإذن الله
انتظر ردودكم وآرائكم ..
" اللهمّ واجعلني عظيمةً في رحيلي وأحسن لي الختام يا حيّ يا قيّوم "
|