كاتب الموضوع :
الامل المفقود
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
رد: 83 - حائرة - فيوليت وينسبير - من روايات عبير القديمة
والان مع بقية الفصل السابع :- قراءة ممتعة
وفيما كانت دانا تغادر الغرفة وتقفل الباب بهدوء . راحت الاسئلة تضج في راس تينا وتحرمها من النوم والراحة هل من المحتمل ان تكون دانا على حق فيما يتعلق بحاجة جون اليها ؟ هل لا يزال هناك امل في اقامة علاقة طبيعية بينهما . حتى بعد ان وصلا الى هذه المرحلة الحرجة ؟ انه يحب ابنته كثيرا ولا يريد الحاق الاذى بها وحرمانها من الام الجديدة التي من الواضح انها تحتاج اليها كثيرا سيكون عملا قاسيا لا يقوم به الا ذوو القلوب المتحجرة . ولكنه ليس متحجر القلب ...
الحب " من المؤكد انه اكثر المشاعر والاحاسيس الانسانية ايلاما وغموضا ... انه امر غير حسي ويتعدر تفسيره او تحديده ومع ذلك فان بامكانه ان يطعن القلوب كالخناجر ... كما يفعل معها الان كان جون يعرف سبب رغبة جوانا في الموت حاول جاهدا الحؤول دون ذلك ... ولكن عندما وقعت الحادثة ضمن الحماية لبولا وكلن بذلك يحمي اسم زوجته ويحفظ كرامتها وسمعتها اذا كانت جوانا قفزت عمدا الى البحر وصخوره الناتئة فان ذلك يعتبر انتحارا ومن الافضل بكثير القول بانها قضت بحادثة بدلا من الاعتراف بالحقيقة المرة وذلك اكراما لليزا وحفاظا على مشاعرها .
ستيقظت بعد ساعتين تقريبا على صوت الرعد فيما كان البرق ينير الغرفة المظلمة بومضات قوية وشبه متلاحقة والمطر الاسنوائي ينهمر بغزارة وقور . انها العاصفة التي توقع جون حدوثها ... وهدا يعني انهما سيظلان في اورانج كورال لحين هدوء العاصفة ...
وجلست تينا بعصبية بالغة عندما قالت لنفسها انه ربما عاد الى سانت مونيك قبل هبوب العاصفة وتركها بعناية دانا ... ربما حتى يوم الاثنين عندما يعود اليها ومعه حقائبها وتذكرة سفر " قفزت من السرير متوترة الاعصاب وهرعت نحو الباب ففتحته وهمت بالخروج لتسال دانا عن ...
(( كنت قادما للاطمئنان عليك ؟ ))
واقترب منها جون الدي كان يحمل مصباحا على الغاز بسبب انقطاع التيار الكهربائي واضاف قائلا بلهجة قلقة :
(( لا يزال الارهاق باديا على وجهك " ))
(( لا اني بخير يبدو ان الحر كان شديدا بعض الشيء بالنسبة لي اني اشعر بتحسن ملحوظ الان بعد ان برد الهواء قليلا نتيجة لسقوط الامطار ))
وضع يده على كتفها التي كانت تؤلمها قليلا نتيجة لضغطه عليها في الليلة السابقة فاجفلت قبل ان تتمكن من السطرة على نفسها حدق بها ثم ازاح فستانها قليلا ليشاهد الرضوض التي احدثتها اصابعه الغاضبة وسالها بانفعال :
(( هل انا فعلت ذلك بك ؟ ))
(( اني ... اني اصاب بالرضوض ... بسهولة ))
ثم وضعت يدها على كتفيها لاخفاء تلك العلامات المزعجة وسالته :
(( متى هبت العاصفة ؟ ))
(( منذ ساعة تقريبا ... اسمعي يا تينا اني لم اقصد ابدا ... ))
(( اعرف . انا اغضبتك امس بتصرفاتي السخيفة ... انت زوجي ولك كل الحق ... ))
(( الحق رباه كم نسيء استخدام هدا الحق ارعبتك امس بشكل مزر . وضميري يعدبني بسبب ذلك طوال الوقت قلت لك كلمات قاسية وحقيرة ولا مبرر لها على الاطلاق ))
وداعب شعرها لحظة ثم اضاف قائلا :
(( اذا كنت تريدين مغادرتي يوم الاثنين . فلا باس بذلك فالزواج بدون حب يرغم الانسان على القيام باعمال يجدها منفرة وكريهة "))
احست تينا بان قلبها يكاد يتوقف عن الخفقان وتمسكت بعنف بعدرها المنطقي الوحيد لطلب البقاء في سانت مونيك . اذ قالت بدهشة :
(( ستشعر ليزا بحزن عميق فيما لو تركت الجزيرة ))
ارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة وبدت عيناه متعبتين وساخرتين عندما سالها :
(( تريدين البقاء من اجل ليزا ؟ يبدو انك حقا تهتمين بها اليس كذلك ؟ ))
(( الى درجة كبيرة " انا لم اتمكن من التمتع بطفولتي . ولذلك اصبحت ليزا عنصرا بالغ الاهمية لتعوضني عما فقدته او لم احصل عليه اعتقد اننا ... نحتاج الى بعضنا ))
حبست انفاسها وهي تنتظر منه ان يقول لها انه هو ايضا بحاجة اليها ولكنه على العكس من ذلك حدق بها وقال لها بلهجة جافة :
(( لا حاجة لان تنظري الي بمثل هاتين العينين الكبيرتين القلقتين اذا بقيت في سانت مونيك فانني لن اتوقع منك بذل اي تضحيات ))
توقف لحظة ارادت خلالها تينا التعليق على كلامه ولكنه سمرها في مكانها عندما اضاف قائلا :
(( هناك تعويضات متاحة في سانت مونيك وانا لن يعوزني اللهو والتسلية هيا لننزل الى قاعة الاستقبال قبل ان تجر دانا نفسها الى هنا وتكتشف ما يعيق نزولنا . سوف نتناول طعام العشاء في بيت دانا سيكون من الجنون ان نجازف بالعودة في مثل هذا الجو العاصف .))
سبقته على الدرج الضيق حزينة ومنقبضة النفس . كيف لا وكانت اشارته الى التعويضات المتاحة واضحة وليست بحاجة الى تفسير او تاويل انه يهددها بالمراة اللعوب ... بولا كاريش "
استقبلتهما دانا بوجه بشوش قائلة لهما بمرح ظاهر انها تحب العةاصف لان احداها ارغمت صديقيها على البقاء ومشاركتها عشائها الذي تتناوله عادة بمفردها وبعد ان شربوا الشاي دعت دانا ضيفتها الشابة الى ان تاخد حماما ينعشها ويعيد اليها بهجتها وفيما كانت تينا تسرح شعرها المبتل دخلت دانا بوجه مشرق وسالتها :
(( هل ارتديت احد فاستين الساري من قبل يا طفلتي العزيزة ))
تاملت تينا باعجاب تلك القطعة الطويلة من الحرير الخالص معلقة على ذراع دانا وقالت :
(( لا . ابدا اعتقد انه جميل للغاية ))
(( اسمعي . لا يمكنني اعارتك احدى عباءاتي لانها ستبدو عليك كخيمة كبيرة لذلك فاني ساعلمك كيف ترتدين الساري اذ ان قوامك مناسب تماما لمثل هذا النوع ))
ثم غمزت باتجاه الغرفة المجاورة حيث كان جون يعد نفسه للنزول الى العشاء وقالت بصوت هامس :
(( ستكون مفاجاة لطيفة جدا بالنسبة لزوجك ))
مشت تينا نحو السيدة الطيبة وسالتها فيما كانت تتحسس القماش :
(( رائع هل هو حرير خالص ؟ هل هو اصلي ؟ ))
(( نعم يا حبيبتي عندما كنت صبية عشت مع والذي في الهند حيت كان يحتل منصبا حكوميا واخترت العيش هنا بعد وفاة ابي . لانني طالما احببت الطقس الحار . هيا الان لنجرب الساري الذي يزيد الفتيات الهنديات جمالا وجاذبية ))
اقتربت تينا بعد لحظات من المراة وتاملت نفسها باعجاب واضح وسمعت دانا تتمتم بسرور مماثل :
(( رائع . رائع كيف تجدين نفسك ايتها العصفورة الجميلة ؟ ))
ضحكت تينا بفرح وقالت :
(( كالطاووس " ))
وضعت دانا يدها برفق على كتف تينا قائلة لها بحنان دون ان تشير من قريب او بعيد الى الرضوض :
(( انك الان بحاجة الى عقد يناسب الساري وانا لدي العقد الملائم . انتظري لحظة كي احضره لك من غرفتي ))
هل نزل جون الى قاعة الاستقبال ؟ ماذا سيقول عندما يراها ؟ هل سيجد الامر مضحكا ومسليا ؟ هل ... ؟ عادت دانا الى الغرفة ومعها العقد الجميل فوضعته تينا حول عنقها ونزلتا الى القاعة لتجدا جون بانتظارهما .رفع حاجبيه بدهشة وهو يقف ويقول :
(( اوه انها حقا مفاجاة " ))
ابتسمت الزوجة الشابة بخجل وقالت له :
(( أنها فكرة دانا هل يعجبك الساري ؟ ))
دار حولها وهو يتأملها بدقة وعناية ثم قال لها بنبرة صادقة :
(( انه بالتأكيد يبرز معالم خفية من شخصيتك يا صغيرتي انك رائعة ))
لم تصدق أذنيها لأنه بدا كأنه حقا يعني ما يقول ولكنها قررت المضي بحذر بالغ مخافة الانزلاق . رفعت يديها عاليا ثم انحنت وهما لا تزالان ممدودتين . وقالت له مازحة :
(( الهدف الوحيد لحياتي هو إسعاد سيدي ))
ابتسم وقال لها :
(( تحدثني نفسي في هذه اللحظة ان اصدق كلامك . يا تينا ))
بعد العشاء الشهي الذي تناولوه على ضوء الشموع تطلعت دانا الى جون وقالت له :
(( اعتقد انه لا يزال لدي عدد قليل من ذلك النوع الفاخر من السيكار الذي يستخدمه والدي ))
وأحضرت علبة من خشب الأرز وفتحتها إمامه بمرح :
(( هيا يا جوني أشعل واحدا وغلفنا بدخانه ))
توقفت العاصفة ولم يعد يشعر الساهرون ألا بالرطوبة التي خلفتها وراءها قامت دانا الى الحاكي القديم ووضعت اسطوانتها المفضلة الفراشة المسكينة . المسكينة الجميلة التي أحبت رجلا وهب قلبه لا امرأة أخرى "
(( هذه أنغام تعيش الى الأبد وهذا اللحن بالذات كان مشهورا جدا عندما كنت صبية عندما تنظران إلي ألان بعد ان أصبحت ضخمة ومستديرة كالبرميل لن تصدقا إنني كنت أحدى أفضل الراقصات في حفلات بومباي هل تحبين الرقص يا تينا ؟))
ابتسمت تينا وإجابتها بخجل واضح :
(( لم ارقص في حياتي أبدا ألا مع ... وسادتي وفي غرفتي ))
تدخل جون فورا ليقول لدانا مبررا ذلك :
(( كانت عمتها التي ربتها مند صغرها بعد وفاة والديها قاسية ومعقدة جدا . كان يجب ان تربيها امرأة طيبة وحنونة مثلك يا دانا ))
نظرت دانا الى تينا بحنان وقالت :
(( اوه .كم كنا سنعد برفقه بعضنا يا صيغرتي . الرغبة في الانجاب جزء لا يتجزا من طبيعة معظم النساء والعناية بطفل امراة اخرى هي ثاني اروع شعور في هذا المجال . على اي حال نحن الان صديقتان ويجب عليك ان تاتي الى اورانج كورال كلما سنحت لك الفرصة . سيطلب جون من جو احضارك الى هنا كلما اردت ))
تطلعت تينا بسرعة الى زوجها وسالته :
(( هل يمكنني ذلك بين الحين والاخر ؟))
(( طبعا يا حبيبتي . فانا اريد ان يصبح اصدقائي الطيبون من امثال دانا اصدقاءك ))
وقف بتكاسل ثم فرك رجله اليسرى بسرعة وكانها تؤلمه قليلا نظرت اليه دانا وسالته باهتمام وقلق جديين :
(( هل ما زلت تعاني من رجلك بعد هذه الفترة الطويلة ؟))
(( انها الرطوبة وازعاجها لي ليس بذي اهمية على الاطلاق ))
(( كانت حقا معجزة انك لم تفقد هذه الرجل يا جوني ))
هز راسه موافقا ولكن بدا واضحا انه لا ينوي الحديث عن هذا الموضوع اذ انه التفت نحو تينا مقترحا عليها ابدال الساري لانهما سيعودان الى سانت مونيك ابتسمت دانا وقالت لتينا :
(( ستظلين كما انت يا صغيرتي . الساري لك ... لا اقبل اي اعتراض " انك تبدين فيه جميلة جدا ويمكنك ان ترتديه بين الفينه والاخرى في احدى سهراتكما الانفرادية الرومنطيقية .ساحضر لك شالا من الكشمير تضعينه فوق الساري ))
عادت دانا بعد لحظات ومعها الشال الحريري الجميل وضعته على كتفي تينا وقالت لها هامسة :
(( لا تتخلي عن احلامك بالسهولة ذاتها التي حدثت معي فالحب يا صغيرتي يستحق ويستاهل تضحيات كثيرة وبخاصة بالكبرياء " ))
ادركت تينا على الفور معنى هذه الكلمات القليلة ... اذا كانت حقا تريد جون فما عليها الا ان تضع الماضي جانبا وتعمل على تحقيق مستقبل سعيد وزاهر عليها ان تعطي من ذاتها ... وان تامل في ان يؤدي العطاء الى النتيجة المرجوة .
(( ياعود قربيا يا دانا ))
(( اني اتطلع قدما وبشوق الى ذلك يا عزيزتي اتمنى لكما ليلة سعيدة ورحلة هادئة وموفقه ))
شكرها جون مرة اخرى وودعها متمنيا لها ليلة طيبة ثم امسك بيد زوجته وتوجها الى الزورق وخلال دقائق قليلة كان ذلك العملاق الوديع يستقبلهما بهدوء وسكينة ويقول لتينا وهو يساعدها على الصعود :
(( كانت عاصفة قوية جدا اليس كذلك يا سيدتي ؟))
فك جون الحبل الذي كان يربط الزورق باحد الاعمدة المخصصة لذلك ثم قفزالى الزورق بخفة ونشاط فيما كان جو يدير المحرك ويتاهب للانطلاق اقترب منه جون وساله مستوضحا :
(( هل وجدت بنات عمك بخير يا جو ؟))
ضحك الرجل العملاق وقال :
(( لا ادري ماذا فعلت تلك العينة ميليسنت بشعرها حتى اصبحت تبدو كفزاعة " ماذا نفعل بالنساء يا سيدي ؟ انهن دائما يتحايلن على الرجال ... وعلى انفسهن ايضا ))
ضحك جون وقال :
(( اني اثني على هذا الكلام الحكيم ))
تطلعت نحوه تينا فوجدته ينظر اليها بعينين ساخرتين كانه يقول لها انها هي ايضا تتحايل عليه ... وعلى نفسها "
توجهت عائلة تريكارل صباح يوم الاثنين الى باربادوس حيث اعيدت ليزا الى مدرستها الداخلية وقرر جون ان عليه وتينا تمضية بضعة ايام في هذه الجزيرة الخلابة .
اقاما في فندق تحيط به حدائق غناء ويطل على خليج جميل يعج بالاسماك الملونة المجنحة . وقالت تينا لزوجها ان من الجريمة اصطياد هذه الاسماك الجميلة لاكلها ولكنها اضطرت للاعتراف بان طعمها لذيذ وشهي . وقبل ظهر ذلك اليوم ذهبتتينا وجون للسباحة في بحيرة العشاق وشاهدت للمرة الاولى اثر الجرح الكبير والعميق في فخده ارادت ان تضع اصابعها الناعمة على مكان الجرح ...
ارادت ان تقترب منه اكثر كامراة ناضجة و ... وعاشقة ولكنه يتصرف معها كصديق وليس كعشيق ... كجار وليس كزوج . والغريب في الامر ان ذلك التصرف يحمل في طياته بعض الطمانينة والسكينة وراحة البال . ورات تينا ان افضل وسيلة لمعالجة الموقف تكمن في ترك الامور تجري مع تيار الهدوء الذي يعم حياتهما مدركة بان التيارات الباطنية ستظر عندما تصبح جاهزة واقسمت انها هي ايضا ستصبح جاهزة وبانها لن تسمح لبولا كاريش بفرصة ثانية لافساد حياة جون .
في ذلك المساء ذهبا الى بريدجتاون لتناول طعام العشاء في مطعم يقع على سطح احدى البنايات العالية ويسمى مطعم النجوم الساطعة . كان جون يبدو بالنسبة لها اقوى الرجال شخصية واكثرهم اناقة وجاذبية . وافهمتها نظراته كلما تحدث اليها انه موله بها بذلك الفستان الابيض الجميل الذي اقنعتها جاي لانينغ بابتياعه . وسالها فجاة باسما بعد ان بدات الفرقة الموسيقية الرباعية عزف مقطوعة راقصة :
(( هل صحيح ان احدا لم يراقصك من قبل ... وان الوسادة كانت الشريك الوحيد ))
هزت راسها علامة الايجاب فيما كانت اصابعها تنقر بهدوء على الطاولة مدفوعة ببطريقة لا شعورية بذلك اللحن الراقص . انها سعيدة .
(( علينا اذن ان نضع حدا نهائيا لذلك . واعتقد ان رجلي اليسرى لن تشكل عائقا امام بضع رقصات مع اندارك مسبقا بانني لم اكن يوما راقصا بارعا ))
نهض من كرسيه واقترب منها داعيا اياها الى الرقص . وخلال لحظات كانت تينا تقف في وسط الحلبة يطوقها الرجل الذي تحبه بذراعيه القويتين ويضمها الى صدره بقوة وحنان ومع انهما كانا ربما اسوا راقصين في تلك الحلبة الا ان تينا مانت تشعر بسعادة فائقة وتتمتع بكل لحظة من لحظات وجودها بين ذراعيه .وجاءت كلمات الاغنية التالية التي كانت ترددها بصوت دافي مغنية سمراء جميلة تعبر عن مشاعر تينا واحاسيسها :
(( لا يمكنني ان اصدق انك هنا قريب مني ملتصق بي الى هذه الدرجة . ضمني اليك بقوة شدني اليك انها ليلتنا ... ))
استقلا عربة يجرها جواد قوي وكان القمر بدرا والطريق شبه خالية . وقالت تينا لنفسها ان هذه الجزيرة خير مكان لتمضية شهر عسل وعندما وصلا الى الفندق واقترح عليها جون القيام بنزهة في الحدائق الجميلة تسالت عما اذا كان هو ايضا ينظر الى وجودهما هنا بالمنظار ذاته .
(( كانت هذه الايام القليلة جميلة . اليس كذلك ؟ انها جزيرة رائعة لا تتغير ابدا ))
(( تمتعت بكل لحظة من فترة وجودنا هنا ))
توقف عن السير امام بركة ماء تطفو على سطحها ازهار الزنبق ثم وضع يديه برفق وحنان على خديها ورفع وجهها نحوه . ذابت حبا وهياما واحست في تلك اللحظة انها على استعداد تام للقبول بحنانه فقط ان كان هذا اقصى ما يمكنه او يريده وانها لن تطلب منه اكثر من ذلك .
وسمعته يتمتم هامسا :
(( اوه تينا "))
ومع انه وضع خده على جبينها وظل ممسكا بخديها الا انه لم يحاول تقبيلها وتساءلت بحزن صامت عما اذا كانت الذكريات تلاحقه الى هذه الحديقة ؟ وشعرت تينا بجسدها يرتعش ويرتجف دون ان تتمكن من السيطرة على اعصابها المتوترة وفجاة ابتعد عنها قائلا :
(( هيا بنا لنذخل ))
احست بالبرد والضياع ... ولم تعلم سوى ان شيئا ما يعدبه ويقلقه .
عادا في اليوم التالي الى سانت مونيك وبدا جون فور وصولهما تقريبا يمضي الساعات الطوال في العمل داخل تلك الغرفة الخاصة ذات السقف الزجاجي . دفعها الفضول الى الاستفسار عن طبية عمله فلم يخدلها بل شرح لها كافة الامور بدقة وروية ولكنه ابلغها صراحة بانه يفضل العمل على انفراد وبخاصة لانه يريد التركيز العميق . انه يصنع تمثالا من الطين لشخص لا يجلس امامه ...
وبالتالي فانه مظطر للاعتماد على ذاكرته والرسوم المتعددة التي اعدها في الاسابيع الماضية . كانت تسليتها الوحيدة معه عندما يخرج من تلك الغرفة في المساء ويجلس معها في القاعة حيث يتحول من فنان خلاق منكمش على نفسه الى رجل طيب يتبادل وزوجته الاحاديث الودية والاجتماعية المريحة .
لم تكن ايامها تعيسة او مملة لانها قررت ان تدع الامور تجري على طبيعتها لحين انتهائه من عمله كانت تمضي فترات طويلة في السباحة والقراءة والاهتمام بامور المنزل ولما توجهت صباح احد الايام مع توباز الى السوق لابتياع بعض الحاجيات التقت رالف كاريش الذي بادرها قائلا :
((لماذا لم تحضري لزيارتنا يا تينا ؟))كانت قررت عدم زيارته لانها ستضطر للالتقاء ببولا وهو امر تمجه ولا تستسيغه اطلاقا ولكنه عندما ابلغها بطريقة عفوية وصادقة انه سيكون وحده في البيت بعد ظهر اليوم التالي وافقت على زيارته لشرب الشاي رفع اصبعه محدرا بود ومرح ظاهرين
(( لا تخذليني ساكون بانتظارك ))
ثم سال توباز عن اولادها فاجابته انهم بخير ولاحظت تينا ان خادمتها تبتسم لهذا الرجل بصدق واخلاص بعكس نظراتها العدائية الى شقيقته وبعد ان ودعها رالف قالت توباز :
(( السيد رالف رجل مهذب وطيب جدا انه ليس كتلك الانسة بولا ))
ارادت تينا ان تسال توباز عما تعنيه بكلامها هذا فزوجها جو كان موجودا صباح ذلك اليوم الذي توفيق فيه جوانا وهو الذي انقد حياة جون .ربما شاهد شيئا ما ذلك الصباح وابلغه لزوجته . ولكن دانا كورتني نصحتها بعدم نبش الرماد وبان تدع الوقت يمحو تلك القصص الذكريات الاليمة . شاهدت نوعا من السمك يحبه جون كثيرا فاقتربت من البائع واشترت منه كمية كبيرة بعج ان ساومته وحصلت منه على سعر جيد وفيما كانت توباز تضع الحاجيات في صندوق السيارة التفتت الى تينا وقالت لها :
(( اصبحت ربة بيت ذكية جدا يا سيدتي هذه السمكات طيبة وشهية الى درجة كبيرة اذا اعدت مع الرز والبصل ثم اضيفت اليها كمية من الزبدة والفلفل ))
شجعتها تينا على التحدث عن الطعام وطرق اعداده وذلك تجنبا لاي حديث يعيد الحزن الى قلبها والفضول الطاغي الى تفكيرها ولكن بدا لها في وقت لاحق ان احدات الماضي لا يمكن تجاهلها تماما ففي صباح احد الايام وقفت تتامل الجانب البحري لقصر الماء الازرق حيث تبين لها ان النوافد الثلاث في الطابق العلوي مغطاة دائما بستائر زرقاء اللون ولاحظت توباز ذلك فابلغتها بان تلك الشقة هي التي كانت تسكنها زوجة السيد جون الاولى .
شعرت بتحد قوي ورغبة جامحة لزيارة تلك الشقة والاطلاع على محتوياتها وكيفية تاثيثها ولكنها لم تفعل ذلك الا بعد بضعة ايام عندما عكر مزاجها ما لاحظته من ابتعاد زوجها المتزايد .. ارتعشت يدها عندما فتح باب الغرفة كان كل شيء مغطى الا انه لم يكن هناك غبار وكان الغرفة تنظف بين الحين والاخر ومع ذلك فقد بدت الغرفة كمقبرة فتحت الخزائن ... فلم تجد ايا من ملابس جوانا او احديتها . ذهبت جوانا وذهبت اغراضها الشخصية ... ولكن الشبح لم يذهب " انه يلاحق جون ... ويلاحقها " وخرجت تينا بسرعة من تلك الغرفة ولكن رائحة الموت ظلت لساعات عدة عابقة في انفها هل دخل جون الى غرفة جوانا ... والذي يناسب جمالها وسحرها ؟ هل وقف امام النوافد الثلاث ليتامل المحيط ويسمع صوت زوجته الراحلة ؟ صوتا يساله باكيا لماذا توقف عن الاهتمام ...
بدا بيت رالف كاريش اكبر بكثير مما توقعته تينا وكانت تحيط به اشجار باسقة تخفيه عن عيون الفضوليين وتقع امامه حديقة جميلة الا ان تينا لم تجد كلبا يقفز هنا وهناك يهز ديله ترحيبا بالقادمين ومع انها تعرف ان بولا ليست بالشخص الذي يحب الحيوانات او تدليلها الا انها لم تجد موضوعا اخر تستهل به الحديث مع رالف فسالته بهدوء :
(( اليست لديك اي قطط او كلاب يا رالف ؟ ))
ابتسم واجابها بهدوء مماثل :
(( لذينا بضعة كلاب حراسة في الحقول وقرب المعمل ))
ثم اضاف باعجاب واضح :
(( انك تبدين رائعة يا تينا ))
فردت الابتسامة الصادقة والبرئية بالمثل قائلة :
(( اوه شكرا ))
(( ما رايك بكوب من العصير البارد قبل ان نقوم بجولتنا السياحية في الحقول والمعمل ))
هزت راسها مبتسمة وجلست على مقعد مريح تنتظر الشراب البار وتتامل ما يحيط بها وقالت لنفسها من المؤسف جدا ان يظل هذا الرجل الطيب عازبا يعيل شقيقته العاطلة و المبدرة بدلا من ان يتزوج فتاة يحبها ويعيش معها حياة سعيدة وبعيدة عن المشاكل التي تسببها اخته وسالها رالف لذى عودته :
(( كيف حال جون هذه الايام ؟ لم اره منذ حوالي اسبوعين ))
ثم اضاف ضاحكا :
(( اتصور ان هموم شهر العسل لم تنته بعد بالنسبة اليه ))
ابتسمت تينا واجابته بهدوء :
(( انه منهمك في العمل على مشروع جديد بالمناسبة هل يترك مسؤولية الادارة هنا على عاتقك وحدك ؟ ))
(( طبعا ولكني لا امانع بذلك عللا الاطلاق فجون فنان بطبيعته ولا يمكنك بالتالي ان تتوقعي منه اظهار حماسة او اهتمام فعليين بالمحافظة على خلو أشجار الموز من الحشرات المؤدية او بما اذا كان المحصول السنوي للحمضيات يستأهل مشقة تربية اشجارها والاعتناء بها طوال العام هذا في حين انني انا اشد شعري حنقا وغضبا عندما لا يكون موسم الليمون كما اريده فالمشكلة انني لا احب الفشل ))
(( ما من احد يحب الفشل " ))
تطلعت بسرعة الى الحديقة تفاديا لنظراته التي تنم عن اهتمام بالغ بما قالته وبالكيفية التي قالتها بها ولكن السؤال المحرج الذي حاولت تجنبه جاء سريعا وهادئا :
(( كصديق قديم لجون وكشخص يهتم كثيرا بسعادته هل تسمحين لي بان اطرح عليك سؤالا خاصا ))
توترت اعصابها قليلا ولكنها حاولت اخفاء انفعالها فقالت له بهدوء :
(( اسال يا رالف هل تريد ان تعرف ما اذا كنا سننفصل عن بعضنا ؟ ))
وضع يده على معصمها وقال بلهفة صادقة :
(( ارجوك لا تظني انني شخص فضولي يحب التدخل في شؤون الاخرين ولكن هناك اشخاصا لا تاتيهم السعادة بيسر وسهولة جون منهم اختي منهم وربما ... وربما انت ايضا منهم ))
ردت عليه بشيء من الحدة نتيجة الالم النفسي الذي احست به :
(( انك ... انك تصورنا كمثلث . هل ... هل يبدو واضحا جدا انني لا احلق في سماء السعادة الزوجية ؟ ))
(( هذا كلام شاعري لا ينطبق على الواقع انت ذكية بما فيه الكفاية لتعرفي ان السعادة الزوجية لا تتحقق الا باقامة علاقات طبيعية مبنية على اسس صلبة من الثقة والاحترام المتبادلين والاهداف المتحالفة المتعاضدة والانسجام الفكري ... والجسدي انت تمثلين كل ما يحتاج اليه جون وكل ما لم يحصل عليه من قبل ... ))
وشد باصابعه على معصمها فرسم سوارا احمر اللون حوله .
واضاف قائلا بالحماسة ذاتها :
(( هل تضعين عراقيل دفاعية في وجهه ؟ دفاعات لا تدركين فعلا معناها ونتائجها السلبية ؟ انت مثلي انسانة منطوية على نفسها وانا اعرف كيف يشعر مثلنا عندما يحاول جاهدا الانطلاق من عزلته والانفتاح على الاخرين ... فيما هو يتلقى الصدمة المؤلمة تلو الاخرى "))
اوه كم هو على حق كيف سيشعر الانسان عندما يكشف عن حبه العميق ويواجه بنظرة باردة وساخرة ؟ وسمعت نفسها تجيبه هامسة بالم :
(( انه لا يحبني ... فكيف يمكنك ان تلومني ان انا قررت حماية قلبي ؟ ))
(( ولماذا انت متاكدة الى هذه الدرجة من عدم حبه لك ))
(( انت الذي يجب ان يعرف انت شقيق بولا "))
(( اوه ))
وخيم صمت مطبق ثم قال لها فجاة :
(( هل يساعدك بشيء تاكيدي لك بان جون لم يحب اختي ابدا ؟ ما كان بينهما ... ))
قاطعته تينا بحدة فيما كانت تهب واقفة
((أرجوك دعنا نتوقف عن متابعة هذا الحديث " هيا بنا أيها الدليل السياحي لنقم بجولتنا المرتقبة ))
عادا بعد ساعتين تقريبا ليجدا بولا وصديقها الفرنسي جالسين في القاعة وقف الرجل بسرعة لدى دخولها وقال :
(( أني سعيد جدا بلقائك مرة ثانية يا سيدة تريكارل ))
(( كيف حالك يا سيد دوبندريمون ))
نظرت بولا الى أخيها الذي قطب جبينه لدى دخوله القاعة وقالت بغنج :
(( لا تغضب مني يا رالف أحسست بصداع قوي أثناء التزلج على الماء فأوصلني داسييه الى هنا اعرف ان وصول ضيف إضافي بصورة غير متوقعة أمر مزعج ولمدكن أتصور ان لديك طعاما كافيا لنا جميعا ))
هز رالف رأسه تحية للرجل الفرنسي وقال لأخته ان لديه بالطبع طعاما كافيا للجميع ثم دعا تينا الى الجلوس فيما كانت بولا تقول لها ))
(( أيتها العزيزة هل ستردين ضيافة رالف بدعوتنا مرة الى العشاء ))
(( بولا ))
(( أوه خفف عنك يا رالف . تينا انتهت من شهر عسلها وأريد ان يجتمع داسييه بجون حسنا " ما رأيك " يا تينا ))
(( من المؤكد إنني ... إنني أحب حضوركم جميعا الى العشاء سأدعوكم في ... في اقرب فرصة ممكنه ))
ابتسمت بولا وكأنها حققت انتصارا باهرا وقالت :
(( عظيم . عظيم هذا ما كنت أتوقعه تماما وألان يا رالف ما رأيك في ان نشرب الشاي ؟ إني اشعر بتحسن كبير وقد زال صداعي فجأة ))
انتهى الفصل السابع
انتظروني مع الفصل الثامن والأخير
طــــــــــــــــــــــــلاق أو سعـــــــــــــــــــــادة
|