كاتب الموضوع :
الامل المفقود
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
رد: 83 - حائرة - فيوليت وينسبير - من روايات عبير القديمة
4- الفصل الرابع - ســــــــــانت مونيـــــــك ... وبيتهــــــا
نظرت تينا الى النافدة وعبرها الى الفضاء المحيط بالطائرة الضخمة . التي كانت تقلها الى بيتها الجديد وحياتها الجديدة . ولم تعد تسمع حفيف أوراق الصحيفة في يدي جون . فعلمت انه توقف عن القراءة وراح يحدق أمامه يفكر بالجزيرة وبكل ما يحبه فيها . وما يجرح . عضت شفتها بقسوة وتمنت لو ان ليلتهما الأولى كانت مختلفة ... كانت بعض الحواجز ستنهار . وكانت ستضع رأسها على كتفه وتشعر بأنها زوجة حقيقية ...
(( هل أنت متوترة الأعصاب يا تينا ؟ ))
كان يمسك يدها ويشد عليها . وكانت ابتسامته توحي بحزن وأسى . اعترفت له بشيء من الحقيقة قائلة :
(( قليلاً ))
(( سوف تهدأ أعصابك قريباً .إذ اشك في ان تكون ليزا خجولة جدا معك ... ان كان هذا ما يقلقك . فعندما تلاحظ حداثة سنك ؛ ستعتبرك على الأرجح صديقة ورفيقة احضرها والدها المحب من لندن ))
أحست تينا بأن تلك اللهجة المرحة المشجعة تخفي وراءها شيئا من الجدية . وشعرت بأن جون ربما كان يعيد النظر بجدوى زواجهما . وخاصة بعد الملاحظة السخيفة التي سمعاها من تلك السيدة العجوز . والتي أشارت إليهما كرجل وابنته . وأرادت تينا ان تقول له صراحة أنها لا تشعر من قريب أو من بعيد أنها كابنته . ولكن الطائرة ليست المكان المناسب كما ان الوقت ليس ملائما . كل ما كانت تأمل به في تلك اللحظات هو ان تتحسن الأمور بينهما بمجرد استقرارهما في الجزيرة يجب ان تتحسن الأمور " انه يعني لها كثيراً ... أكثر بكثير مما يمكنها وصفه بالكلمات " وحاولت تينا ان تبعد أفكارهما عن الأمور الخاصة والأحاسيس الدفينة . فراحت تمطره بأسئلة عن الجزيرة وبدا أنها نجحت في مهمتها . إذ ظهر الارتياح على وجه جون وهو يخبرها عن البيت والعمال المحليين وحقول الحمضيات الضخمة التي يديرها ابن عم جوانا ؛ رالف كاريش . وأضاف :
(( ورثت البيت والأرض عن عم عازب . عائلة تريكارل مشهورة بحب أبنائها للتر حال والمغامرة . وكان احدهم ضابطا على السفينة التي اكتشفت الجزيرة قبل سنوات عدة . استقر هناك كمزارع وكان أخر أحفاده عمي الذي ورثت عنه جميع ممتلكاته . أنا ... أنل أعمل في الجزيرة وهذا هو احد الأسباب التي جعلتني امضي فيها معظم الوقت . ورالف مدير اعتمد علي أخلاصه وحسن درايته . ولذلك فاني لا اقلق أبدا بالنسبة لسير العمل هناك ))
تذكرت ما قالته لها جاي عن بولا كاريش والإشاعات المغرضة التي تداولتها الألسن الخبيثة عن علاقتها المزعومة بجون . وكأنه شعر بما يدور في رأسها من أفكار . فمضى الى القول :
(( سوف تتعرفين على رالف وشقيقته بولا التي تعيش معه وتهتم بأموره ؛ بيتهما جميل وكبير . ولان بولا فنانه موهوبة . فقد حولته الى تحفة رائعة . سوف يعجبك كثيرا ))
لاحظت تينا من الجملة الأخيرة انه لا يتوقع قيام علاقة طيبة بين الفتاتين . وهذا أمر معقول جدا " فإذا كانت بولا تريد جون لنفسها لن تشعر بسعادة فائقة عندما تلتقي زوجته الجديدة " ثم سألها :
(( كيف كنت تمضين وقت الصيف يا تينا ؟ ))
(( كنا نعيش قرب البحر وكانت بولا عمتي مود مقتنعة بأن لا ضرورة لذهابنا الى أي مكان آخر ))
يبدو انك حرمت من جميع أنواع اللهو والتسلية . ويبدو ان الوقت قد حان لتصحيح الأوضاع من كافة النواحي. فهناك يمكنك ان تمارسي أنواعا عدة من الرياضة كالسباحة و كرة المضرب وغيرهما كما اني سأعلمك ركوب الخيل وقيادة السيارات . لدينا سرعة قصوى محددة بخمسين كيلو متراً في الساعة ؛ وذلك حرصا على السلامة العامة وإفساح المجال أمام الناس للتمتع بالمناظر الخلابة الساحرة ))
(( هل هذا احد الأسباب التي تجعلك تفضل السكن في الجزيرة ؟ ))
(( بكل تأكيد ))
ثم ابتسم وسألها فجأة :
(( الاتضعين احمر الشفاه ))
نظرت إليه بخجل وتردد وسألته بدورها :
وهل تريدني ان أضع احمر شفاه ؟ ))
بدت عليه مسحة من الدهشة وقال لها :
(( يجب ان تفعلي ما يسرك ويريحك في مثل هده الأمور . أم انك تظنين أنني طاغية متغطرس ؟ ))
(( طبعا لا " ولكنك قد تكون احد أولئك الرجال الذين لا يحبون مستحضرات التجميل ))
وأظهرت هده الملاحظة مدى ضعف معرفتها به وبما يحبه . إذ قال لها :
(( يمكنني ان اقبل بها ان كانت بكميات قليلة . واعتقد أنها ليست ضرورية أبدا للشابات بمثل سنك ))
(( أوه . كم . أتمنى ان أكون اكبر سناً ))
(( تخلي عن القلق وخدي الأمور كما تأتي ))
واسند رأسه الى الوراء بعد ان أشعل سيكارة وراح ينفث دخانها بهدوء وراحة . انه يحدر قلبها بطريقة غير مباشرة . وهو على حق يجب عليها ان تأخذ الأمور على طبيعتها وتتخلى عن طيش الشباب واندفاعه اللذين يطالبان بكل شيء في وقت واحد ... وبخاصة الحب " نظرت الى ساعتها فلاحظت انه لايزال أمامهما ثلاث ساعات قبل الوصول الى جامايكا . أغمضت عينيها وراحت تفكر بالجزيرة وليزا و ... وغلبها النعاس فنامت .
أيقظها جون وابلغها بأنهما على وشك الوصول و بان زورقه السريع سينقلهما من جامايكا الى سانت مونيك . ارتجفت يداها فتولى هو شد حزامي الأمان . هبطت الطائرة وطلبت أحدى المضيفات من المسافرين البقاء في مقاعدهم بعض الوقت لحين حصول موظفي الشركة على موافقة دوائر الصحة بإنزالهم . وأمضى جون وتينا ساعة كاملة بعد نزولهما من الطائرة بين عشرات الركاب والموظفين والمسئولين في قاعة الوصول . حتى انتهيا من معاملاتهما واستلام حقائبهما . اوما جون الى اثنين من الحمالين اللذين نقلا حقائبهما الى أحدى سيارات الأجرة انطلقت السيارة بهما الى مرفأ العاصمة حيث كان احد أبناء الجزر الأصليين بانتظارهما قرب الزورق .
(( هذه زوجتي يا جو ))
ابتسم الرجل العملاق بود وخجل ورفع قبعته محييا :
(( أني سعيد بمعرفتك يا سيدتي أمل في تمضي أجمل الأوقات وأحلاها ))
ابتسمت له وهزت رأسها ردا على تحيته وكلامه المهذب المشجع فيما سمعت جون يسأله :
(( وليزا ؟ كيف حالها ؟ ))
(( الآنسة الصغيرة بخير ايها السيد . وهي متشوقة جدا لرويتك . كانت تقفز وتغني طوال اليوم ))
وانطلق الزورق بسرعة يشق سطح الماء ويترك وراءه خندقا طويلا ينعكس عليه ضوء القمر بإشكال هندسية مختلفة ورائعة . وفيما كان الرجلان يتحدثان عن أمور عدة . راحت تينا تتأمل البحر والقمر والنجوم .. وهي في طريقها الى ... بيتها قبل اقل من أسبوعين كانت لا تزال في تشور لي . تعد العدة للتوجه الى لندن بحثا عن وظيفة في احد المكاتب . وكان ذلك أقصى ما ترجوه فتاة مثل تينا مانسون . الفتاة الخجولة التي تخلصت أخيرا من طغيان عمتها المعقدة والحاقدة إما ألان ... فهي على متن زورق سريع يشق طريقه في مياه الكاريبي وتحت سمائه الصافية المزروعة بالنجوم الساطعة وأكثر من ذلك فهي متزوجة من رجل جذاب ... مزعج أحيانا ... غريب يلاحقه شبح زوجة راحلة " هل تخلصت من علاقة مع عمه مسنة لا تعرف الحب تدخل عالما أخر قد يثبت انه اشد إيلاما وتحطيما لقلب المحب المخلص ؟
كان الطاهي في سانت مونيك قد زود جو بكمية لا باس بها من المأكولات وزجاجات العصير والقهوة . فالرحلة من جامايكا تستغرق بضع ساعات شربت تينا القهوة الطازجة الشهية وهي تشعر بارتياح كبير . حبيبها يجلس قربها في ضوء القمر وصوت المياه التي تضرب جانبي الزورق موسيقى حالمة تداعب أذنيها وقلبها . انه ألا لها ... لها وحدها . ولكنه بعد قليل . سيصبح لها ولغيرها ... لأشخاص قد يمتعضون لوجودها ويحاولون نبذها أو على الأقل مضايقتها ليزا . مثلا" فطوال السنوات الثماني الماضية كان والدها لها وحدها وها هي ألان مضطرة للتخلي عن بعض ما تتصوره حقا مكتسبا وأمرا طبيعيا لا جدال فيه ... وهو ان حبه لها وحدها ويجب ألا تشاركها فيه امرأة غريبة " وارتعش جسمها قليلا وهي تراه يحدق في البعيد هل يفكر بجوانا ؟ هل يجب ان يكون الوضع دائما على هذا النحو ... قلبه وأفكاره مع جوانا حتى عندما يضمها هي بين ذراعيه ؟ وسمعته يتمتم :
(( للبحر رائحة رائعة هل تحبينها ؟ ))
(( جدا . هل جميع الليالي في المناطق الاستوائية تكون دائما معتدلة منعشة ؟ ))
معظم أوقات السنة . ألا ان هناك بعض العواصف القوية والأمطار الغزيرة كما أننا نتوقع حدوث إعصار أو إعصارين في منتصف فصل الصيف . أما على العموم فسانت مونيك جنة صغيرة ستعجبك كثير . عرفت ذلك عندما التقيتك للمرة الأولى في تشور لي . هل تذكرين ؟ ))
ابتسمت لنفسها ... وهل ستنسى ذلك ألقاء الذي قلب حياتها رأسا على عقب ؟
هزت رأسها وقالت له بنعومة :
((طبعا أتذكر . فعندما أخبرتني عن سانت مونيك وقعت بحبها ))
وكان كلمة حب لفتت نظره وأثارت اهتمامه فقال لها بهدوء :
(( سألتني الليلة الماضية ان كنت نادما بأي شكل من الأشكال على زواجنا . فهل أنت نادمة على ذلك ؟))
و تردد قليلا ثم أضاف :
(( اعني ... انك شابة في مقتبل العمر وذات مشاعر عاطفية . ويمكنني ان أتفهم بسهولة انك كنت تفضلين علاقة حب وغرام قبل أقدامك على الزواج ))
أحنت رأسها خجلا وقالت له مؤكدة :
(( أني راضية تماما عما حدث . انأ أردت الزواج ... ))
(( من الواضح ان ذلك يعود الى الوحدة . وهده هي الصفة المشتركة التي تميز حياة كل منا . هل ستؤدي الى صفات أخرى اكبر واهم ؟ ربما . ولكن ليس ألان . أرجو ان يتم ذلك في وقت لاحق . عندما نتعرف على بعضنا بشكل أفضل . هل تعتقدين ان ذلك ممكن ؟ ))
تمنت من كل قلبها ان يصبح ذلك حقيقة واقعة ... وبأسرع وقت ممكن .
(( الوضع الذي نمر فيه حاليا دقيق وحساس ولذلك فمن الأفضل ان نعتبر نفسينا شخصين خاطبين تتطور العلاقة بينهما وتقوى بسرعة يجب ألا تخيفك . كنت خائفة الليلة الماضية . أليس كذلك ؟ عندما اقترحت عليك الذهاب الى الفراش نظرت إلي كجندي صغير شجاع يعد نفسه لمغادرة موقعه الأمين الى الخطوط الأمامية ... الى المصير المجهول " يا طفلتي الصغيرة ؛ اعرف تماما كيف كنت تشعرين " ))
أرادت ان تصرخ بنفي صريح واضح ... ان تقول له أنها تحبه ... تريده ... " امسك كتفيها المرتعشتين وأضاف قائلا بلهجة الأمر :
(( يكفينا ما بحثتاه حتى ألان لندع الأمور تاخد وقتها ومجراها وان لم تستقم الأمور بيننا فثمة علاج للمشكلة ))
أي علاج ؟ الطلاق ؟ تصحيح الخطاء الفادح بزواجه منها ؟
وشعرت بالخوف ... بالهلع " انه يعتقد أنها تزوجته للسبب ذاته الذي حمله على الزواج منها. ولذلك فإنها ستحرجه وتربكه أذا كشفت له عن حبها له . انه رجل ذو شهامة يتميز بالاستقامة والكرم وسوف يتأثر جدا أذا علم انه يؤلمها ويؤديها لعدم قدرته على مبادلة حبها بحب مماثل .
|