كاتب الموضوع :
الامل المفقود
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
رد: 83 - حائرة - فيوليت وينسبير - من روايات عبير القديمة
2- الفصل الثاني :حب في الأفق
(( مضى على وجودي هنا زمن طويل ؛ وسأعود الى سانت مونيك خلال عشرة ايام . وعدت ابنتي ليزا بأن أعود الى البيت عندما تبدأ عطلة الربيع . أنها في مدرسة داخلية ولا نرى بعضنا كثيراً )) كان يتحدث بمحبة وحنان عن ابنته التي يبدو انه قلق عليها سألته بهدوء : (( أليست مدرستها في الجزيرة ؟ )) الامل المفقود (( لا ؛ أنها في باربادوس . أنها بعيدة طبعاً ولكنها توجد هناك مع أطفال بريطانيين آخرين )) وتحول بسيارته الى طريق جانبي ضيق وأوقفها أمام المطعم الذي يقصدانه وقبل ان تفتح الباب للخروج من السيارة ؛ التفت نحو تينا وقال لها : (( اعتقد ان إقدامك على هذه الخطوة الهامة والبدء بحياة جديدة ومختلفة يجعلك في البداية متوترة الأعصاب الى حد ما هل وجدت وظيفة جديدة ؟)) هزت رأسها نفياً ؛ فيما كانت تتأمل فمه الجميل وتتسارع دقات قلبها وخفقاته . أنها لا تعرف ألان ماذا يحدث لها بالنسبة لهذا الرجل ؛ وهل ستتحمل ذهابه بعيداً عنها بعد بضعة أيام " و ... (( هيا لنذهب ونتناول طعامنا )) جلسا الى طاولة يشرفان منها على حديقة غناء جميلة تغص بالزهور العطرة والمتنوعة . وبعد ان طلبا أنواع الطعام المفضلة ؛ نظر إليها بجدية وقال : (( يجب ألا يكون لديك اي شعور بالذنب او الندم لأنك تحررت من وضع لا يطاق او يحتمل. ثم ؛ ألم تقرر عمتك بملء أرادتها ان تذهب شمالاً لتعيش مع أختها وصهرها العزيزين ؟ انك لم تتخلي عنها بأي طريقة او بأخرى . لا يمكنني ان اصدق انك من الأشخاص الذين يضحون بأنفسهم من اجل الآخرين . أليس كذلك ؛ يا صغيرتي ؟)) أدهشتها نظراته الجادة التي كانت تبتعد عنها وتتخطاها الى شخص أخر يتحلى بمزايا مماثلة . أرادت أن تلمس يده وتقول له أشياء شخصية ومستحبة ... أرادت أن ترجوه ألا يدع الذكريات تؤلمه وتجرح مشاعره وأحاسيسه ... أرادت أن تقول له أنها تعرف آن الذكريات وحدها ليست كافيه ؛ وان زوجته الراحلة أحبته كما أحبها ... (( ما هو نوع الوظيفة التي تسعين للحصول عليها ؟ )) الامل المفقود (( أوه ... أعمال مكتبية )) وقررت الاستمرار في هذا الموضوع ؛ اد انه يبعد تفكيرها عنه وعن هذا الانجذاب المفاجئ إليه . وأضافت : (( كنت اعمل في الطباعة والاختزال والاهتمام بالملفات والوثائق وإذا تمرست قليلا هنا في حقل السكرتارية ؛ فقد أحاول الحصول على وظيفة خارج البلاد . اعني ... )) وضحكت ثم مضت الى القول : (( اعني ان هذه هي فرصتي لمشاهدة العالم ... ألان بعد أن تحررت من قيودي )) الامل المفقود (( اعرف اثنين او ثلاثة من رجال الأعمال في لندن وربما تمكنت من مساعدتك في أيجاد وظيفة ...أه ؛ شكراً )) ومد يده التي تحمل مبلغا من المال نحو نادل كان يقترب منه وبعد لحظات التفت نحو تينا ؛ التي كانت تحدق به ؛ وقال لها باسما ومازحاً: (( لا تخافي ؛ فليست لدي اي دوافع او نوايا خفية ))الامل المفقود (( أوه ؛ اعرف )) واحمر وجهها خجلا ثم ثم عادت نظراتها الى الدبوس الفضي وأضافت : (( أنا لم اعن ... )) الامل المفقود (( اللعنة على لساني )) ومد يده نحوها . ترددت قليلا ثم وضعت يدها الباردة في اليد الدافئة المنتظرة . شد على يدها وقال : (( من المؤسف ان يكون بعض الرجال أحيانا قساة وعديمي الشعور . لم أتحدث مند فترة طويلة مع إنسانه طيبة وجميلة مثلك اعذريني " )) أومأت برأسها علامة القبول ؛ ولكنها كانت تفكر آنذاك بالعرض الذي قدمه لها سيدني هتون ؛ وبما كان يتوقعه منها مقابل منحها تلك الوظيفة . وها هو رجل أخر يعرض عليها المساعدة . هل يمكنها الوثوق به ؟يبدو أنها غير قادرة على ذلك . وفي لحظة مجنونه سألت نفسها عن سبب اهتمام شخصية مشهورة ومرموقة مثل جون تريكارل بفتاة فقيرة لا أهمية لها مثلها " (( بماذا تفكرين ؟ )) الامل المفقود ((انك طيب جدا معي يا سيد تريكارل ؛ تدعوني الى الغداء تعرض مساعدتك لا يجاد وظيفة ... ))قاطعها مبتسما (( انك ضائعة وحائرة .ووحيدة كقطة صغيرة . ألا تعتقدين أني افعل الشيء ذاته لقطة صغيرة )) ضحكت وارتاحت أعصابها . ابتسم مرة أخرى وسألها : (( هل تشتاقين الى البحر ؟ )) الامل المفقود (( ربما في وقت لاحق . أما ألان فاني مسرورة لوجود هذا العدد الكبير من المحال التجارية الرائعة )) الامل المفقود (( وهل تركت قلبك في تشور لي ؟ اعني . مع احد أولئك الشبان اليافعين ؟ )) ضحكت وقالت : (( أوه ؛ لا؛ فأنا لست من الطراز الذي يستهوي الشبان . اعني أنهم يحبون الفتنة والسحر والجاذبية ؛ أليس كذلك ؟ )) هل هذا ما يحبون حقا )) ثم ابتسم وأضاف قائلا : (( لم اعد ادري كيف يحس الشبان ؛ فانا في التاسعة والثلاثين من عمري . هل تعتبرين هذه السن متقدمة جدا يا تينا ؟ )) (( طبعا لا ")) وبدت عليها الدهشة والحيرة . فهو ليس من أولئك الرجال الذين يخشون كثيرا من نتائج تأثير شخصيته على الآخرين ؛ وعلى شخص لا أهمية له مثلها ؛ وفجأة نظر إليها بفضول واضح وسألها : (( من أي نوع من الرجال تعتبرينني يا تينا ؟ هل تعتقدين أنني حنون ولطيف ؟ كريم ؟ يفكر بالآخرين ؟ )) (( نعم )) ولم تتمكن من إضافة صفة أخرى وهي أنها تعتره أنسانا غير سعيد في حياته . وسمعته يقول لها موفقا : (( صحيح لدي كل هذه الصفات . معظم الرجال لهم مثل هذه الصفات ... مع بعض التحفظات . ويمكن أيضا أن يكون الرجال قساة غير مبالين ؛ ويحبون التملك والسيطرة )) احمر خداها قليلا . هل يحذرها من الوقوع بحبه لمجرد انه اظهر لها قليلا من الاهتمام والحنان العابرين ؟ وسألته دون أن تنظر إليه : ( هل تحذرني من الرجال الذين ...الذين قد التقيهم هنا في لندن ؟)) (( اعذريني على هذه المحاضرة)) وشرح لها بهدوء كيف ان بعض الرجال يفضلون الفتاة القروية الخجولة ؛ وكيف ان بامكانهم ايقاع الفتيات بحبائلهم مستغلين مشاعر الابوة لذي الصغيرات . ضحكت قليلا وقالت له : (( شكرا على المحاضرة ؛ ولكني لست طفلة لا تعرف كيف تفرق بين الحنان الحقيقي والتظاهر به )) الامل المفقود (( لا يا عزيزتي انك لاتعرفين . فانت مثلا ليست لديك اي فكرة عن سبب دعوتك الى تناول الغداء معي ؛ وتمضية فترة ما بعد الظهر معي )) اتسعت عيناها دهشة واستغرابا ولم تعرف ماذا تقول ردا على هذه الملاحظة غير المتوقعة. ابتسم الرجل وقال لها : (( اريد ان اشتري بعض الهدايا لابنتي ليزا وانت بالتاكيد تعرفين اكثر مني ماذا يروق لصبية في التاسعة من عمرها ))ابتسمت بهدوء . قد يكون قاسيا ؛ لا مباليا ويحب التملك والسيطرة " ولكنه بالتاكيد لا يظهر هذه الصفات اليوم وليس معها هي بالدات " لم يعد يهمها شىء بعد هذه اللحظة . فهو لم يطلب منها فقط ان تمضي فترة طويلةمعه ؛ بل ارادها ايضا ان تشاركه في انتقاء هدايا لابنته التي يحبها كثيرا . وفيما كانا يتوجهان الى ساحة بيكادللي في قلب العاصمة البرياطنية ؛ سالته : (( هل تشبهك ليزا ))(( نعم انها تريكارل قلبا وقالبا . كانت كاللعبة الجميلة في سنواتها الاولى ؛ اما الان فهي طويلة القامة... وصبية كبيرة . لم اجد صعوبة في التصرف معها عندما كانت طفلة صغيرة . اذا كنت ادللها والاعبها اما الان فلها شخصيتا وافكارها الخاصة بها . اه من الفتيات" انهن على مدى الدهور السر الغامض بالنسبة للرجال ")) وابتسم لها فردت ابتسامته بالمثل فيما كانت تجلس قربه كقطة صغيرة تسعى الى الدف والحنان ... والحماية . وشعرت بان الدماء تتصاعد الى وجهها وخافت ان تفضح مشاعرها امامه وتذكرت كيف كانت وجنتا صديقتها كيتي تحمران وعينا زميلتها في العمل نانسي تشعان بذلك البريق الخاطف كلما كانتا تتحدثان عن هدا الشاب او ذاك الرجل . انها تلك القوة السحرية الغامضة التي تجدب الفتاة الى الشاب ... انه الحب " بعد جولة في بعض المحال التجارية اشترى خلالها جون اشياء عديدة لا بنته توجها الى شارع بوند ودخلا احد محال الجواهر اشترى سوارا صغيرا وطلب من البائع ان يحفر له ثلاث كلمات ... الى ابنتي الحبيبة . ثم انتقل الى زاوية اخرى وابتاع سوارا ذهبيا ثمينا . امسك بيد تينا ووضعه حول معصمها بشكل طبيعي وعادي. شهقت وحاولت الاعتراض قائلة : (( سيد تريكارل لا يمككنني )) رد عليها مازحا وكانه يقلدها : (( انسة مانسون : يجب ان تقبلي ")) الامل المفقود (( يجب ان اقبل )) اوما براسه علامة الايجاب وبدا انه مصمم باصرار على اهدائها ذلك السوار . الهت نفسها بالنظر حولها . فيما كان جون يأخد سوار ابنته ويدفع للبائع المبلغ المطلوب منه . ومضت فترة ما بعد الظهر بسرعة شعرت تينا في نهايتها بتعاسة وانزعاج . فخلال دقائق ستصل الى المكان الذي تقيم فيه وسيقول لها مرة اخرى تلك الكلمة المؤلمة ... وداعا " وتوقفت السيارة . فنظر اليها وسالها بهدوء : (( هل يهمك حضور معرض للرسم والحفر على الخشب ؟ )) تأملت مغيب الشمس دون ان تجيبه او تنظر اليه انتظرها لحظات ثم سألها مرة اخرى : (( هل يهمك ذلك يا تينا )) تسارع خفقان قلبها واحست بحرارة الدماء تسري في عروقها انه يدعوها مرة أخرى لتخرج معه . ترددت لحظة ثم أجابته بكلمة واحدة ... نعم (( أذن سأمر من هنا غدا في تمام الثانية عشرة ظهرا نتناول الغداء معا ثم نذهب الى المعرض ... أو أي مكان أخر ترغبين فيه )) (( أن فكرة المعرض لا باس بها على الإطلاق . شكرا لك يا سيد تريكارل على هذه الدعوة )) وضع يده على يدها فشعرت بأنها تذوب ولا تقدر على مقاومة ذلك السحر الذي يشدها إليه . وأيقظها من أحلامها قائلا : (( انك فتاة لطيفة ومهذبة جدا يا صغيرتي أنا الذي يجب أن أشكرك يا تينا على هذه الفترة الطويلة التي منحتني إياها اليوم )) خرج من السيارة بسرعة وفتح لها بابها ثم مد يده لمساعدتها على الخروج وهو يقول لها باسما : (( سأراك غدا بإذن الله يا صغيرتي )) ابتسمت له وتوجهت بسرعة الى غرفتها في مبني جمعية الشابات وهي تشعر بدفء صوته وسحره يثير في نفسها البهجة والسرور .لم تحلم أبدا في حياتها بان أي رجل في العالم يمكنه أن يمنحها مثل هذه السعادة . وبدأت مرحلة جديدة في حياة تينا . كان كل يوم يمر يحمل لها أشياء مختلفة زيارة معارض وحدائق عامة جولات هنا ورحلات هناك وعشاء على ضوء الشموع وفي أجواء موسيقية حالمة واكتشف أنها تحب الموسيقى فأخذها لسماع أحدى سيمفونيات بيتهوفن . ورافقته في اليوم التالي لحضور مزاد علني للوحات الفنية والمنحوتات والتماثيل وأعربت تينا عن إعجابها بأحد التماثيل الذي يعود تاريخه الى القرن الثامن عشر فقال لها : (( يمكن للنحات المبدع أن ينجز عمله بإتقان تام ودون أي أخطاء إذا كان يرى وجه الشخص كاملا . جوانا . زوجتي الراحلة كانت رائعة الجمال وموضوعا ساحرا للنحات والرسام )) ومع انه تحول بعد ذلك الى موضوع أخر . ألا أن تينا لم تنس كلماته . تحدث عن مثلا أنها كانت أجمل مخلوقة تعرف عليها في حياته وان قلبه ...أو معظمه ... مات معها عندما ماتت ... اكتفى بالقول أنها كانت موضوعا جذابا للرسم أو النحت .
أوقف السيارة قرب جسر صخري صغير واطفا المحرك . كان السكون شاملا والصمت تاما نظر إليها جون ووضع يده على كتفها فأحست بموجات حرارية تسري في عروقها تمنت ان يطوقها بذراعه لتشعر بالدف ... والحماية . جلسا على هذا النحو دقائق عدة ؛ مرتاحين لسماع صوت الطبيعة وتنشق رائحة الزهور البرية العطرة . وفجأة شد على كتفها وسألها بشيء من العصبية (( تينا هل أعجبك أنا )) شعرت بان قلبها توقف عن الخفقان وبان السيارة تودر بها اخدت نفسا عميقا وأجابته )) نعم ... انك تعجبني )) أعجاب ؟هذا هو الشعور الذي كان ينتابها كلما ابتسم لها أو نظر إليها ؟ لا ؛ أن النار التي تحرق جسمها كلما اقترب منها أو لمسها ليست نتيجة الإعجاب فقط أنها الحب "
(( هل أعجبك بما فيه الكفاية كي تتزوجيني ؟ ))
شهقت ؛ ضاعت ؛ ذابت في مكانها " أنها تحلم " ولكنها الحقيقة ... فها هو يشد على كتفها بأصابعه القوية ويهزها قليلا ؛ ثم يقول لها بلهجة جادة تحمل شيئا من الحدة :
(( تينا " تكلمي ؛ قولي شيئا حتى ولو كان ذلك قاسيا " اطلبي من أن اذهب الى الجحيم " إذا كان ذلك يسرك أو يعكس حقيقة مشاعرك " هل صعقك طلبي ؟ هل تشعرين بأنها وقاحة مني أن اطلب يدك على الرغم من هذا الفارق الكبير في العمر ))
تأملت وجهه بدقة وعناية ؛ وصرخ كل شيء فيها طالبا البقاء قربه وعدم الافتراق عنه . أصبح عزيزا جدا على قلبها ؛ ولكنها تعتقد انه لا يحبها وسمعت نفسها تقول له بهدوء ... وألم :
(( أننا غريبان ... والغرباء لا يتزوجون بعضهم ))
خيم الصمت فترة طويلة لم تسمع خلالها سوى دقات قلبها ... وساعة يده . وفجأة خرق الصمت وقال لها :
(( بعض الأشخاص يا تينا ليسوا غرباء أبدا لأنهم يصبحون أصدقاء بمجرد تبادل بضع كلمات تصورت انك تفهمت هذا الموضوع . تصورت أن لديك من الذكاء ما يكفي لتفهم ذلك ))
الامل المفقود (( ليس من الضرورة أيضا أن يتزوج الأصدقاء ))
تنهد وأجابها بصوت منخفض وقد بدت عليه خيبة الامل :
(( انك لا تزالين صغيرة لتعرفي ان هناك عشرات الأسباب التي تحمل الناس على الزواج ))
|