سارت برفقة مجموعة من السائحين مع مرشد فى المتحف, اقتربت من زوجين شابين يسيران ببطء فى جانب المعرض , و بينما كانت لورا تحدق باللوحة , مر الزوجان من أمامها . وما أن ابتعدا بعد دقيقة أو أكثر شعرت بتحديق النبيل بها ,وكأن عينيه تتقدان ناراً.
أصبح الوقت متأخر وحان موعد الإغلاق غادر السائحين المعرض و أصبحت لورا بمفردها فى الغرفة , فكرت على مضض يجب أن تغادر ,وهذه مجرد لوحة فى النهاية , شئ ثابت لا يستطيع أن يؤثر فى الوقت أو فى أى شئ . كما و أن باولو سيكون جائعاً و جوزى بانتظارها لتذهب إلى منزلها أو تنضم إلى أصدقائها .
فجأة وكأن القدر يسخر من رغبتها فى المغادرة فقد حدث معها كما حدث فى زيارتها السابقة , بدات أذناها تطنان , و بعد مرور لحظات أمسكت بحافة المقعد ,محاولة أن تستجمع شجاعتها ,لابد أن افكارها تتلاعب بها وكادت أن تصرخ لو أن أحد ما جاء من وراءها و لمسها أو تحدث إليها فى تلك اللحظة . تنفست بعمق و نهضت على قدميها , أمسكت بدفتر ملاحظاتها و وضعت شريط حقيبتها على كتفها . بعد مرور لحظات كانت تمر أمام مكيب الاستقبال فى المتحف ثم خرجت إلى الشارع لتنتظر الحافلة و هى واقفة تحت تمثال أسد رابض أمام المدخل. وما زالت لا تصدق أنها تنظر حولها إلى إزحام السير فى شارع ميشيغن وهى لا ترى شيئاً .
وصلت الحافلة و صعدت إليها و هى شبه مخدرة حدقت بالجسر ثم المحلات المضاءة وهى أكثر محلات الثراء فى المنطقة وكأنها تنظر إلى لوحة جدارية , وكل ما يشغلها هو اضطراب أفكارها .
بطريقة ما تذكرت أن تنزل من الحافلة فى المكان الصحيحز فشقتها فى الطابق الثالث فى مبنى دوبول ذو الحجارة البنية اللون تقع على بعد عدة مبانى من هنا و الذى يعود ملكه إلى السيدة المطلقة ميتشيل و أبنتها جوزى.
ركض نحوها أبنها باولو صاحب العينين الخضراوين كعينيها , ما أن فتحت لورا الباب .
صرخ :"ماما , ماما." فأنحنت لتضمه تابع :"تعالى و انظرى ! أنا و جوزى انهينا بناء موقع سباق السيارات ."
كانت لورا قد اتفقت مع جوزى على ان تجلس مع أبنها فى الأوقات التى يأتى بها من روضة الأطفال إلى حين عودتها حوالى الساعة السادسة مقابل مبلغ من المال.
نظرت جوزى إليها بحب كبير و قالت لأمه:"أخشى القول أنها احتلت معظم مساحة غرفة الجلوس , لورا" و ابتسمت زهرة منسية قبل أن تتابع :"آهـ , قبل أن أنسى أتى رجل إلى هنا منذ ساعة و سأل عنك."
منتديات ليلاس
ربما هى شديدة الحساسية نتيجة لما حدث لها فى المتحف قبل قليل . لكنها تعلم أنها ليست كذلك.
وهى تعلم جوزى جيداً فهى تلتقط أى ملاحظة لو أن هناك أى شئ غير عادى.
سألتها :"هل ترك أسمه؟ أو قال ما الذى يريده؟"
و شعرت بالتوتر أكثر مما يقتضيه الوضع الراهن آنذاك.
هزت جوزى رأسها و قالت :"قال أنه سيتصل بك فيما بعد , لكن ربما أستطيع أن أقدم لك ملاحظة عنه , مع أنه يتكلم الانجليزية بطلاقة لكن لديه لهجة أجنبية"
شعرت بالفضول على الفور لكنها لم تطرح على جوزى أى سؤال .
تابعت جليسة الطفل :"أنه ايطالى , على ما أعتقد "و أخبرتها تماماً ما توقعت أن تسمعه .
أضافت جوزى :"أنه وسيم جداً , ومن نوع الرجال الذين تلاحظين وجوده و لو بين مائة و تتساءلين ما الذى يفكر به ."
اتفقت لورا على دفع المال لـ جوزى كل أسبوع مساء يوم الجمعة , فقدمت لها المال و تمنت لها عطلة أسبوع جيدةى , أخذت لورا وقتاً كافياً لتقدر موقع السيارات الذى بناه باولو لسيارته الرياضية المصغرة و راقبته يلعب لأكثر من مرة قبل أن تختفى فى المطبخ لتبدأ بتحضير العشاء.
تساءلت من يكون ذلك الشخص الغريب , ونظرت إلى دفتر ملاحظاتها الذى وضعته قرب طاولة الفطور . فتحت وعاء من المكرونة الجاهزة و بدأت تسخين محتوياته فى الفرن الكهربائى. قررت انه سيتناول الفاصوليا الخضراء مع المكرونة و الجبن ثم صلصة التفاح كحلوى , من المحتمل أن يكون النبيل من أحد أقرباء غاى و باولو القدماء, هذا ما فكرت به و هى تحضر السلطة لنفسها تسكب لأبنها كوباً من الحليب البارد . ربما هذا يفسر ما شعرت به.
وأن كان هناك علاقة ما , من المحتمل أنها تستطيع أن تتحق من ذلك , أقارب غاى لن يساعدوها البتة . ماعدا رسالة من أمه فى المناسابات , فلم يكن لـ غاى أى علاقة بعائلته بعد ذلك الشجار بينه و بين أبيه , لم يصلها اى جواب عندما كتبت إلى آنا روسى بعد الحادث لتخبر العائلة بموته .زهرة منسية
و بالنسبة لما قاله لها غاى , الشجار و الأنفصال عن والده كان نتيجة للعمل الذى أختاره و بعناد قرر أمبرتو روسى مالك و رئيس شركة روسى للسيارات أن السباق مجرد لعب للأولاد وأصر على غاى أن يستقر بالعمل فى شركات العائلة . وعندما رفض غاى عمد امبرتو على حرمه من الميراث . و إذا كان الرجل العجوز لا يسمح لزوجته بأن تتصل بأبنها فمن الصعب عليه أن يجيب على أسئلة لورا.
أجلست باولو على مقعد أمام طاولة الفطور و وضع بقربه سيارة السباق لديه ليتمكن من تناول طعامه بشهية , سكبت لورا لنفسها كوباً من العصير ثم مزجت السلطة . فكرت أن أفضل شئ تستطيع القيام به هو أن تضع كل ما حدث معها اليوم بعيداً عن أفكارها . ووبخت نفسها قائلة , يجب أن تبقى بعيدة عن المعرض حتى ينتهى هذا العرض, فلديك الكثير من العمل لهذه المجموعة و مهما بذلت من جهد لم تستطيع أن تنسى مدى تأثرها بتلك اللوحة , فهى تشعر وكأنها مرتبطة بتلك اللوحة.
منتديات ليلاس