سألها ما أن أصبحا فى الداخل و لم يظهر خادمه:" ما رأيك بشراب ما؟"
قالت:"حسناً ." و نزعت معطفها لتضعه على إحدى المقاعد البيضاء فى غرفة الجلوس.
راقبت انزو يحضر شراباً من البراد مع كوبين من الخزانة المجاورة , قال وهو يقدم لها كوباً:"لنتمنى لنا حياة سعيدة."
ضمها إليه فشعرت بأن هذا ما كانت تنتظره, قالت بنفسها ,أنا لا أهتم للغد, لن أفكر بما سيحدث عندما يحين الوقت لنفترق.
كادت أن تتعثر عندما ابتعد عنها فجأة, سألته منذهلة :"ما الأمر؟"
قال محاولاً ألا يظهر الألم الذى يشعر به على وجهه:"هناك أمور كثيرة عنى لم أخبرك بها."
رفعت لورا كتفيها وعلقت :"لِما لا تخبرنى, فأنا أصغى باهتمام."
قال معترفاً:" ليست متأكداً أن كنت اشعر بالارتياح أن تحدثت عن ذلك , أو ان كان علىّ أن ازعجك بمشاكلى الليلة."
سألته بصمت أن لم يكن الآن فمتى؟ و أن لم يكن لىّ, فلمن؟ ألم تشعر كم أنت غالٍ علىّ؟
فكر انزو , عليه أن يلقى اللوم على نفسه , فلو لم يحضرها إلى هنا لما كان هو و إياها تعرضا لهذا الموقف المزعج , و على الرغم من ألم رأسه فهو يشعر برغبة قوية نحوها , لكنه يعلم أنها تستحق أفضل من ذلك. تستحق حبياً لا ترعبه الكوابيس ,و لا شخص حاد أو يصاب بالصداع بل انسان مرح سعيد يستحق حبها .
قال أخيراً :"بالطبع لن احتاج لأذكرك , أننا لا نستطيع إقامة علاقة عابرة بسبب الروابط العائلية بيننا, كما و أن.....كما قلت لـ كريستينا لديك عمل و حياة فى الولايات المتحدة."
لا أهتم لأى من هذه الأمور الليلة, و ليست بحاجة لأى توضيح قالت معترفة:"كنت غاضبة من كريستينا , لكن بالطبع لم أقصد...."
"ربما كنت غاضبة, لكنك قلت الحقيقة."
وجدت لورا نفسها تقول كلاماً ما أعتقدت يوماً أنها ستتفوه به:"أدعى ستيفانو أنك لديك طبع حاد, و أنك كدت أن تُقتل أنت و خطيبتك السابقة لأنك نزعت من يدها مقود القيادةفى وسط شجار بينكما , هل هذا هو السر المخفى الذى تخشى أن تتفوه به؟"
مع أن انزو جفل من تدخل ستيفانولكن لم يعلقلأن لوسيانا كانت سترمى بهما من على جرف عالى وهو بذلك أنقذ حياتهما . لكن ما هو صحيح أن طبعه الحاد هو ما أثار الجدال منذ الباداية.
اعترف قائلاً وهو يتمنى لو أن أخيه يذهب إلى الجحيم:"ما قاله ستيفانو صحيح , لكنه لا يعلم كل الحقيقة. أتوسل إليك لورا , لا تضغطى علىّ. كم أحب أن ألقى بهمومى بين يديك لكن ليس الليلة."
رفعت لورا ذقنها بكبرياء , أنه مصمم على رفضها و إبعادها عنه , و ليس هناك أى شئ تستطيع القيام به , سأبقى هنا حتى تـُقرأ الوصية و بعدها سأعود إلى شيكاغو , وما أن أصبح هناك قد تمر سنوات قبل أن أراه ثانية.
قالت :"كما تشاء , و أن كنت لا تمانع أعتقد أن علىّ أن اتمنى لك ليلة سعيدة."
أصر على مرافقتها إلى باب غرفتها, و طبع قبلة ناعمة على جبهتها و بينما كانت تحاول أن تنام بعد فترة شعرت بالدموع تبلل وسادتها . لم ترغب فى أن تنتهى لأمور بينهما هكذا. لكن ماذا تستطيع أن تفعل ؟
رأت الساعة تشير إلى الثالثة صباحاً عندما استيقظت لورا على صوت أنين من جناح انزو , أنارت المصباح بجوار سريرها وجلست تصغى . بعد لحظات قليلة من الصمت سمعت الآنين من جديد, ابعدت الغطاء عنها و لم تفكر فى ارتداء روبها أو انتعال خف و أسرعت عبر القاعة نحو جناحه , كان الباب مغلقاً كما توقعت ونادت :"انزو؟ هل أنت بخير ؟" وبنعومة طرقت على الباب .لم يجب , و مرة ثانية سمعت الآنين .ماذا أن كان مريض؟ و بتردد حاولت أن تفتح الباب . شعرت بالراحة لأنه غير مقفل . رأت غرفته مظلمة و ليس هناك إلا أشعة ضوء القمر تنير جانباً من السرير . بالتدريج تمكنت عيناها من رؤيته . رأته يتمتم و يتحرك فى نومه , أخ زوجها و الذى أصبحت مغرمة به مع كل يوم يمر يعانى من كابوس مريع.
خافت أن تقترب منه و تلمسه , لذا قالت :"انزو , استيقظ"
جفل و كأنها لمسته فعلاً . فتح عينيه ثم رمش بارتباك سألها :"لورا....حبيبتى ما الذى تفعلينه هنا؟"
"كنت تعانى من حلم سئ."
و بسرعة عاوده الحلم . أنه دائماً ذات الحلم , الشجار وكما يبدو فى أصطبل فيلا فوغيلا ثم يطعن أحد ما و يمد يده امامه و يكتشف أنها مليئلا شك أن ستيفانو مخطئ , حاولت أن تقنع نفسها ً
ة بالدماء .
اقتربت منه و ضمته إليها و أخذت تمسح رأسه و كتفيه حتى شعرت أنه هدأ تماماً , قالت له:"أخبرنى عن حلمك ."
"لا تريدين أن تسمعى"
"أنا من طلبت , أليس كذلك؟"
ساد الصمت طويلاً و شعرت فيه بمقاومته , لكنه قال على مضض :"أنه ذات الحلم و ما زالت احلم به ومنذ سنوات." زهرة منسية
"ربما إن تحدثت عنه فلن تحلم به من جديد."
شعرت وكأنه يفكر أن كان يستطيع أن يثق بها, و فى نهاية الأمر قال بهدوء:"هناك شجار و دماء على يدى وكأنه أمر مؤكد لىّ بأننى قتلت شخصاً ما."
منتديات ليلاس
"آهـ انزو ! هذا كابوس مخيف" ضمته إليها بشدة و تابعت :"لكن كما تعلم لا يتحمل المرء مسؤولية ما يحدث فى حلمه . وكما قرأت مرة أنه انذار يجعلك تهتم لأمور ما أو شخصاً ما."
"لورا صدقينى , لقد فكرت بذلك كثيراً , الرسالة واضحة, لا يمكن الوثوق بى فلدى طبع مخيف."
أرادت أن تصرخ به. لا أصدق ذلك , لكنها تعلم أن ما يفكر به يجرى منذ زمن فى عروقه لذلك لم تقل شيئاً بل انتظرت .
تابع بعد قلل :"الحلم يتعلق بطباعى . وعندما كنت فى السابعة عشر لم يكن لأحد السيطرة علىّ ضربت ستيفانو بالسوط مرة, عندما رأيته يستغل إحدى الخادمات وما زال الجرح على خده , أن لم يكن تلاحظى ذلك."
شعرت بالأسى لأجله و قالت لاحظته و ستيفانو يستحق ما فعلته به . أما بالنسبة إلى الحادث مع خطيبتك...."
"كانت فاقدة العقل....و حاولت قتلنا معاً . لكننى أنامن فعل بها ذلك , فأنا لم أحبها مطلقاً, وخطوبتنا دبرت من قبل والدى لأجل عمل ما , علمت أن ستيفانو يتودد إليها بعد خطوبتنا و قررت أن أواجهها بالأمر فى طريقنا للزفاف . أطلقت عليها أسوء الأسماء و هددتها بأنى سأقول ما أعرفه عنها أمام رجل الدينوكل أقاربنا."
بالنسبة لـ لورا كل ما قاله يبرر غضبه الشديد كما انها تعكس تصرف رجل شاب . أما الآن و هو فى الثامنة و الثلاثين من عمره فهو أكثر نضجاً خصوصً لأهمية المسؤولية الملقاة على كاهله....وهى تشك أن كان يعبر عن غضبه كما كان فى السابعة عشر أو الثلاثين من عمره.
قالت له بهدوء و صدق :"ما حدث فى الماضى أصبح ماضياً وأنت ليست ذات الشخص الذى كنته و لا أعتقد....."
تنهد قبل أن يقاطعها :"طبعى كوحش فى أعماقى ينتظر لينقض على أحد ما . وعندما أشعر بالغضب يمكننى أن أتأكد أنه يجلدنى , و بطريق ما لـ ستيفانو علاقة بما يحدث. لكننى ليست متأكداً أننى لن أفقد أعصابى مع أحد غيره , ولهذا السبب لم أحاول التفكير فى الزواج . لكن لا تعتقدى للحظة أنى لا أعيش حياتى كأى رجل طبيعى."
صديقته فى لايك دستركت خير دليل على ذلك , قبلت خده وهمست :"عزيزى لم أفكر بذلك لحظة."
فجأة عانقها و بعد لحظات قليلة قال لها بنعومة :"قدمى لىّ صنيعاً ولا تخبرى أحدا بما قالته لك عن الكوابيس التى تنتابنى . فـ ستيفانو سيزعجنى بها و لا أريد أن أفقد احترام جدتى لىّ."
عادت لورا إلى سريرها عند الساعة الرابعة و استيقظت بعد ثلاثة ساعات لتسمع صوت المياه تندفع من القسم الآخر للمنزل . قالت لنفسها من الأفضل أن تستحم و ترتدى ثيابهابسرعة.
تناولت الفطور فى غرفة الطعام و قد قدمه لهما مدبر منزله . لم يكن لأى منهما شهية لتناول أكثر من القهوة و قطعة الفاكهة كما و أنهما فى الطريق إلى الفيلا لم يتحدث أى منهما.
مع ذلك لم يكن صمتهما مقلقاً بل شعرا بتقارب شديد بينهما . فقد أخبرها عن كلما يزعجه وهى لم تتخل عنه . بل على العكس قدمت له الدعم و العاطفة.
ما أن وصلا إلى الطريق الرعية إلى الفيلا خفف من سرعته و قال لها و هو يمسك يدها :"أعطنى قليلاً من الوقت لأفكر بما قلناه لبعضنا ليلة البارحة . سنتحدث مع بعضنا فى وقت لاحق و قبل أن نفعل علىّ أن أعمل على تنظيم افكارى."
لم تستطيع بعد ما سمعته أن تقول له أنها ترغب فى مساعدته , قالت لنفسها بصمت ,أنا ليست متأكدة منك , لكنى مغرمة بك كما لم أغرم يوم فى حياتى . و أتمنى لو أستطيع أن أعرف ماذا يمكننى أن أفعل بشأن حبك.
منتديات ليلاســ