كاتب الموضوع :
malikaflowrs
المنتدى :
القصص القصيرة من وحي قلم الأعضاء , قصص من وحي قلم الأعضاء
رد: طرائف السيد دال _ الحلقة الثانية
عدنا مرة جديدة للطرائف لكن هذه المرة بعيدا عن السيد دال . كيف تتخيلون حياتنا بعيدا عنه ؟ في غيابه نغني" الحياة حلوة بس نفهما الحياة حلوة ما احلى ايامها" .
ننهض كما العادة على الساعة السابعة و خمسين دقيقة اي عشر دقائق قبل الحصة الاولى . تسبقنا شيري لأنها تستغرق اطول مدة في تجهيز نفسها هذا فقط مقارنة معنا, ترتدي ملابسها ثم تقوم بإيقاظي فحالي سهل لا يلزمني إلا خمس دقائق أما سونة فبعد نداءات عديدة من كلتينا تخرج رأسها اخيرا من تحت الغطاء لتسحب حقيبتها من اسفل السرير و تخرج المفاتيح و تقول جملتها المعهودة:
- اعطي المفاتيح لفاطمة و قولي لها أن تفتح القسم و توزع كتب الرياضيات. و فاطمة هذه تلميذة تدرس عندها لتعود بعدها للنوم عشر دقائق أخرى ريثما نلتحق بفصولنا و نوزع الكتب و يكتب التلاميذ تاريخ اليوم . لترى سونة تتهادى في مشيتها و علامات النوم لازالت بادية عليها لكن و الحق يقال يلزمها ثواني فقط لتسمعوا صوتها العالي يجلجل داخل القسم .
أما شيري فتختفي داخل فصلها لتبدأ دوامة دروسها متناسية العالم الخارجي خاصة ان فصلها هو الأبعد . فإن احتجناها يلزمنا الصياح بأعلى الصوت حتى تطل برأسها. وفي ما يخصني قسمي هو الأقرب الى البيت فلا أنكر أنني أقوم بجولات بلا عدد بين البنايتين خاصة إذا كان هناك برنامج مميز على شاشة التلفاز لأجر معي سونة فنتناوب على المشاهدة و مبادلة ما فات كل واحدة منا من مشاهد.
وجبة الإفطار تكون على الساعة التاسعة اي بعد إنجاز الحصة الأولى و تكليف التلاميذ بإنجاز بعض التمارين و نتوجه نحن الى المنزل لنستمتع بوجبتنا و نحكي لبعضنا ما مر بنا من طرائف مع العباقرة الذين ندرس و كانت أهم طرفة حصلت هذا العام ما حصل مع شيري التي قررت ان تعلم تلامذة المستوى الثالث اغنية فرنسية بسيطة باعتبار انها اول سنة يدرسون فيها اللغة الفرنسية الاغنية معروفة جدا كل الاطفال حتى الذين لم يبلغوا بعد سن التمدرس يحفظونها عن ظهر قلب ولكن فللاشارة نحن ندرس في منطقة سكانها امازيغ فهم ياتون للمدرسة لا يعرفون الا لغتهم حتى العربية لا يفهمونها و عن النطق شتان بين اللغات الثلاث و بعد محاولات مراطونية من طرف شيري حتى تعلمهم النطق الصحيح للكلمات تمت المهمة بنجاح و لكن بصراحة بعد استماعنا للاغنية فوجئنا بأن الاساس موجود رغم ان بعض الكلمات يا حرام اختف اغلبها أو صار شكلها مختلفا تماما, المهم حصلت شيري على اغنية جديدة اي نعم فرنسية الاصل لكن امازيغية المولد.
أما بالنسبة لسونة فموقفها الأصعب , ذلك ان الاطفال يأتونها لا يتكلمون إلا الأمازيغية و لحسن حظها هي تعرف اللغة. فتبدأ اول حصصها بترجمة العبارات الاعتيادية الى اللغة العربية ثم تأتي مرحلة تدريس الحروف, و المصيبة هي دروس التعبير فالطفل ليس لديه اي معارف سابقة ولا معجم من الكلمات التي يمكن ان يستخدمها فنظن انفسنا في مثل هذه الحصص ان التلاميذ و هم ينظرون الينا يتخيلوننا مخلوقات من الفضاء الخارجي . و الاصح انهم طوال العام يتخيلوننا كذلك .
في الواقع هناك نسبة من الغباء المتأصل في هذه المنطقة دون مناطق بلدنا ربما السبب يرجع الى النظرة السلبية للمدرسة والتعليم بصفة عامة فهنا الطفل بعد ان يصل الى سن الثالثة او الرابعة عشر يبدأ في التفكير في السفر الى المدينة للعمل بالتجارة أما الفتاة ففور ان تكمل المرحلة الابتدائية تبدأ التفكير في الزواج و تكوين أسرة نعم فأنا اعرف فتيات درسن عندي تزوجن وانجبن قبلي .نعود الى الغباء اذكر أنني اثناء انجازي لدرس النشاط العلمي عن اجزاء البذرة و بعد شرح مستفيض و رسومات على السبورة جاء وقت التقويم لمعرفة مدى استيعاب التلاميذ للدرس . المهم وصلنا لسؤال وهو معرفة جزء البذرة الموجود في الصورة و كان فلقة و هو القسم الداخلي الذي يأتي بعد الغشاء بعد طرحي للسؤال طلب أحد عباقرتي الإجابة و بالحاح فرحت و انا اعطيه الإذن ليصدمني بكلمة وحيدة:- مشمش . بقيت فاغرة فاهي دقيقة كاملة احاول استيعاب الجواب وربطه بشيء قلناه او صورة ربما موجودة على السبورة او حولها او ربما قلت الكلمة اثناء الشرح دون فائدة نحن لم نذكر كلمة مشمش لا ذلك اليوم و لا اليوم الذي قبله و ربما ولا حتى الاسبوع الفائت إذن من أين جاء بها معادلة لم يستطع عقلي المسكين حلها لحد الساعة.
إن التدريس بالنسبة الينا مسلسل كوميدي مستمر رغم المعاناة عندما نكتشف كل حين أن ما نبنيه في شهور من السهل هدمه بعطلة مدتها ايام فيأتينا التلاميذ كالدلاء الفارغة بعد جهد و وقت اضعناه في ملئها. لكن ما يصبرنا هو غياب السيد دال اغلب ايام الاسبوع فوجوده يكهرب الجو و أعماله الغير المنجزة والتي نضطر لمساعدته فيها يضيع اوقات دروسنا فنحن ندرس افضل بدونه . اما ليلا فغيابه يسمح لنا بأخذ راحتنا على الاخر فالسهرة تمتد الى ما بعد منتصف الليل وصوت غنائنا يملأ زوايا المدرسة الاربع . ومساء نجلس خارج البيت بكل اريحية نضحك و نستمتع بالهواء العليل.
حتى التلاميذ يكرهون وجوده فهو دائم الصراخ و الوعيد يغضب كلما وجدهم يلعبون أمام بيته أو امام الإدارة مع العلم أن هذين هما المكانين الوحيدين الصالحين للعب في مدرستنا العجيبة ذات الساحة الضيقة جدا لأن السكان الكرماء عندما ارادت الدولة بناء المدرسة وطلبت منهم التبرع بقطعة ارض لم يستطيعوا التخلي إلا عن أسوء جزء و هو الغير الصالح للزراعة مكان ارضه عبارة عن مخلفات صخرية كما انه يطل على الوادي الذي يمنعنا طوال ايام الشتاء الطويلةمن النوم حين يفيض . إن اغلب المدارس في هذه المنطقة مبنية إما قرب الوادي أو قرب المقبرة المهم بعيدا عن السكان. قرب الوادي فهمناها فهي اراض غير صالحة للزراعة أما قرب المقبرة فهو الاختيار الذي لم أفهمه ربما يتمنون أن يتكفل الأموات بإبعادنا بعد أن فشلوا هم في ذلك.حياتنا هنا نملأها بضحكنا بالامل في الغد بمحبتنا لبعضنا هذا ما يصبرنا على بعد أحبائنا أما العوائق فننظر إليها بإيجابية و نبتسم في وجهها لعل ابتسامتنا تعدي الايام فتضحك هي أيضا في وجوهنا.
ارجوا ان تكونوا استمتعتم بحلقة اليوم و الى اللقاء في حلقة اخرى من طرائف السيد دال.
بقلم: مليكة العاك
Malikaflowrs
|