الفصل الحادي عشر
حياة جديدة
حين أستيقظت ألونا في صباح اليوم التالي, ونزلت الى المطبخ , وجدت دريك يغتسل في المطبخ.
راقبت دريك يغتسل بالماء البارد الموضوع في الحوض الجديد , سحرتها حركاته وخاصة حين تناول المنشفة.
" لا بد أنك قوية لتتحملي هذه الحياة القاسية , سأتحول بعد قليل الى أنسان بدائي يجر أمرأة من شعرها بأتجاه كهفه المظلم , هل تعلمين أن لي حق برميك خارج الكوخ , بأعتباري مالكه , أذا لم تنفذي أوامري؟".
وجذبها نحوه واضعا يديه على كتفيها .
" نعم , أنك جميلة في الساعات المبكرة ,هل مزاجك أحسن اليوم؟".
أبتعدت عنه بحركة سريعة :
" من الأفضل تجنبي في الصباح الباكر ".
" ربما لأنك تستيقظين لوحدك".
" ربما لأنني أفضل هذا".
" هل تمزحين؟".
وتجنبت النظر اليه مباشرة لتبعد عن نفسها تأثيره المغناطيسي
تركها دريك دون أن يذكر وقت عودته , ربما سيقرر العودة بعد أسابيع , تبعا لرغبته , ورغم جلبه بعض الملابس معه, فأن هذا ليس تأكيدا على بقائه في الكوخ بشكل متواصل.
بعد أن عملت طوال الصباح , طبخت ألونا طعامها متمنية , لأول مرة , وجود شخص آخر الى جانبها , كان من العبث تقريع نفسها أذ بقيت صورة دريك مهيمنة على تفكيرها طوال اليوم.
عصرا , أعدت وجبة العشاء .... قطعت اللحم وأضافت اليه خليطا من الخضار وكمية من الماء , ثم وضعت القدر في الجزء السفلي من الفرن ليطبخ الطعام بهدوء.
سمعت طرقا على الباب , فدق قلبها فرحا , ولكن دريك لديه مفتاح... تكرر الطرق وعرفت من وقعه أن الطارق صديق.
قال راي:
" أهلا.... آه , فتاة أحلامي ترحب بي على عتبة دارها , هل سترتدينه يوم غد؟ ستثيرين ضجة و هل أستطيع ادخول؟".
" لم لا؟ هل تعلم بأن دريك يقيم هنا الآن؟".
" نعم , ولم يكن ما سمعته أشاعة كاذبة , لا تقلقي , لا يعرف الكثيرون ذلك ... رغم أن الجميع يعرفون بشرائه الكوخ".
" لست قلقة يا راي , أنه مالك الكوخ وهذه غرفته, غرفة لوسيا سابقا .... بينما أنام كعادتي , في الطابق العلوي".
" أعرفك جيدا يا عزيزتي , الكل يعرفونك من هذه الناحية صحيح أنني ضحكت لوصف السيدة براينت لك بأنك فتاة ذات أخلاق عالية لكنها الحقيقة و بالمناسبة , ألتقيت بالسيدة ميسي أثناء مجيئي وكانت مسرعة للحاق بالقطار المتوجه الى برايتون , أختها ليست على ما يرام وستبقى معها عدة أيام وطلبت مني أخبارك بذلك".
" شكرا , هل أعجبت بالفستان ؟ عسى أن يعجب الفائز أيضا , راي.... أنني خائفة وأتمنى لو لم أوافق".
" لا تقلقي . سيكون كل شيء على ما يرام, أنا متأكد من ذلك ".
" كيف تعرف ذلك؟هل أنت من سيفوز بي؟ أو الكولونيل دينتون ؟ سأكون بأمان".
"شكرا , أن ثقتك تبعث السرور في نفسي".
" هل تريد كوب شاي ؟ عشائي ليس جاهزا بعد".
" لا مانع لدي , ولكن يجب أن أعود بسرعة أذ يريد مني والدي مساعدته في كتابة رسائله".
وضعت ألونا الماء على النار ثم وضعت الكوبين على المنضدة , قالت:
" راي , لا أريد توسيخ هذا الفستان ,هل تمانع أذا ذهبت الى الطابق الأعلى لاغييره؟".
لا مانع لدي وسأتسلى بقراءة الرسائل المطبوعة أثناء ذلك".
صعدت ومضت الى غرفتها و وخلعت الفستان ثم علقته بعناية في خزانة الملابس , حين أستدارت لأرتداء بنطالها سمعت صوت الباب ثم صوت شخص يتكلم مع راي ,مضت الى الفسحة الواقعة أمام غرفتها ومدت رأسها لألقاء نظرة على الطابق الأرضي , ففوجئت بوقوف دريك أسفل السلم متطلعا اليها , ها هي واقفة هناك نصف مكشوفة بينما صديقها ينتظر في غرفة الجلوس , وفهمت بسرعة مغزى نظرات دريك المحتقرة.
" دريك!".
وعادت الى غرفتها فسمعت صوت راي قائلا:
" وداعا يا ألونا , اراك غدا في المهرجان وأتمنى أن يفوز بك الرجل الملائم".
أرتدت ألونا بنطالها قبل أن يدخل دريك الغرفة , وقف عند المدخل متفحصا أياها.
" هل قاطعت شيئا مهما ؟ أو ربما كنت تستعدين وأفسدت أنا عليكما خلوتكما؟".
" لا أعرف ما الذي تتحدث عنه , كل ما كنت أفعله هو خلع الفستان الجديد الذي سأتديه في أحتفال يوم الغد , أردت المحافظة عليه و....".
وسكتت بعد أن أدركت أنه لم يكن مصغيا.
" أذن , راي هو صديقك رغم كل ما قلته سابقا , لا عجب في مناداته لك بلفب( حبي) ما دام هو حبيبك ,ولا عجب في أعتراضك الشديد حين جئت للبقاء هنا , وسألتك حينئذ عن السبب فأنكرت الأمر".
" أنكرت أتهامك وما زلت أنكره".
" أظن هذا معقولا , أذ في أمكان صديقك النوم هنا , أنني لست ساذجا عادة , ولكن لا بد أنني تحت تأثير مظهرك البريء ,( وسار نحوها) مظهرك البريء ! من الواضح الآن أنني أكبر مغفل في العالم لأنخداعي بذلك".
" أنك مخطىء , أنك مخطىء , أنت تستند في أفتراضك على ما حدث صدفة , جاء راي لسؤالي عن يوم غد ثم وضعت أنا الماء على النار وصعدت لتغيير الفستان".
واصل حركته حولها , أحست به بعيدا عنها عاطفيا رغم ملامسته أياها , ما فائدة ذلك؟ ويئست من نجاحها في أجتياز الفاصل بينهما.
سحبت يديها , ما فائدة الحب من جانب واحد؟ وقبل أن يحاول ثانية , أرتدت قميصها بسرعة , هناك حل واحد للمشكلة.... يتوجب على أحدهما مغادرة الكوخ , وبما أنه المالك , يجب عليها هي المستأجرة , مغادرة الكوخ.
سحبت حقيبة ملابسها الموضوعة على الخزانة , نفضت الغبار عنها ثم فتحت أدراج الخزانة وبدأت تسحب ملابسها.
حين بدأت أختيار ما ستأخذه من الأحذية , قال دريك :
" هل ستخبرينني ماذا تفعلين؟".
وأمتلكها الغضب , غضب حاولت جهدها كتمانه حتى تلك اللحظة لحرصها على حب الرجل الذي أرادت الأقتراب منه أكثر من أي شيء آخر في الحياة.
" من الواضح أن هناك شيئا واحدا يسرك وهو أبعاد نفسي عن حياتك , أخبرتك ذات مرة بأنني أذا غادرت الكوخ , سأحزم متاعي وأعيش كمتجولة سعيدة".
سعيدة؟ فكرت بأنها لن تكون سعيدة أبدا , قاومت رغبتها في البكاء .
" قلت أنني أريد رؤية العالم , أن أعيش , وأنا وآكل حسب طريقتي , حسنا , سأفعل ما يفعله كل الشباب في العالم , أريد أن أعيش سعيدة , بلا تدخل وبلا قيود مفروضة علي , بلا رجل يفرض حضوره علي".
" ألونا قبل أن تذهبي , هل أخبرك شيئا ؟( وقف عند المدخل ناظرا اليها بهدوء)أنا أيضا لدي حقيبة سفري الرثة ,حين أسافر لا أتصرف عادة كرجل غني بل أستخدم ساقيّ للمشي الطويل وكتفي لحمل متاعي ويدي لنصب الخيمة و ليس عالمنا مختلفا كما تتصورين".
توقفت ألونا , غير واثقة من خطوتها التالية , هل أختفت الحواجز؟ كلا , ليس كلها , حيث ساهم دريك بدوره في ذلك , تتذكر جيدا كيف قال ذات مرة أنه ذاهب لزيارة ديانا لأنها تتكلم لغته ,ديانا المرأة التي أحبها وأعتز بها , هل يحاول بتوضيحه أقناعها بالبقاء ؟ ربما كمحاولة منه لنسيان ديانا وحبه؟ ألتقت نظراتهما.
" ربما كنت ساذجا مرة أخرى , ربما لست ذاهبة للتجول في العالم , ربما ستذهبين للبقاء مع صديقك راي؟".
شمت رائحة ما طبخته فأحست بالجوع , وتذكرت أن طعامها لا يزال يغلي في الفرن ,موقدها , مطبخها , كوخها وعالمها.... كلا , لا تستطيع التخلي عن ذلك كله , كما لا تستطيع التخلي عن الرجل الواقف في أنتظارها.
بحثت عن شيء مختلف في نظراته , هل قرأ أفكارها ؟ هل عرف أنها لا تستطيع العيش بدونه؟
عادت ببطء الى الكوخ , فتحرك ليسمح لها بالدخول , وضعت حقيبتها على الأرض ووقفا يحدقان ببعضهما البعض.
" كنت محقا في أفتراضي , أليس كذلك؟ كنت متوجهة لمصاحبة صديقك ".
فتحت فمها لتدافع عن نفسها غير أنها غيرت رأيها , ما فائدة توضيح أسبابها الخاصة التي دفعتها للبقاء؟
هزت كتفيها وتنهدت:
" يبدو أن العشلء جاهز , هل تريد مشاركتي؟".
" أذا كان هناك ما يكفي".
خلعت سترتها ورمتها جانبا ثم ذهبت الى المطبخ , فتحت باب الفرن وسحبت القدر ووضعته على الفرن.
" هل أستطيع المساعدة؟".
" هل تستطيع أعداد الطاولة ؟".
أبتسم:
" سيدهشك هذا , لكنني خبير في ذلك".
" المناديل هناك, الشوكات والسكاكين في الدرج العلوي , الملح والفلفل الى جانبها ".
عاد الى المطبخ بعد ثلاث دقائق :
" تمت المهمة ...( رفع يديه مازحا) أستطيع أستخدامها لشيء آخر عدا توقيع الرسائل والعقود".
" آه....".
كان ذلك كل ما قالته ألونا وناولته صحنه.
تناولا العشاء صامتين , أثار ذلك عصبية ألونا ,ولم تعلم سبب سلوك دريك , هل صمت أحتقارا لأنه ظن أنها كذبت عليه؟ أو ربما كان مشغولا بعمله فعزله عما يحيطه؟
لم تكن ألونا قد أعدت الحلوى الملائمة لتناولها بعد الوجبة , فعرضت على دريك تناول الجبنة مع البسكويت أو بعض الفواكه , تناول تفاحة من الصحن وحدق فيها , سألها مداعبا :
" هل غسلت التفاح؟ ( أومأت موافقة) تحت الحنفية؟( أومأت ثانية) وجففتها جيدا؟".
فهمت حينئذ لعبته فأحمر وجهها .
" حسنا .... هل سررت لنكتتك الصغيرة؟ أو ربما لن تسر الى أن تزود المطبخ بالماء الجاري؟".
" لا أدري , هناك طرق عديدة للحصول على السعادة , هل تفهمين ما أعنيه ؟".
" هل تريد القول أنك قد تعتاد على طريقة حياتي ؟ وأنك قد بدأت تحبها؟".
" مزقي القناع , وستجدين رجلا بدائيا تحت مظهري الأنيق , أمنحيه الظروف المناسبة وسيفاجئك كالعاصفة , هل يجيب هذا على تساؤلاتك؟".
أتم أكل تفاحته ثم شربا القهوة.
" هل تتطلعين بشوق الى يوم غد؟".
" أنني أخافه".
" أذا كنت تشعرين بهذه الطريقة , لم وافقت؟".
" أقترح أحد أعضاء اللجنة الفكرة ووافق الجميع ناظرين الي".
" ألم يستطيعوا رؤية ما يخيب ظنهم ؟ ألم يروا أنك لست الفتاة الملائمة لعرض مفاتنها ثم تقف صامتة بأنتظار الرجل الفائز؟".
" قلت رأيك بصراحة ووضوح , حسنا لست جذابة , لكنني سأرتدي ذلك الفستان وأبتسم بشكل مغر , الى أن يفوز أحدهم , أما أذا قرر بعد ذلك أنني غير صالحة للدور , سأعود الى البيت مطمئنة الى أنني قمت بواجبي نحو اللجنة , لكنني متأكدة من شيء واحد , سأقاتل بعنف أذا ما حاول أي رجل أجباري...".
" هل هذا تحذير لي ؟ أذا كان هذا صحيحا فتأكدي أنني أذا فزت لن تستطيعي مقاومتي أطلاقا".
نهضت واقفة :
" يجب أن أجلب بعض الماء لغسل الصحون , أعذرني رجاء".
" أعطيني السطل , سأجلب الماء".
ناولته السطل فخرج الى الحديقة وسمعته يصب الماء فيه , وسألها حين عاد:
" كيف أستطعت حمل هذا الثقل طوال الوقت؟كان من الممكن أن تؤذي نفسك".
" حسنا , لم يحدث ذلك حتى الآن".
" كم سأنتظر حتى يغلي الماء ؟ لدي طرق أسرع , ما رأيك بطباخ غاز؟ أو تزويد موقدك بقنينة غاز؟ أنها ليست طريقة تكنولوجية حديثة".
" أفعل ما يحلو لك , الكوخ ملك لك وأنت تحتل نصفه الآن".
" ربما سأفعل ذلك , ربما".
غسلا الصحون وجففاها , كان دريك ممتازا في عمله فأرادت ألونا مدحه غير أنها لم تتوقع منه غير السخرية فصممت .
ببطء , ببطء شديد , بدأت ألونا تغير رأيها حول طريقته في الحياة , ها هو يساعدها في كل شيء متقبلا بدائية الظروف المحيطة بهما , هل أساءت الظن به وبرفاهيته وفساده؟ ربما كان أكثر أحتمالا منها , وهذا أذا تذكرت أحتماله لأهاناتها.
لكنها تذكرت , أنه هو من أشار الى الحاجز الفاصل بينهما , هل عنى الأختلاف العقلي بدلا من الحسي؟
بعد أن أنهى مساعدته لها , غادرها صامتا الى غرفته وأشعل المصباح , مخيبا بذلك أمل ألونا في البقاء قربه ومحادثته.
وبما أنه لم يغلق الباب وراءه مباشرة تبعته محاولة التودد اليه.
" آسفة لوجود ملابس لوسيا في خزانتك ".
" ظننت أنها ملابسك".
" كلا , لا أرتدي , عادة , ملابس كهذه , سوى فستان واحد أرتديته مرة واحدة .... هل تريد مني أخراجه؟".
هز كتفيه بلا مبالاة , وقفت في مكانها صامتة لعدة لحظات , الى أن فتح حقيبة يده , وجذب بعض الوثائق ثم وضعها على سريره فأنتابها أحساس كاتب صغير أمام مدير الشركة , حسنا , أنها لم تعد مستخدمة لديه ,ولن تنصرف لأنه ألمح اليها بذلك.
" سيارتك غير موجودة في الخارج , أين وضعتها؟"
" لم آت بالسيارة , أوصلني أحد الأصدقاء".
" كيف ستعود غدا؟".
" غدا هو السبت , ولا أعمل عادة يوم السبت , ثم أذا أحتجت سيارة أستطيع الأتصال هاتفيا وأستئجار سيارة أجرة , أين يوجد أقرب تلفون؟".
" في كوخ السيدة ميسي , أنها مسافرة الآن لكن لدي مفتاح الكوخ".
أومأ برأسه ففهمت ما أراده ونفذته , غادرت الغرفة فأغلق الباب وراءها وبقيت هكذا طوال المساء.
تخلت ألونا حوالي الساعة العاشرة عن محاولتها القراءة , كان دريك هادئا الى حد أحست فيه بالعزلة , لم يعد أمامها غير الأستحمام والذهاب الى غرفتها للنوم , وضعت أناء الماء على الموقد ثم ذهبت الى غرفتها لجلب قميص نومها وما تحتاجه للأغتسال , لاحظت عند نزولها خلو غرفة الجلوس.
لم تخبر دريك بنيتها في الأستحمام لأنه كان مشغولا ولأنها خشيت تأنيبه , لذلك لم يعد أمامها غير وضع ملاحظة ( أبتعد رجاء) على باب المطبخ ,وبدأت غسل رقبتها وصدرها حين فتح دريك باب المطبخ فجأة وقد أعماه الغضب , كان يحمل في يده ملاحظتها , ممزقة.
" هل حاولت أثارتي بطريقتك هذه؟ أخبرتك الليلة السابقة بتأثير مثل هذه الملاحظة على أي رجل , ألم تفهمي ما قلته؟".
وقفت ألونا مرعوبة للمفاجأة وجمدت ضحية لنظراته الثاقبة المتفحصة , وأنتبهت أخيرا الى موقفها فسحبت المنشفة بسرعة وغطت صدرها .
لم يضحك لخجلها بل زاد غضبه.
كانت الساعة الواحدة صباحا حين تخلت ألونا عن محاولاتها للنوم , فبدأت تتمشى في الغرفة غير عابئة بالهواء البارد المنبعث من النافذة المفتوحة ولا بأزيز الأرض الخشبية , كل ما أحست به هو وجود من أحبته في الطابق الأرضي , الرجل الذي كانت مستعدة للتخلي عن كل شيء من أجله.
هل في أمكانها التخلي فعلا عن مبادئها؟ أن تربيتها الصالحة دون ذلك , فأكتفت بالسير في الغرفة واضعة يديها في جيبي روبها.
لم تعد تفكر باليوم المقبل , يوم الأحتفال ,ونسيت كونها جائزة اليانصيب , وأحتمال قضائها اليوم بكامله مع رجل لا تعرفه , وتخبطت في حيرتها وقلقها فلم تسمع صوت أقتراب خطوات دريك من غرفتها , ولا أنفتاح الباب ليكشف عن هيئة مالك كوخها.
كان شعره غير مرتب , مع ذلك كان مرتديا ملابسه كلها , كما لو كان قد عقد عزمه على البقاء مستيقظا طوال الليل.
" هل حدث شيء ما؟".
" لا أستطيع النوم".
كان على مبعدة خطوات منها , مع ذلك أحست بالعزلة , أنه الحاجز الفاصل بينهما , المكتب الفاصل بين المدير والمستخدم , رغم لحظات المودة التي سادت بينهما , وكانت ألونا بعيدة عنه بعد كاتبة الآلة الطابعة البسيطة عن مدير المؤسسة الأنيق.
لا بد من وجود طريقة لسد الثغرة , وتداعت كلماتها بسهولة :
"دريك , آسفة لكل شيء فعلته( لم يبد عليه الفهم) الخوف هو الدافع وراء الكثير من أفعالي , مثل تحطيم الأسمنت في الحديقة , أنها رغبة غريزية في الدفاع عن أسلوب حياتي البسيط.........".
لم يبد عليه أي رد فعل.
" آسفة أيضا لكل أهاناتي , لم أعن ذلك في الحقيقة".
وأذ تزايد قلقها وتوترها سمعها تقول:
" عصر اليوم , لم أكن ذاهبة لرؤية راي , هناك فتاة تعيش في المدينة ويحبها هو .... أنه ليس صديقي , ما كنت قادرة على مغادرة الكوخ".
وتمنت لو أنه نطق بشيء .
" دريك.... أنني أحب وجودك هنا".
" لا بد أن حضوري يدفعك للأحساس بالأمان أكثر , أليس كذلك؟".
كانت لهجته ساخرة , أين المغفرة التي أشتاقت لسماعها؟
" أفهم شعورك يا دريك , أعرف أنك تحب ديانا وأنك خسرتها لرجل آخر ".
وبدا عليه التعب ..... ربما لأنه لم ينم جيدا , ها هي تحاول أصلاح ما أفسدته غير أنه لم يظهر ما يشجعها.
" أخبرتني ذات مرة ( لن يمضي وقت طويل) فظننت أنها كانت تعني زواجكما".
" ظنت أنها تحتضر وبذلك ستلحق بزوجها قريبا".
وأثارت كلماته حزنها وعاطفتها , لم تكن ديانا تحب دريك أذن؟
" أنك تبتعد عني أكثر وأكثر بدلا من الأقتراب , لا أريد خسرانك يا دريك".
ومدت يدها لتتشبث بيده و غير أنه لم يستجب.
" رجاء دريك ساعدني.... أنني قلقة , بصدد الغد وما يتوقع مني عمله ".
" أخترت ذلك بنفسك , فتخلصي منه بطريقتك , أنها مشكلتك ".
وأستدار فغادر الغرفة .
لجأت الى فراشها وتشبثت بوسادتها , بكت حتى تخلصت من توترها.
سمعت , بعد ساعة , ضجة في الخارج , خطوات شخص في الحديقة , ورغم أنها لم تنم , كانت في حالة شبه حلم , هل حلمت بسماع الأصوات؟ نهضت ببطء وجلست في سريرها , حين رأت رأس وكتفي رجل خلال النافذة , كتمت ألونا أنفاسها حاولت الصراخ لكنها فقدت صوتها , لم يكن دريك , لم يكن راي , أنه رجل ضخم ...
وقفت جامدة , أرادت الهرب غير أن رعبها شلها مكانها , وأذ أستطاعت الحركة أخيرا جاءت محاولتها متأخرة , أمسك بها الرجل بقوة , لم تستطع رؤيته.
" أهدئي وألا.... قلت ذات يوم بأنني سأنالك وها هو اليوم , لن يكون وجهك جميلا حين أنتهي منك".
" هل جننت يا سيد برادويل ؟ لست........".
كلا لن تخبره أنها ليست وحدها , وتمنت لو كان دريك مستيقظا.
" أيتها الآنسة الجميلة , سأنالك بأي طريقة ممكنة".
" يا سيد برادويل....( وأذ حررت ذراعها من قبضته أستدارت وصرخت بصوت مجنون ) دريك!".
سمعت صوت خطوات سريعة , فهمس برادويل:
"آه , أنها ليست وحدها".
وكمحاولة أخيرة لأيذائها صفعها عدة مرات ثم ركض نحو النافذة .
فتح دريك الباب وقال:
" أركضي بسرعة , أذهبي الى الجارة وأستدعي رجال الشرطة , سأمسك بهذا الرجل حتى لو أقتضى الأمر التضحية بحياتي".
ناضلت ألونا للنهوض والوقوف على قدميها , كانت على وشك الأغماء غير أنها أدركت حرج موقف دريك وحاجته للمساعدة فأسرعت الى الطابق الأرضي , تناولت المفاتيح من مكانها وركضت نحو كوخ السيدة ميسي.
أمسك دريك ببرادويل ولم يتركه ألا غائب الوعي , دريك فعل ذلك... دريك الذي أتهمته دائما بالجهل والعجرفة.
كان وجهها منتفخا بتأثير صفعات برادويل ولسقوطها على الأرض الصلبة بعد ذلك.
أستجوبها رجال الشرطة فأخبرتهم بما حدث ثم أخبروها أنه أستخدم سلم العمال للوصول الى غرفتها , كما أنه لم يكن ميتا بل حيا و ودفعوه الى السيارة ليبقى فيها الى حين الأنتهاء من التحقيق.
سمعت ألونا صوت خطواتهم فرفعت رأسها.
" هل تودين الذهاب الى المستشفى لأجراء بعض الفحوصات؟".
هزت رأسها رافضة , كانت بخير , كل ما في الأمر أنها كانت متعبة وبحاجة للراحة.
طمأنهم دريك الى أنه سيهتم بها , ثم سار معهم نحو الباب فسمعته يوضح لهم:
" جئت لقضاء ليلتين أو ثلاث لحمايتها , أذ توقعت هجومه عليها , خاصة بعد أن طردته من عمله وهدد بأيذائها معتقدا أنها سبب طرده من العمل".
ها هي تسمع الحقيقة , لهذا جاء للبقاء معها , ليس لأنه يحبها , ليس لأنه يعيش الحياة البسيطة , ولكن من أجل ألقاء القبض على رون برادويل........
عاد دريك بعد خمس دقائق ليجدها في مكانها.
" أعرف الآن لم جئت الى هنا , حسنا , لقد أتممت مهمتك وألقيت القبض على برادويل , تستطيع الذهاب الآن- سأكون سالمة لوحدي كما كنت دائما".
أجابها الرجل بهدوء:
" نعم جئت لألقاء القبض عليه قبل أن يلحق الأذى بك, جئت لحمياتك ".
بقيت ألونا جامدة في مكانها.
" أخبرني أنه سيؤذيك وسيشوه وجهك لئلا يفوز بك أي رجل في اليانصيب , لذلك كنت حذرا الليلة".
" ولهذا السبب لم تنم طوال الليل؟".
" صحيح , ولهذا قلقت حين سمعت خطواتك في المرة الأولى , ظننت طوال الوقت أنه سيحاول الدخول من الباب الأمامي وكنت مغفلا فأهملت أحتمال دخوله من النافذة".
" أذن , حين سمعت اضجة في المرة السابقة وظننت أنهم العمال , كان في الحقيقة رون برادويل؟".
" نعم , وحين أتصلت بي هاتفيا , خمنت فورا هوية الشخص , لهذا جئت مستعدا للبقاء أطول فترة ممكنة ".
" حسنا , لقد أنتهت مهمتك كحارس شخصي لي , تستطيع العودة الآن الى بيتك".
لم يتحرك من مكانه....
" لم طلبت من العمال عدم المجيء ثانية؟".
" قررت الأنتظار".
" ماذا؟".
" اللحظة الملائمة لسؤالك , ولمعرفة ما تريدينه فعلا".
" تسألني؟ انك المالك ةتستطيع عمل ما تريده".
تحرك مقتربا منها , وأبتسم:
" أنك من سيعيش هنا , لذلك يجب أن تختاري بنفسك ما تريدنه , هل تريدين هذا الكوخ أن يكون بيتا لك , أو مجرد مكان تسكنين فيه؟".
تخيلت منظر كوخ السيدة ميسي بطاولته الصقيلة و زهوره وكراسيه المريحة , واللمسات الطبيعية المريحة فيه و أي أنسان سيقدّر ذلك البيت... بيت يعني الدفء.
" أريد بيتا...".
" بيتا؟ ستحصلين عليه أذن....".
نظرت نحوه متعجبة , فمد يده ولمس وجهها:
" هل صفعك؟".
" نعم , كما فعل من قبل , ثم طردتني اليوم التالي و لم فعلت ذلك يا دريك ؟".
" الأسباب معقدة ومن الصعب توضيحها الآن , ظننت أنك ذهبت الى الحفلة بأرادتك , وكذبت عليّ – تذكري أن برادويل- حرضني طوال الوقت و وكان شخصا وثقت به , ففكرت بك كأنسانة دعية تتظاهر بالهدوء , لا تنسي أيضا أنني أنسان أحب الكمال في العمل".
" أنك أنسان قاس".
" ربما , لكن يجب أن أكون كذلك لأنجح في حياتي العملية".
" وماذا عن حياتك الشخصية؟".
" أطالب بالعلاقة الكاملة , لكني لست قاسيا , ونجحت في العثور على رفيقة حياتي الكاملة التي آمل أختيارها للعيش الى جانبي".
" أخبرني من هي ؟ رجاء يا دريك......"
أمسك بيدها وجذبها نحوه:
" بالكلمات يا حبيبتي أم بالأفعال؟ يجب أن أريك شيئا ما".
وتوجه نحو غرفته ثم عاد حاملا علبتين صغيرتين وورقة.
" هذه أجازة السماح بالزواج , سنتزوج غدا".
" لكنك لم تطلب مني الزواج؟".
" لم أنس ذلك بالتأكيد , ألونا بيل هل تقبلين الزواج مني؟".
" نعم يا دريك واريك , أقبل الزواج بك".
" لكنني لم أشك أبدا بموافقتك , أذ أخبرني أحدهم ذات مرة بأنك تحبين رئيسك في العمل , وكانت تلك الجملة الصحيحة الوحيدة التي نطق بها رون برادويل ( فتح علبة الخاتم) خاتم الزواج , جربيه ,كلا , كلا ....أرتديه بنفسك , سأقوم بذلك غدا".
كان الخاتم ملائما تماما , فتح دريك علبة أخرى كاشفا عن خاتم من الماس , شهقت ألونا.
" ولكن دريك........".
رفع يدها ودفع الخاتم في مكانه.
" أنه بحاجة للتصغير قليلا".
" سأجري كل ما توافقين عليه , ليس في نيتي أفساد بساطة حياتنا المشتركة , وأعدك بأنني سأتعلم ذلك منك , سأكون طالبا متحمسا , وفي الحقيقة , أعتقد أنني في منتصف الطريق الآن".
رمقته بفرح , ثم تغير تعبير وجهها فجأة :
ط غدا و المهرجان واليانصيب , كيف نستطيع الزواج؟ أشترى التذاكر العديد من الناس ولن يكون من العدل.....".
قال مبتسما:
" سيفوز بك شخص أسمه دريك واريك , (ضحك لدهشتها الشديدة وأوضح) كلا لست مجنونا.... ضعي نفسك مكاني , لم أكن قادرا على مراقبة الفتاة التي أحبها وهي تسلم الى رجل آخر , مهما كان عمره , لذلك أشتريت مسبقا كل البطاقات".
" لكن ذلك أحتيال يا سيد واريك".
" هذه وجهة نظرك ,أما في رأيي فأنني حاولت المحافظة على كرامة زوجتي في المستقبل مصونة".
" ولكن متى حدث هذا كله؟".
" شراء التذاكر؟ آه.... منذ أيام , ذهبت للقاء الكولونيل دينتون ورتبناها بيننا ,ولوحت له بمبلغ من المال تبرعا للمهرجان على شرط واحد , أن أفوز بفتاة اليانصيب".
" ولكن.... سيتم غدا سحب التذاكر من كيس اليانصيب , فكيف؟".
نظر الى عينيها المتعبتين :
" آه , ربما سأزعجك الآن , هناك نوعان من التذاكر...".
" وردية وصفراء , ولكن لا أهمية للون".
" هذا خطأ , أشتريت كل البطاقات الوردية , لا تقلقي , ستوضع البطاقات الصفراء في الكيس ولكن في قعره , بينما توضع الوردية في الجزء الأعلى , بما أن زوجة الكولونيل ستجري السحب فأنه طلب منها سحب التذكرة من الجزء العلوي , هكذا ستسحب , لا محالة , تذكرة وردية ".
" دريك واريك , أنك...".
" قاس... أعرف ذلك , حين سأفوز بك سنتوجه الى مكتب تسجيل الزواج ,وبعد الساعة الرابعة عصرا ستكونين زوجتي , سيحضر حفلة الزواج عدد من الأأصدقاء , في فندق الرويال".
" أصدقاء من؟".
" أصدقاؤك وأصدقائي , الكولونيل دينتون وزوجته مثلا , راي هيل ,والسيدة براينت , وعدد من أصدقائي أيضا , هل يلائمك هذا؟".
أومأت بقناعة:
" ثم نعود الى هنا , الى بيتنا لننعزل عن العالم هل لديك أي أعتراض؟".
" كلا".
" هل لديك أي سؤال؟".
" نعم , هل سيكون لدي وقت كاف لأرتداء فستان ملائم للزواج؟".
" لماذا؟ سمعت أن الفستان الذي سترتدينه للأحتفال سيكون ملائما".
وافقته ألونا بعد تفكير قصير:
"سؤال آخر يا دريك ,. هل... هل عنت ديانا أي شيء لك؟".
" هل تعنين هل أحببتها؟ كلا ,فقدت ديانا زوجها العزيز منذ فترة ثم أكتشفت أصابتها بالمرض الخطير , أحسست بالشفقة عليها فساعدتها وسمحت لها بالعمل متى أستطاعت ذلك , أرسلت لها الهدايا لأرفع معنوياتها , كما خرجت معها أحيانا لأمنحها شيئا يدفعها للرغبة في الحياة , كما دفعت عند الضرورة , نفقات علاجها , حين سمعت بشفائها وبعلاقة حبها فرحت أذ سيساعدها ذلك على نسيان وفاة زوجها".
" أذن, لم تعن لك شيئا على الأطلاق؟".
" عزيزتي , كيف تستطيع ذلك وقلبي ساقط في فخ نصبته أنت له؟ فخ لم أرغب الفرار منه أبدا".
" أنا أيضا كنت محاصرة , كم كرهت الخصام معك , وكرهت الشجار".
" أنك كاذبة مبتذلة".
قالت مبتسمة :
" كنا سندعو اليانصيب( فتاة ليوم واحد)".
هز دريك رأسه , جاذبا روبها ومريحا رأسه على صدرها :
" أنك أمرأتي حتى آخر يوم في حياتي , غدا هو البداية فقط.... أنه يوم أستحواذي عليك".
نظرت الى ساعته مبتسمة :
" غدا هو اليوم يا عزيزي".
ونظرت نحوه بعينين متألقتين.
تمت
شكرا لمروركم وتشجعيكم القاكم في رواية اخرى