الفصل الثامن
انذار
حين أستلمت ألونا رسالة من صاحب البيت يطلب منها أخلاءه , كاد أن يغمى عليها عليها فترنحت لتسقط على أقرب كرسي.
وواصلت قراءة الرسالة :
" أضافة الى أنك لست المستأجرة الموقعة على العقد مع السيد مورلي , سمعنا من مصدر مسؤول أستخدامك المنزل كمكتب تجاري مما يخل بشروط العقد الموقع بين السيدة ود والسيد مورلي لذلك نمنحك فرصة شهر واحد كأنذار لأخلاء المسكن , كما ننصحك بأيقاف أستخدامك المسكن كمكتب لممارسة عمل ما هو مدعو بأسم.... مكتب ( بيل للطباعة)".
أمسكت الرسالة بيدين مرتجفتين وركضت نحو كوخ السيدة ميسي , فألتقت بها عند المدخل وأخبرتها السيدة ميسي بأنها ذاهبة للتسوق , ولكنها أنتبهت لشحوب ألونا فقالت:
"تعالي يا عزيزتي , ماذا حدث؟ أجلسي , دعيني أجلب لك....".
هزت ألونا رأسها , ثم أخبرت السيدة ميسي عن رسالة المحامي فأبدت السيدة رغبتها في مساعدتها بأي طريقة ممكنة.
" لدي سبع دقائق للحاق بالباص , أستخدمي الهاتف كيفما تشائين, ولا تنحرجي يا عزيزتي , خاصة أنك تساعديني في دفع قائمة الحساب".
ألتقطت كيس التسوق وقالت أن كل شيء سيتحسن ثم هرولت ملوحة بيدها.
كان راي ثاني شخص فكرت فيه , أما الأول فكانت مقتنعة بأنه لن يساعدها , أتصلت براي وأخبرته القصة كلها , أجابها بأنه مستعد لأقراضها أي مبلغ أذا كان المال هو المشكلة الوحيدة , أما بصدد السكن فأنه لا يستطيع مساعدتها بشيء , أخبرها:
" لدينا غرفة أضافية لكن شقيقتي وزوجها وطفليهما الأثنين على وشك الأنتقال من مسكنهم الى بيت آخر , وحصل جاك على عمل جديد يقع على مبعدة أميال من هنا , باعوا بيتهم غير أنهم لم يشتروا بيتا آخر بعد , لذلك سيبقون معنا لحين عثورهم على منزل آخر".
قالت ألونا أنها تفهم جيدا أنها لم تفكر أطلاقا بطلب ذلك منه .
قالت:
" لا زلت تحت تأثير الصدمة يا راي ,كل ما فكرت فيه هو اللجوء اليك , لم أفكر بالمشكلة بعد , راي , سأكون بلا عمل مرة أخرى , بلا دخل , حتى البيت...".
" لو لا تحاولين الأتصال بدريك واريك مرة ثانية؟".
" فكرت به ولكن.......".
" ساعدك لأنجاح المكتب , بما لديه فكرة بصدد هذه المشكلة".
" آه راي , لا أستطيع طلب مساعدة دريك كل مرة أتورط فيها بمشكلة ".
" هل هناك حل آخر؟".
لم ترغب بأزعاج راي أكثر خاصة أنه بدا مشغولا , فوافقته الرأي ثم شكرته على عرضه.
" آمل أن تأخذي العرض جديا".
أكدت له أنها ستفعل ذلك".
جلست عدة دقائق في كوخ السيدة ميسي , تفكر , حاولت حل المشكلة الجديدة غير أنها كانت مرتبكة فلم تستطع التفكير بوضوح.
ربما تستطيع لوسيا مساعدتها لأنها المستأجرة الشرعية , لو أستطاعت لوسيا أقناع المالك بتأخير البيت لألونا .... ثم تذكرت رغبة صاحب البيت في بيعه.
نظرت الى ساعتها اليدوية , لا بد أن لوسيا في البيت الآن , أتصلت بها هاتفيا وأجابت لوسيا النداء كما لو كانت قد صحت اتوها من نوم عميق.
" ماذا تريدين؟".
" مساعدتك( وأخبرتها عن رسالة المحامي) , أنك المستأجرة الحقيقية , ساعدني جامع الأيجار على حفظ السر ما دمت أدفع الأيجار شهريا , ولكن يبدو أن أحدهم أخبره , أنا متأكدة أنه ليس جامع الأيجار , كل شيء , حتى عن مكتب الطباعة".
" لم أكن أنا المخبرة بالتأكيد , لست مغلفة الى ذلك الحد أذ أعرف أنك ستأتين باكية الي وهو شيء لا أحبه أطلاقا".
" لم أتهمك بأخبار صاحب المنزل".
" ما الذي تريدينه مني أذن؟".
" ظننت أنك تعرفين شيئا خاصا أنك لا تزالين المستأجرة الشرعية , وأخبرني جامع الأيجار السيد ألسون أن العقد يشترط سكنك لوحدك , وبما أنك غادرت المكان لا يحق لي البقاء فيه".
" أنها الحقيقة وكنت أعرف ذلك حين قبلت بكسنك معي , ولم أسمح لك بذلك ألا لأنك كنت بدون سكن , يجب أن تكوني ممتنة لأنني لم أرمك في عرض الشارع يوم مغادرتي المكان.... خاصة أنني لست قريبة لك بل صديقة لأختك , على أي حال ,مكان أقامتي الآن هو مع كولن وسنتزوج حالما يحصل على الطلاق , وأنتهت مشكلتي مع الكوخ , ومهما كانت المشاكل التي ستلاقينها , حليها بنفسك , ماذا عن طلب مساعدة دريك؟".
" لا أستطيع ذلك".
" لماذا؟ سمعت أنه ساعدك بصدد المكتب , جربيه ثانية , سيسدي اليك بنصيحة تساعدك على الخروج من المأزق الذي أورطك فيه".
" لا تلوميه على ذلك , أذ أنه , مثلي , لم يعلم بتلك الفقرة المذكورة في العقد بصدد العمل , على أي حال , لا أستطيع طلب مساعدته لأننا نتخاصم كل مرة نلتقي فيها".
سمعت ألونا لوسيا تتنهد:
" لا تزالين طفلة لم تتعلم معاملة الرجال , أليس كذلك؟ أنه أعزب ومغرم بك , وسمعت أنه لا يرفض أي أمرأة , فأذا ما أظهرت له أستعدادك لقبول شروطه .... أنا متأكدة بأنه سيفعل كل ما تريدينه ".
" لا أعرف كيف أتصرف بهذه الطريقة وأنت تعرفين ذلك".
" حقا , وماذا عن الأحتفال حيث ستعرضين نفسك للبيع؟".
" ذلك مختلف , ولن أتورط بشيء مع أي شخص يفوز".
ضحكت لوسيا بصوت عال:
" مع السلامة يا ألونا , تمتعي بأجترار مشاكلك , ربما سيساعدك ذلك على النضوج".
جلست ألونا مكتئبة ونظرت الى ظلها المنعكس على سطح المنضدة الصقيل , كل يوم تعيشه هو تحد لها , نظرت حولها ثانية , فرأت سلة صغيرة مملوءة بالفواكه وعلى الأرض مقعد أستخدمته السيدة ميسي لأراحة قدميها.
حينئذ رأت رسالة المحامي وتذكرت ما سيكون عليه حالها بعد فترة قصيرة.
رن جرس التلفون فذعرت للمفاجأة , هل تجيبه؟ قد يكون النداء للسيدة ميسي , أو ربما يكون زبونا يعرض عليها عليها بعض العمل.
قالت:
" ألونا بيل هنا".
وأرتعشت لسماع صوت الرجل .
" ظننت أننا لم نعد نتحدث".
" من أخبرك بذلك؟".
" هل نتعارك كل مرة نلتقي فيها؟ لذلك قررت عدم طلب مساعدتي".
" هل أخبرتك لوسيا بكل شيء؟".
" نعم , وأنك ستحرمين من كوخك قريبا أضافة الى دخلك".
" أنها الحقيقة , لكنني سأجد حلا بطريقة ما".
" هل أتصلت بأختك؟".
" لورا؟ أنها على وشك الوضع , وأخبرها الطبيب أنها ستنجب توأما ".
" ماذا عن صديقك الشاب ؟ هل أخبرته بتهديد صاحب المنزل؟".
" هل تعني راي هيل؟ بالطبع , كان أول شخص فكرت به".
" هل عرض عليك الأقامة معه ؟ أضافة الى منحك غرفة تمارسين فيها عملك؟".
" لو عرض ذلك ما أتصلت بلوسيا طلبا للمساعدة".
" هل خذلك أذن؟ يا له من صديق!".
" أسمع يا سيد واريك , أنه يعيش مع والديه ولا يستطيع مساعدتي حتى لو أراد ذلك".
" لا بد أنهم كانوا سيرحبون بمساعدة زوجة أبنهم في المستقبل".
" ما الذي تتكلم عنه! لست مخطوبة له ولا لأي شخص آخر , كما لم نتحدث عن الزواج مطلقا".
" يا لها من علاقة غريبة".
" تستطيع الأحتفاظ بأهاناتك لنفسك , لم أتصل بك ولم أكلب مساعدتك بل أتصلت أنت بي , وأتذكر حين كنت في حاجة ماسة للنقود لدفع الأيجار وأتصلت بك طالبة المساعدة لم تكتف بالرفض بل طلبت منحك مفتاح الكوخ لتستطيع القدوم متى أردت".
" دعوتك منذ فترة قصيرة الى بيتي وقدمتك ال عدد من المدعوين مما ساعدك على الحصول على كمية كبيرة من العمل , وجعلك قادرة على دفع الأيجار , هل طلبت منك مفتاح كوخك؟".
أجبرها على التراجع.
" كلا , ولكن لا أريد أن أكون مدينة لك أكثر مما أنا عليه الآن ,. لذلك شكرا لأهتمامك في الماضي والحاضر , لن أؤخرك أكثر عن عملك ".
وأعادت السماعة الى مكانها , فرحة لأنه لم يكن حاضرا ليشهد أرتعاش يديها.
بقيت بعض الوقت في كوخ السيدة ميسي .... ربما سيعاود الأتصال بها ؟ ثم عادت الى بيتها , أحست بالكآبة حالما أغلقت الباب وراءها ....قريبا لن يعود المكان لها , وسيتوجب عليها أغلاق المكتب أيضا.
قريبا , عليها البحث عن مكان آخر ,ولكن حتى لو عثرت على المكان كيف ستدبر مشكلة الأيجار؟ بالطبع ستستلم أعانة مالية لأنها عاطلة عن العمل , لكنها لم تكن ترغب بذلك بل تريد العمل أكثر من أي شيء آخر , هل سيصر دريك على حرمانها من شهادة التوصية؟
كانت محاصرة في فخ لا تستطيع التحرر منه , فخ القانون وظلم رب عملها السابق .
عندما ألتقت لجنة الأحسان ثانية , دار النقاش حول المواضيع المعتادة , أضافة الى حماستهم لقرب موعد الأحتفال , تلقت المساعدة من قبل كل شخص في القرية , وحتى الطعام ولشراب حصلوا عليه بشكل مجاني تقريبا.
قلقت ألونا بشأن ما سترتديه من ملابس يوم الأحتفال , سألت السيدة براينت:
" هل تعتبرين فستان السهرة مناسبا يا آنسة بيل؟".
وافقت ألونا فورا , أذ خشيت أقتراح الكولونيل دينتون المتحمس للأحتفال أرتداءها بدلة سباحة.
قالت السيدة براينت:
" أعرف شخصيا صاحبة مخزن الأزياء عند الطرف الآخر من القرية , أنا متأكدة أنها ستسر لأقتراضها فستانا متواضعا ولكن أنيقا في نفس الوقت ليجذب أهتمام الرجال , أنا واثقة أنها ستعتبر أرتداء الفستان دعاية ممتازة لمحلها.
ترددت ألونا متسائلة عما عنته بفستان يجذب أنتباه الرجال , غير أن راي همس في أذنها:
" ما هو أعتراضك على ذلك؟ عليك أبداء بعض المساعدة".
" أوافق على شرط ألا يكون مثيرا جدا".
سألها القس:
" هل ترغبين بتصفيف شعرك؟ أن زوجتي صديقة لصاحبة الصالون في القرية وأنا الآخر متأكد بأنها ستسر لمساعدتنا".
علق الكولونيل دينتون :
" لم يبق أمامنا غير فترة قصيرة".
رفضت ألونا الأنشغال أكثر بتهديدات صاحب الكوخ ومحاميه وواصلت عملها الذي كانت تستلمه بأنتظام أفرحها , رغم ذلك لم تستطع منع نفسها , أحيانا , من تصور منظرها متنقلة من بيت لآخر محاولة العثور على مكان.
iجلست ذات مساء تحدق في الآلة الطابعة على الطاولة أمامها , حين مر رجل أمام النافذة ,لم يتطرق اليها الشك في هويته , تسارعت دقات قلبها لسماعها دقاته على الباب , أومأ لها بالتحية ودخل المنزل , لاحظ الرسالة نصف المطبوعة على الآلة الكاتبة ثم نظر الى ساعته.
" تعملين؟ في هذا الوقت المتأخر؟".
" ليس الوقت متأخرا , ثم أنني أعمل وفق الساعات التي أختارها".
" جواب أعادني الى المكان الصحيح".
" آخر مرة تقابلنا فيها.... تشاجرنا , لم جئت الآن؟".
" هل يعني الخصام نهاية كل شيء؟".
أبتسم ووضع يديه في جيبي بنطاله فلاحظت أناقة بدلته ووسامته .
" ربما جئت لأنني أحب الشجار معك , غالبا ما يحدث ذلك , أليس كذلك؟ حدث في المرة السابقة , والمرة قبل السابقة , أضافة الى مشاهد الحب والحنان بالطبع".
قالت متحدية أياه ومتألمة لطريقته الساخرة في ذكر عناقهما:
" هل ستحاول التخلص من سخريتك؟ أريد مواصلة العمل".
" لن أؤخرك وقتا أطول".
" هل أنت في مزاج حسن؟".
" لا شك في أن أستفزازك الدائم لا يترك لي مزاجا حسنا".
ضحك بصوت عال ثم سلط عليها نظرته المتفحصة , وبدا وكأنه يعرف قوة نظراته القادرة على تذويب مقاومتها و وأدركت أنه كان يتلاعب بمشاعرها وحبها له. ألم يخبره رون برادويل , منذ وقت طويل , بحبها له؟ ألم تفحضحها أحاسيسها في كل مرة ألتقيل فيها؟
" لا يتطرق الي الشك في مشاعرك نحوي و أخبريني يا عزيزتي ما الذي فعلته لأستحق كراهيتك؟".
أحمر وجهها لأسلوبه الجديد فضحك بصوت عال مراقبا رد فعلها .
" ماذا فعلت ؟ طردتني من عملي بلا سبب , وتسمي كل ما أقوله كذبا , ثم.....".
رفع يده طالبا منها الصمت :
" أنك في مزاج حسن , أتتذكرين؟".
وسار نحوها , ثم وضع يده حول خصرها ساحبا أياها نحوه:
" ألا تعتقدين أننا نعرف أحدنا الآخر معرفة جيدة؟".
" ذلك العلاج ناجح للمتزوجين والعشاق , وكلتا الحالتين لا تنطبق علينا".
أبتسم مقربا أياها منه أكثر:
"ذلك سها التغيير".
" كلا , كلا".
" أستطيع أقناعك بسهولة , أذ كنت لعدة مرات , على وشك التخلي عن العالم كله من أجل الحب".
لم تستطع تحمل عذاب قربه أذ بدأت النار تسري في خلاياها .... يجب أن تتخلص من تأثيره عليها , يجب أن تتركه قبل أن يفعل هو ذلك .
أنحنت بنعومة وسحبت نفسها من بين ذراعيه فأصبحت حرة , أنزعج لحركاتها , تبعها ثم غير رأيه :
" أتظنين أنك ذكية ؟".
صمتت ثم جلست قرب الطاولة ووضعت يديها على الآلة الطابعة أستعدادا للعودة الى العمل.
" هل أستطيع مساعدتك؟".
" نعم أذا كان لديك الوقت الكافي ".
قطبت جبينها بأنتظار أفصاحه عما يريد.
" أنني بدون سكرتيرة ".
" هل ديانا مريضة؟".
" نعم وهي في المستشفى , وأنا في طريقي لزيارتها".
فارقت ألونا حيويتها عند سماعها لكلماته ولم تعد تحس بالفرح لوجوده معها , متى يتوقف عن معاملتها بتلك الطريقة؟ متى يتركها لوحدها دون أن يثيرها؟ خاصة وهو سعيد بعلاقته مع أمرأة أخرى تتوقع وصوله في أي لحظة؟
" آسفة لسماع ذلك , وآسفة جدا لمرضها".
ولم ترغب بسؤاله عن سبب مرضها أذ كانت متأكدة بأنه لن يخبرها بشيء.
" هل أستطيع مساعدتك؟".
" نعم , لدي مجموعة من الرسائل يجب أن أنهيها الليلة , تركتني السكرتيرة المؤقتة حالما دقت الساعة الخامسة والنصف , وغادر الجميع المكتب لذلك قررت اللجوء الى الأنسانة الوحيدة القادرة على مساعدتي ".
أتضح لها سبب زيارته , بحثت عن دفترها وقلمها ثم قالت:
"حسنا , سيد واريك ".
أمسك بخصلة من شعرها وتلاعب بها رغم أعتراضها ثم أبتسم :
" كالأيام الماضية , أنا الرئيس وأنت الكاتبة".
ثم توجه الى الكرسي الهزاز وبدأ يملي عليها الرسائل بسرعة , وأستطاعت مجاراته رغم ذلك , توقف عدة مرات متأملا أياها .... توقفت هي الأخرى عن الكتابة منتظرة معاودته الأملاء.
عندما أنتهى من أملاء الرسائل طلبت منه أوراق الشركة الخاصة , أذ تحتوي عنوانه في بداية الصفحة:
" هل نسيت؟".
" كلا , أنني مدير قدير".
تناول مفاتيح سيارته من جيبه وطلب منها جلب حقيبته اليدوية
" هل تثق بي الى حد أرسالي لجلب حقيبتك الخاصة؟".
" عزيزتي , رجل مثلي يجب أن يتعلم أختيار من يثق بهم , نعم أنا أثق بك , فهمت؟".
أبتسمت قائلة:
" علي أن أكون شاكرة للنعم الصغيرة".
توجهت نحو سيارة دريك , فتحت الباب وبحثت عن الأوراق اللازمة في حقيبته , حين عادت الى الكوخ لاحظت خروج دريك من غرفة لوسيا القديمة , سألت مدهوشة:
" ماذا كنت تفعل هناك؟".
" لا شيء , ألقيت نظرة سريعة , أنت في حاجة لمساعدة رجل قادر على أداء المهام الصغيرة في البيت , هناك الكثير مما يستوجب التصليح".
" أدري ... يجب أن أطلب مساعدة راي".
" صديقك؟ حسنا , , أردت السؤال , هل هو من تستدعينه أذا ما كسر لوح زجاجي أو عطل شيء ما في الكوخ؟ أو تجمد الماء في الحنفية وبقيت بدون ماء , أو حين يتسرب المطر الى غرفة نومك , أو حين تعشعش الطيور في المجرى الموجود فوق السطح فتسبب أنسداده".
بادلها الأبتسام وسادت بينهما لحظة مودة نادرة , تنفست ألونا بصعوبة وبان رعبها في الأقتراب منه على ملامحها , قال:
"يا لهما من عينين سوداوين جميلتين , أنك في حاجة الى زوج , لم لا يقف الرجال معترضين طريقك لعرض الزواج؟".
" أنت رجل ويجب أن تعرف السبب , لا بد أنني أفتقد ما يدفىء قلب الرجل , أليس كذلك؟".
" صحيح".
تقدم نحوها فتراجعت بسرعة.
" أنني سعيدة بوحدتي".
هل فضح صوتها عدم قناعتها بما قالته؟
" هل تحبين حقا العيش تحت هذه الظروف ؟ بلا ماء , كهرباء , تدفئة مركزية ولا أي شيء آخر".
" لن أستبدل النار الحقيقية في البيت أثناء تساقط الثلج بالتدفئة المركزية , مهما كلف الأمر , غالبا ما أقضي وقتي أراقب أشتعال النار ولهيبها المتصاعد , تستطيع الأحتفاظ بتدفئتك المركزية".
" ووجه لك المحامي أنذارا بأخلاء المسكن؟".
" نعم.... أخبرني , الى متى أستطيع البقاء هنا؟ أعني ما هي الفترة المطلوبة لأرسالهم الأنذار النهائي؟".
تجول دريك في الكوخ ونظر من خلال النافذة الى الباحة الخلفية:
" سيكون كل شيء على ما يرام لمدة تزيد عن الشهر , أذ يتوجب على المالك الحصول على أمر من المحكمة المحلية لأجبارك على أخلاء الكوخ , وغالبا ما تؤخر المحكمة مثل هذه المعاملات , لأنهم لا يودون رؤية الناس بدون مسكن , لذلك أفضل شيء تستطيعين عمله هو البقاء هنا أطول مدة يسمح بها القانون".
" وماذا عن المكتب؟".
" أستمري بذلك أيضا, لحين أصدار أمر يمنعك رسميا , متذكرة وجوب كتابتك للزبائن , رسائل أعتذار مستعجلة تبلغيهم فيها بأغلاق المكتب".
" شكرا دريك , شكرا لنصيحتك , كنت قلقة جدا".
لم يقل شيئا فبدأت طباعة الرسائل , دخل الى المطبخ وبقي هناك فترة طويلة , عاد ونظر الى السلم :
" هل تسمحين لي بألقاء نظرة على الطابق العلوي؟ لأحصاء عدد الطيور في العش الذي ذكرته".
" أن ضجيجها يوقظني أسرع من أي ساعة أنذار".
حين عاد وجد الرسائل جاهزة في أنتظار توقيعه.
" أنه مكان نظيف ومرتب ,ألا تتمنين وجود سجادة تخطين عليها .... أو أرض خشبية مصقولة هنا؟".
تأملت قبل أن تجيب متذكرة رد فعلها لمرأى كوخ السيدة ميسي:
" ربما.... أحيانا , ولكن أذا ما جهز المكان بتلك الأشياء , فما الذي سيلي ذلك؟ ما يخيفني هو حصار القرن العشرين ببدعه وآلاته الحديثة ,وما يتبع ذلك من كسل وألغاء للشخصية الخاصة , ثم كما أخبرتك من قبل حين أدخل هذا الكوخ أنعزل عن العالم الخارجي".
" مع ذلك , ما الذي سيحدث لك؟ ما الذي ستفعلينه أذا ما أراد صاحب الكوخ تحويله الى مسكن عصري؟".
" أظن .... سأضع ممتلكاتي القليلة في حقيبة صغيرة , أحملها على ظهري وأتجوا في البلدان , سأعيش وفق الطريقة التي أختارها وفي البلد الذي أختار, سآكل , أنا وأعمل متى أردت , هذا ما يفعله الشباب هذه الأيام , أنهم ينظرون الى العالم بأعتباره قريتم , أنهم تعبون من تسلق سلم الوظائف ,كل ما يريدون هو العيش ببساطة وسعادة .... يذهبون ويأتون أي وقت يختارونه , أنهم لا يعملون في مؤسسات تحولهم الى آلات مطيعة لا طموح لها غير الوصول الى القمة , يريدون أن يفعلوا ما يرغبون فيه فعلا ... هل تفهم ما أعنيه؟".
تأملها فترة طويلة فتمنت لو تستطيع قراءة أفكاره:
" أنني أكبر منك بعشر سنوات ( قال أخيرا , منحنيا لتوقيع الرسائل ) عشر سنوات فقط , مع ذلك هناك ثغرة عميقة تفصل بين تفكيرينا ".
طوت ألونا الرسائل ووضعتها في أغلفتها ثم ناولتها له , قالت متألمة لما قاله:
" أنه فرق طبيعي.... أذ لا ترى الأشياء بطريقتي , أنك في مركز مختلف ".
" يا لها من طريقة لذكر الفوارق , غير أنني لم أتسلق السلم , بل بدأت بشركتي الخاصة , كان عملا شاقا ألا أنني لم أشتك أطلاقا".
صممت ألونا متفحصة الآلة الطابعة , ثم نهضت قائلة:
" ستفهم , ذات يوم , وجهة نظري ووجهة نظر كل الشباب , سيفهمها كل أنسان , يجب ذلك , لأن ما يفكر به الشباب هو المستقبل والمستقبل معنا الآن".
مد يده وجذبها نحوه :
" أنك , يا حبيبتي المجنونة , أمرأة غير عادية".
" لست غير عادية , كل ما في الأمر أنني أمثل عددا متزايدا من شباب جيلي , ذات يوم سيفهم الناس الأكبر سنا ما نريده وسيوافقوننا".
" هل أنا واحد من ( الأكبر سنا)؟".
قال متوجها نحو الباب .
" لم أقل ذلك".
" مع ذلك , نحن على جانبي حاجز عال يفصل بيننا ".
وأستدار نحوها غاضبا :
" أظن أنني سأذهب لزيارة ديانا ... أذ أفهم على الأقل , لغتها".
" فهمت , فهمت المغزى , أنتهى كل شيء الى الأبد".
جاء جامع الأيجار صبيحة اليوم التالي و فسلمته ألونا الأيجار وسألته:
" سيد ألسون , كم سيسمح لي بالبقاء هنا؟".
قلق لسؤالها وحك جبهته متأملا :
" من الصعب القول يا آنسة ( وتجنب النظر الى عينيها مباشرة)أذ قد تطول المسألة .... هناك شيء يجب أن أحذرك بصدده , أخبرني صاحب الكوخ أن أبلغك أياه , تعلمين أنه يريد بيع الكوخ بعد أخلائه , كي يحصل على سعر جيد , يريد القيام بأجراء بعض التصليحات".
" أي نوع من التصليحات؟".
" دعيني أنظر".
نظر حوله فوجد الحنفية في الحديقة:
" أول ما يريد عمله هو تزويد المطبخ بالماء الجاري وحوض لغسل الصحون أضافة الى حنفيتين للماء البارد والساخن , كما يرغب بتزويد الكوخ بدورة للمياه , وباب خلفي يؤدي اليها عبر الحديقة".
" أي شيء آخر؟".
" نعم , يريد تزويد الكوخ بالكهرباء".
شهقت :
" كهرباء , في هذا الكوخ!".
" لا أدري ما هو سبب ممانعتك , ظننت أنك ستكونين سعيدة ".
" لست سعيدة أطلاقا , لا أريد الكهرباء ولا الماء الجاري في المطبخ , كما لا أريد أي شيء يختاره بقية الناس لجعل حياتهم أسهل , وأخبر صاحب بيتي بذلك".
" يا آنسة بيل ... لا أظن أن لك حق الأعتراض بعد توجيه الأنذار بمغادرة المسكن , ثم أن التحسينات ستتم سواء وافقت أم لا".
" أعرف أن من حقي البقاء هنا مدة قد تصل الشهرين أو الثلاثة , وأود البقاء هنا بسلام وهدوء ووفق الطريقة التي أرغب فيها , ألا يستطيع الأنتظار لحين مغادرتي الكوخ؟ هل يجب......؟".
" ليس من حقي التدخل يا آنسة بيل ( وأراد تركها بسرعة) أديت واجبي وأخبرتك عما سيحدث , وهنا تنتهي مسؤوليتي ".
توسلت اليه مغيرة لهجتها:
" يا سيد ألسون .... رجاء أعطني عنوان صاحب المنزل , سأذهب لرؤيته وسأتوسل اليه , سأقنعه بوجهة نظري".
هز السيد ألسون رأسه رافضا:
" لا يريد المالك لقاء أي من نزلائه , وذلك نهائي , ولا يريد منهم التدخل في شؤونه , أنها أوامر خاصة من الرجل نفسه ".
" ولكنه لا يستطيع طردك يا سيد ألسون , أنك تعمل لصالح شركة جامعي الأيجارات , فما الذي ستخسره أذا أعطيتني عنوانه ؟ أهمس بذلك في أذني ولن أخبر أحدا أبدا".
" كلا آسف يا آنسة , لن أخون ثقة صاحب السكن , قد لا يطردني هو لكن رب عملي سيفعل , كلا يا آنسة( وأبتعد عنها) لن أخبرك العنوان..... آسف يا آنسة".
وسار نحو دراجته وأبتعد عنها بأسرع ما يمكن.
وقفت شاحنة البنائين أمام الكوخ فحدقت ألونا فيهم مذهولة , أذ لم يضيع صاحب الكوخ وقته وأسرع بتنفيذ ما أخبرت به.
تركت أفطارها على الطاولة وركضت لتواجه سائق الشاحنة , قال مبتسما:
" صباح الخير يا آنسة , نأمل أننا لسنا مبكرين".
" مبكرين لعمل ماذا؟".
" لبدء العمل يا آنسة".
" أي عمل؟".
دهش الرجا لوقفتها وتساءل:
" ألا تعرفين السبب ؟ جئنا لتثبيت حوض المطبخ , هذا يعني أزاحة كل شيء في المطبخ .... لدينا المقاييس".
" من أعطاكم المقاييس؟".
" لماذا؟ ( وزاد غضب الرجل) أنه صاحب البيت يا آنسة".
" كيف عرف ذلك ؟ أنه لم يزر المكان من قبل".
" حسنا , ما أعرفه هو أن صاحب البيت يعرفه مثل معرفته لراحة يده , وحين أشترى المكان.........".
قبلت ألوناتوضيحه بحدة , ربما كان السيد مورلي على معرفة بالكوخ ,ربما قضى فيه بعض الوقت قبل تأجيره.
" لكنك لن تبدأ العمل يا سيد".
نظرت اليه ثم الى جانب السيارة حيث كتب أسمه: هانتلي وكرانثام , فقالت:
" يا سيد هانتلي....".
فحح الرجل قائلا:
" كرانثام".
" الحكاية يا سيد كرانثام أن هناك خلافا بيني وبين صاحب البيت , وسأطلب منه تأجيل العمل حاليا لحين أخلائي المكان , وكما ترى أستخدم الكوخ في الوقت نفسه , للقيام بعملي ووجود البنائين سيعيق قيامي بعملي وسيمنعني من الحصول على ما يكفي من المال للقيام بألتزاماتي , لذلك أنا آسفة جدا , ولكنني لن أسمح لكم ببدء التصليحات اليوم".
" أنا آسف أيضا يا آنسة ولكن لدي أوامري, قالوا أبدأ العمل اليوم ورتبنا وضعنا بحيث نبدأ العمل اليوم ".
قالت ألونا متحتدة لا بسبب الرجل ولكن بسبب ما يحيطها من ظروف صعبة.
" هل تستطيع التفضل بأعطائي عنوان صاحب الكوخ؟ أعني السيد مورلي الذي أصدر اليك أوامره؟".
وأنتظرت .... ها هي ستحصل أخيرا على العنوان المطلوب , لكن السيد كرانثام قال:
"لم يكن ذلك أسم الشخص المسؤول , تلقيت أوامري من مكتب للمحامين ولا أستطيع تذكر أسمه.
تنهدت ألونا بصوت مسموع :
" حاول أن تتذكر الأسم رجاء , هل سيساعدك الأمر أذا أعطيتك دليل التلفون؟ أن السيدة ميسي القاطنة في الكوخ المقابل تملك واحدا وسأجلبه لك بسرعة , يجب أن أرى صاحب الكوخ , يجب أن نحل المشكلة ونتفاهم ....كلا لا أستطيع قبول الوضع الحالي".
" سنكون حريصين على نظافة المكان وسنبذل جهدنا لئلا نؤخرك عن عملك".
توسلت اليه:
" ألا تستطيع الذهاب الآن؟ لن أسمح لكم بدخول الكوخ , أنني لا أحمل كرها ضدك ولكنني أطلب منك نقل ما قلته الى المحامين لينقلوه بدورهم الى زبونهم".
عادت الى الكوخ , صفقت الباب وراءها , ووقفت مدافعة عن كوخها , على أي حال ,لم يحاول أحد دفع الباب للدخول قسرا , بعد عدة دقائق غادرت الشاحنة مكانها .
جلست ألونا في كرسيها الهزاز منهكة كما لو أنها خاضت معركة طويلة مثل محارب قديم.
حان الوقت أخيرا لتغيير ظروفها , فها هو القرن العشرون قادم لغزو مكانها.
انتهى الفصل