الفصل السادس
الحب لا يفيد
كان التفكير بالذهاب لرؤية من أهانها وطردها من عملها ثم منعها من العثور على عمل هي في أمس الحاجة اليه , مسألة صعبة ولكن تنفيذ الفكرة كان أصعب.
ربما لن يكون لأعتذارها ذلك الطعم المر لو أتصلت به هاتفيا , لم يكن من السهل العثور عليه ألا أنها تحدثت أخيرا مع ديانا حيث قالت:
" في أمكانه التحدث معك بضع لحظات .... هل هذا يكفي يا ألونا؟".
طمأنتها ألونا بأن ذلك كاف فسمعت بعد قليل صوت دريك:
" ماذا تريدين؟".
لم يشجعها على قول شيء فأرادت الأعتذار عن أزعاجه:
" سيد واريك.... أنا....".
" أعرف من أنت, قلت ماذا تريدين؟".
لو كانت أمرأة ذات تجربة , واثقة من نفسها لقالت:
" عزيزي دريك... لدي مشكلة فظيعة , وأنت الوحيد القادر على حلها....".
أما لو كانت لوسيا في مكانها لقالت:
" حبيبي ,أنك رجل رائع وأنا أحبك , أنني بحاجة الى بعض النقود بسرعة , ليس لدي عمل لكنني أعرف أنك ستوظفني بسرعة".
أما ألونا بيل فقالت هامسة:
" عرضت علي منذ فترة قصيرة العودة الى عملي لكنني رفضت , أما الآن فأنا مستعدة( بلعت ريقها وتوسلت اليه), سيد واريك , هل أستطيع العودة؟ هل آتي للعمل في مؤسستك مرة أخرى؟".
أجابها بصوت ساخر:
" لا بد أنك عانيت الكثير لتتخلي عن كبريائك وتتضرعي طالبة مني مساعدتك , الجواب هو كلا".
فأرتفع صوت ألونا:
" آه! ولكن .... سيد واريك... رجاء يجب أن أعمل وبسرعة , وبما أنك لم تدع لي فرصة الحصول على عمل خلال وكالة التشغيل , فساعدني على الأقل للعودة الى عملي".
" ليس هناك مجال لعودتك أذ تم تعيين فتاة أخرى".
" ولكن .... كيف سأدفع الأيجار؟ ( تنهدت ثم واصلت حديثها) أيجار شهر كامل يستحق الدفع فورا ,( وتهدج صوتها ثم بكت) لا أستطيع مماطلة جامع الأيجار فترة أطول , وحين جاء اليوم لم أفتح له الباب , لأنه قال أذا لم أدفع الأيجار يتوجب علي مغادرة البيت , وأذا غادرت المنزل لن أجد مكانا آخر أعيش فيه , سأنام في الحقول وسأ.....".
" آنسة بيل أنك تمزقين قلبي ألما بحديثك هذا , ماذا تريدين مني ؟ أتريدين مني دفع أيجار منزلك؟ أدفع أيجار فتاة تسمح لي بمعانقتها وحين أتوقف تطلب المزيد؟ ثم حين لا تحصل عليه تركض لتلقي بنفسها بين ذراعي رجل آخر".
" أي رجل آخر؟".
|" رون برادويل , أنبهك يا عزيزتي , لو أردت مني دفع الأيجار يجب أن تسمحي لي بالحصول على ما هو أكثر , يجب أن تعطيني مفتاح كوخك لأستطيع المجيء والذهاب متى أردت ذلك".
ثم وضع سماعة الهاتف دون أن يسمع جوابها.
مسحت ألونا دموعها ثم سارت فترة طويلة حتى قررت أخيرا العودة الى منزلها , ألا أنها كانت الساعة التاسعة مساء حين وصلت ألونا الى بيت كولن هارد كاسل , كان بيتا حديثا لا شيء يميزه عن بقية البيوت غير حديقته الأمامية , أذ كانت أرضها مرصوفة بأستثناء دائرتين تركتا لوضع النباتات فيهما , غير أن أحدا لم يهتم حتى بذلك , كان من الواضح أن كولن هارد كاسل لم يكن مهتما بالزراعة , وهذا منحه صفة ثانية مشتركة مع لوسيا أضافة الى الصفة الأولى الجامعة بينهما.
لو أنها وصلت مبكرة لوجدتهم يتناولون وجبة عشائهم ولأبدت لوسيا بوضوح أنزعاجها لذلك , أما وصولها متأخرة فأنه قادها الى الأمر المحتوم ... ودل على ذلك وقوف عدد من السيارات أمام باب المنزل , أنها أحدى حفلات لوسيا , ورغم أنها خمنت وجود ذلك لم تحاول أرتداء الملابس الملائمة ,أذ أنها لم تكن مدعوة وكل ما أرادته هو الحديث مع لوسيا في الصالة أو حتى قرب الباب .... فما فائدة تغيير بنطالها الجينز وقميصها القديم , أذا لم تكن راغبة في البقاء؟فتح الباب رجل غريب... شاب ملتحي , لدهشة ألونا , قميصا وربطة عنق أيضا! لا بد أن لوسيا تعيش في جو آخر منذ أنتقالها للسكن مع مديرها.
قال الشاب :
" أهلا.... أدخلي بأسم لوسيا وكولن , لا أعرف من أنت ولكن لا يهم الأمر , البيت مفتوح للجميع".
دخلت فأغلق الباب وراءها , سمعت ألونا صوت الموسيقى منبعثا من غرفة بعيدة .
" أنا ألونا , ألونا بيل ".
قطب الشاب جبينه وقال:
" بيل؟".
ثم أبتسم مرحبا , فأبتسمت متسائلة :
" رجاء , هل تستطيع أبلاغ لوسيا بأنني أريد رؤيتها ؟ قل لها أنه أمر ملح".
وأذ قادها الشاب نحو مصدر الموسيقى قالت:
" كلا.... أفضل البقاء هنا,شكرا".
هز الشاب كتفيه ثم أختفى في الغرفة الخلفي , عاد بعد لحظات :
" تقول أنها مشغولة مع شخص تعرفينه ( فكرت ألونا بأنها تعرف كولن بالتأكيد) وتقول أحضري الحفلة معنا ".
" أسمع , يجب أن أتحدث معها ....".
" ألونا ... عزيزتي".
وتقدمت لوسيا الى الصالة مرتدية فستانا ذا لون قهوائي غامق يبرز مفاتنها , لم تكن وحدها ولم يكن مرافقها الممسك بذراعها كولن بل دريك واريك , كانت ملابسه أنيقة ودلت بدلته الغامقة على حسن أختياره وغلاء ما يشتريه.
حدقت في دريك وقالت:
" أنت؟".
" نعم يا فأرة ( أجابتها لوسيا) رئيسك السابق بنفسه , راهنت رون بأنه لن يأتي غير أنه جاء".
علقت ألونا ساخرة:
" لا بد أنه بحاجة للتسلية".
وتحدت عينيه الزرقاوين رغم خوفها منهما أذ كانت تعلم مقدار تأثيرهما عليها.
" سأتظاهر بأن ملاحظتك ذات المعنى المزدوج شيء قلته في لحظة غضب ولا يستوجب الأنتباه".
أجابتها ببرود:
" أين كولن؟".
" لا يزال يعمل و...( وواصلت حديثها بلهجة أحتقار ) لا تتخيلي حدوث شيء بيني وبين رئيسك لأنني ما زلت مخلصة لكولن , حتى الآن , على الأقل".
ورمقت دريك بطريقة مثيرة فتجاهلها.
" أين ديانا؟".
سألت ألونا دريك محاولة في نفس الوقت تجاهل جملة لوسيا الأخيرة:
" في البيت منذ أن تركت العمل مرة أخرى".
" مرة أخرى؟".
دهشت ألونا أذ كانت ديانا بصحة جيدة حين رأتها آخر مرة , ثم فكرت : أذا كانت سكرتيرته مريضة فلا بد أنه.... غير أنه قرأ أفكارها وقال:
" لا عمل لك يا آنسة بيل , أذ زودني مكتب التشغيل بسكرتيرة مؤقتة ".
أستدارت ألونا نحو لوسيا قائلة:
" لوسيا يجب أن أتحدث اليك".
" قولي ما تريدينه".
" كلا , ليس في حضوره".
ولم تحرك ملاحظتها دريك من مكانه , قالت لوسيا:
" عزيزي دريك , عدني بألا تصغي".
رمشت عيناه غير أنه بقي جامدا بأستثناء تحرره من ذراع لوسيا , وأذ أدركت ألونا عدم أستطاعتها التخلص منه تظاهرت بعدم وجوده.
" لوسيا , يجب أن تساعديني ( لاحظت تحرك دريك قليلا ووضعه يديه في جيبي بنطاله) جاء جامع الأيجار....".
علقت لوسيا:
" آه.... هذا ما ظننته".
" جاء عدة مرات ويعرف أنك لا تقطنين هناك الآن , ألا أنه وعد بعدم أخبار صاحب البيت أذ أستطتع دفع الأيجار مقدما".
ألتقت عينا لوسيا بعيني ألونا المتوسلتين فقالت:
" أن لديك بعض المال المدخر... أليس كذلك؟".
" لم يعد لدي شيء الآن , أذ أنفقت كل ما أملكه".
" لا بد أن شهيتك زادت عن السابق , حين كنت أعيش معك لم تكوني تأكلين ألا ما يكفي عصفورا".
"كلا , كلا لم أصرف نقودي على الطعام( ولم ترغب بمصارحة لوسيا) بل على أشياء أخرى ".
" أي أشياء؟".
بدا أن لوسيا مصممة على سماع الحقيقة , نظرت ألونا الى دريك المنعزل في وقفته ثم واصلت:
" حسنا , بما أن أحدهم مصمم على منعي من العثور على عمل آخر , قررت أن أخلق العمل بنفسي . قررت تأسيس شركة للطباعة فوضع راي بعض الأعلانات في الصحيفة المحلية وأشتريت آلة طابعة وأوراقا وحبرا وكل ما أحتاجه , حتى صرفت كل نقودي".
" ألهذا تريدين مني دفع أيجارك؟".
وتألمت ألونا للهجة لوسيا الباردة أذ صورت الأمر وكأنها تطلب منها أحسانا.....
" أنك لا تزالين المستأجرة الرسمية ودفتر الأيجار بأسمك....".
" بينما تعيشين بشكل غير قانوني , في أمكان صاحب المنزل رميك في الشارع في أي لحظة يرغب فيها".
" أنا أعرف ذلك وأنت أيضا , أضافة الى جامع الأيجار , وما لم أدفع الأيجار....".
" ولن تحصلي عليه مني".
شحبت ألونا.
" لن تساعديني أذن! أتفضلين ألقائي في الشارع؟".
" توقفي عن الأنين والتشكي أذ لن تحصلي على شيء مني بهذه الطريقة , سمحت لك بالسكن معي عطفا عليك وظننت أن أقامتك معي مؤقتة , ماذا أفعل أذا أخترت أنت البقاء بعد مغادرتي المنزل؟".
" أنك تعرفين حقيقتك يا لوسيا وود , أنت تافهة , أنانية وذات أخلاق سيئة ".
بعد ذلك أندفعت ألونا الى الباب الأمامي , فتحته وخرجت مسرعة الى الشارع , عبرت الشارع دون أن تنظر , فوصلت الى الرصيف الآخر وسط أصوات أبواق السيارات وصراخ السواق.
شقت طريقها بين الناس ولم تعرف ألى أين تتوجه , سمعت صوت خطوات مسرعة خلفها ألا أنها لم تتوقف لمعرفة هوية من يلاحقها , أمسكت يده ذراعها ثم أدارها نحوه , حدق دريك واريك في وجهها وبان الغضب واضحا على وجهه:
" ما الذي كنت تنوين عمله بنفسك ؟ التضحية بحياتك من أجل أيجار شهر؟ ثم سنشعر بالأسف لما سيحدث ونقضي حياتنا شاعرين بالذنب لأننا لم نساعدك وقت حاجتك؟".
" أتركني وشأني(قالت محاولة التخلص من يده) وخذ سخريتك وتهكمك معك".
" لن تتخلصي مني بهذه السهولة ( قال واضعا يده بأحكام على يدها).
وقادها رغم ممانعتها نحو سيارته حيث وقف باحثا في جيبه عن مفاتيح السيارة .
" لن أذهب الى أي مكان معك".
" حتى ولو الى بيتك؟".
فتح باب السيارة وكاد أن يدفعها دفعا الى الداخل ثم أحكم وضع حزام السلامة حولها.
قاد السيارة صامتا ولم يشر الى ما حدث بينها وبين لوسيا بل قال :
" سأقيم حفلة في عطلة نهاية الأسبوع".
" حتى أنت؟".
" حسنا , سأصيغ الخبر بصيغة أخرى ,دعوت الى بيتي عددا من الأصدقاء وتأكدي أنهم لا يشبهون مدعوي لوسيا أطلاقا , أغلبهم رجال أعمال , مثلي , وستصحبهم زوجاتهم مما يعني أن كل شيء سيكون محترما .... أريد منك الحضور".
"كلا , شكرا".
تجاهل رفضها وواصل حديثه:
" قد أكون قادرا على تعريفك بعدد من رجال الأعمال ممن يديرون شركات صغيرة وبحاجة ماسة لمن يطبع لهم الرسائل والوثائق , أو شركات كبيرة حيث لا تستطيع سكرتيراتهم القيام بكل الأعمال المطلوبة في وقتها المحدد , أذا أخبرتهم عن مكتبك للطباعة , أنا متأكد بأنهم سيسرون للتعاون معك".
أصغت بأنتباه لما قاله دريك الى حد أنها لم تنتبه فيه الى وصولها الكوخ . أوقف السيارة وأطفأ الأنوار فأحاط بهما صمت الريف من كل جانب
سألته أخيرا:
" لماذا؟ هل تشعر بالذنب لأنك أهنتني عصر اليوم؟".
" أذا كانت هذه دعوة , سأقبلها بكل سرور".
وأدارها نحوه واضعا يديه على كتفيها .
تحركت مبتعدة :
" كلا , كلا , عنيت الدعوة الى ....".
ولم يحررها من تأثيره الى أن لاحظا أقتراب شخص يحمل مصباحا يدويا , شخص كان يتمشى مع كلبه بأتجاه القرية.
جلسا كتمثالين الى أن أبتعد الرجل , , تمنت لو أن دريك نطق بشيء , أثار فيها حب الحياة فتمنت لو تقول له( خذ المفتاح وكما قلت عصر اليوم,تعال متى شئت وأبق معي رجاء).
وأستندت في أفكارها على اللحظات السعيدة التي مرت بينهما , على شدة قصرها.
ولكن أين هي السعادة والمودة؟ في خصامها ومشاجراتها ؟ أنهما لم يكونا صديقين حتى , فكيف يتحقق حلمها بالحب ؟ نعم أنها تحبه.... وتنهدت , أحبه ولكن ما الفائدة؟
قال دريك :
" بما أن لوسيا تركتك محتاجة فجأة , أنا مستعد لأقراضك ما تحتاجين من نقود".
" كلا , شكرا , لن آخذ شيئا منك , خاصة أذا توجب علي أعطاؤك مفتاح الكوخ كأعتراف بجميلك , هذه هي اللغة الوحيدة المفهومة لديك.... أليس كذلك؟ والشكل الوحيد للشكر الذي سيرضي مبادرتك العظيمة".
" هل تفضلين أذن البقاء بدون منزل على قبول مساعدتي؟".
" نعم , لكنن لن أكون بلا منزل , عرض علي شخص آخر أن يقرضني المال , شخص أوده وأحترمه".
" مما يعني أنك لا تودينني ولا تحترمينني".
بقيت صامتة.
" أفترض أنه صديقك راي؟".
" أفتراضك صحيح , ولمعلوماتك الخاصة , لم يطلب مني راي مفتاح كوخي مقابل القرض , كما أننا لا نعيش سوية مثلما يفعل بقية من في عمرنا هذه الأيام , أننا صديقان حقيقيان , وحين يكون لشخص ما عدو مثلك يا سيد واريك , يعرف الشخص معنى الصداقة , تصبح على خير يا سيد واريك ... شكرا لأيصالك أياي ولعرضك رغم الشروط المقيدة".
راقبته يبتعد بسيارته , وأنهمرت دموعها فلم تعد ترى بوضوح.
كانت تتناول أفطارها حين جاءت السيدة ميسي لتخبرها بأنها مطلوبة هاتفيا:
" أنه رجل , ربما لديه عمل لك , يا عزيزتي , كيف تجري الأمور الآن؟".
" على ما يرام يا سيدة ميسي".
أجابتها ألونا ثم شعرت بالخجل لكذبها على السيدة الطيبة.
رفعت سماعة الهاتف قائلة:
" ألونا بيل تتحدث , هنا مكتب بيل للطباعة .... هل أستطيع مساعدتك؟".
" كلا , أحتجت وقتا طويلا للوصول الى هنا , كم يبعد بيتك عن هذا المكان؟".
خاب أملها أذ لم يكن الأتصال بصدد عمل , ثم فرحت لسماع صوته مرة أخرى:
" قصيرة... أنك تعرف المسافة".
" كيف تظنين أنك تستطيعين أدارة مكتب للطباعة بواسطة تلفون غيرك؟".
لم تجبه فواصل:
" تلك الحفلة , أعتذاري الشديد.... حفل الأستقبال... هل يرضيك هذا ؟ في نهاية الأسبوع .... هل ستأتين؟".
" لم أقرر بعد".
" قلت أنني قد أساعدك للحصول على بعض العمل , أعتبريه موعد عمل أذن".
فكرت بأن تأثير الأعلان شارف على الأنتهاء ,ولا تستطيع نشر الأعلان الى ما لا نهاية , يجب أن تجد عملا لتعيش , ربما , كما قال , سيساعدها حضورها الحفلة...
" سأحضر....شكرا".
" الساعة الثامنة مساء وأرجو أن ترتدي شيئا ملائما , وتستطيعين تفسير ذلك بأي طريقة ترغبين فيها".
ثم أعاد سماعة الهاتف الى مكانها.
ذهبت الى مزرعة والد راي , كانت تعلم بترحيبهم بها في أي وقت تذهب فيه للزيارة , رحبت بها والدته ذات الوجه المدور بأبتسامة كبيرة.
" أن راي في غرفة الجلوس يا عزيزتي , يسجل بعض الحسابات , أنت تعرفين طريقك ...أليس كذلك؟".
شكرتها ألونا وأومأت برأسها , علمت ,أيضا ,أن والدة راي تتمنى رؤيتها زوجة لأبنها , رغم محاولاتها تجاهل تلميحاتها , ثم أن راي أخبرها بأنه لا يرغب بالزواج الآن , وجاء ذكر المسألة حين تحدثا , ذات مرة , عن مستقبلهما ,وضح لها رغبته في جمع مبلغ من المال ثم السفر الى عدد من البلدان قبل العودة للأستقرار والزواج , قال أن العالم واسع ويوفر للأنسان فرصا عديدة وسيحاول جهده الأستمتاع بها.
رفع رأسه عن أوراقه , كانت الغرفة دافئة وكان راي جالسا خلف منضدة دائرية , وقف ورحب بها ثم أخبرها أن والده يعمل في الحقل بينما كانت والدته في المطبخ.
" أعرف أنك جئت طلبا للمساعدة , أنه واضح في نظراتك ".
ضحكت:
" آه , هل أنا شفافة الى هذا الحد؟".
" في حالات الطوارىء فقط ( ودعاها للجلوس ) وهذه واحدة منها....".
" أومأت برأسها أيجابا:
" ما كنت سآتي يا راي ولكنني حاولت كل شيء آخر".
لم تستطع أخباره عن عرض دريك لأقراضها المال ورفضها أياه .
" ما هو المبلغ؟ ( وتناول دفتر صكوكه من على االطاولة ) أيجار شهر؟".
" نعم".
كان راي يعرف قيمة الأيجار أذ أخبرته من قبل .
جاءت والدته فيما بعد , حاملة صينية الشاي , ثم تناولوا الشاي سوية وتحدثوا عن المهرجان واليانصيب , أخبرت ألونا السيدة هيل عن مخاوفها بصدد ذلك الحدث ألا أن السيدة هيل ضحكت وأخبرتها بألا تقلق.
" ربما سيفوز راي! حينئذ ستكونين بأمان معه".
ثم جمعت الأكواب وذهبت الى المطبخ.
لم يسر راي لتلك الملاحظة .... نهضت ألونا لتغادر المكان ثم أخبرته عندما سار مودعا أياها.
" لا أدري كيف أشكرك على جميلك , وسأعيد لك المال حالما أستطيع ذلك".
" لا تتعجلي , قد لا أكون غنيا غير أنني لست فقيرا , ثم أن لدي مبلغا مناسبا فأذا أحتجت أكثر أخبريني وسأساعدك".
" أنك رائع جدا".
وبشكل تلقائي أقتربت منه وقبلت خده , أحمر وجهه وقال:
" لو كنت أعرف رد فعلك لأعطيتك مبلغا أكبر".
سلمت ألونا الأيجار الى السيد ألسون حين جاء عصر اليوم التالي , ذهبت الى البنك ثم أخذت المبلغ اللازم نقدا , كان ذلك أسلم أذ أنها لم ترغب بدفع صك له ما دامت لوسيا هي المستأجرة الرسمية , كان من الواضح أن السيد ألسون لم يهتم لطريقة الدفع ما دام سيحصل على المال.
" لحسن الحظ أنك أستطعت تدبير الايجار , أذ عاد صاحب الكوخ من الخارج , ولو لم تدفعي لسألني عن السبب ولأضطررت لأخباره الحقيقة , ولكنني سأحاول كتمان الأمر عنه قدر الأمكان".
وقبل أن يتركهها نبهها الى أنه لن يمضي وقت طويل على أستحقاق دفع أيجار الشهر المقبل , ففكرت ألونا بأن ملاحظته كانت أنذارا كافيا لها .
بدأ العمل المرسل بواسطة البريد يقل بمرور الوقت , كان من الواضح أن أعتمادها على هاتف جيرانها غير كاف لأنجاح عمل مكتب للطباعة , وأعتاد أصحاب العمل كتابة ملاحظات لها مثل (حاولت الأتصال هاتفيا ولكن لم يجبني أحد ) أو ( أردت أرشادك عن طريقة طباعة أطروحتي شفويا غير أنني لم أنجح في الأتصال بك هاتفيا , ففضلت أرسال الأطروحة الى شركة طباعة أخرى... على أي حال , أرجو طباعة الرسالتين المرفقتين طيا بأسرع وقت ممكن).
رسالتان , بينما فشلت في الحصول على الأطروحة ,خسارة أخرى ,وعلمت أنها حتى لو طلبت نصب تلفون لها فأنها لن تستطيع دفع قائمة الحساب , كانت محاصرة في دائرة تمنت لو تجد منفذا منها.
وبدأت التفكير بحفلة دريك بأعتبارها منقذا لها , كان موعد الحفلة هو يوم السبت , ولم تستطع ألونا أختيار ما ستلبسه حتى قبل حلول موعد الحفلة بساعتين , بحثت عبثا بين فساتينها عن فستان ملائم , ألا أنها لم تكن تملك شيئا يناسب الحدث ,ونظرت خلال النافذة متسائلة عما سيكون عليه جو الحفلة وبيت دريك.
أنتابتها العصبية , فكرت بنوع الحاضرين , لا بد أنهم أصدقاء دريك , حلقة معينة , لا بد أن لوسيا ستعرف كيف تتصرف معهم ,وتمنت لو أنها لم تكن بحاجة ماسة الى العمل لما أضطرت للذهاب.
كان من الضروري أرتداء شيء مناسب , وأذ لم يكن لديها ما ترتديه ذهبت الى غرفة لوسيا آملة أن تجد فستانا ملائما , أختارت ألونا فستانين أو ثلاثة ثم جربتها قبل أن تختار واحدا أعتبرته الأكثر أناقة.
كان من المستحيل تخمين ما سيظنه دريك , أنه يريد منها أرتداء شيء مناسب... فأذا ما وصلت الى بيته مرتدية فستانا يلائم ذوق لوسيا الراقي وليس ما تحبه هي , وأعترض على ذلك ... لن يكون الذنب ذنبها .
ورغم أحساسها بأن الحق الى جانبها بقيت مترددة وخائفة , كان الفستان من المخمل الأسود , ضيقا أظهر بوضوح ظل خفيف على جفونها وقليل من أحمر الشفاه على شفتيها.
لم يخيب شعرها ظنها , كان جميلا لامعا ومطواعا لحركة فرشاتها , بدت وكأنها.... وأبتعدت عن المرآة أذ لم تجد الكلمات المناسبة لوصف مظهرها ,كلا لم تكن ألونا , بل فتاة أخرى.
تعرّف عليها دريك حالما دخلت الصالة المؤدية الى شقته الحديثة , عرض راي عليها أيصالها بعد أن أخبرته أن سبب ذهابها هو العمل , بدت شاحنته المغطاة بالوحل غريبة عند وقوفها أمام صف السيارات الأنيقة , وأحست عند أبتعاده بأبتعاد جزء قريب من ذاتها... جزء تحبه وتعتز به , أكتفى دريك بالترحيب بها ولم يحاول حتى الأبتسام عند رؤيتها , قادها الى الداخل فتناولت وصيفة , ربما أجرت لتلك الليلة فقط , معطفها ودلتها على غرفة السيدات أذا ما رغبت بتمشيط شعرها , ألا أن ألونا رفضت الدعوة.
كان لوجود دريك على مبعدة عشر خطوات منها بتأثير لم تستطع ألونا التحكم به , كانت كمن يحاول وضع يده على زيت متفجر من الأرض ليحاول منع أندفاعه , بدا شعره أكثر أسودادا وعيناه أكثر نفاذا , أرتدى بدلة من الحرير الرمادي , وأرتسم على وجهه تعبير جدي حين وقف يراقبها عن بعد.
بدا وسيما بكتفيه العريضتين الى حد أرادت فيه الأندفاع نحوه والأرتماء بين ذراعيه لتشعر بالأمان , ورأرادت الصراخ : ألا ترى؟ ألا تحس بقلقي في هذا الجو الغريب؟
بأصابع حذرة أمسكت بجانب فستان لوسيا , وبخطوات متعثرة سارت مرتدية حذاء لوسيا , وبدا وكأنها فقدت ذاتها لتتحول الى لوسيا أخرى , ولم ير دريك الفتاة الحقيقية بل مظهرها... ولكن يا له من مظهر مختلف هذه المرة , هل أعجب به أكثر مما كانت ترتديه المرة الأولى حين جاء لزيارتها؟
قال:
" شكرا لقدومك".
وسبقها الى غرفة الضيوف , بدت الغرفة كبيرة ولكن ألونا أدركت خطاها بعد زوال لحظات التوتر الأولى , كان لون الجدران أبيض وكذلك السجاد , ووسط الغرفة خال من الأثاث بأستثناء طاولات صغيرة وضعت عليها كؤوس , وقد سحبت الستائر لتكشف عن باب زجاجي يؤدي الى شرفة صغيرة ثم الى حمام السباحة... وعلى جانبه وضعت الكراسي الصيفية.
وضع دريك يده على ظهرها المكشوف وحرك أصابعه بطريقة أثارتها فنظرت اليه فأبتسم كما لو كان يقول:" لا حاجة لأخفاء مشاعرك حين ألمسك , أذ أعرف جيدا ما تشعرين به".
أنتقلت نظراته الى نعومة كتفيها ثم الى صدرها , مد يده الى شعرها وهمس قريبا من أذنها:
" قلت لك أن ترتدي شيئا ملائما يا ساحرة ولم أقل تعالي نصف مكشوفة".
" أنه ليس فستاني بل فستان لوسيا".
" ألا أنك ترتدينه وهذا يجعله مختلفا".
نظر حوله بطريقة أثارت حيرتها فقال:
"تعالي , سأعرفك بعدد من رجال الأعمال , سأحاول جهدي وعليك يقع عبء البقية "
وألتقت عيناها بعيني رجل تعرفه , عينان خبيثتان لرجل بدين.... نعم كان يجب أن تعرف أن رون برادويل سيكون مدعوا هنا.
" أين ديانا؟".
" لم تكن صحتها جيدة فأعتذرت".
" آه , هل هي مريضة مرة أخرى؟ ماذا؟".
قاطعها متعمدا:
"ألونا , أعرفك بفيليب وماري سمارت , فيليب مدير مخزن للهوايات ( ثم وضع يده على كتف فيليب قائلا) فيليب أعرفك بألونا بيل .... أنها تدير مكتبا للطباعة , أعرف أنك بدون سكرتيرة , فأذا أحتجت طباعة أي رسالة أو عمل كتابي فأنها الفتاة المطلوبة".
مد فيليب يده مصافحا وقال:
" أنك السيدة التي أحتاجها , أعطيني عنوانك وسأرسل لك كومة من الرسائل , ستساعدينني كثيرا أذا ما لخصت الرسائل لك و....".
" وأطبع الأجابة أستنادا عليها , هذا بسيط يا سيدسمارت ".
" دريك.... لم لم تخبرني عن أخفائك لهذه الموهوبة من قبل؟".
أحمر وجه ألونا لأطرائه غير أن دريك أجاب:
" أحب أن أحتفظ بالأشياء الجيدة في الحياة لنفسي".
ضحك فيليب سمارت بصوت عال وقال:
" كيت , تعالي لأعرفك بصديقة دريك اللطيفة , أنه يقوم بالدعاية لمكتب الطباعة المدار من قبلها , وسأرسل لها بعض العمل _ آنسة بيل , أعرفك بزوجتي كيت".
" شكرا لذلك( أبتسمت كيت وصافحت ألونا) لن يزعجني من الآن فصاعدا بالأجابة على رسائله , أنني سعيدة للقائك يا آنسة بيل".
ضغط دريك على كتفها بخفة فتبعته ليعرفها على عدد آخر من المدعوين , بعد نصف ساعة من اللقاءات كانت ألونا مسرورة بوعود العمل .
" كان يجب أن تطبعي بعض بطاقات التعريف بمكتبك وعنوانه بدلا من كتابتك العناوين على الورق".
" لم أحصل على ما يكفي من العمل لطباعة البطاقات ( أعترفت مترددة ثم أضافت) أما الآن , شكرا لك....".
نظر اليها متفحصا وقال:
" أشكريني فيما بعد يا آنسة بيل".
سمعت ألونا صوتا خافتا تخافه وتكرهه يقول:
" أتساءل عن الشكل الذي ستقدمه فيه".
أستدعى أحدهم دريك فنظر الى مدير الذاتية وقال:
" أهتم بألونا عدة دقائق يا رون".
" بكل سرور ( أجاب مديره) أن سلوكك صحيح.... خاصة بعد تأثيرك على مديرك السابق".
" لا صحة لما تقوله يا سيد برادويل , كل ما في الأمر أحتمال أحساسه بالذنب لطردي بدون سبب ,ولا حاجة لذكر جهودك الخاصة في حرماني من فرصة العثور على عمل آخر".
" دريك يعاني من الأحساس بالذنب بسبب أمرأة ؟ اليوم الذي يحس فيه دريك بالذنب من أجل أمرأة , سأكون أنا وريثا للعرش البريطاني , مما يعني المستحيل و أنه يعامل المرأة مثل نار عنيفة تلتهم منزلا خشبيا , يحصل منها على ما يريد ثم يتراجع تاركا أياها محترقة حتى الرماد , وأخيرا يبتعد بدون وخزة ضمير".
رطبت ألونا شفتيها , ربما كان يحاول رون برادويل أيلامها لمعرفة نوع أستجابتها لكلامه , أو قد يكون كلامه صحيحا ... من يدري؟ وافقته في قرارة نفسها على وسامة دريك وجاذبيته للنساء مما يدفع المرأة الى أن تمنحه ما يريد.
" جعلتك تفكرين.... أليس كذلك؟ لا تزالين تحبينه ولم تتخلصي من تأثيره رغم طرده أياك , أستطيع أخبارك شيئا واحدا يا آنسة بيل : تخلصي من تأثير ذلك الرجل عليك , قد يكون ملاحقا لسكرتيرته الآن ,ألا أن ذلك لن يطول , وحالما سينتهي منها , سيبحث عن أمرأة أخرى , بالتأكيد لن تكوني أختياره التالي".
" أسمع يا سيد برادويل ,لدي صديقي المقرب , أنه مزارع , خريج كلية الزراعة وهو أنسان طيب فتوقف عن أخباري بالتفاهات".
بدا السيد برادوي مسرورا:
" أذا أعتبرت ما قلته لك تفاهات فلا بد أنك تحبين دريك سواء كان لديك صديق أم لا".
نظرت حولها باحثة عن دريك فلاحظت أنخراطه في مناقشة مع مجموعة من الرجال.
" سأذهب الى البيت , أرجو أن تبلغ شكري لدريك".
" هل السيارة في أنتظارك؟".
لم تجبه بل شقت طريقها وسط الناس حتى وصلت الصالة , لا بد من وجود هاتف هناك , رأت الوصيفة فسألتها:
"أين الهاتف , رجاء؟".
" أتبعيني , هناك هاتف في غرفة السيد واريك الخاصة".
مثلت الغرفة الخصوصية جانبا آخر من شخصية دريك , غير أن ألونا لم تكن في مزاج يسمح لها بتقدير تلك الحقيقة , أدارت قرص الهاتف وبينما رن في بيت راي لمحت الكرسي المريحة والأثاث المصنوع من خشب الحور....".
" راي... هل تذكر أنك عرضت على المجيء لأعادتي الى البيت؟ هل تستطيع ذلك الآن ,رجاء؟ أعرف أن الوقت مبكر .... ولكن( وفتح الباب) ماذا , عليك أتمام ما نقوم به... ثم تأتي بعد ذلك ؟ حسن جدا , سأكون في أنتظارك".
أعادت سماعة الهاتف الى مكانها , وأستدارت فوجدت رون برادويل واقفا يتأملها بنظراته الوقحة :
" هل أتصلت بصديقك بدلا من قبولك عرضي بأيصالك؟".
" لم تعرض علي أيصالي".
" كنت على وشك ذلك , لن يستطيع الحضور فورا ... أليس كذلك؟( وتفحها من قمة رأسها حتى أخمص قدميها ) أجدك جميلة في هذا الفستان ,أنه فستان لوسيا... أليس كذلك؟ رأيت لوسيا مرتدية أياه ذات مرة غير أنه يناسبك أكثر منها , أنها صريحة أكثر منك ألا أنك أكثر أغراء منها لأنك لا تزالين تملكين ذلك المظهر البريء".
أحست بالخوف فتراجعت الى الخلف ,هاجمته محاولة أخفاء ذعرها:
" ما الذي فعلته زوجتك لتستحق زوجا مثلك يا سيد برادويل؟".
" قولي شيئا مؤذيا آخر وأحطم مستقبلك الى الأبد".
لم تفهم ما عناه خاصة أنه لن يجرؤ على مهاجمتها في منزل دريك , أو ربما حتى الأعتداء عليها ؟ مهما كان الأمر , أدركت ألونا وجوب مغادرة الغرفة بأقصى سرعة ... غير أنه حال بينها وبين الباب.
أمسك بها من كتفيها بقوة حتى كادتتتوقف عن التنفس , حاول عناقها فدفعته عنها غير أنه لم يكف عن ملاحقتها , وحين حاولت الصراخ , أنفتح الباب ووقف دريك يراقبهما.
انتهى الفصل