الفصل الثالث
لقاء المراة الاخرى
حين أستيقظت ألونا صبيحة اليوم التالي , بقيت في الفراش في محاولة برمجة يومها , ثم نهضت وكتبت في مفكرتها ملاحظة عن موعد أجتماع اللجنة مساء اليوم التالي , ثم أغتسلت بالما البارد فأحست بالأنتعاش وبالكسل يغادر أطرافها .
تناولت أفطارها في المطبخ وفي نفس الوقت سجلت على مظروف قديم مجموع ما لديها من مال ومصاريفها المتوقعة , فعرفت حدود أمكانياتها المالية بالضبط.
بدا لها المبلغ المدخر معقولا , ألا أن تركها العمل جعلها تشعر بالحاجة لأتخاذ أجراء سريع حيال المشكلة.
كانت حاجتها الأولى هي العثور على عمل , أرتدت قميصا أبيض وفستانا صيفيا أزرق فوقه وحملت حقيبة يدها البيضا ء , وهكذا أستعدت لركوب الباص الى المدينة , وأذ وقفت عند موقف الباص بدأ المطر بالأنهمار بشكل غير متوقع فتمنت لو أنها جلبت مظلتها , أبتعدت عن موقف الباص ووقفت تحت شجرة قريبة.
أقتربت سيارة قديمة من الرصيف بدا أنها سحيقة القدم ألا أنها كانت مثل صاحبها , في حالة ممتازة.
قتح الكولونيل دينتون النافذة مناديا ألونا :
"أهلا عزيزتي ".
ولم يستغرب لرؤيتها هناك , في ذلك الوقت من النهار , أذ أن حياته لا تتعدى حدود عقاره في القرية.
" هل ستذهبين الى المدينة ؟".
وبدون أن ينتظر جوابها قال:
" أنا عائد من هناك وألا لعرضت عليك الركوب معي ... ألم تغيري رأيك بصدد الحفلة ؟ أعني أختيارك كجائزة لليانصيب؟".
" حسنا ,أنني..."
" كلا , بالطبع , أنك لم تغيري رأيك ,أنه لعمل الخير ... أليس كذلك ؟ ولن تكوني أول فتاة تمنح كجائزة , ستكون لعبة ممتعة...".
وأطلق ضحكة صاخبة قبل أن يقود سيارته مبتعدا.
أحتمت ألونا بجذع الشجرة , أذ أزداد هطول المطر , ها هي محاصرة بالمطر وبوعد لم تنطق به , مهما سيقول الناس عنها فأنها متأكدة من أنهم لا يملكون أذهانا مثل دريك , أنها لا تستطيع التراجع الآن.
وقفت سيارة أخرى قرب الرصيف , وتعرفت على هذه السيارة أيضا , كانت مختلفة عن الأولى تماما أذ كانت غالية الثمن وجديدة , كما لم يشبه الساق الكولونيل دينتون.
كان ذا شعر أسود , رجل صعب المعشر كما جربت بنفسها , رجل يثير الخوف أو الحب معا في آن واحد.
ومثلما فعل الكولونيل دينتون , فتح نافذة السيارة , وأطل مناديا أياها.
قال دريك واريك:
" أذا كنت متوجهة الى المدينة سآخذك معي".
أكتفت بدلا من أجابته برفع ياقة سترتها والألتصاق بجذع الشجرة .
" أركبي بسرعة قبل أن تبتلي ".
خاطبها بنفاذ صبر.
" كلا ,شكرا , لا اريد الركوب معك ".
" سأدخلك السيارة حتى لو أضطررت لحملك صارخة".
" أفعل ما تشاء ".
أجابته بعناد وأصرار.
رأته يتفقد الطريق , فتح باب السيارة وأوشك على الترجل , أزداد أنهمار المطر فتخيلت ألونا ما سيكون عليه مظهرها عند وصولها الى مكتب التشغيل فقالت:
" لا تزعج نفسك سآتي معك".
أغلق دريك باب السيارة ثم فتح الباب الآخر لها , ركضت ألونا ودخلت السيارة بسرعة , نظر اليها ثم أبتسم أبتسامة ملتوية:
" وما الذي عنيته بعنادك أولا؟".
" ما الذي توقعته؟ بعدما فعلته بي".
وسحبت منديلا من حقيبتها فجففت وجهها.
بدأ قيلدة السيارة:
" أخبريني , ما الذي فعلته بك؟".
" حسنا ( وحاولت تذكر ما فعله) أولا طردتني من عملي , ثم هاجمتني في بيتي ".
وأشارت الى رسغها لتذكره بعنفه , ضحك بصوت عال لما قالته , لا بد أن هناك أشياء أخرى عليها أن تتذكرها جيدا.
" ثم أهنتني بأتهامك لي ببيع نفسي جمعا للتبرعات , وأخيرا أتهمتني بخيانة صديق لا وجود له".
" يا لها من قائمة طويلة , أليس كذلك؟".
قال معلقا أثناء توقفه أمام أشارة المرور خارج البلدة:
" ولكن لماذا تلومينني , أذا كان سلوكك يدفعني الى ذلك ؟".
" حسنا , ما كان يجب طردي بدون أنذار".
" ها أنت بدأت توجيه الأوامر الى المدير ".
وتغير لون أشارة المرور فتحرك بأتجاه المدينة.
" كلا لا أعني ذلك ,لكن كان يجب أن تكون عطوفا الى حد تسمح فيه لي بأثبات كفاءتي , أذ أنني كاتبة ومختزلة ماهرة".
" لذلك أستلمت الشكوى بعد الأخرى من قبل كل المدراء الذين عملت معهم".
" ولكنك تعرف السبب , تعرف أنني لم أنل ما فيه الكفاية من النوم نتيجة صخب حفلات لوسيا".
" أذا كان الوضع بهذا السوء وبدأ بالتأثير على أدائك لعملك , كان يتوجب عليك دراسة المشكلة وأختيار حل حاسم لها".
" أتعني أختيار مكان آخر للسكن ؟ كلا , شكرا , لن أغادر منزلي وقريتي حتى لو أدى ذلك الى فقدان عملي".
" أذن لا خيار لك غير قبول نتائج أختيارك".
" هل أنت قاس دائما مع مستخدميك؟".
أرادت أغضابه بملاحظتها ألا أنه بقي صامتا ثم قال:
" لم لم تخبريني أمس أن صديقتك لوسيا غادرت المنزل؟".
نظرت اليه فوجدت على وجهه علائم الأهتمام.
" كيف عرفت بذلك؟".
" أخبرني رون برادويل".
ففكرت بالطبع , لأنه حلقة الوصل بينهما , ثم قالت:
" لا بد أنه ذهب الى أحدى الحفلات المقامة في بيت مديرها؟".
" نعم , حيث تعيش الآن , أين تريدين النزول؟".
" في أي مكان بالمدينة".
" ألا تستطيعين أخباري أين بالضبط؟".
أذا كذبت مستتضطر الى تضييع وقتها في السير الى مكتب التشغيل .
" مكتب التشغيل".
وقف قرب تقاطع طرق وقال بعد تفكير :
" هل تريدين العودة الى عملك؟".
قفز قلبها فوحا , كانت تريد أكثر من أي شيء آخر في العالم العودة الى مكتب الطابعات ورؤية زميلاتها والتحدث اليهن قبل بدء العمل.
ثم تذكرت آخر مرة عرض عليها العودة للعمل:
" كلا , شكرا , لا أريد العمل في مكتب الأستعلامات".
" عنيت العودة الى عملك القديم ذاته , لا يزال مكتبك شاغرا ونحن بحاجة الى كاتبة أخرى".
تغلبت كبرياؤها على أحساسها بالحاجة للعمل :
" لا تلم غير نفسك يا سيد واريك , لم أستقل بل طردتني , هذه المرة سأتقدم بطلب عمل كسكرتيرة مما يعني مركزا أفضل وأكثر ملائمة لقابلياتي ( ونظرت اليه بتحد) مما يعني أيضا أنني طموحة".
أوقف دريك سيارته أمام مكتب التشغيل وبقي صامتا فتساءلت عما أذا كان يصغي اليها أم أنه مشغول بالتفكير في عمله.
"هذا كله لا معنى له بالنسبة لك يا سيد واريك , أليس كذلك؟ كاتبة بسيطة مثلي يجب أن تعرف مركزها الحقيقي , ويجب ألا تتطلع للأنتقال الى مجال المدير".
قال بصوت دل على ما بذله من جهد لكبت غضبه.
" هناك عدة طرق يا آنسة بيل لرفض عرضي المخلص بأعادتك الى عملك القديم ,وأخترت أنت الطريقة الخطأ , أسحب عرضي , وأذا ما أججبتني ثانية ,فأنني سأستدير بالسيارة وأتوجه نحو الريف , لأفتح الباب وأرميك في أول حفرة أعثر عليها".
أنحنى بأتجاهها بلا مبالاة وفتح باب السيارة المجاور لها وأنتظر حتى خرجت .
حين أختفى بسيارته بعيدا عنها أحست ألونا بخيبة بعد أن أستنفدت غضبها وتحديها وحل محلهما اليأس والحزن
كانت المقابلة في مكتب التشغيل متعبة , سلمت أحدى الفتيات ألونا أستمارة طلب عمل وطلبت منها ذكر كافة التفاصيل عن تعليمها وخبرتها في الأعنال السابقة , مع ذكر أسم شخصين موثوق بهما يشهدان بكفاءتها ومقدرتها على العمل.
لم تستطع ألونا أن تتذكر غير شخصين : الأولى مديرة مدرستها القديمة ,وبما أنها لم تعمل ألا في مؤسسة واحدة منذ تركها المدرسة , كتبت أسم دريك واريك ثانيا , ما الذي سيقوله عنها؟ وطمأنت نفسها بأنه سيمدحها ولن يدع لخلافه الشخصي أن يؤثر على أحساسه بالعدل ورأيه العملي .
دققت الموظفة في الأستمارة , ثم سألت ألونا أهم سؤال:
" لم تركت , يا آنسة بيل , مؤسسة واريك؟".
كانت ألونا متهيئة للسؤال لأنها لم ترغب القول ( طردت من قبل المدير بنفسه).
" لأنني كنت كاتبة على الآلة الطابعة , وشعرت بأن المستقبل محدود أمامي".
فكرت المرأة للحظة وقالت:
" جواب معقول".
نظرت خلال بعض الأوراق الموضوعة أمامها وأختارت عددا منها فوضعتها أمام ألونا :
" أي من هذه يوافقك؟"
بعد تفكير قصير قالت ألونا:
" هذه....".
كان طلبا من شركة أثاث لسكرتيرة شخصية لأحد مدرائها , كان الأجر جيدا وساعات العمل معقولة.
قالت المرأة :
" أعرف تلك الشركة , أنها مثل مؤسسة واريك تتطلب من مستخدميها الكفاءة العالية ".
ثم ألتقطت سماعة الهاتف وبعد حديث قصير سألت ألونا:
" هل تستطيعين الذهاب مباشرة؟".
أومأت ألونا برأسها أيجابا فتمنت المرأة حظا سعيدا , أحست ألونا بالعصبية في طريقها الى الشركة , ألا أن مدير الذاتية كان لطيفا وبعد لقاء قصير معها ناقش فيها خبرتها المكتبية , قال:
" مساعدتي موجودة في الغرفة المجاورة وستقوم بأجراء أختبار لك في الأختزال والطباعة".
كانت المساعدة شابة وساعد ترحيبها اللطيف على تخليص ألونا من عصبيتها , أملت الفتاة عليها بسرعة ألا أنها كانت أبطأ من واريك , وقامت ألونا بطبع ما أملته وأتمت كل شيء بأتقان .
بدت الشابة مسرورة للنتيجة وذهبت لرؤية مدير الذاتية فأستدعى ألونا لرؤيته قائلا:
" سنرحب بك كمستخدمة لدينا حالما نستلم رسائل التوصية بك , سنكون على أتصال بك في القريب العاجل
قضت ألونا مساء اليوم تنظف المنزل وتمتعت بذلك الى حد أنها أحست بأنها كانت تنظف بقايا حفلات لوسيا وضيوفها , وخلافاتهما الشخصية , كما سحبت الحوض الكبير ووضعته وسط غرفة الجلوس ثم سخنت ما يكفي من الماء الحار , ثم أسترخت فيه متخيلة نفسها في حمام فاخر.
أستيقظت من حلم يقظتها ووبخت نفسها قائلة بأن ما كانت تحبه هو بساطة كوخها , فوقفت وجففت نفسها وكانت وكأنها تبعد عن نفسها أهانة طردها , أحتقار واريك لها وأكثر من أي شيء آخر , عنفه معها.
ألا أنها حين غادرت الحمام ,لم تستطع منع نفسها من التفكير بدريك بشكل متواصل , فأيقنت أنها مهما حاولت أبعاد صورته عن ذهنها فهي لن تنجح ,ولن تستطيع محو حبها له مهما كان سلوكه سيئا.
كان أجتماع اللجنة مساء اليوم التالي أقصر من المتوقع , أذ أراد الكولونيل التوجه الى مكان آخر بأسرع وقت.
كان موضوع النقاش الرئيسي , بالطبع , هو الأحتفال , ولم يحتو جدول الأجتماع عل العديد من المواد , لكن ألونا دهشت حين وجدت أنها صنفت تحت المادة الخامسة للحفلة بعنوان( يانصيب ألونا) , فكرت بأن المسألة سهلة بالنسبة اليهم , بالنسبة للكولونيل دينتون ذي الشعر الأبيض , والخدين الأحمرين , وثقته الكاملة بنفسه , وبالنسبة لراي هيل بقراراته السريعة , بنحوله وطول قامته.
كانت , بالنسبة للهيئة , مادة أخرى من مواد البرنامج ,أما بالنسبة لها فكانت المسألة كلها هما ستكون أسعد حالا بدونه.
قال الكولونيل:
" يجب أن تعلم الصحافة عن يانصيب ألونا".
كانت جملته تصريحا وليس أستفسارا , لا يزال الكولونيل ذاته رغم مرور سنوات عديدة على تقاعده من الجيش , كانت الهيئة جيشه وما كان للجنود حيز الأعتراض على أوامر القائد المسؤول.
أرتعشت ألونا في داخلها , لم يعترض أحد فلم تجرؤ على رفع صوتها متسائلة أو معترضة ,وألا لسحقتها واحدة من تعليقات السيدة براينت , لذلك بقيت صامتة.
قالت السيدة براينت :
" سأسافر لمدة أسبوعين ,ولكن حالما أعود , سأرسل ما هو ملائم للصحافة".
سألت ألونا نفسها عن ماهية الموضوع الملائم وتمنت لو تستطيع قراءته قبل أرساله.
بعد خمس دقائق ,أنتهى الأجتماع , أسرع الكولونيل مغادرا المكان ولم يبق الآخرون , بأستثناء راي حيث أستدار قائلا لألونا:
" دعينا نذهب الى مكان ما معا , لدي بعض المال في جيبي , سحبته من حسابي في البنك لأشتري راديو جديدا ألا أنني غيرت رأيي .... تعالي .... أين سنذهب؟".
لم تهتم ألونا بل صعدت الى الشاحنة وأخبرته بذلك , ألا أنها أصرت على دفع حصتها , بعد أحتجاج قوي وافقها راي ,وبدأ تشغيل المحرك ألا أن الشاحنة لم تتحرك من مكانها , نزل راي وفحص المحرك ثم تبين شيئا ما فيه , وحاول تشغيلها ثانية فتحركت هذه المرة.
" لاقينا الكثير من المتاعب بسبب هذه الشاحنة مؤخرا , وأخبرت والدي أننا في حاجة الى شاحنة جديدة".
قالت ألونا بعد أن نظرت الى ملابسها:
" أن ملابس لا تصلح لغير الذهاب الى مقهى صغير وتناول السمك المقلي".
" أعتقد أنك محقة , ما رأيك لو أخذتك الى بيتك؟ غيري ملابسك وسأفعل أنا نفس الشيء وأعود ثانية خلال نصف ساعة؟".
وقالت ألونا أن ذلك ملائم لها ,فأوصلها راي الى منزلها , كان أختيارها للملابس بسيطا , لم تكن في حاجة لأرتداء ما يسر راي أذ كانت علاقتهما بسيطة وودية وخالية من التعقيدات العاطفية.
حين عاد لأصطحابها وجدها مرتدية قميصا أبيض مطرزا بأسلوب فلاحي وتنورة سوداء , كما أرتدت قلادة من الخز الأبيض وتركت شعرها منسدلا على كتفيها.
أرتدى راي قميصا أبيض مع ربطة عنق أنيقة , ففكرت بأن واريك لن يسخر من مظهر راي أذا رآه الآن.
" لم أرك أنيقا بهذا الشكل يا راي".
قالت مبتسمة وتبعته الى الشاحنة , سر راي لأطرائها.
" شكرا.... أنها المودة الجديدة , أن أبدو أنيقا! أن السبب هو خروجنا سوية وهذا شيء خاص".
أحست ألونا بالأمتنان فلمست كتفه تقديرا.
" آسف لأنني لا أملك رولز رويس لأصطحبك فيها.... ولا حتى مرسيدس مثل الشاب الأنيق الذي رأيته ذلك اليوم في منزلك".
" كان ذلك مديري السابق ولم أدعه لزيارتي بل وجدني أعد العشاء فطلبت منه مشاركتي أياه".
كان ذلك جزءا من الحقيقة وقد تقبله راي ببساطته المعتادة.
" على أي حال , أنت الأخرى تبدين أنيقة".
فتح لها باب الشاحنة فأبتسمت ألونا شاكرة أطراءه لها.
" آسف لرائحة المزرعة".
علق راي وهو يقود الشاحنة عبر الطريق الزراعي.
" أي رائحة؟".
سألته ألونا مداعبة.
" هذا ما يعجبني فيك , أغلب الفتيات يفضلن وضع منديل على أنوفهن ولا لزوم لذكر الملاحظات الجارحة التي يذكرنها عن سوء حظهن لقضاء أمسية مع صبي المزرعة".
" أنك ,بالتأكيد, لست صبي مزرعة , بل خريج كلية للزراعة على أي حال , لم يجب أن أعترض على رائحة السماد الجيد والأرض الطيبة ؟ أنها تتمشى مع ما أحبه : العودة الى الطبيعة".
ضحك راي وأوقف الشاحنة أمام فندق كبير , أسمه الفالكون , حدقت ألونا في واجهة الفندق المضاءة بالأنوار:
" لا نستطيع الذهاب هناك يا راي".
"لم لا ؟".
وتوقف وهو يفتح لها باب الشاحنة:
" أخبرتك بأن لدي بعض النقود ,فلم لا أصرفها على أجمل فتاة في القرية؟".
ضحكت ألونا :
" أنه أطراء جميل يا اي, ولكنك تعلم أنها ليست الحقيقة , ماذا عن أندريا هرست؟".
أحمر وجه راي قليلا ثم هز كتفيه:
" أنها فتاة لطيفة , ولكن....".
وصمت فأدركت ألونا أنه كان يبحث عن عذر يغطي به فشله في دعوة الفتاة للخروج معه كل ليلة.
" لكنها لا تملك ما تملكينه".
وأشار الى رأسه:
" كن صريحا يا راي.....ليس الذكاء سببا رئيسيا لدعوة فتاة للخرو , أليس كذلك؟".
مرة أخرى أحمر وجهه ثم أبتسم.
لم يحاول راي أخفاء الشاحنة بعيدا عن الفندق الفخم فأحبته ألونا لذلك , كان من الواضح أنه لم يعان أي أحساس بالنقص حيال الأغنياء الذين كان على وشك الأختلاط بهم , ولم يجب عليه ذلك؟ كان لوالده مزرعةجيدة وسيكون راي ذات يوم مالكا لها.
أقفل أبواب الشاحنة ثم قال:
" أتمنى أن تتحرك عند خروجنا بدون صعوبة و أذ أكره توسيخ بدلتي الوحيدة".
وأذ قادها الى داخل الفندق والى الصالة تغير سلوكه الى سلوك رجل ناضج ,كان من الواضح أنه قادر على التعامل بذكاء مع من يملك مالا أكثر منه , وأثبت بأنه حائز على درجة التفوق في الزراعة بجدارة.
كانت على كل طاولة شمعة داخل زجاجة حمراء , وعلقت المصابيح القرمزية في السقف على أرتفاع منخفض , مما خلق جوا عاطفيا حولهما , ففكرت ألونا بأنها ممتنة لراي لأنه أتى بها الى هذا المكان ,ألا أنها تمنت حضورها بصحبة حبيبها بدلا من مجرد صديق.
تساءلت أيضا عن مكان واريك في تلك اللحظة , وبصحبة من ؟
" أكره أن أقول لك هذا يا راي ولكنني لست جائعة جدا".
وأبتسمت معتذرة لأنها خيبت ظنه الا أنها لاحظت أرتياحه لما قالت.... لعله قرر شراء الراديو بنقوده بدلا من دفع ثمن العشاء.
" حسنا جدا , لنجلس في ذلك الركن البعيد حيث نستطيع شرب القهوة مع تناول بعض الفطائر".
كان ذلك الركن شبه دائري وشغل جزءا من صالة الطعام , جلسا بأنتظار النادل , وأذ كان النادل على وشك سؤالهما ما يرغبان فيه , تخطاهما فجأة نحو عدد من القادمين الجدد.
لم يلتفت أحدهما لرؤية القادمين بل تنهدت ألونا أسفا بينما بان الأزدراء واضحا على وجه راي , قال:
" لا بد أن أحد أفراد العائلة وصل المكان!".
قال الرجل :
" ديانا , ما الذي تريدين تناوله؟".
تشنجت ألونا وألتفتت نحو راي قائلة:
" كلا, لا يمكن أن يكون هذا صحيحا".
فهمس راي:
" هذا صحيح".
وأشار برأسه الى أنعكاس الشخصين في المرآة تامقابلة.
لمحة واحدة كانت كافية , فرأت رجلا طويل القامة ذا شعر أسود وبدلة سوداء أنيقة وقميص أبيض زاد من جماله ربطة العنق المخططة , كانت خطوته محسوبة وسلوكه راقيا وأشارته مهذبة , وأنحنى لمساعدة صديقته لأختيار ما ستأكله , وأي صديقة هي؟
تعرفت ألونا على ديانا آيرتون رغم أنها بدت أنحف وأكثر شحوبا مما رأتها آخر مرة في ممر الشركة ,كانت السكرتيرة الخصوصية للرجل الجالس بجوارها ,والذي أرسل لها الهدايا أثناء تغيبها عن العمل.
من يستطيع نسيان أمرأة كهذه؟ بملامحها النبيلة وأبتسامتها الطفولية الواثقة؟ أحاطها جو هادىء غريب يتمنى فيه أي مدير مسؤول والعودة اليه للأستراحة بعد تعب يوم كامل , ورغم أنزعاج ألونا للفكرة ,ألا أنها لم تستطع لوم دريك لحبه تلك المرأة.
همس راي في أذنها:
" لا نستطيع تجاهلهما يا حبي , أذ أنه يعرف بأننا هنا, لا بد أنه لاحظنا لحظة دخوله".
فهمست مجيبة:
" دعه يتحدث اليّ أولا".
وأحست بحركة رجل قريب منا , سحب كرسيه ليواجهها وصديقها في نفس الوقت , لا بد أنه سمع ما قالته ولاحظ أنها تهمس لراي.
قال دريك واريك:
" آنسة بيل....".
كما لو أنه لا يعرفها جيدا ,نظر الى راي وأومأ , ثم عرفهما بديانا قائلا:
" آنسة بيل , لا بد أنك ألتقيت بسكرتيرتي من قبل , ديانا , أعرفك بالسد هيل صديق الآنسة بيل".
أبتسمت ديانا , كانت أبتسامتها حلوة , خالية من التعجرف , فكرت ألونا بأنها طالما أعجبت بديانا.... وحتى الآن , أذ يحبها الرجل الذي تحبه بنفسها , لم تستطع ألونا غير الأحساس بالمودة نحوها.
انتهى الفصل