لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتملة (بدون ردود)
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية


موضوع مغلق
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (15) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-02-13, 02:44 PM   المشاركة رقم: 71
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق



البيانات
التسجيل: Mar 2012
العضوية: 240258
المشاركات: 744
الجنس أنثى
معدل التقييم: طِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالق
نقاط التقييم: 2673

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طِيشْ ! غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طِيشْ ! المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية

 

-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()


رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ !
الجزء (71)



البارت 26 صفحة اللي بيقولي قصير بذبحه :p المهم البارت دسم جدًا أقروه على رواق وبهدُوء، لأن البارت اللي فات وهالبارت والبارت الجاي إن شاء الله، المهم هالثلاث بارتات تقريبًا مكملة لبعضها بترتيب، يعني اللي فات تمهيد واليوم الأحداث والجاي بتكون نتايج هالأحداث.

+ يارب يارب يارب يقّر عيننا بنصِر سوريَا وبلاد المسلمين ويحفظ شعوبنَا العربيَة والإسلامية من كل شر، ويحفظ " مالِي " ويحفظ أرضها وأهلها من كل سوء.


المدخل لـ سليمان الطويهر.


تجيئين حسناً ..
وتمضين حزناً ..
كما داعبَ الغيمُ جوعَ الفلاة


وأحلمُ فيكِ..
ولا ألتقيكِ..
وجفني يعَضُّ على الذكريات


وأغدو ابتهالاً..
وقلباً يتيماً ..
يفتش عن أهله في الرفات


وأهتِف ُفي الأفْقِ .. ما من مجيبٍ..
سوى رجفةِ الأضلع المرهفات


أهزُّ إليَّ جذوعَ الأماني ..
فتسقُط أوراقــها ..
يابِسَات !


رحلتِ ..
تجرَّين حبلَ الأماني ..
وزادُكِ..
أحلامُكِ الزائفات


تخيَّرتِ وهماً مديدَ الظلال ..
ودرباً جوانبُهُ موحشات


بخديكِ يجري فراتٌ صغيرٌ ..
وأين أنا من مصبِّ الفرات ؟


ولو ينبتُ الزهرَ ملحُ العيونِ ..
لأزهرتِ يوماً على الوَجَنات


سألتكِ بالله .. يا نور عيني ..
بدونيَ هل في الحياة.. حياة ؟


تعالي ..
لنسخرَ منـَّا قليلا ..
مللتُ الحديثَ عن الأمنيات


مللتُ انتظاري لحلمٍ كذوبٍ...
فلا قال "هاكَ"..
ولا قلتُ "هات" !


تعالي..
لنزعج حزنَ الصدورِ ..
برجفِ الضلوعِ من القهقهات


فـ حتام نجري إلى غير شيءٍ ..
وما العمرُ إلا "هنيئاً" و.... "مات!"


سئمتُ غيابكِ .. في القلبِ طفلٌ ..
يطارد طيفكِ في الشرفات


تعالي..
نعدُّ الدموعَ سويـَّاً..
و
ونرجع أيامنا الضاحكات


ونخطف َمن وهمِنا.. ما حُرمنا..
ونوهِمُ حِرماننَا..
بالسُبات !


أحبكِ ..
يا رحلةَ الروحِ..
أنتِ.. بذورُ الحياة..
وقشُ الممات


تغيبـين عني..
طويلاً..
طويـــلاً ..
وتأتيــــن دوماً مع الأغنيـات





بدأ الغضب يعتليه عندما أنتبه لتجاهلها وهي تنظرُ للتلفاز.
اشتدَّت الدماءُ في رأسي حتى شعرت بأن عروقي ستتفكك لا مُحالة، أكره أن أكون بهذه النرجسيَة معكِ بالذات، أكره كوني مجرَّد من تراكمات السنوات الفائتة، أكره كوني أنسى من أنا في عينيْك، أكره كل أمرٍ يجعلني خارج سيطرة عقلي، هذه الأمور البسيطة التي تتفاقم بصدرِي إن انجرفت نحو قلبي تقع كارثة، الكارثة التي تجيء في اللحظة التي ينبضُ بها رأسي بقلبٍ لا يحكم سيطرته، أكره عيناكِ التي تتلعثم بعفويـة تُحبِط كل رجسٍ من عمل عقلي، أكره عيناكِ التي تُجادلني كثيرًا.
وقف أمامها وبحدَّة دفع ساقها اليمنى التي تضعها على اليسرى، رفعت عينيْها بجمُودِ ملامحها التي لا تُعبِّر عن شيء، هي لا تتجاهلني فقط، هي تتجاهل حتى شعُورها وردَّاتِ فعلها.
أنحنى عليْها ليضع ذراعيْه على جانبيْن الأريكة ويحاصرها، أبتعدت بظهرها حتى ألتصق بظهرِ الأريكَة، قاتلت كل رهبة وخوف في قلبها لتنظر إلى عينيْه بتحدِي عميق، كل شيء يهرب حتى الهواء من أمامي تخدَّر وتلاشى، لا شيء يعمل بصورة طبيعية بقُربه، يشتعلُ صدرِي ويرتفع بأنفاسٍ مضطربَـة ويهبط بزفيرٍ جبَان.
سلطان يقرأ عيناها الجريئة المتحديَة التي تُثبتها بلا تردد في عينيْه، هُناك شيء تُريده أن يصِل إليّ بنظراتها، أنا أفهم جيدًا عيناكِ الغاويَـة.
الجُوهرة بصوتها التي جاهدت بأن يتزن : هالمرَّة وش غلطتي اللي بتعاقبني عليها يا بابا ؟
لا يتحرَك، كلماتها تعبره ببرودٍ تام، مندهش/مصدوم.
الجُوهرة تشعرُ بأنها تغصّ بالهواء : ممكن تبعد؟
سلطان بنبرةٍ تُخفي تجوفًا بركانيًا : مين بابا ؟
الجُوهرة بدأت أصابعها تنغرز في الأريكَة بتوترٍ عميق لتُردف بإصرار : ممكن تبعد؟
سلطان بحدَّةٍ كبيرة : منتِ قد الكلام؟
الجُوهرة بإستفزاز تنظرُ إليْه بعينيْن تتشكَّل من البرود : ممكن تبعد؟
سلطان إبتعَد بخطوتيْن إلى الخلف لتقف وهي تُعدِّل بلوزتها الناعمة، نظرت إليْه بنظراتٍ متهمَة تُشعل به نارُ الضمير، لوت فمِها جانِبًا بضيق، لتقترب منه حتى ألتصق بطنها ببطنِه، رفعت عينيْها إليْه بتحدي : تعرف وش مشكلتي معك؟ أني يوم دعيت الله يهديني! كنت الضلالة في عيني . . . حاولت أن تتجاوزه وتخرج ولكن يدِه إمتدت لتمنعها، سحبها حتى أرغمها على الوقوف بأطرافِ أصابعها، وضع ذراعه خلف ظهرها ليشدَّها نحوه، وبإجابة أرجفتها : أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ
هرولت حُمرة الخجل في جسدِها بأكمله حتى وصلت لعينيْها التي ضاقت بالملح، بلعت غصَّتها من جوابٍ أفحمها، أسقط حصُونِ قوَّتها، جواب أسكتَها حدُ اللاحديث بعده، شدَّها أكثر حتى شعر بنبضات قلبها الملتصقة به، تألمت من الوقوفِ على أصابعها حتى تجارِي طُوله، تألمت من قلبها الذي بدأ ينبض في كل جزءٍ بجسدِها الغضّ.
يُكمل بإبتسامة تهزم كل محاولاتها في إستردادِ قوّتها المندثرة بحضرته : اللي ودَّه الضلالة ما يدعي بالهدايَة!
لوهلة شعرت بأن جسدِها عبارة عن دماء/ماء لا شيء آخر، ترتخِي بقبضة يدِه كقطعة صلصال يُشكِّلها كيفما يُريد، تلألأت عينيْها بتجمع الدموع في غيمِ محاجرها.
أرتفعت أنفاسها وكأنها للتو خرجت من معركةٍ حاميَة، في لحظةٍ كان هو يشعرُ بزلزالٌ يضربُ بصدره الذي يعلُو بشهيقٍ وينزلق بزفيرٍ مضطرب.

كنت أظن أنني أنتصرت عليك بجملةٍ خافتة من حقَّها أن تُزلزل ثقتِك بحُبي، كُنت أظن ذلك حتى سلبت منِّي حق الإنتصار وهزمتني بآية عظيمة من كتابٍ عظيم، أنا حزينة! من الأشياء التي صيَّرتها ضدِي، من صوتي المتخشِّب بإستجداءاتِ الهوى، من البياض الفاترُ في عينيّ، من طعم الدماء المترسبـة في فمِي، من صوتُك الذي ينزلقُ ويسلب سَلام قلبي، من عينيْك ونظراتها التي لا سلطة تعلوها! ماذا بقيْ يا سلطان لم تهزمني به؟ هذا وأنا لم أرفع الرايات البيضاء!
ضاق صوتُها بكلماتٍ جافّـة خدَشت حوَّاف حنجرتها : لعلمك هذي الآية نزلت في المنافقين.
سلطان : وش الشي مشترك بينك وبينهم؟
ارتجفت شفتيْها برجفةِ فكيّها، طلَّت على عينيْها دمعة حجبت عنها عينيْه : وش قصدِك؟
سلطان بإستخفاف : يُظهرون خلافِ ما يبطنون . .
تجعَّد جبينها بتعرجاتِ عروقها الغاضِبـة، عضّت على شفتها السفليَة حتى تُخفي ربكتها، أبعدَت أنظارها عنه لتسقط برمشتها دمعة فاضت بإنهزاميـتها.
سلطان يجهل ماذا يُريد من إستهزاءه : لِك حق الإنكار!!
رفعت عينيْها مرةً أخرى إليْه، أشتعلت بغضبٍ صيَّر ملامحها الناعمة لحدَّةٍ تُشبهه، بين أنفاسها التي تعتلي بإضطراب : لا بارك الله في ليلٍ جابك بطريقي . . . نفذَت من يديْه لتتجه نحو الباب، تبعها ليسحبها بشدةٍ حتى ثبَّت كتفيْها، تألمت من ظهرها الذي ضربه بالجدار، لهثت ليسحب كل الهواء من رئتيْها بقُبلة عنَّفت شفتيْها الناعمتيْن، أغمضتْ عينيْها أمام عينيْه التي أطبق جفنه عليها، إلتفت يدها الرقيقة حول رقبته وهي تغرقُ به، كالفضاء أتأملُك وأرغبُ بِك. صعِدت ملامحها لأعلى سقفٍ من اللاشعُور، لولا دمعتُها التي نزلت في قُعرِ إلتحامهما، لا تتراجع الحياة عن إذلالي، مازلت يا سلطان تُمارس سطوتك عليّ وساديـتُك التي لا تنتهي، أحاط ذراعه خلف ظهرها ليشدَّها نحوه أكثر، أفرغ غضبِه منها بحدَّةِ قُبلتِه، تستطيل اللحظات بمرورها حولهما بعد أن تلاقت أجسادهما بجسرٍ (شفتيهما)، بجسرٍ يحملُ هواءٌ خالِص من رئتيَّ على ضفتِها نهرٌ من الهوى/الجوى، وضع يدِه اليمنى خلف رأسها وأصابعه تُخلخل شعرَها في وقتٍ كانت ذراعه اليسرَى تُحاصر جسدها بحصارٍ متين، إبتعد قليلاً دون أن ترتخي قبضة يديْه، لم يفتح عينيْه للحظاتٍ طويلة أستمر به صدره في علوٍ وهبوط مُتذبذب، أرتخت يديْه ليبتعد بخطواته ويُعطيها ظهره، مسح وجهه بكلتَا يديْه دُون أن ينطق كلمة.
لم تحتمل قدماها ذبذباتِ الثباتِ من تحتها، سقطت على ركبتيْها على رخامٍ بارد، أخفضت رأسها لتسقط بفخِ بكاءها الذي لا يتركها تُكمل السير وتُكابد من أجل الحياة، وصله أنينها كغزوِ قبائلٍ على صدرٍ خوَى، لم يلتفت بقيَ ينظرُ لإنعكاس الجدران لظلاله، عقد حاجبيْه ليرَى ظلها الذي يُرتب نفسه ليقف، بغضبِ الناعمات وحسرة بكاءهن، بشدَّةِ أسنانها التي ترتطم ببعضها البعض : أكرههك! أكره هالحياة اللي مخليتني أنتظر حظي معك! أنا ماني جارية عندِك! مالك حق تستعبدني بهالطريقة! . .
بعلوِ نبرتها صرخت، كثقبٍ في نهرٍ أخطأ الوِجهة وصبّ في عينيْها : لما أكون معصبة ومتضايقة لازم أروق لأنك تبيني أروِّق! ولما تكون معصب فلازم أعصب معك! . . ولا مرّة حاولت تراعي شعوري! تضرب وتمّد إيدك كأني . . مافيه شي يوصف تصرفاتك معي! مافيه شي يوصفك يا سلطان! . . . أناني ما يهمك الا نفسك! ما يهمك الا مزاجك! . . . . اليوم بس تأكدت أني مهما حاولت هذا قضائي وهذا قدري! . .
ألتفت عليها بعُقدة حاجبيْه، و صدرُه يلتهِب بنارٍ شاهِقة، نظر لعينيْها المتلألأتيْن كخرزتيْن مُضيئتان في نهرٍ جارٍ.
الجوهرة : ذليتني وأوجعتني كثيير! سكت مرة ومرتين وثلاث بس إلى متى؟ حتى لما أكون بحالي بعيدة عنِك تجي وتكرِّهني في عيشتي . . قراري ماراح أرجع فيه! أنت ما تقبل على عمتِك أنه زوجها ما يحترمها! بس تقبل أنك تهيني!!! . . ماراح أجلس عندك عشان تستخف فيني كِذا!
سلطان بلل شفتيْه بلسانِه ليُردف بحنق شعر به أن لسانِه ينثني عن الحركَة بإعوجاج : و لِك اللي تبين . .
الجوهرة بلعت ريقها بصعُوبة لتُردف برجفةِ اهدابها : يعني ؟
سلطان : تبين ننفصل أبشري . . أنا بنفسي أتصل على أبوك وأبلغه، عشان تكسبين إحترام نفسك اللي على قولتك فاقدته عندي!
الجوهرة تيبست قدماها لتشدّ على شفتِها السفليَة ودموعها تتساقط بلا توقف، أنهار كل جزءٍ بجسدها بمحاولاتٍ بائسة أن تقف أمامه بثبات.
نظرتْ إليْه بعينيْن مُضيئتيْن تجرُّ القناديل حتى احترقتْ، اكتظّ زُحام الدمع حتى انتزع وسقَط، جرَى النهرُ يا سلطان وصبَّ فوق خدِي ولم تستطع أن ينجح حدسُك بأن يفهم ما تَشِي به عينايْ، كتمت أنفاسها لتحبس نحيبها، في لحظةٍ كانت عيناها تُكابد من أجلِ الصمُود، خذلتها قوتها الصغيرة في الثبات/الإتزان، بلع غصتـُه لتتجمَّد عيناه بإتجاهها، لا شيء مفهُوم هنا.
عقَد حاجبيْه بعُقدةٍ أسقطت اللوعة في قلبه، وماذا يعني أن نفترق؟ أن تخطُو قدماكِ دُون أن أظللها، أن تُراقبي هفواتِ الزمن دُون أن أصحِّح مسارها بإتجاهك، أن تنشطِر المسافات بيننا لتُطوى بحواجزٍ شاهقة، أن لا نتشارك الطاولة نفسُها، أن لا ننام على الوسادة نفسها، أن ترفع الشمسُ خمارها قبل عينيْك، أن تندلعُ في جوفي الكلمات ولا تصِل لصوتي، أن يبهت العالم في عيني و نفترق.
هرولت الرجفة بأطرافها لترفع عينيْها الباكيَة إليْه، إلتقت به بنظرةٍ ذابلة، مازال طعمُ قبلته في فمِي، مازالت أوردتِي منتشيَة به. آمنتُ والله أننا كاذبات مُغفلات لا نلتفت ولا لمرَّة لأنفسنا، نحنُ النساء اللاتي لا يعرفن إختيار مصيرهن، اللاتي يخجلن من قول الحُب وفعل الحُب و نسيمُ الصبح إن أتى كبرقيَةِ حُب، نحنُ الصامداتِ من أجل عزة النفس والجبانات/الذليلات من أجلِ الحُب، لِمَ على كُل حال ننادي بالسعادة؟ لِمَ نطلبها ونحنُ في أول إنحناء لها تركناها! تركتها يا سلطان للحياة التي تقتصُ مني كل يوم، وكل ساعة ولحظة، الحياة التي تغرز أظافرها في حنجرتي وتقتلع صوتي من محجره، تركتني حُرَّة حين طلبت الإنفصال! خذلتني كل الأشياء بما فيها صدرُك الفسيح، ولكن في البُعد لم يخذلني أحَد، حتى صوتي أتى أكثرُ إتزانًا.
أتسمعُ رعشة قلبي؟ أتصِل إليك حسرة حواسي؟ ببساطةٍ أكثر أقول لذاتي " أنا أستاهل لأني ولا مرَّة عشت لنفسي، ولا مرَّة حاولت أكسب نفسي، أنا أستاهل لأني دايم أحاول أدافع عن نفسي اللي أصلاً يئست منِّي، أنا ضايعة! لأني تخليت عنك، يعني خلاص؟ خذني لآخر مدَى وقُول أنه كذب! كل هذا كذبْ، أعتذر عشان أعيش! عشان ما أحس بالإذلال! اعتذر وراضيَة، راضيَة بِك "يا سلطاني"
سلطان بإنكسار واضح في صوتِه الضيِّق، اغدقت في تفكيرها وصمتها ليقطعه : لا تقولين ما حاولتْ! أنا حاولت لكن . . ماعاد ينفع! المُشكلة ماهي فيك! المشكلة اننا جلسنا سنة وأكثر مو قادرين نتجاوز هالشي! كيف نتجاوزه؟ كيف نبدأ صفحة جديدة؟ . . ما نقدر! لا أنا أقدر ولا أنتِ تقدرين!!! بس . . أنا
شتت نظراته بعيدًا عنها عندما رأى دمعتها كيف تصمدُ في هدبها قبل أن تسقط بإنصياع للحزن، ثبتَّ أنظاره للطاولة التي امامه ليُكمل بتنهيدة تهزم البدايات والنهايات وما بينهما : للحياة تركتك.
الجُوهرة بنبرةٍ مالِحة: لله يا سلطان.
دارت عينيْه إليْها، اعتدتُ الوجَع وَ إيماءاتِ الوداع، اعتدت أن أكون الخاسر في الحياة ولا أسفٌ عليّ، وعلى الرُغم من هذا أنا لا أتقبَل خسارتي معك، لا أتقبَّل الخدش أسفل جلدِي إثر الدماء النافِرة من جسدِي، كل ما يُحطّ ويصب ينفرُ مني في اللحظة التي أريد ان أفصل ما بيننا، آمنت والله أننا وُجدنا للنصف وأن الوَجع قدرٌ كُتِب علينـا، آمنت يالجوهرة أن لا نهايـة سنصِل إليها ولا بدايـة يُمكننا الرجُوع إليْها، آمنت أننا معلقيْن لا نهزم أحدًا ولا ننتصر أيضًا، تعالِي! أسكني فيّ، لم تجيئي وحدِك، أتيتِ كقبائلٍ نصبَت خيامها في صدرِي، سحبت من أرضي ماءي ولم يبقى لي ماء! لم يُصلي أحد الإستسقاء من أجل قلبي، أنتظرتُ كالمساجد الشاهقـة الخاويـة سجدةُ مصلِّين، أتيتِ سماءً واسعة حجبت الغيم والمطر، أتيتِ جفافٌ صبَّ في عُمرٍ يابس نحيل، أتيتِ راكِضة في زمن توقّف عند عتبة الحياة، أتيتِ جذعٌ فقير هزتـهُ الريح وأنغرز في صدرِي كوَسمٍ باقٍ لن ينتهي، أتيتِ يالجوهرة وعيناكِ ليل طويل، وأنا لم أبرأُ بعد من ذنب النهار.
لم تحتمل عيناه المتحدثة بإنحناء الحزن في إنكسارٍ كُلِّي، يالله! أنا التي لم أدعُو الله طوال السبع سنوات من أجل السعادة والفرح والحياة، أنا التي ضللت أردد أغفر لي يا رحمَن، أنا التي خجلت أن أطلب منك يالله الفرح وأنت سترتني بعظيم لُطفك، أنا التي قضيْت أيامًا لا يجيء على لساني سوى " رحمتك لقلبٍ أمتلأ بك يالله " ، إني أسألك يالله في هذه اللحظة، إني أسألك يارب الكلمات و الوجَع، يارب الرحمَة والعطف، يارب حُزننا وفرحنَا، يارب قلبِه أعطف عليْ، ردني إليّ، للصبيـَة الناعمة التي أودَعت في صدرها حُبك، التي كتبت مذكراتها بنشوة الصِبـا، رُدني لقلبي قبل 7 سنوَات، قبل أن أموت في متاهات الدنيا المُذلة، قبل أن يعصفُ النسيم الرطب ويصبح ريحًا شديدة، قبل أن تصبح يقظتي كابوسًا ومنامي سوادًا، رُدني يالله لنفسي إني أخافُ يومًا يبكِي البُكاء من نفسي. يا لوعة الحُب الشديدة أسكني فيّ إني أرغب بحملك في شراييني للحياة التي تركتني من أجلها، إني أمرض بك ولا أسألُ من الله الشفاء، أريدك طريًا في دماءي، في ذاكرتي، في حياتي يا كُل حياتي.
لاحت لوعتُها في أنينٍ مرتجف، بكَت بعُمق الحزن في صدرها، بكَت بعُمق الجرح في صوتها، بكَت من الماضي الذي كان له سلطته في حاضرها، بكَت لأن الموت ثابتٌ في قلبها.
سلطان أغمض عينيْه للحظاتٍ طويلة حتى يسحبُ هواءً نقيًا لرئتيه التي ازدادت ضيقًا، لا مفَّر منكِ يا شديدة الطفُولـة والبياض، يا أنثى هزّت تاريخ الإناث برنةِ خلخالها، ليت ما كان لم يكُن وليتني استطع قول ما كان.
نظر إليْها بنظرةٍ خدَّرت الهواء من حولها حتى إمتلأ جوفها بالعدَم/بالفراغ.
بقسوة لسانه يُصادق على قولها : لله يالجوهرة . . . خرَج بخُطى مبعثرة ليفتح أوّل أزارير قميصه العسكري بإختناق، دخل لمكتبه المنزوي في عُتمة لا يخدشها سوى ضوء بسيط نافذ، رمى سلاحه على الطاولـة ليجلس بغضبٍ يتضح في ملامحه السمراء، شدّ على قبضة يدِه ليضربها في حافة الطاولة، مسك رأسه بوَجع من صُداع لا يدع فرصة شماتته تذهب، أنحنى بظهره قليلاً ليثبت جبينه على المكتب وعيناه تنظرُ للرخام، عوِّضنا يا كريم، أنا وقلبي.
غطّت ملامحها بكفيّها، أشعرُ بأني احتضر، أغيبُ تمامًا عن وعي الحياة، لِمَ طلبتُ منه؟ لِمَ اعيش في هذا التناقض! لم يبقى بيْ عقل يتجاوز كل هذه التناقضات التي تُعشعش فيّ!! لا أحتمل يومًا يأتِ لا يجيءُ بِه، لا أحتمل! يالله فحُبه تمكَّن مني حتى آخرُ خلية في جسدي، انسني حُبه يا رب قلبي وقلبه، انسني عيناه الساهرة في ظلالِ منامي، انسني كلماته التي عقدها فيّ، انسني من حياتي حياتـه.


،

وقف بضياعٍ تام، عقله لا يفهم إلا جملة واحدة " غادة لم تمت بالحادث " ، جُملة تسحب كل ذرة أكسجين من الهواء المُحيط به، سقطت كل ألوان الحياة من أمامه حتى أصبحت سوادًا ولا غيرُ ذلك، ما يحدُث أيضًا مدعاة للسخريَة! لأن الحياة لم تكُن يومًا منتصبَة في باقة ألوان، دائِمًا ماكانت تُعطيني ظهرها الشاهق، أنا لا ألوم أحَد، ألوم نفسي التي واصلت تصديقها لأشخاص لم أكن يومًا على محمل الأهمية بالنسبة لهم، ألوم نفسي التي صبَرت بفُرصة أن يكُن نهاية صبرها إنشراح وفوز! ألوم نفسي للرجس الذي أعمل به، ألوم نفسي وساخطٌ عليها لأنني مازلت بقربهم، مازلت معهم! غُفرانك يالله على ما فعلته وسأفعله، لم أكن يومًا صالحًا بما يكفي حتى أتعلم التجاوز والعفُو، لم أكُن شيئًا طيبًا بما يكفي حتى ابتسم بوجه المصائب، حاقد! ولن أُخفي حقدي من أجل الأخلاق والشيَم، لن أخفي لوَعتي بالحياة من أجل أحد. هذه المرَّة و رحمةُ الله لن أرحم نفسًا أوجعتني، لن أرحم نفسًا أضعفتني! لن أرحمهم!! سأقتّص منهم واحدًا واحدًا ولو كان ذلك على سبيل خسارة قلبي/حياتي، كان لزامًا عليّ أن أفهم هذا مُبكرًا أنني لا أستقيمُ مع هذه الحياة مهما بذلت من جُهد، ولن أحاول ولا للحظة أن أستقيم.
عاد بخُطى تائهة حائرة للخلف ليصطدم بحافة السرير، دارَ بهِ رأسه كما تدُور الحياة بعينيْه، اسنَد ذراعه على التسريحة بمحاولةٍ جادة أن يتزن، ارتفع الضبابُ لعينيْه حتى أختفت الرؤية تمامًا، شعر بحُرقة تسيلُ بأوردته، وضع يدِه تحت أنفه لينظر لظاهر كفِّه المُبلل بالدماء، عقد حاجبيْه بجهلٍ لمصدر الدماء، لم يحاول التفكير بشيء غير الكلمات التي قرأها، كما السكين تُزهق الروح أيضًا الكلمات، من يستوعب هذا الحديث؟ لم يتبقى بيْ عقل لأستوعب، هل هذا إبتلاء يالله أم عقاب؟ أين هي الآن؟ من المستحيل أن يفعلها بي ناصر! أم ماتت بعد فترة من الحادث؟ . . شعَر بغصة تقف في مجرى تفكيره، جفَّت عيناه وترسَّبت بالملح، لا دمعةٌ تسقط تنقذ الموقف المُزرِي ولا دمعةٌ تربت على خدِه، ولا دمعةٌ تشفق على إنهزامه، لا دمعٌ يسيل! لكن القلب كيف يسكُت؟ كيف يصمد ولايبكِي؟ ، ينظرُ بتجاهل شديد للدماء التي تتدفق من أنفه، لم تحتمله قدماه حتى سقَط على ركبتيْه، نظر للصور المتناثرة على الأرض، لعينيْها التي تُشبهه، لملامحها الباهتة، تفتقدني أيضًا؟ تشعرُ بيْ؟ كُنت تجيئين في منامي بصفةٍ وحشيَة حتى ظننتُك تتوجعِّين من التراب، ولكن كُنتِ تتوجعِّين من هذا العالم، تتوجعين منهم يا "رُوحي"، وضع يدِه على جبينه يحاول أن يثبِط هذا الدوار الذي يُصيبه، أدرك بأن ضغطي ينخفض الآن، أعرفُ جيدًا ما يُصيبني، هذه الأعراض تشمتُ بي في كل مرة أتنفسُ أملاً، أنا رجلٌ لا أصلح للهدنـات، للأماني والأحلام الصغيرة، أنا رجل لا أصلح للحُب والأيام الجميلة، أنا رجلٌ كسرته الحياة مرَّة وكسَر معها حياته و محتواها، البرودة تحتبسُ أسفَل جلدي وبقايَا الماء في جسدِي يتسامى حتى حجَب الوضوح عن عيني، هل هذه أعراضُ صدمَة؟ مُعاذ الله أن أكون مصدوم كل ما في الأمر أنني لم أتوقع أن تأتِ مُزحة الحياة بهذه الجديّـة القاسية.
تحامل على ألمه ليسحب نفسه قليلاً حتى يأخذ الصورة بيديْن تفقد قدرتها على الإمساك بثبات، كل طرفٍ به يرتجف، نظر لغادة بشوق عظيم رُغم رؤيتـه الشبه معدومة في هذه الثانية المرتبكة، سعَل بذبُول كُلِّي.
" اشتقت! يا عذابي في الصور وضحكات الصور! يا عذابي وش بعد باقي ؟ وش بعد يا غادة؟ ماطِبتْ! كيف أطِيب وأنا من عشمني في الوفَا غدَر! كيف أطِيب وأوفى من بقى لي خان! ما عاد ليْ حق أسأل – ليه ؟ - ما بعَد ناصِر سؤال. "
سقطت الصورة بين أصابعه التي ارتخت، أشتعل صدره بحقد،بغضب،بشحناتٍ هائجة، بشتاتٍ تكدَّس بصوتِه، سمع ضربات المطر على الأرض، ليقف وهو يسندُ نفسه على الجدار، إتجه نحو الحمام ليغسل وجهه بشحُوب، أغرق ملامحه لينظر لنفسه بالمرآة، لم أكن بهذه الصورة أبدًا! في حياتكم لم ينزف أنفي ولا مرَّة، لم تتحرك مساراتُ حنجرتي لتسَّد مجرى تنفسي، لم أضيع ولم أتُوه قبلكم، هذه الحياة بعدكم خراب! ولا تصلحُ ليْ على كل حال.
أخفض نظره قليلاً ليرفع عينيْه بإبتسامة مكسورة، جُننت! غادة مازالت الأرضُ تحمل أقدامها؟ أم أنا بدأت أتوهّم كلماتٌ مقتولة؟
عقد حاجبيـْه بشدّة، لا يفعلونها! لو أنني ألدُ أعدائهم لا يفعلونها بيْ! . . لا يفعلونها بإبن صديقهم.
بدأ صوتُه الداخلي يظهر، يُدرك بأنه واقع في صدمة شديدة ولكن مازال يُنكر، مازال يحاول أن يقِّر بوعيْه التام في هذه الأثناء، رُغم أن وعيْه غائب تمامًا في لحظةٍ انسلخ اللون من جلدِه وطغى الشحُوب، إنخفاضُ الضغط الذي يُداهمه ماهو إلا نتاج الصدمَة.
خرج من الحمام ليأخذ قارورة المياه ويفرغها بفوضوية في فمِه، حاول أن يسترجع بعض الطاقة المهدرة، لدقائق كثيرة بقيَ جالِسًا لا يُفكر بشيء ولا شيءٌ يأتِ إليه، وقف متجهًا للخارج، اقترب من نايف ليلفظ : ممكن جوالك شوي
نظر إليْه نايف بنظراتٍ مستغربـة : فيك شي؟ تشكِي من شي؟
عبدالعزيز : لا . . ممكن؟
نايف: إيه أكيد . . تفضَّل
عبدالعزيز أخذه ليعُود بخُطى متأرجحة مضطربة للداخل و المطرُ يُلامس جسدِه بلا شعُور يّذكر، فقد حاسيـَة الإدراك تمامًا. جلس على السرير، وضغط بأصابعه الباردة على رقمِ ناصر السعودي الذي يحفظه، ثوانِي حتى اتاه " مغلق " ، حاول أن يتذكر رقمه الفرنسي، بدأ يُخمن بعقله عدة أرقام يحفظ بعضها وبعضها يُجرب حدسه بها، جرَّب للمرة الأولى ولكن أتى " خارج نطاق التغطية " ، إختار التخمين الآخر ليضغط عليه، قرَّب الهاتف من إذنه لينتظر إجابته، تمرُ دقيقة تلو دقيقة ولا مُجيب.
: ألو
شعَر بأن روحه تخرج، تقتربُ من النفاذ للسماء، لا سياج يفصلها عن التسامي، عن العلوِ وتركِ جسده، اتسعت محاجره حتى اجتاحتها الحُمرة الكثيفة، ارتجف فكِّه بصريرٍ مؤذي، لا شيء طبيعي! وربُّ الكعبة لا شيء!!!!، كل الخلايا تندفع بإتجاه صدره الذي يعلو بإرتفاعٍ مضطرب.
كررتها مرةً اخرى بنبرتها العذبـة : ألو . . مين معايْ ؟
لا يُسعفه الصوت، يُريد أن ينادي! يُريد أن يبتهِّل صوته بإسمها ولكن حتى نبرته تُخذله، فوق وعثاء الحياة وحظِّها السيء معي! فوق كل هذا يُدير صوتي نفسه عنِّي، يارب لا تجعلني أتخيَّل صوتُها بهذه الصورة المؤذيـة، يارب أرجوك.
بخفُوت : ناصر نايم . . مين أقوله؟
هذا مالاطاقة ليْ به! كُنت أقول أن الحياة إن شاءت و وقفت ضدِي فناصر معي، ما يخُون؟ " خلِّي ما يخُون " ، هذه أنتِ يا غادة، كيف؟ رُبما أحلم! طبيعي أن أحلم.
بضجر لا تعلم لِمَ لمْ توَّد أن تغلقه، الأنفاس المضطربة التي تصِل إليها تُشغل عقلها : مين؟
لستِ حلم! أنتِ يقظة، بعد سنـةٍ كاملة و نصف السنـة أسمعُ صوتك يا غادة، أسمعُه يا " روح عزيز " ، ناديني من أجل الله، " اصرخي بعالِي صوتك، اصرخي لقلبٍ مات نصفه ونصفه ينتظر إحتضاره، اصرخي عشان أصحى لو كنتِ منام البائسين اللي أتعبهم حرث أرضٍ فاسدة، نادِيني!"
غادة بتوتر مستغربة هذا الصمت : آ آ
صوتي لا يلُوح لأحدٍ ولا لكِ يا غادة، تحبسُ الأشياء نفسها فيّ دُون أن تترك لي حق الرفض والقبول، أنا أسمعك! أقرأ صوتُك بخشوع، لكن لا أقدر على لمسِك على مُناداتِك، رُبما هُناك شيء يربطني بك ويُمكِّنك من سماع قلبي، رُبما. أثق بذلك ما دُمتِ لم تغلقي الهاتف إلى الآن، أنتِ تشعرين ولكن صوتي جبان، ما أمرُ به " جاثوم " الذكريـات، يهزمني صوتك يا غادة! أرجوك، أرجُوك، أرجوك لا تفعلي بيْ هذا! لا مجال بأن يخدعني أحدٌ آخر في حياتِك، لا مجَال أبدًا. " أنتِ حيّـة ؟ " أنتِ هنا، أسمعك.
: مع السلامة.
لحظة! . . صوتُك يا غادة لا يُغادرني، من يدلني عليك؟
. . . أغلقته دُون أن تسمع صوتـُه.
وقف بلا تركيز، تمرُ الدقائق بكثافةٍ عاليـة دُون أن يشعر بثانيةٍ واحدة، يترددُ بعقله صدى صوتُها و " ألو " التي خرجت من بين شفتيْها كحياةٍ جديدة، هيَ! والله العظيم هيَ. أذني لا تُخطىء! أذني تحفظ صوتُها كـ رقيةٍ على قلبي كل ليلة. و حسرةُ السنـة والنصف من يُشفيها؟ من يردّ ليْ أيامًا من عُمري تلحفها النحيب، هُم لا يدركون! لا يعرفون قيمة أن أخسر عائلتي! كيف قضُوا كل هذه الأيام ينظرون إلى عيني دُون أيّ خجل؟ كيف تجرأُوا أن يفعلوا بيْ أسوأ فعلٍ على مرِّ حياتي، لا أفهمهم! ولا أفهم دناءتهم! لا أفهم أبدًا كيف لهؤلاء البشر أن يبقوا على قيد الحياة وهُم أقل من أن يقال لهم أحياء، ضمائرهم ميتة وقلوبهم ميتة! وأنا أيضًا؟ من أجل هذه الحياة سأكُون أشدُ دناءةً منهم، والله لن يردني شيئًا، لن يردني خُلق تربيتُ عليه ولا شيء، هذه المرَّة أنا أريد ان أخسر نفسي وأخسر مبادئي، أريد ان أخسَر " عبدالعزيز سلطان العيد ".
أما أنت يا من ناديتُك " يبـه " وأنا استشعرُ طعم لذة الكلمة في لساني، ناديتُك بأبي وأنا أشعرُ أنِي إبنك، ولكنـك استغليْتَ حُزني على فقدي بمصالحك، نظرت إليّ كأنك تُشاركني المواساة في وقتٍ كنت تدرك بأن هُناك قطعةٌ مني تسير على ذاتِ الأرض ولا ألتقيها، كُنت تدرك بأن جزءً مني ينظرُ إلى ذاتِ السحابة ولا تُمطر عليّ ولا عليه، كُنت تدرك كل هذا وتركتني أحارب الحياة بمخالبٍ ملتويـة، كُنت تدرك يا " بو سعود "، أنا لن أشفق على أحد بقدر شفقتي على نفسي التي صدقتك، حسبي الله عليك وعلى الذين حسبُوا أن الحياة تُدار بتخطيطهم، لن يبرأ قهري منكم، لآخرِ لحظة في حياتي سأدعُو عليكم قولاً وفعلاً.

،

وضعت الهاتف على الطاولـة، بقلبٍ يُطلق علاماتِ الإستفهام، أثـارت أنفاسه الثائرة فضولها، وضعت يدها الدافئة على نَحرها، شعرَت بلوعةٍ تغصُ بها، جلست بمُقابل جسده الذي يغطُّ في سباتٍ عميق، بدأ عقلها بالهذيان.
رُبما عرفني! أو ارتبك من الصوت الغريب. رُبما كان مثل ناصِر يحسبُني غائبـة تحت التراب وتفاجىء بصوتي! لكن كيف ورقمه غير مسجل؟ هذا يعني أنه ليس من معارفِ ناصر. تنهدَّت بيأس لتنجذب لحركته الخفيفة، لميل رأسِه ناحيـة اليمين قليلاً، وقفت لتقترب منه، جلست بجانبِ بطنه، وفي داخلها سؤال واحد " من صاحب الأنفاس المضطربـة؟ "، كُنَّا شتاتًا وما زلنا! لا أحد سيشعُر بحجم حُزني لأن لا أحد سيفهم معنى أن تستيقظ عيناك ولا أحدٌ بجانبك، لا عائلتك ولا أصدقائك، لا أحد سيفهم معنى أن تنظر للسقف دُون أن يطِّل أحدٌ عليك، لا أحد سيفهم معنى أن تجلس على الطاولة وحدُك دُون أن تُذكرك أمك بالتسميَة، دُون أن يُصحح أبيك بعثرة خُطاك، لا أحد سيفهم معنى أن أشتاق لعائلتي بهذه الصورة المؤذيَة! هُم اللذين لا أعرفهم ولا يعرفوني، اللذين يحسبون أنني راضيَة بحالتي، أنني سعيدة بفقداني لذاكرتي/لحياتي، هُم لا يعرفون كيف أنني أنام على أملٍ ان أتذكر أيامُ أمي الأخيرة، وضحكات أبي المودِّعـة، هُم لا يعرفون كيف أن 5 سنواتٍ من عُمري تغيب عنِّي فجأة! أستيقظ وأراها تبخَّرت!!! لا أحد سيفهم معنى ان تكُون وحيدًا إلى هذا الحد؟ لا عزيز و لا هديل بجانبي، لا أحد. ردَّ ليْ يالله ذاكرتي وحياتي.
تبللت ملامحها بالدمع، " موحشـة الدنيَا بدونكم! " مسحت على جبينـه وهي تشعرُ بوجعه، بألمه، بحافةِ دمعه.
تحرَّك بإختناق دُون أن يفتح عينيْه النائمة، همست بالقُرب منه: ناصر
حرَّك رأسه للأعلى ليغرق بحلمه، أعلى معدلات اليأس/الذبول التي يصل بها الإنسان أن يشعُر بأن منامه واقع.
سقطت دمعةٌ احترقت بمحجرها، ادركت بإحساسه بها، وضعت كفَّها على كفِّه لتُردف : ناصِر
مازال مُغمضًا نائِمًا بسلامْ، يمرُ صوتها لحنَّا شجيًا، لانت ملامحه بإسمه الذي يعبر لسانها، أوجعها بتعابيره المبتسمة، أوجعها بأنه يعيشها " حلم ".
انحنت عليه وشعرُها يتجه نحو كتفها اليمين لينتثر بجهةِ واحدة كستارِ ليلٍ مظلم، بحزن: لا تسوي كِذا! . .
سالت دمعةٌ يتيمـة من عينِه اليسرى التي مازالت مُغمضة، مسحتها بكفِّها الناعمة لتُقبِّل جفنـه النائم دُون أن ترفع رأسها، ضعِفت كل قوَّاها أمام دمعته، تأكدت أنه يحلم، أنه يحارب واقعه بالأحلام.
تنفست سُمرتـِه وهي تدسُ أنفها بملامحه اللينـة، أما أنت مازلت أكثرُ الرجال طغيانًا، في صخب رجولتـِك وإتساع وسامتُك، في صوتـِك الذي يُودع للكلمات ضياءها، مازلت يا ناصِر فارس أحلامِ الصبَا.
رفعت جسدِها قليلاً لتنظرُ إليْه بوضوح، ثبتت نظراتها بعينيْه حتى فتحها بهدُوء، نظر إليْها بغصَّات السنين التي مرَّت في سنـةٍ واحدة، نظر إليْها بحُزن الثكالى واليتامى، أمال رأسه بإتجاه شَعرِها المنسدِل، نظر بضياعٍ شديد.
غادة: إحكي ليْ! . . أبي أسمعني فيك.
ناصر ببحة: ضعنا يا غادة
غادة بهمس وعينيْها لا تتوقف عن البكاء:أششش! .. سولف ليْ خلّ آخر التعب لقَى
ناصِر: وين اللقَى؟
غادة تُغمض عينيْها وجسدِها يُلاصق جسدِه، تنتقل رعشاتها إليْه بخفَّـة: وش يعني لو ما قدرنَا نعيش؟ وش يعني لو ما بنينا من أحلامنا حياة؟ وش يعني لو شابت ملامحنَا ولا كبرنَا؟ وش يعني لو ذاب الورد في إيدينا؟ وش يعنِي لو أمطرت السمَا وعيَّـت لا تسقينَا؟ وش يعني لو نغيب؟ نغيب ونلتقي في مقطع قصيدة
ابتسم بوجَع ليرفع ظهره عن الأريكة ويجلسُ بجانبها، نظر إليها بشحُوبِ ملامحه، نظراتٌ تسطع على جدار قلبها: يعني اننا انكسرنا، نعيش على البركـة
غادة: على أساس أننا عايشين بتخطيط وما نسمح للعشوائية تخرِّب حياتنا!
ناصر: لمَّا قلبك يخطط بدون لا يرجع لك هذا يعني أننا محنا عايشين بعشوائية، لمّا تصحيني كل صبح بصوتِك وتنتظريني عند نهاية الشارع، لمّا أوصلك لين الجامعة وأرجع آخذك، لمَّا أسولف لك عن أتفه الأمور وأبسطها، لمّا نسهر وندوِّر الأعذار حتى نغطي فيها أخطاءنا، بس كانت أخطاءنا تسعدنا! كنّا نتجمل فيها، وكنت أرجع وأنام على صوتِك . . . كل هذا يا غادة تشوفينه عشوائية؟ هذا الروتين كان وجودك يرتِّب فوضويـته.
غادة تُخفض رأسها لتُردف بضيق يتحشرجُ به دمعها: أبي أتذكر كل هذا! . . بس مو بيدي . . والله مو بيدي
ناصِر : آسف
إلتفتت عليه بحُمرةٍ تتسلق عينيْها.
ناصر : لأني ما عرفت ألتقي فيك إلا بالحكي!
غادة : ناصر
ناصر : لبيه
غادة : سولف لي عنِّي . . خلّ اللي ماعرفت استرجعه ألتقي فيه بصوتِك
ناصر بعُقدة حاجبيْه نظر للنافذة والثلج يتساقط على لندن بوِفرة، مدّ ذراعه نحوها : تعالي
اقتربت منه لتضع رأسها في حضنه، استلقت على الأريكـة لتُغمض عينيْها الباكية: قولي عن اصغر التفاصيل.

،

وضعت يدها على صدرها الذي يرتفع كريحٍ مُحمّـلة بالبرودة، نظرت للمرآة التي أمامها ويدِها الأخرى تغرزُ أظافرها بـ/ مسكَةِ الورد المنتشي بين أصابعها، الممر الذي يفصلُ حياة عن حياةٍ أخرى ليس ممهدًا أبدًا، المرُور نحو الزواج ليس بالسهولة التي تخيّلتُها، أشياء كثيرة تحدث فيّ لا أعرفُ ماهيتُها، رعشـَةً أطرافي ماتزال ترنُّ في إذني، صوتُ قلبي يسعلُ بضوضاءِ نبرته، أشعُر بأنني أتلاشى وأذوب، كل شيء أمامي ينعدِم ويعطب، أشعُر بأنني متراجعة مترددة، يالله! أحسُّ أنني تسرعت، كان من الممكن أن لا أوافق بهذه البساطة، كان من الممكن أن نؤجل هذا الزواج لأجلٍ غير مسمى، أو رُبما مسمى بسكُون قلبي، بصوتٍ داخلي يشدُّ عزمها " يالله يا هيفا! أنبسطي . . أنبسطي " ، بدأت تقرأ في داخلها كل الآيات التي تحفظها بمحاولةٍ ناعمة لتهدئة الربكة التي تُرعش حواسَّها، اللهم حببني الى قلبه وجملني في عينه واستر عيوبي عنه واستر عيوبه عني وألف بين قلوبنا واجمعنا في الفردوس الأعلى من الجنة. . . اللهم يا كريم.
طلَّت ريم عليها لتُردف : جوّ! . . .
هيفاء بلعت ريقها : تكفين جيبي لي مويَا
ريم بإبتسامة مُطمئنة : سمِّي بالرحمن . . ولا تتوترين كثير . . مدّت لها كوب الماء لتشربه بدفعة واحدة.
هيفاء ويدها مازالت تربت على صدرها : أحس قلبي بيوقف
ريم كانت ستتكلم لولا دخول أم فيصل، إتسعت إبتسامتها لتُردف: جاهزة؟ عشان تنزلين؟
هيفاء بإبتسامة مرتبكة : آآ . . آيه
أم فيصل بصوتٍ عذب قرأت عليها للحظاتٍ طويلة حتى ضجَّت الهواتف بإتصالاتِهم، خرجت والدته لتتبعها ريف الصامتة المُحدقة بإستغراب لهيفاء ولهذه الأجواء، بتوتر: يالله
ريم ضحكت : مستعجلة!
هيفاء أشتعلت حُمرتها بخجلها: لا .. أقصد . . طيب ريم ممكن تآكلين تبن؟
ريم بإبتسامة : ممكن يا ستِّي . .
ثانيـة، ثانيتيْن، رعشـة و رعشتيْن، ركض الفرح إلى عينيْها الداكنتيْن لتتلألأ بالدمع المتغنج بعذوبـةِ محجرها، ابعدت أنظارها عن ريم التي التقطت بكاءها الصامت، ريم بضيق وهي تتجه نحوها: لا تبكين!
هيفاء رفعت عينيْها للأعلى حتى تُبدد الملح الذائب في عينيْها، فرحٌ شاهق يُصيبها بربكة، تأتِ الأفراح دائمًا بربكـة عكس الأحزان التي تجيء برتابـةٍ واضحة : طيب يا حمارة! أنتِ تبكيني
ريم بضحكـة عانقتها لتسقط دمعتها الناعمة على خدِها : ماسكة نفسي من اليوم وأقول ماراح أبكي! . . شدَّت على جسدِها بعُمق السعادة المتشكلة في صوتها : الله يوفقكم يارب ويهنيكم ويسعدِكم . .
هيفاء همست: آمين
ريم ابتعدت لتنظر إليْها بفرحٍ شديد : يالله ننزل . . .
هيفاء تمتمت وهي تضع يدها على بطنها لتأخذ نفسًا عميق : بسم الله الرحمن الرحيم ، نزلت من على الدرَج الشاسع بعِرضـه، الشاسعُ بمسافاتِ القلوب التي تُحبها و تنتظرها، رفعت عيناها لتنظرُ لملامحهم المبتسمـة الطيبـة.
للمرة الأولى أشعرُ بأنني شخصٌ آخر، بأنني عبارة عن أشخاصٌ كثر يعيشون داخلي، عندما نظرت لهم رأيتُ الفرح كغيمٍ مُبارك فوق رأسي، ولكن هُناك شيء يُجمِّد خطواتي ويُبطئها، أنا سعيدة! أنا لستُ اعرف ماهي السعادة تحديدًا. جديًا أنا أنسى مفاهيم الحياة و قوانينها الوضعيـة والفطرية أيضًا، لا أعرف إن كُنت سعيدة، ولا أعرف إن كنت حزينـة، فقط أشعُر بأنني خفيفـة كجناحِ طائر، و ناعمـة كملمسه، أشعُر بالإنتماء للحياة، لأصلِ الحياة، *إتسعت إبتسامتها حتى بانت أسنانها العلويـة في اللحظة التي رأت بها والدتها* فخورة بأنني أتنفسُ مثل الهواء الذي يدخلُ إلى رئتيْكِ يا أمي.
سالت دمعـة رقيقة لتثبت أقدامها على الرخام، اقتربت من والدتها لتُقبِّل جبينها ورأسها وتنحني لكفِّها،بكَت بعاطفة الأمومـة التي لا تقوى مهما كانت المسافات ضئيلة بوداعِ ابنتها : الله يهنيك يا يمـه و يحرسك بعينه اللي ماتنام
هيفاء : آمين . . .
إتجهوا نحو الصالـة المنزويـة في القاعة بقُرب الباب الرئيسي، سمعت أصواتهم الخشنـة التي تنبأ عن قُربهم . .
أغمضت عينيْها بنفسٍ عميق تستجمع قوتها، لتفتحها على ملامح يوسف، اقترب منها وقبَّل رأسها: مبرووك يالشينة
هيفاء تهمسُ بقرب إذنه: على الأقل أجبر خاطري بكلمة حلوة
يوسف بضحكة : مبروووووووك يا هلي أنتِ . . يا بعد طوايفي!
هيفاء إبتسمت بعناقها الحميمي معه: الله يبارك فيك
يُوسف بضحكات السعادة التي تشاركها معها، رفعها قليلاً عن مستوى الأرض ليُردف وهو يرفع عينيْه إليْها : الله يهنيكم يارب ويرزقكم الذرية الصالحة
هيفاء بدمعتيْن مرتعشتيْن همسَت : آمين
ابتعد يوسف ليُتيح المجال لمنصور الذي قبَّلها على جبينها بعُمق الحب والسعادة في قلبه: مبروك يا روح أخوك، الله يهنيكم ويوفقكم
هيفاء أضاء الدمع في محجرها : الله يبارك فيك . . وين أبوي؟
يوسف : بيجي الحين مع فيصل
منصور اقترب من والدته ليُقبِّل رأسها: ورينا إبتسامتك؟ مفروض الحين السعادة مو شايلتك
إلتفت يوسف عليهما ليُردف بخُطى مقتربـة : لا ما تسويها ريّانة وتبكي!!
ضربته بخفَّة على كتفِه ليبتسم حتى بانت أسنانه، قبَّل جبينها وهو يعانقها، بخفُوت : وش دعوى يالغالية تبكين؟ يكفيها دعواتِك وتجيها السعادة كاش! . . بس لا تضيقين صدرك
ابتعد قليلاً للخلف ليسمع أصوات الغنَاء تضجّ بين الجدران، بفرح غامر أخذ والدته ليُراقصها ويغنِّي لها، رفع " عقاله " ليُشاركه منصور ليرتفع سقف شاهق من الفرح والسعادة، دخلت ريم لتتسع إبتسامتها عندما رأتهم، هذه الفرحة مغريـة للتجسيد،للرسم،للكتابة،للتصوير، لكل الأشياء الجميلة، مغريـة جدًا بأن تكون كالوسم في صدورنا، لا شيء أعمق من عاطفـة العائلة إن اجتمعت، لا شيء أسعدُ من ضحكاتهم و جديلة الفرح المعقودة على رأسِ أمي، خفتت الأصوات لتجلس والدتهم بسعادة لا تُقدَّر بمقدار.
ريم بنشوة الفرح: ما بعد جوّ؟
يوسف: للحين تلقينهم بالزفّة انا ومنصور قلنا نجي قبلهم . . تعالي بس صورينا
ريم: لحظة . . أخذت الكاميرَا لتثبتها على الطاولة وهي تضع علبة المناديل تحتها، وضعت المؤقت لتهرول سريعًا نحو " الكوشـة " انزلقت ليمسكها يوسف وعلى صدى ضحكاته العاليَة إلتقطت الصورة.
والدتها : بسم الله عليك!
ريم بهيستريَة ضحك : رجلي ما عاد أحس فيها!
يوسف جلس بإستنزاف الضحك: عز الله أنه وجهك ينقص حظ الواحد!
ريم رفعت نفسَها لتقف بثبات: إيه طقطق عليّ هالمرّة مسموح!
يوسف رفع حاجبه بإبتزاز واضح: طبعا مسموح!
ريم شتت نظراتها بحرج لتُردف: طيب يالله بسرعة روح أنت أضغط على الزر اللي على اليمين عشان نصوّر قبل لا يجون
منصور مسح وجهه من الضحك الذي غرق به: قسم بالله عايلة محششة! . . أخلصوا يالله
يوسف ضغط الزر ليقف بجانب هيفاء و الإبتسامات الزهريـَة تُجمِّدها " لقطة ".
ريم تنظر لجمُود هيفاء لتلفظ : هيوف بلعت العافية!
يوسف يُشير بيدِه أمامها: بوعيْك؟
هيفاء بضياعٍ تام: إيه
يوسف بإبتسامة : ريلاكس . .
هيفاء تنهدَّت : أحس بيغمى عليّ
يوسف: أصبري بس دقيقتين وأغمي على صدره
والدته : يوسف!!! . . لا توترها
يوسف بإبتسامة: نمزح! . . هيفا طالعيني . . . نظرت إليْه ليُكمل . . الحين الواحد كم مرّة بيفرح مثل هالليلة؟ حرام تضيع بتوتر وضيق؟ أفرحي يا بنت عبدالله ولو تبين ارقصي! . .
هيفاء ابتسمت لتُردف وهي تتنهد لتهدئة رعشاتها: طيب . . طيب
منصُور : جوّ . .
ريم : لحظة بطلع . .
يوسف إبتسم لها إبتسامة ذات معنى حميمي عميق، إبتسامة تُسكِن رعشاتها وتُطمئنها، إبتسامـة أخويـة علوِّها شاهق.
دخل والدها وعينيْها تضيعُ بالأقدام والأرض، اقترب منها ليقبِّل رأسها: مبروووك . . الله يهنيك يا يبه ويحفظك بعينه
هيفاء رمشت لتسقط دمعة جاهدت أن تحبسها في محجرها، برجفة صوتها: الله يبارك فيك . . قبَّلت رأسه بوضعٍ لا تعرف كيف تصف مشاعرها.
سقطت عينها عليه لتُشتتها بعيدًا، مسك عبدالله يدِ فيصل بحنيـةِ الوالد الغائب: الله يهنيكم ويرزقكم الذرية الصالح
بإبتسامة صاخبة تُقيم أعراسًا في قلب هيفاء، أتى صوتُه المُسكِر : اللهم آمين . . إلتفت نحو أم منصور ليقبِّل رأسها.
أم منصور : مبروووك يا فيصل منك المال ومنها العيال
فيصل : الله يبارك فيك . .
ارتعش للحظة وهو يقترب من هيفَاء، تجمدَّت أطرافه ليُثبت أنظاره بإتجاهه، عيناه تخذله ولا تنظر إليْها، تشتت بملامح الجميع عداها، بإبتسامة جعلت أمر الكلمات صعبـَة، نطق بعُمق الربكـة: مبرووك
هيفاء بعد ثواني طويلة همست بخفُوت : الله يبارك فيـ . . فيك
لحظاتٍ طويلة كان الصخب في كل مكان عدا قلبيهمَـا، صُمَّت أسماعهما أمام تصاعد الفرح، صمتٌ ينام على شفاههم و كلمات المباركة تتهاتفُ عليهما، تمرُ الدقيقة تلو الضحكَة، وتمرُ الثانيـة تلو الرعشـة، تتكاثرُ الدقائِق وتزداد ربكتهُما.
توقعت أن لا ارتبك، أن لا تضيع الكلمات من حافـةِ شفاهي! ظننتُ أنني بمزاجيـة جيِّدة لحفل زفاف لا أكثر، ظننتُ هذا حتى وقفت أمامها، أُدرك أنه أسأت الظن بحجم دهشـتي والفرح المنصَّب في قلبي، أنا على يقينٍ تام أنني سعيد فوق كل الكلمات المختصرة والمنضبة على أمرها، سعيد جدًا بعينيْها.
خلَت الصالة المتوسطـة بحجمها مقارنـةً بصالة الفرح الرئيسية التي يقف عليها أحبابهم، دخلت ريف المهرولـة بعبث فستانها القصير، أنحنى إليها فيصَل ليرفعها ويغرق ملامحها البيضَاء بقُبلاته.
همست بشغب: مبروووك
ضحك بنبرةِ صوتها الناعمة التي تلفظ الكلمات بطريقة التسميع : الله يبارك في الشيخة ويخليها
إبتسمت لتنظر لطرفِ بشته الأسود بذهول عقلها الذي يكتشف رداءً جديدًا، من خلفها والدتها، اقتربت منه ليعانقها بقُبلة عميقة على رأسها.
: مبروووك يا يمه
فيصل: الله يبارك فيك
أبعدها حتى ينظرُ لعينيْها المكتظة بالدمع، بإبتسامة: وش قلنا؟
والدته بلعت غصتها لتُردف بإبتسامة فسيحة: الله يوفقكم يارب ويهنيكم . . اقتربت من هيفاء التي تنصهر بحرارة جسدها المرتفعة تدريجيًا، عانقتها لتمتص رجفة جسدها.

،

في ساعاتِ الليل الأولى بأقصى بقاع الأرض، مُستلقي على السرير بملامح الأموات الشاحبة الباردة، ينتظرُ بصيص أمل في الحياة ولكن لا إنتظار يكسبُ به.
جلس الدكتُور ذو الجنسيـةِ الكويتيـة بمُقابله: شلونك اليوم يا تركي؟
تركي : تمام
الدكتور: عارف أنه ماهو مسجّلة هالليلة في مواعيدنا! بس تدري يا تركي أنا أحس بمسؤولية إتجاهك خصوصًا! يمكن عشانك سعودي وقريب مني! وممكن لأني ماني راضي على حالك ولا راح أرضى . . . اشرح لي شلون تمام؟
تُركي بضيق الكرة الأرضيـة المتحشرجة في صدره : ماني تمام! . . أنا اشتقت لها ليه ماتفهموني!!! أنا ما أبي أضرّها . . والله ما أبي أسوي لها شي . . أبيها سعيدة دايم
الدكتور: و الضرر في داخلك وش تفسره؟
تركي: ما أبي أبكيها
الدكتور: بس أنت بجيتها؟ صح؟ *بكيتها*
تركي: هي تفهمني غلط
الدكتور: لأنك كسرتها . . تصوَّر معي لو رجعت لورى! ليوم الحادثة! . . بتسوي نفس اللي سويته؟
تركي: لا
الدكتور: يعني أنت معترف أنك غلطت! والإعتراف هو بداية التصحيح . . يا تركي أفهم شي واحد المسألة ماهي غلط في دينك وفي بيئتك بس؟ هالمسألة فطرية! غلط في كل حضارات هالعالم من أنخلقت البشرية! . . كيف تشوف واحد ينجذب لأمه؟ يشتهي أخته؟ . . غلط هالشي يا تركي ولا لأ؟ حتى أكثر المجتمعات تحرر ما تقبل بهالشي! فكيف بديننا؟ . .
تركي بحُرقة صدره الذي يشتعل: أنا أحبها! أبيها دايم قدامي! بس أسمع صوتها!! . . ارتاح لما أشوفها يا دكتور ياسر
ياسر: إبن تيمية رحمه الله قال كل من أحب شيئا لغير الله فلا بد أن يضره محبوبه . . محد بيساعدك بعد الله الا نفسك . . حاور نفسِك وشوف أنت شنو اللي تبي توصله؟ .. حُبك ماهو لله وكل شي ماهو لله مخالف للفطرة الصحيحة . . أنت أنخلقت وفي داخلك إنتماء للي خلقك، وكل أعمالك هي نابعة من إنتماءك للخالق! أنت ليه تصلي؟ ليه تصوم؟ ليه تستغفر؟ ليه وليه أشياء كثيرة؟ كلها بسبب واحد اللي هو رضا الله . . رضا من خلقك . . تخيَّل معي أنك تعزم شخص لبيتك وتكرمه وتضيّفه لكن بعد فترة يجحدِك ويبدأ يسيء بأفعال كثيرة ممكن ما تنتقص منك شي بس تضايقك لأنك قدمت له أشياء كثيرة لكن هو ما قدَّرها! . .ولله المثل الأعلى! كيف ببساطة تجحد سنين من عُمرك رزقك فيها الله الأكل واللبس والأمان والإستقرار! . . كيف تجحدها يا تركي؟ انا أكلمك الحين بمبدأ فطرِي . . بعيدًا عن تصرفاتك اللي طافت!
تُركي بلا جواب ينظر للنافذة التي يتساقط عليها الثلجُ بكثرَة، ياسِر : أنا ماأقولك غيّر نفسك بيوم وليلة، ما اقولك خلاص لا تحب هالإنسانة! . . أنا أبيك توقف وقفة صادقة مع نفسك اللي بكرا راح تحاسب عليها! . . خلني أعطيك إياها على بلاطة على قولتكم في السعودية . . أنا ممكن ما قدّمت شي في حياتي صالح! لكن مستحيل مستحييل أحد يرضى يعيش بعكس فطرته . . طيب خلاص تبي تعيش على هواك! ماعندي مشكلة عِيش مثل ماتبي لكن هل أنت سعيد؟ . . مو سعيد يعني شنو اللي استفدته؟ . . قاعد تتعذَّب! لكن تصوّر لو كان هذا حُب عفيف من إنسانة ما تحرم عليك! . . يا تركي أبي أوصلك شي واحد . . أننا احنا كلنا نغلط . . أنا غلطت في حياتي وأنت غلطت وكلنا غلطنا! لكن خيرنا التوابين . . . . أنت دمرت نفسك! ودمرت علاقتك بأهلك كلهم! . . ونفسك توّ تقول لو يعيد الوقت نفسه مستحيل تكرر فعلتك . . يا تُركي أنت قادر! الله عطاك نعم ماعطاها لغيرك . . شدّ على نفسك شويّ وجدد وصلك بالله . . وكل أمورك بتتسهَّل وماراح تحتاج لا لدكتور ولا غيره . .
تسقط دمعة حارِقة من محجر عينِه اليسرى دُون أن يخرج صوتـِه بكلمة، يتعذبُ بحبها وبإشتياقه لها.
ياسر: خذيت لك إذن من المستشفى! . . بكرا راح آخذك لمكان تغيّر جو فيه ونفضفض شويّ . . تمام؟
تُركي بصوتٍ مخنوق : والله العظيم أني فرحت لما حفظت القرآن . . والله العظيم ما أبي أضرّها
ياسر وقف ليقترب إليْه : وأنا والله العظيم مصدقك . . وراح تفرح أنا متأكد لما تعرف أنك صححت نفسك!!

،

يُقطِّع البرتقالة بسكينٍ حاد ليرفع عينيْه : حمار! ماعليك شرهة
أنس: أنا وش يدريني! قلت ناصر واضح بالصور مايحتاج أكتب تلميح عنه . . يكفي بوسعود
عُمر: كِذا ولا كِذا الحين بتلقى عبدالعزيز أنهبل!!! بيشك في ناصِر وساعتها ..
يتصنع النبرة الطفولية بخبث ليُكمل : نتصل ونقول تعالوا يا جماعة! لقينا القاتل يدور في الشوارع
أنس بضحكة : عاد لو يجيب أحسن محامي ماراح يطلع من هالقضيَة! كل الأدلة تدينه . . بيخيس في السجن لين يقوده الشيب!
عُمر يُلحن الكلمات : و بيتفككون! . .
دخل أسامـة لينظر إليهما بتقزز: وين سليمان؟
عُمر: وش فيك تكلمنا من طرف خشمك؟
أسامة يجلس بمُقابله ليسحب جزء من البرتقال ويمضغه : احس رائد شاك فيني مع أنه ما تصرف بأيّ شي يخليني اشك بس كلامه معي يشككني
عمر : اللي على راسه بطحا يحسس عليها! . .
أسامة : مانيب ناقصك . . وين سليمان؟
أنس: فوق . . ما قلنا لك وش سوينا؟ . . أرسلنا صور يحبها قلبك لعبدالعزيز وكتبنا له بعد
عُمر : أنت اللي كتبت له لا تجمعني معك !
أنس تنهَّد : المهم خليناه يولِّع وراح يشبها قريب في بوسعود وسلطان . . عرف عن موضوع أخته
أسامة لاحت إبتسامته : وش هالأخبار الحلوة؟ . . وسليمان يدري؟
أنس : لا بنبلغه بس هو حاط عليّ أنا و عُمر فخلنا مؤدبين هالفترة قدامه
أسامة : وخله يدري والله ثم والله لا يجيب أجلك أنت وياه! . . مهبّل تتصرفون من كيفكم!
عُمر تأفأف ليستلقي على الأريكة: أكرمنا بسكوتك وخلني أستمتع بروقاني! . . أحمد ربِّك ماجبت معي بنته
أسامة رفع حاجبه : بنته!
أنس بحماس : بنت بوسعود الثانية كانت موجودة و زوجته بعد
أسامة : بنته اللي هي زوجة عبدالعزيز؟ أنهبلتوا!!!
عُمر : لمحتها بس مدري هي ولا زوجته . . بس زينهم والله من زين أبوهم! ولا اللي يشوف عبدالرحمن وش يقول؟ . . سبحان الله يخي فيه ناس مهما يكبرون تبقى أشكالهم ثابتة وشباب . .
أسامة: لمحتها! وفصلتها تفصيل ماشاء لله على عيونك
عُمر : أصلاً هم ما يطلعون من البيت . . بس يوم غيّرت مكاني ورحت ورى شفتها وهي داخلة! . .
أسامة : وشسمها ذي اللي جابها فارس! بنته الثانية بعد تشبه أبوها!
أنس: قضت السوالف صرتوا تسولفون بأشكال الحريم بعد!
عُمر: خلنا نتمتع يا حبك للنكد! . . كيف شكلها بنته اللي عند رائد؟
أسامة : شفتها مرة وحدة! ما ركزت بس تشبه أبوها . . نفس عيونه
عُمر : والله شكلها بنته اللي شفتها! . . تخصص عيون . . هي وين راحت مع فارس؟
أسامة بعصبية: مدري عنه هالكلب! . . أنا مستغل حالة حمد الحين أبيه يخرب بينه وبين الكلبة اللي معه بعد
عُمر بضحكة: وش فيك خربتها! توّك محترم صارت الحين كلبة!
أسامة : أنت ماتدري! يقولك أبو سعود معلِّم بناته على الرمي والفروسيـة بعد! ماتشوف مزرعته كنك داخل ساحة حرب!! . . أنا أحس بنته ذي اللي مع فارس وراها شي! . . مستحيل فارس كِذا يشك فيني! لأنه كان نايم وأنا متأكد أنه نايم
عُمر : والله عاد الحين يا ولد أبوك مستحيل تتعدل علاقتك مع فارس! شاك فيك شاك! ولا وصل شكه لرائد منت معيّن خير
أسامة : حمار أنت! مو المشكلة صارت قدام رائد بس ما شك ولا قال شي لأن دايم فارس يتبلى علينا يعني متعوّد
عُمر رفع حاجبيْه بإستغراب: رائد مو غبي! . . والله مدري يخي حتى بناته شقَا الله يآخذهم
أسامة : بس أنت ملاحظ معي! بناته كلهم الله معذبهم! . . إثنينتهم تزوجوا بدون رضاه!!!
عُمر : والله ياأني ذيك الليلة مانمت من الوناسة! أنا يوم عرفت منك أنه عبدالعزيز قال لرائد أنه زوجته وأنا قايل بتصير مصايب قومية بينهم! . .
أسامة: أصلاً هذا الموقف اللي تقربت فيه لفارس وعلمته قلت كود يحبني! بس جحدني الكلب عقبها!!
عُمر : لأن فارس داهية! والله داهية وقلت لك إذا أنت تفكر بعقل واحد هو يفكر بعقلين الله يآخذه أخذ عزيزٍ مقتدر!!! . . قسم بالله مب صاحي! تحسه يتعاون مع الجن! كل شي يعرفه . . كل شي يدري فيه قبل أبوه . . المشكلة أنا مايخوفني الا سكوته .... ذولي اللي يجونك هاديين وكلامهم قليل يرعبون يخي! . .
أسامة : أنا بس آمنت بشي واحد من عقبه! أنه الواحد مفروض ما يخاف من الناس الأذكياء واللي يبينون ذكاءهم مفروض يخاف من الناس اللي يبيّنون غباءهم! . . ماتوقعت أنه فارس بهالصورة الوحشية يا رجل!!
عُمر : والله أني قلت لك من سنة جدي! أنه فارس شيطان مثل أبوه وألعن!
أسامة: يالله هذانا استفدنا من هالدرس! عشان ثاني مرة نفتح عيوننا على اللي مسوين نفسهم مايدرون وين الله حاطهم!!
عُمر : تدري وش طينته؟ نفس عبدالعزيز لكن عبدالعزيز يآكلك بلسانه أما ذا هادي وهدوءه يخوّف! . .
أسامة ضحك وهو يسترجع موقف عبدالعزيز مع رائد : الله لا يحطك في لسان عبدالعزيز! ما شفته يوم هرب من رائد . . مسح فيه البلاط ..
عُمر بحسرة : آآآخ ليتني كنت موجود! لين يومك ذا وأنا متحسف ودي أشوف وش سوَّا فيكم!
أسامة: وذا اللي هامك! قلبي كان حاسّ أنهم ما اختاروا عبدالعزيز عبث! لعنبو إبليسه قدر يهرب مننا كلنا!
عُمر : لأنكم حمير مع كامل عدم إحترامي!! .. هو وفارس شياطين الله يآخذهم بحريقة تحلل جثثهم

،

الساعـة تُقارب للثالثة فجرًا بتوقيت الرياض الناعسـة، وقفت خلف الباب كثيرًا، ترددت بفتحه للحظات طويلة لتعود بخطواتها للخلف، نظرت لنفسها بالمرآة، بربكـة أخذت شعرها المنسدل على كتفيْها لجانبٍ واحد، اقتربت من باب الغرفـة وهي لا تعرف كيف تخرج بثبات، مرَّت ساعة كاملة على كلمته الأخيرة " بنتظرك هنا " ، لابُد أن إنتظاره طال ولا بُد أن العشاء قد تجمَّد بالبرودة أيضًا، يارب.
تنفست بعُمق لتفتحه، نظرت للجناح الذي يبدُو فارغـًا، إلتفتت لتبحث عنه بعينيْه ولم تراه، بخُطى خافتة اقتربت للجانب الآخر من الجناح لترآه يُصلي.
تراجعت للخلف لتعود للصالـة، جلست على الأريكة وهي تنتصب بظهرها متظاهرة بأنها لم تراه، جمعت كفيَّها في حُجرها لتثبت أنظارها على الطاولـة. شعَرت بأن اللحظات تنخفضُ حرارتها.
سلَّم فيصل من صلاته ليقرأ بعض الأذكار التي يحفظها عن ظهر غيب، غرق بتفكيره وهو جالس على السجادة، يشغلُ فضولـه كيف من الممكن أن المكياج يغيِّر لونها بهذه الصورة؟ قبل فترة كانت سمرَاء فاتـنة والآن بيضاء أشدُ فتنـة. قرَن كل تساؤلاته بأنَّ كل هذه أدوات المرأة الخارقة التي لا يفهم منها شيء، وقف ليطوِ السجادة ويضعها على الطاولة، تنهَّد بعُمق ليتجه بخُطاه وتسقط عينيْه عليها، وقف وهو يتأملها من الخلف، غاصت نظراته بشعرها المموَّج الذي تُحركه بأصابعه مرةً لليمين ومرةً لليسار، تبدُو الربكة واضحة من رعشة أصابعها التي تتلاعبُ بخصَلِ شعرها، دقيق جدًا لأبسطِ التفاصيل، للقرط الذهبي الناعم الذي يُزيِّن لحمةُ إذنها، للسلسال الذي يُقيِّد معصمها اليمين، لأنفاسها المضطربـة التي يصِلُ صداها نحوه، تنحنح ليتقدم بخُطاه المتوترة أكثر منها، أصطدم فكيّها بربكة دُون أن ترفع عينيْه نحوه.
فيصل لا يعلم ما سر الضحكة التي أقتربت من شفاه، حبسها في داخله خشية من أن يُقال عنه " قليل ذوق "، توتَّر ولا يعرف ماذا يقول : آ . . حكّ عوارضـه القصيرة المرتبـة . . آآ . . خلينا نتعشى!
هيفاء شدَّت على شفتها السفليَة حتى لا تفلتُ منها إبتسامة بمسماها " قليلة حياء "
فيصل وقف ليأخذ كوب الماء الذي أمامه ويشربه بدفعة واحِدة، إتجه نحو الطاولة التي تتوسط المكان ليعود للخلف فهو يُدرك تمامًا من الذوق أن تتقدم النساء أولاً، هيفاء تنحنحت هي الأخرى من التوتر الكبير الذي يُصيبها، جلست بمُقابله ولا صوت يصدر منهما ولا من الأطباق التي أمامهما.
فيصل تمتم: أستغفر الله . . مسح على وجهه ليرفع عينه إليْها . . تمنى لو لم يعتمد على نفسه بهذا الأمر، لم يتوقع ولا لـ 1% أنه سيحصل على كل هذه الربكـة والتوتر، في داخله أجزم بأنه كان يحتاج أن يستمع لنصائح يوسف حتى لو أتت " حقيرة " بمفهومه.
بعفويـة : معليش بس ماني متعوَّد
هيفاء حبست ضحكتها من الربكة ليخرج صوتٌ بسيط ينبؤ عن حبس هذه الضحكة.
فيصل إبتسم بلا حول ولا قوة ليُردف : أقصد . . تنحنح قليلاً . . يعني . . وش رايك نآكل ؟
هيفاء رُغمًا عنها أفلتت إبتسامة ناعمة على محيَّاها دُون أن تضع عينها بعينيْه.
فيصل يشرب كأس الماء الثاني بدفعة واحِدة.
هيفاء أخذت كأس الماء لتشرب رُبعه تُخفي به حرارة الربكة .. مرَّت الدقائق الطويلة دُون أيّ صوتٍ يذكر سوى إصطدام الملاعق بالأطباق، لا حديث يُجرى بينهما وسط ربكـة تامة تصِل لأقصى مدى.
فيصل رفع عيناه إليْها ليسرَح بها، أطال النظر وغرق بتفكيره، حتى شعرت بنظراته المصوَّبة بإتجاهها، إلتقت عيناها بعينيْه وسُرعان ما شتتها.
حسّ على نفسه ليضع ذراعه على الكرسي الفارغ الذي بجانبـه: فيك النوم؟
رفعت عينيْها بدهـشة أحمرَّ بها جسدها بأكمله، أخفضت نظرها باللحظة التي أندفعت ضرباتُ قلبها إتجاه صدرها بقوَّة.
فيصل تشنجت شفتيْه التي أفترقتَا بمسافةٍ قصيرة : آآ . .مو قصدي .. أقصد قلت عشان . . نجلس بس هذا كان قصدي . . أنه يعني إذا مرهقة وكذا
صمتَا لثواني طويلة ليُردف بخيبة أمل كبيرة في تصرفاته التي تأتِ بالمعنى النجدي البحت " جاب العيد " : أنا آسف . .
هيفاء بلعت ريقها بصعُوبـة، لتقف: عن إذنك . . إتجهت نحو المغاسل.
فيصل تنهَّد ليمسح على وجهه بلومٍ لاذع لقلبه، سمع صوت المغسلة التي خلفه دُون أن يلتفت، حسّ بوقاحته للحظة.
أخذت نفس عميق وهي تمسح يديْها بالمناديل الورقيـة، وضعت يدها على خدِها المشتعل بالحرارة، اقتربت بخُطاها نحوه لتعود لمكانها، أخذت كأس الماء لتشرب نصفِه برعشة تامة.
فيصل بدأ يُحرِّك الشوكة بطبقه دُون أن يأكل لقمة واحدة، تفكيره ينحصر بدائرة واحدة هذه اللحظة " كيف أقول جملة مفيدة؟ "، أيقنت أن ليلة الزواج مُربكـة لأشدِ الرجال. لم يرفع عينيْه منذُ جلست.
ودّ لو يحدثُ أيّ شيء أمامه حتى يتكلم عنه ويخترع بدايـةٍ للدردشـة، " ليلنا طويل يا هيفاء ".
اقترب أذان الفجر ولم يفتحَا أيّ حديثٍ تندمج به أصواتهما. تنهَّد ليجذب عينيّ هيفاء ناحيته، فيصل بإتزانٍ أكثر: سولفي لي عن إهتماماتك!
هيفاء بلعت ريقها لتُردف بشعورها القريب جدًا منه، تُدرك حجم ربكته المندرجة بين شفتيْه : آآ . . مدري
فيصل حك جبينه للحظة لينظر إلى عينيْها المضيئتيْن، استغرق تفكيره بها ليُردف : وش تحبين؟ . . وش ميولك يعني؟
هيفاء تشعر بغباءٍ شديد من أنها لا تميل لشيء : بصراحة . . يعني . . مافيه شي معيّن
فيصل : يعني أنا أحب الشعر . .تحبين الشعر؟
هيفاء لا تعلم أيّ إجابة يجب أن تُجيب بها حتى تظهر بمظهر لائق: الشِعر! . . عادي . . يعني . . *تنحنحت لتُكمل* . . أقرأ أحيانا
فيصل : مين تفضلين من الشعراء؟
هيفاء شعرت بورطة حقيقية، لا تحفظ ولا إسم، بدأت تسترجع ذاكرتها أيّ إسم لتُردف : سعود الفيصل . . بدر عبدالمحسن
فيصل بإبتسامة: قصدِك خالد الفيصل
هيفاء تجمدَّت بمكانها من حُمرة/حرارة اندفعت بوجهها، بلعت شفتِها السفليَة من شدِّها العنيفُ عليها، نظرت لكل الأشياء امامها عداه، مسكت قرطها الناعم بتوتر: لخبطت بالإسم
فيصل إبتسم ليحبس ضحكة عميقة في جوفه، أردف: وش بعد؟
هيفاء بإحراج شديد : بس
فيصل : ما تسمعين فصيح؟
هيفاء أدركت فعليًا أنه له ثقافة واسعة بالشِعر تجعلها لا تُفكر بأن تكذب عليه بكلمة : لا
فيصل : و وش تميلين له بعد؟
هيفاء بتوتر تنطق الكلمة بثواني طويلة: ماعندي ميول معيَّن، يعني أشياء كثيرة تجذبني
فيصل بإستدراج لمعرفـة ميولها الفكريـة : وش كانت مشاريعك بالجامعة؟
هيفاء فعليًا شعرت بأنها فاشلة مع مرتبة الشرف أمام توجهاتِ عقله لتُردف ببلاهة : ولا شي
فيصل صمت للحظة ليُردف : ما سويتي شي بالجامعة؟ يعني معارض أشياء زي كذا!
هيفاء : يعني ماكان فيه مشاريع بجامعتنا وكذا . .
فيصل : و متى مفكرة بالوظيفة؟
هيفاء بلعت ريقها : آ . . يعني . . قريب إن شاء الله ببدأ أبحث لأن أكيد ما أحب الفراغ
فيصل : حلو! أشترك معك بهالصفة أكره الفراغ بشكل فظيع
هيفاء أكتفت بإبتسامة بسيطة وهي في داخلها تعلم أنه ثلاث أرباع عُمرها قضته فارغة والربع الآخر قضته بتفكيرها كيف تحول أوقاتها لفراغ.
فيصل : تحبين فن الكولاج؟
هيفاء تجمدت ملامحها ليُردف حتى لا يُحرجها : الكولاج بالصور . . يعني تلصقين أشياء مع بعضها وكذا
هيفاء بصراحة تامة حتى لا تُحرج نفسها أمامه أكثر : ما أعرفه . .
فيصل : إذا جينا بيتنا بوريك غرفة أنا مضبط جدرانها بالكولاج بصور قديمة لي ولأبوي الله يرحمه وللعايلة
هيفاء: الله يرحمه . .
فيصل : آمين . .
هيفاء استغلت شروده لتتأمله بخفُوت وهي ترفع عينيْها ببطء نحوه، نظر إليها لتضع عينيها على يدِه وهي تضع يدها على رقبتها بحركاتٍ لاإرادية/غير مفهومة.
تسلل صوتُ الأذان الرطِب إلى أسماعهم، " حيّ على الفلاح ، حيّ على الصلاة " كيميَاء النَفس التي تنجذبُ للفلاح لا بُد أن طريقها : صلاة.
فيصل وقف متجهًا نحو المغاسل، إغتسَل ليتوضأ دُون أن ينطق كلمة أخرى، ثواني طويلة أستغرقها مثل ما استغرقتها هيفاء في النظر إليـْه و تأملُ أدق تفاصيله. تنهَّد متجهًا نحو الأريكة التي وضع عليها شماغه، إرتداه وهو يغلق أزارير كمه، وقف خلفها لثواني طويلة يحاول أن يكوّن في عقله " جملة لطيفة " ، وقفت لتلتفت نحوه، برجفة أسنانها: تقبَّل الله.
فيصل : منا ومنك صالح الاعمال .. . خرج من الجناح ليتجه نحو المصاعد الساكِنة في مثل هذا الوقت.
هيفاء ضحكت بصخب بلا داعٍ ولا سبب، لا تفهم أيّ شيء من تصرفاتها. إبتسمت لتُمتم : وش أحس فيه!! . . إتجهت نحو المرآة لتنظر إلى نفسها وهي تتلاعب بملامحها وترفع حواجبها لحظة وتلوي فمها لحظةً اخرى، شدَّت على أسنانها لتُخرج أصواتًا بلسانها. – هيستريَة الفرح -.

،

رسمَت شخابيط لامُنتهية على الورقـة البيضاء، لتُردف بخيبة: وش نسوي؟
ضي المستلقية على ظهرها تنظر للسقف الخشبي: شويّة حظ وتضبط علاقتكم
رتيل بتنهيدة: هالحظ شكلي بموت ولا شفته! . . من دخل غرفته ما طلع! ودِّي أروح أشوفه بس ما أحب أبيّن له إهتمامي
ضي : تعلّمي فن التنازلات
رتيل بإبتسامة: بتعلم منك أنتِ وأبوي
ضي بحالمية عاشقة : يا زين الطاري . . ليت أبوك عندنا الحين.
رتيل تُكمل شخبطتها على الورق : أنا أفكر بأيش وأنتِ بأيش!! تتوقعين نام؟
ضي: لا . . روحي له . . بعدين أثير هالفترة ماهي عنده يعني مفروض تخلينه يتعلق فيك
رتيل: شفتي! تجيبين طاريها ويجيني غثيان! أتوقع يكلمها أكيد أتصل عليها!! . . حيوانة
ضي بضحكة: أهم شي حيوانة!!
رتيل: والله حيوانة تقهرني! . . تذكرين يوم بالمستشفى! آآآخ يا قلبي كل ما أتذكر السالفة أحس ودي أذبحها أقطّعها بأسناني
ضي: المشكلة انك أنتِ اللي قهرتيها
رتيل: بس للحين قاهرتني! . . يعني شوفي أنا ماني حاقدة
ضي أغمضت عينيْها من شدَّة الضحك لتنجرف رتيل رُغمًا عنها بضحكة خافتة.
رتيل : أستغفر الله! جد أتكلم يعني والله ماني حاقدة كثيير . . يعني حاقدة شوي بس لما أفكر هي مالها ذنب! زوجته ولها حق فيه . . بس أنا كارهتها! اكتشفت أني أغار لدرجة أكره بعنف
ضي بهمس سمعت صوتٌ بالخارج: تلقينه برا . . روحي له
رتيل: قلت لك ماأحب أروح بنفسي . .
ضي بسخرية: أجل انتظريه يعزمك . . والله رتيل أنتِ تضيعين نفسك وتضيعينه معاك! . . خليك معه دايم وحسسيه بوجودك عشان ما يتجرأ يبعد لأنه بيكون متعوّد على وجودك
رتيل تنهدَّت لتقف: شكلي كويس؟
ضي بضحكة : مُزَّة
رتيل نظرت إليها بغضب لتُردف: كم عُمرك وعَادِك تتهيبلين
ضي: آخر وحدة تتكلم عن العقل أنتِ
رتيل إبتسمت لتبتر غضبها: ماشاء الله على أبوي كل الماضي الوصخ قاله لك . . . إتجهت للخارج ولمحته جالس بعيدًا وغارق بتفكيره : أخاف أزعجه
ضي: أجلسي ولا تتكلمين بس وجودك جمبه يكفي.
أخذت نفس عميق لتخرج بخُطى ثابتة، جلست بجانبه دُون أن تتفوه بكلمة واحِدة، إلتفتت عليه لتنظر لملامحه الشاحبة والمشحونة بالوقت ذاته.
رتيل: وش فيه وجهك؟
عبدالعزيز بهدُوء: ولا شي . . أدخلي لا تبردين
رتيل بعُقدة حاجبيْها: تعبان؟ ..
عبدالعزيز يخرج صوته المبحوح بوَجع: لا
رتيل تنهدت : عبدالعزيز لا تخوفني!
عبدالعزيز وقف: تصبحين على خير . . . وبخُطى حادَّة إتجه للجهةِ الأخرى، إلتفتت رتيل بدهشَة من تصرفه، إرتعش جفنُها من كلمتِه الحادة الباتِرة كل الكلمات العابرة على لسانها، تنهدَّت بضيق لتدخل: مدري وش فيه؟
إلتفتت ضي بنظراتٍ إستفهامية.
رتيل تشعرُ وكأن الأرض غصَّت بحنجرتها: فيه شي!! وجهها مخطوف وواضح تعبان بس ما خلاني أتكلم معه على طول قام!!!
ضي أستعدلت بجلستها: كان زين الصبح!
رتيل: طيب شوفي جوالك لقط شبكة!! .. يمكن أبوي يعرف

،

أشرقت الشمس في صباحات الشتاء الأولى، صباحُ الأجواء التي ترتفع برودتها ساعات حتى تسقط في حرٍ شديد.
فتح عينيْه لتتجعد ملامحه بضيق من نومِه على الكرسي المكتبي، أبعد ظهره المتصلِّب بإرهاق، بتنهيدة نظر إلى ساعته التي تُشير إلى الثامنة صباحًا.
وقف خارجًا من مكتبه، إلتفت لحصَة الجالِسة بسكينة وتقرأ إحدى المجلات. انتبهت عليه لترفع عينها بإستغراب: نايم هنا؟
سلطان بصوتٍ ناعس: ماحسيت على نفسي . . إتجه نحو الدرج كارهًا لهذا الصعود ولهذا البيت بأكمله، فتح باب غرفتهما لتسقط عينِه عليها وهي تُسرِّح شعرها. بربكة أنزلت المشط لترفع شعرها بأكمله كذيلِ حصان.
لم يُطيل بنظره كثيرًا حتى إتجه نحو الحمام، استغرق في إستحمامه دقائِق كثيرة وهو يفكر بأسوأ الإحتمالات التي تُفكِك حياته.
في جهةٍ أخرى جلست على الأريكـة لتغرق في تفكيرها به، ملامحه المُتعبة لا تعنيه وحده! هي تُرهقني أيضًا. كانت ستبطل كل مبادِئه لو عَلِم بحملي ولكن سَيبطُل إحترامي لنفسي، من أختار يا سلطان؟
شعرت برجفةِ جفنها، كيف أُشفي إلتواء قلبي حول نفسه كُلما ذكر إسمك؟ كيف أشفيه منك؟ أنت جدَل مهما انتحلتُ به الإتزان، أضطربت.
خرج ليدخل للزاويـة الخاصة بملابسهما، ارتدى لبسه العسكري لينحني بلبسِه لحذاءه الثقيل، فتح الدرج ليأخذ حزامه وأنتبه لخلوِه من أغراضها، رفع عينِه للدولاب الآخر ليجده خاليًا تمامًا، إذن ستُغادر!
تنهَّد باللامبالاة ليخرج متجهًا نحو التسريحـة، ارتدى ساعته وعيناه تغرق بما خلفه، أخذ نظارته الشمسيَة ليخرج من الغرفـة دُون أن يهمس بحرفٍ واحد.
بمُجرد خروجـه سالت دمعة على خدها الشاحب، بقيْت بثباتها دُون أن تصدر منها حركة أو إيماءة، بلعت غصتها العالقة لترفع عينيْها للأعلى في محاولة هزيلة لإيقاف تجمع دموعها، كل شيء يرفض الغياب، حتى الدموع تُقيم ثورتها ضدنا.
إلتفتت نحو عائشة التي طرقت الباب، بإبتسامة بشوشة: بابا كبير تحت!
الجوهرة تنهدت: طيب جاية . . أخذت منديل لتضغط على عينيْها، نزلت للأسفل لتتجه نحو المجلس الخاص بالرجال، دخلت بخُطى سريعة نحوه، وقفت على أطراف أصابعها لتعانقه بشدَّة الحنين في صدرها و الحزن أيضًا.
مسح على رأسها: شلونك يبه؟
الجوهرة انهارت قوّاها لتبكِ على كتفه: ليه ماكلمتني؟ أوجعتني يبه
عبدالمحسن بضيق: لا تعتبين يا عيني، كنت متضايق يومها ومابغيت أكلمك وأضايقك معي
الجُوهرة ابعدت جسدها عنه لتنظر إليْه بتعرٍ تام من قوتها المزيفة: والحين؟
عبدالمحسن : دام شفتِك بخير الحمدلله
الجوهرة : وش ضايقك؟
عبدالمحسن تنهَّد ليجلس بجانبها: عبير بنت عمك عبدالرحمن
الجوهرة بخوف: وش فيها؟ . . رجعوا من باريس؟
عبدالمحسن بعتب : ليه ماتسألين عن بنات عمك يالجوهرة؟ منعزلة عننا وعن الكل! ما يصير كذا
الجوهرة شتت نظراتها بلا عذر يشفع لها: مقصرة
عبدالمحسن: كثيير . . حتى ريّان مارفعتي السماعة تكلمينه!! مهما يكون هذا أخوك
الجوهرة ببكاء عميق : مو قصدي والله! يبه لا تفكر أني حاقدة عليه ولا زعلانة منه!!! . . الحين قدامك أكلمه
عبدالمحسن: أنا ماأقول زعلانة منه!! بس أنتِ تبعدين عنّا يوم عن يوم!!
الجوهرة بعينيْها اللامعتيْن بالدمع: والله مو بيدي! صايرة أيامي من سيء للأسوأ . .
عبدالمحسن بعُقدة حاجبيْه : وش صار؟
الجوهرة بلعت ريقها لتلفظ بشحًوب: وصلنا لطريق مسدود أنا وياه
عبدالمحسن شتت نظراته بعيدًا دُون أن يعلق بكلمة.
الجوهرة إلتفتت عليه: برجع معك! جهزت أغراضي وهالمرة ما أظن راح أرجع له
عبدالمحسن نظر بعينيْها بصمتِه المُربك لحواسَّها التي تهيج بالدمع.
الجوهرة بضيق: ماراح تقول شي؟
عبدالمحسن: كم مرة تهاوشتوا ؟ كم مرة قررتوا تنفصلون؟
الجوهرة تُدخل كفيّها باكمامها وهي ترتعشُ بالبكاء، بنبرةٍ خنقت قلب والدها: وش أسوي يبه؟
عبدالمحسن: ليه أوجعتي قلبك فيه؟
رفعت عينيْها الذابلة، تجمدَّت بنظراتِ والدها الذي أكمل: أنا خايف عليك! ويضايقني أنك تتعلقين بأحد منتِ قادرة تتأقلمين معه
الجوهرة بحشرجة الحزن : ليه تقول كذا؟ والله حاولت . . . أنت شايف أني غلطت؟
عبدالمحسن: كلنا نغلط!
الجوهرة : طيب قولي! وجِّهني .. وش أسوي؟ . .
عبدالمحسن بحزنٍ بالغ، لا شيء أشد من هذا الحزن المارّ في صوته : أبي أفرح يالجوهرة . .
الجوهرة أخفضت نظرها لتغرق بكومة بكاء لا تنتهي، لم تستطع أن تحبس صوتُ أنينها المحترق في جوفها، بين حزنها المكتظ: خيبت أملك كثيير! ما سويت شي في حياتي يخليك تفرح وتفخر فيني! . . سحبها لصدره ليُوقف موجة كلماتها المضطربة: لا تقولين كذا . . أنا لابغيت أبتسم أتذكر اليوم اللي ختمتي فيه القرآن! هاليوم كان أسعد يوم في حياتي! . . . . أنا فخور فيك والله . . بس أبي أفرح لفرحك . . يوجعني أنه بنتي ماهي قادرة تعيش لنفسها! . .
بنبرةٍ خافتة موجعة أكمَل : لك الجنة وأنا أبوك
الجُوهرة ببحة: كل ماحاولت وكل ما قلت هانت! جاء شي جديد وخرّب كل شي . . والله ما أبي أنفصل عنه بس أحس خلاص . . . مهما طوّلنا مهما حاولنا بالنهاية طريقنا آخره طلاق . .
عبدالمحسن: كلمتيه؟
الجوهرة: أمس قالي
عبدالمحسن: ويدري أنك بترجعين معي!
صمتت لثواني طويلة حتى قطعها بصوتِه: أنتِ للحين على ذمته! ما يصير تطلعين بدون علمه
الجوهرة: بس أمس اتفقنا على الإنفصال يعني أكيد برجع
عبدالمحسن بلع ريقه بإستنزاف كبير لعاطفته الأبويـة : ولو كلميه . . مسح ملامحها الباكيَة بكفِّه ليبتسم : أنتظرك ما على تجهزين نفسك . . عشان يمدينا نوصل قبل صلاة الظهر الشرقية
الجوهرة: إن شاء الله . . خرجت لتتجه نحو غرفة حصَة، طرقت الباب لتدخل بتوتر، إبتسمت: صباح الخير
حصَة : صباح النور . . أبوك وصل؟
الجوهرة : إيه من شوي . . جلست بمُقابلها . . كلمك سلطان اليوم بشي؟
حصة بلهفة الشغف : قلتي له عن حملك؟
الجوهرة تحشرجت عينيْها بلهفتها لتُردف: لا . . ماراح أبلغه الحين
حصة بضيق: إلى متى؟ خلينا نفرح
الجوهرة : أمس تكلمنا . . قررنا ننفصل
حصة تجمدَّت بمكانها بدهشَة لا تسبقها دهشة، صمتت و ماتت الكلمات في جوفها.
الجُوهرة بربكة تُشتت نظراتها: والحين برجع مع أبوي وبآخذ أغراضي . . بس ما قلت له وماأبيه يفهم تصرفي أنه . . يعني . . كلميه
حصَة للحظات طويلة بقيت على حالها حتى لفظت: ليه؟ . . حرام اللي تسوونه!
الجوهرة : تعبانة من هالموضوع والله وماودِّي أتكلم فيه . . هو راضي وانا راضية
حصة بإنفعال : على مين تضحكون؟ أنتم ما شفتوا نظراتكم لبعض! . . ماراح أقول عشان خاطر هالعشرة البسيطة اللي بينكم بس أقول عشان خاطر الحب! . .
الجوهرة : أيّ حب واللي يسلمك!!! . . مانصلح لبعض يا حصة حتى لو حاولنا نبقى ما نصلح لبعض! مانستفيد من قربنا إلا تجريح لبعض!!
حصة بضيق يرتجفُ به جفنها: كل شي وله حل! . . دايم تتهاوشون! ودايم تجرحون بعض بس ترجعون! لأن أنتم نفسكم مؤمنين أنه مالكم الا بعض . . لا أنتِ تستاهلين ولا هو يستاهل! . . ليه دايم تفكرين بسلبية وبزواية وحدة؟
الجوهرة: لو تكلمتي مع سلطان راح يقولك نفس الكلام وهو واثق أنه كلامه واقع!
حصة: لا تسوين في نفسك كذا! تفكيرك ومنطقيْتك في الأمور ماراح تعطيك السعادة!! . . تنازلي شوي
الجوهرة بإختناق : طيب وهو؟ ليه ما يتنازل؟ ليه دايم أنا اللي لازم اتنازل!!! ..
حصة : وهو بيتنازل! أحلف بالله أنه سلطان معاك شخص ثاني!!! بس فكري! ليه هالإستعجال
الجوهرة بقهر تجهش بدموعها: وتبيني أكلمه وأقوله أنا ماأبي الطلاق! . . مو انا كرامتي منمسحة من تزوجته!! . . حطي نفسك مكاني! ترضين؟ .. هو ثارت شياطينه على كفّ إنمد لِك وأنا طيب؟ . . ولا أنا لي معاملة خاصة!
حصة تقف لتجلس بجانبها، عانقتها لتهمس: والله مو قصدي أنك تهينين نفسك عشانه! . . بس لو قلتي له عن حملك وش بتخسرين؟ ممكن تنحل أمور كثيرة
الجوهرة : ليه أجبره يعيش معاي! ليه أرمي نفسه عليه بحجة الحمل! . . هو ماراح يتعلق فيني بيتعلق عشان هالطفل! وأنا مقدر اتحمل أني اكون على الهامش دايم!!!!
حصة بضيق متوسِل: طيب لاتروحين اليوم! أجلسي بس اليوم لين يرجع وأكلمه
الجوهرة تُخفض نظرها لتسقط دمعتها الناعمة على خدِها: كلكم تقولون أجلسي وحاولوا تلقون حل! . . بس ما فكرتوا وش كثر أعاني! وش كثر موجوعة منه
حصَة: لأن الطلاق مو سهل! . . أنا عارفة أنكم تبون بعض بس تكابرون! . . وش تفيدكم هالمكابرة؟
الجوهرة: تفيدني أني أكسب نفسي اللي محاها سلطان
حصة: تبالغين يالجوهرة! سلطان حتى لو قسى تلقينه يتوجع أكثر منك
الجوهرة: مو قلتِ أنه شخص ثاني معاي؟ هالشخص الثاني لمَّا يقسى ما يرحم!
حصة: يعني مافيه أمل؟
الجوهرة تحشرجت صوتها بالبكاء: مافيه . . وقفت . . ما أبغى أتأخر على أبوي . . أرسلي له مسج لأنه هو بعد ما قصّر وكسر جوالي!
حصة : شايلة عليه كثير!
الجوهرة إختناقٍ يسحبُ صوتها تدريجيًا: وكثيير شوية فيه! . . خرجت لتتجه للأعلى، أبلغت عائشة بأن تُنزل أغراضها، إتجهت نحو الدولاب لتأخذ عباءتها، ضجَّ أنفها برائحة عطره، أخذت نفس عميق لتُغمض عينيْه برائحته المُسكرة لكل خليـة في جسدِها، و كُل ما حاولت الغياب كان عطرك طريق العودة.

،

بغضبٍ مجنون يلكمه على فكِّه حتى نزف، شدَّهُ من ياقته ليقربه منه: حتى الحمير تكرم عنكم
تراجع للخلف بخُطى هائجة ليُشير إليه بالسبابة غاضبًا ويصل غضبه لأقصى مدى: واحد!! شخص واحد قدر يدخل بيتي وفيه مليون كلب!! . . قوم أنقلع عن وجهي لا أثوِّر فيك الحين . .
إلتفت لحمد: الكلاب يحجزون أقرب طيارة ويجوني هنا! ويخلون كلاب ثانين مثلهم يحرسون البيت
حمد بلع ريقه : أبشر
رائد: واللي يشوف وجهك تجيه البشاير! . . عاد لمكتبه وهو يشتعلُ بداخله من فكرة دخول سلطان لبيته، يشعرُ بأن أعصابه تتفكك، عصبٌ عَصب.
بحنق مسك هاتفه ليتصل على فارس، استغرق ثواني طويلة حتى أتاه صوته الناعس: ألو
رائد بعصبية: نايم يا روح أمك!!!
فارس بضيق أستعدل بجلسته: وش فيه بعد؟
رائد: تجيني الحين ولا أقسم بالله . .
فارس يُقاطعه : بدون حلف! . . راح أجيك
رائد : وجيب الكلبة الثانية معك
فارس بعصبية : لها إسم!
رائد : شف فارس! أنا اليوم ممكن أرتكب جريمة فلا تخليها عليك
فارس: عبير ماراح تجي
رائد: لا تحدِّني أقهرك
فارس: وش تبي فيها؟ . . تبيني أخليها مع كلابِك! . .
رائد زفر أنفاسه الغاضبة: قلت جيبها ما أبي أكرر كلامي!
فارس بإصرار: لا
رائد : طيب أنا أعرف كيف أجيبك أنت وياها بنفسي!!!
فارس بقهر: كل شي عندك بالغصب!!! . . تبيني أجيك أبشر لكن أني أجيبها معي لا وألف لا
رائد: طيب يا ولد الكلب! . . تعال الحين
فارس إبتسم بين كومة غضبه: مسافة الطريق . . . وأغلقه.
تنهَّد ليلتفت إليْها نائمة بهدوء على الأريكة، اقترب منها ليأخذ الفراش ويُغطيها جيدًا، أغلق الشبابيك التي ينساب منها بردٌ قارس في فترةٍ من السنـة تنخفضُ بها درجة الحرارة بصورة هائلة.
إتجه نحو الحمام ليغتسل، أستغرق دقائقـه القصيرة ليخرج ويأخذ جاكيته، لفّ " سكارفـه " الرمادي حول رقبته، ليميلُ إتجاهه نحوها، وقف للحظاتٍ طويلة أمامها لتتسع إبتسامته على حركتها الخفيفة، مغرية للتأمل.
فتحت عينيْها عليه لتأخذ شهيق دُون زفير برهبـة، فارس: صباح الخير
عبير أخذت نفس عميق لتُردف بخفوت : صباح النور
فارس: عندي شغلة ضرورية بخلصها وأجيك . . ماراح أطوّل إن شاء الله
عبير استعدلت بجلستها لترفع عينيْها إليه دون أن تعلق بأيّ كلمة.
فارس: راح أطلب لك فطور . . وبيجيك غيره لا تفتحين الباب لأحد
عبير بضيق: طيب
فارس تنهَّـد ليتجه نحو الباب، وضع يدِه على مقبضه ليقف، إلتفت عليها: إذا بتتضايقين من . .
قاطعته: تطمّن ماراح أتضايق! . . بصفتي مين أتضايق أصلاً!!
فارس شعَر بأن الهواء يتصلَّب في جسدِه، بإتزان نبرته: بصفتك زوجتي!!
نظرت إليْه بعينيْن تشتعلان بالغضب. خرج ليُغلق الباب بعصبيـة نازلاً للأسفل.

،

يشربُ من كأس الحليب ليُكمل : عاد قمت أقول في نفسي سبحان الله كيف الحريم يتغيرون قبل الزواج وبعد الزواج
مهرة وضعت الملعقة على الطبق لتُردف : مو بس الحريم! حتى أنتم تتغيرون
يوسف : لا الرجال ما يتغيرون يا عيني! يعني لو مثلا أنا جيتك وقلت لك أقطعي فلانة ماأبيك تسولفين معها! بتروحين وتقطعين عشان سواد عيوني لكن لو أنتِ قلتي لي بسوي نفس الشي؟ أطلقك ولا أقطع عشرة عمر مع واحد من ربعي
مُهرة بإنفعال اندفعت: ومين قال أنه الحريم سطحيات لهدرجة؟ لا ياحبيبي محد يقطع عشرة عُمر عشان أحد ثاني!
يوسف بضحكة : عشان كلمة حبيبي بوقف برآيك
مُهرة زفرت بغضب: والله يوسف! أنت منت طبيعي كله حريم وحريم وحريم! تحسسني أنه الرجال منزلِّين منزهين
يوسف: ههههههههههههههههههههههههههه طيب كيفي هذا رآيي بعد بتناقشيني في رايي! أنا قلت لك أنه الحريم يبيعون الدنيا إذا حبّت لكن الرجال عقلاني مايبيع الدنيا
مُهرة بقهر: مالت على عقولكم! تحسسني أنكم مجتمع ملائكي
يوسف يُكمل شربه للحليب ليُنزله على الطاولة ويُردف: طيب أنا ماأعمم! يعني عادي رايي على فئة محددة! ولا تقولين لي أنه الحريم عقلانيات عشان ماأهفّك بهالكوب . . يعني مثلا لو أقول المصريين ظريفين! يخي هم صدق ظريفيين بس مو معناته مافيه واحد بينهم سامج! يعني أتكلم عن صفة سائدة . . أنا أشوف البنت إذا حبّت تبيع عُمرها عشان اللي تحبه
مُهرة : شف بموضوع أختك ريم! أنا أشوفها عقلانية
يوسف بضحكة عميقة يشعرُ بالإنتصار أنه مسك عليها شيء: شفتي! الخبث الأنثوي هذا تشجعينه! وين العقلانية في الموضوع؟
مُهرة إبتسمت : مو خبث أنثوي! هذا ذكاء بطريقة ملتوية
يوسف: لأنكم تحبون الطرق الملتوية! أما احنا الرجال ماعندنا يمين ويسار واضحين
مُهرة بسخرية : كثّر منها! . . خلصت فطوري وأنت للحين تشرب بنفس الحليب!
يوسف: قاعد أتلذذ فيه . .
مُهرة بإبتسامة: لو فكرة ريم جاية في بالي ماترددت لحظة أسويها فيك
يوسف بضحكة: تبطيييين تعرفين وش يعني تبطيين ما قدرتي تسوينها فيني! لسبب واحد . . أنا حقير بهالمواضيع ما أتعاطف على طول
مُهرة رفعت حاجبها: مستحيل ما تتعاطف! . . لاحظت فيك شي .. قلبك رهيِّف وحساس بمُحيط أهلك بس
يوسف بجديّة: لأن بالنسبة لي عايلتي هي أنا! يعني إحترامي لها هو إحترامي لنفسي! وحُبي لها هو حب لنفسي، وحياتي قايمة على أساسها . .
مُهرة بإبتسامة واسعة: دُرر ماشاء الله تبارك الرحمن
يوسف: تطنّزي عليّ بعد . . لا أكبّ ذا الحليب في وجهك
مُهرة بضحكة: عطني إياه منت مخلصه اليوم
يوسف يمدّه إليها لتشرب من نفس جهته، شربته كله لتدخل والدته على وقع ضحكاتهم: الله يديمها من ضحكات
يوسف: اللهم آمين . . قربي
مُهرة بتوتر: وش بتسوي؟
يوسف يسحب كرسيْه إليها ليمسح بطرفِ أصبعه بقايا الحليب على طرفِ شفتها. مُهرة اشتعلت حرارتها لتكتسي ملامحها الحُمرة أمام والدته، بلعت ريقها لتُشتت نظراتها بعيدًا وسط إبتسامات يوسف العريضة.
وقف : يالله أنا رايح . . تآمرين على شي يمه؟
والدته : سلامتك
يوسف: الله يسلمك . . رمق مُهرة بنظرة ذات معنى عميق ليتبعها بضحكة خافتة.


،

بدأ يضرب بطرف القلب على الطاولة بتوتر، أربك كل من حوله بصوت القلم، تنهَّـد لينظر للمصعد الذي انفتح.
مدّ يده ليأخذ الملف بعُقدة حاجبيه المزاجية هذا اليوم التي أتت في وقتٍ يجب أن يقتنع كل من يعمل هنا أن هناك خلاف بينه وبين عبدالرحمن : بوسعود جا ؟
: لا
سلطان بقي لثواني طويلة واقفًا، هذا الهدوء يُربكهم. تحرك بإتجاه مكتبه ليعود بخطواته للخلف وينظر للمكتب الخاوي: مين هنا؟
أحمد بلع ريقه: طالِبْ . . بيجي الحين
سلطان : الساعة كم؟ قربت تجي 10 والسيّد ما بعد داوم
أحمد : يمكن زحمة وكـ
سلطان بعصبية تسلط مزاجه عليهم : بس يجي حضرته يجيني . . عشان أوريه الزحمة صح!
سمع صوت ضحكات قادمة من إحدى الغرف المنزويـة وأحمد من خلفه تعابير وجهه كافية لتُوصل مزاجية سلطان هذه اللحظة، دخل لتستعدل جلساتهم ويقفون.
سلطان رمى الملف على المكتب الذي أمامه: هالملف ناقص! بتروحون حضرتكم للأرشيف تكملون القضايا اللي ناقصة بدل طق حنك
: أبشر
سلطان خرج وهو يفتح أول ازارير قميصه ومن خلفه أحمد كظله : طال عُمرك ماراح تشوف الملفات الجديدة؟
سلطان بتنهيدة: أستغفر الله . . خلهم على مكتبي . . . . . فيه تدريب اليوم؟
أحمد: لا بعد ساعة التدريب الصباحي!
سلطان: كويس . . إذا جاء بو سعود نادني . . . نزل للأسفل خارجًا لساحة التدريب، لا شيء يُفرغ به غضبه سوى هذا التدريب القاسي.
سحب الحبل المتين ليربط حزامه حول خصره، تذكر هاتفه الذي في جيبه ليخرجه، أهتز بيدِه ليُجيب دون أن ينظر الإسم إثر أشعة الشمس : ألو . . . وشو!!!!!!!!

،

لفّ " السكارف " حول رقبته ليأخذ المفتاح من بين يديّ نايف: مشوار صغير وراجع إن شاء الله . . أنتبه للبيت . . إتجه للخلف ليطرق الباب، ثواني قليلة حتى خرجت رتيل.
عبدالعزيز بجمُودِ ملامحه التي لا تُفهم : ألبسي حجابك وتعالي معايْ
رتيل بإستغراب: وين؟
عبدالعزيز بحدّة : ماني رايق لأسئلة كثيرة . .
رتيل عقدت حاجبيْها : وش فيك؟ صاير شي!
عبدالعزيز يسحبها من ذراعها ليُردف بغضب شديد: روحي جيبي حجابك وتعالي! مو معقولة بعيد الكلام كل شوي!!!
رتيل بلعت ريقها بربكة: طيب . . . دخلت دُون أن تنطق كلمة واحِدة من الدهشة، أخذت حجابها ومعطفها لتُردف: بروح مع عبدالعزيز شوي واجي . .
ضي المنشغلة بإيجاد شبكة لهاتفها: طيب . .
رتيل تنهدَّت لتخرج معه، مسكها من يدها ليضغط عليها بلا وعيٍ منه، بصوتٍ مخنوق: توجع إيدي!!
أرخى قبضته ليُركبها السيارة بجانبه، سَار بسُرعةٍ جنونيـة وهو يُخرج للطريق السريع.
رتيل ربطت حزام الأمان ولا تتجرأ أن تسأله سؤال آخر، قلبها يندفع بشدَّة الخوف الذي يسيلُ بدماءها.
عبدالعزيز خفف السرعة ليُردف: الشخص لما يضحي بأشياء كثيرة عشان مبادئه وأخلاقه . . وش يستفيد؟
رتيل بضيق : عبدالعزيز وش فيك! خوفتني!!!
عبدالعزيز بعصبية : ما يستفيد شي! بس اللي يكسب نفسه ويضحي بمبادئه وكل هالأشياء؟ بيستفيد كثيير
رتيل بتوتر : مو فاهمة شي
عبدالعزيز : مو لازم تفهمين! . . لأن أنا جاء وقت قالوا لي فيها مو لازم تفهم الحين يا عبدالعزيز!
بغضب يُعلي نبرته ويزيد من سرعته : مو لازم تفهم أشياء صارت بحياتك! لأن حياتك ماعادت لك . . . وبتهديدٍ صريح . . بس والله العظيم يا رتيل أنه . . .

.
.

أنتهى نلتقي الجمعة إن شاء الله.





إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()

لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.

و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.


أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة


*بحفظ الرحمن.





 
 

 

عرض البوم صور طِيشْ !  
قديم 15-02-13, 08:56 PM   المشاركة رقم: 72
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق



البيانات
التسجيل: Mar 2012
العضوية: 240258
المشاركات: 744
الجنس أنثى
معدل التقييم: طِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالق
نقاط التقييم: 2673

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طِيشْ ! غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طِيشْ ! المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية

 

-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()


رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ !
الجزء (72)



قبل لا نبدأ في البارت البعض فهم تعليقي الاخير بصورة خاطئة، لما قلت " لبيت طلباتكم " كان المقصد هو طول البارت فقط لا أكثر! أكيد ماراح أغيّر مجرى أحداث عشان ألبي طلب أحد وغيره، هذا شي، الشي الثاني البارت هذا فيه قفلات كثيرة بس مو عشان تشويق والخ بقدر ما هي أحداث تحتاج لها بارت لوحده، بصراحة في الفترة الأخيرة صرت أكتب وأنصدم لما أشوف عدد صفحات البارت جدًا طويلة وخصوصًا أنها نهاية فما فيه أيّ مجال للإختصار فعشان كذا ممكن البعض يشوف أنه البارتات قفلاتها كثير بس أعرفُوا أنه مقدر أنزل أكثر من حد أشوفه أنه مناسب لكم وعشان تركزون أكثر! وبصراحة لأني جربت البارت اللي فات أني أنزلكم فوق 26 صفحة وماكان فيه أيّ تشجيع بأني أكرر هالمحاولة. فعشان كذا أنسب لكم وأنسب لي أنه البارتات تكون بهالطُول. وأكيد لما يجي أحد يقراها بعدين كاملة بيحس أنه الرواية بإذن الله مترابطة وكاملة وماراح يقول " هذا البطل مختفي وهذا الشخص ما عاد يبيّن ".

وبس :$ أقروها برواق وإن شاء الله يكون بارت جميل بعيونكم :$

+ يارب يارب يارب يقّر عيننا بنصِر سوريَا وبلاد المسلمين ويحفظ شعوبنَا العربيَة والإسلامية من كل شر، ويحفظ " مالِي " ويحفظ أرضها وأهلها من كل سوء.


المدخل لـ حسن المرواني + ضروري تقرأون القصيدة كاملة من أجمل القصائد اللي ممكن تقرأونها، هذا مقتطف منها.


خانتكِ عيناكِ في زيفٍ و في كذبٍ؟
أم غرك البهرج الخداع ..مولاتي؟
توغلي يا رماحَ الحقدِ في جسدي
ومزقي ما تبقى من حشاشاتي
فراشةٌ جئتُ ألقي كحل أجنحتي
لديك فأحترقت ظلماً جناحاتي
أصيح والسيف مزروع بخاصرتي
والغدر حطم امالي العريضاتِ
هل ينمحي طيفك السحري من خلدي؟ و
هل ستشرق عن صبح وجناتي؟
ها أنت ايضا كيف السبيل الى أهلي؟
ودونهم قفر المفازات
كتبت في كوكب المريخ لافتةً
أشكو بها الطائر المحزون اهاتي
وأنت أيضا ألا تبتْ يداكِ
اذا اثرت قتلي واستعذبت أناتي
من لي بحذف اسمك الشفاف من لغتي
إذا ستمسي بلا ليلى حكاياتي



عبدالعزيز : مو لازم تفهمين! . . لأن أنا جاء وقت قالوا لي فيها مو لازم تفهم الحين يا عبدالعزيز!
بغضب يُعلي نبرته ويزيد من سرعته : مو لازم تفهم أشياء صارت بحياتك! لأن حياتك ماعادت لك . . . وبتهديدٍ صريح . . بس والله العظيم يا رتيل راح أحرق كل قلب نحرني . . ذبحني ونام ليله مرتاح.
رتيل إرتجفت شفتيْها : تقصد مين؟
عبدالعزيز: مين! . . أسألي اللي حولك! كيف يعذبُّون الروح قبل ينحرونها!
رتيل أجهشت عينيْها بالبكاء، سلاسلٌ من الدموع تتساقط على وجنتيْها : لا تسوي فيني كذا !
عبدالعزيز بغضب يتحشرجُ به صوته: مين أنتِ! وش اللي بيوقفني؟
رتيل بصراخ ألتفتت عليه بكامل جسدها: أنا بوقفك! . . أنا وقلبك!!
عبدالعزيز يضغط على دواسـة البنزين بقوَّة ليُردف: ما سألت الله عن قلبك . . أقصد قلبي
ضاقت حنجرتها بنتوءاتِ الحُب، لا تفعل هذا يا عزيز! أرجُوك، من أجل الله، الحُب، الرسائل الغاضبة التي تُخفي شغب قلبي، الليالي الساهرة على ظلال عينِك، من أجلنا لا تفعلها! تخلصتُ من حياتي السابقة، من طيش الصبَا لأجلك، مشيتُ بإستقامة ناحية قلبك، نظرتُ إلى عينيْك حتى أضاء العالم بعيني، كنت الأمل الذي سلكته بكامل إتزانِي، تجاهلت الريح المُرسلـة بمرارة الحزن/الضيق، تجاهلتُ الكلمات العابسَة التي إتكأت على شفتيْك، تجاهلت عُقدة حاجبيّ الحياة بوجهي، تجاهلتُ كل شيء بما فيها قيَم الكرامة التي كُتبت في حياة كل عربي، تجاهلت كل هذا من أجلِنا، لا تخذل هذا الحُب! لا تخذله بإلتفاتة النهايـة وأنا التي صممتُ عن الماضِي/الذاكرة التي تحفظ أسوأ ما بيننا، ويا حُزني لو أسأت الطريق ولم ألتقيك بالنهايـة! أنتظرتُك كثيرًا وأتى صوتُك قاسيًا، أتى على هيئة جملة قاطِعة ناعمة " أنتبهي ليْ " منذُ يومها وقلبك يكبر وينمو فيّ كبساتين كثيفة، تساقطت أوراقي كثيرًا ولكن هُناك قطعة من الربيع صامدة مازالت تنمُو، مازالت يا عزيز! أرجُوك يا حبيبي لا تأخذ من حياتي حياتِك.
: ما تسويها فيني! مستحيل تسويها . . أكذّب عيوني وسمعي وكل كلامك . . بس ما أكذّب قلبي وقلبك.
عبدالعزيز أغمض عينيْه بشدَّة ليمنع إنهيار ضلال أهدابـه من الذبول أكثر والتساقط، أوقف السيارة فجأة ليضع رأسه على مقوِّد السيارة، ساعدني يالله! تساقطت الحياة من على كفِّي، كخريفٍ أستعذب قوافل بدُو أرادوا من الأشجار ظلال، كربيعٍ لامس الوجنات زيفـًا و ما ظننا يومًا أن الزهر يخدع ويعصرُ في المحاجر ملحٌ من الدمعات، يا الماضيات الجاريَات على خاصِرة الحُب إننا ننحدرُ من قبيلة سمرَاء غِناها الشمس وبحرُها الصحراء، إننا ننحدرُ من جلدِ أسمر إن عشِق الفردُ منهم " مات بحُبه ". أوجعتني يالله معضلاتِ الحياة إن تشكلت على هيئة سمرَاء بذخُها عالٍ! كيف عن السمراء أغمُض وأتجاوز؟ عن رتيل يالله! إنها عذابٌ لذيذ، لم تستطع أن تكُون شيئًا ناعمًا يعبرنِي دُون أن تحتّد أطرافه وتؤلمني، دائِمًا ما كانت الوجَع الذي أحب، والحزن الذي أريد. ومازالت! مهما حاولت أن تبتسمُ فيّ وتحبسُ الضحكات أسفل جلدِي، مازالت هي الوجَع وستبقى لذته في فمِي للأبد.
أنا على إستعداد تام بالخسارة، بخسارتك يا حبيبتي. و ليبقى حزني عليكِ سلامٌ من الحيَاة ورحمة.
رتيل : أبوي؟ صح؟
عبدالعزيز دُون أن يرفع رأسه : وش تفهمين عن العايلة؟ عن الأهل؟ . . وش تفهمين؟
رفع رأسه ليصرخ بوجهها الشاحب : ماتفهمين شي! . . ماتفهمين وش كثر أنا موجوع !!
رتيل بصوتٍ خافت يقرأ السكينة ببكاء ناسك : متى فقدتهم؟ فقدتهم وأنت رجَّال قادر تعتمد فيه على نفسك؟ بس أنا فقدت أمي بوقت ما كنت أعرف وش يعني الموت؟ وش يعني النهاية؟ إذا أنت خسرت أنا خسرت من عمري سنين! كنت أعيد فيها دراستي مو لأني فاشلة ! لأني ما عرفت أكبر بدون أمي! . . ما عرفت كيف يعني الخلاص! يعني البُعد! . . كل اللي بعمري تخرجوا وتوظفوا! وممكن تزوجوا وجابوا عيال! . . بس أنا وش سويت؟ . . ولا شي في حياتي يستحق الذكر . . اللي متضايق منه ومعصّب ولا اعرف أيش سببك هو أبوي وأمي وأخوي وصديقي وحبيبي! . . هذا أبوي ياعبدالعزيز كيف تحرق قلبي كذا؟ . . ما ترحم! عُمرك ماراح ترحم قلب غنَاه أنت!
عبدالعزيز بضيق خنق قلبها : مالله خلق فيني الرحمة الكافية عشان أشفق على أحد!
رتيل بغضب أعتلى به صوتها : ما أطلب شفقتك! أنا أطلب نفسي اللي معك!!!
عبدالعزيز بخفُوت يستدرجها : قوليها! . . قوليها
رتيل أشاحت وجهها للنافذة وهي تغرق ببكاءٍ لا ينتهي، وضعت يدَها على شفتيْها حتى تحبسُ أنينها، كل شيء حولها يرتجف ويفقد إتزانه، ما عادت الأرض تتزن لأقدامها الذابلة بوقعِ الحُب، مُصابة بك! بلعنة الحب. وصلت لمرحلة لا أقدر على تجاوزك يا عزيز.
عبدالعزيز بعينيْه المحمّرة بغضبٍ هائج يعقدُ حاجبيْه: قوليها . . ما تقدرين! لأن فيه حولك ناس تحبك! فيه ناس تنتظرك! فيه ناس راح تتصل عليك إذا فقدتك! فيه ناس كثييير إسمك حيّ في ذاكرتهم لكن أنا؟ شايفة الفرق الكبير اللي بيني وبينك! بقولها لك وأعتبريها . . .
رتيل نظرت إليْه بعينيْها الممتلئتين بالبكاء المالح، ثبتت يدها على فخذِها الأيسر وهي تغرز أظافرها بعُمق الحزن المتصبب في قلبها: أعتبره أيش؟ أعتبره فمان الله بقاموسك!! .. ولا مرّة كنت صريح وقلتها بوضوح!
عبدالعزيز يفتح الباب ليخرج، يستشنق الهواء الطرِي والمطر يندلعُ في جوف السماء، أبتعد بخطواتِـه ناحيـة البساتين الخضراء على جانب الطريق، شدّت على معطفها لتنزل، وقفت وهي تسند جسدها على السيارة، تنظر إليْه والمياه العذبـة تُبللها، تركت رجفـة السماء المتسللة نحو أطرافها لتتجمّد عينيْه ناحيـته، إلتفت عليها ليُردف بصوتٍ عالٍ : كلنا نخاف لأننا نحب! نخاف من شيء ممكن يكون بسيط ما يستحق الخوف! لكن لازم نخاف! . . ودايم هالخوف يلوي ذراعي ولساني بعد! لكن هالمرّة أنا على إستعداد تام بأني أقولها في وجهك بدون ما أحط أيّ إعتبارات قبلها . . أقترب بخُطاه نحوها، أصطدمت أقدامه بأقدامها، وضع ذراعه خلف ظهرها ليشدَّها نحوه تحت رجفـة المطر الذي يُبللهما: فمان الله يا رتيل . .
تيبَّس ريقي، إنني مملوءة بالنتوءات والعثرات التي تسدُّ صوتي، راهنت عليك كثيرًا، حاولت أن أتخلص من وسواس عقلي ناحيتك – إن وجد بي عقلاً – حاولت كثيرًا ولكنني أخسَر بطريقةٍ فضائحية لقلبي الذي ينتحي بشمسِ عينيْك كإنتحاءٍ ضوئي/عاطفي. لِمَ يا عزيز؟ في جوفي يسعر السؤال ولا يخمد. لِمَ تفعل بيْ كل هذا؟ كيف تقولها ببسالة وأنا يتحشرج صوتِي بـ " وداعًا " ويئن؟ كيف تقولها وأنا أبكِيك بإلتقاء مطريْن أحدهُما أشدُ مرارة، أحدهُما يسكنُ فيّ لأيامٍ طويلة ولا ينقضي! كيف تقولها وأنا أصمدُ/ أعيش من اجلك، كيف تقولها وأنا سلمتُك قلبي؟
يُكمل بصوتٍ قاس يفضُّ عذوبـةِ المطر : بس ماراح أتركك! بتسأليني ليه؟ . . . كِذا . . جربي حياة التعليق! أنك توقفين بالنص ما تقدرين تتقدمين بحياتِك خطوة ولا تقدرين ترجعين! جربِّي وخلِّي عُمرك يضيع مو عشانِك صاحبة قرار وفشلتي بقرارك! عشانك حبيبة شخص تنازل عنك.
رتيل بعينيْها المصوبتيْن بلذاعة الدمع: حبيبة شخص؟ . . تعترف بحُبك في وقت تتنازل فيه عني؟
ببكاءٍ يختلط بالمطر أكملت : منك لله يا عبدالعزيز . . منك لله.
عبدالعزيز رفع عيناه للسماء المتكحلة بغيمٍ مُبارك : لأني ما عدت أخاف، واللي ما يخاف ما يحب.
رتيل أغمضت عينيْها بكثافة الدمع الجارِي على خدِّها: يطاوعك قلبك؟
عبدالعزيز: عشان أكون أكثر دقة بكلامي . . مو عشانك حبيبة شخص تنازل عنك بس! أنتِ حبيبة شخص تنازل عن نفسه وقلبه.
رتيل بغضب البكاء الهائج في دماءها : أنت تعرف وش يعني أبكِيك وأنت هنا قدامي؟
عبدالعزيز بأنفاسه التي تختلط بأنفاسها، بالقُرب الشديد لشفتيْها المرتجفتيْن، بالمطر الذي يُشاركهما الحزن العميق : أعرف وش يعني أبكِي على شخص يشاركني الأرض والسمَا!
رتيل : وأنا؟
عبدالعزيز: أحتاج أموت، عشان تغفر هالناس أخطائي، دايم الأموات نوقف بصفّهم حتى لو أوجعونا. دايم الأموات ما يجي ذكرهم إلا حسَن!
رتيل: أحتاج أعيش بنيـة الخلاص!
عبدالعزيز: جربِّي تعيشين مثل أيّ شخص وحيد سطحي ما يملك أدنى بديهيات الحياة
رتيل تحرقه بالكلمات المتشابكة بين حبالها الصوتيـة: جرَّبت، كنت الناس في عيني و كان الغياب إحتضار جَمعهُم، ما أملك بديهيات الحياة يا عبدالعزيز! لو أملك ما وقفت قدامك دقيقة!! . .
عبدالعزيز سحب يدِه من خلف ظهرها، نظر إليْها بنُور عينيْه الطيبة الحزينة الثائرة المُسعِرة، بسؤالٍ يستثيرُ قلبها : فقيرة؟
رتيل بإصرار : غنايْ أنت
عبدالعزيز: أحيانًا أحسّك مخلوقة من وجَع! في حياتي كلها ماشفت إنسانة تجمع كل هالتناقضات! ما شفت إنسانة بالحُب تحرق اللي تحبه وتبكِي عليه!
رتيل بلعت ريقها المترسب في حنجرتها : ما شفت إنسانة تحبك بكل تناقضاتك؟
عبدالعزيز: أنتِ
رتيل تضرب صدره بكفيّها ليبتعد وهي تنظر للطريق ببكاءٍ رتيلهُ " نايْ " : سَادي يا عزيز ما عرفت تكون أعمق من كذا!
عبدالعزيز من خلفها وظهرها يُلاصق صدره: إلا عرفت! . . وش نسوي يا رتيل؟ حياتنا ما عادت لنا! إحنا فقارى اللقا كان غنانا بالفراق!! شايفة وش كثر إحنا مترفين؟ قدرنا حتى نقول مع السلامة لبعض . . كم شخص في العالم يودِّع صاحبه بدون ما يقدر ينطق كلمة! إحنا قدرنا بس ما قدرنا نقول . . .
رتيل ببحّة الوجع تنظرُ لشفتيْه المؤذيـة : ما تقدر! ما تقدر تتنازل وتقولها! . .
عبدالعزيز بحشرجة قلبه : ان عذَابها كان غرامَا . . وأنتِ عذابي يا رتيل.
إلا الآيات القرآنية! هي أشدُ من يوقعني بحزنٍ لا ينضب، هي أكثرُ الكلمات صدقًا وأكثرها بكاءً. موجع يا عزيز حتى في إستخدامك للآيات، موجع في خُذلانك ليْ، في محاولاتك السيئة بالتصالح مع ذاتِك، مُوجع في إتصالك معي كخطٍ موازٍ لا نلتقِي أبدًا ولا نتقاطع معًا أبدًا ولكن نستطيل بمسافاتٍ لا منتهية. ويستمر حالنا بهذه الصورة المُذلّة! كم يلزمني أن أغني من حناجر الشعراء حتى أخففّ وطأة الحزن في صدرِي، كم يلزمني أن أعالج نفسي مِنك بقصيدة ناعمة تربتُ على كتفي كُلما ساء بكائي، كم يلزمني من قولٍ يُشبه " ليت الذي بيني وبينك عامر و بيني وبين العالمين خراب " حتى أخفف لوعـة قلبي!
عبدالعزيز بهمس : ولا شيء من أحلامي تحقق! . . وأنا ما عرفت أعيش بدون احلام! . . وتعرفين وش خطورة انه الشخص يعيش بدون أحلام؟ هذا يعني أنه راح يتطرف على قواعد الحياة مثل كل طُغاة ومخربين العالم!!!
رتيل : تقولي هالكلام عشان تعذبني! . . كيف أكرهك؟ أسألك بالله كيف أكرهك؟
عبدالعزيز يشدَّها من الخلف ليُحيط خصرها بذراعيْه، شعرَت بأن يدِه تنحفر في بطنها : كيف نغيّر القدر؟ حاولنا في كل الأسباب لكن ما قدرنا! . .
رتيل: وش هي خياراتِك من القدر؟
عبدالعزيز : الموت.
رتيل ببحة الغضب: حقير!
عبدالعزيز: أحيانًا كنت أقول في نفسي لازم نوقِّف هالحب! لازم نحط نقطة ما بعدها حياة، وأسهل الطرق أني أكرِّهك فيني بس ما تصرفت بأيّ طريقة و نيتي أنك تكرهيني!
رتيل شعرت بشحناتٍ في عينيْها من حزنها الصاعق: وش كانت نيتـك؟
عبدالعزيز : اللهم بعد الشهادة والتوحيد إني أحبك.
رتيل أصطدم فكيّها بصريرٍ مؤذي، أخفضت رأسها لتنهار تمامًا ببكاءٍ لا ينضب، أنتظرتُها كثيرًا!! يالله ساعدني! لا قوّة لديْ لأحتمل هذا الحُب، مدَّني برحمةٍ منك ولطف، كيف يأتِ الوجع صاخبٌ على هيئة رجلٍ محَى الرجال من بعدِه، كيف يأتِ الحزن عميقًا كعينيّه؟ كيف يجيء الحُب أسمر الملامح لا يلقى من السعادة سوَى " أحبك ".
عبدالعزيز : أنا إنسان أتعايش مع الحزن أكثر من الفرح! . .
رتيل من بين دمعاتها : ولا جاء في بالي أنه مسألة تركِك ليْ تكون بهالطريقة! . .
عبدالعزيز : ولا جاء في بالي يوم أني أرمي المبادىء والاخلاق وأكون شخص عدواني بهالطريقة! . . حطي في بالك هالشي! مثل ما تُدين تدان، ماراح أطلقك ولا راح أكمل معك، بنكون تحت سقف واحد عشان أبوك! عشان يحترق قلبه مثل ما حرقني. تصوّري كيف بتمّر سنة كاملة وأنتِ تحسين بالوجود واللاوجود؟ تصوّري كيف ممكن تعيشين مع ظلِك بالرغم من وجودي! تصوّري وش كثر ممكن أأذيك! ولا تتصورين أنه فكرة أني أأذيك مسألة تتعلق بأبوك بس! أنا ودِّي أحترق معك، . . خلينا نموت بطريقة درامية أحسن صح؟
إبتسم لها ليُكمل بعصبيَة شدّت حباله الصوتيـة: أفعال الحياة الدرامية مجبورين عليها!
رتيل : تحاول تستفزني! ألاعيبك القديمة ما عادت تفيد!
عبدالعزيز : ما أحاول أستفزك! أحاول أقولك الحقيقة بطريقة لطيفة! . . وأحلف لك بعظمة الله أن الكل راح يندم!
رتيل تحاول أن تفكك يدِه التي تحاصر جسدِها، صرخت: أتركني!!
عبدالعزيز شدَّها بغضبٍ كبير: أكرهيني! سبِّيني! ادعي عليّ! سوِّي اللي تبينه ما فرقت معي، أنا قادر بمزاجي أأسس لي حياة ثانية وما ألتفت لك! بس هالحياة الثانية أنا أبيك تذوقين وجعها
رتيل فهمت مقصدِه بمرارة هائلة : حياة ثانية؟؟ . . تبي تستلذ بعذابي بعدها تتركني! . . . . أثبت لي أنك تخليت عن مبادئك!!
عبدالعزيز يتحدثُ بلهيبٍ بالقرب من إذنها : تخليت عن عبدالعزيز نفسَه وصفاته القديمة . . راح أبقى عثرة في حياتِك! مستحيل تتجاوزينها ومستحيل تتجاهلينها! أدفعي ثمن حزني لعُمرك كله
رتيل بصراخ : أتركننننننننني
عبدالعزيز بصوتِه المنتشي بالحمم: كذبوا عليك؟ قالوا لك أنه أمك ما ماتت! . . ما كذبوا! كانوا أصدق ناس للي يحبونهم لكن كانوا أحقر ناس للي حاولوا يحبونهم! . . تذكرين يوم قلت لك أثير ماهي وسيلة! وأني لو أبي أأذيك أقدر أأذيك بدون أثير! وأثير في قلبي أكبر من هالرخص!! . . تذكرين؟ . . هالكلام نفسه أعتبريني أقوله لك اليوم!
رتيل: تبيها؟ تبي تروح لها؟ . . يارب ارحمني . .
عبدالعزيز: لو ماأبيها ما تزوجتها! . . الفرق بين الحين وقبَل، قبل كنت أحس بضميري عليك! لكن الحين أحس تستحقين كل شيء يصير!
رتيل بإستفزاز غاضب: ما تقدر تكون قاسي! ما تقدر!
عبدالعزيز يؤلمها من بطنها الذي يغرز أصابعه به : كان ممكن أبداها معك بهالكلام وتنقهرين وممكن حتى ماتبكين وبسهل عليك موضوع النسيان والتناسي! لكن أبيك تحسين بفقدك لنفسك! . . شايفة كيف قدرت أخليك تتعلقين فيني بدقايق؟ وشايفة كيف قدرت أضحي فيك بثانية؟ . . قبل شهور كان في بالك أنك رخيصَة ليْ! والحين أنا أعرف إحساسك . . إني أعترف لك بأنك ماراح تكونين في حياتي شي ولا حتى على الهامش! بس أخليك معلقة!! في النهاية لازم الكل يدفع ثمن أخطاءه أنا ماني ملاك أغفر وأسامح بسهولة! . .
رتيل ارتخى جسدِها بقبضتِه المنتشية بنيرَان غضبه، عاد لكلماته الجارحـة لكل جزء في قلبي ولكل زاويـة في جسدِي، عاد لكلماته السيئة الغاضبة، عاد لحزنـه الملتوِي كأفعى تخنق كل خليَة فيّ، عاد لعزيز الذي عرفتهُ أول مرَّة، مؤذي أن أشعر بإندفاع عاطفتي نحوِك في وقتٍ كنت تستدرجني به! كم لزمِك من الخبث حتى تُفكر بهذه الصورة الحادّة! كم لزِمك من اللاشعُور حتى تقتلني هكذا! . . أكرهك جدًا بقدر ما أنا أكذبُ بها، يالله أنزعه من قلبي المنمَّش به.
عبدالعزيز يُبعد يديْه ليفتح باب السيارة: هالطريق بحّ!!!
رتيل شدَّت على شفتِها السفليَة المبللة : أهنتني كثير! بس مثل هالإهانة . . متأكدة ما راح أشوف!
عبدالعزيز بخفُوت : الشكوى لله . .
رتيل بغضبها الثائر : تحسب أنك انتقمت لنفسك! وأنك رجَّال وأنك قدرت تجرحني! . . أرضيت نفسك بأني أعترفت لك! وأرضيتني مؤقتًا بأنك أعترفت ليْ! عشان تقلب كل شي عليّ . . حقير وماجبت شي جديد . . .
عبدالعزيز بإبتسامة تُخفي هيجان وبراكين: يشرفني هالشي دامه بيسعدني بالنهاية!

،

خلخل أصابعه بحبال الحزام المرتبط بخصره ويدِه على هاتفه الذي يهيجُ بأنفاسه المضطربـة : كيف؟ . .
: هالكلام وصلني الساعة 7 الصباح! . . أظن سليمان راح يضّر فارس بدون شك! . . لكن المشكلة هو أنت!
سلطان توترت أصابعه ليترك الحزام دُون أن يحاول فتحه : الحيّ مراقب! أنا اهم شي عندي بيتي!!
: كثفنا جهودنا الأمنيـة، لكن بالنهاية . . انت عارف الحال! سبق ودخلوا البيت وكسروه
سلطان شحب لونـه بفوران دماءه : لو صار شي لأهلي ماراح يحصل لأحد طيِّب! مفهوم؟
: مفهوم طال عمرك لكن احنا سوينا اللي علينا! وش ودِّك نسوي أكثر وإحنا مستعدين؟
سلطان : ما شفتوا أثر أحد لما أحترقت المزرعة؟
: لا . . بس الجانب الخلفي اللي احترق ولا أحد من العمَّال شاف شي!
سلطان تنهَّد بهواءٍ يضيقُ بإنحداراتِه في جوفه : طيب . . بس يصير شي ثاني بلغني!
: أبشر . .
أغلقه ليسقط الهاتف من يدِه بحركة الحبال التي أنسحبت للخلف، جرّه الحبل لإرتطام رأسه بعامودِ قاسٍ حارق، أخفض رأسه ليتقيأ الدماء، شعر أنه يغيب كليًا عن العالم الذي حوله.
لا عينايّ ترى الإنعاكسات بإتجاهٍ سليم ولا أنا أرى شيئًا بمكانه الصحيح، أختنق يالله بغصاتٍ متكاثرة على حافـة قلبي، لا تترك ليْ فرصة المرور سهلة ولا تترك لي فرصة الرجوع سهلة، إني عالق! . . " ثارت دماءه لتعتلي الحُمرة عينيْـه، حاول أن يفتح الحزام ولا جدوى، أختنق وهو يشتدُ اكثر حول بطنه حتى شعر بغثيانٍ مؤلم والدماء تنزفُ بعمق من رأسه، حاول أن ينادي، أن يصرخ ولكن بلع صوتـُه بحُرقة الدماء الثائرة، طريقـة وحدة بأن يفتح الحبل الاول ولحظتها سيصعد به للاعلى وفرصة أن يرتطم بإحدى الأبراج الشاهقـة كبيرة "
كانوا كثير يالله الذين فقدُوا حياتهم بهذه الصورة المفجعة، لا تجعلني منهم! يا رب . . يارب . . يارب أسألك ثلاثًا.
تقيأ مرةً أخرى وهو يضع يدِه المرتخية على الحبل، كل شيء يخذله حتى قوتـه.
ثانيـة، لحظة ولحظتيْن، عدّ في داخله وهو يُدرك تمامًا لو فقد وعيْه الآن سيذهب لموتٍ شنيع ويفقد قدرته على التحكم بالحبال المرتبطة به.
مرّت في باله بصورة موجعة، مرّت بملامحها الباذخة، بكلماتها الناعمة، بربكـةِ شفتيْها وحُمرة خجلها، مرَّت بصوتِها النَدِي، مرَّت بألم.
فاتنـا أن نعيش! أن نُخيط لنـا من الأرض قطعـة من اجلنا، فاتنا أن نحيـا بلا ألم. يا مرورك المرّ في ذاكرتي، ويا حُزني الذي تشي به عينايْ.
عاد بخُطاه الذابلة للخلف وهو يحاول أن يسحب الحبل للجهة الأخرى، مسك القطع الحديدية الحادة الخارجة من الحزام، حاول أن يُبعد إحداهما بلا حول ولا قوّة.
في جهةٍ أخرى خرج من المصعد متجهًا لأحمد : سلطان جاء ؟
أحمد : إيه وسأل عنك!
عبدالرحمن : بمكتبه ؟
أحمد : لآ طلع للساحة!
عبدالرحمن عاد بخطواته للمصعد ولكن سُرعان ما أبتعد : بس يخلص تدريب خله يمّرني . . وإتجه نحو مكتبه.
سلطان تحت حرارة الشمس التي تغلي دماءه النازفة، يسعلُ ببحة مؤلمة دُون أن يخرج صوتـه، يرى الموت بعينيْن يغيبُ نصفها ونصفها ينظرُ بوجَع.
سقطت عيناه للدائرة الكهربائية المكشوفـة، على بُعد خطوات لو يقترب منها سيحترق لا مُحالة. تمرُّ الدقائق وهو يتحامل على وجعه حتى لا يغيب وعيْه. كل الأشياء السيئة التي فعلها تعبره، يشعرُ بأن الموت يُداهمه بصورة فجائية.
كل الاشياء تتعلق بالجوهرة وحدها، تصبب عرقـه مُبللا وجهه الذي يختفي اللون منه، الموت الذي نعرفـه جيدًا لا يتعامل معًا بشكلٍ جيّد، سكرَات الموت الذي نسمعها دائِمًا تأتِ أحيانًا على هيئة كلمات. أنا أحتضر وأخشى على شخصٍ واحد.
من أعلى وقف أمام النافذة تغرق عينيْه بهذه المملكة الأمنيـة العملاقـة، أنتبه لسلطان، غرقت عيناه حتى شدَّته الدماء، نظر للحبل الملتوي حوله، أدرك أنه يختنق. بخُطى سريعة خرج ليهرول مُفاجئًا الجميع، نزل للأسفل بالسلالم دون أن ينتظر المصعد، ركض إليْه، حاول أن يفك الحزام الذي يحاصره، رفع عينه لسلطان الذي أغمي عليه تمامًا.
عبدالرحمن وضع يدِه على عنقه ليستشعر نبضه، بصراخ: سلطااان . .
أبعد أنظاره لتأتِ صرخته بعظمة مكانته في صدره، يستجدي أحدٍ يأتِ يُساعده.
نظر إليْه برجاءٍ كبير وهو يحاول أن يُبعد الحبال عنه، وجهه لا يُبشر بالخير من الدماء التي لم تتدفق إليْه بعد : سلطااان . .
وضع يدِه على رأسه ليُلامس الدماء، نظر بدهشـة لكفِّه من منظر الدماء، بصوتٍ يموت تدريجيًا : لآ يا سلطان! . . لا . .
صرخ بقوّة : أطلـــــــــــــبوا الإسعاف! . .
خرج بعض الموظفين على صوتِـه لتندهش أعينهم بما يرون، كأنها محاولة إنتحار لا يروْنها إلا بالأفلام السينمائية.
عبدالرحمن ويدِه لا تفارق عنقه الشاحب : يارب . . يارب . . وضع يدِه الأخرى المنتشية بدماءه على وجهه دُون أن يهتم بأيّ بلل.
أقترب أحمد ليحاول نزع الحبال عنه، بتوتر : كيف متشباكة ؟
عبدالرحمن بربكة عميقة : جيب أيّ شي نقطعه
أحمد : مستحيل! الحبال ما تتقطع بسهولة! . . لحظة . . مفروض هالحبل يكون بالجهة الثانية!
عبدالرحمن يحاول رفع رأس سلطان الذي بدأ بأكمله هو وجسدِه يذبلان معًا وبغضب : وين الإسعاف!!!
أحمد : دقيقتين بالكثير وهم هنا . . بس عشان نلحق . . . . .
أتى مسفر المسؤول الآخر عن هذه الساحة : مافيه حل غير نحرق الحبل عشان يرتخي ونفكّه!
عبدالرحمن : جيب كبريت !
أحمد وقف أمام جسدِ سلطان حتى لا تتسلل النار إليْه.
عبدالرحمن وضع ذراعه بجانب رأسه أيضًا حتى لا تُقارب النار إليْه، أقترب مسفر ليُشعل النار بمنتصف الحبل وسُرعان ما أطفأها، أخرج السكين الحادة من جيبـه ليُقطِّع بها الحبل الليّن بعد الحرق، بمُجرد ما قطّع آخر أوتار الحبل حتى سقط على الأرض، جلس عبدالرحمن على ركبتيْه ليرفع رأسه من الأرض الحارقة : نبضه ينخفض!!!
أحمد أنحنى الآخر ليُجري أول ما تعلمه في حياته، شبك كفيّه ببعضهما البعض ليضعها فوق قلبِ سلطان، بقوّة ضغطه حاول أن يُعيد نبضه لإتزانه، حاول مرةً ومرتين وثلاثـة ولا يحصل شيء سوى الدماء التي تخرج من فمِه.
عبدالرحمن يشعرُ بأن قلبـه يُقارب على التوقف من منظر سلطان، لا يتحمل فاجعة جديدة! أؤمن والله أن المصائب لا تأتِ فُرادى، يارب يارب يارب أحفظه.
أحمد برهبـة : نبضه متوقف!!!
عبدالرحمن أشتعلت عيناه بالحُمرة : لا . . أبعد . . وضع رأسه على صدرِه ولا شيء يسمعه! وهذه " اللاشيء " تعني موتٌ لا يصطبر عليـْه.
عبدالرحمن بنبرة متحشرجة : وين الإسعاف؟ . . ويننننهم
أحمد بتوتر وقف وهو يشعرُ بأن العالم يدُور به، خسارة سلطان تعني خسارة دولة بأكملها، من بعد سلطان العيد و عبدالله القايد و مقرن و الآن ؟ هذا ما لا طاقة لنا به.
موتُه مخطط! هذه الحبال المتشابكة ليست صدفة! وربُّ البيت ليست صدفـة، إنما مفتعلة من أحدهم.
دقائِق عميقة حتى دخل رجال الإسعاف، وقف عبدالرحمن ملطخًا بدماءه يحاول أن يصدق عكس ما تُشير إليه صورتـه، وضعُوا جسده الذابل على سرير الإسعاف المتحرك وخرجُوا به دون أن يقولوا شيئًا يُطمئننا، إتجه نحو المغاسل ليُغسل يديْه و وجهه، توضأ بثواني ممتدة بتفكيرٍ غائب تمامًا. أحاول أن لا أفكر بأسوأ الأشياء ولكن تأتِ بغتة.
خرج متجهًا للغرفة المنزويـة، نزع حذاءه، شعَر بأن قوَّاه تنهار فعليًا ليسجد قبل كل شيء، إلتصق جبينـه على سجادة الصلاة بملامحٍ صبرت عُمرًا وفي أرذل هذا العُمر فقد قوَّاه و صبره، لا يحتمل الموت الذي يحمل نعش الذكريـات على الدوام! لا يحتمل أن تنتهِي حياة أحدٌ بصورة مؤذيـة.
سالت دمعته التي تصطدم بالسجادة، يارب الناس والحياة، يارب الموت والنهايات، يارب الأمن والأمان ، يارب قلبـه لا تُرينا به مكروهًا، أعِد له نبضـه وحياته ولا تُحمّلنا فوق طاقتنا بفُقده، يارب أنت تعلم بحاجتنا إليه بعدك، يارب أنت تعلم بوجَع عائلته فلا تتركنا نبكيه، يارب أرزقنا النفس المؤمنـة بقضاءك وقدرك. يارب إنه لا يعجز عنك شيئًا ولا يخيب من سألك.

،

دخل مشمئز من الملامح التي يراها، يشتدُ بغضه لهذه الأعين التي تلاحق ظلاله، فتح الباب لينظر لوالده : السلام عليكم
رائد بهدُوء دُون أن يرفع عينه : وعليكم السلام
فارس تقدّم نحوه لينحني ويقبِّل رأسه : وش صاير ؟
رائد يرفع رأسه ليسند ظهره على الكُرسي : أنت اللي قولي وش صاير ؟
فارس : مافهمت!!
رائد يلوي فمِه يمنةً : فارس لا تستفز أعصابي
فارس : والله مو فاهم
رائد وقف بغضب : وش مخبي عني؟
فارس : ولا شـ
لم يُكمل من والده الذي دفعه بإتجاه الجدار، أحاط رقبته بكفيّه الحادتيْن، بغضبٍ يضغطُ على أسنانه : وش مخبي عني؟
فارس يختنق بقبضة يدِه، تركه لينحني بسُعاله الضيّق، رفع عيناه بهيجان مالح : قلت لك ما أعرف شي!!!
رائد : طيب!! . . وين عبير؟ تركتها وين؟
فارس : كلامك معي مو معها
رائد بصراخ : فاااااااارس!! . . لو تموت قدامي ما كملت معها!
فارس : ماراح أموت قدامك! وبكمل معها
رائد يصفعه بقوّة ليشدّه من ياقته : لا تعاندني!
فارس نزفت شفتِه بالدماء الثائرة : سمّ وأبشر بكل شيء عدا عبير
رائد يدفعه ليضرب رأسه بالجدار، تجاهل فارس كل ألامه ليُردف : هذا اللي طلبتني عشانه؟
رائد :قلوبهم كلهم بتحترق بما فيهم عبير!!
فارس تنهّد وهو يمسح دماءه بطرفِ كُمه : واضح يا يبه أنك بديت تنسى كثير! عبير هي أنا لو ضريتها بتضرني! عاد إذا يطاوعك قلبك تضّر ولدك فهذا شي ثاني
رائد : أتركها زي الكلاب! وأبشر بكل اللي تبيه
فارس : لا
رائد بعصبية هائلة : أتركها يا فارس لا تخليني أوجع قلبك فيها!!!
فارس : مستحييل
رائد : إذا تركتها وعد ما يجيها شي
فارس ثارت أعصابه ليُردف : تحاول تجبرني أني أتركها!!
رائد : أقسم لك بالله لو تركتها ما أخلي ظل يسيء لها
فارس : يبه لا تسوي فيني كذا!!
رائد : أتركها! . . أتركها وأوعدك ما راح يضرّها شي! لو تحبها صدق أتركها
فارس مسح على وجهه وعينيْه تشتدُ بحمرتها : اللي تسويه في ولدك حرام! خله يعيش ولو مرّة
رائد بخفوت : سليمان راح يذبحك معها! أنا قاعد أحميك
فارس بضعفِ الحُب الذي دائِمًا ما يستمد قوته منه : بس احبها! مقدر . . روحي معها
رائد بحنيَّةٍ لا يُبددها الزمن، يقترب منه ليمسح دماءه بكفِّه : أنا احاول ألقى منفذ عشان أورّط سليمان مع آسلي . . لكن ماراح أضمن أنه ماراح يجيك شي! . . فارس أحلف لك بالله أنه هالمرّة مالي مصلحة في هالموضوع! أبيك تتركها عشانك
فارس : مقدر
رائد : إلا بتقدر! . . بكرا تنسى عبير وطوايف عبير!
فارس : مقدر لا تطلب مني شي فوق طاقتي!!
رائد : فااارس! لا تجبرني أستخدم القوة معك!!!! مثل ما صار هالزواج بتدبيري ينتهي بتدبيري بعد! ولا تتوقع أنه عبدالرحمن بيجي يوم يرضى فيه عنك!! . . لا أنت تناسبها ولا هي تناسبك! أتركها من الحين قبل لا تدخل في معمعة ما تنتهي على خير!
فارس عقد حاجبيْه : نسيت أمي؟ قلت ما تناسبك؟ تزوجتها وأنتهى زواجكم فيني! ليه تحرمني من شي أنت مقدرت تحرم نفسك منه؟
رائد بغضب : أنا غير وأنت غير!!! فارس للمرة الالف أقولك أتركها
فارس وضع يدِه على رأسه بمحاولة جادة أن لا تنهار خُطاه المبعثرة : مستعد أسوي لك أيّ شي بس أترك عبير ليْ . .
رائد : ما ينفع! وجودك معها خطر لك ولها! . .
لم أترجى في حياتي شيئًا كرجائي من أجل عبير : أكيد فيه حل! . .
رائد للحظة الأولى أدرك عُمق الحب في عين إبنه، صمت لثواني من عينيْه التي تتوهَّج بحُمرة العشق : يا يبه أسمع كلامي! أصلا طريقة زواجكم مبنية على فشل!!! لا عبدالرحمن راضي ولا أنا! مستحيل أحد يتنازل منّا! . . مهما حاولت تطوّل بالوقت بينك وبين عبير بالنهاية لا أنت لها ولا هي لك
فارس بجمُودِ ملامحه الغير مُصدقة لكل هذه الإتهامات : عبير ليْ . . سواءً رضيتوا أو لا
رائد : فاارس! فاارس أفهم أنها ماهي لك! . . أتركها!! تتألم من غيابها أحسن من أنك تتألم من موتها
فارس : الأعمار بيد الله
رائد بعصبية : لكن نآخذ بالأسباب! أنا أعرف شغلي زين وأعرف كيف تنتهي فيه الأمور!!! كنت عارف أنك تشتغل من وراي! ورطت نفسك وورطتني معك!!! كان مفروض كل معلومة تعرفها تقولها لي بس شوف نهاية سكوتك وهدوئك! . . فارس بتطلقها وبتتركها أحسن لك وأحسن لها
تأتِ الكلمات بصورة قاتلة، بصورة مُفجعة اكثرُ من كونها كلمات، تأتِ بشكلٍ إنتحاري فوق كل إحتمالاتنا بالحياة.
فارس : وأنا يبه؟ ما عشت بعُمري يوم حلو! طلبتك إلا هيْ
رائد صمت طويلاً حتى سحبه له وعانقه بإندفاع الحنان في صدرِه، ذبل جسده بعناق والده الحزين : عشانك وعشانها.
فارس بضيق يخنق صوتـه : كم مرّة يا يبه أموت في هالحياة؟ كم مرّة أتعذب؟ . . خلني بس مرّة أعيش!
رائد بخفُوت قريبًا من أذنه : فيه أشياء تستصعبها بالبدايـة وما تتقبلها لكن بعدين تقتنع فيها!
فارس بحسرة : عبير ماينطبق عليها هالكلام! . . يبه عبير اللي شفت فيها نفسي وحياتي! كيف تقوى تقولي أترك حياتِك! مقدر! . . . تكفى يبه!
رائد يضيق صوتـه : ماعاد ينفع هالكلام
فارس يبتعد عن حضنـه الفسيح : كيف أتركها ؟ والله أموت
رائد : بسم الله عليك! . . فارس ما أخبرك ضعيف!! أنت قادر توقف على حيلك بدونها
فارس : كنت صادق يوم قلت لك نحن قوم إذا أحبوا ماتوا . .
رائد نظر إليه بنظراتٍ لا منتهيـة من التيّه : كنت صادق!
فارس يُشير لقلبه : هنا الوجع مين يداويه؟
رائد : أتركه للأيام
فارس أشاح بنظره ليُردف : الأيام داوتك بعد أمي؟
رائد : إيه
فارس : تكذب يا يبه! . . تكذب وأنت لهفتك بعيونك كل ما أتصلت
رائد بحدة : فارس!!!
فارس بضيق يجلس على حافة النافذة ونظراته ممتلئة بالرجاء : مقدر يا يبه! والله مقدر . . تعرف وش يعني أتركها؟
رائد بهدُوء : حبيت الشخص الغلط! وهذا الحل بالنهاية
فارس : أوقف مع ولدك ولو مرّة! أنصفني
رائد : وأنا ما عُمري وقفت معك؟ أسألك بالله يا فارس تصدق؟ أنا لو اعرف أنه مصلحتك معها كان خليتها معك لكن أنا عارف أنه مصلحتك صفر معها!
فارس تنهّـد : طيب
رائد : بتطلقها؟ بتنهي هالموضوع بكرا ؟
نظر للسقف بعينيْه التي تحمرُّ حبًا/عشقًا : إن شاء الله
رائد عقد حاجبيْه لينحني بظهره ويُقبل رأس إبنه الذي لا يعتلي مكانته أحد بقلبه/بحياته، أحاط يدِه برأسه : بنتظرك بكرا! لا تتأخر
فارس أبتعد ليخرج، نزل للأسفل بالسلالم المتأملة لخُطاه التائهة.
ركب سيارته خارجًا من الحيّ الأسوأ على الإطلاق، أبتعد عن المنطقة متجهًا نحو الفندق، تعبره الدقائق والمطر يهطل بغزارة! لا شيء أخفُ من المطر ولا شيء أثقل من وجَع الماء.
وصل للفندق ليضع رأسه على مقوّد السيارة.
يالله! لا أعرف لمن ألجأ، أخطأت دروبي ولكن لم يأتِ دربها خاطئًا، كانت أكثر الأشياء صدقًا في حياتي! يارب أنت تعلم أنني أحببتها بشراهـةِ، بكثافة. أنت تعلم كم كلفني حُبها. ولكنني أغرق في أرضٍ تيه، ماذا أطلبُ من قدرِي بعدها؟ يارب هي آخر الأحلام وختام الحياة، لا نجمة بعدها أهتدِي بها في صحراء الدنيـا الواسـعة، لا نجمة بعدها تطلُّ من السماء. كموَّالٍ عراقي يضلُ يبكينـا لسنين طويلة ، كلَيلةٍ بغداديـة مخضبـة بالدماء، كنحنُ يا عبير. استسلم رُغمًا عني! أنا الذي وعدتُ نفسي أن لا يجيء شيئًا يُباعد بيننا، ولكن رمشُ الوَعد تكسَّر! لا شيء يهزّ الرجل سوى الحُب، لا شيء يعبثُ به أكثرُ من المرأة، أترانِي أبكيكِ حُبًا ام بُعدًا ؟ حد الفضَاء موجوع. عن الصبَـابة،الشغف و الود، عنهم جميعًا أنا البكاء الواقفُ في حنجرة القصائد، وأنا الشطر المكسُور في أغنيـة يتيمة لم ينعشها وزن ولا قافيـة، لم أكن طاهرًا بما يكفي حتى أليقُ بِك ولكنني كنتُ عاشقًا بما يكفي حتى أهتدِي إليك.
تلألأت في محاجره دموع شرقيـة، تُكابر بعزَّةِ سمرَاء ولا تسقط، فقط تُضيء عينيْه كمصابيح الحوانيت في القُرى الفقيرة.
مثل قلبي الذي توسَّل الغنى من عينيْك ولم يفلح.
مسح وجهه بكفيّه الدافئتيْن، نزل متجهًا للداخل بشتاتٍ فعلي، ضغط على المصعد الكهربائي.
من المؤسف أن أشعر بضيق قلبي في لحظة توقعت أن كل الأمور تُبسط يدها أمامي، من المؤسف أن تغيبين عنِّي.
دخل ليضغط على الطابق الثالث، وضع يدِه على رأسه بمحاولة تخفيف هذا الصداع الذي ينهشُ خلايا عقله الثائرة بوجه الحياة، . . بوجه الفراق.
أخرج مفتاحه ليفتح الباب بخفُوت، دخل ليبحث بعينيْه عنها، تقدَّم بخُطاه لينظر للسرير الذي تستلقي عليها ومن خلفها شعرٌ مبلل بالماء، وقف دُون أن يهمس بكلمة ودُون أيضًا أن تشعر به.
تُعطي الباب ظهرها وهي تتوسَّد يدها ويدها الأخرى تُحركها بخُطى موسيقية على الفراش، بصوتٍ ناعم مبحوح يكاد لا يُسمع : كيفَ أقُصُّ جذورَ هواكَ من الأعماق، علِّمني! كيف تموتُ الدمعةُ في الأحداق علِّمني! كيفَ يموتُ القلبُ وتنتحرُ الأشواق .. . صمتت لتغرق عينيْها بالنافذة، ضمَّت يديْها ناحية صدرها حتى تُخفف رجفة البرد التي تُصيبها.
سحبت وسادة أخرى لتضعها تحت رأسها مما جعلها تلتفت للخلف، شهقت برُعب من وقوفه.

عبير تسارعت أنفاسها بإضطراب كبير، جلست لتُبعد شعرها للجهة الأخرى دُون أن تُجففه من الماء الذي يمتصّـه.
نظر للطعام الذي لم يُلمس ليُردف : ليه ما أكلتي؟
عبير : مو مشتهية
فارس : طيب تعالي .. بكلمك بموضوع
عبير بخُطى خافتة وقفت لتجلس أمامه : وشو ؟
فارس ضاعت عينيْه بعينيْها، أربكها بنظراته حتى شتتها بعيدًا عنه : بس يجي أبوك باريس! راح ترجعين معاه
عبير إبتسمت بسعادة لا تستطيع أن تُخبئها : متى راح يجي ؟
فارس يختنق بإبتسامتها الفسيحة : بالضبط ما أدري! ممكن هاليومين
عبير : اتصل عليك ولا كيف ؟
فارس : لا . . بس أنا فكرت وشفت أنه طريقة الزواج غلط وبالنهاية لازم تتصلح!
عبير توترت لتتلاشى إبتسامتها الناعمة : أكيد لازم تتصلح!!! لأن مافيه زواج بالغصب
فارس : ممكن أسألك سؤال واعتبريه آخر ما بيني وبينك
عبير بربكة وضعت يدها على نحرها : تفضَّل
فارس : مين اللي كنتي تقصدينه بكتاباتك؟
عبير بلعت ريقها لتُردف : محد
فارس : فيني فضول أعرف مين كنتي تحبين في مراهقتك؟
عبير أحمرَّت ملامحها البيضاء لتقف : ما يخصّك!
فارس ظهرت غيرته في عينيْه التي تحرقها بنظراته : لهدرجة الجواب صعب؟
عبير بغضب : مالك علاقة فيني ولا بمين حبيت ولا كرهت!!
فارس يقف ليروِّض غضبها بوقوفه المُهيب لقلبها : خليك لطيفة شوي على الآقل في هالأيام الأخيرة
عبير عقدت حاجبيْها وبنبرةٍ مُتذبذبة : وش تبغى توصله؟
فارس يُدخل يداه في جيوبِ بنطاله : ولا شي! وش بيكون مثلاً؟
عبير تنهدَّت بنظراتٍ غاضبة : طيب . . حاولت أن تتجاوزه لتتجه نحو الأريكة الأخرى ولكن وقف أمامها ومن خلفها الطاولة الزجاجيـة
رفعت عينها بتنهيدة : أستغفر الله
فارس إبتسم : بمُقابل أني راح أسلمك لأبوك لازم نتفق على شروط معينة
عبير فهمت مقصده من خُبث إبتسامته : إبعد عن وجهي
فارس : أول نتفق! كلها يومين مو لهدرجة ماتقدرين تتحملين عشان أبوك!
عبير : وش تبي ؟
فارس إقترب خطوة لتتراجع عبير خطوتين وترتطم أقدامها طرف الطاولة، إلتوى ساقها حتى سقطت على ظهرها، تناثر الزجاج حولها من سقوطٍ لم تتوقعه في وسطِ طاولة زجاجيـة خفيفة.
فارس بخُطى سريعة إنحنى عليها : لا تتحركين . . . جلس بجانبها ليُبعد الزجاج الذي التصق ببلوزتها.
عبير بغضبٍ أحمرّت به عيناها المنتشية بالدمع :كله منك! . . . لا تلمسني . . أبعد . .
فارس بعصبية وضع يدِه على فمها ليُسكتها وهو يُبعد بيدِه الأخرى قطع الزجاج المتناثرة حولها ليُردف : أنا لو أبي أضرّك كان ضرّيتك من أول يوم! فما له داعي تخافين مني في كل حركة أتحركها!!
عبير بغضب رفعت رأسها ومازالت يدِه تكتم فمها، عضَّته بشدّة حتى أبعدها. فارس نظر إليها بدهشـة : عنيفة!!!! . .
عبير : ولا تحاول تقرّب لي بخطوة
فارس تنهَّد وهو يُشير إليها بالسبابة : لا تنسين أنك لوحدك! حطي هالشي في بالك قبل لا تخسريني بعد
عبير أشاحت أنظارها بعيدًا وهي تُمدد بأكمام بلوزتها حتى تُغطي كفيّها، شعرت بدوارٍ إثر هذا السقوط، فارس : ما سمعتي الشروط ؟
عبير تنهدت : وش ؟
فارس : كوني زوجتي ليوم واحد.
نظرت إليه بدهشـة ومحاجرها المحمّرة تتسع، خفتت أنفاسها المضطربـة، لم يبقى هواءً تسحبه لصدرها، هُم هُم لا يتغيرون! مثل التفكير ومثل التصرفات! مثل الدناءة!
فارس : لا يروح فِكرك بعيد!!! أقصد تصرفي كزوجة بدل هالحدّة بنظراتك
عبير أخذت نفس عميق وكأنها استردت الحياة للتو، أغمضت عينيْها لثواني طويلة حتى فتحتها، يسحبني بلحظاتٍ سريعة نحوه، يُوقعني بتفكيره بعُمق شخصيته، يتصرف بطريقةٍ تُثير حواسِّي التي تتشبثُ به كمحاولة أخيرة للخلاص : تبيني أمثّل أني مرتاحة معك!
فارس : لا تمثلين! تصرفي بعفوية! عيونك تقول أشياء ولسانك يقول أشياء ثانية
عبير بغضب : بطّل تحلل شخصيتي! . . وقفت وتحتها كومة زجاج، ليرفع فارس عينه وبتلذذ بتحليلها : تحاولين تحسسيني أنه مالي وجود في عالمك وأنك معصبة علي! وأنك متضايقة من وجودك هنا! لكن كل هالأشياء خرافات من عقلك والمشكلة أنك مكذبتها لكن تتصرفين وكأنك مصدقتها
عبير تجمدَّت أقدامها من قراءته لها كأنها صفحـة واضحة لا تُخفي شيئًا، أخذت نفس عميق لتُردف دون ان تلتفت إليه : والمشكلة انك تصدق خرافاتك!
فارس وقف ليضع قدمه بين قدميها، أمال قدمه حولها حتى تلوي كاحلها ويُرغمها على التمسك به، وضعت يدَها على ذراعه حتى تقف بإتزان، بغضب من ألاعيـبه : فارس!!!!
فارس بضحكة يُخفف بها لوعة الوداع : يا عيونه
عبير شعرت بأن دماءها تفُور وتغلي، نظرت لعينيْه وهي تشتدُ حمرَّةً من النار ذاتها : لو سمحت!
فارس : وش أتفقنا؟ تصرفي كزوجة عشان أتركك بأقرب فرصة
عبير بحدّة : والزوج يلوي رجل زوجته ؟
فارس بإبتسامة هز رأسه بالنفي ليُردف : بس ممكن يسويها في حالات مجهولة الأسباب!
عبير رُغمًا عنها إبتسمت في وقت جاهدت فيه أن تبقى بغضبها، ضحك فارس بخفُوت على شفتيْها التي تحاول أن تحبس إبتسامتها : بما أنك راح تتصرفين بعقل كزوجة راح نطلع الليلة لمكان قريب . . وأعتبريها الليلة الأولى والأخيرة
عبير : وين ؟
فارس : خليها مفآجآة
عبير : أخاف من مفاجآت الناس الغريبة
فارس بإبتسامة : أنا آسف على محاولاتك السيئة بأنك تجرحيني!
عبير شعرت بأنها تذوب فعليًا، وقلبها يضطرب بنبضاته : ما قصدت أجرحك!
فارس : مسألة أنك تقولين أني غريب و إلى آخره من كلماتك صدقيني ما تحرّك فيني شي! أنا يكفيني عيونك وش تقول!

،

وصلَت بعد ساعاتٍ طويلة ناعسـة لبيتها الذي لم تفقتده كثيرًا، كل الذكريات السيئة تتفرعُ منه بصورة مؤذيـة لقلبها، أخذت نفس عميق لتنزل من السيارة ومن خلفها والدها.
: لا تخبين عن أمك شي!
الجوهرة : إن شاء الله . . وقفت الجوهرة لتترك والدهًا يدخل أولا إمتثالاً للحديث الذي تحفظه منذُ نعومة أناملها " لاتسمه باسمه ولاتمش امامه ولاتجلس قبله ".
عبدالمحسن بصوتٍ عالٍ : السلام عليكم . . دخل إلى الصالة لترفع عينها : وعليكم السـ . . نظرت للجوهرة بلهفة . . وعليكم السلام والرحمة . . وش هالمفآجآة الحلوة
الجوهرة بإبتسامة أنحنت عليها لتُقبِّل رأسها ويدها، جلست بجانبها : بشريني عنك؟
والدتها : بخير الحمدلله . . انتِ شلونك؟ وش مسوية؟
الجوهرة : تمام دام شفتك . . رفعت عينها لريـان الذي نزل وبجانبه ريم.
وقفت بتوتر وحساسيـة ما بينهما، قبلته بهدُوء : شلونك ؟
ريان بإقتضاب: بخير . . .
عانقت ريم التي بدأت تعتاد على أجواء هذه العائلة بكافة تناقضاتها بين الصخب والهدوء: منوّرة الشرقية
الجوهرة بإبتسامة عميقة : منورة فيكم . . بشريني عنك؟
ريم : بخير الحمدلله . .
ريّان جلس دُون أن ينطق كلمةٍ أخرى، تركنا حزننا للزمن ولم يُداوي هذا الزمن خيباتنا.
الجوهرة توترت من صمت ريـان وجمُودِ ملامحه، جلست لتُردف : وين أفنان ؟
ريم : قبل شوي نامت!
والدتها : زين جيتي! على الأقل تبعدين عن الرياض شوي! خذتك منَّا
الجوهرة إبتسمت : محد يآخذني منكم
ريّان ببرود : واضح
الجوهرة نظرت إليْه لتأخذ نفس تُخفف الربكة التي اصابتها : انشغلت شويْ عن الكل مو بس عنكم!
ريّان : سلطان ماراح يجي ؟
الجوهرة بلعت ريقها : لا . . مشغول
عبدالمحسن : بيأذن العصر الحين . . يالله ريّان أمش معي . .
ريّان رفع عينه لوالده الذي يشي بكلماته لموضوع ما : إن شاء الله . .
ريم لاحظت التوتر بينهما لتُردف : ليه ما جيتي العرس؟
الجوهرة : ما أحضر حفلات! بس أتصلت على هيفا . . اللهم يهنيهم يارب
ريم : آمين . .
والدتها : وشلون عمة سلطان؟
الجوهرة : ماعليها بخير الحمدلله . .
ريم وقفت : بروح أشوف الغداء
أم ريان بإبتسامة : عاد جيّتك يالجوهرة بركة! اليوم أول مرة بنذوق طبخ ريم
ريم بإبتسامة منتشية بالفرح خرجت لتُردف الجوهرة : واضح أنها مرتاحة الحمدلله
أم ريان : إيه الحمدلله . . ما شفتي الأيام اللي فاتت! الله يصلح ريّان بس
الجوهرة بنظراتٍ ممتلئة بالشوق : إيه سولفي لي بعد؟
والدتها : أبد على حطة يدِك ! مافيه شي ينذكر .. أنتِ اللي سولفي لي؟ شلون سلطان؟
الجوهرة : عندي لك بشارة
والدتها بإبتسامة : وشو ؟
الجوهرة بحُمرة ملامحها الناعمة : أنا حامل
تجمدَّت ملامحها لتستوعب حتى عانقتها بشدَّة : يا عين أمك! عساه مبروك
الجوهرة ضحكت بفرحة عميقة : الله يبارك فيك . .
والدتها : من متى ؟
الجوهرة : تو ما صار! بس قلت أقولها لك وجه لوجه!
والدتها بعينيْن تُضيء بالفرح : وأخيرًا بشوفك أم
لا شيء أطهرُ من أن يُصبح لك حفيدًا ينحدرُ من رحم إبنتك، لا شيء أجمل من هذه الفرحة ولا يُضاهيها أيضًا، الحياة الناعمة مهما تنازعت وفاض جدلُها يبقى الطفل محلُ وفاق أبدِي، والجنين الذي يكبرُ فيك يالجوهرة يتخذُ من قلبي مقعدًا.
الجوهرة وإبتسامتها لا تغيب، نظرت لدموع والدتها المحتبسَة لتهيج محاجرها بالملوحة : الحمدلله
والدتها: يا سعادتي والله . . ياربي لك الحمد والشكر
الجوهرة : ما ودِّي أخرب فرحتك عشان كذا بكرا بقولك الخبر السيء
والدتها عقدت حاجبيْها : لآ قولي الحين! عسى مو صاير شي كايد؟
الجوهرة : لا . . بس أنا وسلطان
والدتها بضيق : لآ تجيبين طاري الطلاق!!!
الجوهرة أخفضت رأسها : وش أسوي يمه! علّه خيرة
والدتها : لآ يمه لا توجعين قلبي!! أكيد فيه حل! . . سلطان يدري عن حملك؟
الجوهرة : لآ
والدتها : حرام عليك! كيف تخبين عنه؟ لو تقولين له كل أمورك تنحّل
الجوهرة برجاء : الله يخليك يمه لا تضغطين عليّ! ماتدرين الخيرة وينها!
والدتها بحزن يعبرُ صوتها : الله يسامحك بس

،

دخلت للغرفـة وعيناها تتأمل بغرقٍ عميق، أشعرُ وكأنني أدخل متحف من السبيعنات الميلاديـة، الصور المعلقـة بطريقةٍ مُذهلة تجذب عيني بلا إنتهاء، و آلة الكتابـة البدائيـة تتوسطُ الطاولة الخشبيـة، رفعت عينها للثريـا الذهبيـة التي تُشبه عصور أوربـا المنتشيـة بالثراء، ألتفتت ناحيـة المكتبة التي تحبس الكتب بترتيبٍ أنيق، يبدُو لوهلة أنها غرفة للتأمل فقط.
من خلفها : وش رايك؟
هيفاء بإبتسامة : تجنن . . جميلة مررة
فيصل اقترب من المكتبة ليُردف : أيّ نوع من القراءة تفضلين؟
هيفاء تنحنحت بتوتر : آ . . يعني . .
فيصل : روايات وأدَب؟
هيفاء : إيه
فيصل : هذي رواية البؤساء! لما كنت في باريس حضرت مسرحيتها . . ماراح تندمين عليها! تعتبر من أشهر الروايات سوُّو منها أفلام ومسرحيات كثيرة وللحين مشهورة مع أنها من القرن 19 . .
هيفاء جاهدت أن تُظهر إبتسامتها : تحكي عن أيش؟
فيصل : عن الظلم الإجتماعي في فرنسا بعد سقوط نابليون! . .
هيفاء ودّت لو تُخبره بأنها تكره القرآءة ولكن ألتزمت صمتها ليُردف فيصل : وفيه كتب كثير ممكن تعجبك! متى ما طفشتي أدخلي وأقرأي براحتك
هيفاء بإعجاب كبير : هالغرفة للتأمل بجد!
فيصل إبتسم لينظر لريف التي تتمايل بمشيْتها حتى تجيء إليه، رفعها : وشلون الحلوة؟
ريف: كويسة
فيصل : طيب سلمي على هيفا
ريف بعفويـة مدّت يدها الصغيرة. هيفاء بضحكة عانقت كفّها : مساء الخير
ريف ترفع عينها لفيصل لتهمس : وش أقول؟
فيصل : قولي مساء النور
ريف بتلعثم حروفها الناعمة : مسا النور
خرجَا من الغرفـة، ليأتِ صوت والدته الهادىء : غيّروا ملابسكم على ما احط الغدا
فيصل يُنزل ريف : شوية وأجيك . .
ريف بإبتسامة : تيب
فيصل صعد للأعلى لتتبعه هيفاء، فتح لها جناحه لتتأمله بمثل تأملها السابق، يطغى عليه التصاميم القديمـة منذُ عقودٍ سابقة، إتجهت نظراتها ناحيـة السرير الذي يطغى بخمريـة لونه : هنا غرفة الملابس!
هيفاء : أوكي . . نزعت عباءتها لترتفع معها بلوزتها أمام أعين فيصل التي لا تفوّت لحظة لتأملها، علقت عباءتها وهي تُنزل بلوزتها دون أن تنتبه لنظراته، رفعت عينيْها لتقع بعينيْه، إرتبكت بحُمرة تصاعدت لملامحها البيضاء.
فيصل بسؤالٍ فضولي : ممكن أسألك شي؟
هيفاء بربكة : إيه
فيصل : لا تفهمين انها قلة ذوق بس بجد هالسؤال في بالي من زمان
هيفاء بلعت ريقها : تفضَّل
فيصل : في الملكة كنتِ سمرا كِذا على برونز . . والحين بيضا!!
هيفاء لم تستطع أن تحبس ضحكتها التي أنفجرت بوجهه، شتت نظراتها من ضحكتها الصاخبة
فيصل بإبتسامة : ترى إذا سؤالي غبي تقدرين ما تجاوبين!
هيفاء أنطلقت بعفويتها : لآ عادي . . بالملكة كنت مسوية تان! ومع الوقت راح ورجع لوني الطبيعي
فيصل يتفحصها بنظراته من أقدامها حتى رأسها : آهآ .. طيب خلينا ننزل لا نتأخر على أمي
هيفاء بإبتسامة شغب ترتسم على محيَّاها : ينفع أقولك شي غبي!
فيصل وهو ينزل معها للأسفل والإبتسامة لا تفارقه : قولي
هيفاء : عندي مشكلة مزمنة مع القراءة!
فيصل ضحك ليلتفت عليها : أجل ليه تجاملين من اليوم؟
هيفاء : هو يعني بقرآ الرواية بما أنك رشحتها ليْ! بس ماعندي ميول للروايات والقصص
فيصل : وش ميولك؟
هيفاء بكذبٍ لا تتردد به : يعني مثلاً أحب أقرأ الأشياء الإقتصادية
فيصل رفع حاجبيْه بدهشة : جد؟ ماتوقعتك تحبين الأشياء الإقتصادية والحساب وهالأمور
هيفاء : على أني أكره المواد العلمية بس أيام الثانوي دخلت علمي عشان الرياضيات
فيصل بإعجاب كبير بميولها الذي يشترك معها فيه : وليه ما تخصصتي رياضيات أو أيّ شي يتعلق بالإقتصاد؟
هيفاء بلعت ريقها لتُردف: بصراحة مدري! ناسية أسبابي
فيصل جلس على طاولة الطعام بمُقابلها ليُردف لوالدته : تصوّري يمه أنه هيفا ميولها يشابه ميولي!
هيفاء بتوتر : يعني مو مررة
والدته : تراه فرحان لأن عنده أهم صفة يبيها بشريكة حياته أنها ذكية وتحب شغله
هيفاء أكتفت بإبتسامة مرتبكة، أدركت أنها تقع بمصيبة كبيرة بسبب كذبها التي حاولت أن تُثير إعجابه به.

،

استلقت على السرير لتنظر للسقف بمللٍ بدأت تتأقلم معه وتتعايش معه كصورةٍ روتيـنية، في جهةٍ أخرى كان واقف أمام والده ومنصور : عاد للأمانة يبه ما جاء في بالي كذبة سنعة إلا أنك مسافر! . .
منصور : المشكلة ما تعرف تكذب! قبل أمس كانوا في الشركة ينتظرون أبوي
والده : الله رزقك عقل حمير وأنا أبوك!
يوسف : مقبولة منك يا بو منصور! . . سبحان الله منصور علاقته طردية من رفعة الضغط
منصور : حط حرتك فيني!
يوسف يجلس بمُقابل والده : يبه فيه خبر أسود وخبر أبيض . . وش ودِّك أبدأ فيه؟
والده : لو الأسود شين بيجيك كفّ يطيّحك شلل كامل
يوسف بضحكة : بس أنت روّق
والده : قل وأخلص
يوسف : الخبر الأبيض أني أنا ومنصور وقعنا لك عقد ذهبي
والده : قالي منصور
منصور غرق بضحكته على ملامح يوسف من ردّة فعل والده الباردة.
يوسف : واضح اليوم أني متمصخر! . . طيب الخبر الأسود . . اني ألغيت العقد وأسألني السبب قبل كل شي!
منصور بدهشة : من جدك!
والده : يا وجه الخيبة بس! . . ورآه ؟
يوسف : بصراحة ما عجبوني ومندوبه واضح أنه يتلاعب فينا! قلت ورآه نجيب الغثا لنفسنا وفيه عقود ثانية ممكن نرتاح لها
والده أغمض عينه ليُردف بهدوء : يوسف!
يوسف : سمّ
والده : أنقلع عن وجهي . . أغيب عن الشركة يومين وتلعبون فيها لعب!!
يوسف وقف: والله أنا بريت ذمتي! الناس ماعجبوني ولا تنسى يبه أنا عندي حاسّة سادسة أعرف الحيوانات من عيونهم
والده : وماعرفت نفسك ؟
منصور : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه سوّ نفسك ميّت
يوسف بإبتسامة يحمّر وجهه : معليه معليه يمون الوالد! . . يومين مانيب طالع لكم . . . صعد متجهًا للأعلى والإبتسامة لا تفارقه.
دخل غرفته لتسقط عينيْه عليها : مساء الخير
رفعت مُهرة ظهرها : مساء النور . .
يوسف : وش جوِّك! بتنامين الحين!!!
مُهرة : لآ وين يجيني النوم! بس طفشت قلت أفكر
يوسف يجلس على الأريكة وهو ينزع شماغه : تفكرين بأيش؟
مُهرة : ولا شي محدد . . إتجهت نحوه لتجلس بجانبه : ماراح تآخذ إجازة قريب؟ ودِّي أروح حايل مشتاقة لأمي
يوسف : شكلي بدعي على حايل والسبة أنتِ
مُهرة إبتسمت : لا والله جد يوسف! مافيه إجازة قريب؟
يوسف : أنتظري بس هالشهر يعدِّي على خير وبعدها آخذ من إجازتي السنوية ونروح
مُهرة : تمام . . وش فيه وجهك؟ حرّ برا ؟
يوسف : وين حرّ! الرياض بدت تبرد الحين
مُهرة : أجل حرارة جسمك مرتفعة
يوسف بضحكة إلتفت عليها : لولا البرستيج كان قلت لك
مُهرة إبتسمت : قول . . تراني فضولية ممكن ماأنام لو ما عرفت!
يوسف : أستغفر الله كنت بقولك شي وقح
مُهرة : يخص؟
يوسف بسخريـة : سواليف الشباب بينهم وبين البعض ما فيها حيا لكن لا جت عند الحريم تصير وقحة مثل سواليفكم تمامًا . . مو فيه سواليف تنقال بينكم عادِي لكن لو وصلت لنا تستحون!
توترت لترتفع الحُمرة من جدار قلبها نحو ملامحها البيضاء، غرق يوسف بضحكته ليُردف : ترى ما قصدت شي!
مُهرة أخذت نفس عميق لتُردف : أنت تفكيرك غلط مع مرتبة الشرف . .
يوسف أسند ظهره بإرهاق على الاريكة لينظر إليها بنظرة مُربكـة : تذكرين لما كنا جالسين هنا في بداية زواجنا
مُهرة : أيام تعيسة ذيك الأيام
يوسف : خليك من الأيام التعيسة .. ما تتذكرين شي صار هنا؟
مُهرة عقدت حاجبيْها بتفكير لثواني طويلة حتى أردفت : لا ... وش صار ؟
يوسف : تعالي قربِّي أقولك
مهرة : ما عاد أثق فيك
يوسف : قربي
مُهرة بإصرار : لا . . قول من هنا
يوسف يستعدها بجلسته ليسحبها ويُقبِّلها بالقرب من شفتيْها، همس بضحكة : فلاش باك للمشهد

،

بدأت تسير بإجهاد يمينًا ويسارًا، قلبها ينقبض لدقائق طويلة وينبسط للحظة قصيرة، تشعرُ بأن ستلد الآن من وجَعِها، الساعات التي تعبرها لا تمرُّ بخفـة، كلما أستطال الوقت ولم تأتِ رتيل يزداد خوفها أكثر وهاتف عبدالرحمن المغلق يزيدُ من توترها/ربكتها.
لا تعرف مالوسيلة المثلى بأن تهدأ وتُسكن ربكة تفكيرها، تقدّمت نحو الباب الأمامي لتفتحه قليلاً، من خلفه : نايف!
أقترب : سمِّي
ضي : عبدالعزيز ما قالك وين رايح ؟
نايف : لآ . .بس قريب وراح يرجع تطمني
ضي : طيب أتصلت على أبو سعود؟
نايف : لا
ضي : قاعدة أتصل عليه وما يرّد! . . إذا تقدر تتصل على مكتبه وتشوف
نايف : أبشري . . محتاجة شي ثاني؟
ضي : لآ . . . أسندت ظهرها على الباب بألم المغص الذي يُداهمها، يارب رحمتك التي وسعت كل شيء.
نحنُ الذين ضللنا السير في حياتنا لا نعرف طريقًا أوضح من الله. يارب أشرح صدري ويسِّر أمري، جلست على الكرسي المتصلِّب بجسدِها، تخشى أن أمرًا حدث لعزيز. غضبه الأخير وتصرفاته الغريبة تُوحي لشيءٍ غريب، من المستحيل أن يؤذي رتيل ولكن مرّت ساعات منذُ خروجهما!!!

،

وضع قدمه على الطاولة وفوقها قدمِه الأخرى لينظرُ ببرود : طيب؟ وش أسوي؟
عُمر : آ . . ولا شي بس قلت أخبرك أنه عبدالعزيز طلع من المكان بس!
سليمان : مايهمني! كل اللي يهمني الحين فارس و ناصر! هالإثنين أبيكم تنهون لي موضوعهم بأسرع وقت!
أسامة : طيب وش صار على آسلي؟ ماراح تقابله؟
سليمان : خلّ آسلي على جمب بمخمخ له هاليومين! .. المهم فارس وناصر
عُمر : ناصر عرفنا مكانه بلندن . . ننتظر إشارتك
سليمان : حمار! . . أنا وش قايل؟ . . هالأمور أستعجلوا لي فيها لا تنتظرون كلمة مني! كم صار لكم سنة ماعرفتوا اسلوبي!!! .. إلتفت لأسامة : قلت لي متى بيجتمع معه؟
أسامة : بعد بكرا . . هاليوم مصيري لنا كلنا! وأتوقع لو وصل العلم لربعنا بالرياض راح يكون مصيري لهم بعد!
سليمان ببرود : خل يوصلهم! أهم شي اللي تعبت عليه طول هالشهور يصير!
أسامة : بس لا تنسى أنه رائد معك وهذا إذا ما دخل بالخط سلطان وبوسعود!!
سليمان : هاليوم أنتظرته كثيير وحلمت فيه كثيير! بس لازم شوي أكسر رائد بفارس وأكسر سلطان و بوسعود بناصر وعبدالعزيز! . . . . وبتصفى لي الساحة
أسامة : تقدر بهاليومين تحقق هالشي؟ لأن العد التنازلي بدآ يا سليمان أيّ غلطة مننا ممكن تضيع كل أتعابنا
سليمان : لا تكثّر حكي قلت لك أنا مضبط أموري . . بس لازم فارس وناصر تتصرفون بأمورهم عشان نشغلهم
أسامة : أبشر 24 ساعة وأنهي لك أمورهم . .

،

هبط الليل بظُلمة يُنيرها قمر باريس، نظرت للنهرِ الجاري لتلتفت إليْه : وين بنجلس؟
فارس تقدَّم بخطواته دون أن يُجيب عليها بكلمة ليقترب من حافـةِ النهر أمام القارب الصغير ، إلتفت عليها : تعالي
عبير مشت بخُطى ناعمة نحوه ليمدّ يدِه إليها، رفعت حاجبها بتوتر : بنركب القارب؟ ..
فارس : إيه
عبير : آآ . . كيف؟ ما معانا أحد ممكن يصير
فارس يُقاطعها : تطمني مو صاير شي!
استغرقت ثواني طويلة حتى وضعت يدَها على يدِه، أرتعش جسدها بلمساته، مدّت خطوتها الطويلة لتركب القارب، من خلفها أقترب وجلس ليُجدِّف مبتعدين عن هذا الجانب.
عبير بربكة قلبها تنظرُ للمكان الخالي تمامًا إلا منهما، نظرت إليْه بخوف : لآ تبعّد كثير!!
فارس : أدِّل هالمكان . .
عبير : طيب وقف خلاص أحس بعدّنا كثير . .
فارس ترك المجداف، ليتوسط القارب المُضيء بمصباحه وسط النهرِ الفسيح، نظر إليها بنظراتٍ أشعلت قلبُها بربكة عميقة . .

،

بين يديْه هاتفه الذي سئم منه، لم يصِل لعبدالعزيز ولن يصِل ما دامت كل أرقامه لا تعمل، تنهَّد ليرفع عينه لغادة الجالسة أمامه : تذكري! ممكن قالك كلمة
غادة : ولا شي! كان ساكت ماعرفت مين . . بس أكيد مو عبدالعزيز لأن الرقم مو مسجّل
ناصِر : لازم يعرف عبدالعزيز قبل لا يدري من غيري!!! . . إتصل على آخر رقم ليأتِ صوت نايف بعد دقائق طويلة : ألو
ناصر : ألو . . مين معاي؟
نايف : انت اللي متصل!
ناصر : أمس أتصل علينا شخص من هالرقم!!
نايف : أكيد غلطان لأن محد أتصل أمس
ناصر تنهّـد : أوكِ . . مع السلامة . . أغلقه . . محد أتصل!
قبل أن تُجيبه غادة أتى صوتُ الجرس قاطعًا، ناصر وضع أصبعه على شفتيْه بإشارة واضحة لغادة أن لا تصدر صوتًا، إقترب من الباب لينظر من العين السحريـة، تيبست أقدامه للحظاتٍ طويلة مع الرنين المتكرر.

،

جلست بمُقابله دون أن تهمس بكلمة، غاضبة من هذا المكان ومن وجودها في هذا المكان ومن فكرة أنها تتشارك معها السقف ذاته، تنهدَّت لتُبعد أنظارها للأشياء القريبة، للأثاث المخضَّب بذوقها.
عبدالعزيز يشربُ الماء دفعة واحدة ليثبِّت أنظاره بإتجاهها : تفكرين فيها؟
رتيل بعينيْها الحادة : مُشكلتك واثق من نفسك كثيير!
عبدالعزيز بإبتسامة : كان مجرد سؤال! قولي لا وراح أصدقك . . بس واضح أنه ثقتي بمحلّها
رتيل بضيق : لا تكلمني بشي! ماأبي أتناقش معك بأي موضوع
عبدالعزيز بسخرية : أبشري . . أنتِ بس آمري وش تبين وأنا أسويه لك
رتيل تكتفت بتنهيدة غاضبة ثائرة.
عبدالعزيز : تطمّني ما راح تجي اليوم! بكرا إن شاء الله تصبّحين على وجهها
رتيل تتجاهل كلماته وحضوره الصاخب في قلبها، لا تُريد أن تنظر إليه وتثور أعصابها مرةً أخرى.
عبدالعزيز بإستفزاز يجري بدمِه : شاركيني أفكارك! أخفف لك حدة الموقف على الأقل
رتيل بغضب لم تتمالك أعصابها : تعرف تآكل تبن!!!!!
عبدالعزيز وقف ليقترب منها، أرتبكت من وقوفه أمامها، بهدُوء : علميني كيف آكله؟
رتيل دُون أن ترفع عينها بإتجاهه : عبدالعزيز أبعد عني!
عبدالعزيز بغضب يضع قدمه فوق قدمها ليضغط بقوّة : لسانك أمسكيه زين!!
رتيل بوجع دفعته لتسحب قدمها للداخل : نذل!!!
عبدالعزيز جلس بجانبها وعينه على هاتفه يحاول أن يُشغله بعد وقتٍ طويلة بمحاولاته الفاشلة : هو كِذا بتعصبين يوم ويومين! وآخر شي بترضين
رتيل بحدة : لآ تكلمني! مالك علاقة فيني
عبدالعزيز بإبتسامة يحاول أن يُخمد وجعه على غادة بها، لو يصِل إليها الآن ويروي عيناه : مو أنتِ اللي تقولين لي لا تتكلم وتكلّم!
رتيل بغضب بدأت عيناها تلمع بالدموع : عبدالعزيز كافي!!
عبدالعزيز وضع الهاتف على الطاولة بيأس ليلتفت إليها بكامل جسدِه
رتيل إلتفتت إليه لتنظر لعينيْه الباردة : ممكن توديني غرفة أجلس فيها بعيد عنك!!
عبدالعزيز أشار لغرفته، وقفت ليسحبها من يدِها ويُعيدها للجلوس: بس ماراح تجلسين فيها الحين!
رتيل بحدة : تبيني أقابلك وأسمع كلامك الحلو!!!
عبدالعزيز : أحسن من الجدران!
رتيل : الجدارن أبرك لي مية مرة منك
عبدالعزيز بسخرية لاذعة : سبحان اللي يغيّر وما يتغيّر!!
فهمت قصدِه، ودّت لو تبصق عليه لتُشفي حرقتها/غضبها : طيب؟ وش أسوي لك ؟
عبدالعزيز : أجلسي تأملي معي هالحياة
رتيل : صدقني محد بيخسر غيرك ومحد بيندم غيرك!!
عبدالعزيز : جاني تبلد! ما يهمني وش أخسر ولا على أيش أندم!!!
رتيل زفرت غضبها، ما عادت تحتمل ربكة وجوده و كلماته المؤذيـة.
عبدالعزيز : كنتِ تحسِّين بالرخص قبل شهور! والحين؟ أفهم إحساسك تمامًا
رتيل بعصبية ثارت كل أعصابها : وتذكر وش قلت لك وقتها! المشكلة مو إني رخيصة المشكلة إني ما لقيت رجَّال . .
عبدالعزيز إلتفت عليها ليسحب ساقها بقدمِه ويجعلها رُغما عنها تستلقي على الأريكة، سحبها بشدَّة غضبه الذي ثار كبراكينٍ مُتصاعدة . .

،

بحزنٍ عميق سارعت خُطاها المبعثرة، لتنظر لعبدالرحمن الذي تحفظه جيدًا : وينه ؟
عبدالرحمن بحرج : تفضلي من هنا . . دخلت حصَة لترى ملامحه الشاحبـة الذابلة كليًا، ورأسه يلفُّه الشاش الأبيض، جلست بجانبه ليبتسم لها يُجاهد أن لا يُخيفها . .
حصة بغضبٍ وعينيْها تجهش بالبكاء : هذي ضربة بسيطة!!
سلطان ببحة التعب : الحمدلله على كل حال
حصة تمسح على رأسه : شوف كيف وجهك تعبان؟ ما بقى جهة في جسمك ما طحت عليها!!
سلطان تنهد ليسعل بوجَع، رفع عينه إليها : ليه تعبتي نفسك وجيتي؟ أصلا بيطلعوني بعد شويْ
حصة : مو شايفني أصغر عيالك اللي تضحك عليهم!!!
سلطان بجديـة : والله كنت بطلع
حصة بتوسِّل عينيْها الباكيتيْن : يا روحي لا تسوي في نفسك كذا . . خاف ربك في نفسك
سلطان بضيق : حادث ومرّ على خير . .لا تفكرين بشي ثاني
حصة : حادث وحادثين وثلاث . . مو كل مرة بتسلم!!
سلطان شتت نظراته بعيدًا ليأتِ سؤاله الثقيل على نفسه : الجوهرة راحت ؟
حصة : إيه . . كنت أنتظرك عشان أعطيك محاضرة تعلمك أنه الله حق بس عقب هالحال وش عاد أقول!
سلطان بإبتسامة ينظرُ إليها : ماش الغالية مهيب راضية علينا!
حصة : سلطان شايف نفسك! شوف كيف الحزن مالِيك! المشكلة كل الأمور بإيدك لكن تكابر . . والله حرام اللي تسوونه بنفسكم!!
سلطان أغمض عينيْه : بغمضة عين ممكن أخسر حياتي! . . اليوم للمرة المدري كم حسيت بالموت قريب مني! . . تعرفين وش جاء في بالي ؟
حصَة : وش ؟
سلطان : الجوهرة
حصة سقطت دمعة ناعمة على خدها : ليه يا سلطان تعذب نفسك وتعذبها معك؟
سلطان : كنت أفكر فيها بشعور ما عرفت أصنّفه! بس مافيه قرار أفضل من هالقرار
حصة بغضب : إلا فيه! . . تحبون الشقا والغثآآ وش فيها لو تنازلتوا شوي وكملتوا حياتكم . . هذا وبينكم و. . . صمتت لتُشتت نظراتها.
سلطان : بيننا أيش؟
حصة : ولا شي
سلطان عقد حاجبيْه : عمتي . .
حصة : سلطان ماأبغى اتكلم في هالموضوع
سلطان : أيّ موضوع ؟
حصة بضيق : بقولك بس أوعدني ماتقول للجوهرة لين هي تقولك
سلطان بحدة : وشو ؟
حصة بلعت ريقها : الجوهرة حامل . .

.
.

أنتهى نلتقي على خير الجمعة ()





إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()

لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.

و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.


أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة


*بحفظ الرحمن.





 
 

 

عرض البوم صور طِيشْ !  
قديم 23-02-13, 12:28 AM   المشاركة رقم: 73
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق



البيانات
التسجيل: Mar 2012
العضوية: 240258
المشاركات: 744
الجنس أنثى
معدل التقييم: طِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالق
نقاط التقييم: 2673

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طِيشْ ! غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طِيشْ ! المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية

 

-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()


رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ !
الجزء (73)





+ يارب يارب يارب يقّر عيننا بنصِر سوريَا وبلاد المسلمين ويحفظ شعوبنَا العربيَة والإسلامية من كل شر، ويحفظ " مالِي " ويحفظ أرضها وأهلها من كل سوء.


المدخل لـ يزيد بن معاويَة، أقرأوا فتنته :"( لي يومين وأنا أهوجس بقصيدته :"" أقرأوها كاملة بمواقع مشهورة لأنها منتشرة بتحريف لأبياتها :( المهم هذا مقطع منها.



لها حكم لقمـان وصـورة يوسـف
ونغـمـه داود وعـفـه مـريـم ِ
ولي حزن يعقوب ووحشـه يونـس
وآلام أيـــوب وحـســرة آدم ِ
ولو قبـل مبكاهـا بكيـت صبابـة
لكنت شفيت النفـس قبـل التنـدم ِ
ولكن بكت قبلي فهيج لـي البكـاء
بكاهـا فكـان الفضـل للمتـقـدم ِ
بكيت على من زين الحسن وجههـا
وليس لها مثـل بعـرب وأعجمـي
مدنيـة الألحـاظ مكيـة الحشـى
هلاليـة العينيـن طائيـة الـفـم ِ
وممشوطة بالمسك قد فاح نشرهـا
بثغـر كـأن الـدر فيـه منـظـم ِ



تجمدَت خُطى عيناه ناحية حصة، تجمَد العالم بأكمله في شُرفة محاجره، تصاعدت الحُمرة ببخارٍ ضيَق لتُباعد النظر/البصر عنه، تصاعدت حتى اوشكت على خنقه بدمعٍ متجمَد/متيبس.
لا شعور! أنا أخاف للمرةِ الأولى بهذه اللذاعة، أنا أخاف بعُمق قلبٍ لم يعِش الحياة كما ينبغي أن تُعاش، أنا أخاف من الأحلام إن أتت، أخاف من فكرة تحقيقها، لأن هذه الحياة لا تُناسبي، تروق لي فكرة أن أرى أحلامي تتساقط واحدة تلو الأخرى، قضيت عُمري أتأمل كيف لأحلامي أن تنتهي وتختلف بنهاياتها، أراقب كيف لها أن تتبدد وتتلاشى كأنها لم تكُن، أراقب كيف تنتهي دُون أن تنظر إليْ؟ دُون أن تعتذر عن العمر الذي قضيته في إنتظارها؟ لا أحد يحترم إنتظاري فكيف أحترم معتقدات هذه الحياة؟ كيف يطلبون مني أن أنسى؟ أن اتجاهل؟ أن أتغاضى؟ كيف يريدون مني أن أحترم هذه الحياة التي لم تحترمني ولا مرَة!
حصة بخوف : سلطان ؟
سلطان بصوتٍ يضيق وجعًا : متى ؟
حصة : قبل فترة عرفنا
سلطان زمَ شفتيْه، لينظر بإتجاهٍ مستقيم حاد للجدار الذي أمامه، شعر بأن قلبه يتقيأ حزنًا/كمدًا، " إلتزم الصمت والسكون " ليس لأني أريد الصمت، ولكن كيف لأبجديـة واحِدة أن تشرح حُزني في هذه اللحظة؟ كيف لها أن تصوَر بحة قلبي؟ وترسم تقاطيع الأفكار المارةَ في حنجرة أتخذت لها من الريحِ صوتًا، يالله! هو حلمٌ واحد! كيف له أن يتحقق بهذه الهيئة المؤذية؟ لم أتوقع ولا للحظة أن أًهان بأحلامي! أن أكون آخر من يعلم بولادة حلمٍ ابتعد عني طويلاً! ليه يا جوهرة سلطانِك؟
حصة سقطت دمعتُها بمنظر عينيْه القاسية، يكسرها حزن الرجال كيف إن كان سلطان؟ يكسرها أن تنظر لدموعهم المعلَقة بين الأهداب؟ يؤلمها أكثر أن ترى الوجع بملامحه حتى وإن حاول إخفاءها، هذه المرة سلطان واضح جدًا حدُ الألم/الحزن/الوجع/الحسرة : كانت راح تعلمك مو قصدها تخبي عنك!
سلطان دُون أن يرمش أو يلتفت، تصلَب لتسعُر رعشات الدماء المُثارة في داخله : عمتي اتركيني لحالي شويَ!
حصة برجاء : لا تسوي في نفسك كذا! واللي يرحم والديك يا سلطان
سلطان إلتفت عليها بحدَة تُقيم الثورات بدماءه الهائجة بقاعٍ غاضب : ليتني متَ ولا سمعت منك هالخبر!
حصة بكت بلا تردد، سقطت دموعها سقوطًا حاد: لا تقول كذا! . . وضعت يدَها على كفه الباردة . . سلطان تكفى أبيك تنبسط بهالخبر مو تتضايق!
سلطان : مسألة إني أتضايق منها هذا أمر تركته للوقت ، ماني متضايق من أحد ولا أنتظر أسف من أحد!
صعد دمعُه القاسِي في محجره لتُضيء عيناه ببكاءٍ معلَق : محد بيعرف ويحس بحجم حزني الحين!
حصة بضيق تشدَ على كفَه : حاسة فيك . . حمَلت نفسك فوق طاقتها، خسرت كثيير عشان هالأرض باقي الجوهرة . . لا تخسرها بعد!
سلطان عقد حاجبيْه بتعرجاتِ الضيق في جبينه : الله يعوضني
حصة : لا سلطان . . لا تكفى . .
سلطان يهذي بوجعه : مصدوم منها! إذا أنا غلطت وقهرتها في أيَ شيء فأكيد أنه شي مؤقت هي بتقهرني عُمر كامل! . . ردَت عليَ بأكثر شي يوجعني يا حصَة!!! . . أنتِ أكثر وحدة تعرفين وش كثر متشفق على طفل يحمل إسمي! ممكن أستوعب أنها تسوي أيَ شي بس ماأستوعب أنها تكون لئيمة هالقدَ! تبي تكسرني بطلاقها! وتكسرني بأني آخر شخص يعرف بحملها . .
حصة : الجوهرة مو كذا
سلطان يُكمل بروح مخضبَة بحزنٍ،أسى، غمَ، بأس و شجَن، يُكمل بعبراتٍ ظهرت بعد عُمرٍ طويل لم يتجرأ أن يُتيح لحزنه فرصة أن يتوسَع بتفكيره وقلبه، دائِمًا ما كان يترك البكاء يتغلغل في داخله دُون أن تلتفت إليه عيناه ولكن هذه اللحظة كل حواسَه تلتفت لقلبه ولحزنه.
: إلا كذا! لمَا حاولت أرجع وأصحح معها حياتنا صدَت وهي حارمتني حتى من أني أعرف بالموضوع! إذا أنا غلطت ألف مرة هي غلطت مرَة وتساوي هالألف كلها! هي اللي تبي الطلاق! وراحت .. سوَت اللي براسها وماكلفت نفسها تقولي!! . . ولو ما زلَ لسانك ما قلتي لي! . . أنتِ شايفة أنه تصرفها طبيعي؟ ومالي حق أتضايق ؟
حصة : سلطان . .
يُقاطعها بعصبية : لا تدافعين عنها! . . نبرته تعتلي حتى تبحَ بوجعها/تعبها . . لا تدافعين! لا توقفين ضدي!!! ماعاد في حيل أصبر على أحد!
حصة : ماأوقف ضدِك يا روحي، ولا راح أوقف ضدك بيوم! أبيك تصحح حياتِك! ماراح يجيك اكثر من اللي مضى . . سلطان تجاوز هالموضوع!! تجاوزه عشان خاطر نفسك اللي تبيها
سلطان : اللي موجعني أنه في حياتي كلها ما هزَني شيء، بقيت ثابت مع كل الظروف اللي شفتها واوجعتني، اللي موجعني أنه بعد كل هالأيام والعُمر اللي فات . . يهزَني حمل الجوهرة!!
حصة شتت نظراتها، يا رب! كيف ينكسِر بهذه الصورة العنيفة لقلبي : سلطان! . . أرجوك
سلطان : إتركيني . .
حصة ببلل ملامحها : بس ترتاح راح تفكر صح، . . وقفت . . تصبح على خير
سلطان بلع صوتُه كغصَة عكَرت صفو الكلمات. خرجت حصة ليُغمض عينيْه ثانيتيْن وبنصفها الثانِي فتحها لتسقط دمعة من عينِه اليسرى، دمعةٌ لم يُثبَط مسارها بأيَ جهد، تركها للحياة، للثبات الذي عاش به لسنواتٍ مديدة، للإتزان الذي لم يتخلى عنه الا عند الجوهرة، تركها تسقُط بحزنٍ إلتم حوله كجماعَة توحدت به.
شدَت عروقه حتى بانت في أطرافِ رقبته وجبينـه، أشتعلت عيناه بحزنِ قبائل وليس فردًا واحدًا.
انهارت قوَاه الداخلية، انهارت بعد حياةٍ كاملة ظهر بها في موقف الرجل الصامد الذي لا يهزَه شيء، ولكن هزَه خبر! هزَه جنين في رحمِ إمرأة بلغت من قلبه ما لم يبلغ أحدًا قبلها.
مالذي كان يدُور في عقلك لحظتها؟ كيف قدر قلبك أن يهزمني بإرتطامٍ مدويًا؟ من يُنظف مخلفاتِ الحياة التي تعوث في قلبي؟ من يُرتب كومة ملامحك فيَ؟ من أنا من هذا كله؟ ألغيتِ وجودي في لحظةٍ لم أكن أريد فيها إلا أن أثبت نفسي في حياتك! قاسية، أقسى من أن يحتمل أحدًا هذا الحزن الذي خلفتِيه بصدري!! كل الإناث مهما بلغت عواطفهن الناعمة إن انتقمت الواحدة منهن لا تُبقِ جزءً منَا صالحًا للحياة.
وضع رأسه على الوسادة البيضاء، أغمض عينيْه لتفكيرٍ لا يدري ماهيتـه، لتفكيرٍ يشتدُ مخاضه بعقلٍ بائس، كيف أبتهلُ بحزني؟ لم أعتاد على إتاحة الحزن بيْ! لم أعتاد أن يتحدث بصوتي! يا نداء الحُزانى في مأذنـةٍ أندلسيـة فقدت إمامها، يا نداء الثكالى في محرقـةٍ عراقيـة يسمعُ صداها لعقُودٍ من زمنٍ ذابل لا يقف على عتبة وقت إلا ليحمل دقائقها ويدفنها، يا ندائي الخافت! بحَ صدرُ الحياة ولم يبق بنا صوت.


،

إلتفت عليها ليسحب ساقها بقدمِه ويجعلها رُغمًا عنها تستلقي على الأريكة الشاسعة، سحبها من ذراعها بشدَة غضبه الذي ثار كبراكينٍ مُتصاعدة، أشعرُ وكأن أحدًا حشَر في حلقي طبقةً من النار، بعينيْن تجلدها بسياطٍ من النظرات اللامنتهية : لا تنتظرين مني أثبت لك رجولتي! لأنك لو كنتِ شيء له القيمة كان ممكن أبرر لك!!
ضاقت محاجرها بدمعٍ يغزو البياض حُمرةً : ومين قال أني أنتظر إثبات رجولتك ليْ! أنا ما أسألك عن مبرراتك!
بقسوة تُكمل : كلامي كان بصيغة خبرية ! شكَك في نفسك ماراح يغيَر من الموضوع شي . .
جنَ جنُونـه في وقتٍ لا يلتزم عقله بأيَ تفاوض للإتزان، صفعها بقوَة على حافةِ شفتيْها ليسدَ مجرى الكلمات المتعاليَة بصخبها : راح تندمين! . . على كل كلمة وعلى كل حرف!
رتيل بلعت دمعُها بحموضتِه، كابرت بأن لا يهتَز رمشها لتُردف بحدَة : وأنت راح تندم! قلتها بعظمة لسانك إحنا نقدر نتجاوزكم لكن أنتم الرجَال أبقوا في جهنمكم!! . .
عبدالعزيز : كيف بتتجاوزيني؟ خليني أتعلم من خبراتِك! . . أردف كلمته الأخيرة بسخريَةٍ لاذعة لعدم مقدرتها على تجاوزه طوال الفترة الماضية.
رتيل ببحـة : تحاول تذلني؟ . . وش القلب اللي عليك؟
عبدالعزيز احترق ببحتها الحادة: تقدرين تحكمين سيطرتك على قلبك؟ . . طبعًا لا وأنا كذا يا رتيل!
رتيل اندلع في عينيْها فوجٌ من الدموع لتذبل نبرتها المبحوحة : كذااااب! . . قلبك ما يقدر يضايقني بظل كلمة! . . . . . ما أعرفك ولا راح أعرفك! . . غلبني قلبي فيك.
عبدالعزيز ألان قبضته، بنبرةٍ خافتة : لا تحاولين ولا لمجرد التفكير أنك تضايقيني!! لأن لحظتها ماراح أضمن حياتك!
رتيل بتحدِ عينيْها وبإصرار الكلمات المتحشرجَة على لسانها : و لا تحاول تكسرنِي! .. طول ما أنا هنا صدقني ماراح تشوف يوم حلُو!! . .
سحبت نفسَها لتخرج من بين ذراعيْه، وقفت ليقف أمامها، لاصق جسدها بجسدِه ليحتَد صوته : محد يكسر نفسَه بنفسه مثلك!!!
رتيل بقسوَة أنثويـة : لو تعرف وش الجنون اللي ممكن أسويه إذا حقدت على أحد! لو تعرف بس كيف ممكن أمحيك من حياتي!!
عبدالعزيز تأمل الصدق/الشفافيَة التي تبُوح بها، أدرك أنها وصلت لأقصى مراحل الحقد والكُره : المسألة مو بإيدك! المسألة بإيدي وأنا اللي بحدد وجودك من عدمة بحياتي!
رتيل أخذت نفس عميق لتُثبَت عينيْها به : ماراح أحبسك فيني وأنتظرك تحنَ! ولا راح أمنع دموعي من أنها تبكي عليك! راح ابكِي لين تنتهي من داخلي! ولحظتها راح تعرف حجم خسارتك ليْ وراح أعرف كيف ممكن تجي النزوات ثقيلة!!
عبدالعزيز برزت عرُوقه بغضبٍ عالٍ، سحبها من ذراعها ليدفع بظهرها على الجدَار، أوجعها ليُحيط عنقها بقبضةِ كفه شديدة الحرارة، خنقها حتى شحب لونُها بالهواء الذي يطير من رئتيْها : مطلُوب أخاف منك؟ أو أفكر بأيش ممكن تسوين؟ . . بغضب تعتلي نبرته . . لا تتحدين شخص ما عنده شي يخسره!!!
رتيل تضع كفيَها على كفِه لتُبعده، شدَ أكثر حتى أحمرَت رقبتها، تركها بعد ثوانٍ حاول أن يُسكِن بها حدَة غضبه بروحها.
سعلت كثيرًا وأصابعه تنقشُ نفسها حول رقبتها، رفعت عينيْها بإتجاهه: هان عليك؟ . . صرخت ببحَة . . ليه؟
جلست على ركبتيْها، لم تعد تحتمل الوقوف أكثر وقلبُها يضطرب بنبضاتٍ لا تعرفُ إلى أين نهايتها.
عبدالعزيز عقد حاجبيْه ليجلس بجانبها، بخفوتٍ واضح: ممكن أكون متناقض! ممكن أكون لئيم! ممكن أكون كذاب! ممكن أكون أيَ شي تتخيلينه لكن بخصوصك أنتِ أبدًا . . لكن غصبًا عنَي، مقهور! . . مقهور منهم كلهم
رتيل بضيق محاجرها المتلألأة: وش ذنبي؟ وش ذنبنا أنا وقلبك من كل هذا؟
عبدالعزيز : مالكم ذنب . . بس أنا ممتلي ذنوب . .
رتيل: عزيز
عبدالعزيز : يا روحه
رتيل ببكاءٍ يتصببُ من نهرٍ مجراهُ عيناها : سامح! سامح والله بيجبر خاطرك
عبدالعزيز: أسامح على أنهم بغمضة عين اخطفُوا منَي أهلي! أسامح على أنهم تركوني أهذي بغادة وهي تشوف نفس السمَا اللي أشوفها! أسامح على أنهم كذبوا عليَ بأكثر شي مشتاق له! أسامح على أيش؟ لو تدرين بس مُرَ الوجع اللي فيني؟ لو تحسَين بس بقدر أنك تفقدين أحد بفجيعة كذا! لو بس تعرفين أنه كل هذا مو بإيدي!!!
سَار بخطواته نحو الأريكة ليسحب معطفه والهاتف ويخرج، نظرت لمقبض الباب الذي يلتف ويُقفل جيدًا، وضعت يدها على رقبتها تتحسس الحرارة التي ارتفعت بها، ثوانٍ قليلة حتى يضطرب هدبها وتعُود لكنفِ بكاءها.
جلست على الكرسي لتُخفض رأسها ببكاءٍ عميق، اختر هواكَ يا عزيز، ومثل ما يشتهي هواكَ، عسى أن يقطع الطريق قلبًا عزَهُ هواه وأذلَه، إن نصيبي من دُنيـاك حلمٌ، و نصيبك من حلمِي وجعٌ، كيف ننتهي؟ كيف نتجاوزك؟ أنا وقلبي! كيف نتشافى مِنك؟ إني أؤمن بأن الحُب الذي يصلني بِك محفوف بالخواطِر، إني أؤمن أكثر بأن لا بُد أن نتغاضى ونتنازل، ولكن لا تُشرك إمرأة أخرى معي! لا تُشركها ونحنُ نولد بكيدٍ عظيم.أرجوك يا عزيز! لا تستفز شياطيني الأنثوية بها، أرجُوك لا تقتلني بوجودها، لا تقلتني بالنظر إليْها، لا تقتلني أكثر وأنا أُحبك أكثر وأكثر.
همست : أرجوك!!

،

تيبست قدماه مع الرنين المتكرر، تجمدَت كل خليَة مُتاحة للتفكير، عاد خطوتين للخلف، لا يعرف مالحل المُجدي بهذا الأمر، إلتفت عليها، نحنُ لا نملك القدرة على مُحاربة الأقدار، كل ما يربطنا بها حفنةُ صبِر. انتهينا! لا مدى يسعَنا ولا الأرض تحتمل وجودنـا معًا، نحنُ نموت جزءً جزءً، ننكسر ضلعًا تلو ضلعًا، نتلاشى كفُتاتٍ يصعب على الأرض أن تجمعنا، نحنُ نموت بصورة بطيئة مؤذيـة، كنت أريد دائِمًا أن تكونين آخر وجه أراه، كُنت أدعو الله دائِمًا أن تكونين في الجنـة وأصعدُ إليْك، كنت أطمع بحياةٍ أخرى معك في وقتٍ لم تدفع لي هذه الدُنيا ما يُكافىء حُبِك، أنتِ معصمي في هذه الحياة ومنذُ غبتِ لم أفعل شيئًا صالحًا بيدٍ مستأصلة جذورها! والآن؟ لا أعرفُ أعمق من قولٍ لأودعكِ به سوى " ردَيني لعيُونك " ، كان حُبنا حلمٌ تحقيقه بمتناول اليد، كان حُبنا أقوى من أن يُطوى، كان ما بيننا أعمق من أن تنسينه يا غادة! أعمق من أن يفلت من ذاكرتك! مُتنا، مُتنا منذً زمنٍ بعيد.
تقدمت إليْه بعينيْن مُحمرَة بدمعٍ يضيق بمحاجرها، همست : مين؟
ناصر بجمودِ ملامحه التي تُخفي وجعًا عظيم : الشرطة
غادة برجاء يُبللها بالدمع : لا تروح! .. سحبت يدِه لتضغط عليها بوجَع . . لا تروح!
ناصر بصوتٍ خافت يحبسُ صداه بقلبها : بقولك شي مهم . . .
أحاط وجهها بيديْه ليُقربها منه هامسًا : فيه شي ما قلته لك أمس، وهو مهم بالنسبة ليْ
غادة بعينيْن متلألأتيْن، اختلطت أنفاسها بأنفاسه القريبة منه، رمشت لتسقط دمعاتها مرارًا، ويهزَ البكاء غصنه تكرارًا
يُكمل تحت رنين الجرس المُزعج : تاريخ مستحيل أنساه وأبيك تتذكرينه حتى لو كذبْ! قولي اتذكره وأحفظيه بقلبك، 16 أوقست 2008 اشتركنا بالرسائل المستقبلية اللي تنظمها الجامعة . . كتبنا مع بعض كلام كثير وحطينا تاريخ وصوله بداية عام 2013 وقلنا راح نكون مع بعض ومرَ على زواجنا 5 سنوات . . كتبنا أحلامنا كلها . . بس نسيت أكتب شي وأبي أقوله لك الحين . .
اقترب ليُقبَل جبينها بحُبٍ بلغ في قلبه الشيء الكثير والكبير، بحُبٍ أصبح عذريًا نسبَة للنوى والغياب، نسبة لقومٍ عُذرة الذين أبكُوا أجيالاً من بعدِهم، هُم الذين بلغوا الهزَل والمرض حد الموت من أجلِ حُبهم الذي يحترق من شدَة الوَجد والصبابة، أغمض عينيْه.
أريد أن أسحب رائحتِك يا غادة فيَ، لا أريدك تموتين في داخلِي، أريدك حيَة لذاكرة لم تنساكِ لحظة ولن تنساكِ أبدًا، أوَد أن أستنشقك حتى لا يبقَ من هواءِ المدينـة غيرُكِ، أوَد أن أتغلغلُ بِك، بكل خليَة بجسدِي أريدك، لم يهرم حُبنا، لم تتحقق أحلامنا معًا، نحنُ الذين وعدنا بعضنا البعض أن نشيخ معًا، ولم أرى طفلي يا غادة! لم أراه. لم أُأذن بإذنه اليمنى وأُقيم باليسرى، لم أغرقه بقبلاتِي ولم ينام بحُضني، لم نسافر بعيدًا ونُقيم لحُبنا ضحكات هذا العالم بأكمله، لم نفعل أيَ شيء يا غادة!! يا فردوسِي بهذه الدُنيَا، يا جنَـتي، يا ضحكة الميلاد ومواعيده. أحبسي نفسك فيَ، لا أطمح لنهاياتٍ بالغة السعادة ولكن يالله أريد قُربها حتى لو كان وَجعًا إني راضي بوجعها، إني راضي يا ذو الكرمِ. إني راضي بإستبدادها وظُلمها ما دامت هُنا. يا صاحب الجلالة والفضلِ والقوة أرزق فقير الحظ من لطفك واكرمني بحُبها.
انهارت قوَاها وذبلت لتتشبث أصابعها بقميصه، غرقت به حدُ اللاإنتهاء، شدَت على صدرِه لتُغطي به وجهها المُبلل، استنشقت عطرِه الذي يُنقش بذاكرتها بصلاحية عُمرٍ كامل، حبست جسدِها بجسده وهي تبكِ، بكلِ دمعة هُناك رجاء أن لا تذهب، بكل دمعة هُناك حزنٌ يمدُ يدِه نحوك، بكل دمعة هُناك وَجدٌ ينسابُ إليك، بكل دمعة هُناك أحبك مُشرَدة.
ناصِر يهمس : اللي نسيت أكتبه . . كنت دايم أسأل نفسي وش فايدتي في هالحياة؟ بعدِك حسيت إني مجرد عدد زايد لا أفيد ولا أستفيد . . كنت دايم أقول يارب أرزقني الصبر على أنَي اتحمل اللي بقى من عُمري . . وبس جيتي! طلعتي لي مثل الحلم . . ما كنت أبي أنام أو تغفى عيوني دقيقة، كنت أخاف ما اصحى! ماألقاك جمبي، كنت أبي أستغل كل دقيقة معاك قبل لا ينتهي عُمري . . كنت أبيك هنَا وبالآخرة وبكل مكان راح أعيشَه، ما عدت أسأل ربي عن عُمري، انا كنت أحمد الله على كل دقيقة كنتِ فيها هنا . . قدام عيوني، . . اللي أبيك تفهمينه أنه . . مدَ الله بعُمري عشان أعيشَه معاك.
خرج أنينها موجعًا مؤذيًا لكل خليَة بصدره، سقطت حصُونها بآخر جملة، إرتخى جسدِها وكأن العظام ذابت وتبخرت، شدَ على ظهرها ليعانقها بكل ما يملك من قوَة، دفن ملامحه بعنقها، عاد لأصلِ الهوَى، لعنقها الذي هو المرجعُ في العشق والشِعر، صعد بقُبلاتِه نحو ملامحها ليهمس بالقُرب من إذنها : بحفظ قلبي بعد الله.
ستقرأين يومًا عن أحلامنَا المشتركة التي أصلُها إثنيْن وكان لا بُد أن يجمعنا ثالثٌ يحمل إسمِي ويحملُ ملامحك، ستقرأين يومًا عن الحُب الذي غادر ذاكرتك سريعًا، ستقرأين يومًا عن الحياة التي كانت لابُد أن تنصفنا ونجتمع تحت سقفها، ستقرأين يومًا عن هذيَان رجلٍ كتب لكِ عن أطفاله الذين لم يأتون و عن حياته التي لم تأتِ، ستقرأين يومًا أنني أحببتُكِ أكثر مما يجب لنفسٍ بشريَة، لا تحتمل كل هذا الغرام.
تركها ليُعطيها ظهره، أقسى ما في الوداع الإلتفاتة التي تُصعَب من أمرِه، سحب جاكيته ليأخذ نفَس عميق وبداخله ردد " اللهم أحفظها " ، فتح الباب ودُون أن تتحرك شفتيْه بكلمة سحبُوه ليُقيَدوا يديْه.
سقطت على ركبتيْها بمُجرد ما أن اختفى عن أنظارها، رحَل! كيف أدلَ طريقـه بعد الآن؟ هل سينتهي أمره بالسجن ثم الموت؟ وأنا؟ . . يا الله أستعيذُك من إنكساراتٍ أخرى لقلبٍ أمتلأ بثقوبـه/خدوشه. أستعيذُك يالله من الوجع أن يقترب من قلبه، لو أن الوقت يستطيل ويتيح لنا فرصَة واحِدة، فرصَة حتى أُخبرك بأنني أتحدى هذه الذاكرة والزمان الذي رحَل، إنني أتحدى كل شيء من أجلك، من أجل أن أعُود لأصلِي، أصلي الذي هو قلبك.


،


لا صوتٌ ينفذ سوَى رعشات الماء تحت القارب، ولا ضوءٌ يبرق سوى المصباح الصغير الذي على جانبيَ القارب، السكُون يهبطُ بسلامِه على الهواء الذي يُحيطهما والبرودة تُرجِف ملامحهم وتخرج كبُخارٍ أبيض من بين شفتيْهما.
نظر إليها بنظراتٍ أشعلت قلبها بربكة عميقة، شدَت على جاكيتها بتجمُد من درجة الحرارة المنخفظة، شتت نظراتها خوفًا/رهبةً.
فارس وقف ليُثير كل خليَة في داخلها ويُغرقها برعبٍ شديد، رفعت عينيْها المرتجفتيْن لعلوِه و هيبـته المتسللة بجسدٍ تترجمه حواسَه، ثبتت نظراتها لعينيْه المُرَة كالقهوة والحُلوة بذاتِ الوقت.
مالذي تحاول أن تفعله بيْ يا فارس؟ عيناكَ لم تكُن يومًا شيئًا عاديًا حتى أتجاوزه! عيناكَ ثقافـة كُلما رأيتهما شعرتُ بأني أُميَة، عيناكَ موسوعة وأنا لا أحفظُ أمامهما إلا لحنِ إسمك الملتوي على لساني، مالذي تُريد أن تصِل إليْه؟ قلبي؟ أمرٌ أنتهينا منه. عقلي؟وقعنا على إستعمارك له في عقدِ زواجنا. هذه السماء التي تقف خلفك تُضيئني، أم أنت من تُضيء لي هذه السماء! أحبك! " كِذا ببساطة أحبك ". تتغلغل بيْ وتتحكم بحواسَي، كل شيء يخرج تحت سيطرتي لتُسيطر عليه بإستحلال تام، أنا مُقيَدة تحت شرعيْتك، أعملُ بقوانينك أهمها ما تُمليه عليَ عينيْك، أنت تعلم! والله تعلم كم يبلغ مداك فيَ، تعلم وتثق بذلك مهما حاولت أن أنكر لك وجُودك في داخلي. عيناكَ كارِثة! لولا الخوف من الله لعبدتُها عبادة، عينَاك أمسيَة لولاها ما خرَجت علينَا الشمسُ ولا غربَت، عيناك يا فارس! لا أحتملُها.
فارس ابتسم لملامحها حتى بانت أسنانه : وين وصلتي له؟ . . جلس بمُقابلها، بقُربٍ شديد حد أن يلامس أقدامه أقدامها.
عبير أخفضت نظرها دُون أن تنظر إليْه : أفكر وش بيصير بعدين!
فارس : وش بيصير؟
عبير رفعت حاجِبها الأيمن : مدري!! وش بتسوي؟
فارس: عادِي! برجع لحياتي القديمة . . مافيه شي تغيَر
عبير نظرت إليْه بقُربٍ لا طاقة لها به، شتت نظراتها لتُردف : كيف حياتك القديمة؟
فارس: أصحى أقرأ أرسم أكتب وأنام
عبير : بس؟
فارس : بس
عبير بلعت ريقها بصعُوبة : كيف كنت تراقبني؟
فارس بضحكة : كم تعطيني عشان أقولك!
عبير ثبتت نظراتها عليه : أبي أعرف
فارس : وأنا أقولك كم تعطيني؟
عبير : ماعندي شي أعطيك إياه
فارس إبتسم : إلا عندك
عبير إبتسمت : أفهم وش تبي بس ماأبي
فارس غرق بضحكته ليُردف : ولا أنا أبي أقول!!
عبير نظرت لضفَة النهر البعيدة لتُعيد عينيْها نحوه : تحب الغموض في كل أمور حياتك!! حتى معلومة مستخسر تقولها ليْ.
فارس: على الأقل ما ما استخسرت أمر واقع ولا أنكرته
عبير شعرت أن دماءها تجلطت وتجمدَت، صمتت لا كلمات تطفُو على لسانها، كل شريَان يضخُ عجزه أمامك.
فارس بخفُوت : على فِكرة ماراح تمرضين ولا راح تموتين لو كنتِ صريحة شويَ مع نفسك
عبير تنهدَت : جايبني عشان تستدرجني بالحكي
فارس : ماأستدرجك على شي ماتبينه! من حقي أعرف
عبير بحدَة : لآ مو من حقَك
فارس : عبير! من حقي وأنتِ أكثر شخص يعرف أنه من حقي!
عبير : وأنا حُرَة بأني ماأتكلم
فارس : أنتِ عنيدة كذا مع الكل ولا بس معايْ ؟
عبير : ماني عنيدة . .
فارس: كل شي تنكرينه لو أقولك إسمك عبير بتقولين لا ماني عبير!! بس لمُجرد أنك تعانديني!!
عبير بسخرية : إيه أنا نفسية كذا . .
قبل أن يتحدث ثبتت نظراتها به لتُكمل : تسألني وكأنك توَك متعرفْ عليَ!!!
فارس : كِذا . . نفسية
عبير أشتعلت بقهرها لتصمت مشتتة نظراتها، يعرفني أكثرُ من نفسي ذاتُها، يحفظُ أدق تفاصيلي وأصغرها، ومع ذلك يحاول أن يسألني وكأنه لا يستطيع أن يستشفَ الأجوبـة من عيني.
فارس : بردتي؟
عبير بحدَة : إيه خلنا نرجع
فارس ينزع معطفه ليُغطيها دُون أن يترك لها مجال للرفض أو القبول، شدَه ليُقرب ملامحها من ملامحه هامسًا : خلَي عندِك أمور وسط وخيارات كثيرة
عبير اخترق عطره جيوبها الأنفيَة حتى شعرت بأن رائحته تجري بدماءها جريَان الأنهارِ والسيُول، هذا العطر يهزمني بصخبِه، على هواكَ يا فارس ننصبُ طريقَا ونغيَر جغرافيَة العالم بإمتدادِ صوتُك/رائحتك : شكرًا
فارس : عفوًا يا روحي
عبير خافت من إستسلامها له بهذه اللحظة، ارتعشت أطرافُها بحمرةِ الخجل التي صبغت ملامحها البيضَاء.
فارس : جزآ الله عن صبري الجنَة
عبير ضاقت حنجرتها بتحشرجاتها، بنبرةٍ ضيَقة : محد صبر غيري! كنت تعرفني وتعرف اهلي بكبرهم! وأنا حتى أول حرف من إسمك أجهله
فارس : وتحسبين أنه الوضع كان عاجبني؟ لكن كانت لي أسبابي!
عبير بإستهزاء : ماأتوقع أنك أول شخص إسمه فارس ولا آخر شخص عشان تخبي عليَ الإسم
فارس : المُشكلة أنك أكثر إنسانة جدية مع الكل! بس معايْ أكثر إنسانة تستهزأ بكل كلمة أقولها
عبير ابتسمت رُغمًا عنها،" تتحكم بإبتساماتي يا فارس! بكل حركَة أصدرها تملك سيطرتك عليها. "
فارس بضحكة : حيَ الإبتسامة اللي تطلع بالسنة مرَة
عبير بجديَة : لأني مقهورة منك! ماني مستوعبة كيف سنة وأكثر وأنا أشحذ خيالي عشان أخمنك! وآخر شي ببرود تبيني أتعايش مع الوضع طبيعي!
فارس : صححي معلوماتك! ماطلبت هالشي ببرود
عبير : وش تفرق يعني؟ بالنهاية أنت تعرف وأنا ماأعرف ولا شي
فارس: تفرق كثير . . احيانا نكون مجبورين على أشياء ما ودَنا فيها
عبير : من أضعف الإيمان أنك تقولي إسمك . .
صمتت، عادت لكنفِ السكُون، لا قُدرة على الكلمات أن تشرح حزنك في اللحظة التي تغصَ بذاتِ الكلمات، الكلمات التي كانت خلاصُك للإنشراح. كم ليلة شحذتُ بها عقلي حتى يُخمنك ويصوَرك. كم ليلة حاولت أن أرسمك بطريقةٍ أسطوريَة تليقُ بصوتِك الرجولي الذي هزَ ما كان وما سيكُون، صوتُك الذي زلزل قلبي بصخبِه. صوتُك الذي سمعتهُ مرَة وسرقني لعُمرٍ بأكمله، و لمحتُك لحظةً على شارع بمُقابل الفندق حتى توسدت تفكيري بعينيْك، لمحتُك وأنا أدرك فداحة اللمحة الآن، فداحتها التي تنتهي بظلالِ مقبرة يقودها والدك، لمحتُك يا فارس وزعزعت أَمني.
فارس: بس هذا ما يمنع إني كنت صادق
عبير انسابت دمعة تحت ضوء القمر من عينها اليسرى، نظرت إليه بضياءِ الدمع : تتحمل ضميرك يأنبك ليُوم؟ بتضيق الدنيا في عينك وتنام عشان تهرب من هالتأنيب . . كيف تتصوَر هالضمير لو استمر معك سنَة ؟ وأستمر كل دقيقة وكل لحظة!! جرَبت تغص بالحكِي وتحس حتى ضحكتِك ما عدت تملكها؟ مافيه شيء ضلَ على ماهو عليه من لحظة دخولك لحياتي!
فارس: كل شي له جانب سلبي . . وله جانب إيجابي
عبير: الحُب اللي ما يقويك ما هو حُب
فارس: وش اللي صبَرك كل هالفترة؟ مين عطاك هالقوة عشان تخبين على كل اللي حولك ؟
عبير: الله
فارس: بعده؟
عبير بوَجع: أنت تضعفني يا فارس!! ماكنت مصدر قوة بالنسبة ليْ
فارس: وأنا كنت أبيك، حاولت أمنع نفسي عنك بس مقدرت، ماعندي قوتك اللي خلتك تقطعين بالشهور عنَي، ماعندي هالصبر اللي يخليني ما أسمع صوتك ولا أشوفك . . ماعندي ولا شي من هذا!! رآس مالي بهالحياة قلبك! قلبك اللي هنَا . . أشار لصدره.
عبير بضيق: وهالقوة والصبر على قولتك ما خلتني أبتسم يوم!! ليه بخلت عليَ بكلمة أتطمن فيها؟ ليه لمَا شفتك بباريس أول مرة ما قلت ليْ شي! حسيت . . والله حسيت أنك تعرفني!
فارس: كنت بوضع مقدر أقولك فيه شي . . . ما اخترت أنا حياتي! مااخترت ولا شيء عشان تحاسبيني عليه.
عبير بدأت ملامحها بمقاومة البكاء الذي يفيضُ بها : طيب وأنا؟ خليتني أدعي على نفسي أيام وأكره نفسي شهور! . . . ما يحق لي أتضايق؟
فارس تنهَد : يحق لك تتضايقين! بس إلى متى؟ الحياة ماراح تنتظرك ترضين!
عبير: تنتظرني؟ تقدر تصبر؟
فارس صمت قليلاً ليُردف بكلمةٍ أجهشت عينيْها ببكاءٍ عميق : إذا كنت حيَ
عبير شدَت على شفتِها السفليَة حتى تقاوم طوفَان الدموع الذي يعبثُ بمحاجرها : ودَي أصدقك . . بس لأني عارفة أنك ممكن تنجبر على أشياء ماتبيها! وممكن منها تنجبر على شي يخليك تنساني!
فارس: الشي اللي ماتملكين سيطرتك عليه محد راح يسيطر عليه، حركاتك تصرفاتك أفعالك كلها أشياء أنتِ تقررينها وممكن تنجبرين عليها لكن قلبِك؟ أنتِ ماتملكين سيطرتك عليه كيف غيرك يملك سيطرته عليه؟
عبير رفعت نظراتها للسماء المتوهجَة بنجومها البيضاء: اللي سويناه غلط! رضينا ولا مارضينا! تعبانة من هالغلط . . لأنه بحق الله مو بحق أحد ثاني عشان أنساه!!
فارس: وصححناه، يعني تتوقعين كِذا أنه ربي راضِي عنك!! أنك تمنعين نفسك عن شي بالحلال؟ الله خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو رسول وقاله لا تُحرم على نفسك ما أحله الله لك . . كيف أنتِ؟
عبير همست: صلى الله عليه وسلم
فارس: محد معصوم عن الغلط! كلنا نغلط . . لكن نصحح أغلاطنا . . صح أننا صححنا غلطنا بطريقة أقبح من الغلط نفسه لكن بالنهاية صححناه مهما كانت الطريقة . . ما أطلب منك شي يا عبير، ولا راح أضغط عليك بشي، كان يكفيني أحبك لو يوم بعُمري، كان يكفيني أني أعيش معك هاليوم.
عبير تبللت ملامحها برجفةِ اطرافها المتجمدة، شدَت على معطفِه الذي يُغطيها: تتنازل؟ تتنازل عني بسهولة؟
فارس شتت نظراته بعيدًا ليصمت لدقائق طويلة، بكل ثانية تسقطُ دمعة مالحة على خدها المُحمَر.
أردف: ما اقُول أنتِ قلبي ولا أنتِ حياتي ولا أنتِ جزء مني، ماأقول إنِك شيء عادِي ممكن أنساه، أنتِ تقاسميني نفسي، كيف أتنازل عن نفسي؟
ارتجفتْ شفتيْها، نظرت إليْه بدمعٍ يُضيء به وبعضه ينسكب، انساب حجابُها دُون أيَ ردة فعل لتوقف إنسيابه خلف ظهرها، تركت للريح مجرَى أن يتلاعب بشعرِها الطويل، تجمدَ هذا الكونُ بأكمله ولا رمشةُ تنقذ الموقف. لحظةُ صمتٍ عميقة تربطُ نظراتهما المتقابلة عشقًا/شغفًا/غرامًا/حُبًا. اندفعت الضرباتُ لصدرها الذي يرتفعُ بعلوٍ ويهبطُ بذاتِ العلو.
كيف يأتِ الإعترافُ صريحًا هكذا؟ حادًا بهذه الصورة! أشعرُ بحدائِق تتحشرجُ بأوراقها في رئتي، لا خريف يأتِ يقتلع جذورِي ولا ربيع يُساعدها على النمو، واقفة بالمنتصف أنا وقلبي. أنت ما كُتبت عنه غادة السمَان وصدقت، أنت الذي شهدت عليكَ ولولا عكازُ كلماتها لأنكسرت أمامك الآن " وإذا أنكرت حُبي لك، تشهد أهدابي على نظرة عيني المشتعلة حتى واحتك، وإذا تنصلت منك تشهد يدي اليمنى على اليسرى وأظافري على رسائل جنوني بك، وتشهد أنفاسي ضد رئتي وتمضي دورتي الدموية عكس السير ضد قلبي، وتشهد روحي ضد جسدي وتشهد صورتي في مراياك ضد وجهي، وتشهد الأقمار الطبيعية والإصطناعية ضد صوتي، وحتى يوم أهجرك أو تهجرني، لن أملك إلا التفاتة صبابة صوب زمنك لأشهد أنني أحببتك مرَة ومازلت " مازلت يا فارس.
اقترب أكثر، اغمضت عينيْها ليندفع الحلم نحوَها كإندفاع الدمع، أحاط يدِه خلف رأسها ليُخلخل أصابعه بشعرِها المُطلَ بعُتمته، لامسَت ملامحه السمرَاء بياضها ولا شهُود سوَى القمر وبضعِ نجومه.
استسلمت بلا أيَ مقاومة تُذكر، من فرطِ السعادة لا نملك القدرة على رؤيتها، نُغمض أعيننا لأن لا قدرة على الواقع أن يُرينا ضخامة ما نشعُر.
أغمض عينيْه ليمتزج بها حسيًا، إني أستودعُ ثغركِ وعودًا لا تكتبها سوَى القُبلات، إني أشهدُ على شفتيْكِ بغنَى وثراء ما قبلُ التاريخ وما بعده، إني أشهدُ على إختصار الكونِ فيك، وكل الكونِ أنتِ.
تعبرُ الدقائق ولا يُلقى لها بال، لم يكُن الزمن مُرًا في أشدِ اللحظات عُمقًا، إنما مرارته بالوحدة/العُتمة.
سقط معطفِه من على كتفِها لتنجرف بأكملها نحوه، وضعت يدها خلف عنقه باللاشعُور الذي يقودها، بكل كلمات الحب التي قيلت ومازالت تُقال، يكفيني يا فارس أن أُحبك لدقيقة وأن أتنفس أنفاسك، وأنا أُقاسمك هذا الهواء وهذا الفضَاء، يكفيني أن أختلي بك في وسطِ هذا النهر وليكُن أجمل يوم في حياتي، ولا يومٌ يضاهيه، ألتحمُ بِك بدوافعٍ أعرفها ولا أعرفها، بدوافعٍ لن أسأل نفسي عنها، بدوافعٍ إسمُها " أحبك " وكفى، يا لذة الوجَع منك! " يا حلوَه لا جا مِنك " أدركت تمامًا أنَ وجعي لذيذ ومُغرِي للغرق به، أعني الغرق بك.
اضطربت أنفاسُها بربكةِ قُربه/إلتحامه بها، ابتعد مقدارِ سنتيمتر واحد عن شفتيْها، ليُلاصق أنفُها أنفه، كيف بقُبلة أن يقف هذا الزمن بعيني؟ أن يتلاشى الجميعُ من عيني لتبقى الحياةُ أنتِ وماءُ عينيْك شَرابي؟ لن يجيء من بعدِك شخصًا له القدرة على إلمام الكون في ملامِحه ومُقابلتي. لن يجيء شخصًا يقف ويلتفُ الكون حوله. من أيَ الأرحامِ أتيْتِ حتى تحملِي قلبِي؟ يالطاعة التي أبذًلها كلما تأملتك وقلت " سُبحانه من أوجَد الفتنة في عينيْك ".
سنفترق يا عبير؟ هذا ما يطفُو على سطحنا، ولكن أحبك! " كِذا ببساطة أحبك ".
فتحت عينيْها لتنظر إليْه بإضطرابِ الأنفاس المتبادلة، ما مرَ حلمٌ أو واقع، ما مرَ مطرًا قَدَرَهُ أنتْ.
فاضت ملامحها بالحُمرة، ولم يبقى بياضٌ سوى عينيْها المتلألأة بالدمع.
همس: مضطر! عشانك وعشاني، ولو بإيدي كان قلت أموت معاك ولا أموت من حياة بدُونك، . . آسف
عبير ببكاءٍ سلك مجراه على ملامحها، همسَت ببحَة : لا تروح!
فارس صعدَت دمعةُ لعينيْه، صعدَت بتقيؤ للوجَع، أنا الذي ضللت السير طوال حياتي ولم أحب سواكِ. كُتب عليْنا أن لا نجتمع مهما حاولنَا أن نقترب.
عبير بإستسلامٍ تام يختنق صوتها تدريجيًا ببحةٍ لم تُبقِ من لياقة الكلمات شيئًا يُسمع: فارس
فارس رفع عينه للسماء: مافيه شي بحياتي مستقر! مافيه إلا أنتِ.
عبير: محتاجتك . .
فارس بألم يتحشرجُ به صوته : آسف لأني مقدرت أكون زوجك
عبير أخفضت رأسها ليواسيها شَعرها على الجانبيْن، بكَت بلا أيَ محاولاتٍ للصمود، بكَت من مرارة البُعد والوداع، بكَت لأن لا شيء سيكُون على ما يُرام في يومٍ سيغيب به فارس.


،

وقف أمام الباب بتعبٍ وجُهدٍ استنزفه الجوُ البارد، ضغط على الجرسِ كثيرًا، تمرُ اللحظة واللحظة الأخرى ولا يتحرك من مكانه، مازال يضغط على الجرس حتى بدأت ملامحه تحمَر بالغضب، طرق الباب بقوَةٍ صاخبة، صرخ: ناااااااصر! . . . أدري أنك هنا! أدري أنك بباريس . . ضرب الباب بكفَه المتجمدة من البرد. واصل ضربه متجاهلاً الشقق التي بجانبه، واصَل حُرقته التي تصِل بضرباته، صرخ حتى بحَ صوته: نااااصر . . نااااااااااااااااصر
هرول إليه حارس العمارة سريعًا : أزيز؟ *عزيز*
إلتفت إليه ليُخبره الحارس قبل أن ينطق كلمة: ألم تعلم ماذا حصَل؟ قد أغلقته الشرطة وأتى أمرٌ بأن لا يسكن أحدًا حتى تنتهي مجريات القضية.
عبدالعزيز بفرنسيَةٍ أصبح يُبغضها و رُغمًا عنه لا يتخلى عنها : أيَ قضية؟
: لا أدري تمامًا ما حصل ولكنه قتل شخصًا وهرب
عبدالعزيز شعَر بأن العالم يدُور حوله والحارس العجوز يدُور أكثر : من الشخص؟ إمرأة؟
: لا أدري
عبدالعزيز بهذيَان تذكَر صوتُها: متى حصلت الحادثة؟
: قبل أسبوعيْن أو أكثر
تنهَد براحة وكأنه أمتلك العالم بكفَ يده: شكرًا
: بوردون
نزَل للشارع ليُفكر بأيَ مكانٍ من الممكن أن يذهب إليْه، سَار كالعابرين البائسين، يشدُ الخطوة ويسحبُ الأخرى والذبول يلحظه المارَة. لا تفعل هذا بيْ يا ناصِر!
تجمدَت خطواته ليقف بالمنتصف، و الأصوات تتداخل بمخيلته، حاول أن يستعيذ بالله ويتركُ هذا الأمر برمته خلف ظهره ولكن لم يستطع، لم يقدِر على أن يُصفي ذهنه من كل هذا.
مسك رأسه لينخفض بوَجع عميق : يالله ساعدني . . ساعدني يارب يا كريم . . .
بصداعٍ يُفتت خلاياه تنبعثُ أصواتهم، و صوتُ هديل الناعم والصاخب يسلبُ عقله، جلس على عتباتِ الدرج لينقبض قلبه بشوقٍ لهديل ولضحكة هديل ولروح هديل، يارب!
رفع عينه لسيارة الأجرة الواقعة أمامه ليقف بتعب ويتجه نحوها : إلى المقبرة.
: ولكن لا يُمكنك دخولها بهذا الوقت.
عبدالعزيز بحدَة : إتجه بي إليْها . . .
: حسنًا
نظر لساعته التي تعبرُ الفجر بساعاته الأولى، يالله كم يلزمني من وقتٍ حتى أتعايش مع موتكم/فقدكم، يارب أجبر كسر قلبي بفقدهم، يارب يا كريم عوضني بخيرٍ من عندِك في جناتِك.
مرَت نصف ساعة حتى وصل إلى عُتمةٍ لا يضيئها شيء، أعطاه أجرته ونزل، نظر لِمَن حوله، ليتجه نحو الناحية الأخرى، بحث في الأرض عن شيءٍ حاد يُدخله بالقفل، حاول أن يدفع الباب ولكن لا جدوى، نظر بنظراتٍ للجانبيْن حتى تسلق الجدَار ورمَى نفسِه على الأرض بمسافةٍ ليست بالمرتفعة، نفض ملابسه ليسير بخُطاه نحو الجهة الأخرى التي يحفظها، بكل خطوة كان يخرجُ الهواء من رئتيْه ولا يعُود، بكل خطوة كان يختنق أكثر.
جلس على ركبتيْه أمام قبرها، لا قوة لديْه تُسعفه أن يقف أمام هذا الألم المفجع.
" السلامُ عليكم دار قومٍ مؤمنين أنتم السابقون ونحن إن شاء الله بكم لاحقون "
صمَت ولا فكرة تدُور بباله، ينظرُ للتراب الذي يرقد فوقها ويفيضُ قلبه بحزنٍ لا تشرحه الكلمات ولا توازيه المعاني.
أخفض رأسه لتحمَر محاجره بملحِ الدمع، لا شيء يُبكينا بقدر الموت، لو أن الحياة تعود يومًا لمَا فرطت بدقيقة دونكم، لمَا تركت لحظة تأتِ وأنتم لستم معي، لمَا غبت.
لو أن الحياة تعود يومًا يا هديل وأشرح لكِ عن وجع غيابك،" أشتقت! اشتقت لك كثير. وكيف ألتقيك؟ لو أنِي أقدر أشوفك أو بس ألمحك! لو بس أملك هالمعجزة اللي تخليني أسمعك. "
وضع رأسه على الصخرة التي ترمز لقبرها، انسلخ من جلدِه ولونه وشخصه وكبرياءه وعاد لأصله، أصلُ البشر بكاء منذُ أن خرج من رحمِ أمه ليواجه هذه الدنيَا.
كل شيء بعدكم يحمل الإفتراضات و " لو " لا شيء حقيقي يُسعدني، وأنا والله العظيم لا قُدرة ليْ على الحياة بعدكم. يارب أسألك بكل إسمٍ سميت به نفسك ذكرته في قرآنك أو على لسان أحدٍ من خلقك أو أخفيته في علم الغيب عندِك لحكمة منك لانعلمها، يارب أرزقني الصبر، يارب أرزقني الصبر، يارب أرزقني الحياة.


،

السَاعة الثامنة صباحًا -/ باريس.
خرج من المطَار ليتنفس هواءً بارِدًا يُدفىء خلاياه المشتاقة لهم، هذه البرودة لا تعني شيئًا أمام حرارة الشوق، ولا شيء يعتلي سقف العائلة، لا شيء له القدرة أن يوازِي مقدار العائلة، هذا الشتات، شتاتكم تحديدًا يعني أن يُكسَر في داخلي ضلعًا تلو ضلع، يارب المم شتاتنَا وبعثرتنا.
إتجه نحو نايف ليُسلم عليه بحرارة : الحمدلله على السلامة
عبدالرحمن : الله يسلمك . . شلونك يابوي؟
نايف: تمام . . خليت سالم في البيت
عبدالرحمن : ليه وين عبدالعزيز؟
نايف: طلَع . . خلنا نستعجل قبل لا تمسكنا الزحمة
عبدالرحمن عقد حاجبيْه ليركب السيارة بجانبه، ربط حزام الأمان ليُردف : فيه شي صاير؟
نايف: كل الأمور تمام
عبدالرحمن : وعبدالعزيز؟
نايف بتوتر تنحنح : بخير . . حرَك السيارة ليأتِ سؤال عبدالرحمن مزلزلاً لكل كذبَة يُغطي بها ما حدث: هذي سيارتك؟
نايف: لآ . . لسالم
عبدالرحمن صمَت لينظر للطريق المزدهر بخضاره وقلبه يبتهلُ شوقًا لعائلته. تمرُ الدقيقة تلو الدقيقة ويفيضُ قلبه شوقًا أكثر/أعمق، كل الأفكار تنسحب وتبقى فكرة واحدة " عائلته " . . رتيل، عبير، ضي.
بعد 45 دقيقة انقضت بطريقٍ طويل نحو البيت الخشبِي الذي لم يراه عبدالرحمن مُسبقًا، ركن سيارته لينزل، سلَم على سالم ليلتفت نحو نايف: تقدرون تآخذون إجازة اليوم بكون هنا
سالم: الحمدلله على سلامتك قبل كل شي
عبدالرحمن : الله يسلمك من كل شر . . إتجه نحو الباب ليفتحه بخفُوت، طلَ للجهة الأخرى ناحية المطبخ المكشوف على الصالة، نظر لظهرها وهي تتكىء به على الطاولة وتُحرَك الملعقة وسط الكُوب. لم تشعُر بخطواته خلفها وتفكيرها غارق حدُ اللاشعور بشيءٍ آخر وبطنُها ينتفخ بشهورٍ أولى، بدأ الحملُ يظهر عليها ويزيدُها جمالاً مهما شحب لونُها وانصهر، تبقى الحياة تُبَث بها لأن بداخلها حياةً أخرى.
: صباح الخير
إلتفتت بلهفة لنبرةٍ تحتلُ قلبها، ارتجفت شفتيْها لتتجه نحوه بعناقٍ جعلها تقف على أطرافِ أصابعها، سحبت رائحته بداخلها وهي تستنشقُ الهواء الذي يعبرُ عنقه، فاض قلبُها ببكاءٍ ممتلىء بالسكينة، فاضت رُوحها بالشوق وهي تتشبثُ به كطفلةٍ أضاعت سبيلها، " وجُودك بجانبي يكفيني! يكفيني عن هذه الحياة بأكملها، لو تعلم كيف لمزاجيَة قلبي أن تتبعثر وتصطدم بحدَة التفكير لمُجرد أنك لست هُنا! لو تعلم فقط كيف تتلعثمُ روحِي دُونك؟ وأنك الطريق الأوضح على الإطلاق! وأنك صوتي يا عبدالرحمن، صوتي الذي لا يُبَح أبدًا ".
: اشتقت لك
عبدالرحمن بإبتسامة: وأنا أكثر . .
تشبثت به بطريقةٍ تُثير كل خليَة حانيَة في جسدِ عبدالرحمن، لستُ على ما يُرام! لا شيء يسير بخير طالما أنك لست هُنا، لا شيء يا عبدالرحمن يسدَ مكانك.
شدَ على ظهرها وهو يشعرُ ببكاءِها الذي يهزُ قلبه قبل كل شيء: ليه البكِي؟ . . ضي!!
ضي: مِحنَا بخير!!!
عبدالرحمن يُبعدها ليُحاصر ملامحها الباكية بكفيَه: الحمدلله على كل حال . . كل امورنا راح تتصلح بإذن الكريم . . إلتفت ليبحث بعينيْه عن رتيل : . . وين رتيل؟
ضي بضيق: طلعت مع عبدالعزيز
عبدالرحمن: متى؟
ضي: أمس
عبدالرحمن عقد حاجبيْه: كيف ما رجعت؟ وين راحوا؟
ضي هزت كتفيْها باللاأدري : عبدالعزيز مو على بعضه في اليومين اللي راحوا
عبدالرحمن: رتيل معها جوالها؟
ضي: لا لمَا غاب عبدالعزيز آخر مرة أخذه معه وما رجعه
عبدالرحمن تنهَد ليبتعد بخطواته متجهًا للخارج، اقترب من نايف: وين عبدالعزيز؟
نايف: قالي بيرجع بس ما رجع وماحبيت أشغل بالك!!
عبدالرحمن بغضب: كان لازم تعلمني! . . الحين وين نلقاه؟
نايف: تطمَن ماهو عند رائد ولا غيره . . لكن بالضبط مقدرت أوصله
عبدالرحمن مسح على وجهه بتعبٍ وإرهاق: من وين طلعت لنا هالمصيبة بعد!!!
نايف: الحين راح أدوَر عليه داخل باريس يمكن أقدر أوصله،
عبدالرحمن صمت لتتداخل الأفكار بعقله، تحديدًا الأفكار الأشد سوءً.
: ما قالك شي؟ كِذا فجأة قالك بطلع
نايف: لأ . . حصل شي غريب، جاه ظرف ومنعني إني أفتحه، خذاه ومن عقبها انقلب حاله
عبدالرحمن شتت نظراته لتثبت للغرفـةِ الخارجة عن البيت، أتى صوتُ نايف منبهًا: هنا كان ينام
اقترب بخطواته ليفتح الباب ويدخل، نظر للمكان المبعثر حتى سقطت عيناه على الأرض، على الصور المشتتة.
انحنى ليأخذها بملامحٍ تشتدُ غضبًا، قرأ الورقـة ليعجنها بكفَه المنتشي غضبًا، تنهَد راميًا الورقة على الأرض: مجنون!!!!
جلس على طرف السرير ليضع يدِه على رأسه، كل الأمور تسوء! ما أن نخرج من مصيبة حتى ندخلُ في أخرى! ماذا تفعل الآن يا عزيز، أعرف تمامًا ماذا يدُور في عقلك هذه اللحظة. يالله أرحمنا!!!


،

يُدخن سيجارته ليجلس أمامه بساقٍ ترقدُ على ساقٍ أخرى: أكرر سؤالي مرةً أخرى
ناصِر بتظاهر يتحدثُ بركاكة إنجليزية : لا أتكلم الفرنسية ولا الإنجليزية
: يبدُو أنك لا تفهمني جيدًا! سجلك وافر بشهادات اتقان اللغة . . لذا لا فرصة لك بالكذب
ناصر: لا أفهمك
بغضب: اجبني قبل أن اتخذ بحقك عقاب يمنع عنك النوم!!
ناصر ببرود: لا أفهم شيء
: حسنًا! في حال حُكم عليك بالمؤبد قُل لهم أنني لا أفهم لغتكم!
ناصر بإستفزاز : من دواعي سروري
اقترب منه الضابط ليلكمه على شفتِه: إياك! إيَاك أن تستفزني
ناصِر: ما أفهمه من لغتك أنني لست قاتل
: سأقول لك شيئًا وتذكره جيدًا . . لن تخرج من هنا إلى لقبرك.
ناصر سعَل من بحَة البرد الذي يُداهمه : شكرًا لمعلومتك
جلس الضابط الفرنسي خلف مكتبه: هروبك إلى لندن سيُكلفك الكثير
ناصر أسند ظهره متجاهلاً صوته البغيض، الضابط: ألا تملك شخصًا نتصل به؟
ناصر: لا
الضابط: أين والدك؟
ناصر: ليس هنا!
الضابط: أنا اسألك أين هو ولا أسألك إن كان هو هنا!
ناصر تنهَد بغضب ليعُود لصمته دُون أن يجيبه بكلمة، هذه الحياة تتخلى عنَي للمرة الثالثة، لم أكن أحتاج أن يقف معي أحدًا، تشافيْت تمامًا من الخيبات والصدمات التي مازلتُ أتعرض لها، تشافيْت من النهايَة التي تجيء ببطءٍ يقتلني! تشافيْتُ من الإنكسارات التي تغدرُ بيْ، تشافيْتُ من كل هذا ولكن لم يكُن شفاءِي بلا مقابل! دفعتُ مقابله اللاشعور، لم أعد أشعرُ بأيَ فرح! لم أعد أُدرك أعراض الفرح ذاته، وقلبي؟ فقدته تمامًا. أنا أموت! بطريقةٍ بشعة.


،

نظر للسقف يحاول بشتَى ما يملكُ من قوَة أن يخرج صوته مناديًا، لا أحد حوله/بجانبه، مهما علَى صوتُه لا أحد يسمعه، احترق جوفـه بإختناقٍ لا قُدرة له عليه، اضطرب صدره الهابط/المرتفع، شدَ بأصابعه على السرير، يحاول أن يتمالك نفسَه ويقاوم هذا الغرق، يدعُو الله أن يدخل أحدًا لينقذه الآن، يبتهلُ قلبه بأن يدخل طبيبًا أو ممرضًا ويُسعفه، في كل لحظة يزيد به الألم كان يزيد بغرزه لأصابعه على السرير، في كل لحظة يزيدُ به الوجَع كان يأتِ صوتُها الملائكِي بآيات السكينة، في كل لحظة كان صوتُها يقرأ " هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانًا مع إيمانهم ولله جنود السماواتِ والأرض وكان الله عليمًا حكيما " لا مخرج هذه المرَة، ولا خلاص.
الذي أشعرُ به، تحديدًا إنقباضاتِ قلبي في هذه اللحظات، هل هي سكرَاتُ الموت؟
يأتِ صوتُها مرَا يالله، يأتِ صوتها بأكثرُ الآيات تأنيبًا " وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ونُفخ في الصور ذلك يوم الوعيد "
أخذ نفس عميق يحاول أن يستنشق الهواء اللازم للتنفس بصورة طبيعية، ولا محاولة تُجدي وتُفيد.
تفجرَت عروقـِه بحُمرة ملامحه التي تضيق وتختنق بشحُوب، يراهم! يقسمُ بالله أنه يرى ما حوله ولكن لا قُدرة له على مناداةِ أحد. يكاد يجزم أن طوال حياته لم يشعرُ بوجعًا قدر هذا الوجع الذي يقتلع حنجرته وقلبه ببطءٍ لا تتحملهُ الروح، يالله أسألك سلامًا.
اصطدم فكيَه بصريرٍ مؤذي، تقف الغصَات وتقبض على عنقه لتخنقه بشدَة، لا مفَر من الموت، لا مفَر!
أصعبُ لحظاتِ حياته يشعرُ بأنه يواجهها الآن، حاول أن يضع يدِه على عنقه ولكن حتى يدِه تجمدَت في موضعها، يشعرُ بطعم الدماء التي تعبثُ بفمِه، يشعرُ بالقلب الذي يقتلع من محاجره، يشعرُ بأن شوكًا ينهشُ بكل جزءٍ من جسدِه، كل قوةٍ زائلة ما دامت هي في يدِ الله.
حاول أن ينطق الشهادة، حاول حتى لويَ لسانه، ضاقت محاجره حتى تدافع الدمعُ بفوجٍ عميق، تحشرجت روحَه وهي تعبرُ حنجرته كصوتٍ ركيك جاهد أن يتسلق الشهادة. لم يستطع! لم يملك الحياة الكافيَة حتى يقول " أشهدُ أن لا إله الا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله "، فقد الهواء اللازم ليدفَع بها كلمات الشهادة على لسانه . . فقد الحياة.
ارتخت أصابعه المشدودة على السرير، وهدأ إضطرابِ صدره حتى سكَنت أنفاسه بنظراتِه الذابلة الأخيرة، كان الموتُ جديًا أكثر من اللازم.
وضع الممرض يدِه على يدِ السلطان الباردة ليلفظ بخوف: سلطان . . سلطااااااااان!!! . . . . . إلتفت مناديًا . . دكتووور أحمد . . .اقترب الممرض من كوب الماء ليُبلل يدِه ويُبلل ملامحه الشاحبَة المختنقة، بنبرةٍ أخوية حانية: بسم الله عليك . . استعيذ بالله هذا كابوس!!
نظر لمَا حوله ولا شيء يشعرُ به سوى وجعُ قلبه هذه اللحظة، وضع يديْه على رأسه المنفجر بصداعه، بربكةٍ عميقة، تعلق عقله بفكرة أنه لم يستطع نطق الشهادة في موته، يحاول أن يستوعب حاله الآن! هل ما يمرَ به حقيقة أم كابوس/حلم! هل ما يحدثُ له الآن واقع.
استعدل حتى حاول الوقوف ولكن منعه الممرض الواقف بجانبه: ارتاح
سلطان المتعرق من كابوسٍ لم يرى مثله أبدًا: بس بتوضأ
: تحتاج مساعدة؟
سلطان هز رأسه بالنفي متجهًا للحمام، وقف أمام المغسلة مستندًا بذراعيْه، ليتعرَى بجروحه أمام المرآة، اختنقت محاجره من هول ما رأى، لمُجرد الحلم شعَر بأن روحه تُقبض كيف لو كان حقيقة؟ يالله! كيف سيأتِ الموت! ماذا لو أتى ولم أكن مستعدًا! هذا حلم ولكن المرة المُقبلة لن يكون حلمًا.
بدأت أفكاره تتشتت، لتتوسدَه مسألة الأمن التي تتذبذب في الفترة الأخيرة وهو مؤتمن عليها، بلل ملامحه بالمياه الباردة، يحاول أن يُهدأ روَعه ولا فائدة، كل خليَة في جسده ترتجف.
توضأ ليخرج، رفع عينِه للممرض: راح أطلع الحين!!
الممرض: إيه بس . . حالك ..
قاطعه: تمام . . . تحامل على كل شيء ليتوجه ناحية القبلة، بأولِ سجدة وأول دعوة لله، أتتَ بنبرةٍ مجروحة من بكاءٍ لا يخرج " اللهم أحفظ بلادنَا بحفظك وآمنها بأمنك وأبعد عنها الفتن ما ظهر منها ومابطن، الله عليك بأعداء الدين والمنافقين ومن ولاهم ومن عاونهم، اللهم أحفظ أرضنَا وأرض المسلمين بعينك التي لا تنام، اللهم أدم أمننا واستقرارنا، يارب يارب يارب أخلف لنا خيرًا ممن فقدنا ومُدَ حماةِ الأرض والدين بالقوة والمعونة. "
خفت! خفتُ على أمنٍ يتزعزعُ بلحظة، خفتُ على أرضٍ أن تُسلَب، خفتُ على خرابٍ أن يبعثرها، خفتُ للمرةٍ اللاأدرِي على الشهادة التي تعتلي العلَم، خفتُ عليْها من أن تتلوَث!


،


جلسَت أمامه دُون أن تنطق كلمة من هول الكلمات التي لم تعرف منها ولا شيء، لابُد أن أصارحه بأنني أكذب! هذا الحال لا يُمكنني أن أستمر عليه، يالله على غباءي في اللحظة التي كذبتُ بها عليْه، يالله على غباءي كيف أصحح الأفكار الخاطئة التي يأخذها عنَي، كنت أعلم والله أنني أستحق رجلاً طائشًا أطيش معه وليس متزنًا يغلبني معه.
فيصل :الله يعين
هيفاء: آمين
انشغل بأوراقٍ مبعثرة على مكتبه، لا يرفع رأسه من الثغرات المتورِط بها بفعلِ ناصر، تبقى له من الشهر 17 يوم إن لم يُحلَ الأمر سيُفضح بإتجاهه إلى السجن، أخذ نفس عميق ليُعيد قراءة ما بين يديْه، يتجاوز الأسطر لينظر للحسابات البنكية المتعامل معها وعيناه تقرأ لغة الأرقام.
تُراقب حركاته وتفاصيله الصغيرة بالتفكير، أصابعه التي تحكَ جبينه للحظاتٍ طويلة وفرقعة أصابعه بين كل لحظةٍ والأخرى، تنهَيدته الطويلة التي تأتِ بعد عملٍ مُتعبًا، تحاول أن تحفظه بقلبها وعينيْها.
هيفاء وقفت: راح أجيب لك قهوَة . . خرجت لتنزل للأسفَل، نظرت لريف التي تلعبُ بألعابها في منتصف الصالة، بحثت بعينيْها عن أم فيصل ليأتِ صوتها مقاطعًا للعبها: ريف
إلتفتت عليها، أردفت هيفاء : وين ماما؟
ريف: راحت
هيفاء أمالت فمِها لتتجه نحو المطبخ، تحتاج أن تتعرف عن فيصل من خلال والدته، دقائق قليلة حتى ملأت الكوب بقهوةٍ مُرَة، صعدت به وبُخارها الحارَ يسبقها، وضعته على الطاولة أمامه.
فيصل: شكرًا
هيفاء: العفو . . رفع عينيْه على صوتِ الهاتف الذي صخب برنينه.
هيفاء: خليك بشغلك أنا برَد . . راقبها بنظراته إلى أن إتجهت نحو الهاتف، رفعته : ألو . . . إيه . . . . . . . لزمت الصمت بربكةٍ تامة . . . نظرت إلى فيصل الذي يخفض نظره ناحية الأوراق، بلعت ريقها بصعُوبة حتى نطقت : فيصل . . .
رفع عينه : مين؟ . . . أنتبه لملامحه ليترك القلم ويتجه إليْها، أخذ السماعة : ألو . . .
لم يأتِ صوتًا واضحًا، ليشتَد صوته بحدة : ألو!!!!
: مبروك الزواج . . ليتك قلت لنا نسوي معك الواجب!
فيصل أشار لهيفاء أن تخرج، بخطواتٍ مرتبكة إتجهت نحو الغرفة المرتبطة بمكتبه ببابٍ فاصل، جلست على طرف السرير وقدمِها تهتَز من الكلمات التي زعزعت سكينة قلبها " زوجته؟ ماشاء الله تزوَج ولا قالنا !! زوجك من أولها باع العشرَة! . . " أيَ الأصدقاء هذا الذي يُحادث زوجة صديقه بهذه الوقاحة! من المستحيل أن تكون طبيعة أصدقاءه بهذه الصورة.
في جهةٍ أخرى يلفظ بحدَة : عُمر كلمة وحدة ماراح أكررها كثير لو أتصلت عليَ هنا ما تلوم الا نفسك! لا تجرَب تستفزني عشان ما أجرَب أذبحك
عُمر: معليش يا عريس شويَة تفاهم داخل علينا بقوَة! عندي لك موضوع يهمك
فيصل: وأنا عندي لك ******
عُمر غرق بضحكته ليُردف بإستفزاز: تؤ تؤ!! هذا حكي يطلع من فيصل ولد القايد!!
فيصل بعصبيَة: أقسم لك بالله لو جربت تلعب بذيلك معي لاأقطعه لك
عُمر بجدية : أنا أبي أساعدك! شفت توريطة ناصر لك وماهان عليَ
فيصل ابتسم بسخرية : على اساس أنه ناصر متصرف على كيفه! لا تلعب عليَ ولا ألعب عليك!! ألاعيبكم حافظها
عُمر: بكرَا راح تنسحب الدعوى اللي ضدِك!
فيصل: وش المقابل؟
عُمر بضحكة: وش متوقع أبي منك؟
فيصل: لا يكثَر وأخلص عليَ
عُمر: أبي بعض الأوراق من عبدالله اليوسف
فيصل: روح لبومنصور وقوله أبي الأوراق! ماني وسيلة لك
عُمر: أكلمك جد!! ماهو وقت مصخرة . . أنا أحتاج هالأوراق ومتأكد أنه بومنصور يعرف مكانها
فيصل: مقدر أجيب لك شي! . . ولا تتوقع أني بساعدك بشي!!
عُمر: أجل صبَح بكرا على الشرطة اللي راح تحبسك بديون مقدرت تسدد ربعها!
فيصل بغضب: عُمممر!!!
عُمر: جرَب تساعدني وراح أساعدك
فيصل زفَر براكينه ليلفظ بين كومةٍ حادة تخنق صوته : تخص إيش الأوراق؟
عُمر: أسماء موظفين يشتغلون عند رائد، أنسرقت قبل يومين من بيته وهي موجودة عند بومنصور!
فيصل: بتفهمني أنه الي سرقها بومنصور!!
عُمر: لأ لكن وصلت له
فيصل تنهَد: تطلب مني شي صعب!!
عُمر: ما يصعب عليك . . عن طريق زوجتك
فيصل: وش عرفك عن زوجتي؟
عُمر بضحكة: أنا ممكن أتظاهر لك بالغباء بس ولا يدخل في مخك للحظة إني غبي!!!!!
فيصل بغضب: طلبك مرفوض!!
عُمر : تحمَل اللي بيجيك
فيصل صمت قليلاً ليُردف :إذا عشت لبكرَا إن شاء الله
عُمر بضحكة عميقة : يعجبني أنك واثق بمسألة موتي! بس بخليك تثق بقدراتي بعد . . إتصال مني ينهي لك بيتك بكبره!
فيصل: يؤسفني والله إني أنزل من مستواي عشان أوصل لمستواك وأقول على *** . . أغلقه في وجهه ليأخذ نفس عميق يحاول أن يُهدأ به أعصابه، أخذ هاتفه المحمول ومفتاحه ليتجه نحو الباب، تراجع بخطواته لغرفته، نظر لسكينتها التي ترتدِي عقلها بتفكيرٍ عميق : هيفا
رفعت عيناها دُون أن تنطق كلمة، : أنا طالع . .
هيفاء بتوتر تُشتت نظراتها بعيدًا عنه : طيب
نظر إليْها ليرفع حاجبه : فيك شي؟
هزت رأسها بالنفي ليخرج بخُطى سريعة، أخرج هاتفه المحمول ليثبته بكتفه وهو يفتح باب سيارته : عُمر هددني!


،


بحرَج يحاول يُغلق الموضوع برمته بعد أن تم فتحه بطريقةٍ لم يتوقعها : لآ أكيد . . هي أم زوجتي
الضابط رفع حاجبيْه: بس الواضح مثل ما قلته
منصور: يعني كان فيه إتصالات بين يزيد وفهد؟ قبل وفاته؟
الضابط: إيه ومن جوال أمه
يوسف بضيق: طيب ما أظن حكي أمه بيغيَر شي الحين! سواءً كانت تعرف أو ماتعرف . . بالنهاية يزيد هو اللي قتله ولبَس التهمة لمنصور
الضابط: هي تحايلت وغيَرت مجرى قضية كاملة!
يوسف بغضب لم يسيطر عليه: أنا وش دخلني الحين بأنكم تجيبون أمه!
منصور يضع يدِه على كتف يوسف وبحدة : يوسف!!!
يوسف تنهد : أستغفر الله بس
الضابط: إحنا راح نسوي اللي علينا ومضطرين نعتقل الأم
يوسف بحدَة : كيف تعتقلونها! هذا ولدها مستحيل تضرَه، ممكن تكلمت من خوفها .. بس بتجرَ وحدة بمقام أمك لهنَا وبتدخلها بين الرجال!! . .
الضابط : أتمنى يا أخ يوسف ما تنسى نفسك
يوسف بعصبيَة بالغة : أنا ماني موافق! ولا من المعقول انكم بتجيبونها
الضابط: ومين قال أننا ننتظر موافقتك؟
منصور: يوسف قوم!!
يوسف: ماراح أتحرَك . . يجي أبوي ويتفاهم مع مقامك السامِي . . أردف كلمته الأخيرة بسخرية/إستهزاء
الضابط: أخ يوسف أنت كذا بتخليني أحتجزك عندنا لمخالفتك القواعد
منصور وقف بغضب: يوسف قوم!!!
يوسف يخرج من المكتب بخطواتٍ غاضبة، إتجه نحو الخارج ليلتفت يمينًا نحو سيارته، إقترب منه منصور: مجنون! تبي تورطنا بعد!!!
بغضبٍ كبير يقف أمامه: تحمَلت سخافاتكم بهالقضية بما فيه الكفاية! ترضى على أم نجلا ؟ ماراح ترضى بس يوسف تآكل تراب وترضى
منصور: كان راح نقدر نوصل لحل لو ساكت ومخلينَا نتفاهم مع الضابط
يوسف: ماني مجبور أتحمَل أغلاطك يا منصور! . . ركب سيارته ليُغرق منصور بغضبٍ بالغ، إتجه نحو سيارته التي تركنُ بجانبه ليلحقه.


،


صعد الدرج الذي شعَر وكأنه مبنى شاهق يتسلقه، رفع عينه لينظر لجسدِها الواقف أمام الباب، إلتفتت عليه بلهفة، وضع قدمِه على آخر عتبَة حتى اندفعت إليه وعانقتها بشوقٍ كبير هامِسَة: وينك كل هالمدَة! يالله يا عزوز خوفتني عليك . .
عبدالعزيز تنهَد : أنشغلت شويْ . .
ابتعدت قليلاً لتنظر لملامحه الشاحبَة: وش فيك؟ صاير شي؟
عبدالعزيز: لا . .
أثير: طيب طمني عليك؟ وش مسوي؟
عبدالعزيز: كل أموري بخير . . رتيل هنا
أثير أتسعت محاجرها بالدهشَة : نعم!!!!
عبدالعزيز يقترب من الباب ليُخرج مفتاحه، من خلفه: كيف هنا؟ كيف تجيبها يا عبدالعزيز؟
عبدالعزيز بتعب: مافيني حيل أتناقش معك! بتكون هنا وياليت ما تقربين لها بكلمة
أثير بغضب: يعني تتركني فترة لا أعرف أرضك من سماك بعدها تجيبها ليْ وتقول لا تقربين لها! ما تراعي شعوري أبد
عبدالعزيز: أثير!!
أثير بعصبية: عبدالعزيز الحين توديها لأيَ جهنم مالي أيَ علاقة فيها! ماتجمعني معها في مكان واحد
عبدالعزيز بغضب يلتفت نحوها، شدَها من ذراعها : كلمة ثانية وأقسم بالله . . أستغفر الله بس
أثير ارتعبت لتصمت دُون أن تهمس بحرف، فتح الباب لتدخل، بحث بعينيْه عنها ليراها منحنيَة تُغلق حذاءها، رفعت عينيْها نحوه، لتشتَد حدتها بمُجرد أن رأتها.
جلس على الأريكة دُون أن يبالي بأيَ واحدة منهن، أثير تنهدت لتُعلَق معطفها خلف الباب والسكارف، جلست بجانبه : وين كنت فيه؟
عبدالعزيز: هنا
أثير بضيق ينخفض صوتها: هنا وما تسأل عني!!!
عبدالعزيز: جوالي طاح في النهر وماطلعت جوال جديد!
أثير رفعت عينها لرتيل، ألتهمتها بنظراتها، رُغم أنها كانت تشعر بأن رتيل ليست بالمنافسة لها إلا أنها تشعرُ الآن بأنها تفوقها جمالاً/فتنةً.
إلتفتت لعبدالعزيز لتلتصق بجسدِه: اهم شي إنك هنا . .
رتيل وقفت ولو جلست للحظة لن تتردد بأن تدفنها حيَة، تشتدُ غضبًا وكرهًا لها : ممكن تفتح غرفة من هالغرف عشان أدخلها!
عبدالعزيز: كلهم مقفلات؟
رتيل تعلم أنه يستهزأ بها : إيه
عبدالعزيز: وش أسوي؟
رتيل بحدَة: يعني كيف؟
عبدالعزيز رفع حاجبيْه: وش اللي كيف؟
رتيل بلعت ريقها بصعُوبة لتُردف: على فكرة مسألة أنك تقهرني باللي جمبك أمر أنساه! فعشان كذا تكرَم وأفتح لي غرفة من الغرف!!!
أثير بضحكة مستفزة : إسمي أثير مو اللي جمبك! . . عيب يا بنت عبدالرحمن آل متعب تقولين مثل هالحكي!
عبدالعزيز إلتفت لأثير بحدَة جعلتها تصمت، أعاد نظره لرتيل: أظن أني وصلت لك الفكرة أمس!
رتيل بغضب: أوكي وأنا أوصلك فكرة أني مجنونة أحرق لك البيت باللي فيه لو ما تركتني بمكان ماأشوفك فيه أنت وياها!!
عبدالعزيز تجاهلها تمامًا ليُشتت نظراته بعيدًا.
تحاول أن تقتلني يا عزيز برؤيتك معها، تحاول بأيَ طريقة أن تُهين كبريائي أمامها، لو أراك تحترق معهًا وبيديِ ماءً لن أفكر ولا للحظة أن أسكبه عليكما. أشعرُ بقهرٍ يُثبَت أشواكه في صدرِي، أُريد أن أنساك حالاً، أنا أتجاهلك وكأنك لم تكُن شيئًا، أوَد بشدَة أن أتخلى عنك بدناءة لا تفارقك عُمرًا بأكمله، أوَد أن أمحي أمرُها وأن لا يبقى في هذا الكون صدى لإسم " أثير "، أوَد بشدَة ذلك.
رتيل إقتربت منه لتقف أمامه: أنا أكلمك!!
عبدالعزيز بحدَة: رتيييل! ماأبغى أكرر الكلام عليك ألف مرَة
أثير تضع يدها على ذنقه لتلفَه نحوها وبإبتسامة: روَق وبسوي لك كوفي تمخمخ عليه . . وقفت لتسير من أمام رتيل، ضربت كتفها بكتفِ رتيل وإتجهت نحو المطبخ.
رتيل أغمضت عينيْها تحاول أن تمتص غضبها قبل أن ترتكب كارثة بحقِها، نظرت إلى عبدالعزيز: الكلبة اللي معك ماأجلس معها بمكان واحد!
عبدالعزيز يستلقي على الأريكَة بتعب: لها إسم!
بغضب ركلت الأريكة بقدمِها، أنحنت عليه لينخفض صوتها بخفُوت: وش تبي توصله؟ تبي تقهرني؟ أنت ما تقصَر ماله داعي تعزز قوَاك فيها!
عبدالعزيز بهدُوء: هذا بيتها
رتيل فاضت البراكين بداخلها، رفعت رأسها عنه لتتكتف : أبي أطلع من هنا! ماراح أجلس معها ولا تفكر إني بأرضى . . والله يا عزيز لا تطلع جنوني عليكم أنتم الإثنين
عبدالعزيز بضحكة يحاول أن يدفع بها القليل من همومه : أحب الشراسة!!
رتيل إلتفتت لترى غِطاء المناديل الثقيل، رمته بإتجاه بطنه بقوَة لتُردف: ماراح أجلس معها!!
عبدالعزيز يُبعد الغطاء عن بطنه ليستعدِل بجلسته: تبيني أعيد حكي أمس؟
رتيل: أبي أطلع من هنا
عبدالعزيز بغضب: وقلت لك لا . . تفهمين ولا ماتفهمين؟
رتيل: أفتح لي غرفة من الغرف . . ماأبغى أجلس معك طيب
عبدالعزيز : وبعد لا
رتيل تمتمت : حقييير!
كان سيتحدث لولا مجيء أثير، استغل فرصته بإستفزازها فعليًا، ليسرق قُبلة خاطفة على خد أثير: شكرًا
بإبتسامة تمدَ له الكوب : عافية على قلبك . .
تجمدَت حواسَها، حتى شعرَت بأن عقلها يغلي وليس قلبها وحدُه، أغار عليك بصورةٍ مؤذيَة لقلبي، أغارُ عليك بوَجَع يتخمرُ في قلبي وينضج، لا اعلم كيف لك القدرة أن تقسى بهذه الصورة؟ كيف لك أن تتجاوز أمرُ قلبي وتُلامسها أو حتى تُحدَثها بكلمة ناعمة! كيف لك كل هذه القوة أن تُغيضني بها! " عسى حزني منك مايفارقك "
أثير رفعت عينيْها بتغنج لرتيل: خلاص ولا يهمك الحين أقوله يعطيك المفتاح! لا تموتين بس . . إلتفتت لعبدالعزيز . . حبيبي عطها المفتاح، ماتسوى نسمع تحلطمها طول اليوم!
عبدالعزيز يضع الكوب على الطاولة ليرفع عينيْه لرتيل المنهزمة تمامًا، نظر لعينيْها وهو يفهمها جيدًا، تقاوم بكاءها ودموعها، تقاوم بملامحٍ جامدة لا تلين بدمعة.
صمتٌ يدُور بينهم، ورتيل مازالت صامدة ثابتة أمام كل قوة تُهين قلبها.
نظراتِك هذه تحفظني، في الوقت الذي تخونني به أفعالك، عيناك تقف بصفَي، في الوقت الذي تُشعرني بأني لا شيء, عيناك تُساندني، تملك القدرة على اهانتي بكل شيء إلا نظراتِك! مهما حاولت لن تستطيع أن تُهينني بنظرة محجرُها فيَ.
أتى صوتُها مقاطعًا للأحاديث المتناقلة بنظراتهما : عطها عزوز
رتيل بحدَة ملامحها : ما أحتاج وساطتك في شي! . .
أثير بإبتسامة ناعمَة ترتسم على شفتيْها : أنا أتوسط لنفسي! بصراحة ما أتحمل وجودك قدامي . . فأبي فرقاك
عبدالعزيز بحدَة : أثير . .
أثير رفعت حاجبها : وش قلت؟
رتيل نظرت لحزمة المفاتيح المتوسدة الطاولة، رفعت عينها لأثير بإبتسامة سُرعان ما تلاشت بطريقة " تسليكية " : لا تتكلفين مرَة بكلامك لأنك ما تهميني! زيَك زي الجدار . . وممكن حتى الجدار أكثر أهمية منك . .على الأقل مغري للتأمل!
عبدالعزيز بلامُبالاة وضع قدمِه على الطاولة التي أمامه: واضح أنه ليلتكم ماراح تعدَي على خير!!
أثير: يا سلام! بس عليَ أنا!
رتيل بتشفَي تنظرُ إليها من أقدامها حتى رأسها بطريقةٍ تفصيلية مُهينة، بمكِر : ممكن يا روحي تعطيني المفتاح
عبدالعزيز نظر لنبرتها المتغنجة، إبتسم لا إراديًا: لا مو ممكن
أثير تأفأفت : بس تحلَ مشاكلك معها نادني . . وقفت ليسحبها عبدالعزيز من ذراعها ويُجلسها رُغمًا عنها : اللي ينطبق عليها ينطبق عليك
أثير: لا تساويني معها . .
رتيل استغلت إنشغالهما لتسحب المفتاح وتأخذ الكوب، بقهر سكبته عليها لتُردف بسخرية: كِذا صار فيه فرق بيني وبينك على الأقل شكليًا . . مشَت بخطواتٍ سريعة نحو الغرفة، فتحتها لتدخل وتغلق قبل أن يصِل إليها عبدالعزيز.
أثير تجمدَت بمكانها من القهوة التي تُبللها في هذه اللحظة : شايف اللي سوَته!!!
عبدالعزيز يسحب المناديل ليمسح ملامحها، أثير بغضب تُبعده: لا والله! روح كسَر راسها، لو أنا اللي مسوية هالتصرف كان كليتني! . . بس هي على راسها ريشة
عبدالعزيز تنهَد: بسم الله على قلبك كأنك ما قلتي شي!
أثير: يعني شايف وش سوَت هالبزر فيني! . . مهي بصاحية مكانها مستشفى المجانين!!
عبدالعزيز وقف متجهًا نحو الغرفة، طرق الباب: رتيل أفتحي
رتيل الجالسة على السرير لا تُجيبه بكلمة، نظرت للحاسُوب المنطوِي على المكتب لتتقدم نحوه، فتحته وهي تدعي أن تجِد شبكة " وايرلس " قريبة لتتحدث مع والدها.
عبدالعزيز تنهَد: حسابك بعدين . .
مسح على وجهه بإرهاق : أستغفر الله . . نظر للساعة . . أذَن العصر
أثير وهي تمسحُ أثر القهوة على ملابسها: عبدالعزيز هالمجنونة ماأجلس معها بكرَا عادي أنها تولَع فيني
عبدالعزيز يعقد حاجبيْه: ماني ناقص مواضيعكم! فيني اللي مكفيني . . إتجه نحو المغسلة ليتوضأ.
أثير إتجهت إليه لتغسل ملامحها: عاجبك شكلي كِذا! حسبي الله عليها! . . هالقميص توني شاريته وشوف وش سوَت فيه
عبدالعزيز نظر لقميصها لتحتَد ملامحه بالغضب: طالعة بالشارع كذا؟
أثير بربكة: كنت لابسة جاكيتي؟
عبدالعزيز بعصبية : عادِي عندك تلبسين قميص شفاف؟ واللي رايح وجاي يتفرج!
أثير: لآ تبالغ ماهو شفاف! بس لأن حرمك المصون كبَت عليَ شفَ . . وبعدين كنت لابسة فوق جاكيتي
عبدالعزيز: قلت لك مليون مرَة وأحذرك للمرة الأخيرة وبعدها لا تشرهين على أيَ تصرف أسويه بحقك! لو شفتك لابسة هالخرابيط ماتلومين الا نفسك!
أثير تنهدَت : أستغفر الله . .
عبدالعزيز : على فكرة التحرر بالمنطق وبالتفكير وبالراي ماهو بالشكل
أثير بغضب: ومين قال إني متحررة! أنا حرَة ألبس مثل ما أبي ماراح تحاسبني على كل قطعة ألبسها . . لا تصادر حريتي الشخصية!
عبدالعزيز : منتِ حُرَة! دام أنتِ على ذمتي يعني بتنضبطين !
أثير بهدوء : ماأمشي ورى قناعاتك يا عبدالعزيز! لي شخصيتي ولك شخصيتك
عبدالعزيز يُعيد وضوءه بعد أن فقد شرط " الترتيب والمتابعة " متجاهلاً الجدال معها، إلتفت إليها بعد أن فرَغ : هالموضوع لا عاد تفتحينه . .


،

تأملتهُ بنظراتٍ تحاول أن تكتشف سر " مُنى " التي سمعت أسمها اليوم، زوجته الأولى! مالذي يُخبئه بالضبط! هذا يعني أنه لم يستطيع أن يتجاوزها بعد كل هذه السنوات! هذا يعني أنه يحاول أن ينساها بيْ! ولكن لا قُدرة يملكها على النسيان، لا شيء يُوحي بأنه يريد حياةً جديدة يبدأها معي، ولا عذر يُقنعني بأنه مستعد لحياة نتشاركها معًا! هذه الـ " مُنى " أخذت حاضرُه وماضِيه ورُبما مستقبله، لا يملك أيَ فرصَة تقوده للبدء من جديد! لأن فرصه بأكملها عند مُنى!! وأنا التي أحاول بشتى الطرق أن أكسب ودَك، حتى الكذب سلكته لأُلينك قليلاً نحوي، ولكن لا شيء أصِل إليه بالنهايَة لأنك لا تريدني من الأساس! . . تعلم شيء! أحتاج أن أصرخ وأقول " لجهنم أنت وياها ".
بخَ عطره العابثُ بخلاياها ليلتفت نحوها : وش فيك سرحانة؟
ريم ببرود : ولا شي!
ريَان: لا فيه شي . .
ريم : قلت لك مافيه شي! غصب تخلَي فيني شي
ريَان تنهَد : مُجرد إحساس
ريم بحقد : لا تطمَن إحساسك غلط
ريَان بنظراتٍ يتفحصها : وش صاير لك اليوم؟ ضاربة فيوزاتِك؟
ريم وقفت لتتجه نحوه : كِذا . . سمعت خبر وأنقلب مزاجي
ريان : وش الخبر؟
ريم: أخاف أقوله وتقولي تتدخلين بأشياء راحت وانتهت
ريَان بحدة: وش الخبر يا ريم؟
ريم : عن منى!!!
ريَان بغضب: ولا تفتحين هالموضوع قدامي مرة ثانية!
ريم بربكة: كيف نبدأ حياتنا صح وأنت تخبي عنَي أشياء كثيرة أولها منى
ريَان يُشير إليها بالسبابة غضبًا : قلت لا تفتحينه مرَة ثانية ولا قسمًا بالله ما تلومين الا نفسك
ريم : من حقي أعرف
ريَان بصراخ : لا مو من حقَك!
ريم عادت خطوتيْن للخلف برُعب من صوته، بلعت ريقها الذي تجمَد كغصةٍ يصعبُ ذوبانها ورمشُها يهتَز ببلل.

،


يرتدِي بدلته بأناقةٍ باهضَة، متناسيًا موضوع المقابلة التي لا تحتمل كل هذا، ولكن أمرُ سقوط أعداءه يُشعره بأنه ذاهب لزفاف، اليوم يومُ سعادة بالنسبة له، وقف أمام المرآة ليرتدِي معطفه ويلفُ حول عنقه " السكارف "، ألتفت إلى حمَد : فارس ما جاء؟
حمد : لا للحين
رائد جلس خلف مكتبه : إن شاء الله ما يودينا بداهيَة!! . . المهم جهزتوا أوراقنا
حمد : كل شي جاهز . .
رائد رفع هاتفه ليتصل على فارس وهو ينظرُ لساعته، تمرَ الثواني ببطء تشغل عقله بأفكارٍ سيئة، تنهَد: وينه!!!
وقف ليسير ذهابًا وإيابًا وهو يتصل على فارس لمراتٍ كثيرة، في كل لحظةٍ يتأخر بها يخسرُ جزءً من روحه، هذا الصباح لا بُد أن يفترق فارس عنها. لا بُد!!
تنهَد بضيق ليجلس مكررًا إتصالاته.
في جهةٍ أخرى سَار بخطواتٍ خافتة نحوها، قبَل جبينها بخفَة دُون أن يضايق نومها الناعم، لم يستطع أن يمنع نفسه من قُبلةٍ على عينها اليمنى، طبع قبلةً رقيقة وتراجع للخلف، حاول أن يحبسُها فيه بنظراته العميقة.
أحاول أن أقول لكِ وداعًا بما يليقُ بِك، أحاول أن أبتعد دُون أن يُزعجك أمر إبتعادي، أحاول يا عبير الحياة على بُعدٍ منك، هذا الحلم الذي مرَني سريعًا والآن يتبخَر أمامي، هذا الحلم تمامًا هي المرحلة التي عشتُها عدَا ذلك مُجرد محاولات يائسة للعيش، هذا الحلم الذي أفتقده الآن قبل أن يذوب بكفَي، يؤلمني!! " كان بخاطري " أن أعيشُكِ واقعًا بما يكفي، ولكن قدَر العُشاقِ حلمًا. قدَر الحياة أن تكون حُلمًا، ليتني أستطيع أن أجاور كتفك على الدوام، ليتني أستطيع أن أحيَا لكِ.
خرج ببعثرةِ خُطاه ليفتح هاتفه، كتب رسالة إلى نايف تحملُ عنوان الفندق، لينزل بهرولة سريعة إلى الخارج، شدَ على معطفه الذي امتصَ رائحتها، اتجه للطريق الآخر قبل أن يشعر بفوهة السلاح المثبتة خلف رأسه.
: ولا صوت!


،


يضع السلاح على خاصرته ليرفع عينه ناحيَة نايف: لا تخلَي بالي ينشغل على أحد وأنا هناك! . . طلعهم من تحت الأرض
نايف : إن شاء الله بسوي كل اللي أقدر عليه . .
عبدالرحمن نظر للسيارة التي تركنُ بقُربه وبداخلها رجاله الذين درَبهم طيلة السنوات الفائتة، اليوم يجب أن يسقطون بفخَ أفعالهم، إلتفت لنايف: لا أوصيك
نايف: أبشر باللي يسعدك
عبدالرحمن تنهَد : تبشر بالجنة . . . إتجه نحو السيارة ليركب بالأمام : فيه أحد وصل؟
: رائد إلى الآن أما سليمان موجود
عبدالرحمن : طبعًا مثل ما أتفقنا ما ابغى أحد يحس علينا . . راح نحاصرهم بدون ولا أثَر
: أكيد . .
عبدالرحمن : في الوقت اللي راح أدخل فيه لهم بحجَة تهديد رائد ليْ راح تكون التسجيلات شغَالة! كل شي راح يصير أبيه يكون مسجَل! . . ابي اصدم سليمان بوجودي . . فراقبوا كل ردة فعل له


،


دخَل للبيت بعينيْن تبحث عن عمتِه، تقدَمت إليه لتعانقه بحُب: الحمدلله على سلامتك
سلطان بشحًوب : الله يسلمك . .
حصَة : كيفك الحين؟
سلطان : تمام
حصة : كليت شي؟ وجهك أصفر
سلطان : مستعجل بتروش وأطلع لدوامي
حصَة عقدت حاجبيْها بدهشة : تروح! وأنت بهالحال! خاف ربك في نفسك
سلطان بضيق: أجلي كل هالكلام لين أرجع
حصة تقف أمامه لتمنعه من الصعود : سلطان شوف حالتك! تعبان يالله توقف على حيلك وتبي تروح!
سلطان : حصة!! . . ابعدها بلطف ليصعد للأعلى.
حصَة شعرت بحُرقة من أفعاله اللامبالية بنفسِه، مسكت هاتفها لتتصل عليها، أتى صوتُها المبحوح : ألو
حصة : هلا الجوهرة . .
الجوهرة بتوتر: هلابك .. صاير شي؟
حصة : ممكن أطلب منك طلب؟
الجُوهرة : إيه أكيد . . آمري
حصة : ممكن تكلمين سلطان . .
الجوهرة : حصة قـ
تُقاطعها : تعبان!
الجوهرة بضيق : تعبان من أيش؟
حصَة : توَه طالع من المستشفى ويبي يروح شغله . . بس كلميه! حسسيه أنك معه . . يمكن يلين شوي ويعطي نفسه أهمية ويخاف عليها!
الجوهرة فزَت من سريرها لتُردف بحشرجة صوتها الذي فقد إتزانه : ليه دخل المستشفى؟
حصَة : أمس صار له حادث بالتدريب . . الجوهرة والله العظيم أنه بس يفكر فيك . . بس تنازلي شوي وكلميه
الجوهرة تلألأت عينيْها بالدموع لتُردف : هو قريب منك الحين؟
حصة : لا .. جواله طافي بعطيه جوالي .. خليك معي . . صعدت للأعلى لتفتح باب الجناح بهدُوء، بحثت عنه بعينيْها لتسمع صوتُ الماء : يتروَش! . . عطيني 10 دقايق وراح أتصل عليك . . خليك قريبة منه
الجوهرة : طيب . . أنتظرك . . أغلقته ليدُور عقلها بأفكارٍ كثيرة عنه، أن تفقده حيًا أمرٌ بغاية الصعوبة كيف لو كان ميتًا! لا يُمكنني تخيَل الحياة بعدِك، أُفضَل أن أموت معك ولا أموت من حياةٍ دُونك، يالله يا سلطان! ليتَك تفهم وتعرف أمرُ الحب الذي يهرول بقلبي عبثًا، ليتك تفهم معنى أن أسقط بأنينٍ يستأصل جذوري وخلايايْ، ماذا ستخسَر لو تتنازل قليلاً؟ ما ستخسَر لو فقط تُشعرني بأنني أهمك كما ينبغي، مجروحة مِنك، مجروحة من الكلمات التي تخرج منك بصورةٍ بشعة، مجروحة من عينيْك التي تُكثر لوْمها عليَ! مجروحة و موجوعة مِنك.
طرقت أفنان الباب المفتوح : انزلي تحت . . مجتمعين وناقصنا أنتِ
الجوهرة بملامحٍ شحبت بلونها : جايْتك بس أنتظر إتصال
أفنان : فيك شي؟
الجوهرة هزت رأسها بالنفي وعينيْها تضيعُ بالفراغ.
أفنان بشك : تكلمي وش فيك؟
الجوهرة نظرت لهاتفها الذي يُضيء بإسم حصَة: شوي وأجيك
أفنان بإستغراب : طيب ..
أجابتها : ألو . .
حصَة بهمس: دقيقة خليك معي . . . دخلت إليه وهو يُعدَل نسفَة شماغه : سلطان
إلتفت عليها : سمَي
حصة : سم الله عدوك . . آآآ . . مدَت إليه الهاتف.
سلطان بحاجبٍ مرفوع إستغرابًا : مين؟
حصة : ردَ بنفسك . . بمُجرد أن أعطته الهاتف حتى خرجت وأغلقت الباب من خلفها.
سلطان بصوتٍ يظهرُ عليه نتوءاتِ المرض والبحَة : ألو
أشعرُ وكأن الهواء ينجلي بنبرته، أشعرُ بأني أفقد تمامًا قدرتي على الحديث بحضرةِ صخبه، صوتُه المتعب ما سرَه؟ لو أنني أقدر على مداواته، تُتعبني يا سلطان من تَعبك.
سلطان أبعد الهاتف لينظر للإسم، أمال فمِه من حركة عمته به ليُعيده إلى إذنه : أتمنى إتصالك ما يكون شماتة!!
الجوهرة بخفوت : محشوم . . كيفك؟
سلطان ببرود : تمام!
الجوهرة : قالت لي عمتك أنك طلعت من المستشفى اليوم . . الحمدلله على سلامتك
سلطان : الله يسلمك . .
الجُوهرة بضيق : سلطان
سلطان : مشغول مضطر أسكره . .
الجوهرة بمُقاطعة سريعة : لحظة! . . بس بقولك شي
سلطان بسخرية : وش الشي؟ . . حامل! مبرووك حبيبتي
الجوهرة بصدمة تجمدَت أصابعها وجسدِها بأكملها، شعرَت بأن هذا العالم باكمله يحشرُ نفسه بصدرها ويقبضُ على نبضاتها، لم تتوقع ولا للحظة أن يلفظها ببرود هكذا! ولم تتوقع ولا بنسبة ضئيلة أن تُخبره حصَة، كيف يستقبل خبرًا مُهمًا بهذه الصورة السيئة التي تُفقد الخبَر بريقه؟ كيف يقوَى أن يكون باردًا حتى بأمرٍ مهم كهذا! يالله يا سلطان! يا قساوتِك! ما تحمله ليس بقلب! لوهلة أشعرُ بأن ما في صدرك حجرًا لا يشعُر ولا يحسَ! من أين خرجت ليْ؟ من أين حتى تسلبُ كل قوَايْ وتشدَني إليْك! من أين أتيْت حتى تذلَني بهوَاك! لمرةٍ واحدة فقط أشعرني بأن كل جزء مني هو مهم بالنسبة لك، لمرةٍ واحدة فقط أجعلني أستشعرُ بأنك زوجي ولست حبيبي فقط.
برجفة : أيش!!!
سلطان : هذا اللي تعلمتيه و ربَوك عليه؟ أنك تخبين عليَ!!!
الجوهرة : سلطان . .
سلطان بغضب : لا تقولين سلطان!
الجوهرة : فاهم غلط . . لو كنت مكاني . .
سلطان بحدَة : ماأبي أكون مكانك! ما قصرتي علمتي العالم كلها بس أنا لان . .
الجوهرة بوجَع : لو تعرف بس أنه وقتها . .
يُقاطعها بغضب يزيدُ تعبه تعبًا : ما أبغاك تشرحين وتبررين! . .
الجوهرة بإصرار : إلا بشرح لك وأبرر . . تهمني يا سلطان
سلطان : واضحة هالأهمية! . .
الجوهرة تساقطت دموعها بمواساةِ صوتها الذي يزدادُ ذبولاً : ممكن ترتاح الحين وماتروح الشغل وتزيد تعبك!
سلطان : شكرًا على إهتمامك . . ماأحتاجه
الجوهرة بغضب : سلطان
سلطان بحدَة : . . .


،

شعَرت بالهدوء الذي يحفَ المنزل، نظرت لشاشة الحاسُوب التي أمامها، أُدرك فداحة ما أفعله ولكنك يا عزيز لم تترك لي فرصَة، هذه المرَة من تهجرك أنا ولست أنت، هذه المرَة لن يكون الخيَارُ عائِدًا إليْك، لمرَةِ واحدة أُريد أن أهزمك بطريقةٍ ملتويَة أستخدمتها معي كثيرًا، لمرةٍ واحِدة أُريد أن أكون لئيمة إتجاهك، حتى تبرد حرارة القهر الذي زفرتهُ بيْ، إلتفتت عليه بمُجرد أن شعرت بخطواته، اندهشَت لتتجمَد بمكانها، عبدالعزيز يقترب ناحيتها بغضبٍ يعتلي ملامحه : أنتِ اللي تجبريني أتصرف بهالطريقة
رتيل بلعت ريقها وهي تعرف ماذا يُريد أن يفعل بها، وقفت لتبتعد لآخر زاويـة في الغرفَـة وعيناه تشرحُ بطريقةٍ ما كيف ستكون الإهانة مؤلمة بحقَها.
رتيل : . . .


،


يأتِ صوته واضحًا بجانب إذنه ليلفظ : أنهينا لك موضوع فارس! أما ناصر بالسجن عطني بس يومين وتدفنه بنفسك.



.
.

أنتهى نلتقي على خير الجمعة ()





إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()

لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.

و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.


أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة


*بحفظ الرحمن.





 
 

 

عرض البوم صور طِيشْ !  
قديم 01-03-13, 11:50 PM   المشاركة رقم: 74
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق



البيانات
التسجيل: Mar 2012
العضوية: 240258
المشاركات: 744
الجنس أنثى
معدل التقييم: طِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالق
نقاط التقييم: 2673

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طِيشْ ! غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طِيشْ ! المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية

 

-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()


رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ !
الجزء (74)





+ يارب يارب يارب يقّر عيننا بنصِر سوريَا وبلاد المسلمين ويحفظ شعوبنَا العربيَة والإسلامية من كل شر، ويحفظ " مالِي " ويحفظ أرضها وأهلها من كل سوء.


المدخل لـ يزيد بن معاوية.


سَألْتُها الوصل قالتْ :لا تَغُرَّ بِنا
من رام مِنا وِصالاً مَاتَ
بِالكمدِ

فَكَم قَتِيلٍ لَنا بالحبِ ماتَ جَوَىً
من الغرامِ ، ولم يُبْدِئ
ولم يعدِ

فقلتُ : استغفرُ الرحمنَ مِنْ زَلَلٍ
إن المحبَّ قليل الصبر
والجلدِ

قد خَلفتني طرِيحاً وهي قائلةٌ
تَأملوا كيف فِعْلُ الظبيِ
بالأسدِ

قالتْ:لطيف خيالٍ زارني ومضى
بالله صِفهُ ولا تنقص ولا تَزِدِ
فقال:خَلَّفتُهُ لو مات مِنْ ظمَأٍ
وقلتُ :قف عن ورود الماء لم
يرِدِ

قالتْ:صَدَقْتَ الوفا في الحبِّ شِيمتُهُ
يا بَردَ ذاكَ الذي قالتْ على
كبدي

واسترجعتْ سألتْ عَني ، فقيل لها
ما فيه من رمقٍ .. و دقتْ يداً
بِيَدِ

وأمطرتْ لُؤلؤاً من نرجسٍ وسقتْ
ورداً ،
وعضتْ على العِنابِ بِالبردِ
وأنشدتْ بِلِسان الحالِ قائلةً
مِنْ غيرِ كُرْهٍ ولا مَطْلٍ ولا
مددِ

واللهِ ما حزنتْ أختٌ لِفقدِ أخٍ
حُزني عليه ولا أمٌ على ولدِ
إن يحسدوني على موتي ، فَوَا أسفي
حتى على الموتِ لا أخلو مِنَ الحسدِ


تنبيه : هذا جزء أوَل من البارت 74، لوضع خارج عن إرادتِي أضطررت أني أقسمه بهذي الصورة، البارت جدًا مهم وأهميته تكمن في الجزء الثاني اللي راح ينزل إن شاء الله يوم الأحد، أغلب اللي كنتم تنتظرونه من أحداث بتكون بالجزء الثاني بإذن الكريم، فأتمنى تقدرَون هالشي وتحطونه بعين الإعتبار أنه البارت يعتبر ناقص، لكن ماهو قصير كثيير لأن تقريبًا 17 صفحة بالوورد، المهم تمامه وإكماليته يوم الأحد تقرونه برواق إن شاء الله. حطَوا هالشي في بالكم عشان ما يجيني تعليق يقولي " البارت قصير و فقدنا فيه فلان وفلان " لأن قلت هالشي مسبقًا، هذا جزء أوَل من البارت وبيكون مشبع بالجزء الثاني.


الجوهرة تساقطت دموعها بمواساةِ صوتها الذي يزدادُ ذبولاً : ممكن ترتاح الحين وماتروح الشغل وتزيد تعبك!
سلطان : شكرًا على إهتمامك . . ماأحتاجه
الجوهرة بغضب : سلطان
سلطان بحدَة : أنتِ لو . . . استغفر الله بس!
الجوهرة بضيق : أنا أيش؟ . . أصلاً أنا وش بالنسبة لك؟ تحاسبني على أشياء بدون لا تلتفت لنفسك وتحاسبها بالأول!
سلطان : بشَرتي السعودية بكبرها واستكثرتي تقولين لي!!! وبعدها أعرف من زلَة عمتي! . . كيف تبيني ما أحاسبك؟
الجوهرة : ما بشرت أحد! أهلي و . .
يُقاطعها : وأنا ماني أهلك؟
الجوهرة بلعت رجفتها بربكةِ فكيَها من إعترافه المبطَن/الحاد لقلبها : سلطان آآ . . ماراح تفهمني
سلطان : ولا أبي أفهمك! كنت متوقعك واعية وعاقلة مهما ضغطت عليك الظروف! بس أنتِ ما ضيَعتي أول فرصة جتك عشان تهينيني قدام الكل بأني آخر من يعلم
الجوهرة بدأت نبرتها تميلُ ناحية البكاء : ما أهنتك! أنا ما بغيت تصلَح الأمور معي بحجة حملي! كنت أبيك . .
يقاطعها بغضبٍ جعلها ترتبك من خلف الهاتف، بغضبٍ جعلها تتراجع بظهرها للجدار.
يا سطوتُك عليَ يا سلطان حتى وأنت بعيد! يا لهيبتِك المزروعة في نبرة، من شأنها أن تُسقطني في أسفلِ قاع وترفعني لأعلى غيم.لو أنني استطيع أن أتجاوزك بخفَة ولا التفت إلى الخلف، لو أنني أستطيع أن أغمض عيني وتسقط بدمَعة، لو أنني فقط أعرفُ كيف أقمع ذاكرتي وأنساك! أنت تتكاثر بيْ، تتكاثرُ بكل دمعةٍ تمرَ على خدي، لستُ صالحة بما يكفي للنسيان! أنا صالحة بما يكفي لحُبك.
: تستهبلين!! وش اللي ما صلحت الأمور معك! جيتك وأنا مدري عن عقليتك المريضة اللي تقرر من كيفها! . . دوَري حجة ثانية عشان تقنعيني فيها
الجوهرة : ليه تآخذ الأمور بهالطريقة؟ أنت ماتشوف نفسك أجبرتني أتصرف كذا!
سلطان : اقتنعت أنه الكلام معاك ضايع . .
الجوهرة بوَجع : لا تضيَق عليَ بأسلوبك!
سلطان بعصبية : ربي رحمك أنك منتي قدامي ولا والله كان ذبحتك من حرَتي!
الجوهرة شدَت على شفتِها لتمنعها من بكاءٍ طويل : الله رحمني عشان ما تقهرني بتعبك
سلطان عقد حاجبيْه بضيق ليجلس على الأريكة : روحي اللي تعبانة منك! اخترتي طريقك وكمليه بروحك
الجوهرة بغصَة تُربك الكلمات العابرة فوق لسانها : قلت لي كثير لا تتوقعين إني أفرح لما أضايقك بكلمة! . . وأنا بعد! لا تتوقع مني إني أفرح بهالخبر وأنت تقابلني فيه بهالطريقة!!!
سلطان بغضب يعود ليقف : على أساس إنك قلتي لي إياه! انا لو ماعرفت الله العالم متى راح تكلفين عمرك وتقولين لي!
الجوهرة تنهدَت بدمعٍ يغزو محاجرها : ماراح نقدر نتناقش وأنت معصب . . ماراح تفهمني صح!
سلطان : أسألك بالله! في نيتك نقاش وصُلح؟
بلعت ريقها بصعوبة لتُردف : ليه تظن فيني سوء؟
سلطان بحدَة أرعشت جسدها : لا تجاوبين على سؤالي بسؤال!
الجوهرة : أكيد . . أبي نتناقش ونوصل لحل يرضينا
سلطان بضيق اتضح على نبرته التي تزدادُ إتساعًا بالتعب : تبين تكسبين كل شي بما فيهم تعاطف عمتي معك، وش راح تخسرين؟ بتكمَلين حياتك مع ولدك في وقت أكون أنا متشفق على هالولد! . . مين الغلطان؟
الجوهرة : نسيت كل اللي سويته فيني؟ ضربتني وحرقتني و أهنتني مليون مرَة بكلامك ونظراتك! . . وبس خبيت عنَك الحمل اجرمت فيني!
سلطان : لأن هذا أكثر شي كنت أحلم فيه! وأنتِ ما تركتي لي فرصة حتى أفرح!!
الجوهرة بدمعها الناعم : كنت راح تفرح؟
سلطان : مين اللي يظن في الثاني ظن السوء؟
الجوهرة : ما تركت لي مجال يا سلطان، عُمرك ما حسستني بأني زوجتك اللي منتظر منها تكون أم عيالك!
سلطان يعود صوته للخفوت/للإنكسار : حرقتي قلبي! أبشع يوم شفته بحياتي كان أمس . . كيف تبيني اتقبَل أعذارك وكلامك؟ . .
الجوهرة بضعف : أتركه للوقت
سلطان : هو باقي شي ما تركته للوقت؟
لم اتوقع ولا للحظة أن يأتِ صوته الضيَق مؤذيًا هكذا! أشعرُ بأن هالة من العتمة تحوم حول قلبي، " تعبانة " من الحياة التي لا تنصفني ولا لمرَة، وحين أشعرُ بأنني أسترجعت بعض من القوَة تُهينني بظنَك السيء، قُل كيف أُسعدك وأنا لستُ قادرة على أن ابتسم بأريحية! " فاقد الشيء لا يُعطيه " وأنا لا استطيع أن أُعطيك شيئًا لا أملكه، كل هذه الدنيَا خواء، وأنت الشيء الوحيد الذي أحسَه ويعنيني، أُريد أن أكون أم أطفالك و إبنة قلبك، لا أنتظر تصفيق من الحياة لأنني أحاول أن أردَ إليْك ما فعلته بيْ، ولا أنتظرُ أن يقول لي أحدًا " قويَة تركتيه " أنا لستُ قوية بما يكفي حتى أتركِك بإستسلامٍ تام، أنا مازلت معك، أجاورك تمامًا ولا أقدر على نفيْك من قلبي، يا راحتي بهذه الدُنيَا وإن زعزعت راحتي، يا فرحتي البسيطة وإن أثقلت حُزني، يا أمني وأماني، يا وداعةُ قلبي في صدرِك إني مبعثرَة، لا تنتظر مني أن أُلملم شتاتي لوحدي، قُلت " تركتك للحياة " وهذه الحياة يا سلطان لا تُدللني، دثَرني بحُبك، يكفيني أن أعيش العُمر المبتقي في كنفِ صدرِك، لو سمَحت هذه الحياة أساسًا! ولكنها أحلام، و قدَرُ الأحلام أن لا تتحقق. وأنت الحقيقة التي سُرعان ما تتلاشى وتُصبح " حلم/ خيال ".
أردفت : سلطان
سلطان بقسوةِ نبرته : بستخير بطلاقك الليلة
الجوهرة صمتت، إلتزمت السكُون وهي تغرسُ أسنانها في شفتِها السفلية، يارب ساعدني، يارب إني لا أسألك أن تُخفف حزني بقدر ما أسألك قلبًا يحتملُه ويصبر عليه.
سلطان أبعد الهاتف قليلاً ليسعل ببحَة شعر أن روحه تخرج من محجرها، لن يستطيع مهما حاول أن يُخفي تعبه ومرضه برداءِ الجمود و اللامبالاة : مع السلامة . . . انتظر لثوانِي يسمعُ صدى أنفاسها التي ترتطم بأذنه، ثانيَة تلو الثانية من حقها أن تعبث بقلبه، أغلقه ليضع الهاتف على الطاولة، نظر للنافذة التي تُقابل الضوء بالإنعكاس، اضطربت أنفاسه بصدرٍ يرتفع ويهبط دُون سلَام/إتزان، أسند ظهره على التسريحة ليُردد بقلبه " يا رب اعطني جزءً من الحياة أكافح من أجل أن أعيشه "


،


رفعت عيناها الباكية لسقف غرفتها الذي يشتدُ بسوادِه،ينقبضُ قلبها بإرتطاماته الحادة، اخفظت نظرها لتنظر لباطن كفَها الأيمن، علامةُ حرقه التي مازالت تُعلَم عليها وتُذكرها بصرخاتها تلك الليلة، بصوتٍ تُركي الحارق لمسامعها، بكلماته الرخيصة التي يُدافع من أجل أن يثبت مصداقيتها، بحزنها الشاسع الذي لا ينضَب، ولا ينطوِي على حاله!
كُنَا نُماطل من أجل أسباب لا نتجرأ على قولها لأنفسنا، كُنا نقرر " الإنفصال " كثيرًا، كانت نهايةُ كل خناقاتنا مصيرها ذاتُ الكلمة، هذه الكلمة التي حمَلناها فوق ما تحتمل، ولكننا لم نملك الشجاعة الكافية بتنفيذ القرار، كُنا يا سلطان نخضعُ لقلبيْنا، الذي نواجه صعوبة بتفسيره/بفهمه، ومازلنا نواجه هذه الصعوبة، لا نقدر! لا نلتزم بأيَ وعدٍ نقطعه من أجل الحياة، كيف سنصبر؟ كيف سيمضي العُمر؟ موجوعة، أشعرُ بأنني اختنق من هذا الهواء الذي يعبثُ بصدرِي ولا يحاول ان يملأ رئتيَ، أشعرُ بأن الكل حاقد الآن بما فيهم هذا الهواء، هذه الذرات المتطايرة بشفافيَة حولي، تخنقني، تملأني كلَي ولا تذهب لمجرى تنفُسي! أشعرُ تمامًا وكأني أتذوَق طعمُ الشحوب/الإختناق/الضيق، الطعم اللاذع الذي يسعُر بلساني ويطويه، يطوِي الكلمات ويقتلني! سنصلِي اليوم آخرُ ما يربطنا، سنصلِي دُون أن نتنازل من أجلنا، سنصلي لله الذي أمهلنا الوقت لنمضي معًا، ولكننا نثبت أننا من جلدٍ أسمر لا يرتضي بأن ينحني قليلاً من أجل " الحب "، نضيعُ تمامًا ونسأل الله بصلاتنا أن لا نضيع، نرتكب أسوأ ما يُمكن للإنسان أن يفعله بحق من يُحب وندعو الله أن يحميه، كيف لنا أن نتناقض بهذه الصورة البشعة؟ أنا سيئة! سيئة جدًا في الوقت الذي مال به قلبي ناحيتُك، لأنني لم أعرف كيف أدافع عن نفسي/قلبي/ذاكرتي . . لم أعرف كيف أدافع عنك وأنت تتشعبُ فيَ.
شعرت بغثيانٍ يجوَف معدتها، إتجهت إلى الحمام لتتقيأ تعبها وحُزنها، توضأت وبمنتصف الوضوء ادركت أنه ليس وقتًا للصلاة، هذه الصفة التي ستحملني العُمر بأكمله تُذكرني بك أيضًا، كل شيء بالحقيقة يُذكرني بك مهما حاولت أن أنكر ذلك.
أكملت وضوءها لتمسح شحوب ملامحها، أخذت نفس عميق ونزلت للأسفل، حاولت أن تبتسم بضيق شفتيْها : السلام عليكم
: وعليكم السلام
الجوهرة بسؤالٍ معتاد وإن عرفت إجابته، بعضُ الأسئلة لا ننتظر منها جواب بقدر ما نُريد أن نتأكد أنها مازالت حيَة فينا : وين أمي ؟
أفنان : توَها طلعت . .
الجوهرة جلست لتُردف ريم : تعبانة؟
أفنان بضحكة : قولي أنها محلوَة بالحمل
ريم اتسعت إبتسامتها : أكيد هالموضوع خالصين منه أصلاً
الجوهرة اكتفت بإبتسامة حتى لا تفضحها نبرة صوتها، أفنان : كنت أسولف لريم عن أيام كَان وباريس، فيه سالفة ما قلتها لك
الجوهرة تنحنحت حتى تُعيد إتزانها : أيَ سالفة؟
أفنان : هناك كان يدربني واحد سعودي من الرياض . . إسمه نواف
الجوهرة : إيه؟
أفنان بتوتر يُخجلها : يعني هو ما صار بيننا سوالف ولا شي . . بس . .
ريم بضحكة : أوصفي شكله عشان توصل المعلومة لجُوج صح
أفنان بنظرة غير مبالية : تفكيرك وصخ
ريم : لو انك سنعة كان خذيتي عنوانه
أفنان : أروح أخطبه يعني؟ . . الشرهة على اللي حكى لك
ريم : وش فيها عادي! خديجة رضي الله عنها تزوجت الرسول صلى الله عليه وسلم وهي اللي عرضت عليه الزواج
الجوهرة : كل فترة وتختلف معتقداتها، أنتِ أصلاً ماراح ترتاحين لو تصرفتي كذا! لأن ممكن بأول مشكلة يهينك بتصرفك!! وبعدين هذا الرسول صلى الله عليه وسلم مو أيَ أحد
ريم : أكلتيني كنت أمزح
أفنان بشغف : المهم جوج طحت عليه بتويتر . . يا عليه رزَة تقتل
ريم : كِذا طول بعرض . . يعجبوني الرجال اللي كذا تحسينه صدق رجَال . .
أفنان تُكمل بحالمية : كذا لمَا تضمينه تصيريين وش صغرك في حضنه . .
ريم ولا تتردد بأن تعيش حالمية أفنان : كِذا يشيلك وتصيريين بيبي بين يدينه . . تقطَعت كبدي خلاص
الجوهرة تنظر إليهما بدهشة لتُردف : بديت أخاف عليك
أفنان : بالله جُوج ما تستانسين إذا وقفتي جمب سلطان! يعني كذا تصيرين فتنة وهو . .
الجوهرة تقاطعها برفعة حاجبيْها : منتِ صاحية! ماله علاقة الطول
افنان : الله يرزقني يارب واحد كِذا طول بعرض . . وعضلات بطنه بارزة أهم شي . . وأسمر وله عوارض . . ويهتم بشكله . . يعني كِذا ودَك تآكلينه من زينه
ريم : لا يسمعك ريَان والله لا يخليك تعضَين الأرض!
أفنان : أستغفر الله . . أهم شي الدين والأخلاق
ريم : خليتي آخر صفة الدين والأخلاق!! ماش من رجعتي وعقلك مو مضبوط
أفنان بإبتسامة تعيش حلمها الوردِي كما ينبغي لفتاة عازبة : عقلي للحين معي الحمدلله! بس يعني خليني أحلم براحتي الأحلام ببلاش . . ودَي يجيني فارس أحلامي اللي رسمته في بالي
ريم : كلنا كنَا كذا نقول ودَنا وودنَا بعدين يجيك واحد عادي تشوفين كل مزايا الكون فيه لأن ببساطة أنتِ تصيرين قنوعة وتنبسطين معه ولا يجيك واحد حلو وآخر شي يعيَشك بنكد
أفنان : هذا رتيل صدق زواجها كان بطريقة خايسة لكن تزوجت واحد وش زينه يقطَع القلب ومبسوطة والحين في باريس فالَة أمها . . وهذي الجوهرة تزوَجت . . ماأبغى أمدح وتآكليني بس يعني تزوجتي واحد يعتبر ولا حلمت فيه . . أما أنتِ ريوم الصبر زين إنما توفى أجورهم بما صبروا!
ريم ترمي عليها علبة الكلينكس : طايح من عينك ريَان! بالعكس أنا مرتاحة معه ومبسوطة
الجوهرة : وش يدريك أنه رتيل مبسوطة ولا أنا مبسوطة؟
أفنان بضحكة : يعني تبين تفهمينَا أنك منتِ مرتاحة مع سلطان! أشهد أنك طايرة في السما عشانه
الجوهرة أكتفت بإبتسامة لتُردف : مررا! . . الحمدلله بس
أفنان : يارب ترزقني بس
رنَ الجرس مرتيْن، ليأتِ صوت أفنان الساخر : شكل دعوتي يا بنات استجابت
ريم : تخيلي لو نواف عند الباب
أفنان : لو هو بآخذ وضعية الموت!!
الجوهرة : لا تجيبين سيرة نواف قدام ريَان ويقوَم الدنيا عليك
أفنان : من جدِك! يا زيني وأنا أقوله . . بيعلقني مروحة في البيت
دخل ريَان بنظراتِ الإستغراب من تجمعهم : سلام
: وعليكم السلام
ريم : غريبة . . مفتاحك وينه؟
ريَان : لا كنت أبي الشغالة تطلع تجيب الأغراض . . أمي وينها؟
أفنان : طالعة
جلس بجانب الجوهرة لينظر لعينيَ الجوهرة المُحمَرة، وضع باطِن كفَه على خدِها لترتعش من لمسته : تبعانة؟
الجوهرة ارتبكت من قُربه لتلتفت إليه : لا
ريَان عقد حاجبيْه بخفوت : كنتِ تبكين؟
الجوهرة توتَرت من أسئلته وصدرُها يرتفع بشهيقٍ مرتجف، ريَان : صاير شي؟
لم تعتاد على إهتمامه وسؤاله، شعَرت بأن شيئًا غريبًا يحدُث الآن، أفنان التي تُدرك التوتر الذي بينهما حاولت أن تُضيع حدَته على قلب الجوهرة : تلقاه تعب حمل عادي
ريَان تنهَد ليُردف : طيب عطيني دلة القهوة
أفنان وقفت لتمدَ له الفنجان وتضع الدلة على الطاولة أمامه.
ريَان نظر لشاشة الآيباد المفتوحة على صورة " نواف " الذي يجهله : مين هذا ؟
أفنان أنتبهت لتخرج من حسابه : واحد بتويتر
ريَان رفع حاجبه : ومين يكون الواحد؟
أفنان بلعت ريقها : آ آ . . ممثل . . إيه ممثل توَه طالع وجالسة أوريه البنات
ريَان : وش إسمه؟
أفنان تظاهرت بالسعال لتُردف : إسمه . .
ريم بإبتسامة تُكمل عنها : نايف
أفنان بربكة : إيه نايف محمد
ريَان نظر لعينيْها بتفحَص، يشعرُ بخداعهما ولكنه تجاهله : طيب . .
إلتفت للجوهرة التي تُشتت نظراتها بعيدًا : إذا تعبانة أوديك المستشفى!! بس لا تجلسين كذا
الجوهرة بضيق تجاهد أن تبتسم وتُخفف ربكتها : وش فيك تصَر!! قلت لك تعب عادِي
ريَان بهمس : صاير لك شي اليوم؟
" الجُوهرة إرتجف هدبها، لا تُريد أن تبكِي أمامه، آخر من تريد أن يراها باكية هو ريَان."
السؤال وحده من يبعثرني في تمامِ قوَتي كيف لو كنت أُعاني؟ كيف لو كنت أتقلَب بحُزني؟ ليس لأن الجواب صعب يالله ولا أقدِر بأن أغلقه برسميةٍ اعتدتها، ولكن " بخير " أصبحت تُتعبني، تمتَص الحياة من جلدِي وتُسقطني في شحوبي! حزينة! حزينة فوق ما تتصوَر يا ريَان.
سقطت دمعة على خدَها سُرعان ما قطعت مجراها أصابعها، بضيق : الجوهرة
الجوهرة رفعت نظراتها للأعلى خشيَةً من دمعٍ لا يترك لها مجالاً للمقاومة، إلتزمت الصمت حتى لا تقع بفخِ صوتها الذي ينهارُ شيئًا فشيئًا.
ريَان ترك الفنجان على الطاولة ليلتفت بكامل جسدِه عليها : تشكين من شي؟ متضايقة من أحد؟
الجوهرة وقفت لتُردف بصوتٍ لا يكاد أن يُسمع : عن إذنك . . صعدت للأعلى
ريَان إلتفت عليهما : وش فيها؟
ريم : قبل شوي كنَا نسولف ومافيها شي
أفنان : يمكن تعبانة نفسيتها . . لا تنسى هي بشهورها الأولى فأكيد بتتعب
ريَان : شكرًا على المعلومة
أفنان ضحكت لتُردف : وأنا صادقة! أكيد الوحدة زين ما تكره نفسها وهي حامل!!
ريَان : مجربة؟
أفنان أشتدت حُمرة ملامحها : يعني هذي أمور فطرية كلنا نعرفها . . خرجت قبل أن يُكثر بأسئلته المُربكة.
اتجهت أنظاره ناحية ريم، ليُردف : مروَقة !
ريم : أكيد بروَق نسيت كلامك لي قبل كم ساعة!!
ريَان تجمدَت ملامحه : أيَ كلام!!
ريم تتظاهر بالغضب : تراني ما انجنيت عشان تسوي نفسك ما قلت لي شي! أنا صدق أعاني أحيانا وأتخيَل أشياء مهي موجودة لكن تراني بعقلي وأعرف وش قلت لي
ريَان بصدمة : أصلاً أنا من الصبح مارجعت البيت
ريم صمتت لثواني وهي تحاول بكل جهدها أن تُضيء عينيْها بالدمع : إلا كلمتني! يوم . . طيب خلاص ما قلت لي شي
ريَان : وش قلت يا ريم ؟
ريم بضيق : حقَك عليَ أنا أتبلى
ريَان تنهد : ما قلت تتبلين! يمكن ناسي قولي لي!
ريم بعد جُهدٍ كبير تجمَع الدمعُ في عينيْها حتى تكسب تعاطفه : قلت أنك ما توافقت مع منى وطلقتها لأن ما بينكم تفاهم! و . . اعتذرت ليْ
ريَان : أنا!!!!
ريم : إيه وحتى كنَا بالصالة اللي فوق
ريَان : ريم وش رايك أحجز لك موعد عند دكتورة تشوف حالتك ؟
ريم نزلت دمعتها المالحة و الكاذبة أيضًا : دكتورة! طبعًا لا . . خلاص قلت لك لا عاد تسألني وأنا ما عاد بتكلم بشي
ريَان وقفت ليتجه إليها ويجلس بجانبها، بخفوت : مو قصدِي كذا!
ريم : خلاص ريَان سكَر الموضوع ما أبغى أتكلم فيه وتضيَق عليَ
ريَان مدَ ذراعه خلف كتفيْها ليُقرَبها منه ويقبَل رأسها : أنا خايف عليك لا تتطوَر هالمشكلة معك
ريم : ماهي متطوَرة تطمَن
ريَان : براحتك مثل ما تبين . .


،


شعَرت بالهدوء الذي يحفَ المنزل، نظرت لشاشة الحاسُوب التي أمامها، أُدرك فداحة ما أفعله ولكنك يا عزيز لم تترك لي فرصَة، هذه المرَة من تهجرك أنا ولست أنت، هذه المرَة لن يكون الخيَارُ عائِدًا إليْك، لمرَةِ واحدة أُريد أن أهزمك بطريقةٍ ملتويَة أستخدمتها معي كثيرًا، لمرةٍ واحِدة أُريد أن أكون لئيمة إتجاهك، حتى تبرد حرارة القهر الذي زفرتهُ بيْ، إلتفتت عليه بمُجرد أن شعرت بخطواته، اندهشَت لتتجمَد بمكانها، عبدالعزيز يقترب ناحيتها بغضبٍ يعتلي ملامحه : أنتِ اللي تجبريني أتصرف بهالطريقة
رتيل بلعت ريقها وهي تعرف ماذا يُريد أن يفعل بها، وقفت لتبتعد لآخر زاويـة في الغرفَـة وعيناه تشرحُ بطريقةٍ ما كيف ستكون الإهانة مؤلمة بحقَها.
فتحت عينيْها الغافية لتنظر للجهة التي خلفها ولا ظِل لعزيز، ارتفع صدرها بشهيقٍ مؤذي لكل خليَة منزلقة في جوفها، ماذا يحصل يالله! لا أريد أن أفكر ولا لثانية واحدة أن هذا الحلم تنبيه من الله حتى أكبح طريقي الملتوي ناحيتُك، أقسم لك أن " أثيرك " لن تهنأ للحظة معك، أقسم لك يا عزيز أنني سأخرج لوعة حُبي منك بها، لن يقف أمامي أحد! لن ترتاح معها وهذا ما سأصِل إليْه، لتعلم أنك أحببت مجنُونة لا ترضى بأن يُقاسمها أحد، أحببت متمرَدة لا تُهذَبها سوى عيناك! أحببت يا عزيز إمرأة أخفت إعجابها بك من أولِ مرة خلف لسانٍ سليط، لم أكرهك ولا لمرَة حتى أولُ ما جئت، كانت مُجرد محاولات أن لاأُحب، أن لا أحيَا بقلبِ احد، ولكنك نفذت وشردتُ كطيرٍ إليْك، لن يعود الزمن حتى أسيطر على نفسِي، لن يعود وقتًا أتصنعُ كرهك حتى أنفذ من هذه الورطة، ورطة حُبك.
ولكن الآن! هذه الإمرأة اختلفت، عدوانيَة شرسَة لكل من حولك، طيبَة ناعمة لقلبك، حاقِدة ناقمة للظروف المحيطة بك، مسامِحة وأستغفرُ لقلبك كثيرًا. لن تفهم أبدًا كيف يصل ولعُ النساء! لن تفهم أبدًا كيف لإمرأة أن تصبح بهذه الصورة الشيطانية الغانية من أجل رجل، لن تفهم يا عزيز أنني أحبك بهذه الهيئة المؤذيَة لنفسي أولاً ولك ثانيًا، ولكنني لن أسمح لأحدٍ أن يحتَل جزءً من قلبك، أنت ليْ و منِي، أنت هُنا من أجلي حتى لو انفصلنَا، حتى لو ابتعدنا، حتى لو افترقنا.
سأجعلك تعيش هذا العُمر بأكمله متوحدًا بيْ، متغلغلاً فيَ، لن أسمح لأيَ أنثى مهما كانت أن تكون معك في غيابي، لتعِش يا عزيز ولع هذا الحُب، لتتألم منه لبقية عُمرك ولتتركني بسلام أكافح من أجل نسيانِك، لستُ أول من يحب ويفترق! لستُ اول من أموت عشقًا بك، جميعهم يُكملون حياتهم بحماسةٍ أقل ولكنهم يُكملونها! وأنا مثلهم وسيأتِ الوقت الذي تعي به أنك خسرتني وأنني أصبحت حُرةً لا يسيطر عليَ قلبك ولا تؤلمني عيناك بنظراتها.
تبللت ملامحها من زُرقَةٍ ملأت محاجرها، وقفت لتنظر للنافذة الزجاجيَة التي تطلَ على شارعٍ من باريس خافتٌ في هذا الليل، تعبرهُ الضحكات كما يعبره المطر المنساب من سماءها.
أخذت المنديل لتمسح ملامحها الشاحبة، رفعت شعرها البندقي كذيل حصَان، إبتسمت بمحاولة أن تُعيد لنفسها بعض الحياة، أخذت نفس عميق لتقترب من الباب، بقيْت لثوانِي طويلة تحاول أن تتلصص للصوت، فتحته بهدًوء لتسير على أطرافِ أصابعها ناحية المطبخ، أخذت الكوب الزجاجي لتملأه بمياهٍ باردة تروي عطشها الذي استنزفه قلبها.
من خلفها : أشوفك طلعتي!
مسكت أعصابها قبل أن ترمي كوب الزجاج وتكسره بوجهها، تنهدَت لتلتفت إليْها بإبتسامة : خير آنسة أثير ؟
أثير اقتربت منها وهي تتكتفت ببيجامتها التي تكشفُ منها أكثر ما تستر : سُبحان مغيَر الأحوال كيف كنتيِ وكيف صرتي! قبل كم شهر في باريس كان وجهك فيه حياة والحين؟
رتيل تنحنحت لتقترب أكثر وبلسانٍ حاد : طبيعي أتغيَر! واضح أنك ماتعرفين الأخبار ما ألومك يمكن ماجلستي مع عبدالعزيز جلسة محترمة وقالك وش صاير!
أثير شدَت على شفتها السفليَة : البركة في أبوك اللي مو تاركه يشوف حياته
رتيل ضحكت بتشفَي لتُردف : it's not my problem مو ذنبي إذا عبدالعزيز ما يشوفك حياته
أثير : حركاتك وكلامك صدقيني ما يهزَ فيني شعرة! أنا مقدَرة شعور القهر اللي مخليك تتكلمين بهالطريقة
رتيل بإبتسامة لئيمة : أكيد مقدَرة لأنك سبق وجربتيه، بس خلني أقولك الأخبار عشان أحطَك في الصورة وتعرفين قهري من أيش! . . حاليًا أبوي يتعرض لمشاكل كثيرة بشغله وأضطر يترك باريس! و أختي مختفية من شخص طمننا عليها لكن إلى الآن مختفيَة . . حطَي في بالك أنه عندي أسباب كثيرة تخليني بهالحزن، وطبعًا مستحيل تكونين سبب يشغلني!
أثير بإبتسامة : عندِك قدرة عجيبة بأنك تحوَرين الكلام وتقلبينه على مزاجك!
رتيل بخفُوت : و عندي قدرة عجيبة بأني اقلبك على رآسك الحين!!
أثير تغيَرت ملامحها لجمُود أمام حدَتها، لتُردف بنظراتِها التي تًفصَل جسد رتيل من أقدامها حتى عينيْها : لو كنتِ شي له القيمة ما تزوَج عليك عبدالعزيز! إذا ودَك تفهمين شي! أفهمي إنه عبدالعزيز لو يبي يقهرك كان قهرك بأشياء كثيرة وما يحتاج أنه يستخدمني عشان يقهرك! ولو يبي يستخدم أحد ماراح يهون عليه أنه يستخدم صديقة أخته وزميلتها
وبضحكة أكملت وهي تتصنعُ النبرة الطفولية : it's not my problem إنه عبدالعزيز إختارني عليك
رتيل نظرت إليها ببرودِ ملامحها : برافو! أقنعتيني، تصبحين على خير ماما ولا تنسين تقرين الأذكار على قلبك أخاف أحد يسرق عبدالعزيز منك . . . . ولا أووه سوري نسيت أنه أنتِي متعوَدة أصلاً أنه الناس يشاركونك بكل شي حتى قلبك!! . . أقري الأذكار على عقلك أخاف لا أشاركِك فيه . . . *لفظت كلمتها الاخيرة بتهديد واضح*
نظرت إليها أثير بجمُود وهي تغلي من الداخل، شعرت بأن دماءها تفُور، تصنَعت الإبتسامة : مريضة! الله يعينك على نفسك
رتيل بإبتسامة صادِقة أظهرت صفَ أسنانها العلوي: آمين
اشتعلت البراكين في صدرها من إبتسامتها لتُكمل مقتربة من أثير : طبعًا ماراح تفهمين وش يعني " نفسك " ؟ أسألي عبدالعزيز وش معنى نفسك بقاموسه! . . . أبتعدت وهي تشعرُ بلذة الإنتصار، دخلت الغرفة لتغلق الباب جيدًا.
في جهةٍ أخرى نظرت لكوب الماء الذي على الطاولة، مشَت بخطواتٍ حادة سريعة ناحية الغرفة الجانبية ليرفع عبدالعزيز عينه من الأوراق التي ينشغلُ بها لساعاتٍ متأخرة من الليل، عقد حاجبيْه بإستغراب!
أثير بأنفاسها المتصاعدة غضبًا : إن شاء الله إني ما أكمَل أيامي الجاية معها!!
عبدالعزيز بهدوء يُعيد أنظاره للأوراق متجاهل كلماتها، إقتربت أثير بحدَة : هذي المجنونة ما تجمعني معها يا عبدالعزيز!!!
تنهَد ليضع القلم على الورقة الغارقة بحبرها : إن أنفتح الموضوع هذا مرَة ثانية أقسم لك بالله إنك ما تبقين دقيقة على ذمتي!
أثير تصلَبت ملامحها بدهشة : تطلقني عشانها؟
عبدالعزيز يقف ليضع يديْه بجيوب بنطاله، وبحدَة اقترب منها حتى تلاصقت أقدامه بأقدامها : ما أطلقك عشان أحد!! مالك علاقة برتيل ولا لك حق تناقشيني بشي يتعلق فيها . . أتفقنا؟
أثير أمالت فمِها بضيق : كيف تجمعني فيها؟ كيف تمسح كرامتي بالبلاط عشانها!
عبدالعزيز : محد يمسح كرامتك! وكرامتك من كرامتي!! لا تصيرين أنانية وتفكرين بنفسك، تقبَليها إذا كان لي خاطر عندِك ولا عاد تخلقين مشاكل خصوصًا بهالوقت اللي ماني فاضي لمثل هالسواليف
أثير شتت نظراتها لثواني طويلة: ممكن أسألك سؤال!
عبدالعزيز نظر إليْها بنظرة تنتظر السؤال، أردفت : وش مفهوم كلمة نفسك بالنسبة لك ؟
عبدالعزيز بدهشة رفع حاجبه : عفوًا ؟
أثير : لهدرجة السؤال صعب؟
عبدالعزيز : طبعًا لأ .. بس مستغرب
أثير : مُجرد فضول إني أعرف الإجابة
عبدالعزيز فهم تمامًا أنه لرتيل علاقة بالأمر : نفسي أنا، محد يقاسمني فيها حتى لو قاسمني شخص حياتي
أثير تنهدَت براحة لترسم إبتسامة ناعمة على ثغرها :كويَس! . . . ماراح تنام ؟
عبدالعزيز : عندي شغل . . نامي وارتاحي
أثير نظرت إليْه بنظراتٍ غاوية : شغل إلى متى حبيبي؟ صار لك ساعات وأنت تناظر هالورق وتكتب!
عبدالعزيز بإبتسامة إقترب منها ليُقبَل جبينها : تصبحين على خير . .
أثير بادلته الإبتسامة : طيب براحتك . . وأنت من أهل الخير والطاعة . . . خرجت متجهة لغرفتها وهي تشتم رتيل بداخلها من حيلتها الكاذبة بإستفزازها.
راقبها حتى دخلت الغرفة ليعود بخُطاه ناحية الطاولة، لم يجلس بقيَ لثواني طويلة واقفًا/غارقًا بالتفكير، تراجع للخلف متجهًا إلى غرفة رتيل، شدَ على مقبض الباب لتلتفت عيناها ناحيته، وقفت أمام الباب، تسحبُ هواءً نقيًا لرئتيْها حتى تستعيد توازنها، اقتربت لتفتح الباب، دخل بنبرةٍ ساخرة : ماشاء الله! من وين جايَك هالهدوء ؟
رتيل بإبتسامة تعود لتجلس على طرف السرير، رفعت عيناها إليْه : ليه فيه سبب يخليني ماني هادية؟
عبدالعزيز : وش سويتي؟
رتيل : ما فهمت
عبدالعزيز بحدَة : فاهمة قصدي زين!
رتيل بضحكة أشعلت جحيمٌ مصغَر في قلب عبدالعزيز : والله عاد الحمدلله اللي خلاني أتصالح مع نفسي وأتقبَل موضوع أثير
عبدالعزيز : تتقبلين موضوع أثير!!! فاهمة غلط يا قلبي . . أنتِ بتتقبلينها سواءً رضيتي أو ما رضيتي
رتيل مازالت بإبتسامتها : طيب وأنا أشرح لك سبب رواقي في هالوقت! إني تقبلتها برضايْ
عبدالعزيز أمال شفتِه السفليَة بمثل طريقتها عندما تغضب : سبحان من خلَا الكذب مكشوف بعيونك
رتيل بضحكة : سُبحانه
عبدالعزيز لم يسيطر على أعصابه، إقترب منها ليُشدَها من ذراعها ويجبرها على الوقوف : وش سويتي؟ فيه شي صار خلَاك كذا ؟
رتيل ببرود مستفز : تبيني أقولك؟ مايهمني إنك تعرف!
عبدالعزيز بغضب: لا تخلين جنوني يطلع عليك بهالليل!!!
رتيل بهدوء أخذت نفس عميق : طيب يا روحي ممكن تترك يدي
عبدالعزيز يشدَ عليها أكثر ليُقرَبها إلى عينيْه المشتعلة بالغضب : وش تبين توصلين له؟
رتيل : معك ما ابغى أوصل لشي
نظر إليْها بنظراتٍ تجهلُ ماهيتها، اندلعت الربكة في أطرافها لتُردف : تصبح على خير
عبدالعزيز بنظرةٍ عميقة : أحفظك وأعرف كيف تفكرين! بس صدقيني لو تجربين تضايقيني بشي ما تلومين الا نفسك
رتيل تنهدَت بضيق : يزعجني إنك إلى الآن تفكر بأني ممكن أأذيك وكأنك ولا شي عندِي! لو راح يجيك الوجع مني ماراح يكون الا وجع حُبي لك!
عبدالعزيز : لا تتصرفين بأيَ طريقة توجعني يا أثـ . . يا رتيل
تجمَع الدمع في عينيْها، حاول أن تتصرف بأيَ طريقة من شأنها أن تؤذيني، ولكن لا تتخيَل بأن وجع مناداتِك لي بإسمٍ آخر أمرٌ عادي، لا تتخيَل ولا للحظة أن قلبي لا يُبالي يا عزيز، أنا اموت في اليوم ألف مرَة كلما فكَرت بأنها معك، تُشاركك الوسادَة وجسدِها، تُشاركِك الهواء الداخل إلى رئتيْك، تُشاركِك الحياة بالنظر إليْك، تُشاركِك كل شيء وهذا يقتلني! كيف تُناديني بإسمها؟ كيف " يقوى" قلبك ؟ لا أريد أن أصدَق أنها تمكنت من قلبك، وأنا تُسيطر على لسانِك وعقلك، لا أريد ولا للحظة أن أفكر بأنها تُشاركني قلبك، ما أرغب به أن يضيق قلبك ويؤلمك! هذا تمامًا ما أريده.
سحبت ذراعها بحدَة لتُعطيه ظهرها وهي تنظرُ للنافذة، أرتفع صدرها ببكاءٍ محبوس، وعيناها تتلألأ بالدمع.
عبدالعزيز من خلفها : تصبحين على خير . . اتجه نحو الباب ليسحب المفتاح ويضعه في جيبه.
بمُجرد أن اخرج انسكبت دمعةٌ يتيمة على خدَها الأيسَر.
ستعلم يا عبدالعزيز ما معنى أن تكُون موجعًا بنبرة، و ما معنى أن تؤذي إمرأة بكلمة.


،

قبل عدةِ ساعات، واقفٌ بجهةٍ مقاربة لمكان اللقاء المنتظر، ينظرُ لرسالةٍ مجهولة المصدر تُثير في داخله 100 إستفهام، تجمدَت أصابعه على الورقة البيضاء، حتى تجعدَت أطرافها بضيق صبره الذي لم يعد يحتمل أيَ مماطلة.
عبدالرحمن : كيف جتَ هالرسالة الى هنا ؟
: هذا اللي ما نعرفه! وش رايك؟ كيف نتصرف؟
عبدالرحمن تنهَد : مستحيل يكون فيصل أخفى عننَا شي ثاني!!
: وممكن أخفى!
عبدالرحمن يخرج من السيارة ليستنشق من هواء باريس النقي، أخرج هاتفه ليتصل على سلطان، يرن مرَة ومرتين ولا إجابة.
في مكانٍ آخر كان ينظرُ إلى ملامحهم بريبة، اقترب من أحدهم ليقف بتوتر : سمَ طال عُمرك
سلطان يقرأ الإسم على البطاقة ليُردف وصوته المتعب يشتَد ببحته : متى توظفت ؟
: آآ . . قبل 4 شهور تقريبًا
سلطان : 4 شهور!!! على أيَ أساس
: كانوا طالبين إداريين
سلطان : مين طالب؟
هز كتفيه باللامعرفة : أنا قدمت أوراقي لإدارة شؤون الموظفين وبعد كم يوم اتصلوا واقبلوني
سلطان يسند ذراعه على الطاولة : مافيه شي مستقل إسمه إدارة شؤون الموظفين! الإدارة هذي مسؤولة عن الموظفين اللي متعينيين رسميًا ماهي مسؤولة عن التوظيف
: آآآآ أتوقع إدارة التوظيف أختلط عليَ الإسم
سلطان : ومين هذي إدارة التوظيف اللي ما اعرفها
أحمد من خلفه خشية من تعب سلطان أن لا يتفاقم : طال عُمرك أنت ارتاح وأنا . .
يُقاطعه سلطان : أول نتعرف على الأخ الكريم اللي قدامي! مين إدارة الموظفين؟
: أنا قدمت أوراقي و . .
يُقاطعه سلطان : لمين؟ أيَ موظف؟
: ما أدري عن إسمه . . ما أعرفهم
سلطان بسخرية : ماتعرفهم! صار لك 4 شهور هنا وتقول ما أعرفهم! لا يكون بعد ما تعرفني
بإبتسامة مرتبكة : لا أكيد الله يسلمك . . أنا أقصد ناسي مين استقبلني في التوظيف؟
سلطان : وش سألوك في المقابلة الشخصية للوظيفة ؟
: آآ . . سألوني عن . . تخصصي و . .
سلطان بحدَة : وش سألوك بعيد عن التخصص؟
: عن توقعي لطبيعة العمل هنا و . .
سلطان يُقاطعه بغضب لم يسيطر عليه : ما فيه حمار يسأل واحد متقدم لوظيفة وش تتوقع طبيعة العمل هنا؟ وش رايك بعد يسألك ويقول متوقع أنك بتنبسط ولا بتتضايق؟ . . تستهبل على مخي!!!
: لآ طال عمرك ماعاش من يستهبل عليك . . أنا بس توترت من سؤالك ومو قادر أتذكر التفاصيل
سلطان يقترب بخُطاه أكثر : كيف مو قادر تتذكر التفاصيل! رحت أيَ دور؟
: الأول
سلطان بإبتسامة يكاد أن يحترق من خلفها : الدور الأول مافيه غير الحجز وبعض الأرشيفات!!!
: إلا
سلطان : يعني تعرف أكثر مني! دلَني وين أيَ مكتب؟
شتت نظراته المرتبكة : أنا بس ما تعوَدت أتكلم معاك وما أشوفك الا بالجرايد و .. يعني عشان كذا شوي متوتر أكيد مو قصدي أخدعك بمعلومة
سلطان : سمَعني وش السي في حقك؟
: تخصصي محاسبة
سلطان : محاسبة!! فيه أحد متوسَط لك هنا!! . . .
بعصبية يُكمل : يعني لازم أوقف عند راس كل واحد وأقيَم شغله مافيه إدارة صاحية تمسك مهامها صح!
أحمد : الحين أرسلك ملف تعيينه
سلطان : ناد ليْ مسؤول التوظيف! بشوف وش هالوظايف اللي نزلت بدون علمي!!!
أحمد : أبشر . . إتجه للطابق العلوي مُرتبكًا من غضب سلطان الذي يجتمع مع تعبه ومرضه، سلطان بنظرةٍ تفحصية : وش قاعد تشتغل عليه الحين؟
: و .. ولا شي اليوم ماعطوني أشياء أراجعها وابحث فيها
سلطان : تبحث وتراجع فيها؟ قلت أنك محاسبة وداخل على أساس أنك إداري! والحين تقول أبحث وأراجع!!! وش وظيفتك بالضبط؟ يمكن أنا غبي وماأفهم بعد كل هالسنين
: محشوم! أنا أقصد اليوم شغلنا خفيف ما كان فيه شي
سلطان : عطوك ملفات تبحث فيها وتدقق؟
: آ . . لـ . . أقصد إيه
سلطان : ملفات أيش؟
: إستجوابات سابـ
سلطان بغضب : هذي الملفات ما يمسكها أيَ أحد! بعطيك دقيقة وحدة إذا ما تكلمت بدون لف ودوران ساعتها بورَيك نجوم الليل في عز الظهر!!!
خرجت عروق وجهه الضيَقة بالإرتباك : أتكلم عن أيش؟
سلطان : وظيفتك كإداري هنا يعني بتمسك ملفات الموظفين وتتابع إجازاتهم و معاشاتهم و كل ما يتعلق فيهم! لأنك أنت هنا بمكتب شؤون الموظفين يا ذكي!!
تجمدَت ملامحه دُون أن تفلت منه كلمة واضحة.
سلطان : ما تشوف اللوحة اللي قدامك!!
بسخرية يُكمل : هنا يجون طال عُمرك و يقدَمون على إجازاتهم وأعذارهم الطبية و يقدمون للدورات السنوية والشهرية . . 4 شهور ما علَمتك هالأشياء؟ . .
دخل أحمد ويرافقه المسؤول عن التوظيف المبدئي قبل المقابلة الشخصية، إلتفت سلطان : ألأخ الكريم هذا مين موظفه؟ مرَ عليك ملفه ؟
المسؤول : إيه الله يسلمك وظفناه يوم ترقوا الدفعة السابقة
سلطان إلتفت على الموظف الآخر : هذا اللي وظفك؟ مرَيت من عنده
توتَر من ضيق تنفسه الذي لا تسعه حنجرته، سلطان : واضح من نظراتك أنه هذي أول مرة تشوفه
المسؤول : اللي مرَوا عليَ كثير حتى أنا شخصيًا ما اتذكره لكن اللي قبل 4 شهور مرَوا عليَ قبل المقابلة الشخصية
سلطان : عبدالرحمن شافهم؟
المسؤول : أتوقع . .
سلطان بحدة : ماأبيك تتوقع! أبي عبدالرحمن وش قال؟
المسؤول : ما شافهم
سلطان ينظرُ للطاولة وعليها هاتفه : عطني جوالك
: عفوًا!!
سلطان : قلت عطني جوالك!!!
مدَ له هاتفه بربكة تُشتت نظراته.
اتصل على آخر رقم وهو يضعه على السماعة الخارجية " سبيكر " : هلا فهد . .
سلطان ينظرُ لبطاقته التي يعلقها بإسم " وليد " أغلقه ليرمي الهاتف على وجهه : يا سلام على الحمير اللي عندي!!!
لم يتردد سلطان ولا للحظة بأن يلكمه أمام الجميع على عينِه، بغضبٍ كبير : حسابك أقسم لك بالله بيكون عسير! . . وخلَ زياد ينفعك يوم توَسط لك هنا!!
إلتفت لأحمد :أفتح لي تحقيق بطريقة توظيفه! . . بتهديدِ عيناه للمسؤول الذي أمامه . . لو عرفت بأنه لك علاقة ولا أحد ثاني هنا له علاقة أقسم بالله ماراح أرحمكم!!! . . وأحجز هالكلب . . حتى الكلب أشرف من هالأشكال . .
أقترب من فهد مرةً أخرى ليُردف : أضيف للسي في حقك يا محاسب تهم تزوير وتلاعب و .. والباقي تعرفه إن شاء الله لا أحكموا عليك . .
خرج وهو يفتح ياقة ثوبه بعد ان اختنق بغضبه، دخل مكتبه بشعورٍ فظيع، كل مصيبة يتداركها تجعله يقف بحيرة مما يُخفى عليه، جلس ليطوَق رأسه بكفيَه : يارب رحمتك
رفع عينه لهاتفه الذي يهتَز، أجاب : هلا بوسعود
عبدالرحمن : صار لي ساعة أدق عليك!!
سلطان : ما كنت بالمكتب! . . أكتشفت مصيبة جديدة
عبدالرحمن : واضح أنه اليوم يوم مصايب!!
سلطان : ليه وش صار؟
عبدالرحمن : قولي مصيبتك أوَل بعدين بتفاهم معك على اللي صاير هنا
سلطان : وأنا داخل اليوم شفت واحد بمكتب شؤون الموظفين . . وشكله غريب أول مرة أشوفه! المهم كلمته وبدآ يرتبك ويلف ويدور! . . بالنهاية طلع حيوان زيَه زي غيره . . وشكله هو اللي يوصَل الأخبار بعد زياد
عبدالرحمن تنهَد براحة : الحمدلله على الأقل قطعنا جذورهم من عندنا
سلطان : إيه هذا أهم شي . . لله الفضل والمنَة
عبدالرحمن : جتني رسالة مدري مين حاطَها! وبقولك بس أبيك تشيل فكرة سلطان العيد من بالك
سلطان بسخرية : قول أصلاً مخي متشنَج من سالفة سلطان الله يرحمه
عبدالرحمن : مكتوب أنه رائد ما راح يجي وأنه مقابلتنا مع سليمان راح تكشفنا بطريقة خاطئة وبتخلينا نفقد سيطرتنا على الموضوع !!
سلطان : مين هذا ؟
عبدالرحمن : أنا نفسي ماني عارف! مكتوب بخط اليد
سلطان : تعرف خط سلطان العيد؟
عبدالرحمن تنهد : أستغفر الله!! سلطان وش قلنا ؟ الرجَال ميت والله يرحمه لا تشوَش أفكارنا بشي مستحيل
سلطان : طيب ليه مانقول هذي لعبة منهم عشان يبعدونا!
عبدالرحمن : أنا فكرت بهالطريقة بس رائد إلى الآن ما وصل
سلطان : صار له شي؟
عبدالرحمن : ماأتوقع! لو صار له كان وصلنا خبر . .
سلطان : وين عبدالعزيز ؟
عبدالرحمن بغضبٍ ساخر : ما بشَرتك؟
سلطان تنهد : وش بعد؟
عبدالرحمن : عبدالعزيز عرف عن غادة والحين ما أدري وين مكانه
سلطان تجمدَت ملامحه/نظراته ليُردف : شلون عرف؟
عبدالرحمن : وصلت له صورها مع ناصر!! وأكيد الحين مقوَم الدنيا والله يستر وش قاعد يخطط له
سلطان : كل شي انقلب على راسنا بوقت واحد!
عبدالرحمن : سلطان . . وش رايك تجي باريس؟ خلنا ننهي الموضوع بسرعة ماعاد يتحمَل خسارات فوق كل هذا!
سلطان : وهنا؟
عبدالرحمن : منت وحدك! فيه مسؤولين وفيه موظفين! . . نحتاج تجي ، بالنهاية مافي غير هالحل! لازم نتنازل ونقابلهم!! بكلا الحالتين إحنا مستعينيين بالسلطات الفرنسية بأنها تقبض عليهم لكن مستحيل يتم بدون لا نحطهم كلهم قدام بعض ونخليهم يطيحون في شر أعمالهم
سلطان تنهَد : هالطريقة سوَهاا سلطان العيد قبلنا وطاح فيها
عبدالرحمن : وش نسوي؟ نجلس نحط إيدنا تحت خدنا ونراقب كيف واحد ورى الثاني يضيع! والله يعلم الحين كيف حال ناصر ولا حال عبدالعزيز!!!
سلطان : ما قلت نحط إيدنا على خدنا! لكن فيه حلول منطقية أكثر!! أخاف نخسرهم مثل ما خسرنا قبلهم
عبدالرحمن : وش الحل المنطقي برآيك ؟
سلطان : نفاوض رائد، هو أصلاً بينه وبين سليمان عداوة، ممكن نمحي سليمان عن طريقه . . وبعدها نفكر بطريقة نقبض فيها على رائد بدون أيَ مشاكل وبأدلة واضحة بدون لا نلقى له دعم من الجوازات اللي يحملها!!
عبدالرحمن : مستحيل رائد بيتعاطى معك
سلطان : نجرَب ونحاول
عبدالرحمن بحدَة : ماهو وقت تجربة يا سلطان!!! وإحساسي يقول أنه فيصل مخبي عنَا شي غير اللي قاله!! رسايل رائد ولا سليمان ماتجي بهالطريقة!
سلطان : يوم راجعت الموظفين عند رائد مرَ عليك إسم فهد؟
عبدالرحمن : لا . . كل الأسماء كانت صحيحة ما عدا إسم واحد بحثت عنه ولا قدرت ألقى أيَ معلومة عنه
سلطان يُمسك الورقة التي أمامه ويخرج القلم من جيبه الأمامي : وش إسمه ؟
عبدالرحمن : قاسم معاذ
سلطان عقد حاجبيْه : قاري هالإسم بس مدري وين
عبدالرحمن : حتى أنا حسيت أنه مارَ علي بس يوم بحثت فيه ما لقيت أيَ شي!! أتوقع إسم مزوَر
سلطان يُشخبط على الورقة برسوم تخطيطة وأسهم كثيرة : إذا قلنا أنه بداية دخول سليمان كانت عن طريق قضية منصور! ومثل ما فهمنا من عبدالله أنه أم المقتول تنازلت بشرط زواج بنتها! لو افترضنا أنه الأم تبي الستر لبنتها مستحيل تسلَمها لقاتل ولدها! . . فيه لَبس بالموضوع!! هذا يعني أنه فيه توقعِين إما أنه فهد معهم! أو أنه فهد ضحية راحت بيِد يزيد اللي حاول يلبَسها منصور وهددوا أم فهد . . في كلا الحالتين أكيد فيه شي تعرفه أم فهد!!
عبدالرحمن : أنا متاكد من مسألة أم فهد! فيه شي وراها . . ممكن يكون الإسم المزوَر قاسم معاذ صاحبه يزيد!! أو ممكن أحد يعرفه رائد . . بس المشكلة انه اللي داخلين بين رائد وسليمان مصرَحين بأسماءهم ما خافوا من رائد أنه يكشفهم!! هذا يعني أنه الإسم المزوَر ماله علاقة بسليمان . . يعني مو يزيد! لكن أكيد يزيد له علاقة فيهم
سلطان : تتوقع فيصل يعرف ؟
عبدالرحمن : فيصل علاقته مع سليمان ماهو مع رائد!! يعني رجال سليمان مكشوفين قدامنا
سلطان : ممكن حصل شي بين الحادث و وفاة سلطان العيد؟
عبدالرحمن : رجعنا لنفس الموَال! سلطان توفى بعد الحادث
سلطان : جثث غادة و سلطان كانت جاهزة! وش هالترتيب اللي جاء بالصدفة؟
عبدالرحمن بحدة : سلطان!! مانبي نشتغل على توقعات وأوهام
سلطان : ما يثير فضولك أنه بو عبدالعزيز اشتغل بعد وفاته؟
عبدالرحمن : ما اشتغل! لكن كان يتلقى تهديدات تخليه يتصرف كأيَ شخص
سلطان : قدامك ملف يخص إسم يحمل فواز! ما شفناه ولا حضر ولا إستجواب ومسجَل أنه تم إستجوابه من عبدالمجيد . . تقاعد عبدالمجيد راح باريس . . قبلها تقاعد سلطان راح باريس . . لا تقولي صدفة ومستحيل يتقابلون!!
عبدالرحمن : وش تبي توصله؟
سلطان : عبدالمجيد و سلطان مسكوا ملف فوَاز وممكن يكون حسب توقعنا أنه فواز هو سليمان . . لكن ممكن مايكون سليمان لأن ماعندنا دليل واضح! . . اللي يعرف سلطان وعبدالمجيد . . وبعدها يجي فيصل ويقولنا عن اللي صار بعد الحادث! وقبلها ببداية السنة يجي مقرن ويقولنا أنه عبدالعزيز ما يدري أنه غادة حيَة!! . . ما تحس أنه كل هالأشياء تصير من شخص واحد لكن يحاول يشتتنا لأسماء ثانية
عبدالرحمن : لو فعلاً كان هو شخص واحد! مين ممكن يخاطر بكل هالأسماء ويترك سليمان و رائد بدون علم!!
سلطان : صرت متأكد 70٪ أنه اللي ورى كل هذا شخص نعرفه
عبدالرحمن بغضب : تبينا نحفر قبر سلطان ونوريك أنه مات!!
سلطان : وانا أقولك أنه مات الله يرحمه ويجعل مثواه الجنة، لكن قصدي أنه ما مات بعد الحادث مباشرةً! حصلت أشياء بعد الحادث وبعدها توفى
عبدالرحمن : بكرا عندي موعد مع إدارة المستشفى وبحقق بموضوع الجثث على قولتك!!
سلطان : طيب . . إرجع البيت الحين دام رائد ما وصل . . . أكيد هذي لعبة من رائد
عبدالرحمن : حطينا كام داخل، براقب الوضع ولو أني عارف مستحيل يحصل التبادل بهالطريقة . . حلَ مسائل الشغل اللي قدامك الحين وحاول تحجز أول رحلة لباريس


،


ابتهلَ قلبه بكل ذكرٍ يتصل بالله، وقف على أقدامه التي تتجمدَ على المساحة الخضراء، بلع ريقه بصعوبة وهو يثبت الهاتف بكتفه، بنبرةٍ خافتة : دخلت . .
: طيب يا ابوي انتبه لحد يشوفك . . حاول تصعد للدور الثاني
فيصل : البيت مراقب! في كل جهة كاميرا
: الكاميرات الأمامية ما تتحرك، مثبته بجهة وحدة، الكاميرا اللي حولها لصق أزرق هي اللي تتحرك
فيصل رفع عينه : اللي قدامي أتوقع أنه فيها جهاز إستشعار!!!
: طيب . . حاول تروح للجهة الثانية
فيصل : ما كنت أدري عن بيت سليمان هنا! أخاف داخل مايكون فيه أحد
: تطمَن انا معك وقبلي الله معك . . روح للجهة الثانية الحين
فيصل بضيق خطواته، قطع أمتارًا كثيرة حول المنزل ليقف بجانب الباب الخلفي : فيه كاميرا
: خذ أيَ ورقة وأطويها على شكل مثلثات، ثبَتها بأيَ شي وحطها على طرف الكاميرَا، بيصير الفوكس عليها، معروف نظام هالكاميرات
فيصل : بيشكَون!!
: بيحسبونه عصفور ولا أيَ شي . . حطَها الحين
فيصل وقف على ركبتيْه على التراب، أخرج ورقة من جيبه ليطويها على شكل " طير " مررَها على لسانِه حتى يُثبَتها، رفع يدِه لأقصى ما يُمكن أن يصِل إليْه، زحف بالورقة للكاميرَا بخفَة حتى لا تظهر وكأنها أتت فجأة.
: ضبطتها
: طيب الحين حرَك الكاميرة للجدار وخل الورقة تتحرك معها . . بثانيْتين يا فيصل مو أكثر
فيصل بتوتر : بسم الله . . وضع إبهامه وأصبعه الأوسط خلف الكاميرَا ليلَفها بسُرعة ويفلت يدِه.
صمت لدقائق ينتظر أيَ ردة فعلٍ مُفاجئة ليردف بضحكة : تمام . . أدخل الحين؟
: انتظر دقيقة عشان تتعطَل كل الكاميرات اللي تتبع هالكاميرة
فيصل : وكيف أعرف أنها تعطَلت؟
: شوف الكاميرات اللي فوق اذا تحرَك إتجاهها معناها بتعلَق الصورة وماراح تشتغل مثل الكاميرا الرئيسية
فيصل رفع عينه للسور الشاهق ليراقب الكاميرات الموضوعة على جوانبه، أنتظر لدقيقةٍ وأكثر ولم تتحرك : ما تـ . . إلا .. أدخل؟
: الطريق قدامك محد بيقدر يشوفك
فيصل : بسم الله . . . دخل ليلتفت للمساحة الواسعة الخالية من أيَ ظل، نظر للنوافذ الزجاجيَة المغلقة، ولا عينٌ تنفذ منها.
إتجه نحو الباب الخلفي ليدخل بخفَة دون أن يصدر أيَ صوت، نظر للزجاج العاكس الذي أمامه ولم يلحظ أيَ أحدٍ يعبر المجالس الفارغة، إتجه نحو الدرج ليصعد بخطواتٍ سريعة، نظر للغرف نظرةٍ عميقة قبل أن يدخل أولُ غرفة على يساره، خرج منها ليتبعه دخوله للغرفةِ الأخرى، أغلق الباب خلفه : وين أقدر ألقى الأوراق؟
: بتلقاهم بين الكتب اللي في غرفته
فيصل : مستحيل يحطهم هنا!
: مو مستحيل! دايم يحفظهم بمكان محد يتوقعه أنه يحط أوراق مهمة فيه! . . يعني مجرد تمويه
فيصل تنهَد ليبحث بين كتبٍ أدبية ذات أسماءٍ مشهورة تميلُ للأدب الغربي، أخرج كتابًا كتابًا وهو يبحثُ بين أوراقه، حتى وصل إلى المنتصف وسقطت الأوراق المطوية على الأرض، اعاد الكتاب لمكانه ليجلس على الأرض وهو يفتح الأوراق ويتأكد منها، أتسعت إبتسامته عندما قرأ إسمه، هذا الدليل الذين يستمرَون بتهديدهم ليْ به أصبح بيدي!!
: وش صار؟
فيصل بنبرةٍ تتسع لفرحٍ عميق : لقيتهم
: الحمدلله . . يالله فيصل أخذ منديل النظارات وأمسح كل مكان مسكته . .
فيصل : طيب . . . أخرج المنديل الذي جاء به من جيبه، ليمسح الجهة بأكملها ويُزيل بصماته من عليها : أدوَر على أشياء ممكن تفيد بوسعود و سلطان؟
: خلَ هالأمور عليَ . . لا تخاطر بنفسك
فيصل : البيت شكله فاضي . . خلني أدوَر؟
: مستحيل يحط أيَ دليل لشغله في بيته
فيصل : طيب . . وضع الأوراق بأكملها في جيبه دون أن يقرأها جميعها. إتجه نحو الباب حتى سمع صوت خطواتٍ تسيرُ بإتجاهه، وقف خلفِه وهو يلصق ظهره بالجدار، انفتح الباب ليُغطي نصف جسدِه بالباب.
سَار الشخص المجهول بإتجاه الطاولة ليُردف وهو يتحدثُ بالهاتف : أبد هذا كل اللي صار! . . . . . . . إيه طبعًا . . . . يمكن للحين بالمستشفى! . . . سمعت من واحد يقول أنه حالته خطيرة . . . إيه وش أقولك من اليوم! نفسه الحبل خنقه عاد الله أعلم مين نكبه! . . . ههههههههههههههه كل الأمور تمشي تمام . . .
على بُعدِ خطوات كانت النظارة الشمسية التي تعتلي رأسه تنزلق ببطء ولا يستطيع أن يرفع يدِه ويُحرَك الباب، تسارع نبضه وهو يدعو أن لا تسقط النظارة وتصدر صوتًا.
إلتفت جسدُ الشخص الآخر بجهةٍ معاكسة لفيصل : كلها يومين وماعاد تسمع بإسمه . . . . . على كلامهم أنه ما لحقت الإسعاف عليه . . الكلب فهد ما يرَد ولا كان عرفت وش صار بالضبط . . . . إيه ولا يهمك . . . . . دبرتوا موضوع فارس؟ . . . . . ههههههههههههه كفو والله . . . . . بأقل من اسبوع إن شاء الله ونطوي صفحتهم . . . . . كلمني قالي عيَا لا يقبل الرشوة! . . والله طلعوا الفرنسيين راعيين أخلاق!! . . . . . وش قررتوا تسوون فيه؟ . . . أنا والله فكرت وقلت ليه ما تطلعون ناصر من القضية وتعلقونه بعبدالعزيز . . . . ماراح يسكت له خذها مني! . . . عبدالعزيز بعد ما عرف بيمسك ناصر ويذبحه بنفسه . . . . . . كيف بتقدر تذبحونه وهو بالسجن؟ . . . مستحيل حتى يتسمم إذا هم رفضوا الرشوات! . . . أنا أقولك هي طريقة وحدة، طلعوه وأنهوها براحتكم! ساعتها الكل راح يلتفت لهالموضوع وممكن حتى نلبَس التهمة عبدالعزيز ونقول أنه اخته هي السبب وأنه يبي ينتقم ومافيه غيره متهم . . . . أضربوا عصفورين بحجر! . . . . . . ههههههههههه كلَم سليمان وقوله والله بظرف يومين وبتشوف وش بيصير . . . . . . بس يبيلك تجيب بصمات عبدالعزيز وتحطَها عند جثة ناصر ساعتها لو يموت ماراح يطلع منها خصوصًا بهالفترة أنه عبدالعزيز ما هو خاضع لأوامر بوسعود . . . . . . . . خلاص شف سليمان وأكيد ماراح يعارض . . اهم شي جيبوا دليل يبرىء ناصر عشان يطلع . . . .. . يخي اندبلت كبدي والله أبي أخلص من هالموضوع عشان أطلع من هالخياس اللي عايش فيه
تعرَق جبينه ولمَع بقطراتِ عرقه من التوتر والنظارة مازالت تُهدده بالسقوط.
اشتدَت أنفاسه التي يحاول أن يكتمها، وهو يعلم أنه بمجرد أن يلتفت إليه سينتبه لظلَه الواضح،
من خلف الهاتف فهم صمتُ فيصل ووصله الصوت البغيض الذي يُخطط على القتل : قرَب من عنده وأكتم فمه، لا تخليه يشوفك! أخنقه لين يغمى عليه وأطلع
فيصل وضع قدمِه اليسرى خلف اليمنى ليدوس على حذاءه وينزعه وكرر الحركة بقدمِه اليسرى، أقترب حتى لا يصدر أيَ صوت بخُطاه، وقف خلفه تمامًا وبحركةٍ سريعة وضع ذراعه حوله، كتم على فمِه أمام صرخاته التي يحاول أن يستنجدُ بها، دقيقتين تمامًا حتى ارتخى جسدِه وسقط مغميًا عليه، بهرولة ارتدى حذاءه ونزل للأسفل، خرج للشارع المقابل للمنزل ليقف متنهدًا براحة : طلعت . . .


،


مسحت على وجهها مرارًا، حتى فقد جلدَها الحياة/اللون، تصبَغت بالشحُوب، ومازالت الرجفة تسكنُ أطرافها وتسعرً بدماءها التي تنتشي بالغضب لحظة وتبكِي لحظاتٍ كثيرة.
رفعت عينيْها إليْه : محد راضي من أهلك عليَ وأنت مضطر أنك تمشي مع كلامهم!!
يوسف بحدَة : طبعًا لا! لا تفسرين من مخك . . أنا الحين أكلمك بموضوع أمك لا تفتحين مواضيع ثانية
مُهرة بعينيْها المحمَرة بالدمع : صح كلامك . . أمي عرضتني عليك لأنها دارية أنه أخوك بريء
يوسف بغضب يقف ليُشير إليها بالسبابة : ما قلت عرضتك عليَ!!! لا تقوَليني كلام ما قلته!! . . أنا قلت أمك تخبي شي أو خايفة أنها تقول شي يخص أخوك الله يرحمه
مُهرة بضيق : ليه تشوَه صورته قدامي؟ ما تحس وش ممكن تسوي فيني لمَا تتكلم عن فهد بهالطريقة؟ . . ترضى أحد يتكلم عن خواتك أو عن منصور بنفس طريقتك توَ!!!
يوسف : مُهرة ما تكلمت عنه بتأكيد مني، أنا بس أقولك اللي صار بالضبط واللي يبون يعرفونه من أمك! .. لا تخلينا كلنا ننحرج ونحط نفسنا بموقف بايخ بسبب أمك . . . بس دقي عليها وفهميها الموضوع وأنها لازم تتكلم! على الأقل تقولي ساعتها أقدر أتفاهم معهم بأنها ماتجي أو يحققون معها!!
مُهرة عقدت حاجبيْها لتقف : طيب مثل ماتبي . . . أخذت هاتفها لتتصل على والدتها أمام أنظار يوسف المترقبة.
: هلا يمه . .
والدتها : هلابتس . .
مهرة : يمه أبي أكلمك بموضوع يخص فهد الله يرحمه
والدتها : الله يرحمه . . وش به ؟
مُهرة : تعرفين مين كلَم أو مين قابل قبل وفاته؟
والدتها : وش هالسؤال!!
مُهرة : يمه جاوبيني!
والدتها بعصبية : اجاوبتس وانا مااعرف ليه تسألين هالسؤال!
مُهرة : لأن الحين فتحوا تحقيق وتأكدوا أنه منصور بريء لكن قالوا أنه أمه مخبية شي
والدتها : أنا!! مهبَلِ(ن) ما يدرون وين الله حاطهم!!
مُهرة : يمه راح يجيبونك من حايل للرياض عشان يحققون معك! إذا فيه شي قولي لي عشان نحط يوسف وأخوه بالصورة
والدتها : وش صورته وش خرابيطه! توفى أخوتس والله يرحمه واللي ذبحه أخو رجلتس لا يلعبون بمختس!
مُهرة برجاء يُذيب دموعها على خدِها : يمه تكفين
والدتها : وش تبيني أقول!! هالتسلاب لعبوا بمختس صح؟
مُهرة : راح ينادونك وبيجبرونك تجين هنا عشان التحقيق!!
والدتها : ما يجي من وراهم خير! لو رجلتس به خير ما يقول بجيب أم مرتي وأعنَيها للرياض
مُهرة : أنا وين وأنتِ وين يا يمه! . . بس أبي أعرف وش صار قبل وفاته
والدتها : ما صار شي! انفجعنا عسى الله يفجع العدو
مُهرة بخفُوت : يممه مو حلو منظرنا لمَا تروحين ويمسكونك بحجة أنه تكذبين!!
والدتها : الله يسلَط أبليس عليهم كانهم يبون يتبلُون عليَ
مُهرة : محد يبي يتبلى عليك بس هم مستغربين كيف أم ترضى تزوَج بنتها لواحد أخوه قاتل ولدها!
والدتها : ما خلصنا من هالسالفة! انا كنت أبي أحرق قلب أهله عليه مثل ما حرقوا قلبي وأزوَجك إياه بس أخوه طق الصدر وفزع له
مُهرة بضيق : طبعًا أنا ولا أهمك بشي
والدتها : أكيد تهمينن! وانا اعرف أبوهم ما يرضى بالظليمة من جينا الرياض ولا جابوا سيرة أمنها انذكر اسمه
مُهرة : يعني هذا سبب مقنع لطريقة زواجي عشان تقنعين الشرطة فيه
والدتها : إيه سبب مقنع عاجبهم يا هلا ماهو عاجبهم يضربون راسهم بالجدار وش علاقتي بعد
مُهرة : فهد الله يرحمه قابل أحد؟ يمه تكفين جاوبيني
والدتها : ما قابل أحد . . طلع من البيت ومن بعدها صار اللي صار . . وش بيدرينن عن الغيب
يوسف يقترب منها : عطيني أكلمها . . مدَت له الهاتف ليأخذه : ألو
والدتها : هلا بالصوت اللي ما وراه شيِ(ن) زين
يوسف : هذي شرطة ماهي لعبة عشان تخدعينهم!! خلال أسبوع راح يوصلك خبر إستدعاءك وإن ماجيتي برضاك بيجيبونك بالغصب وساعتها استقبلي الفضايح
أم مهرة : وش تبينن أسوي! أتعنَى للرياض عشان أقابلهم
يوسف : بس جاوبينا على أسئلتنا! . . تعرفين شي وماقلتيه؟ إذا خايفة قولي لي أنا وماراح يجيك شي
أم مهرة : وش خايفتن منه! صاحي أنت!!! . . هذا ولدِي يالأغبر تبينن أضرَه حتى وهو في قبره! كل اللي عندي قلته ليلة الحادثة الله لا يعيدها من ليلة
يوسف بتوسَل : أنا آسف . . حقك علي بس تكفين قولي وش اللي تخبينه علينا؟
أم مهرة : لا حول ولا قوة الا بالله أحتسي صيني ما تفهم!
يوسف : لا تفضحينا أكثر ما أحنا مفضوحين! . . وش اللي تعرفينه عن فهد الله يرحمه؟ إذا غلط قولي لنا وصدقيني موب صاير شي شين!
أم مهرة : اللي يغلط أشكالك ماهو ولدي اللي يغلط
يوسف بغضب لا يسيطر عليه : هالكلام روحي قوليه للشرطة! يسجنونك ويجلدونك على النصب والكذب!!
أم مهرة : هذا اللي ناقص!! لو بك خير ما قلت أجرَ أم مرتي! بس مقيولة وش نرتجي من واحد أخوه قاتل!!
يوسف : هذي شرطة ! تعرفين وش يعني شرطة مافيها حب خشوم!!
أم مهرة : إن جيت الرياض بمَر هالشرطة اللي تحتسي عنه وبمَر بعد بنيتي وبآخذها معي وخلَك قابل أخوك اللي فرَ مخك
يوسف بحدَة يحاول أن لا تفلت أعصابه منه ويتلفظ بأبشع الألفاظ لمرأةٍ بمقام والدته : الأدلة ثبتت أنه منصور ماله علاقة! لكن ثبتت بعد أنه لك علاقة بتغيير مجرى القضية . .
أم مهرة : الله يشلع قلب العدو قل آمين! وش اللي غيَرته! أنتم صاحيين على تالي عُمري تحاسبونن
يوسف مسح على وجهه : ساعديني عشان أساعدك! وش اللي تعرفينه عن فهد الله يرحمه وماقلتيه للشرطة أول مرة
ام مهرة بغضب : أعرف أنكم ناس تدورون الخراب! وتتبلون
يوسف يمدَ الهاتف لمُهرة : تفاهمي مع أمك
مُهرة : ألو
أم مهرة بإنفعال : ماتجلسين مع هالتسلب! بكلَم خالتس ونجيتس الرياض وخلَه يعض أصابعه ندم يوم أنه يبي يجرَني للشرطة ويفضح بيْ
مُهرة : يمه . .
تقاطعها : وصمَة تصم العدو . . جهزي شنطتس مالتس جلسة عندهم! يوم أنهم يقولون إني بايعتتس وماأبيتس! أنا أعلمهم مين اللي بايع الثاني
مُهرة : هذا كلام الشرطة ومن حقها تسأل لما شافت أنه الموضوع غريب! كيف أم تخلي بنتها تتزوج من واحد أخوه قاتل ولدها!
أم مهرة : خلاص أجل يبشرون بخليه يطلقتس عساس يقتنعون أنه ما يصير أم تزوَج بنيْتها لاخو قاتل
مُهرة ببكاء بحَ صوتها : فوق انه نفسيتي تعبانة تزيدينها عليَ! بس جاوبيني وريَحيني
والدتها بصراخ : وش اجاوبتس عليه! يتسذبون وتصدقينهم
مُهرة : يعني ماتعرفين شي
والدتها : وش رايتس بعد أحلف لتس على كتاب الله!! حسبي الله ونعم الوكيل هذا اللي أقوله بس أنا أوريه رجلتس يوم ينافخ عليَ ! والله ثم والله
مُهرة تقاطعها : لا تحلفين
والدتها : والله ما تجلسين عنده . .
مُهرة بضيق : يمممه
والدتها : لا تناقشينن! يومين وأنا جايتتس مع خالتس . . لاابوه من زواج ماجاب لنا الا وجع الراس! فوق ما احنا عافين عن ولدهم وبعد يتهمونن! جعلهم اللي مانيب قايلة . . وراتس بس . . وأغلقته دون أن تنتظر من إبنتها أيَ تعليق.
يوسف تنهد: استغفر الله العليَ العظيم
مُهرة : أمي صادقة لو فيه شي مخبيته كان ارتبكت! أنا اعرف أمي ما تقدر تكذب زي الناس وتغطي كذبتها
يوسف : مُهرة لا تجننيني! كل شي يقول أنه أمك تكذب
مُهرة بغضب : لا تتهم أمي على باطل! قلت لك مستحيل تكذب، كلمتها قدامك وتأكدت أنه مستحيل تكون كذبت بالموضوع
يوسف : أنا ما عاد أقدر أتوسَط لها ولا حتى أقدر امنع الشرطة عنها! بيمسكونها تحقيق يخليها تكره الساعة اللي كذبت فيها
مُهرة بحدَة : ماألوم أمي يوم تدعي عليكم! كذبتوا الكذبة وصدقتوها
يوسف اقترب منها : وش قصدِك ؟
مُهرة : اللي فهمته! أمي ما كذبت . . إذا ما كان أخوك القاتل، فأكيد أمي ماراح يهون عليها ولدها وتتبلى على أحد بالقتل! أنت متصوَر أنه قتل مو شي عادي عشان أمي تكذب فيه! . . امي تخاف الله ماهي كذابة عشان تتهمونها
يوسف : محد معصوم عن الخطأ، إذا أمك غلطت خل تواجه غلطها
مهرة انفجرت لتصرخ : لو أمك مكانها! ترضى أحد يتكلم عنها كذا ويقول عنها كذابة وغلطانة . . ولا عشان أمي ماوراها أحد قمت أنت وأخوك تحذفَون عليها الإتهامات!!
يوسف بدهشة من صوتها الذي اعتلى بنبرته، بغضبٍ شديد : صوتِك لا يعلى لا أدفنك أنت وياه!!
مُهرة تكتفت لتُعطيه ظهرها وهي تغرق ببكاءها : ابشرك أنه امي تبي تبيَن لكم أنه نظرتكم الغريبة للموضوع غلط وتبي تآخذني معها عشان تثبت لك أنت وأخوك أنه مافيه أم ترمي بنتها على قاتل ولدها
يوسف : العصمة مو بإيد أمك . . حطيها في بالك . . . خرج ليغلق الباب بقوَة، فتح أول أزارير ثوبه بإختناق من هذا النقاش الذي أثار دماءه بحدَته.


،


نظرت للهاتف وهي تنزوي بالغرفة الضيَقة، في كل رنَةٍ لا تستطيع أن تصِل بها إلى صوتٍ يُطمئنها تسقطُ دمعة مالحة تمتصُ الحياة من ملامحها، نظرت لإسم " عبدالعزيز " كثيرًا ولا إجابة تصلها، كل ما يصِلها " الرقم خاطىء "، وناصِر أيضًا أشتقته، يوم واحد يمرَ بدونه بعد هذه الفترة الكئيبة تجعلني أشعر أنني فقدت جزءً مني، لا قدرة لديْ حتى احتمل كل هذا الضغط النفسي الذي يُربك ذاكرتي المشوَشة، لو أنني أتذكر أماكن لأصدقاءٍ أعرفهم، لو أنني فقط أعرفُ أين أنا من حياة أصدقائي القدامى، أين أنا من " عبدالعزيز "، يارب ساعدني. يارب!
رنَ جرس الشقة ليقع الهاتف من بين يديْها، إرتجفت بخوف من وحدتها هذه اللحظة، لا أحد بجانبها، لا شيء يُطمئنها سوى لفظ " الله "، يارب أحفظني.
وقفت لتجرَ خطوة خلف خطوة ببطءٍ يُسقطها ببحرٍ مالح من البكاء، نظرت من العين السحريَة لترى ملامحه التي فقدتها طوال الفتنة الماضية، سحبت حجابها لتلفَه حول رأسها وأنتبهت بأن بلوزتها قصيرة، تراجعت لتأخذ معطفها الذي يُغطي جسدِها، فتحت الباب.
وليد بإبتسامة وهو يرتعش من البرد والثلج المستاقط على لندن : السلام عليكم
غادة ببحة : وعليكم السلام!
وليد : توَ وصلت لندن كنت عند ناصر . .
غادة بلهفة : وش صار؟
وليد : كل الأدلة ضدَه! ما ودَي أضايقك بس واضح أنه بيجلس هناك كثير . . وجلستك هنا بروحك أكيد غلط
غادة بضيق : يعني ماراح يطلع ؟
وليد : لا
غادة : طيب هو ما ذبحه بإرادته . . كان يدافع عن نفسه
وليد : هالأشياء ما تهمهم قد ما يهمهم الشي المحسوس! والشي المحسوس يقول أنه ناصر قتله بكامل إرادته
غادة : طيب وش أسوي الحين؟
وليد : أنسب حل أننا نتواصل مع السفارة ويجيبون عنوان أخوك . . وممكن حتى يطلقونك من ناصر
غادة عقدت حاجبيْها : كيف يطلقوني؟!!!
وليد : يسوي توكيل ويتم الطلاق عادي . . أنتِ ماتبين الطلاق؟
غادة ارتبكت لتُردف : أبي أشوف عبدالعزيز الحين
وليد : طيب . . إذا جاهزة خلينا نروح المترو ونرجع باريس . .
غادة بعُمق عاطفتها التي تجهلها تعود لنفس السؤال : طيب وناصر؟
وليد بهدوء : وش نسوي! مافيه حل يا غادة . . لو فيه طريقة أساعده فيها كان ساعدته
غادة بإرهاق : طيب . . بس دقيقة أجيب أغراضي
وليد : أنتظرك

،

لم يترك لها أيَ مجال بأن تتصل على أحدٍ، تركها وحيدة دُون أن يُخبرها لأيَ ملاذٍ تلجأ.
نظرت لأسفل الباب الذي ينزلق منه ظرف أبيض، ارتعش جسدها لتتجمَد بمكانها، تمرُ اللحظة تلو اللحظة حتى يسكُن الهواء بأكمله الذي يُحيط بها، اقتربت من الباب لتأخذ الظرف، فتحته لتبلع ريقها بصعوبة، أشدُ ما اواجهه في حياتي " الخيبة " وأصعبُ ما أستطيع أن أتجاوزه هي الخيبة ذاتها.
تُقلب الأوراق لتقرأ صور محادثاتٍ بينه وبين فتاة لا تعرفُ مصدرها، كلماتٌ مبتذلة تشكُ بمصداقية أن فارس يكتب مثل هذه العبارات، نظرت للصورة التي يقف بها بإنحناءٍ بسيط وبيدِه كأس . . لا يالله . . يارب لا تشوَهه بعيني هكذا.
في اللحظة التي تغلبت بها على الصوت الذي يُذكرني دائِمًا بأن هناك عقوبة تنتظرني، باللحظة ذاتها أُصاب بعقوبةٍ لم أتخيَلها ولا للحظة، " لم تحتمل قدماها الوقوف لتجلس على الأرض وعيناها تنهمرُ ببكاءٍ طويل يُشبه صبرها الذي عانت منه "
كان حلمًا لا أريد أن أفوق منه، كان شيئًا طيبًا في حياتي، ولكن تلاشى كما تتلاشى اللحظات السعيدة التي لا تستطيل أبدًا من أجل ضحكاتنا، كُنت أراك كاملاً حتى طمس الله عيني عن عيوبك، ولكنِ أسوأ الصفات التي يُمكن أن يواجهها المرء بحياته تتكوَر بك وتتكاثر أيضًا، كنت مثلهم! وأنا التي صدقتك على الرغم من كل شيء، تشرب وتتحدث مع نساءٍ كُثر من بينهم أنا، أنا التي أصبحت بمثل رداءتهم ودناءتهم، أنا التي أحببت شخص لا ينتمي للأخلاق بشيء. أستحق كل هذا! لأنني كنت ساذجة بما يكفي حتى أتصوَرك بطهارة هذا الكون وبياضِه، لِمَ يا فارس؟ يا من غيَرت إنتمائِي فداء قلبك، يا من جعلتني أمحِي السنين التي مضت وأعيش العُمر من أجل الذي ينمو بيننا كشجرةٍ شاهقة لن يقدر أحدًا على قطعها سوى من قدَر لنا هذا الحُب، من قدَر لنا أن نعيش يومًا يوازي العُمر بأكمله، من قدَر لنا أن نلتقي بـ " أحبك ".
وضعت رأسها على ركبتيْها لتنخرط ببكاءٍ لا يهدأ، تشعرُ بأن روحها تنزلق من جوفها، بأنها تختنق حد الموت.
أُفضَل أن أموت ولا أن أُصدم بِك، أُصدم بعينيْك التي أحبها.
بالأسفل قريب من الفندق، حمد : حطيت الصور . . بشوف فارس الكلب وش بيسوي!
: ورَط نفسك برائد بعدها . . محد بيخسر غيرك
حمد تنهَد : أنا مالي دخل . . فيه أحد يعرف أني وديتها ؟
بتوتر : لا
حمد : اجل أبلع لسانك ولا تتكلم بالموضوع!


،

يمدَ له كوب الماء بعد أن أستيقظت عيناه ببطءٍ وآثارُ الدماء باقية على ملامحه وملابسه : سمَ يا ابوي
فارس ينظرُ إليه بإستغراب، تأمل المكان الذي يحويه، الذوق الشرقي يطغى على المكان ذو الألوان العتيقة، أعاد نظره للرجل الواقف أمامه.
: تفضَل . .
فارس : مين أنت ؟
بإبتسامة حانية : خذ يا أبوك وبعدين نتكلم
فارس يأخذ كأس الماء ويشرب رُبعه ليضعه على الطاولة، بعُقدة حاجبيْه وكل حركة بسيطة يتحركها يشعرُ بأن ضلعًا من ضلوعة ينفصل عنه : انا وين؟
: بالحفظ والصون، لكن أبي أطلبك منك طلب وإن شاء الله ما تردَني
فارس بعينيْه المتعبة والهالات تنتشر حولها : تطلبني بأيش؟
: أبيك تقعد عندي هاليومين . . عشان نفسك
فارس وقفت بتعب حتى سقط على الأريكة مرةً أخرى : مشكور على اللي سويته معاي ماأبي منك شي ثاني
: ما تعرفني؟
فارس : لا . .
تنهَد : طيب . . أنت ارتاح الحين وبخليهم يحضرَون لك شي دافي يريَحك
فارس : مين أنت؟
: تعرف بعدين . .
فارس عقد حاجبيْه : كيف أقعد عند واحد ماأعرفه؟ . . لو سمحت أتركني أشوف طريقي
: فارس يبه ارتاح! والله إني خايف عليك
فارس : خايف عليَ من أيش؟
: أشياء كثيرة . . أنت بس ريَح نفسك ولا تشغل بالك
فارس : طيب أبي جوال أتصل فيه
: لا . . كذا بيعرفون مكانك . . صدقني مسألة يومين وراح أشرح لك الموضوع . .
رن هاتفه ليُردف : خذ راحتك البيت بيتك . . . وقف ليُجيب : هلا فيصل . .


.
.




يُتبع - يوم الأحد إن شاء الله






 
 

 

عرض البوم صور طِيشْ !  
قديم 07-03-13, 11:25 AM   المشاركة رقم: 75
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق



البيانات
التسجيل: Mar 2012
العضوية: 240258
المشاركات: 744
الجنس أنثى
معدل التقييم: طِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالق
نقاط التقييم: 2673

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طِيشْ ! غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طِيشْ ! المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية

 

-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()


رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ !
( الجزء الثاني من 74 + البارت 75 )



" اللهم أصلح أحوالنا و احفظنا من الفتن "

المدخل لـ المتنبي :"""



أرَقٌ عَلى أرَقٍ وَمِثْلي يَأرَقُ
وَجَوًى يَزيدُ وَعَبْرَةٌ تَتَرَقْرَقُ
جُهْدُ الصّبابَةِ أنْ تكونَ كما أُرَى
عَينٌ مُسَهَّدَةٌ وقَلْبٌ يَخْفِقُ
مَا لاحَ بَرْقٌ أوْ تَرَنّمَ طائِرٌ
إلاّ انْثَنَيْتُ وَلي فُؤادٌ شَيّقُ
جَرّبْتُ مِنْ نَارِ الهَوَى ما تَنطَفي
نَارُ الغَضَا وَتَكِلُّ عَمّا يُحْرِقُ
وَعَذَلْتُ أهْلَ العِشْقِ حتى ذُقْتُهُ
فعجبتُ كيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ
وَعَذَرْتُهُمْ وعَرَفْتُ ذَنْبي أنّني
عَيّرْتُهُمْ فَلَقيتُ منهُمْ ما لَقُوا




رن هاتفه ليُردف : خذ راحتك البيت بيتك . . . وقف ليُجيب : هلا فيصل . .
عقد حاجبيْه فارس لينظر للمغسلة التي أمامه، إتجه نحوها ليُبلل ملامحه بالمياه الباردة وعقله يتشوَش بفكرة وحيدة محلَها عبير، نظر للمرآة التي تعكس الصورة بإستقامة واضحة لا تشبه إعوجاج ضلعه، نظر للساعة المُعلَقة على الجدار الخشبي وتعتليها كلمة " الله " هذا الرجل يُشبه أحدًا أعرفه، رأيتهُ بجريدةٍ أو على غلافٍ ما، أجزم أنه ذو مكانةٍ رفيعة وله من السمعة الكثير، ولكن من؟
قبل ساعاتٍ كنت مرميًا وعينيَ تغيب بمهلٍ عن الدُنيا، آخرُ ما أتذكر السلاح المصوَب بإتجاهي والأقدام التي تلمَ حشدَها حولي لتضربني.
أودَعت قلبي بفكرةٍ أنكِ حبيبتي و عِند الله لا تضيع الودائع، أنتِ الآن معهم هذا ما يهم، مع والِدك بالطبع، ما يحدُث أنني الآن أُفكر بأيَ طريقة سترحلين بها عن باريس، بأيَ هيئة ستغادريني! كنت أوَد بشدَة أن أُسمِيك بدُعاءي " زوجتي " ، لن يفهم أحدًا الوجع بِأن تطمح لقولٍ/للفظٍ رُبما لن يغيَر شيء ولكنه يعنيني بالكثير، يعنيني بأنه إرتباط وثيق لا يفضَ قيده أحدٌ سوايْ بعد الله، جبان! أُدرك ذلك، أتخذت الشجاعة بأن أتركك ولكنني الآن تائب من هذا الغياب، أشعرُ بأن روحي تنفصِل عنَي، وحرارة الندم تغرز المرض بصدرِي، تنتشر فيَ ولا تُبقي أيَ ضلعًا صالحًا للحياة من بعدِك، مريضٌ بِك! إني ماضٍ على كل شيء، لا فائدة لهذا الندم بعد كل هذا، من حقِك الحياة كما تُريدين ومن حقي أن أذهب فداءً لقُبلة/حياة تجمعنا، مازال صوتُك الناعم يا عبير يرنَ في إذني، سنَة ونصف أُطاردك كخيال، أنا الكافرُ بالحب من قبلِك، العابثُ بالحياة والسائر بها بلا هدف، و نظرةٌ واحِدة لصورة نائمة على الرفَ أشغلت عقلي لساعاتٍ طويلة، و أتخذت من قلبي مكانًا لأيامًا عديدة، لا أنكر أنني بحثت عنك في البداية لأشبع فضولي من بعدِ رؤيتِك، كُنت أريد أن أتسلى وأسمع صوتُك مثل أيَ " ناقص " يبحثُ عن " أنثى " لمجرد كونها " أنثى " لا غير، ولكن قلبي كفَر بهذه الأفعال، انجذب ناحيتُك حتى أفسدتِ عليَ فسادِي و أصلحتِ قلبًا فطرتهُ أن يُحبك، أنا المؤمن بقلبِك و أنتِ الحلم و الهدف و الغاية و الوسيلة و السبب و الداعِي و كل ما ينتمي للعيش و الحياة.
وكنت أعرف إستحالة ما أفعل نحنُ نرتبط بالحُب ولم نستطع أن نرتبط بعائلتيْن متوافقتيْن، كنت أعرف ولكنني واصلتُ الإحتراق بِك، حتى اندلعتِي في دماءي و عقلي وبين خلايايْ و في صوتي وأعلى حنجرتِي، كنتِ تعبريني كقصِيدة يستحيل على ذاكرتي أن تنساها، أحسنتِ الأبيات المكسورة وأصلحتِ أوزانًا لم تكن لولاكِ أن تتزن، كيف أغنَيك الآن؟ يا من لي على هواها مشَقة، إني على العناءِ راضٍ.
من خلفه : صلَ ركعتين ترتاح فيها
لم يلتفت، أخفض نظره، يُصلي فترة ثم ينتكس، يعِش عُمرًا لا يُصلي به ركعة، كيف تواجه الله هذه الروح؟
يؤذيني أنني مُسلم بالوراثة، أنني منقطع تمامًا عن العبادات ولا أتصِل بالله سوى الدعاء، لأنني أعرفُ يالله أن لا أحد معي سواك، لأنني أعرفُ مهما تماديتُ بعصياني سأعود إليك لأن هذه فطرتي، لأن الملاذُ أنت، ردَني يالله إليْك، ردَني إليك ردًا جميلاً، لم أكسب من هذه الدنيا شيء حتى الحُب، ولا أُريد أن أخسر الآخرة، ردَني يالله إليْك وأرحمني.
أنت تعلم ما في نَفسي، تعلم يالله أنني أُريد الحياة التي تكون خلف سجدَة، ولكن أهوائي أقسى من أن تُفارقني، أصلحني يا كريم و حبب إليَ طاعتك كما أحببتها لقلبي.
: فارس
فارس بضيق : وين لقيتني ؟
: ما لقيتك، كنت معك
فارس : راقبتني؟
: لا . . يهمني تكون بخير
فارس إلتفت عليه بشحُوب ملامحه وعينيْه التي تُضيء بالحُمرة : مين تكون؟
عقد حاجبيْه و بياضُ شعره يزيده وقارًا : فيه أشياء ما يصلح تعرفها الحين، بعدين بتفهم كل شي
فارس خرج ليجلس على الأريكة وهو ينحني بظهره ليثبَت أكواعه على فخذيْه ويديْه على رأسه، جلس أمامه : أسمع وأنا أبوك يا فارس . . مافيه أحد يجبرك تسوي شي ما تبيه . . أنت منت عبد لأحد . . أنت حُر وأمرك بإيدك
فارس دون أن يرفع رأسه : تعرف عني كثير!!
: أكثر من الكثير نفسه . . هذي زوجتك محد يقدر يطلقَك منها
فارس بسخريَة يؤذي روحه بها : وين يجتمع رائد الجوهي مع عبدالرحمن آل متعب ؟
: عبدالرحمن ممكن يكون حازم بهالمواضيع وما يقبل أنصاف الحلول لكن مستحيل يظلمك أو يظلمها
فارس : تعرف أبوها زين؟
بنظرةٍ تلألأت بها عيناه حنينًا : ابوها! . . ماراح تلقى بحياتك شخص نفس حكمته و رجاحة عقله
فارس رفع عينه لينظر للرجل الذي يبلغ من العُمر الكثير و الشيب يملأ رأسه ويُزاحم السواد في عوارِضه الخفيفة : أشغلت فضولي! . . تعرفني وتعرف بوسعود!!
: كل شي بوقته، قريب إن شاء الله . . . أبيك ترتاح وتريَح روحك ولا تثقل على نفسك بالهم!! صدقني محد عايش مرتاح! لا تحاول تصحح كل هالعالم اللي حولك . . صحح بس نفسِك وإذا صححتها كل من حولك راح يتغيَر . . . على الأقل يتغيَر بقلبك
فارس بتوتَر إبتسم : تخوَفني! . . أحسَك تقرأ أفكاري
ربت على كتفِه بإبتسامة : لأني متوَقع كيف تفكر! . . الله يهنيك ويسعدِك ويرزقك الذرية الصالحة
فارس صمت، تجمدَت ملامحه، لم يسمع ولا لمرَة هذا اللفظ، هذا الدعاء تحديدًا، إرتجف قلبه المنقبض خوفًا على عبير، كيف لكلماتٍ بسيطة أن تستثير الحزن بصدريِ، لأول مرَة أحدًا يقولها ليْ بهذه الحنيَة و الحُب، سُبحان من جعلنا لا نهتَز لمواقفٍ هائلة ونهتزُ لكلماتٍ خافتة، سُبحان من جعل دُعاء من شخصٍ لا أعرفه يُثير كل خليَة حسيَة، اختلفت ديانات العالم المنزَلة و المستحدِثة ولكنها اجتمعت بـ " آمين " خلف كل صلاة، أجتمعت بنا والتي تعني بحسب فهمِي الضيَق " أحبك " ، آمين على حياةٍ طيبة ستجمعنا، آمين على سماءٌ سخيَة ستربطنا، آمين على قلبٍ جعل الله به نورًا من أجلك، آمين على الوصِل/اللقاء، على الأطفال الذين يحبسُون ملامِحك و يُغطيهم جفنك، آمين على الهدايَة و الصلاح، آمين على قلبِك وآمين على أحبك.
: عساه آمين
فارس همس : آمين

،

يجلسُ بجانبها والهم يزيده حزنًا على ما وصل به الحال، أن تكون أبًا ليس سهلاً، ان تعِيش من اجل أحد أيضًا ليس سهلاً، أن تحمل على كتفك مسؤوليَة وطَن يزيدُ من الأمر صعوبة، الولاء لهذه الأرض التي خُلقنا منها، للصحراء التي تحنَ إلينا كلما أمتلأت سماء الرياض بالتراب، للقُرى الصغيرة والمحافظات التابعة لمُدننا الشاهقة، الولاء وكل الولاء للشهادة التي تتوسَط البساط الأخضَر. يارب ساعدنا، إنا نحتاجُك، نحتاج أن تربت على قلوبنا وتُطمئنها من كل حزنٍ و كمد و قهر و ضيق، إنا نُنيب إليْك فأرحم عبدًا شهد لك بالوحدانيَة والعبوديَة.
ضيْ تنحنحت لتُردف بإتزان جاهدت أن تصِل إليه : عبدالرحمن
إلتفت عليها بإبتسامة خافتة يحاول أن يُطمئنها بها، يُحمَل نفسه فوق طاقته ليرى الإبتسامة لمن حوله في وقتٍ يفقد كل أسباب الراحة والإستقرار و أيضًا يفقد سببًا للإبتسامة : سمَي
ضي : سمَ الله عدوَك . . أبي أكلمك بموضوع بس . . يعني
عبدالرحمن يلتفتُ بكامل جسدِه عليها ليضع يدِه على شعَرها الطويل : وشو ؟ قولي
ضي أخذت نفس عميق لترتفع الدموع ناحية عينيْها، كل الإعترافات حتى أبسطها دائِمًا تجيء صريحة حادة و أحيانًا قاتلة.
عبدالرحمن يمسح دمعتها قبل أن تسقط : متضايقة؟ . . تطمَني إن شاء الله كلها يومين وراح نرجع للرياض
ضي إبتسمت حتى تغلب بكاءها ولكن هذا الدمع من غلبها حين تساقط كمطرٍ باريس هذه الأيام
عبدالرحمن تنهَد بعُقدة حاجبيْه : ضي؟ . . وش فيك يبه؟
ضي اخفظت رأسها، جبَنت في آخر لحظة بأن تقول له.
شدَها ليعانقها، حاول بكل قدرته أن يمتص حزنها بهذا العناق، يُحزنه أن تعاني ضي أيضًا.
غطَت ملامحها بكتفِه ودمعُها يُبلله وبصوتٍ مختنق : ما أبيك تزعل مني . . والله أموت يا عبدالرحمن لو تضايقت مني
عبدالرحمن : بسم الله عليك . . ليه أزعل؟
ضيْ ببكاء : مقدرت أقولك . . بس والله مو بإيدي . . خفت . . خفت كثير . .
عبدالرحمن أبعدها قليلاً ليُقابل ملامحها الناعمة، رفع حاجبه : وش صاير؟ وش اللي ماأعرفه ؟
ضي شتت نظراتها : آسفة . .
عبدالرحمن : وش الموضوع لا تخوفيني
ضي بربكة وهي تلمُ كفيَها في حضنها : أأ . . قبل يعني فترة عرفت . . بس ما كنت . .
يُقاطعها : عن ؟
ضي بشكلٍ سريع أبتعدت بجسدِها للخلف قليلاً وهي تنطقها : حامل
تجمدَ هذا العالم بأكمله في عينيْه، نظر إليْها بدهشَة دُون أن يساعده الصوت بأن ينطق كلمةٍ واحدة، انتفض قلبه من هذه الكلمة، انتفض من الفرحة التي تجيء بشكلٍ مُفاجئًا، أدركتُ تمامًا بعد هذا العُمر أنني أخاف من لحظاتِ الفرح التي لا تطول أبدًا، " عقد حاجبيْه بردَة فعلٍ لا يفهمها جيدًا " أُجاهد بأن لا يهتَز بي ضلعًا من أيَ خبرٍ يجيء بصورةٍ مُفاجئة، أحاول بكل ما أملك أن لا ينحني ظهري بأيَ شيء من أجل هذه الأوضاع التي تقتل القلب ببطء لتُجمَد الإحساس به، ولكنِك يا ضيَ عينِي أنتِ إستثناء من هذا بأكمله.
ضي عضَت شفتِها السفليَة لترفع عينيْها بتردد حتى تراه، سُرعان ما شتتها بحُمرةِ ملامحها الباكية، خافت أن تقع بشباكِ نظراته لتعِيش حُزنًا يصبَ من عينيْه.
عبدالرحمن بلع ريقه بصعوبَة أنفاسه التي تخمدُ برئتيْه: متى؟
ضي بخفوت مهتَز : هذا الشهر الثانِي
عبدالرحمن همس مُشتتًا نظراته : الحمدلله
ضي رفعت عينيْها لتنظرُ إليْه بعينيْن باكيتيْن : مو متضايق؟
عبدالرحمن اقترب منها ليُقبَل جبينها بقُبلةٍ عميقة، أستطال بالثواني وهو يُلامس جبينها المرتفع بدرجة حرارته، أبتعد ليُردف : أؤمن بأن كل اللي يصير خيرَة
ضي دُون إرادتها أجهشت عيناها مرةً أخرى : يعني ما ودَك بهالطفل ؟
: مو قصدِي . . سحب يدَها ليضغط عليها بدعمٍ معنوي يُقدَره جيدًا.
أكمل : محد يرَد شي فضَله الله وأختاره له، صحيح إني طلبت منك تآكلين حبوب المنع وقطعتيها بدون علمي . . لكن من حقَك! مقدر أحاسبك على شي أنتِ تبينه
ضيْ : إذا أنت ماتبيه أنا ماأبيه
عبدالرحمن يمسح على شعرها بإبتسامة تكسره كثيرًا : واللي تبينه أنا أبيه
ضيْ : ماأبي أخليك تشيل هم فوق همَك ولا تـ
يُقاطعها بضحكة تتمايل بقلب ضيَ الغنيَ به : استحي على وجهك! فيه أحد يقول عن ولده همَ ؟
ضي ابتسمت بين بكاءها : كنت خايفة، خفت تعصَب من . . . مدري بس أشياء كثيرة خلتني أخاف!
عبدالرحمن يمسح دموعها بكفَه الحانية : ليه أحملَك فوق طاقتك؟ وأخليك تشيلين همَي بعد! أعرف شعورك يا ضيَ . . أعرف وشلون تشيلين همَ كيف توصلين خبر لأحد . . وماأبيك تجربين شعوري ، هذا الشعور اللي ما يخليك تنامين براحة ويقتلك كل يوم وكل لحظة تفكرين فيه
ضيْ تضع يديْها على كفَه التي تعانق خدَها لتسحبها قليلاً وتُقبَل باطن كفَه : الله يخليك ليْ
عبدالرحمن وقف ليُمسكها من يدِها ويوقفها بإبتسامته الهادئة: توضَي وخلينا نصلي الشفع و الوتر . .
ضي : أنا على وضوء . .
عبدالرحمن : طيب . . تقدَم ناحية القبلة، أخذت حجابها لتُصلِي خلفه، سكَن المكان بصلاتهم وصوتُ المطر الذي يضطرب بالخارج يعبرُ مسامعهم كطمأنينة، سجَد وفي أولِ سجدة أبتهلَ قلبه بالصلاة على النبي إقتداءً لسنَة الدعاء، ليصمت قليلاً بخشوعٍ عظيم حتى تصاعدت روحه بالكلمات الراكعة لله " اللهم يا كريم يا رحمَن يا منَان ردَ بناتي إليَ وأحفظهم بحفظِك، اللهم إني أستودعتُك فلذات كبدي فأحفظهم وأحمِهم، يارب لا تُريني بهم مكروهًا وأصلح أمرَهم وسهَل ما صُعَب عليهم، يارب أرزقهم الدرجات العليا في الدنيا والآخرة و أجمعهم بمن يحبُون، يارب أحفظ قلوبهم من الوجَع و الحُزن . .
أطال بسجُودِه وصمت بعد " الحزن " ، من شأن الكلمات أيضًا أن تقف كغصَة وتمنع الصوت عنَا،( بناتِي ) الصوت المبتهج في داخلِي أما الآن أحتاجُ حنجرة أخرى لأواصل السير على نبرةٍ أتعبها الوقوف " الغصَة ". مهما بلغنا من القوة الا أننا فُقراء ضعفاء أمام الله، سقطت دمعته على السجَادة.
ليُكمل " يارب يا كريم أرزقني القوَة والصبر حتى احتمل وجعهم، يارب أرزقني النفس الصبورة التي تحمدُك في أشدَ المصائب وأصعبها، اللهم احفظ زوجتي و اكرمها بما تشتهي نفسها ولا تُصعَب عليها أمرًا إنه لا يعجز عنك شيء، اللهم ارزقها السعادة و الراحة. . . . . اللهم أحفظهم . . أحفظهم يا رحيم.


،

في ساعات الفجر الأولى دخَل لعُتمة المنزل الذي يزداد إضطرابًا بسكُونِه، إلتفت ليندهش من وجودها : عمَة؟
إلتفتت حصَة التي غفت قليلاً وهي تنتظره : جيت!
إقترب منها ليُقبَل رأسها ويجلس على ركبتيْه أمامها : وش فيك نايمة هنا؟ كنتِي تنتظريني؟
حصة صمتت قليلاً حتى تتغلب على نوبة البكاء التي أصابتها طوال اليوم : متضايقة من اللي قاعد يصير فيك ومو قادرة أرتاح دقيقة وحدة
سلطان : تطمَني . . ما فيني الا العافية . . يا ما شفت ولقيت بتجي على هذي!
حصة تمسح على رأسه القريب من حضنها : طلبتك يا سلطان لا تطلقها!
سلطان بضيق : قومي نامي ارتاحي شكلك مانمتي طول اليوم . .
حصة : تكفى يا سلطان والله قلبي بيتقطع من هالموضوع
سلطان : بسم الله على قلبك عساه فيني ولا فيك
حصة ببكاءها الذي لا يهدأ : لا توجعني فيك . . بس عطَ نفسك فُرصة والله ما تستاهل كل هذا
سلطان سعَل قليلاً من المرض الذي يتفاقم عليه في كل لحظة، وقف ليجلس بجانبها : الحين تبكين كأن احد ميَت لِك؟ والله أنا اللي بتقطعين لي قلبي!! يا عُمري ماتدرين وين الخيرة . . الله يسهَل من عنده ويرزقنا
حصة : ليه ما تفهمني يا سلطان! موجوعة والله العظيم . . ماراح تلقى وحدة تناسبك غيرها! أنتم مكتوبين لبعض لا تضيَعها من إيدك
سلطان بضيق يمسح دموعها بكفَه وبنبرتِه الخافتة يشعُ قلبه لها : طيب لا تبكين! . . لا تبكين
حصَة : لو أبوك الله يرحمه موجود وشافك كذا والله لا يحلف عليك أنك ترجعها!
سلطان : الله يرحمه ويغفر له ويغفر لأمواتنا جميعًا . .
حصة : كلكم بإيدكم الحل . . وش بتسوي بعدها؟ بتصحى عشان تشتغل وتنام عشان تريَح من هالشغل وما بينهم أنت مشغول . . وإلى متى؟ بعد عُمر طويل تتقاعد ومين بتلقى عندِك؟ . . بس فكَر بطريقة منطقية أنه اللي تسوونه أكبر غلط! والله أكبر غلط
سلطان بإبتسامة يُخفف وطأة هذا البكاء : يا ويل قلبي بس! مين اللي بيتطلق أنتِ ولا الجوهرة ؟
حصة تضربه على كتفه : أنا اللي بتطلق وش رايك؟
سلطان : بنتك وهي بنتك مابكيتي عليها كذا
حصة : لأني عارفة عواقب تصرفاتها لكن أنت يا سلطان عارفة وش بيصير بحياتك بعد الجوهرة!! تكفى يا سلطان أبي أفرح فيك وبعيالك
سلطان بلع ريقه بصعوبة ليُردف : يا أميمتي أنتِ . . ماعاش من يرد لك طلب بس خلَي هالموضوع وطلعيه من بالك . . أنا ما أنفع للزواج وأريَحك من الآخر . . عفت الحريم
حصة صدَت عنه بضيق : ما تعرف مصلحتك! والله ماتعرفها
سلطان : مشاكلنا ما تنتهي، بنوجع بعض كثيير
حصة : بتنتهي لو بس تقدمت خطوة وحدة
سلطان ابتسم : ملاحظة أنك ما تفقدين الأمل كل مرة نفس الكلام تقولينه
حصة : وبجلس طول عمري أزَن عليك لين تتعدَل! . . فيه شي إسمه تفاهم وتنازل وتضحية عشان حياة زوجية زي الخلق . . . المشكلة أنكم إثنينتكم تبون بعض وأكذِب وقول لا .. والله لا اذبحك لو تكذب!!
سلطان بضحكة يُريد أن يُبعدها عن هذا الموضوع : ولدِك جلف ما يفهم بهالأمور
حصة بسخرية : ناجح بحياتك العملية وفاشل مع مرتبة الشرف بحياتك الخاصة
سلطان : الشكوى لله . .
حصة : فرحة وحدة مستكثرها على نفسك!! وش فيها لو قلت للجوهرة أبيك . . وش بينقص منك؟ هذا وأنت راعي دين وتعرف بالدين وتدري أنه أبغض الحلال عند الله الطلاق
سلطان بضحكة مبحوحة صادقة : عشاني راعي دين على قولتك أدري أنه ماهو أبغض الحلال عند الله الطلاق . . وهذا حديث مغلوط عن الرسول صلى الله عليه وسلم . . كيف شي حلال شرَعه الله يكرهه الرحمن؟ يعني بالعقل ما يدخل هالحديث . . لأن في الطلاق فوائد! وأكيد لحكمة منه شرَعه
حصة نظرت إليه بجمود ليبتسم سلطان : حجَرت لك ؟
حصة : الشرهة على اللي مقابلك!!
سلطان غرق بضحكته ليُردف : جعلني ماأبكيك . . قومي نامي وريَحي نفسك
حصَة : إيه أضحك! ماشاء الله على روحك اللي لها كل هالقدرة على التجاهل
سلطان : لا حول ولا قوة الا بالله وش تبيني أسوي؟ أجلس لك وأبكي وألطم حظي! عندي أمور أهم تخص شغلي! . . . وعلى فكرة معدَي سالفة الصبح ولا عاد تحاولين تجمعينا بأيَ طريقة
حصة من غضبها لم تعد تعرف ماهية قوْلها : هذا إذا ما حطيت صورها في البيت كله عشان تحترق كبدك شوي وتروح لها
سلطان : تبين الملائكة ما تدخل البيت؟
حصة : أشوف غرفة سعاد ما قلت والله الملائكة ما تدخل بيتي! لو ماجيت وسنَعت غرفتها كان الله يعلم كم بقيت تحرَ الجوهرة فيها . .
سلطان تنهَد : الله يصلحك بس
حصة : أنا أعرف كيف أطيَح اللي براسك . . بيجي يوم وتعض أصابعك ندم على اللي قاعد تضيَعه منك، يخي شفت الجوهرة بس قلت لها أنك تعبان فزَت لك ونست كل شي عشان تكلمك . . يعني لو بس ترفع سماعة التليفون عليها وبكلمتين حلوة تتسنَع فيها وتعقل مثل كل الرجال بترضى وبتجيك
سلطان سعَل بمرارة دُون توقف لتربت حصَة خلف ظهره : يا لكاعتك!! بس تبي تضيَع السالفة
سلطان بضيق بحَ صوته من السعال : ذبحتني الكحَة والله
حصة : لو قاعد في البيت اليوم مو أحسن! رحت ورجعت أسوأ من أوَل . . المهم شدَ حيلك شوي بس وكلَمها
سلطان : بقولك شي . . الحين أمَر بمرحلة مهمة بشغلي ومضطر إني أعطيها كل وقتي حتى لو على حساب نفسي وحياتي
حصَة : إلى متى؟ بس قولي متى تنتهي هالمرحلة المهمة اللي من فتحت عينك على هالدنيا وأنت تمَر فيها
سلطان : كل شي يخص شغلي مهم، وأيَ غلط صغير يضيَعنا وببساطة ينهينا
حصَة برجاء : سلطان
سلطان : يا عيونه طلَعي هالموضوع من بالك ونامي وأرتاحي . . وأعتبري ما صار الا كل خير
حصة : اتصل عليها . . بس على الأقل حسسَها أنك مهتم . . تطمَن عليها وأسأل عنها
سلطان : وش بستفيد؟
حصَة : صاير تفكيرك إستغلالي لازم مقابل لكل فعل تسويه! ما ينفع تكون أخلاقك حلوة شوي مع البنت؟
سلطان ابتسم : أفآآ! صرت إستغلالي الحين؟
حصة بضيق انفعلت : منت إستغلالي! والدليل أنك حمار وماتفكر بنفسك!
سلطان مازالت الإبتسامة المتعبة تتسع حتى أظهرت أسنانه : مقبولة منك يا أم العنود
حصة : وش أسوي فيك يا سلطان ؟ بموت من حرَتي عليك!!! وش بيصير في هالدنيا لو قلت لها وش أخبارك يالجوهرة ؟
سلطان : الحين غيَرتي توجهاتك! قبل شوي تقولين رجَعها والحين تبيني بس أكلمها
حصة بسخرية : عاد حكم القوي على الضعيف! كل ماجيتك من جهة عنَدت
سلطان : طيب خلاص
حصة : تكلمها ؟
سلطان : إيه
حصة : إحلف
سلطان غرق بضحكته ليُردف بتعب وهو يسند ظهره على الأريكة : ما عاد فيه ثقة؟
حصة : إخلص عليَ وإحلف عشان أعرف كيف أواجهك بالحجَة؟
سلطان : والله العظيم بكرا بكلَمها
حصة إبتسمت : خلَ أسلوبك حلو
سلطان بسخرية : سجَلي وش الكلام اللي تبيني أقوله ؟
حصة : لا طبعا ماراح أتدخل بينكم
سلطان لم يتمالك نفسه من الضحك ليُردف بين ضحكاته : بسم الله على قلبك اللي ما تدخَل
حصة إبتسمت بإحمرار وجنتيْها : اللي سويته مو تدخل . . إسمه إصلاح . . الله يصلح قلوبكم ويجمعكم
سلطان مسح على وجهه بإرهاق دُون أن ينطق شيئًا لتدفعه حصة من كتفه : قل آمين عساك اللي مانيب قايلة
سلطان بتعبٍ واضح : آمين . . آمييييين . . . آميييييييييين
حصة ضحكت لتُردف : يممه منك حتى آمين مستخسر تقولها!!
سلطان : قلتها في قلبي
حصة : أنت ماشاء الله عليك كل شي تقوله في قلبك ولمَا أقولك سوَ كذا ولا لا تسوي كذا قلت أنا أمشي ورى عقلي . .
سلطان سعل بشدَة حتى أردف وهو يغمض عينيْه ويضغط عليها بأصابعه : اللهم صلِ وسلم على محمد . . شكل حرارتي بترتفع من نقاشك!!
حصة بخبث تُلقي عليه من أعظم أبيات الشعر الفصيح في العصر العباسي : جربتُ من نار الهوى ما تنطفي نار الغضا و تكَلُ عما يُحرق . .
سلطان إلتفت عليها بنظرة حادَة لتكتم حصة بضحكتها وهي تُردف واقفة : أمزح وش فيك ؟ . . تصبح على خير . . . أختفت من عينيه سريعًا بلذَة إقناعه بمحادثة الجوهرة.
ضلَ يُراقبها حتى تلاشت، تمتم بتنهيدة : سبحانك لا اله الا أنت وأتوب إليك . . . صعد للأعلى ودُون أيَ سيطرة منه على عقله الذي بدآ يُكمل الأبيات " و عذلتُ أهل العشق حتى ذقته فعجبت كيف يموت من لا يعشق؟ وعذرتهم وعرفتُ ذنبي أنني عيَرتهُم فلقيتُ منهم ما لقوا " دخل لياخذ نفس عميق حتى يطرد كلمات المتنبي من عقله الغارق بقصيدته التي تُضرب بها الأمثال حتى هذا اليوم، نزع حذاءه ليرمي نفسه على السرير بإرهاق دُون أن يغيَر ملابسه، سحب وسادة الجوهرة ليضعها فوق وسادته وتصِل رائحة عطرها أنفه متجهة لعقله الذي مازال يستذكرُ صوت القصيدة،
" أرقٌ على أرقٍ ومثلي يأرَق " في كل جُزء منَي وعلى كل جزءٍ و فوق الحال وبين كل حال تضعين مُسببًا للأرَق، للغرق، للاوجود، للغياب، عفيف يالجوهرة لمْ أسكُر ولم يُذهب عقلي شيء عدَا عينيْك، لم يكذب من لعن الفتنة، الفتنة التي تسرق مني نومًا في هذه الساعات.
أستلقى على ظهره متقلبًا، يحاول جذب النوم بالذِكر : استغفر الله . . .
كاد أن ينفجر عقله من القصائد التي يقرأها عليه في وقتٍ يحاول أن يقرأ به الأذكار، في كل لحظة يلفظ ذكرٍ من أجل أن ينام مرتاحًا يُقاطعه مقطع قصيدة، لم يبقى شيئًا حفظه منذُ زمنٍ بعيد لم يُعاد عليه في هذا الليل، بدأ يُكرر الإستغفار في داخله : أستغفرك ربي من ديارٍ تجلب حُزنًا . . لم يُكمل بمُقاطعة قلبه الذي يحفظ " واستلذُ نسيمها من دياركم، كأن أنفاسهُ من نشركم قُبلٌ "
تنهَد بمحاولة قمع كل محاولات عقله وقلبه في ترديد الشعر في وقتٍ يُريد فقط السكون والهدوء، ولا فائِدة مع كل كلمة تستنطق لسانه بخفُوت يُجيب عقله بطريقة مُستفزة وهو لا يخضع لأيَ سيطرة منه، التفكير يخرج عن إرادتنا مهما حاولنا أن لا نُفكر، نستطيع أن نمنع أنفسنا من الكلام و أعيُننا من النظر و لكننا لا نستطيع أن أنمنع أنفسنا من التفكير وهذه الحقيقة في وقتٍ مثل هذا تشدَ أعصابه وتستفزه.
ـ بإسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه فأن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فأحفظها بما تحفظ به عبادِك الصالحين. بمُقاطعة قلبية : " ولو أنني أستغفر الله كلما ذكرتك لم تكتب عليَ ذنوب "
ـ اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادِك، اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادِك، اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادِك.
بمُقاطعة أخرى : " هجرتُك حتى قيل لا يعرف الهوى و زرتُك حتى قيل ليس له صبرًا "
دفن رأسه بالوسادة ليشتعل عطرها بكل خليَةٍ في جسده، أغمض عينيْه ليُردد بصوتٍ منخفض حتى لا يُفكر بأيِ شيءٍ آخر : أستغفر الله . . أستغفر الله . . أستغفر الله . . .
أندهش من نفسه التي تحفظ أبياتًا لم يُرددها يومًا، دخل في صراعٍ مع الوسادة حتى ينام " شطرٌ واحد يا حصَة أشعلتي به ذاكرتي النائمة ".
على بُعدٍ طويل في شرق المملكة كانت مُستلقيَة على السرير وكفيَها على بطنها وعيناها للسقف.
لم يجيئها النوم رُغم أنها لم تستيقظ مُتأخرًا، ابتسمت من الإسم الذي جاء بقلبها " بدر بن سلطان بن بدر الجابر "، أريده يحمل سُمرة والِده و عينيْه التي تُناقض كل ما يقول دائِمًا، كيف أنتظر 9 أشهر ؟ لا افهم مقدرة الحامل على إنتظار كل هذه الشهور بصبرٍ وحِلم وأنا منذُ الآن أعدُ الوقت من اجله! وأعدُ اللحظة التي تجيء به، لم اتمنى شيء كمجيئه بظروفٍ اجمل لا ينفصلُ بها عنَي أحدٌ أحببتهُ قاسيًا حتى أصبحت قسوته لُطفًا بعيني، يا وداعة الأشياء الجميلة في صدرِي إني أُحبك بقرارٍ يشملُ الحياة.
إلتفتت للباب الذي انفتح، أفنان : صاحية ؟
الجوهرة أستعدلت لتجلس : إيه
أفنان : طفشت وقلت مالي غيرك
الجوهرة : ما عدلتي نومك؟
أفنان : لآ للحين . . وش رايك نجيب فيلم ونسهر عليه ؟
الجوهرة : مو مشتهية والله
أفنان بملل : طيب الجو حلو خلينا نسهر برا . .
الجوهرة بإبتسامة : جد مالي خلق أتحرك
أفنان : من الحين بديتي تتعيجزين شلون لو تصيرين بالسابع!
الجوهرة : أجلسي وسولفي عن باريس وكَان
أفنان : تعبت وأنا أسولف لك وأعيد نفس السوالف! خلاص خلصت سواليفي
الجوهرة إبتسمت : سولفي عن أيَ شي؟ عن رواية قريتيها ؟
أفنان : يوه يا قدمك! صار لي سنتين ما أقرأ
الجوهرة : أجل بنام وأنتِ روحي أسهري لحالك
أفنان برجاء : جُوج! يخي بموت من الملل . . سوَي معي شي مفيد قبل لا ترجعين الرياض!!
الجوهرة تنهدَت بضيق من كلمتها الأخيرة لتُردف : وش تبيني أسوَي؟
أفنان بصمتٍ لثواني : صح ما قلت لك! رجعت أحفظ أجزاء جديدة من القرآن
الجوهرة بنبرة فرح : شدَي حيلك لا تقطعين . . ما بقى لك الا الأجزاء الأخيرة
أفنان : يارب أقدر وأحفظهم . . والله تعبت تخيلي أحفظ وأسمَع ألقى نفسي ماحفظت نفس الناس
الجوهرة : طيب أنا قلت لك أسمعي بالقارئ اللي تبينه وخلَي إذنك تحفظ معك . . القرآن ما ينفع تحفظينه بطريقة الترديد، لازم تحفظه عينك معك بالقراءة وإذنك بالإنصات عشان يبقى بذاكرتك فترة طويلة
أفنان صمتت لثواني طويلة لا حديث يقطع صمتهم حتى أردفت : طيب بسألك سؤال
الجوهرة : وشو ؟
أفنان : تضايقتي من ريَان اليوم ؟
الجوهرة : أنا ؟ لا ليه ؟
أفنان : أجل ليه بكيتي؟
الجوهرة بلعت ريقها : مو عنه
أفنان : ترى ريَان بدآ يتغيَر والله حتى صايرة أسئلته مو كثيرة مثل دايم، يعني أجاوبه وينهي الموضوع ما يستفسر كثير . . وأنتِ بعد لا تشيلين بقلبك عليه!
الجوهرة : مين قال إني شايلة عليه؟ أفنان تراه أخوي مهما صار مالي غيره
أفنان : أنا بس قلت لك يوم حسَيت أنه اوضاعكم للحين متوتَرة
الجوهرة : لا تطمَني، قلبي ما يشيل على سلطان!
أفنان بضحكة : سلطان!! والله مآخذ عقلك هالسلطان نسَاك حتى إسم أخوك
الجوهرة تصاعدت الحُمرة لوجنتيْها لتستمر أفنان بنظراتِها المتغنجة : إيه وش أخبار سلطان ؟
الجوهرة شتت نظراتها : بخير
أفنان بإبتسامة فسيحة : متى بيجي؟
الجوهرة : ليه يجي ؟
أفنان : يعني عشان يآخذك، ماراح يجي هنا؟
الجوهرة بتوتر : الحين هو مشغول . . مدري بالضبط متى بينتهي شغله


،

في صباحٍ هادىء بالغيم، مُضطرب بالشعور، تتصاعدُ الأحلام وتتسامى دُون أيَ قُدرة على الإمساك بها! تفلتُ منَا أحلامنا التي هي ذواتنا، تفلتُ منَا أنفسنا ولا نُسيطر عليها.
بين أربعة جدرانٍ صمَاء ينظرُ لوميض الضوء المنبعث من ثقبٍ بزاوية السجن الإنفرادي، رأسُ مالي في هذه الحياة ثلاثٌ لا يزيدهم فردًا، والدِي و عبدالعزيز و غادة، و إثنيْن أنفصل عنهم شيئًا فشيئًا، ما حيلتي لأعِيش وأنا مُقيَد بهذه الصورة، لا أطلب من الدنيَا عدل وحُكمها بيدِ البشَر، لله أترُك أمر الحياة والناس. يا وجَع قلبي و يا ضيقُ الفرح بجوفِي! قبل سنواتٍ كانت الحياة تتمهدُ امامي وتُبسِط على كفَها من الفرح حُزمٍ لامنتهية، كانت تأتِ دائِمًا في الكلمات بضميرٍ يحمل غادة، ياء الملكية التي تُنهي الكلمات كان يُزعجني أنها ألتوت على نفسها كهاء الغائب، وأنتِ لم تغيبي لحظةً عن روحي، " أخفض رأسه من فكرة وجود ولِيد معها هذه الأثناء، وعدهُ بأن لا يقترب منها ولا يُخبرها شيء "
قبل ساعاتٍ طويلة في مكتب الضابط يُقابله.
وليد : والحين وش بتسوي ؟
ناصر : ولا شي! . . أبيك تبلَغ فيصل بموضوع غادة أنها بروحها عشان يتصرف
وليد : وينها ؟
ناصِر بتهديد يُشير إليه بسبابته : صدقني ماراح يحصل خير لو عرفت أنك أنت اللي رحت لها
وليد إبتسم بهدوء : قضيت سنة كاملة معها! لو بضرَها كان ضرَيتها من زمان
ناصر : الكلام الدرامي هذا وفَره لنفسك! بلَغ فيصل ومشكور
وليد تنهَد : وش مشكلتك معي؟ أنا أحاول أساعدِك!!
ناصر بحدَة : بتساعدني؟ بلَغ فيصل وماتقصَر
وليد : عطني عنوانها طيَب، أقول لفيصل أيش؟
ناصر يسحب الورقة الموجودة على الطاولة ليكتب عنوانه في لندن، مدَ الورقة وقبل أن يلتقطها وليد سحبها ليُعيد تهديده : صدقني لو يوصلني خبر أنك معها بحرقك في مكانك!!
وليد وقف ليمدَ يدِه ويأخذ الورقة : أستغرب من أنانيتك حتى وهي بروحها! ما خفت عليها من أحد لكن خفت عليها منَي!!
ناصر وقف ليقترب منه : إذا حبَيت بتعرف وقتها وش يعني أنك تغار من ظلَ يلامسها و ماهو ظلَك!
وليد : يعني لو كنت أناني محد بيشره عليَ بنظرك؟
ناصر : الأنانية إنك تفكَر بنفسك وتتجاهل اللي حولك وأنا ما تجاهلت أحد.



،
يقف أمام النافذة المطلَة على الحديقة المنزليَة، وعيناه تُراقب هيفاء التي تُحضَر طاولة الطعام للفطور، يأتِه صوتُه المُشتعل بالغضب : يعني ما جبت الأوراق؟
فيصل ببرود : ليه أجيبها ؟ عطني سبب يخليني أروح وأجيبها
عُمر بحدة : فيصل!!
فيصل بضحكة : ودَي أذبح ذبيحة على شرف هالصوت!
عُمر بعُقدة حاجبيْه : أذبحها على شرفك حبيبي!! أقسم لك بالله ماتكون في بيتك الليلة إن ما طلعت الأوراق
فيصل يُلحَن الكلمات ويُمططها بإستفزاز : أنا آسف عشان الأوراق اللي شايف نفسك فيها صارت بإيدي . . وهذي الأوراق بتنحشر في فمَك
عُمر بهدوء يخفي خلفه براكين مشتعلة : كيف طلعت لك ؟
فيصل بسخرية : أمطرت الرياض
عُمر بغضب : تكلَم! كيف وصلت لك؟
فيصل : زي الكلب تروح وتطلَع ناصر ولا بضطر أسوي شي يحرقك فيه سليمان قبل لا أوصَل الموضوع لأبو سعود وسلطان
عُمر : ناصر ماراح يطلع! وبشوف وش بتسوي يا فيصل؟
فيصل تنهَد : عاد الشكوى لله، اللهم بلَغت اللهم فأشهد . . سُو سورِي
عُمر : مين وراك؟
فيصل غرق بضحكة عميقة ليُردف : اللي قاعد يصير لك أمر مُحزن ومثير للشفقة! صرت تشَك بنفسك صح؟ يا حياتي والله
عُمر بحدَة : لو أنك رجَال تقول مين!
فيصل : مقطَعتك الرجولة! والله عاد ما يهمَني أكون رجَال بعيونك . . يكفيني أنه ينتهي اللي بديتوه بخسارة كبيرة لكم
عُمر : كأنك ما بديته معنا!!
فيصل بإستفزاز : أنا؟ متى؟
عُمر : تنكر؟
فيصل : عطني دليل واحد إني كنت معكم؟ . . .
إلتزم عمر الصمت، ليُكمل فيصل : حاول ما تجي الساعة 7 بتوقيتكم الا وناصر طالع وإلا والله أنت اللي ما راح تنام الليلة!! . . أغلقه ليتنهَد براحة الكون أجمَع، اتسعت إبتسامته الفسيحة حتى ظهرت أسنانه في لحظةٍ شعر بها أن هذا العالم يقف على شُرفةِ منزله، نزل للأسفل ليمرَ مكتبه الذي ورثه عن والِده، وضع الأوراق في الخزانة، انتبه للسلاح العتيق النائم على الأوراق، لمعت في رأسه فكرة ليضعه في جيبه ويُغلق الخزانة جيدًا، خرج متجهًا نحو الخلف، إلتفتت عليه بإبتسامة : صباح الخير
فيصل بنبرةٍ مبتهجة : صباح النور والسرور والرضا
هيفاء : عمتي خذت ريف وطلعت ويوم شفت الجو حلو قلت نفطر هنا
فيصل : زين تسوين . . جلس لتجلس بمُقابله . .
هيفاء : كنت أبغى أستأذن منك يعني لو أقدر أروح لأهلي اليوم
فيصل رفع عينه : إيه أكيد
هيفاء أبتسمت : مشكور
فيصل : حسستيني إني رئيسك بالشغل على هالإستئذان!!
هيفاء ارتبكت بتوتر عميق لتُردف : آآ . . يعني عشان . .
فيصل وبدآ يقع بعشق ربكتها، ليتمتع اكثر بصمته ويراقب حركاتها العفويَة المتوترة، أكملت : مو مفروض استأذن؟
فيصل بلع ضحكته قبل أن يصخب بها ليُردف : مو قصدِي كذا
هيفاء : أجل؟ يعني طريقتي بالإستئذان
فيصل هز رأسه بالإيجاب ليأخذ كأس العصير ويشرب منه.
هيفاء تمتمت : الله يآخذ دفاشتي!!
فيصل : عفوًا؟
هيفاء : ولا شي بس لأني متعودة أستأذن بهالطريقة
وبداخلها تمتمت " الله يسامحني على الكذبة انا لو أستأذن منك زي ما استأذن من أبوي بترمي عليَ الطلاق "
فيصل بإستلعان يُربكها ويقف على كل كلمة : يعني تروحين لأبوك وتقولين أبغى أستأذن منك لو أقدر أروح لصديقتي؟؟؟
هيفاء إبتسمت بتوتر : يعني مو كذا بس لأن ما أعرف أستأذن
فيصل : ما تستأذنين! تطلعين بدون إستئذان؟
هيفاء أخذت نفس عميق : لآلآ .. خلاص أنسى أشرح لك بعدين
إبتسم إبتسامة أوقعت قلب هيفاء : بنسى يا عيني ليه ما أنسى؟
هيفاء تصاعدت الحُمرة لتتورَد وجنتيْها، شربت من كأس الماء لتُخفف حرارة جسدها المرتفع بالربكة.
فيصل ضلَت عيناه تغرق بتفاصيلها وتبحر بمراقبتها، لم ترفع عينيْها تُدرك أنه ينظر إليْها، بدأت تُحرَك الملعقة على الصحن دُون أن تأكل لقمة واحِدة.
فيصل : هيفا
رفعت رأسها وبتعجُل : لبيه . . آآ أقصد هلا
فيصل بضحكة : وش فيك مستخسرة عليَ كلمة حلوة؟
هيفاء بربكة : لآ لآ مو قصدي كذا أقصد يعني . . خلاص لبيه
فيصل إبتسم : تلبين بمكة . . قومي بورَيك شي
هيفاء وقفت لتسير خلفه وهي تضع يديْها على خديْها المشتعليْن بحرارتهما، " يالله عليك يا فيصل " لم أتوقع أن تُصيبني كل هذه الربكة بحضُورك، أشعرُ بأن نظراتِك لها خُطى مهيبة لا قُدرة على قلبي بأن يتحمَلها، فيك شيءٌ لا أدري ما تفسيره، و على عينيْك أمرٌ يتخطَى العادة، يجيئني شعور أنه أمرٌ خارق، أعني بذلك النظرُ إليْك وإستكشاف تفاصيلك التي تهرول حولك، يبدُو لي أنني أقع بِك/فيك.
إلتفت عليها لتسير بجانبه متجهَان لمكانٍ لا تعرفه، نظرت للمكان الخاوِي سوى من زرعٍ بسيط يُزيَنه.
فيصل يأخذ علبة المياه ليضعها على بُعد 20 متر تقريبًا، رفعت حاجبها بإستغراب : وش بنسوي؟
فيصل : بعلَمك شي . . أخرج السلاح لتبتعد خطوتيْن للخلف بشهقة فلتت منها رُعبًا.
فيصل : بسم الله عليك! . . تعالي
هيفاء : لآ مستحيل . . ما احب أمسكه ولا . .
يقترب منها ليسحبها من ذراعها، هيفاء برجاء : لا تكفى والله أخاف منه . . أعرف نفسي والله ما اكذب إني ماأشوف زين وممكن أوديك بداهية
فيصل بإبتسامة شاسعة : أنا معك
هيفاء بتوتر وكأنها تواجه الموت : والله العظيم والله ما اكذب . .
فيصل : مين قال إنك تكذبين! أنا معك . . يالله أوقفي زين
هيفاء : تكفى لا . . حتى بمزرعتنا أخواني يعطون ريم ومايعطوني لأني ما أشوف زين . . والله ما اكذب
فيصل بضحكة يشدَها ليجعل ظهرها مُلاصق لجسدِه، ووجهه على كتفِها، مدَ يديْها بإستقامة ليضع إبهامها والسبابة على السلاح ومن فوقها يدِه، هيفاء بضيق : ما أبغى أتعلم واللي يرحم لي والديك! . . علَمني أيَ شي خايس الا هذا
فيصل : أعلمك كيف تقرأين؟
هيفاء أشتَد إحراجها من إدراكه لكذبها، إلتزمت الصمت وهي تبلع رهبتها من السلاح.
فيصل لفَ قدمِه على ساقه حتى يُثبَتها، أغمضت عينيْها بشدَة لتضغط على الزناد وتذهب الرصاصة بعيدة كل البعد عن قارورة المياه.
فتحت عيناها بتجمَد تام، فيصل يهمس بالقرب من إذنها : لازم تتعلمين كيف تدافعين عن نفسك، بكرا لا سمح الله اذا صار شي تكونين عارفة وفاهمة
هيفاء : خلاص؟
فيصل : أبي العلبة تنفقع!
هيفاء إلتفتت عليه وساقها مازالت مثبَته بقدمِه، لاصق بطنه بطنها ويدِه خلف ظهرها، وبصوتٍ مُرتبك تنطق الكلمات بهيئة مستعجلة : والله إني أخاف من هالأشياء وعندي فوبيا منها . .
فيصل بهذا القرب لم ينطق شيئًا، اكتفى بعينيْه التي تُراقب شفتيْها المتحركتيْن بكلماتٍ سريعة.
إرتجف فكيَها لتبلع ريقها مُشتتة نظراتها بعيدًا عنه في وقتٍ يُحيطها جسدِه من كل إتجاه، ابعد قدمِه عن ساقها ليجاور قدمِه قدمها، أمال رأسه قليلاً ليصِل لمستوى شفتيْها، ويدِه تنزلُ من أعلى ظهرها لتُحيط خصرها، أغمضت عينيْها ليلتحم جسدِه بجسدِها، ارتفعت درجة حرارتها الداخليَة ليغيب قلبها عن الوعي بما حوله، ويديْها المرتجفتيْن تغفو على صدرِه.
عن الشعور الذي أجهله في هذه الأثناء؟ كيف أحكيه؟ قلبِي بِكر لم يعشق من قبل ولم يسلك طريق الهوى، تُغيَرني يا فيصل بظرفِ يوميْن، تقلبني رأسًا على عقب، تفضَ الحياة بعيني ليصعد مقامها نحوُك، نحوك أنت فقط لا يُشارِكك إنسانًا ولا جمادًا، فوق العادة، ما أعنيه تمامًا أنَ هذا الشعُور المحمَر خلف قلبي فوق العادة، أجهلُ ماهية الشعور ولكنني أُدرك تمامًا بأن هناك شيئًا يشدَني إليْك، كُنت أظن أن عينيْك وحدها المصيبة إلا أن شفتيْك أكثرُ المصائِب ودًا.
ابتعد بحرارةِ أنفاسه التي أنتقلت لرئتيْها لتضجَ أنفاسه بداخلها، ولا أعرفُ وصفًا يا هيفاء أعمقُ من قول المتنبي " قد ذقتُ ماء حياةٍ من مقبَلها، لو صاب تُربًا لأحيا سالفَ الأمم "، للمرةِ الأولى أتذوَق الجنة بترتيلِ شفاهِ غانيَة، أتحسَر للعُمر الذي مضى دُون أن أفكَر بالزواج، وأرثي الآن من يعيش دُون أنثى، أقصد فتنة.
ابتعدت خطوتيْن للخلف دُون أن تتجرأ بالنظر إليْه، سارت بإتجاه الداخل وأنفاسها تضطرب إضطرابًا يصِل لقلبها الذي يرتفع أشدُ إرتفاع بحركته، دخلت لتصعد بخطواتٍ سريعة نحو الأعلى، أغلقت الباب لتُسند ظهرها عليه، وضعت يدَها اليمنى على خدَها والاخرى على صدرها لتُهدأ من روْعِها، نظرت للنافذة و جسدِها من قدميْها حتى رأسها يشعُ حُمرةً ويُضيء، بللت شفتيْها بلسانها لتبتسم من ربكة شعورها، تسللت أصابعها نحو فمِها لتشعرُ بأن شفتيْها تحترق بحرارته، إتجهت نحو الحمام لتُبلل ملامحها بمياهٍ باردة، نشفَت وجهها المحمَر بخجله، جلست على الأريكة وتفكيرها يتشوَش بأشياءٍ كثيرة لا تستطيع أن تُحددها.
قُبلةٍ واحدة أدت إلى غياب عقلي عن وعيْه كيف لو أطالها؟


،

يسيرُ ذهابًا وإيابًا، وصوتُ ضرباتِ القلم على إصبعه يرنَ صداها، إلتفت للباب ليدخل أسامة : ما لقيناه
رائد بغضب يقترب منه ليُحرقه بجحيمه : طلَع فارس من تحت الأرض! والله ثم والله لو يصير له شي راح أحرقكم كلكم
أسامة صابته الرهبة من وعيده : سوينا اللي علينا! وأنت ما كلفتنا نراقبه
رائد يصفعه بقوة حتى أصطدم جسدِه بالجدار، بصراخ : وأنا الحين كلفتكم!! فارس يطلع لي!!!
نزفت شفاهُ أسامة وهو يقف بإرتباك : إن شاء الله
رائد : أنقلع عن وجهي ولا ترجع الا وفارس معك . . . جلس خلف مكتبِه وأفكاره تشتدُ سوءً حول فارس، أنحنى بظهره وقدمه اليمنى تضربُ الأرض بإستمرار لتعبَر عن توترها أيضًا، سيُصاب بالجنون من غياب فارس عنه، يتمنى أن يموت ولا يصِلهُ خبرٌ سيء عنه، أهتز هاتفه على الطاولة ليسحبه، فتح الرسالة لتُصاب عيناه بجمودٍ سحب كل أنفاسه للداخل ولم يزفرُ بشيء، اختنق صدرِه من الصورة التي يراها، من منظر فارس الملقى على الأرض والدماء تنتشر على جسدِه و تُبلل الجزء الآخر من ملابسه، لا يُريد أن يصدَق أن شيئًا حلَ به، للمرةِ الأولى منذُ فترة بعيدة ترتجف عينيْه وتُسبِب ربكة فكيَها التي تزداد إصطداماتها ببعضها البعض، وقف وهو يضع يدِه اليسرى على جبينه من صُداعٍ يُداهمه ويُشتت رؤيته، خرج من الغرفة ليصرخ بصرخة هزَت أركان الشقة، تجمَعوا بأقل من الثانية إليْه، إقترب من أسامه ليُحيط رقبته بيديْه : تعرف مكان فارس؟ . . تعرفه
أسامة أختنق من قبضة يدِه دون أن يُجيبه بأيَ شيء،
رائد يرمي كل خططه بعرض الحائط من أجلِ إبنه : سليمان صح؟
أسامة بدهشة أتسعت عيناه من معرفة رائد به، لكمه حتى سقط على الأرض، سحبه ليلكمه بشدَة مرةً أخرى، دفعه بإتجاه الجدار ليسحب قميصه ويضربهُ مرةً أخرى، رفسَه على بطنه ليُثير غثيانه : تكلَم لا أقسم بالله أدفنك بمكانك!!
أسامة والدماء تنزفُ من كل جزءٍ بجسدِه، بصعوبة نطق : ما أدري
رائد يرفسه بقوَة : أنا أبيك تدري . . إلتفت للواقفين خلفه . . جيب سلاحي
أسامة برهبة أحمرَت عيناه : ما أعرف شي صدقني
يمدَ حمد السلاح إليْه ليأخذه، صوَبه بإتجاه أسامة : عندِك دقيقة وحدة لو ما تكلمت ترَحم على نفسك
أسامة بضيق صوته : سليمان ذبحه
رائد لم يتردد ولا للحظة أن يضغط على الزناد، وجهه لساقِ أسامة، انطلقت الرصاصة لتنغرز به وتهتَز الجدران التي تُحيطه بصرخته الموجعة حد البكاء، صرخ بقوَة وعينيْه تجهشُ بالوجَع، أنحنى رائد إليْه بنبرةٍ لم ولن يجيءُ من يُشابه غضبها : والله لا أفقهكم بالتعذيب كيف يكون!! .. ولدِي أنا تذبحونه وترمون جثته !!! والله إن ما خليتكم تدعون على أنفسكم بالموت ما أكون رائد . . . والحين بتقولهم عن مكانه ماهو أنا اللي ولدي ينرمي على الطريق!!! وحسابكم جايْكم بالدور . . . . دخل لغرفته ليضرب الباب بقوَة حتى يغلقه، قبض على يدِه ليضربها على الجدار، صمَد لدقائق طويلة حتى أهتزَ جسدِه ببكاءٍ داخلي لا يقوى على الخروج، لم تحمله أقدامه ليجلس على ركبتيْه وهو يُغمض عينيْه ويضغط عليها بكفَه.
" يا عيون أبوك! يا عيونه كيف تتركني؟ " اشتدَت حُمرة عينيْه بحزنٍ لم يعتاده أبدًا، بحُزنٍ يُصيب قلبه ويقتلعه، أخفض رأسه بأنفاسٍ تحبس نفسها في صدره وتخنقه.
إلا أنتْ! أدفعُ للحياة كل شيء عداك، أبكِيك يا فارس لعُمرٍ كامل ولن أتجاوز أمرك، أرجُوك يالله ليقل أحدًا أنها مُزحة أو كُذبة، ليقل أحدًا أيَ شيء إلا موته، إلا موتي. ما كُنت أخشى بالحياة شيئًا عداه، فارس الإستثناء في كل شيء، أتوسَلك يالله لو كان كابوسًا أيقظني منه، أيقظني . .
أنهارت كل خليَة تسبحُ في جسدِه ولم يعد يفرق بين منامه ويقظته، جنَ جنونه مع إبنه. رفع رأسه للسقف وضحكاتِ إبنه تأتِ بصورة موجعة وكلماته الضيَقة تبحَ في ذاكرته " ماكذبت يا يبه يوم قلت نحنُ قومٌ يا إذا عشقوا ماتوا "
" بسم الله عليك يا يبه من الموت " تأتِ الحقيقة بسهامٍ حادَة لا تُقدَر قلبًا ثمَل من عشقه لإبنه، تأتِ بصورةٍ مُفجعة، لا أرضى بالعيش، بالحياة، بالدُنيا وعيناك لا تطلَ بناظريْها، كنت أوَد بأن تكون آخر شخص تراهُ عيني في إحتضاري، ولكنك ذهبت مُبكرًا ولم أراك، لم أراك يا فارس! كل شيء فيَ ينطق " الآه " و الوجَع، إني على بُعادِك لا أصبر وإني
على حُزني موعود، لو كُنت معي في ذروة جحيمي بهذه الدُنيا لقُلت إنني أعيشُ في الجنَة، أمَا الآن لو وضعوني بين مُسببات السعادة لعشت جحيمًا يحرق جسدِي دُونك.
يخترقه صوتُه مجددًا لتسقط دمعةً يتيمة على خدِه الأيسَر تكسرُ رجُلاً لم يكسره موت احد من قبِل ولم يكسرُه حدثًا هزَ بيته و عمله، يجيء صوتُه الضاحك " رائد : طبعًا كاتب قصة حُب . . عارفك ناقص حنان، فارس بضحكة عميقة : مغرقني بحنانك وش لي بحنان غيرك "
تسترجعُ ذاكرته صوته بكل الكلمات الضيَقة والواسعة بفرحها، يأتِ صوته قاتلاً لكل صبرٍ يحاول أن يثبت عليه.
ارتخى جسدِه بذبول، شحَبت ملامحه من مُحادثته في نفس هذا المكان ،
" رائد بغضب : أنقلع عن وجهي
فارس بإبتسامة : والله يا يبه صرت تنكر على الرايحة والجايَة! أحلف لك بالله أنك للحين أمي في بالك
رائد رفع عينه إليْه : وإذا أمك في بالي وش بتسوي؟ قلت لك أمك هذي مهي بصاحية حتى عقب هالسنين داخلة في مخي أعوذ بالله منها
فارس بضحكة منتصِرة : عاد قلبك ومالك سيطرة عليه
رائد : دبلت كبدي الله يدبل كبد العدو! . . قوم عن وجهي لا يجيك ذاك الكفَ اللي يثقفك بأصول الحب
فارس إتسعت إبتسامته حتى ظهرت أسنانه وهو يستفزُ والده بكلماته : عسل على قلبي يا أبو فارس لو تكفخني من اليوم لين بكرا
رائد : أنقلع لا والله . .
يُقاطعه فارس : ههههههههههههههههه وش فيك عصَبت؟ كنت أمزح بس شكل طاري امي يقلب قلبك
رائد : الا يقلب معدتي، الشرهة بس على اللي مقابلك
فارس : جرير وش يقول يبه . . يقول إن العيون التي في طرفها حور قتلننَا ثم لم يحيين قتلانا . .
رائد : الله يآخذك أنت وجرير قل آمين . . صدق فاضي ماعندِك شغل غير تحفظ بهالشعر اللي ماوراه الا النكد الله ينكَد على عدوَك
فارس بخبث : وش دعوى يبه! هذا أشهر بيت في الغزل مفروض تكون حافظه . .
رائد : ترى أمك ضاحكة عليك عيونها مهي حورآ . . هي فيها إنحراف
فارس غرق بضحكته ليُردف : ماشاء الله على الذاكرة اللي حافظة أصغر التفاصيل
رائد يحذف عليه علبة المناديل وهو يُخفي إبتسامته : قم وراك
فارس بضحكته التي تُشبه ضحكة والده : المُشكلة أنك أبوي
رائد بحدَة : أنا مشكلة؟
فارس بإبتسامة يقف ويقترب منه، قبَل رأسه ليبتعد خطوتيْن للخلف : بكون صريح معك، أنا أكره بعض تصرفاتك وأكره تحكمك فيني وأكره طريقتك بالتعامل مع غيري. . .
رائد يُعيد النظر للورق : أنقلع ما أبي أسمع
فارس بنبرةٍ صادقة : وترى ما أحمَلك ذنب شي! الصالح لو بأسوأ المجتمعات بيضَل صالح والفاسد لو بأحسن المجتمعات بيضَل فاسد . . ما أحمَلك شي يا يبه، لأن الله بيحاسبني على أعمالي ماراح يحاسب أحد ثاني، وأكبر مثال أنه عم الرسول صلى الله عليه وسلم! أكيد ماراح يحاسب الله الرسول على عمه! محد يشيل ذنب الثاني! أغلاطي هي من نفسِي مو منَك . . ومهما تصرفت وقلت بس لو يخيَروني عُمري ماراح أنفصل عنك . . ولا راح أرضى إني أعيش بعيد عنك . .
رائد يرفع عينه : وش مناسبة هالكلام؟
فارس : أنت سألتني ليه أنت بالنسبة لي مُشكلة؟
رائد : ما فهمت!!!
فارس بعلاقته الحميمية التي لا تهتَز مع والِده أبدًا : المُشكلة إنه حُبي لك يتناقض مع حُبي لعبير . .
رائد عقد حاجبيْه : ليه ؟
فارس بإبتسامة يبلع بها ضحكتِه على ملامح والده : أحبني لأني ولدِك
رائد بضحكة وقف مقتربًا منه : صحيح ؟
فارس أطلق ضحكته ليُردف : و أحب عيوني لأنها تشبهك
رائد غرق بضحكتِه : يا سلام على الغزل الصريح!
فارس بعينيْه التي تُشاركه الطرب والبهجة على الكلمات : و الحمدلله إنك أبويْ حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه


،

وقفت بإتزان أمامها، ومن داخلها تحترق من وجودها معه بين 4 جدران وسقفٌ يشهد عليهما، وأنا يا عزيز؟ أنا التي يشهدُ على حُبي لك أربعة، قلبي المرتجف و عينيَ الذابلتيْن، و صوتِي الضيَق و جسدِي المرتعش، لكَ حُكمهم يا سُلطانًا أتخذ من صدرِ أنثى عرشًا، لكَ مُلكهم يا رجلاً أستوطَن قلبًا أُرسِل إليْك، تركت قلبًا وضع في طريقك منذُ زمَن والآن أدفعُ ثمن الطريق الذي سلكته، أُنافس الحياة بِك بعد أن كُنت لك حياة، يسرقوني مِنك! وأنا وحدي التي أُحبك.
أثير بإبتسامة ناعِمة ترسمُ على ملامحها الباذِخة بجمالها : تفكرين كيف أبعد عن طريقك؟
رتيل أخذت نفس عميق لتُردف : أدعي الله كثير إني أنا اللي أبعد عن طريقك!
أثير بضحكة مستفزة : بالمناسبة، عزوز حبيبي قالي كلمة أمس وأشغلت بالي كثير أظنها تهمَك
رتيل بلعت ريقها بصعوبة وهي تُجاهد أن لا تفلت أعصابها منها.
أثير بدلع : قالي نفسي هي أنا حياتي اللي مستحيل يقاسمني فيها أحد حتى لو كان جزء من هالحياة . .
رتيل شدَت على شفتِها السفلية بأسنانها حتى لا ترتجف ، أثير تُكمل : أظن غلطتي بكلمة نفسك او شكلك فاهمتها غلط بقاموس عزوز
رتيل شتت نظراتها لتُعيدها بإشتعالهما لعينيَ أثير، بحركةٍ خافتة تراجعت أثير للخلف خطوتيْن من نظراتها التي شعرت وكأنها تُجلدها.
إن كنت تخاف من أحدٍ يا عزيز يجب أن تخاف من المرأة إن اشتعلت غيرتُها، الرِجال أسلحتهم واضحة أما النساء لهن جيوش سريَة إن اندلعت لن يقف بوجهها أحدٍ، النساء اللاتي أسقطن حكومات لم يستطع رجلٌ واحِد أن يقمع جزءٍ منها، هؤلاء النساء يجتمَعن في مرأة واحِدة ويُعينها الشيطان بكيدٍ عظيم إن أشتدت غيرتها، فقط استفز غيرتها وسترى الجحيم بعينه.
أثير بلعت ريقها من نظراتِ رتيل الغريبة والمُخيفة بنفس الوقت، شتت نظراتها لتُردف بتوتر أتضح على صوتها عطفًا على أن عبدالعزيز خرج ولا تستبعد أن تفعل رتيل بها شيئًا مجنون : وأسألي عبدالعزيز إذا جاء . .
نطقت إسمهُ دُون دلع حتى لا ترتكب بها جريمة، رتيل أقتربت أكثر بجسدِها إليْها وبإبتسامة تُخفي معانٍ كثيرة : كنت أبيك تتفاجئين باللي راح يصير، بس راح أعلَمك كيف تدفعين ثمن أغلاطك معي!
أثير : تهدديني؟
رتيل بحدَة : إيه أهددك . . أتقِ شرَي يا أثير لا والله أطلَع حرَة عبير وأبوي وعبدالعزيز فيك
أثير أخذت نفس تُعيد به توازنها : في بيتي وتهدديني بعد؟ أنا والله اللي لازم أقولك يا غريب كُن أديب
رتيل ضحكت بسخريَة لاذعة : ما أحتاج أعيد لك نفس المنوال كل يوم . . لا تحاولين تعوضين نقص ثقتك بعبدالعزيز بترديدك لحكي أنتِ تعرفين أنك تلعبين فيه على نفسك! يكفي عيونه اللي تفضحه مهما حاول يبيَن لك . . مفهوم؟
أثير : الله العالم مين يعوَض نقصه!
رتيل إقتربت لتشتعل نظراتها بغضبِ الغيرة : أبعدي عن طريقي
أثير غرقت في عينيْها لتُردف بعد صمتٍ لثواني : وإن ما بعدت؟
رتيل : فيه شي ما تعرفينه عنَي! ضميري ميَت وأسألي عبدالعزيز عنه، هو بنفسه شهد عليه أول ما جاء الرياض!
أثير تراجعت لتأخذ حقيبتها وهاتفها : طبعًا راح أسأله وأبلغه بتهديدك الحلو . . . خرجت لتضرب الباب بقوَة، رمشت عينيْها لتسيل دمعة حارقة على خدِها الأيمن، أخذت العلبة الزجاجية الموضوعة على الطاولة لترميها على الحائط وهي تصرخ بغضب يندمج مع بكاءها : حقييييييير! . . حقيييير . . . جلست على ركبتيْها، اخفضت رأسها ببكاءٍ صبرت عليه كثير. وضعت كفيَها على إذنها حتى لا تسمع صوتُ قلبها المرتجف، كيف أصمَ سمعي عن قلبي؟ أكرهك وأنا كاذبة، سأُرددها حتى أصدَقها مثل ما صدَقت مسألة أثير، سأصدَقها يومًا وأكرهك يا عبدالعزيز.


،


بغضبٍ، بحُزن، بحسرة و حقد ينظرُ إليْه، لستُ على قيد الحياة ولا التُراب يدثَرني، إني مُعلَق منذُ أن غابوا! كيف أستطاع قلبك أن يفعلها بيْ وأنت أبْ؟ تُدرك معنى أن تكون وحيدًا، كيف قدِرت أن تُحزنَي بهذه الصورة؟ وأنا ناديتُك " يبه " من يُشفي علَتي؟ من يُساعدني على الوقوف مجددًا؟ ألم تشفق عليَ؟ كنت أستيقظ في بيتك كل يوم وأنا قلبي يمرض بهم! كنت أراك وعينيَ تحترق ببكاءٍ محبوس! ألمْ تُخبر نفسك بضرورة معرفتي بلقاءِها؟ كيف أستطعت " يا أبوي يا أبو سعود . . يا أبو زوجتي "
من يُسكِن حرارة القهر المندلعة فيَ؟ من يُضمَد جراحِي؟ من يقرأ على قلبي حتى يطمئن؟ من أجل الله كيف لم ترحمني سنة كاملة؟ من أجله كيف لم تُخبرني في وقت كنت تراني به أتلهف لذكرى تمَر على بالي، كيف تؤذيني بهذه الهيئة المتطرفة؟ في داخلي إستفهاماتٍ موجعة لا يُخمدها جواب، لا يُخمدها والله سوى الموت.
عبدالرحمن الواقف ومن خلفِه أرضٍ خضراء واسعة : أجلس
عبدالعزيز : ليه تسوي فيني كذا ؟
عبدالرحمن بقلة حيلة : أجلس يا عبدالعزيز
عبدالعزيز عقد حاجبيْه بضيق : ليه؟
عبدالرحمن بضيقٍ أشد : عبدالعزيز
عبدالعزيز : لا تقول إسمي . . أبي أنسى إني عرفتك
عبدالرحمن يقترب منه ليبتعد عبدالعزيز بخطواته : ما كان بإيدنا شي ثاني
عبدالعزيز بصراخ أوجَع قلب عبدالرحمن : كل شي ماهو بإيدكم! سرقتوا حياتي، قابلت ناس أحلف بالله ما تخلَون عيالكم يقابلونهم . . طيَحتوني من ورطة لورطة . . دخلت غيبوبة و رجعت وأنكسرت و طحت في المستشفى ألف مرَة . . . و عشت بأرق لفترة طويلة . . . وأستخسرتوا تقولون روح لأختك . .
أعتلت نبرتِه مرةً أخرى : هذي أختي! خليت أختي سنة وأكثر بروحها . . . من أيش مخلوقين؟ قولوا لي اللي بداخلكم قلب ولا حجر ؟ . . والله لو إني يهودي ما تسوون كذا! . . كِذا تعاملون ولد سلطان العيد . . كِذا تعاملون شخص ما قد جاب سيرتكم بأيَ شي شين . . كِذا تسوون مع شخص خسر نفسه عشان شغلكم! . . أنتم من أيش؟
عبدالرحمن شتت نظراته : ما كنَا نعرف أنك ماتدري بالبداية
عبدالعزيز : طيب وعرفتوا! . . ليه ما تكلمتوا؟ والله العظيم لو أشتغل عندكم عبد رضيت بس عشان واحد من أهلي يرجع لي . . وأنتم بخلتوا عليَ! بخلت يا يبه
نظر إليه عبدالرحمن بضعف حقيقي من كلمته الأخيرة : عبدالعزيز . . بس أسمعني لين الآخر ولا تقاطعني
عبدالعزيز وعينيْه بدأ الدمعُ يتراكمُ بها : ما أبي أسمع . . بس قولي وين غادة؟ . . ارحم قلب ما بقى منه شي وقولي وينها
عبدالرحمن : عبدالعزيز أرجوك
عبدالعزيز لم تحتمله قدماه ليجلس، وإنكساراتِه تُعاد عليه هذه الفترة بألم وحشرجة روحٍ مُتعبة : وينها! . . يكفي اللي سويتوه فيني! تذكر أول ماجيت الرياض وش قلت! قلت لك لا بغيتوا تنحرون روح لا تعذبونها! . . وأنتم قتلتوا فيني أعظم شي . . قتلتوا فيني الحياة
عبدالرحمن لم يحتمل إنهيار عبدالعزيز ليخونه الثبات/الإتزان، أحمرَت عيناه بضعف : أقسم لك بالله أننا بالبداية ما كنَا ندري . .
عبدالعزيز رفع عينه للسماء برجاءٍ صادق : يارب رحمتك
عبدالرحمن : لا تسوي في نفسك كذا وتوجعني عليك . . تكفى يا عبدالعزيز لا تسوي كذا
عبدالعزيز بإنهيارٍ تام ينظرُ إليْه : يوجعك إني أموت؟ ما ظنتي! ما هزَني شي في هالحياة كثر ما هزَني موتهم وما أوجعني شي كثر ما أوجعني إني أنخدعت فيكم!
عبدالرحمن : فيه أشياء نكون مجبورين عليها والله العظيم نكون مجبورين . . أفهم هالشي يا عز
عبدالعزيز : لو كان أبوي عايش كان راح تتجرأون تتصرفون مع ولده بهالطريقة؟ . . . . أنتم تصرفتم كذا لأن ما عاد لي أحد ولمَا عرفتوا بوجود غادة قلتوا ما يصير! . . قلتوا ما يصير يعيش . . لازم يموت بحزنه وضيقه . . . حسبي الله . . حسبي عليكم ضعف اللحظات اللي حلمت فيها وخفت عليها . . حسبي عليكم بضعف الدقايق اللي راح فيها عنَي النوم . . . . . حسبي عليكم كثر ما أوجعتوا قلبي
عبدالرحمن يجلسُ على الأرضِ بجانبه : يا بعد الدنيا يا عبدالعزيز أسمعني. .
عبدالعزيز بهمسٍ خافت يبحَ معه صوته : وينها؟ . . قولي مكانها . . . قولي ما عاد أبي شي منكم بس قولي وينها! لا تحرقون قلبي أكثر من كذا! ما سمعتوا بناس تموت من حزنها؟ . . لا تذبحوني وأنا ما شفتها!
عبدالرحمن تلألأت عيناه بالدمع، أشدُ موقفٍ يواجهه منذُ زمنٍ بعيد، إنكسار الرجال تحديدًا يزيدُ من إنكساراته، إنكسارُ عزيز بالذات هو إنكسار الرجال بأكملهم، نظر إليْه وهدبيْه يرتجفان بشحُوب : بتشوفها
عبدالعزيز بخفُوت : كيف قوَى قلبك؟ يرضيك تعيش اللي عشته مع وحدة من بناتك؟ بنتك غابت بس كم يوم وقلبت الدنيا وضاقت بك! وأنا تاركني سنة وأكثر بدونها؟ . . يا قوَ قلوبكم! كيف قدرتوا تنامون؟ كيف كانت قلوبكم مرتاحة؟
عبدالرحمن : جانا خبرها في وقت ما نقدر نتصرف فيه بأيَ شي . . كان خطر أننا نكشف حياتها لأحد خصوصًا في ذيك الفترة
عبدالعزيز بحزن العالم الذي يختصرُ نفسه بصوته، بعذابٍ الحرُوب والمعارك، بوَجع المرضى و الثكالى، ببحَة المُشتكين و الحُزانى : وش خسرت؟ ما خسرت شي بس اللي خسر هو أنا! احترقت بأحلامي وأنا أنتظر صوت واحد من أهلي! وأنا أنتظر جيَتهم! عشت أيام عُمرك ما راح تحسَ بوجعها، كنت أصحى وأنا أحس موتهم حلم! كنت أصحى وأنا أتخيَلهم في كل جهة ألتفت عليها . . كانت كوابيسهم تكبر فيني وأنا أنتظر متى يروح هالكابوس؟ . . جلست شهور وأنا تعبان من حزني! ويوم تجاوزته وآمنت بأنهم رحلوا! طلعت غادة هنا . . عاشت شهور وأيام وأنا ماني عندها . . .
بصراخ : حرام تكون أبو! وأنت ما فكَرت حتى بأني أخوها اللي محترق عليها . .
عبدالرحمن ببحَته التي تتضح على صوته : كان ممكن لو عرفت هي تروح فيها! كنَا مضطرين نخبي عليك لين يجي وقت مناسب نقولك فـ
يُقاطعه بغضب : متى الوقت المناسب؟ أنا لو ما عرفت الحين كان ما قلتوا لي؟ على الأقل أعترفوا أنكم أذنبتوا! . . بس مهما استغفرتوا لحزني والله لا يضيَع حقي يوم القيامة
عبدالرحمن بدهشة : لا تفكر بهالصورة
عبدالعزيز بحدَة : تبيني أفكر بنفس طريقتك وأتصرف مثل ما تبي! تبوني الشخص اللي ما يفتح فمه بشي وينفذ الأوامر؟ . . بس مهما سويتوا مستحيل أكون بهالهيئة!!! . . راح تدفعون ثمن اللي سويتوه فيني طول هالسنة والنص . . . راح احرقكم مثل ما حرقتوني . . راح احرقك ببنتِك . .
عبدالرحمن : لا تنتقم بأغلاطي من بنتي، أنتقم مني
عبدالعزيز بكلماتٍ أوجعته : ليه ما قلت هالحكي مع غادة! وش ذنبها هيْ ؟
عبدالرحمن : ذنبها أنها بنت شخص يدورون عليه ناس كثير ويتصيَدون له ناس أكثر
عبدالعزيز بحدَة : ورتيل بنت شخص ضيَع لي حياتي
عبدالرحمن تنهَد بوجَع : سامح
عبدالعزيز : مثل ما ضميركم مات وانا ضميري مات
عبدالرحمن : عبدالعزيز لا تسوي شي برتيل
عبدالعزيز : جيت متأخر
عبدالرحمن بغضبٍ لم يسيطر عليه : إلا رتيل . . إلا هي يا عز
عبدالعزيز : شفت! شفت كيف تخاف عليها حتى مني . . بس ما خفت على أختي اللي من لحمي ودمَي من . . . . أصلاً مافيه أحد معها . . مافيه!!
عبدالرحمن : كانت بالحفظ والصون، كان معاها مقرن
عبدالعزيز بهدوء أنفاسه التي تموت بداخله : وينها؟ ارحم حالي وخلني أشوفها . . ما تركت مكان بباريس مادوَرت فيه عليها . . من الصبح وأنا أدوَرها . . واللي يرحم بناتك وينها؟
احمَر وجهُ عبدالعزيز بالبكاء المحبوس لتلتقط عيناه عينيَ عبدالرحمن اللامعتيْن بالدمع، عبدالرحمن : معاها ناصر
عبدالعزيز إبتسم بخيبة عظيمة : ادري! . . حتى ناصِر اللي ماتوقعته يوجعني أوجعني! . . وش بقى ما صار ليْ؟ قولي بس وش بقى؟ . . . أنا لو أموت محد بيتعجَب! أصلاً بيتعجبون كيف للحين عايش!
عبدالرحمن بصوتٍ راجٍ : عبدالعزيز
عبدالعزيز بإبتسامة شاحبة : موجعتني أشياء كثيرة . . لدرجة أدعي على نفسي وعلى إسم عبدالعزيز اللي ارتبط بأبوي . . . . . تمنيت كثير لو كنت رايح معهم ليلة الحادث! تمنيت والله إني ما عشت الى اليوم! . . تمنيت إني ما عرفتكم ولا شفتكم! تمنيت إني ما صحيت من الغيبوبة . . تمنَيت إني ما هربت من رائد . . تمنَيت إني أموت بدون كل هالتعذيب . . تمنَيت أموت من حادث بس ما أموت من حرَتي على نفسي
عبدالرحمن : بكرا بتعرف أنه كل هذا خيرة
عبدالعزيز : وحزني خيرة؟ حزني اللي مخلي حتى ناصر يخونني بمعرفته وهو الشخص الوحيد اللي بكيت قدامه؟ هو الشخص الوحيد اللي تركت فيه كبرياءي وماحبست دمعة وحدة قدامه!
عبدالرحمن : كلنا نغلط، ممكن أشياء بنظرك صحيحة غلط بنظرنا وممكن العكس
عبدالعزيز بغضب : وين الصح بأنك تحرق قلبي بأختي؟ الله لا يسامحكم ولا يحللكم . . الله يحرق قلوبكم مثل ما احرقتوا قلبي
عبدالرحمن بوجَع من دُعاءه المؤذي لقلبه : وإحنا يا عبدالعزيز ما عشنا بالسعادة اللي متوَقعها!! إذا أنت خسرت أهلك إحنا خسرنا وإلى الآن نخسر . . لا تسوي في نفسك كِذا ولا تتعبنا بكلامك . . لا تتعبنا يا عبدالعزيز
عبدالعزيز : تعرف وش ندمان عليه؟ ندمان على اللحظة اللي كشف فيها فارس عن نفسه قدامك وتزوَج بنتك بإسمه الصريح،
بحقدٍ عميق يُردف : كنت بكون أسعد الناس لو تزوَج على أساس أنه مشعل وقدرت أخدعك فيه . . صدق كان بوقتها نيَتي إني أخدعك عشان يخدمني فارس بموضوع رائد! لكن كانت بتتغيَر أفكاري وأخلي خدعته لك إدانة للي سويته بحقي
تجمدَت حواسُه من الصدمة التي يُلقيها عليه عزيز، كان يعرف انَ مشعل هو ذاته فارس منذُ ان رأى فارس في ذلك اليوم البائس ولكن لم يتوقع ولا 1٪ أنَ عبدالعزيز يُساعده بهذه الطريقة.
عبدالعزيز وقف ليبتعد للخلف مُهددًا : أنسى إنه عندِك بنت . . مثل ما نسَيتوني غادة . . . ولا تقولي وينها! ماراح أستغرب أصلاً . . بتضلُون أكثر الناس دناءة بعيوني . .
في جهةٍ اخرى وضعت ظهرها ضيْ على الجدار ويدَها على شفتيْها المرتجفتيْن، ودموعها لا تهدأ، موجوعة من إنكسار عبدالعزيز الذي لم تشهد على إنكسارٍ بهذه الطريقة المؤذيَة لروحها، رُغم أنها لم تعرف عبدالعزيز جيدًا ولكن منظره وصوتُه الحاد يُزلزل أعماق كل من يسمعه، ولا تطيق أيضًا أن ترى عبدالرحمن بهذا الضعف، ماذا يحدُث يالله؟ كل شيء بيومين أنقلب رأسًا على عقب!!


،

يجلسُ بجانبها في المقاعد الثابتة أقدامها فوق الرصيف، لا كلمات تعبرهما ولا صوتْ يجيء بهما، تغرق بالطريق الذي يسلكه المارَة بهرولة وأخرى ببطء، تغرق بتأملاتها وهي تُفكر بالحياة التي تنتظرها بعد هذا اليوم، بالحياة التي ستلتفت عليها! أنتمي إليك يا ناصر، رُغمًا عنَي أنتمي لقلبك، علَمني كيف أتجاوزه الآن؟ أتعلقُ بك في وقتٍ تحتضرُ به الأشياء بيننا! أتعلقُ بك في وقتٍ تبتعد به عنَي، متى ستصِل الرسالة التي قُلت لي أن أنتظرها؟ متى سأنظُر إليْها وأقرأها؟ رُبما هي وحدها من ستهرُم معي؟ من ستنام معي، رُبما هي وحدها التي تُحقق أحلامنا بالكلمات، أُريد أن احبك يا ناصر، أن أحبك بمثل الشدَة التي سبقت الحادث، أُريد وبشدَة أن أعشقك بطريقةٍ جنونية لا تُحبطها ذاكرة ولا نسيان، حزينة من الحياة والناس، حزينة لأن لا شيء يستقيم وضلعي أعوَج!
إلتفت عليها وهو يدخل كفيَه بجيوبه : بردانة؟ نقوم؟
غادة دُون أن تنظر إليْه : أقدر ازور ناصر؟
وليد بكذبٍ لا يتردد به : لا، ممنوع زيارته
غادة بضيق : طيب ما قالك شي ثاني؟ شي يتعلق فيني؟
وليد تنهَد : لا، قالي بس أوديك السفارة عشان يتصرفون وترجعين لأخوك قبل لا تطول مدتِك هنا
غادة : حتى عبدالعزيز مو قادرين نوصله!!
وليد : ما أبي أحبطك بس لا تتأملين بناصر كثير . .
إلتفتت غادة عليه بإستغراب : ليه؟ . . ناصر ما ذبحه كان يدافع عن نفسه و
يُقاطعها بهدوء : بعيونك يدافع عن نفسه لكن ممكن ما شفتيه! . . لاتخلين الحب يعميك
غادة تجمدَت ملامحها والبياضُ يخرج من شفتيْهما برجفة : مستحيل! ناصر ما ذبحه بتعمد
وليد : وأنا كنت أقول مثلك، لكن يوم رحت آخر مرَة أتضح أنه متعمَد . . مستحيل يطلع من القضية وكل الأدلة تشهد ضده . . مافيه ولا دليل واقف معاه الا شهادتِك!! . . وأنا أخاف عليك يا غادة . . والله العظيم أخاف عليك
غادة هزَت رأسها بالنفي، لا تُريد أن تصدَق شيئًا من حديثه لتُردف : مستحييل . . تعرف وش يعني مستحيل!!
وليد : ما أبي الا إنك ترجعين لأخوك سالمَة . . وراح أحاول قد ما أقدر إنك توصلين لعبدالعزيز بأسرع وقت
غادة بضيق غاضب : وش صار يوم رحت؟ فيه شي صاير مو راضي تقوله ليْ!!!
وليد : ولا شي . . كلمت ناصر وجيتك
غادة أخفضت رأسها لتجهش عينيْها بالبكاء : صرت أخاف على نفسي من هالبكي . . أخاف من هالضيقة اللي تجيني، مافيه شي أوجَع من إنك تجهل نفسك؟ نفسك اللي هي ذاكرتك! . . أبي أتذكر أشياء كثيرة بس ماني قادرة لكن قلبي يتذكَر، أحس فيه يا وليد . . أحس إني أعشقه . . أعشقه حد الجنون . . . كيف يرجع ليْ؟ أبي ناصر يكون بخير
وليد عقد حاجبيْه بضيق : وهو بخير . . إن شاء الله بيكون بخير
غادة مسحت على ملامحها لتُردف ببحَة موجعة تُشبه بحَة أخيها : يارب


،

نظر إليْه بحاجبٍ مرفوع من صوته الذي يرتفع بغضبٍ لا يراه مبررًا : في القضاء مافيه أمي ولا أبوي يا يوسف!!
يوسف بقهر : فتحتوا قضية مسكَرة وقلنا معليه لكن الحين بعد بتتهمون الناس وتجيبون المصايب فوق راسي!!!
والده : وين المصيبة بالضبط؟ المصيبة أننا نعرف الحق؟
يوسف يفيضُ قلبه بالضيق : مو على حسابي يا يبه
والده : ليه تدافع بهالطريقة وكأنك تعرف شي؟ . . إذا أمها غلطانة خلها تتحاسب
يوسف بغضب : أم زوجتي! تعرف يا يبه وش يعني أم زوجتي؟ كيف أرضى أنها تتحاسب وأجلس أحط يدي تحت خدي أنتظر حضرتكم متى تحترمون قدر هالناس بحياتي! إذا أمها ما تعني لكم شي فهي تعني لي
منصور تنهَد : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه
والدته : تعوذوا من الشيطان لا تتهاوشون وتكبرَون الموضوع
يوسف إلتفت لوالدته : يعني يمه وش أسوي؟ واقف بين نارين بين اللي مفروض يهتمَون لحساسية هالموضوع بالنسبة لي وبين مُهرة
والده : يا يوسف يا بعد روحي أنا فاهم وضعك بس هالموضوع حساس بالنسبة لموضوع أكبر منه، تو اكتشفناه والحين مضطرين نكمَل تحقيقات . . هالشي مو متعلق بقضية فهد وبس! هالشي متعلق بقضايا كثيير
يوسف : يعني تبي أمها تدخل بين الرجال عشان تعيد لهم نفس الحكي اللي قالته بالبداية؟
صمت والده قليلاً حتى أردف بضيق : خلاص ماراح يصير الا اللي بخاطرك! تجي هنا والبيت بيتها . . أنا بنفسي بحقق معها بدون شرطة ولا شي
والدته بإبتسامة تنظرُ ليوسف الغاضب : شفت . . هذانا حالَيناها! يالله هوَنها ولا تضيَق صدري عليك
يوسف صمت كثيرًا مع حديث والدته حتى نظر لوالده ونطق : وبتحلَها مع الضابط؟
والده : تطمَن علاقاتي معهم قويَة
أتاهُم صوتها المبتهج : سلااااااااام
إلتفتُوا جميعهم، لتتسع إبتسامة والدها : وعليكم السلام حيَ هالطلة
تقدَمت هيفاء إليه لتقبَل رأسه ويدِه : الله يحييك، سلَمت على منصور الذي عانقها بشدَة : أشتقنا لك
هيفاء : واضح! أنتم زين ما نسيتوني
منصور : والله أننا مشتاقين لك، بس ماش دايم ظالمتنا
هيفاء قبَلت والدتها بحميمية كبيرة لتنظر ليوسف الذي وقف لها، طبع قُبلته بالقرب من عينيْها في عناقٍ لا يليقُ إلا بهما : شلونك ؟
هيفاء : بخير الحمدلله . . نظرت إليهم لتُردف . . وش فيه جوَكم مشحون؟
والدتها: اجلسي لا مشحون ولا شيَ . . قولي لنا أخبارك
والدها : فيصل نزل؟
هيفاء : لآ قال عنده شغل بس بيجي بعد شويَ ويشوفكم . . إلتفتت لوالدتها . . أنا الحمدلله أخباري عال العال . . أنتم بشروني؟ وش مسوين ؟
والدها وتعانق أصابعه سبحته : والله البيت فاقدك . .
هيفاء بإبتسامة شاسعة : عرفتوا قيمتي
والدتها تضربها بخفَة على كتفها : ليه في أحد كان مقلل قيمتك؟
هيفاء بضحكة :وناسة كل يوم بجيكم اذا بتستقبلوني كذا
يوسف وقف : عن إذنكم . . خرج بهدوء ليُثير علامات الإستفهام بعينيَ هيفاء
: صاير شي؟
منصور : متضايق شويَ من قضية فهد أخو مهرة
في جهةٍ اخرى صعد بخطواتٍ ثقيلة للأعلى، وقف امام باب غرفته كثيرًا وهو يسحب هواءً تستجيبُ له أعصابه فترتخي من هذه الشدَة، فتحه بخفُوت لتقع عيناه على جسدِها المستلقي على السرير دُون غطاءٍ، أغلقه ليقترب منها وملامحها الباكية نائمة بهدوء، بضيق حاجبيْه أخذ الفراش ليُغطيها جيدًا، أبعد خصلاتها المتمردة عن ملامحها لينحني عليها بقُبلة بين حاجبيْها، بقُبلته فتحت عينيْها المتعبتيْن، شعرت به من نومها الذي لا يتعدَى بخفته أيَ عُمق، جلس بجانبها ليُشتت نظراته بعيدًا بِـ هَمٍ يُثقل على كتفيَه.
مُهرة بضيق أستعدلت حتى تجلس، وقفت لتهرب من وجودِه بجانبها، راقبها حتى دخلت إلى الحمام، بللت ملامحها المرتجفة بالحُمرة بماءٍ بارد، نظرت للمرآة التي تكشف حزنها من عينيْن لامعتيْن.
لم يكُن موتُك عاديًا يا فهد! تمرَ سنَة ومازال موتُك يستثير حزننا في كل لحظة، لو كُنت هنا لمَا أخذوا أمي! لو كُنت هنا لما بكيْت الآن، أخطأت! أخطأت باليوم الذي أحببته فيه وهو سيبقى ينظرُ إليَ بنظرة أختُ فهد الذي تورَط بقضيته أخيه، لو كان بإمكاني الآن أن أكرهه لمَا ترددت لحظة، لو بإمكاني أن أصرخ بوجهه حتى لا يجيء بسيرتك، لفعلت يا فهد. ولكنني لا أستطيع، لا أقدر! يقف كالغصَة بداخلي لا أتجاوزها ولا أعود للوراء، في كلا الحالتين أنا واقفة بالمنتصف، بين قلبي وعقلي، أشعرُ وكأنني أعيشُ بقاعٍ من الجحيم، لا يفهمون معنى أنَ الذي مات هو أخي وليس أحدًا من الشارع حتى لا يهتمَون بمشاعرنا! نحنُ الذين نبكِيك إلى اليوم لا ندرَي في أيَ جسدٍ نحتمي.
سحبت منديلاً لتُجفف وجهها، خرجت دُون أن تنظر إليه في وقتٍ كان ينظرُ إليْها ولتصرفاتها التي تعبَر عن هروبها منه وصدودها، جلست على الأريكة وهي تُعطيه ظهرها.
بصوتٍ متزن : كلَمت أبوي وماراح تروح أمك مكان غير بيتنا . . أبوي بنفسه هو اللي راح يكلَمها
مُهرة بضيق : زين حسَيتوا أننا ناس ولنا مشاعر
يوسف : محد أهانك ولا أهان أمك يا مهرة!! هالموضوع مثل ماهو حسَاس بالنسبة لك فهو حسَاس للقضية اللي تهمَ الكل
مُهرة إلتفتت عليه : بس تجي أمي راح أروح معها! أختنقت من الرياض وهوا الرياض
يوسف نظر إليها بجمُود : تبين تبعدين وبس!!!
مُهرة : أنت وعدتني إنك توديني لأمي قبل أسبوعين وهذا أمي بتجي بنفسها . . أنا جد مختنقة من أهلك ومن بيتكم يا يوسف
يُوسف تنهَد : سوي اللي تبينه . . أستلقى على ظهره ليأخذ هاتفه ويلتهي به حتى يُخفف غضبه الذي بدآ يضجَ بكل خلية في جسدِه.
مُهرة أطالت نظرها لتجاهله لها في هذه اللحظات، في كل نظرة كانت تصعد الدمعة من قلبها ناحية عينيْها، في كل رمشَة كان جُزءً من قلبها يسقُط.
شعر بنظراتها، لم يتحرَك ضلَت عيناه على شاشة هاتفه ومازالت عينيْها تطوف حوله، أخذ نفس عميق ولا يفهمُ ماهية الشيء الذي يراه، عقله ليس بهاتفه أبدًا.


،

كان ينتظر الملف الذي سيصِله وعيناه على محادثة الجوهرة بالواتس آب، بدأ يُحرَك أصبعه الأوسط والسبابة على الطاولة بموسيقيَةٍ وهو يُفكَر بأكثر من طريقة يسأل بها عنها، رفع عينه للنافذة الزجاجيَة التي تطلَ على ساحة التدريب ليُعيد النظر لشاشة هاتفه، لم ترمش عيناه أول ما قرأ " on line " أخذ نفس عميق ليسحب هاتفه ويتصِل عليها، ثوانِي قليلة حتى أتى صوتُها المرتبك : ألو
سلطان : السلام عليكم
الجوهرة : وعليكم السلام والرحمة
سلطان : شلونك؟
الجوهرة توتَرت من سؤاله الذي يعتبر مُفاجىء لقلبها، بضيق صوتها : بخير . . صاير شي؟
سلطان : وش بيصير مثلاً ؟
الجوهرة : آآ . . لا بس أستغربت
سلطان : استخرتي ؟
الجوهرة بلعت ريقها بصعُوبة، لو تعلم إنني أخاف الإستخارة، أخاف من اللاإطمئنان معك، أخاف من الإنفصال الذي يكون مبنيًا على " حكمة من الله " لو تعلم يا سلطان أنني جبانَة في الصلاة، أُريد أن ننفصِل دُون أن أضع في بالي أنني لن أكون مطمئنة معك، دون أن تلمع في عينِي دمعة بأنك لم تكون خيرةً ليْ، ببساطة يا والد طفلِي وسيَد قلبي، أنني أؤمن بأنك وداعةُ الله ليْ و مضيتُ معك على سبيل أنَك خيرةً ليْ ولا أُريد أن تتغيَر قناعاتي.
سلطان : الجوهرة؟؟
الجوهرة : لا
سلطان تنهَد : انا فكرت . .
الجوهرة : وأيش وصلت له ؟
سلطان : بروح باريس لشغل وقلت في نفسي هذي فرصة عشان أحدَد وش أبي من الحياة
الجوهرة : كم بتغيب ؟
سلطان : ماعندي علم بالمدَة
الجوهرة تكره أن تتكلم بلسانِ عقلها الذي تُجبر عليه لتُقمع محاولاتِها القلبيَة بالإنتفاضة : كِذا ولا كِذا القناعات وحدة
سلطان سعَل قليلاً ليُردف : وش القناعات الثابتة؟
الجوهرة : اذا ما تنازلت واعتذرت واعترفت بأغلاطك ووعدتني أنك تصلحها ماراح أرجع
سلطان بغضب : يعني أنا بس اللي مطلوب مني أنفَذ وأنتِ اللي بتنتظرين؟
الجوهرة بضيق : ما أطلب منك تنفَذ! أطلب منك إذا تبي الحياة اللي معي تحترمني
سلطان بحدَة : تستفزيني في كل مرَة أحاول فيها ما أتنرفز!!!
الجوهرة : ما أستفزك! هذي أبسط حقوقي، ماني عبدَة لك يا سلطان بتلقاني متى ما اشتهيت
سلطان : تعبت من كلامك هذا! عُمري ما أهنتك بهالطريقة أو خذيت منك حقوقي بطريقة مذلَة!! أفهمي إنه عُمري ما جيتك وبغيتك مثل مايشتهي مزاجي وكل هذا من خرافات عقلك!
الجوهرة بلعت ريقها بصعوبة لتُردف : أنت تشوف شي غير اللي أشوفه! . . أنا أشوفك أهنتني وذلَيتني وماهي خرافات من عقلي
سلطان بعصبية : أنتِ حتى نفسك مو عارفة وش تبين!! تناقضين كلامك في كل مرَة! . . الشرهة على اللي متصَل بس
الجوهرة بضيق : شفت! حتى إتصالك تمَن فيه وتستخسره فيني
ضحك من غضبه ليندفع بإنفعاله : عاد جاك العذر لين عندِك عشان تتحججين فيه!!
الجوهرة : سلطان
سلطان بعصبية كبيرة يزيدُ عليها ضغط أعصابه في الفترة الأخيرة : ما عدتِي الجوهرة اللي أعرفها! كل تصرفاتك ماهي واضحة!! فيه أحد يأثر عليك؟
الجوهرة بغضب لم تسيطر عليه : على فكرة صفحتك بيضا قدام أهلي كلهم! وإذا فيه أحد يعرف بتصرفاتك فهو عمتِك! بس اكتشفت أصلاً إنك ماتحب أحد يكون قوي ويوقف بوجهك! تبي الكل يخضعون لك ويوم شفتني أنادي بحقَي أتهمتني وقلت فيه أحد يأثر عليَ!!! ليه ما تستوعب إني أبي أبسط حقوقي وهو أنك تعتذر
سلطان : عقب حكيْك هذا حتى لو كنت مفكَر بالإعتذار ماراح اعتذر! لأن حتى أنا من أبسط حقوقي إنك تحترميني وما ترمين حكي مثل هذا . . ماني أصغر عيالك!!
الجوهرة بعصبية تنرفزت من أسلوبه : أنت بأيَ حق تفكر كذا؟ بأي حق يا سلطان!!! . . . دام كِذا أنا بعطيك إياها على بلاطة وأقولك ما أبـــــيـــــك
سلطان صمت قليلاً حتى يُردف : تبين الطلاق؟
الجوهرة بصعُوبة: إيه
سلطان بغضبٍ أتضحت به عروقِ ملامحه : أنتِ طالـ . .
الجوهرة : . . . . .

،

إلتفت عليه : ما راح أطوَل
: متأكد أنه زوجتك رجعت؟
فارس : إيه متأكد أرسلت مسج لنايف . . بس بجيب أغراضي وأدفع للفندق
: خلاص انتظرك . . مانقدر نطوَل
فارس خرج من السيارة ليتجه بعرجٍ خفيف في ساقه اليمنى للفندق، دخل المصعد الكهربائي وسبابته تضغط على الطابق الثالث، أخذ نفس عميق بملامحه المُتعبة وتزداد تعب في كل إرتفاع، أنفتح المصعد ليتجه نحو الغرفة 302، فتحها بخفُوت، ليرفع عينِه وقبل أن يُخفضها تجمدَت ناحيتها، أنصدَم من وجودِها، إلتفت لكل جهة من الغرفة حتى يتأكد من خلوِها من أحدٍ آخر، بدهشة : عبير!!!
عبير وقفت وملامحها تُعبر عن بكاءٍ أستمر ليومٍ كامل : جيت؟ . . عرفت أنك مو قد المسؤولية!
أغلق الباب ليقترب منها : ما جاك أحد؟
عبير بغضب : ليه سويت كل هذا؟
فارس عقد حاجبيْه بإستغراب : وش سويت ؟
عبير : تنكر بعد؟ ليتني ماعشت يوم واحد معاك ولا عرفتك!!
فارس : عبيير؟؟
عبير بصراخ أبكاها من وجَع الخيبة : لا تنطق إسمي! . . أكره نفسي كل ما تذكرت إنك قدرت تتزوجني!!
فارس بلع ريقه بصعوبة : وش فيك؟ . . وش صار؟
عبير تأخذ الظرف من على الطاولة لترميه عليه متجاهلة الجروح التي على وجهه، لا تُلقي بالا لتعبه وفي قلبها تندلع الحسرة، يفتحه فارس ليتنهَد بضيق دُون أيَ كلمة تُنقذ الموقف، لا شيء يُساعده! كل شيءٍ يقف ضدَه من والِده للكلمات الجامِدة على لسانِه.
أيَ وجعٍ يستطيع أن يُكابر إلى الآن؟ أيَ وجعٍ من الممكن أن أمحيه بهذه السهولة؟ وأخسرك يا عبير للمرة اللاأدري! أرجوك، هذه المرَة لا يقف قلبك ضدَي! يتفاقم حُزني بشكلٍ لا يُطاق، أنا أحتاجك أكثر من أيَ لحظةٍ سابقة.
عبير : ماتقدر تنكر؟ .. علَمني وش بقى من رجولتك؟ . . وفوق هذا تاركني وكأنك تدري في مصيبة تحاول تخبيها عنَي
فارس : فاهمة غلط
عبير تبتعد عنه بخطواتٍ للخلف : وش اللي فاهمته غلط؟ تكلَم بنات وتشرب و . . أيش بعد؟ ولا أنا من ضمن البنات اللي تكلَمهم ومتعوَد عليهم . .
فارس بغضب يحتَد صوته : عبير! . . لاتكلميني بهالطريقة
عبير بغضبٍ أكبر : المفروض أنا اللي أعصَب ماهو أنت!
فارس بتنهيدة : ممكن تسمعيني بدل هالصراخ؟
عبير : لآ مو ممكن! أصلاً ما أتشرف إني أسمعك . . منقرفة منك ومن نفسي . . الله أعلم كم بنت قابلت وكم بنت . .
أخفضت رأسها ببكاءٍ يجرحُ صوتها، تشعرُ بأن قلبها يكسرُ ضلوعها المُحيطة به، تشعرُ بأن أوردتِها تنهبُ دماءها وتُجمَدها، تشعرُ باللاشيء ناحية الحياة.
نصيبي من هذا العذاب أتى كافيًا لمعرفتِك، خُنت ثقة والِدي وأنت خُنتني، لا حق يضيع بهذه الحياة وكما تُدين تدان، لِمَ تفعل بيْ كل هذا يا فارس؟ لِمَ تُحزنَي بهذا القدِر؟ أشعرُ إني أختنق من النُدب التي تنتشر على جسدِي ومن هذه الجروح، أنا أفقد نفسي تمامًا ولا أحد يمدَ يد العون إليَ، لم يجيء والِدي بعد ولم أرى أحدًا يُشفي قلبي من هذا الحُزن، وأنت أيضًا تزيدني، تقتلع جذوري بحدَة، أن أُصاب بهكذا خيبة وكأنني أصاب بمرضٍ عُضال يُشعرني بأنني أنتظرُ الموت. " كيف تخُون وعيناك فردوْس؟ " كيف تقوَى يا حبيبي؟
إقترب منها لتزداد إبتعادًا حتى ألتصق ظهرها بالجدار : هذي أشياء قديمة، قبل ماأعرفك زين
عبير ببكاء تفقدُ به كل خياراتها، إرتجفت شفتيْها : الحين عرفت قيمة إني أفقد أبوي! عرفت كيف الناس تجرحني بهالطريقة اللي تفجعني!
فارس: ماهو انا اللي أجرحك!
عبير بضيق تنهار ببطء : أبيه . . ودَني له . . ما عاد لي في حياتك شي!
فارس برجاءِ عينيْه الذابلتيْن : طيب أنا أعترف، أنا سيء في كل شيء لكنَي أنا اللي أحبك فوق كل شيء.
عبير نظرت إليه بشفافية دمعِها، أهتزَ قلبُها المرتجف من جُملته التي لا تعبُرها بسلام، استيقظت الربكة في دماءها المُستثارة بالبكاء : كم مرة قلت أحبك لأحد غيري؟ كم مرة شافت عيونك غيري؟ . . تكذب يا فارس . .
فارس : والله العظيم ما قلتها لأحد غيرك بهالصدق!
عبير : وش اللي بيخليني أثق فيك؟ كيف أثق بشخص ما أحترم حدود الله؟ أنا أصلاً فقدت ثقتي بالكل أول ما عرفتك! أول ما عرفت وش يعني الخوف؟ الخوف اللي يخليني أروح لطريق حذَرني الله منه . .
فارس أخذ نفس عميق وهو يستنجدُ بالكلمات حتى تُساعده : لا توجعيني فوق حزني!!
عبير بخفُوت بحَ صوتها ليواسيها البكاء بحزنٍ عميق : ليه؟
فارس : وش تبيني أعترف لك فيه؟ . . أنا غلطت، تصرَفت تصرفات ما تنكتب ولا تنقال بس عُمري ما انصلح حالي الا معاك! وعُمري ما صدقت بشي كثر صدقي بكلامي لك
عبير بجديةٍ تقتلها قبل أن تقتله : ما أبيك يا فارس! قلتها قبل أمس مقدرت تكون زوجي ولا راح تقدر!
فارس بضيقٍ يُشعره بأنه يحمل العالم في صدره : لك اللي تبين
عبير : بتطلقني وبنسى إنك مرَيت في حياتي
فارس بإنكسار واضح في صوته : مرَيت؟ . . يا قوَ قلبك على هالكلمة
عبير كانت ستتكلم لولا إنهيار عينيْها بالبكاء، شدَت على شفتيْها حتى لا تخرُج " آه " تزيدُها وجعًا.
فارس بعُقدة حاجبيْه : واضح إنك قادرة أنك تكمَلين حياتك بدون لا تلتفين لورى! في كلا الحالتين كان الإنفصال قدامنا بس كان ممكن يكون بطريقة ألطف من كذا
عبير شتت نظراتها بعيدًا : أساسنا خراب! وأنا ما أرضى بهالخراب
فارس بغضب يقترب منها ليلتصق بطنها ببطنه : حُبي لك عُمره ما كان خراب! الخراب إننا نلتقي بين هالجدران
عبير أبعدت عينيْه، تخاف هذا القُرب وهذه العينيْن التي من شأنها أن تُحبط أيَ عملٍ و مُخطط تلزمُ نفسها به، فارس بوَجعٍ يتسربُ لأنفاسها : أعترف بكل شي راح تتهميني فيه لكن أعترف إننا ألتقينا بالوقت الغلط ، الوقت اللي ما ساعدنا بشي ولا جمعنا بمكان واحد ينفع نقول عنه إنه المكان الصح!
عبير دُون أن تنظر إليْه : ما أبي أسمع شي، أبي أطلع من هنا وأشوف أبوي
فارس : من علَمك تقسين؟
عبير : أنت اللي قسيت، جرحتني وخيَبتني فيك!
فارس كان سيتكلم لولا إنطفاء الكهرباء وتتبعها الانوار التي تُضيء الغرفَة، ارتعش جسدِ عبير من هذه العُتمة، صمدَت قبل أن . . .


،

يستلقي على الأريكة بألم فظيع من ساقه التي يلفَها الشاش الأبيض ومازالت الرصاصة تغرزُ الوجع فيه : هذا اللي صار
عُمر بدهشَة : رحنا وطي!!
أسامة : لو عرف سليمان بنروح فيها . .
عُمر وضع يديْه على رأسه : وفيصل مسك الأوراق علينا!! كل شي بدآ يطلع من سيطرتنا! . .
أسامة : كيف أخذ الأوراق؟
عُمر : واضح أنه دخل البيت في غيابنا . . وش الحل يا أسامة؟
أسامة : لازم نفكَر بحل، أنا لو رجعت لرائد ليخلَص عليَ
عُمر : ما نقدر نهرب وجوازاتنا عندِه ؟ . . وش رايك نخبَي عليه لين ندبَر لنا حيلة
أسامة : إلى متى؟ بيوصله علم رائد أكيد
عُمر بضيق تنهَد : فيصل أمره محلول الليلة لكن رائد!!!!
أسامة صمَت حتى داهمت الأصوات الخارجيَة الغرفة، عُمر هرول سريعًا للنافذة بإستغراب من هذه الضوضاء، نظر للسيارة التي يخرجُ منها رائد لتتسع عيناه بالصدمـة : قامت جهنَم في البيت!!!!


،

نظر إليها بدهشَة وأعصابه تتلفْ شيئًا فشيئًا : متى قالت هالحكي ؟
أثير : الصبح! عشان تعرف أنك مخدوع فيها . .
عبدالعزيز بهدوء : أدخلي غرفتك ولا تطلعين
أثير بخوف : وش تبي تسوي؟
عبدالعزيز بغضب : أدخلي!!!
برهبة بلعت ريقها لتدخل وتُغلق عليها الباب، عبدالعزيز رمَى معطفِه و سكارفِه على الأريكة وهو يفتح أول أزارير قمِيصه، إتجه ناحية باب الغرفَة ليشدَ على مقبض الباب ويفتحه بغضب، إلتفت عليها وهي جالسة على الكُرسي وغارقة بتفكيرها . . وقفت بخوف من نظراتِ عينيْه التي تُشبه نظراته عندما حلِمت به أنه يأتِها، بلعت ريقها لترفع حاجبها بإستفهامٍ واضح.
عبدالعزيز : قلت لك أكثر من مرَة لا تلعبين معايْ!! أنتِ اللي تجبريني أتصرف كذا
رتيل تجمدَت أقدامها من كلماته التي تُشبه تمامًا كلماته في تلك الليلة التي أتى عليها، تراجعت للخلف والرجفة تسكُن أطرافها، أقترب منه ليشدَها بقوَة ناحيته وبوعِيد : تحمَلي أخطاءك!! . . دفعها على السرير لتتسع نظراتها بالدهشَة والدمعُ يصعدُ مجرى الكلماتِ إلى عينها، حاولت أن تقف ولكن ثبَتها بكتفيْها لتصرخ بوجهه : أتركنننني . .


.
.

" تصِل إليها رسالة ضيَقة ( عبدالعزيز في شقتكم القديمة ) نظرت إليها بدهشَة وفي عينيْها تلمعُ الفرحة، رمشت كثيرًا حتى تُصدَق أنه فعلاً موجود بباريس وبالشقة ذاتها . . "
.
.

يقرأ على عجَل / اللي ورى كل هذا هو . . .
وقف بدهشَة/صدمة/إستغراب/إحتضار تامْ لعقله.


أنتهى نلتقي على خير الجمعة ()





إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()

لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.

و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.


أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة


*بحفظ الرحمن.





 
 

 

عرض البوم صور طِيشْ !  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتملة (بدون ردود)
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t186834.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
ظ„ظ…ط­طھ ظپظٹ ط´ظپطھظٹظ‡ط§ ط·ظٹظپ ظ…ظ‚ط¨ط±طھظٹ طھط±ظˆظٹ ط§ظ„ط­ظƒط§ظٹط§طھ ط£ظ† … - ط¹ط¯ظ„ظ‰ ظ…ظ†طµظˆط± ظ†ط§ط¦ظ… This thread Refback 17-03-16 06:19 PM
[ظ‚طµط© ظ…ظƒطھظ…ظ„ط©] ظ„ظ…ط­طھ ظپظٹ ط´ظپطھظٹظ‡ط§ ط·ظٹظپ ... | grosiralami.com | PinBB: 541310B9| SMS/WhatsApp: By Request This thread Refback 10-05-15 01:15 AM
Untitled document This thread Refback 08-03-15 01:41 AM
Untitled document This thread Refback 22-12-14 12:07 PM
Untitled document This thread Refback 20-12-14 09:56 AM
Untitled document This thread Refback 28-11-14 03:53 AM
Untitled document This thread Refback 28-11-14 03:49 AM
Untitled document This thread Refback 28-11-14 03:38 AM
Untitled document This thread Refback 19-11-14 12:20 AM
Untitled document This thread Refback 15-11-14 01:52 AM
Untitled document This thread Refback 14-11-14 12:56 AM
Untitled document This thread Refback 11-11-14 08:37 PM
Untitled document This thread Refback 10-11-14 12:04 PM
Untitled document This thread Refback 03-11-14 07:03 PM
Untitled document This thread Refback 22-07-14 03:55 PM


الساعة الآن 06:19 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية