لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > قصص من وحي قلم الاعضاء > القصص المكتملة (بدون ردود)
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية


موضوع مغلق
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack (15) أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-12-12, 10:30 PM   المشاركة رقم: 61
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق



البيانات
التسجيل: Mar 2012
العضوية: 240258
المشاركات: 744
الجنس أنثى
معدل التقييم: طِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالق
نقاط التقييم: 2673

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طِيشْ ! غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طِيشْ ! المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية

 

-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()



المدخل لـ حبيب الألب :$ ، نزار قباني.

وعدتك أن لا أعود ..وعدت ...

وعدتك أن لا أموت إشتياقا ...ومت ..

وعدت مرارا ..وقررت أن أستقيل ... مرارا ..

ولا أذكر أني إستقلت ..

وعدت بأشياء أكبر مني ...فماذا غدا ستقول الجرائد عني ..

أكيد .. ستكتب أني جننت ..أكيد ... ستكتب أني إنتحرت ...

وعدتك أن لا أكون ضعيفا ..وكنت ...

وعدتك أن لا أقول بعينيك شعرا ..وقلت ..

وعدت ...بأن لا ... وأن لا ..وأن لا ...

وحين إكتشفت غبائي ...ضحكت ...

وعدتك أن لا أبالي ...بشعرك حين يمر أمامي ...

وحين تدفق كالليل فوق الرصيف ...صرخت ..

وعدتك أن أتجاهل عينيك ...مهما دعاني الحنين ..

وحين رأيتهما تمطران نجوما ...شهقت ..

وعدتك أن لا أوجه ..أية رسالة حب إليك ..

ولكنني رغم أنفي ... كتبت ...

وعدتك أن لا أكون بأي مكان ...تكونين فيه ..

وحين عرفت بأنك مدعوة للعشاء ..ذهبت ..

وعدتك أن لا أحبك ...كيف ؟... وأين ؟ ...

وفي أي يوم وعدت ؟؟؟...

لقد كنت أكذب ..من شدة الصدق ...

والحمدلله أني كذبت ...



روَاية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية ، بقلم : طِيشْ !
الجُزء ( 61 )


شعرَ بألم الرصاصة التي أخترقته، صوتُها اللاذع الذي أعتاد أن يسمعه في التدريبات كان مختلف جدًا وهو يشعَر بضربات قلبه التي تندفع بقوَّة، أندفعت حتى سقط على ركبتيْه وهو يشعرُ بالهزيمة الحقيقية، شعرَ بالغصَّة التي تُضبب عليْه رؤيته سوى من الأقدام السوداء التي توافدت عليه، لو كان الألم يخصني لوحدِي لمَا أهتممت بما يحصل الآن؟ لو الألم في قلبي فقط وليس في قلب الرياض لكَان الأمرُ عاديًا! لم يفرق كثيرًا عن الحزن الذي عاش معي طوال السنوات الفائتة، ولكن! كعادةِ حُزني يجيء قاسيًا أكثرُ مما أتوقع . . تقطَّعت أفكاره عندما أصطدمت جبهتهُ على الأرض ليُغلق عينيْه بسلامْ.
خرجَت من الحمام وهي تلفُ المنشفة حول جسدها الغضّ، بعد أن أطالت في إستحمامها وصوتُ الماء الذي غرقت بالتفكير به جعل سمعها يغيب عن كل شيء حولها، أتجهت نحو سريرها لتُمسك هاتفها، تنظرُ للمكالمة الفائتة منه، رفعت حاجبها بإستغراب، غريب أن يتصل عليها في هذا الوقت وهو وقت عودتها من العمل! لم تستغرق بتفكيرها الكثير وهي تسمعُ صخب الأقدام في الأسفل، أقتربت من النافذة لتعُود بعد أن تذكرت بأنها تطلُّ على الشارع، بخطوات سريعة أتجهت لإغلاق أنوار الغرفَة لتقترب من النافذة مرةً أخرى وتسقطْ عينيْها عليه وهو ملقى على الأرض وحوله بعضُ الرجال التي لا تعرفهم وصوتُ الإسعاف الذي أخترق قلبها قبل أن يخترق سمعُها الرقيق، قبضت يدها على الجدار وهي تجاهد على الإتزان، على الوقوف وعدم الذوبان في حزنها، ثبِّتني يالله فلا حول لي ولا قوَّة، ثبتنِي يالله وإنا إليك راجعُون، لا يُفيد أن أواسِي قلبي في مصائِبه، لا يُفيد أبدًا والدمعة تنصهرُ في عيني وتسقط، والآن بلا أيّ حواجز، بدوافعِ حُبك التي أعلمها والتي لا أعلمها، بالأسباب الخادعة التي تحججتُ بها لأُصادق عليها، بالأسباب الصادقة التي كذبتُ بها، بـ " أحبك " التي لم أنطقها يومًا لعينيْك، أعترفُ بأهميتك في حياتِي وفي حياة حصَّة، في هذه اللحظة لا رجلٍ بجانبنَا، لا رجلٌ نركضُ إليه حتى يُطمئنَّا عليك، لا رجل يا سلطان، رُكن هذا البيت وأساسه كيف تغيب؟ كيف تُلقى على الأرض هكذا؟ وأنا عرفتُك شامخًا شاهقًا ثابتًا قويًا لايهزّك شيء، حتى الكلمات مُنك تأتِ شامِخة تهزُّ أرضِي وتُزلزلني، بقدر الحزن الذي سببته في قلبِي أنت قدرِي ولا مجال للمفرِّ منك، أنت نصيبي مهما حاولت إنكاره، وأنت قسمتِي وإن منعت منِّي يومًا قسمتي منك، أنت كل الأشياء في حياتي، وليس من السهل عليّ أن أتقبل تلاشي هذه الأشياء برمشةِ عين!، يا حُزني الذي لا يُريد الإنسلاخ مني أبدًا! يا حُزني الذي يواصل التغلغل بيْ، ما كفاكْ إعوجاجُ الضلع بيْ ؟
تراجعت وعقلها مشوَّش، أتجهت نحو الدولاب لترتدِي ملابسها وعقلها غائب عنده، نزلت للأسفل وهي تُنزِل طرفِ كُمَّها وتشعرُ بأن حرق باطن يدها كان بالأمس من الحموضة التي تسرِي به في لحظةِ خوفها عليْه، أنتبهت للصالة التي تُضيء بأنوارها، رأت حصَة تغرق في إتصالاتها، وقفت أمامها وصدرها يرتفعُ بعلوِ الحُب في قلبها
حصَة رفعت عينها التي تجهلُ ما يحدثُ تحديدًا : سلطان مايرِّد! مدري وش صاير برَا .. سمعتي الإسعاف ؟
الجوهرة شدَّت على شفتِها حتى لا تفلتُ الشهقات منها، تدافعت دموعها على خدها لتقف حصَة بخوف : وش صاير؟ ... تكلمي
الجُوهرة بإختناق : هو سلطان اللي برا ...
تجمدَّت ملامحها من أن مكروهًا أصابه، لا تعلم ماذا سيحصلُ بحياتها لو غاب عنها، لا تتحمَلُ الحداد الذي سيغيِّم عليْها لسنواتٍ طويلة، لن أتحمل أن يغيب دقيقة، فكيفْ بأن يسقطُ بمكروهٍ، بلعت غصتها : شفتيه ؟
الجُوهرة هزت رأسها بالإيجاب وهي تُجاهد أن لاتنهار ببكائها وتُصبِّر نفسها بتعويذاتها الداخلية " يارب سلِّم .. سلِّم ".
حصَة تُمسك هاتفها وهي الأكثرُ إتزانًا وصبرًا، تتصل على من يحرس القصر ولم يستطع أن يحرس قلب إبنها وإبن عينيْها، مهما تسلَّح جسدُك بالحمايَة المعدنيَة لن تستطيع أن تمنع قدرُ الله، مهما فعلت وفعلت لن تجِد قوة تقفُ بوجهِ القدر، لن تجد أبدًا لأن الله وحدهُ المتصرف القادِر القدير لا يُشاركهه أحدًا.

،

" تعال بسرعة يا عز، فيه أشياء جالسة تفلت منَّا "، وقف مُتجمدًا في مكانه وهو يعلم تمامًا أن الأمر يخص رائِد، رُبما عرف بلقاءه مع فارس، أو رُبما لم يعرف بعد! ولكن أدرك الخطر بمُقابلتي له، بالطبع يُراقب إبنه! يا الله كيف فلتت منِّي هذه؟ ماذا لو عرف أني صالح ذاته؟ إلهِي لَكَمْ ستتوافد علينا الكوارث، لن يغضُّ عنِّي بسهولة سيجيء إنتقامه مدويَّا ولكن من تسبب في موت " الحياة " بعيني لن يفلتْ أيضًا بهذه السهولة، تمامًا مثل ما ستفعل رائِد سأفعل قبلك لتعرف أنَّ تفكيرك في تلك اللحظات بإضرار عائلتي كان مُكلفًا جدًا.
ألتفتت عليه : وش فيك وقفت ؟
عبدالعزيز يسير بجانبها : خلينا نستعجل .. مسك معصمها ليسرَان بخطوات سريعة للشارع الآخر.
بشك ترفع حاجبها : وش صاير لك أوجعت أيدي ..
عبدالعزيز : مو صاير شي بس أبغى أوصل بسرعة
رتيل عقدت حاجبيْها : أبوي فيه شي ؟
عبدالعزيز : لآ .... عبرَا التقاطع المخضَّب بأقدامِ المارَّة بعد أن أضاءت علامةُ المشي باللون الأخضر الذِي يُشع على جنبات الطريق الممتلىء بالدكاكين الصغيرة، وصلا للفندق الذي كان قريبًا ولم يستغرق منهما سوَى بُضع دقائق، على عجَل دخل وهو يُخبرها : أصعدي فوق .... تقدَّم ناحيتهُ وهو جالسٌ على الكُرسي الجلد ينتظره : وش صاير ؟
عبدالرحمن بجديَّةِ القهر في صوته : تلخبط الوضع بين رائد وبين شخص ثاني ..
عبدالعزيز بعدم فهم : إيه .. يعني ؟
عبدالرحمن : عبدالعزيز ركِّز معي .. أبغاك تفكر بعقل ماهو بعاطفة .. أتفقنا ؟
عبدالعزيز بلع ريقه من هذه المقدمة التي تُوحي لشيءٍ عظيم، تعلقت عيناه بشفتيْ عبدالرحمن بترقب.
عبدالرحمن : رائِد الجوهي هدد والدك الله يرحمه وبالحادث .. صح
عبدالعزيز : إيه
عبدالرحمن : كان مجرد تهديد
جمدت عينيْه في عينِ عبدالرحمن، بنبرةِ الخيبَة : يعني؟
عبدالرحمن : ماهو هو ورى الحادث .. لكن يتعامل مع طرف ثالث زي ما فهمنا قبل .. المشكلة أنه الطرف الثالث اللي محنا قادرين نعرفه .. يعرفنا ويعرف خططنا .. وهو اللي قاعد يعطِّل الأشغال اللي بينك وبين رائد وآخر شي سبّب الحادث اللي مع رتيل ونفس الحادث سوَّاه في أهلك .... لكن أنا وسلطان تأكدنا من بعض الأشياء ونتوقع بنسبة 80 بالمية أنه في ليلة الحادث أرسل رائد رجاله ليضرُّون أبوك وفي نفس الوقت تدخل الطرف الثالث .. وهنا حصلت الخيانة من رجال رائد وعشان كذا هو مازال يجهل حياة ...
سكَت بعد أن شعر بأنه يسترسل ويكشفُ أشياء لا يجبْ كشفها.
عبدالعزيز : يجهل حياة مين ؟
عبدالرحمن بإتزان : يجهل حياتك .. الحين كل هذا ممكن نتفاهم فيه بعدين ..... بنضطر نغيِّر خطتنا لأن رجال رائد يعرفونك وإلى الآن ساكتين تهديد غير مباشر لنا وإحنا ماراح نرضخ لتهديداتهم فعشان كذا من الحين راح نتصرف ..... لأن كل أشغالنا اللي من الرياض أنبنت على معلومات غلط وسلطان قاعد يحاول يتصرف لكن بما أننا هنا راح نحاول نتصرف بطريقة ثانية قبل لا يطيح الفاس بالرآس وتكون ردة فعل رائد عنيفة
وذكرى الحادث لها صوتٌ مُؤذي يتحشرج في القلبْ ويشطرهُ مرارًا حتى يعلقُ بثقُوبه التي خلَّفتها كل هذه الأيام، الآن هو يواجه الكارثة لأنه الجندِي المكشوف في هذه اللعبة، هو وحده من سيكُون محل الخطر لأنه يتحمَّل خطأهم الفادح بالمعلومات، كان أبي قريب مني في الرياض، كان يأتِيني بالحلم فقط ليقُول " لا تغلط يا عبدالعزيز "، ليتك معي فقط لأخبرك عن الأخطاء التي أبتليتُ بها منذُ رحيلك، ليتك كُنت معي لتعرف ماذا يفعلُ إبنك في غيابك؟ لم يُترك ليْ عقل أفكر به بإتزان، أنا أخطأت، أخطأت ولكن مُشتاق أن أسمع صوتك، " تعال ليْ " مرَّة في الحلم وعاتبني مثل الأيام الأولى، " تعال " وأخبرنِي عن فداحة ما أفعله، " تعال " وسأخبرك أنني غرقتُ في وعثاء الحياة ولم يعدّ في قلبي شيءٍ سوى أن أسمع صوتك مرةً أخرى، لِمَ هجرتوني هذه الفترة؟ لِمَ أبتعدتهم عنِّي ! لِمَ لمْ أعد أسمعكم، أتحسسُ أصواتكم، " من فينَا يموت ؟ " أظن أنني بدأت بالسيْر البطيء نحو الموت ولا أحد يربتُ على كتفي أو يشدُّ على ذراعِي.
يقطعُ سلسلة الحنين الذِي تترسب في عقله : عبدالعزيز أنا عارف كيف تفكر! لكن إن شاء الله أننا راح نسيطر على الموضوع .. صارت لنا أصعب من المصايب ولله الحمد والمنة قدرنا نعدِّيها وإن شاء الله راح نعدِّي هالشي .. راح نفكر بطريقة تنهي اللي بينك وبين رائد وتختفي عنه .... إلا إذا صار شي يخص الطرف الثالث .. بنضطر نكمِّل لكن بنحاول نكشف مين جالس يتلاعب فينا بأقرب فرصة وبنفهم وش قاعد يصير عشان نتصرف من هالمنطق .. فاهم عليّ ؟
عبدالعزيز تنهَّد بعُمق الخيبة التي يشعرُ بها : طيب ....

،

بغضبٍ صرخ به ليرتعشُ غشاء إذنه : مين عبدالعزيـــز ؟
فارس ببرود : تعرفت عليه أول ما جيت هنا
رائِد يقف بمُقابله وهو يُشير له بالسبابة : لا تحاول تلعب معي يا فارس لأن والله ما راح أرحمك
فارس بهدُوء الثقة : قلت لك تعرفت عليه .. صدقتني أهلاً وسهلاً ما صدقتني ..
لم يُكمل من اللكمة التي أتت بجانبِ شفتِه، تراجع عدَّةِ خطوات للخلف من أثرِ اللكمة وهو يمسح الدماء التي تآلف معها بتكرار ضرباتِ والده له، بغضب أنفجر عليه : كثرة الشك تقتلني .. جاوبتك جواب رجَال إذا أنت ما تصدق فهذا شي راجع لك .. وش تبيني أسوي لك عشان تصدق !! وإسمه ماهو عبدالعزيز .. رجالِك نقلوا لك المعلومة غلط ... إسمه أحمد
يستغل المواقف المرتبكة الضيِّقة التي تجيء به نبرتِه بكذبٍ صادق يستطيع به أن يخدع والده، أردف : تآمر على شي ثاني؟ ولا باقي كفّ للحين في خاطرك !
رائد وهو الذِي بدأت أعصابه تضطرب بتأخير صالح وبمماطلته التي تُشعره بالشك والربكة من أن يحدث أمرًا يُجهض كل صفقاته التجاريَة المُحرَّمة قانونيًا : ليه تحب تضايق أبوك؟
فارس تنهَّد ليلفظ بضُعفِ قلبه أمام والده الذي يشعرُ بأنه الوطن وكل شيء في هذه الحياة : ما اضايقك! لكن أنت تقهرني .. بكل خطوة تراقبني .. تظن بأني ممكن أضرِّك في يوم ؟ طبعًا لا والله لا يبقِّي فيني نفَس لو حصَل وجاء هاليوم
رائِد جلس على كُرسيْه الجلد : أنت ما تعرف عن هالدنيا! أنت حتى ظلالك ممكن تخونك ....
فارس بهدُوء : أعرف يايبه بس ظلالك ماراح تخونك لو كان شغلك صح! ... بطِّل شغل في هالأشياء الوصخة وإحنا راح نعيش صح
رائد ببرود يضع بعض الأوراق أمامه : هذي أشياء أكبر منك ... ماراح تفهمها

،

تُفلت شعرها ليُكمل إلتواءاتِه على كتفها، أخذت نفسًا عميقًا وهي تسمعُ الكلمات التي لا تفهمها تمامًا سوى بأن الغضبْ يجرِي في أوردةِ والدها والمصائِب تُحاصِر جسدِ عبدالعزيز.
عبير بضيق من هذه المشاكل التي تسلبْ الراحة من عينيّ والدها : إن شاء الله خير
ضيْ تحضنُ المخدَّة على بطنها بقوّة تُسكِن بها الحزن الذِي سقط من صدرها ليترسبْ كألم ومغص يُؤلمها، أردفت : هالمصايب ماراح تبعد عنَّا أبد، دايم تطيح في راسهم هو وسلطان ...
رتيل تسحب كُرسي التسريحة لتجلس عليه : طيب الحين وش مشكلتهم ؟
ضي : وتتوقعين أبوك بيقولي ؟
رتيل أبتسمت بضيق : حتى شغله وأنا بنته ماأعرف وش سالفته
ضي: بس أنه فيه ناس داخلين على الخط في موضوع عبدالعزيز.. مدري مافهمت كثير بس فيه أشياء تلخبطت عندهم وشكلها قوية مررة .. وبعد الحادث اللي صارلك مع عبدالعزيز أنه اللي سببوه بعد هُم نفسهم ...
تنهدت لتُكمل : ماأعرف بهالشغلات ولا أفهم فيها ..
عبير : تعبت والله ... عقلي تشوَّش ودِّي أختفي لين يهدا كل شي
رتيل بشك رفعت حاجبها : ليه صاير شي غير هذا ؟
ضي : أبوك اليوم كلم عبير عشان شخص تقدم لها
رتِيل تُظهر هدوئها وهي تعرف تمامًا من عبدالعزيز كل شيء : جد!! ومين ؟
عبير تُشتت نظراتها للنافذة، هذا الموضوع يستزفُ عاطفتها المولَّعة بشخصٍ تجهله، كم من الحُب ينبغي أن نستهلك حتى نتحلى بطاقة كافيَة لمواجهة نهايَتنا، أنا المولودة في شهرِ ديسمبر أعتدتُ النهايات، أن تتلاشى الأحلام في نهايَةِ العالم وتسقط كورقةِ تقويم، كُنت أخشى البدايات دائِمًا وأنا كائنَة لا تقبلُ بتسلل الخطوةِ الأولى لها، كُنت أخشاك بدايةً لكن سُرعان ما تغلغلت بيْ والآن أعدُّ النهاية لزوالك، لرفعِ حصارك عن قلبي، أوافق؟ رُبما تأتِ موافقتي ليست لأنه " مشعل " ولكن لأني أريد أن أنساك، ورُبما يأتِ رفضي ليس لأني " لا أريد مشعل " ولكن بدأت أستلذُ بتعذيبك ليْ، نحنُ النساء بإمكاننا السقوط من أجل الحُب، بإمكاننا أن نُنهي الحياة من أجل هذه الحُب ولكن بإمكاننا أيضًا أن نكبح هذا الحُب ونرفضه رُغم أننا نريده من أجل الشعارات الزائفة " عزةُ النفس والكرامة " وهذا يدخلُ في تعذيب الذات الذي بتُّ اتآلفُ معه والأهم من كل ذلك " من أجل الله "، سيجيء يومًا أقولها في وجهك وأنا بجانبِ غيرك، سيجيء هذا اليوم الذي أقول فيه " تركتُك لله ".
ضي : إسمه مشعل دكتور جامعي معه دكتوراه علوم سياسية
رتيل : وأبوي موافق ؟
ضي : تقدَّم لها من فترة لكن كان متردد والحين وافق بعد ما سأل عنه .. بقى الراي لعبير
رتيل بلعت ريقها لتُردف بإتزان : وأكيد عبير ماراح ترفضه .. صح عبير ؟
ألتفتت عليها : وليه ماأرفضه ؟
رتيل صمتت لثواني طويلة حتى قطعته : يعني مؤهلاته كويسة وأبوي بنفسه وافق عليه .. يعني أكيد مناسب لك .. تعرفين أبوي مو على أيّ أحد يوافق!!
عبير ببرود : طيب ممكن أرفض .. يعني ما فكرت بالموضوع وأبوي فاجئني .. يبي لي وقت عشان أقرر
رتيل : وش رايك ضي ؟
ضي المشتتة وقلبها بجانب عبدالرحمن في هذه اللحظات : قلت لها .. الرجَّال جدًا مناسب لها وما ينرَّد
عبير بنبرةِ الشك التي تفهم بها شقيقتها جيدًا : تعرفينه رتيل ؟ سمعتي فيه
رتيل : لا ما أعرف مين يكون أصلا ولا قد سمعت بعايلته حتى
عبير : إحنا ما قلنا إسم عايلته
رتيل أرتفع صدرها بالربكة ليهبط بشدَّة : أقصد ما سمعت بإسمه .. يعني ما قد مر عليّ أحد إسمه مشعل في حياتي كلها
عبير : فيه شي ما أعرفه ؟
رتيل : وش فيك عبير! قلت لك بس رايي .... والقرار راجع لك
عبير : أحس فيه شي تعرفينه وماتبين تقولين لي
رتيل : ولا شي صدقيني ... أنا بس توترت من سالفة أبوي وعبدالعزيز ودخلتوا عليّ بسالفة هالمشعل فقلت رايي دامه دكتور ماشاء الله فأكيد إنسان متزن وواعي ومثقف .. ويناسبك
عبير بضيق : بس مو غريبة أبوي يوافق؟ ماهو من جماعتنا .. يعني صعب يوافق على ناس غريبيين عنَّا
ضي : دام أخلاقه زينة ووظيفته ممتازة ومستواه الإجتماعي جدًا ممتاز .. ليه يرفض ؟
عبير : مدرِي!! بدون لا أصلي إستخارة أنا ماني مرتاحة لموضوع شخص غريب ما قد سمعنا فيه ولا نعرفه
ضي : يعني لو تعرفينه بتضمنين حياتك بتكون سعيدة معاه ..... صدقيني عبير ماتدرين وين الخيرة
شعرت بثقب قلبها، لتقف : عن إذنكم ..... أتجهت نحو الحمام لتغلق عليها الباب وتنسابْ دموعها بهدُوء، تكره أن تضعف بهذه الصورة القاسية ، لا اعرف كيف ابدأ حياة مع شخص لا اعرفه، لا أعرف كم يلزمني من الحجج حتى أُعيب هذا الشخص الذِي يدعى " مشعل "، لا اعرف عنه شيء سوى إسمه ومؤهلاته العلمية وفقط! وأنا التي بدأت أؤمن بالقلوب وإنتماءاتِها، وماذا عنه؟ هل سأنساه؟ هل سأنسى صوته الذي أقتبستُ منه رجولته العنيفة لقلبي، هل سأنسى نبرةُ الكلمات التي تسيرُ ببطء والأخرى التي تهرول بعجل، هل سأنسى صباحاتٍ تبدأُ برسائله الصيفيَة الرقيقة، هل سأنسى الليالِ التي تغزَّل بيْ بها، كُنت أدرك أن عقاب الله ليْ مدويَّا، هذا الـ " مشعل " لا أشعرُ بحسنِ أخلاقه، لستُ أسيء الظن ولكن أؤمن بأنّ الله يُمهل ولا يهمل، وبأن الله غفور رحيم .. وأنا ما بينهما ضائعة، ضائعة تمامًا لا أدرِي هل سيكُون مشعل عقابٌ ليْ على معصيتي لله أم سيكُون تعويضٌ من الله، ليتني لم اعرفك، لم أسمعُ صوتك وأتولعُ به، مرّ صوتِك كالخطيئة التي نندمُ عليها ولكن لا نقتلعُ منها، مرّ صوتُك كالدُخان الذي نشتمه ليلاً نهار ونعرفُ أضراره ولكن نُمارسه، أتى حُبك عاصفًا فأستحلَّني.


،

تقطعُ الساعات قلبها الذِي يواصل الدُعاء والحديثُ خفيَّةً لله، على سجادتِها تنظرُ للساعة التي تُشير للسابعة صباحًا ولا إتصال يُطمئنها، سجدتْ لتُغرق دمعاتها الشفافة الأرض " يالله إنَّا عبادُك لا نسألُ أحدٌ غيرك، ندرك بأن هذه الدُنيا بما فيها من كائناتٍ وبشر لن تستطيع أن تقدم لنا المعونة، لن تقدر أن تقف بوجهِ ما قدرته لعبادِك، فـ يارب نحنُ نسألك أنت وحدك، إنا نسألك بكل إسم سميتهُ به نفسك، أنزلته بكتابِك أو أوحيته لأحدٍ من خلقك أو آثرته في علم الغيب عندِك أن لا تُرينا به مكروهًا، يالله أنت ما أمرتنا بالدعاء إلا لتستجيب لنا فيارب ردَّ عنه كل مكروه وأذى ولا تُفجعنا به "
وقفت وهي تمسحُ بكائها، نزعت جلالها لتنظرُ لهاتفها الذي يُمارس قساوته على قلبها، لا يهتز ولا يُضيء لرسالةٍ تُريح صدرها الهائجُ له، لن تنتظر أكثر، لن تستطيع الإنتظار أكثر، أتصلت على من تملكُ رقمه ولا تتصل به أبدًا، هذا الرقم الذي كتبه لها سلطان على يدِها بلحظةٍ أقشعر بها جسدها بأكمله من حركته.
منذُ فترةٍ طويلة، منذُ ان عينَّ رجالٌ حول هذا البيت يحاصرونه من كل مكان، على عجلٍ يرتدِي ملابسه حتى سحب قُبعته العسكرية وألتفت عليها : عندِك أرقامهم كلهم صح ؟
الجوهرة التي كانت مغتاضةً منه ومن أذى لسانه على قلبها: لا
سلطان : طيب بسرعة سجليه ..
الجوهرة : جوالي طافي بس لحظة أشحنه ...
سلطان بخطواتٍ سريعة توجه لها حتى أرتطمت أقدامه بأقدامها، يُخرج من جيبه قلمًا ويسحب يدها ليكتب لها على باطنِ كفَّها وأنفاسه تختلط بأنفاسها المُضطربة، رفع عينه لها : متى ما صار شي أتصلي عليه .. اتفقنا ؟
الجوهرة سرحت في عينيْه ليغيب سمعُها عن صوته، حرَّك لها يدِه لتستوعب : طيب
إلهِي لَكَمْ كان صوتُك مدعاةٍ للتأمل، كم كان صوتُك فرصةً للتفكُر، ضغطت على زر الإتصال وهي تأخذ نفسًا عميقًا : السلام عليكم
: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، آمري يا أم بدر
أرتعش قلبُها، حتى أرتجفتْ شفتيْها وضاعت الأحاديثُ منه، " أم بدر " كيف لهذه الكلمة أن تُشتتني هكذا! كيف لهذه الكلمة أن تُغيِّب وعييْ لأفكر فقط بإسم " بدر " و " أم التي تقترنُ به، يا شدةُ الفتنة التي تمرُ على لسانِ من يُناديها " أم بدر " يا شدةُ الفتنة التي تشطرُ قلبها ولعًا، أن أحمل طفلاً من ملامحك الهادِئة وإن قسَت، أن نناديِه مثلما تُحب ولن أتدخل أبدًا، يالله على هذه الأحلام التي تعبرُ ألسنة الغرباء وهُم لا يدرُون أيُّ حزنٍ يجلبون لنا.
: أم بدر معاي ؟
الجوهرة بربكة : ايوا .. أبغى أسأل أنتهت العملية
: توني طلعت من الدكتور وطمَّنا، الحمدلله يقول الإصابة طفيفة ما جت بالعمق، يعني الله ستر وجت على السطح وماكانت قريبة من القلب، إن شاء الله بكرا الصبح راح يصحى ...
الجوهرة : الحمدلله، ماراح نقدر نشوفه اليوم ؟
: للأسف لا وما أظن لو كان بو بدر واعي بيرضى .. أعذريني طال عُمرك
الجوهرة تفهمت لأنها تعرف جيدًا كيف يُربي رجاله على قوانينه وطباعه : طيب مين عنده الحين ؟
: تطمَّني كلنا موجودين وماراح نتركه
الجوهرة بضيق : طيب إذا صار شي ثاني ياليت تبلغني
: إن شاء الله
الجوهرة : مع السلامة
: بحفظ الرحمن .. وأغلقه ليترك الجوهرة تُصارع نوبة حزنها، كيف تنتظر للغد حتى تستيقظ عيناه والآن الساعة السابعة، كيف سأتحمَّل قسوة هذا اليوم بأكمله، ليت والِدي كان هُنا حتى أبلغه ويذهب إليْه، يالله هل من المحتمل أن يكذب عليّ ؟ من الطبيعي أن يحاول أن يستر أيّ شيء يُخيفني ويُرهبني فهذه عادات سلطان الذي يُخبرنا بشيء عكس الواقع فقط لنبتسم، ليتني كُنت موجودة بجانب الهاتف عندما أتصل آخر مرة، ليتني سمعتُ صوته ونبرتُه حتى أطمئن على قلبه، هل كان بخير وقتها أم لا ؟
نزلت للأسفل حتى تُطمئن حصَة التي لم تُغلق عيناها طوال الأمس من شدةِ الأسى عليه.

،

لستُ ضعيفة لك ولن أستسلم أبدًا حتى تتمادى بضربك، إن ضربتني مرَّة فانت قادر أن تُكررها مرةً و مرتيْن وثلاث وأربع وأكثر، لن أضعفُ أبدًا وستعرف من هي " ريم " يا ريَّـان، سيعلم جيدًا بأن خلفِي أشقاء لن يُرضيهم أبدًا ما يحدثُ بي، أتصلت على منصور الأقربُ لها ولأنها تثق بإتزانه كثيرًا، لم تمرّ سوى دقائِق حتى أجابها وهو يدخلُ لمكتبه في العمل : هلا بالصوت والله
ريم ببحةِ بكائها الليلة الماضية : هلابك، شلونك ؟
منصور بشك : بخير .. فيك شي ؟
ريم لم تكُن تجهِّز نفسها للبكاء أمام أخيها ولكن سؤال " الحال " دائِمًا ما يُتعب حالنا أكثر، بضيق : أبغى أسألك الحين أنت في الشركة ؟
منصور : إيه
ريم : طيب ينفع بعد ما تخلص تكلمني ... ضروري
منصور : الحين ماعندي شي .. قولي
ريم : منصور أبغاك تجيني ...
منصور يجلس بخوف من أن حُزنًا اصابها وهي بعيدة عنهم : وش فيك ريم ؟
ريم : مقدر أقولك بالجوال .. أبي أشوفك
منصور : طيب قولي عن أيش؟ شغلتي بالي
ريم ودموعها تتدافع على خدها : أبي أتطلق ..
منصور صمت لثواني طويلة حتى أردف : ليه؟ وش مشكلتك معه ؟
ريم بصوتٍ تتحشرجُ به الخيبات وتؤلم قلب منصور معها : ما أبغاه يا منصور .. أحس بموت لو جلست أكثر
منصور : بسم الله عليك .. طيب ريَّان وينه ؟
ريم : مدري
منصور : طيب أبو ريان ؟
ريم : ما شفته من يومين
منصور : طيب ... أنتِ الحين أهدي وأنا بكلم أبوي عشـ
تُقاطعه : ما أبي أبوي يدري ... لا جيت هناك أنا أكلمه بنفسي
منصور تنهَّد : طيب لأن أصلا أنا لازم أناقشك أول وأعرف وش الموضوع .. ما يصير كذا تطق بمزاجك تبين طلاق وبعدها تندمين
ريم بقسوة الأنثى إذا خُذِلت : ماراح أتناقش بشي، أنا قررت وخلاص ... ماأبي ريَّان وأبي أتطلق منه وبأسرع وقت بعد
منصور بتضايق من إندفاعها ليُردف بحدة : ريم! هذا طلاق مو لعبة ... وش هالمصيبة اللي مسويها ريَّان عشان تطلبين الطلاق ..
ريم بمثل حدتِه : مدّ إيده عليّ
منصور تفاجىء ليصمت لثواني حتى يُردف : ضربك!!!
ريم بضيق دمعها الذي ينسابُ بصوتها : ترضاها عليّ؟
منصور بغضب يقف : طبعًا لا ... ما تجي صلاة الظهر إلا أنا عندك ... وأغلقه.

،

تُغلق من إبنتها وهي مُجعدة الجبين، تحزنُ أضعافًا من أضعافها، ومهما تعاظم الألمُ والوجع في قلوبنا فأضعافُ عظمته يسكنُ قلب الأم، : الله لا يفجعنا فيه.
أفنان ضاقت من الخبر وكأن الحُزن يقف كالغصة كُل مرةٍ تبتسمُ الحياة لأختها : آمين ...
والدتها بتنهيدة : الله يعنيهم بس ... حتى بوسعود ماهو موجود في الرياض!
أفنان : يمه صح بغيت أسألك .. تركي مغيِّر رقمه ؟
والدتها : يقوله أبوك، قلت أبي أكلمه قالي مسافر ولا تتدخلون فيه .. أبوك يبي يجنني! أكيد متمشكلين مع بعض وإحنا اللي نآكلها
أفنان رفعت حاجبها بشك : صار له أكثر من شهرين ما شفناه .. وش هالقطاعة!! حتى أكلمه بالواتس آب ما يرد .. والحين بعد آخر دخول لها قبل فترة طويلة ...... غريبة أنه أبوي متهاوش معه؟ يا كثر ما كانوا يختلفون بس ما توصل للهواش!
والدتها : وش أسوي بعد! عجزت معه كل يوم أكلمه عنه ويقولي لا عاد تفتحين السيرة ... الله يحنن قلبه على أخوه ما له أحد غيره !!
أفنان : وريَّان ما يسأل عنه ؟
والدتها : لأ
أفنان : أجل أكيد متهاوش مع ريان
والدتها : على طاري ريَّان مدري وش فيها ريم هاليومين .. أخوك بعد الثاني يبي يذبحني
أفنان أبتسمت بسخرية : زين ما أنهبلت لين الحين!
والدتها بنظرةٍ حادة : أفنان ووجع!
أفنان : الجلسة مع ولدك ما تنطاق عاد شوفي الحين وش مسوي مع بنت الناس ووش مهبب . . أنحنت لوالدتها لتُقبِّل رأسها ... سلام يا حبيبة قلبي ... وخرجت لتصعد لغُرفتها ويهبُّ عليْها ذكرى آخر يوم لها في كَان، أبتسمت لتتلاشى بسرعة من شعورها بالذنب.
الساعة الحادية عشر صباحًا – توقيت باريس – كَان.
أنتهى التكريم لتحصَل على المرتبة الرابعة في هذه الدورة الشتويَة، أتجهت نحو مكتبها وهي تتلذذ بطعمِ الشوكلاته السويسرية، وضعت باقة الورد وشهادتُها على الطاولة لتجلس سُمية أمامها : وش رايك نصيع ؟
أفنان : هههههههههههههههههههههههههه نصيع! يعني يدخل تحت أيش ؟
سمية بشغف : بما أنه الحين الوقت ما يساعد وش رايك الليلة نفلَّها ونروح نايت كلُوب !
أفنان بدهشة : مستحيييل
سمية : ماراح نرقص ولا راح نشرب .. بس نتفرج ونوسّع صدرنا
أفنان : لآلآ مستحيل ما أدخل هالاماكن
سمية : هي مرَّة وحدة في العمر جربي وماراح تخسرين شي
أفنان : ماأضمن نفسي أخاف لا رحت أستسهل أذوق شي ولا أتحمس أسوي شغلة غلط
سمية : ليه بزر ما تقدرين تسيطرين على نفسك!!
أفنان بجديَّة : ماهو سالفة مقدر أسيطر على نفسي لكن الأنبياء وهم الأنبياء كانوا يدعون الله ويستعيذون من الشرك! وهم أنبياء كانوا يخافون يقعون في الشرك فما بالك إحنا .. يعني أخاف أستسهل شي إذا دخلته
سمية تنهدت : يالله قد أيش نكدية يا أفنان الله يعين اللي بيآخذك
أفنان : ماني نكدية بس ننبسط بدائرة الأشياء المباحة ... يعني والله أيام ما أجتمع مع بنات عمي عبدالرحمن أفلَّها وننبسط ونسوي أشياء فظيعة لكن ما نتجرأ نسوي زي هالأشياء
من خلفها : عذرًا على المقاطعة
ألتفتت عليه لتتسع إبتسامتها : هلا
سميَة بنظرة الخبث التي تفهمها أفنان جيدًا : طيب عن أذنك فنو ...
نواف : مبروك
أفنان : الله يبارك فيك ... وشكرًا على كل اللي سويته وماقصرت جد ساعدتني كثيير
نواف بنبرته الهادئة : العفو .. واجبنا
بدأت أصابعها تتشابك من الربكَة ليقطع ربكتها : متى طيارتك ؟
أفنان : بكرا الساعة 4 العصر
نواف : توصلين بالسلامة . .
أفنان : الله يسلمك، توصي شي ؟
نواف : سلامتك، ومن هالنجاح لأكبر يارب ... عقبال ما نشوفك محققة نجاحات ثانية
أفنان : آمين الله يسمع منك ... أرتعشت شفتيْها لتشدّ عليها بأسنانها والرجفة تتضح على ملامحها المُشتتة.
نواف أرتبك من أن يفتعل أيّ موضوع ليُطيل وقوفه معها، بإبتسامة لم تكُن لتخرج : فمان الله ..

،

تحسس الأبوة وهو ينظرُ للجنين في بطنها، رُغم أن لا شيء يتضح ولكن قلبه الذي ضخّ الدم بصخب كان يحكِي عن شوقه لرؤيته أمامه، جلس بعد أن أرتدت مُهرة عبائتها ليستمع للنصائح الثقيلة من الدكتورة، كان مُتمللاً لآخر درجة من أشياء يعرفها بديهيًا، ألتزم هدوئه حتى ألتفت بدهشة : وشهووو ؟
مُهرة أحمرَّت خجلاً لتُشتت نظراتها لكل شيء ماعداه، أردفت الدكتورة بإتزان : شو بك ؟
يوسف : لا خلاص ولا شي
: إزا عندك سؤال تفضَل
يوسف إبتسم بسخرية : ما قصرتي هو بقى شي ما قلتيه
بإبتسامة تُبادله : ولازم تنتبه من هالشي منيح
يوسف يُقلد لكنتها : شِي تاني ؟
: يا يوسف ما عم تآخد الأمور بجدية ... عم بحكِيك حتى ما يصير شِي مستئبلا *مستقبلاً*
يوسف يُحرج مهرة : لأني أنا بالفطرة مكتسب هالعلم المُذهل وعمليًا بعد
ضحكت الدكتورة بصخب لتُردف : ما عليه طوِّر معلوماتك البدائية
يوسف : معلوماتي ماهي بدائية لكن مصدوم يعني كيف ...... ولا أقول أستغفر الله اللهم لا إعتراض بس
مُهرة تضرب قدمه ليصمت : طيب دكتورة فيه شي ثاني ؟
الدكتورة : لا ...
يوسف : شكرًا
الدكتورة التي أستمتعت بوجود يوسف : عفوًا تعَ معها كتير
مُهرة تهمس ليوسف : سلِّم عليها بعد .... وخرجت.
يوسف أكتفى بإبتسامة وخرج خلفها : من هالجهة يالحبيبة
مُهرة بغضب بعد أن أخطأت الممر، عادت لتخرج لمواقف السيارات. ركبت وأغلقت الباب بغضب.
يوسف بإستفزاز لمُهرة : ههههههههههههههههههههه لو أدري أنه مواعيدك كذا كان كل يوم جاي معك
مُهرة أخذت نفس عميق : لو سمحت يوسف خلنا نرجع البيت قبل لا أنفجر الحين
يوسف بإبتسامة يُحرِّك سيارته : كنت أمزح وش دعوى زعلتِي ؟
مُهرة : تضحك معها ومطيِّح الميانة وتقول أمزح!
يوسف : أحمدي ربك قدامك وماهو من وراك
مُهرة ألتفتت عليه بحدَّة ليُكمل : يعني قبل كل كلمة أقولها بجلس أقول تراني أمزح
مُهرة : بس فيه حدود! يعني ترضى أنكِّت مع دكتور
يوسف : أقطع راسك
مُهرة بغضب : يعني أنت حلال بس أنا لأ
يوسف : أنا ما نكَّت بس كنت مصدوم فعلا من المعلومة وهي ضحكت فضحكت معها
مُهرة بسخرية : مررة مصدوم!
يوسف ألتفت عليها عندما وقف عند الإشارة : بذمتِك .. مو أنصدمتي زيي ؟
مُهرة مسكت نفسها لتضحك رُغم أن الحرج يلوِّن وجهها بالحُمرة : كمِّل طريقك
يوسف : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه وتوصينا بعد .. أستغفر الله بس
مُهرة بربكة وهي تشعرُ بالحرارة من أقدامها إلى شعرها : يوسف خلاص
يوسف : خليك وسيعة صدر يالشمالية
مُهرة : وسيعة صدر بس ما ينفع بعد تجلس تطيِّح الميانة مع اللي يسوى واللي مايسوى .. وخلاص ماعاد تروح معي شكرًا مستغنية عنك
يوسف : أفآآ .. كل هذا عشان المزيونـ
ترمي عليه علبة المناديل : لا والله تغزَّل فيها بعد ..
يوسف يركن سيارته : الحين اللي قدامه القمر وش له بالنجوم ؟
مُهرة تنزل وهي تضحك : يارب أرحمني.. منت صاحي
يدخل معها : أصلا والله ما جت عيني في عينها .. بس كنت أستفزك .. ماتعودتي على أسلوبي؟
مُهرة : تعودت بس ... مسكت بطنها بوجَع ... آآه
يوسف أقترب منها بخوف لتصخب بضحكتها في منتصف الصالة : تعوَّد بعد أنت
يوسف : قليلة خاتمة .. مناك يالله عطيتك وجه
مُهرة : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه ه
من خلفهم : الله يديم ضحكاتكم
يوسف ألتفت لوالده : آمين ويديمك فوق رآسنا
مُهرة بحرج سلمت عليه : شلونك ؟
بومنصور : بخير الحمدلله ..
يوسف : شفت يبه وش تسوي بولدك ؟
مُهرة تُشير له بعينيْها بأن يصمت ولكن أسترسل بإغاضة : أنا مو قلت لك الشماليات إذا حقدوا أبليس يتبرأ منهم
بومنصور : زين حظك يوم خذيت شمالية
مُهرة ضحكت لتُردف : ماعليك زود
يوسف : أظن ما عاد لي جبهة

،

في ساعاتِ النهار المُتأخر في باريس، يسيرُ يمينًا ويسار، لا يعرفُ كيف يُحكم سيطرته على عقله ليُفكر بإتزان أكثر، لا أحد في الرياض يُكمل أعمالنا وسلطان مُصاب! كيف أعود الآن؟ كل خططنا راحت هباءً منثورا وهي مبنية على خطأ، كلها والآن يُريدون أن يقتلعُوا جذور الثبات فينا ويتعرضون لسلطان! كم من الصبر سأتحمل حتى أعرف من وراء كل هذا.
قطع سلسلةِ أفكاره المتلخبطة : ما تثق فيني ؟
عبدالرحمن : مو مسألة ما أثق فيك ... لكن صعب أخليهم ثلاثتهم عندك
عبدالعزيز : بحجز غرفة عندهم وبجلس بالفندق .... ماني طالع ولا راح أتركهم ...
عبدالرحمن مشوش فعلاً، مسألة أن يعود للرياض معهم ستضره مثلما تضرّ سلطان الآن في ظلّ هذه الأحداث المربكة
عبدالعزيز : خلاص تطمَّن هم في الحفظ والصون ..
عبدالرحمن : طيب .. ماراح أطوِّل بأقرب وقت أنا عندكم .. عبدالعزيز لا أوصيك لايطلعون برا هالمنطقة، خلهم قدام عينك وجوالك الثاني أغلقه، أختفي عنهم ولا تحاول تطلع كثير عشان محد ينتبه عليك .. وبس يصير شي تتصل عليّ وإن كان شي طارىء تتصل على مساعد .. عطيتك رقمه صح ؟
عبدالعزيز : إيه عندي رقمه .. أبشر
عبدالرحمن تنهد : تبشر بالجنة .... وصعد للأعلى متجها لغرفة بناته المقابلة لغرفته : السلام عليكم
: وعليكم السلام
ضيْ وقفت متجهةً إليْه وهي تترقبُ ما آلت إليْه الظروف، ليُردف : راح أرجع الرياض بس راح تجلسون هنا لأن ما ينفع ترجعون معي هالفترة ... معاكم عبدالعزيز، ماأبغى طلعات كثيرة وأي شي تبونه عندكم عز
عبير : وعمي مقرن ؟
عبدالرحمن : بيرجع معاي ... مفهوم ؟
رتيل بضيق : طيب متى بترجع؟
عبدالرحمن :إن شاء الله أسبوع ماهو أكثر
عبير قبلَّت جبينه : توصل بالسلامة
لحقتها رتيل لتُسلِّم عليه : درب السلامة
عبدالرحمن : الله يسلمكم ... خرج متجهًا لغرفته لتلحقه ضيْ.
ضي بشك : فيه شي ثاني صاير ؟
عبدالرحمن يفتح دُولابه بهدُوء : لا
ضي تُمسك يده لتمنعه من وضع ملابسه : أنا بجهز شنطتك على ما تتحمم
دُون أن يعلق أتجه نحو الحمام، يشعر بأنه أفلس من الكلام وماعاد يستهويه ان ينطق حرفًا وتفكيره غائب فعليًا عند الرياض وما يحدثُ بها الآن، من فكرة أنّ أحدٌ يتسلح ويجُول الشوارع دُون أيّ رادع، وليس شخصًا أو شخصيْن فهذه الجماعة بيننا ولكن لا نلحظها، هذه الجماعة الأكيد أننا نعرفها ولكنها تُمارس النفاق العلني، من بعد سلطان العيد أصبح المستهدف سلطان بن بدر! ومن بعدهم الأكيد أنني أصبح مستهدف حتى تتلاشى عائلتي كما تلاشت عائلةُ سلطان العيد . . ماذا يحدثُ في هذه الدنيا؟ كيف يمرُّ كل هذا الوقت دُون أن نكتشف من! لو كُنت أنت يا مقرن سيكُون عقابك لاذعًا.
تمرُ دقائِقه أسفل الماء المتصبب على جسدِه بحدَّة تفكيره، أخذ نفسًا عميقًا ليخرج والمنشفة تلفُّ خصره، نظر إليْها وهي تُغلق الحقيبة، بإبتسامة باردة تُخفي حزنها من أن يذهب إلى الرياض دُونهم : ألبس بسرعة قبل لا يدخلك برد ... أتجهت نحو نظام التدفأة لتُشغله، تنهَّد وهذه التنهيدة يُسمع صداها في قلب ضي الذي وقفت تتفكرُ بهذه الأنفاس الحارقة التي تخرجُ من بين شفتيْه.
لم يستغرق في إرتداء ملابسه الكثير وهو يأخذ معطفه وحقيبته الصغيرة التي تحوِي جوازاتهم والبطاقات المهمة، أخرج جوازاتِ رتيل وعبير وضي ليضعهم في خزنةِ الغرفة : أنتبهي لها يا ضي
ضي : إن شاء الله
أغلق الخزنة لتتقدم له ضي وهي تلفُّ حول رقبته وشاحًا قطنيًا يقيه من برد باريس هذه اللحظات : توصل بالسلامة
قبَّل جبينها ليهمس : الله يسلمك ... ديري بالك على نفسك وعلى البنات
ضي : لآ توصي حريص ... المهم أنت أنتبه على نفسك وأتصل عليّ بس توصل وطمّني
عبدالرحمن أكتفى بإبتسامة تُطمئنها، طوال عُمره كان ينشرُ الإبتسامات في أوجِ المشاكل فقط ليُشعر من حوله بأن الأمور جيِّدة وهذه العادة نتوارثها جميعًا بدايةً من عبدالله اليوسف حتى سلطان بن بدر.

،

يُقطِّع أظافره بأسنانه أمام تذمر والده وهو يُرتب أوراقه : نكبنا الله ينكبه ... الحين كيف نوصله!
فارس الذي يعرف جيدًا ما يحدث الآن والصراعات التي في الرياض، أردف : يبه سمعت وش صاير بالرياض!
رائد بعدم إهتمام : وش فيها بعد
فارس : أدخل مواقع جرايدنا الإلكترونية شوف الأخبار العاجلة
رائد رفع عينه : تكلم وش صاير!
فارس : مكتوب بالخط الاحمر العريض مجهول يطلق النار على سلطان بن بدر أمام بيته
رائد يعقد حاجبيْه : أمام بيته! مستحيل الحيّ كله أمن
فارس : وش دعوى مستحيل! مو انت قدرت عليه
رائد أبتسم بسخرية : لكل قاعدة شواذ .. لكن مين اللي متعرض له مو كاتبين شي ثاني
فارس : لأ
رائد : غريبة! ليه كاتبينها في الجرايد .. أكثر شخص يحاول يبعد الصحافة عن هالمواضيع هو سلطان
فارس : مو كتبوا قبل .. محاولة إختطاف أسرة سعودية في باريس .. ماقالوا أنه الأسرة إسمها عبدالرحمن بن خالد آل متعب .. يعني حتى الصحافة بعد تعرف كيف تبعد نفسها عن المساءلات
رائد : ما تلاحظ انك مستفز ؟
فارس أبتسم : طالع عليك
رائد : أنا الحين عقلي في شي ثاني ...
صمت قليلاً حتى أردف : يعني سلطان الحين ماهو مقابل شغله!! ... أيش هالصدف الحلوة هههههههههههههههههههههه
فارس : تلقاه بين الحياة والموت وأنت يا يبه تضحك .. عاد ماهو لهدرجة
رائد : أنا ماأضحك عليه شخصيًا هو كيفه يموت يعيش يمرض يصير فيه اللي يصير لكن أني أضبط أشغالي على روقان بدون مراقبة من احد ... بس الكلب صالح ماهو هنا ولا كان أستغليت هالفرصة
فارس : وش الشغل اللي بينك وبين صالح
رائد : ما يخصِّك
فارس رفع حاجبيْه الحادتيْن : طيب حقك علينا تدخلنا فيما لا يعنينا ... وقف ....
رائد : على وين ؟
فارس : طفشت بعد وأنا أطالعك كيف تسبّ اللي حولك
رائد : ماشاء الله ... أفصخ جزمتك وأضربني بعد
فارس : حاشاك ... طيب يايبه وش أسوي عندك
رائد بسخرية لاذعة : قولي عن أحلامك المستقبلية
فارس تنهَّد : يبه أنا ممكن أتقبل أيّ شي لكن الأحلام ما تتحمل السخرية
رائد : أبشر على الخشم
فارس إبتسم بمثل إبتسامة والده المُشعة : متى ماتبي تروق ومتى ماتبي تهاوش .. ماعاد أعرف لك يبه
رائد : مزاج الله يعيذك منه ...
فارس بهدُوء : تدري أني أكتب
رائد : تكتب إيش ؟
فارس : روايات
رائد بسخرية : ماشاء الله تبارك الرحمن .. وش هالخبال
فارس تغيَّرت ملامحه للضيق ليُكمل : وأكتب نثر
رائد : هذي وظيفة المترفين أبعد نفسك عنها
فارس : الحين الكتابة للمترفين صارت .. والله من السجن اللي خليتني فيه صرت أكتب ولا أنا قبل ويني ووين الكتابة
رائد : تدري وش اللي مضايقني فيك! أنك كلب وذكي لكن تستغل هالشي بأشياء تافهة
فارس بدهشة : الكتابة تفاهة! على فكرة قريب إن شاء الله بخلص روايتي وراح أنشرها
رائد : أعزمني على حفل توقيع الكتاب
فارس بضيق : يبه خذ الموضوع بجديَّة
رائد : وناوي تكتب بعد فارس رائد الجوهي
فارس : إيه
رائد : أذبحك .. تعرف وش يعني أذبحك!! أتركك من لعب هالعيال وشوف لك شي نفتخر فيه
فارس : يبه هذي كتابة ما شفت أدباء العالم كيف يفتخرون فيهم
رائد : وأنت من متى تكتب ؟
فارس : 4 سنوات أو 5 .. مدري بالضبط
رائد : طيب جيب لي أقرأ روايتك ..
فارس : لأ
رائد رفع حاجبه بضحكة خبيثة : ليه ؟ كاتب أشياء فوق 18 سنة
فارس رُغمًا عنه إبتسم : ماأبغاك تقراها كذا .. مزاج بعد
رائد بإبتسامة : عن أيش تتكلم ؟ لا يكون عن عبير
فارس : ماني غبي عشان أكتب قصتي في كتاب ... عن شي ثاني ماتتوقعه
رائد : وإذا خمنته وش لي؟
فارس : اللي تبي
رائد : حتى لو أمنع الكتاب
فارس : حتى لو تمنعه
رائد : طبعا قصة حُب .. عارفك ناقص حنان
فارس : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه مغرقني بحنانك وش لي بحنان غيرك
رائد وبانت أسنانه من إبتسامته الواسعة : طيب لمِّح لي .. مين أبطالك
فارس هز رأسه بالرفض : أنا عند وعدي إن جبت لي الفكرة بنسى شي إسمه رواية


،

في عصرِ الشرقيَة الخافت، تسللت قبل أن يلحظها أحد لتركب بجانبه، ألتفت عليها : وينه ؟
ريم : ماهو في البيت
منصور رُغم أنه يشعر بتصرفه الخاطىء ولكن مسألة أن يمدّ يدِه على أخته وكأن لا أحد خلفها تُثير في داخله ألف مبرر ومبرر بأن يتصرف هكذا، حركّ سيارته خارجًا من الحي، أردف : ماراح تقولين لي وش السبب!
ريم : ما أفهمه ولا قدرت أفهمه
منصور : بأيش ؟
ريم : مدري يا منصور! غير عنكم كثيير .. كنت متوقعة شي لكن أنصدمت.. قلت يمكن بداية زواج وعادِي لكن بعدها أكتشفت أني مقدر أعيش معاه أبد، إنسان تفكيره غير عنِّي وأصلا أحسه ماهو متقبلني ..
منصور عقد حاجبيْه وعينه على الطريق : وليه ضربك؟ وش قلتي له ؟
ريم : رفعت صوتي عليه
منصور صمت قليلاً ليُردف : وليه رفعتي صوتك؟
ريم : السالفة سخيفة بس لأنها تراكمت عليّ أشياء كثيرة أنفجرت
منصور : وش السالفة يا ريم؟ أنا أبي أعرفها
ريم بإختناق ونبرتها تُجاهد أن تبتعد عن البكاء : سألني ليه جالسة بروحي! وقلت له أنه أمر يخصني ولما سألني وش هالأمر ما جاوبته وقلت له يخصني قام عصب عليّ وقال لا تطلعين جنوني عليك وأنا عصبت بعد .... يعني يتركني بالأيام يا منصور وبعدها يجي يسألني ليه جالسة بروحي! يبغاني أجلس عند أهله وهو أصلاً ما يسأل عني ولو ما خالتي تسأل عني كان ما كلف على نفسه وجاني، إنسان ما يقدرني ولا يحترمني ولا حاسب ليْ حساب وش أبي فيه؟ هذا غير كلامه على الطالعة والنازلة
منصور بضيق : دايم في بداية أيّ زواج تصير هالمشاكل
ريم : بس أنا وش يحدِّني ويخليني أصبر! لا عندي عيال أصبر عشانهم ولا شي .. دامه ضربني مستحيل أرجع له
منصور : أنا مستغرب من أنه مد إيده عليك! ريان مو من هالنوعية
ريم : أنا منصدمة في شخصيته وأنت بعد راح تنصدم .. إنسان ثاني ماهو مثل اللي نسمع


،

أتى اليوم الثانِي لاذعًا بعد أن توترت أعمالهم وتنظيماتهم، رُغم شعوره بالألم ولكن كان جمُود ملامحه وقلةِ حديثه أمر مُثير للشك في نفسِ عبدالرحمن : طيب خلك يوم ثاني وبعدها أطلع
سلطان : ماراح أتركك بروحك
عبدالرحمن : وأنا مقدر أشيل الشغل؟ .. يا سلطان تعوّذ من الشيطان جرحك ما طاب
سلطان يلفُّ صدره الشاشْ الأبيض ليُغطي أثرُ العملية التي حدثت له : ماراح أجلس دقيقة وحدة هنا ...
دخل الدكتور بإبتسامة : شلونك يا سلطان
سلطان : تمام ...
الدكتور : وش قاعد تسوي؟ وين بتروح ؟
سلطان : أنا مضطر أطلع
الدكتور : معليش يا سلطان أنت طالع من عملية جراحية ماهو عملية عادية عشان تطلع!
سلطان ببرود : شكرًا على المعلومة ..
عبدالرحمن يتقدم للدكتور : مافيه إمكانية أنه يطلع الحين ؟
الدكتور رفع حاجبيْه : يوقع ويتحمل مسؤولية نفسه لكن حتى ما يتضاعف عليه شي مفروض أنه يجلس ..
عبدالرحمن : طيب تقدر تجيه البيت؟ عشان الفحوصات
الدكتور : كلِّم الإدارة وممكن يوفرون ممرض يجيه وأنا طبعًا
عبدالرحمن : خلاص دام كذا بيرتاح في البيت
الدكتور ينظرُ لسلطان الذي لم يترك له فرصة للنقاش : الحركة الكثيرة بتسبب لك مضاعفات .. أنتبه
عبدالرحمن : شكرًا لك
الدكتور : العفو .. واجبنا .. وخرج ليتركهما في صراعاتهم الداخلية.
عبدالرحمن : يعني يعجبك كذا ؟ مستحيل بتقدر تروح الشغل
سلطان يرتدِي حذائه بصمتٍ مُهيب ليقطعه بنبرةٍ خافتة : على الأقل أراقب هالشغل من البيت
عبدالرحمن يخرج هاتفه : بتصل على الجوهرة تجهِّز لك غرفة بالدور الأول .. ولا تقولي بصعد عشان ما أهفِّك كف الحين
سلطان رفع عينه ليبتسم بتعبِ ملامحه المستنزفة طاقتها بشدَّة، من عبدالرحمن يتقبَّل كل الكلمات السيئة التي من الممكن أن تستفزه من شخصٍ آخر.
عبدالرحمن : ليه ما خليت عمتك تجيك هنا ؟ حرام عليك شوي ويموتون من خوفهم عليك
سلطان : ماله داعي هذاني بجيهم
عبدالرحمن : ولو! حتى ما سمعوا صوتك ولا تطمنوا! ..
سلطان يقف ليشعر بوخزٍ على جانبِ صدره مكانِ الرصاصة، تحامل على وجعه : يالله نمشي؟
عبدالرحمن يضع هاتفه على إذنه : لحظة ... هلا الجوهرة ....... بخير .... يبه الجوهرة جهزي غرفة لسلطان تحت ،نص ساعة بالكثير وإحنا عندكم ..... إيه .... مع السلامة ... وأغلقه.
سلطان :أنت رايح لهم ؟
عبدالرحمن : أيه من جيت وأنا يوميًا عندهم .. والله حالتهم ما تسرِّك والغلط عليك!!
سلطان تنهَّد ليخرج ومن خلفه عبدالرحمن الذي أتجه نحو الإستقبال حتى يوقع على خروجه، دقائِق عديدة حتى أتجهَا للسيارة التي تحركت بإتجاه الحيْ الذي باتت الكثافة الأمنية عليه كبيرة.
سلطان : وش صار مع عبدالعزيز ؟
عبدالرحمن : خليته ما على تهدآ الأوضاع ونشوف صرفة مع رائد
سلطان : تعرف مين أشك فيه ؟
عبدالرحمن : غير مقرن ؟
سلطان : أحس فيه أشياء كان يعرفها سلطان العيد الله يرحمه وما قالنا عنها!
عبدالرحمن : وش ممكن تكون ؟
سلطان : فكرت ببومنصور! لكن أستبعدت أنه يعرف شي وإحنا مانعرفه
عبدالرحمن : ممكن تهديدات الحادث من رائد ما كانت تخوفه عشان كذا ! ..
صمت حتى أردف بنبرةٍ أعلى : يالله يا سلطان! كانت قدام عيوننا ومافهمناها
سلطان : وش ؟
عبدالرحمن : لو بو عبدالعزيز كان يدرِي بأنه مجهز له حادث وسمع هالتهديدات ما كان خذآ معه أهله .. ولما كلمناه قبلها كانت لعبة من الشخص الثالث ... أننا نشك في رائد
سلطان عقد حاجبيْه ليُردف بدهاء : وليه منعوا يعطون عزيز إجازة! رُغم أنها إجازة لمدة ساعات بس؟ أكيد أنه فيه أحد مكلم إدارته .. وهالشخص هو نفسه اللي قاعد يتلاعب بين عبدالعزيز ورائد .. لأنه كان يبي عبدالعزيز حيّ عشان يستغله لكن إحنا كنا أسرع لما أخذناه فعشان كذا قام ينتقم منَّا واحد واحد .. وقاعد يشكك رائد عشان يخلي رائد هو اللي ينفذ إنتقامه لنا وهو يطلع منها باردة ...
عبدالرحمن : دامه ما تركنا نشك فيه وما خلانا نمسك عليه دليل فهذا معناته أنه بيننا يا سلطان
سلطان : وأكيد أنه ماهو مقرن! .. أنا ممكن أشك فيه بأشياء ثانية لكن شي صار قبل سنة وأكثر مستحيل يكون هو وراه
عبدالرحمن : وليه زوروا بفحص الدي أن إيه .. ليه كانوا يبون غادة بعيدة عن عبدالعزيز .. هذا يعني أنه فعلا الشخص الثالث كان يبي يستغل عبدالعزيز بشي .. ودامه كان يبي يستغله فهذا معناته يبي منه أشياء .. وهذا معناته ..
تنهَّد ليُكمل عنه سلطان : أنه سلطان العيد كان وراه أشياء مانعرفها
عبدالرحمن يحك جبينه بعد أن وقف للإشارة الحمراء : وهالشي كيف غاب عنَّا كل هالفترة! يعني طول الفترة نوجه خططنا للجوهي وهي غلط! هذا إحنا تورطنا واللي بالمدفع عبدالعزيز
سلطان مازال يشعر بحرقة القهر في صدره : يا كثر الأغلاط اللي تصير لكن مثل هالغلط ماني قادر أستوعبه!
عبدالرحمن : خلنا نفكر الحين فيما بعد الغلط
سلطان تنهَّد وهو ينظرُ للبيت الذي أبتعد عن اليومين الفائتين : بكرا بيصير الإجتماع ؟
عبدالرحمن : إيه جهزت كل شي ..
سلطان : تكلم متعب يجيني البيت ويجيب معه كل الأوراق
عبدالرحمن :سلطان أنت منت ناقص .. مدري متى تستوعب أنك طالع من عملية ماهو بسهولة تتحرك وتشتغل
سلطان : جتني اللي أكبر من ذي وماصار شي .. يرحم لي والديك يا عبدالرحمن لا تزنّ عليْ
عبدالرحمن خرج ليتجه نحوه ولكن سلطان لم يكُن يحتاج مساعدته، أتجهَا للباب الداخلي وخطواتِ سلطان أتضح بها العرج الخفيف من ألمِه الذي لم يلتئم بعد.
منذُ أن سمعت صوتُ الباب حتى نزلت بخطوات سريعة نحوه لتقف في منتصف الدرج وتتعلق عيناها به، بملامِحه السمراء التي تفقدُ سمرَّتها بشحُوبها، بقدمِه الذي أنتبهت لعرجها الخفيف ولشعرِ وجهه المبعثر بفوضوية تُثير الفتنة في قلب صبيَّة مثلي، كان حضُورك غيثٌ على ارضٍ جفَّت بأيامٍ قليلة، كُنت غصنٍ يابس ينتظرُ من يُبلله، لم يكُن غيابك عاديًا بل كان مُكلفًا جدًا، حرمني من النوم ، " الوسائدُ أرق " و عيناك نُعاس، كان مُكلفًا بأنه كسَر ضلعُ الراحة وبات إنتمائِي لضلعك مهما أعوجّ بيْ.
عبدالرحمن بإبتسامة وديَّة : اللهم أني موجود ..
الجوهرة بربكة أحمرَّت وجنتيْها : حياك عمي .. الحين أخليـ
يُقاطعها : جعل يكثر خيرك أنا طالع .. أنتبهي لسلطان .... وخرج دُون أن يترك لها فرصة للحديث.
مشت بخطوات خافتة نحوه وهي تعدُّ كم من عصبٍ ينهارُ في داخلها وينتحر : جهزت لك الغرفة اللي عند مكتبك
سلطان مُشتت نظراته وعيناه المشتاقة لحصَة تبحثُ عنها : وين عمتي ؟
الجوهرة : طلعت مع العنود بس كلمتها والحين جايَّة ...
بتوتر لم تشعر إلا بالدمع ينحشر في عينيْها : الحمدلله على السلامة
سلطان يتجه نحو الغرفة التي جهزتها له دُون أن يرد عليْها وفي داخله لم يقصد التجاهل بقدرِ الإشتياق الذي يطلُّ مكابرًا وشاهِقًا وأنا أقدامي رقيقة لا تتسلقُ كل هذا العلو ببساطة يا سلطان، وقفت لتواسِي عبرتَها، تحاملت وحاولت أن تُظهر إتزانها لتتجه خلفه، نظرت إليْه وهو ينزع حذاءه.
حاولت أن تُظهر عدم إهتمامها في مشاعرها لتُردف بجديَّة : التكييف زين ولا أقصِّر عليه ؟
دُون أن يرفع عينه: زين
يستلقي على السرير بعد أن شعر بأنَّ رأسه يدُور به وغليانٍ يجرِي بأوردتِه، فيوميْن لم يتحرك بهما كفيلة بفعلِ به كل هذا بعد أن تحرك قليلاً، أقتربت لترتجف شفتيْها من ملامحه التي تغيَّرت للضيق وكأنه يعاني أمرًا ما : يوجعك شي؟
سلطان أخذ نفس عميق : لا .. سكري النور وبس تجي عمتي خليها تصحيني
الجُوهرة لم تتحرك بعد أمرِه، تشعرُ بخيبة لاذعة لا يتحمَّلها قلبها، تعامله الجاف معها يزيد حُزنها أضعافًا، لِمَ كُل هذا؟ أأصبحت شخصًا عاديًا لا يعنيك أمره؟ ألا يعنيك أمرُ قلبي الذي أبتهلّ بك وبكى عليك! ألا يعنيك أنني أنتظرتُك يوميْن بشدَّةٍ تعني " أحبك " بصورةٍ لا تنتمي إلا لقاموسك، ألا يعينك أنّ عينايْ تسألُ عنك وأنت أمامي؟ ألا يعنيك بأنك تقرأ شوقي في محاجري ومع ذلك لا تُبالي! ألا يعنيك شيئًا من هذا يا سلطان؟
سلطان رفع حاجبه بإستغراب من وقوفها : الجوهرة فيه شي ثاني!
الجوهرة بعتابٍ حاد : إيه
سلطان : وشو ؟
الجوهرة بثقتها الصاخبة : أنا
نظر إليْها وأطال بنظره لعينيْها الحادتيْن، تُشبهني إن حاولت أن تغضب رُغم أنها تفشل في كل مرَّة ولكن هذه الأنثى تواصل بعنفوانها السيطرة عليّ وأواصِل في كل مرَّة في صدِّ عُنفِ شفتيْها التي سُرعان ما تذُوب: وش فيك أنتِ ؟
الجُوهرة بقهر تراجعت لتُجلده بالصدّ : ولا شي ... لتتجه نحو الباب فيقطعها صوته : الجوهرة
وقفت دُون أن تلتفت عليه لتلفظ بقسوة بدأها لتنهيها : بس تحتاج شي ناديني بكون جالسة بالصالة ...
ألتفتت عليه : تبغى شي ثاني؟
سلطان : تعالي
الجوهرة بهدُوء : قولي من هنا
سلطان بصيغة الأمر : قلت تعالي
الجُوهرة وتبدأ حرب الضمير معه، يتجاهلها قبل دقائق والآن يُريدها وأنا لستُ تحت رحمة مزاجك : تمسي على خير ...
بعصبية بالغة : يعني أوقف؟
أتجهت بخطواتها نحوه لتقف، سلطان : قربي
أقتربت أكثر حتى ألتصقت بالسرير، بنبرةٍ متلاعبة : جيبي المخدة الثانية ..
الجوهرة تنحني عليه لتسحب المخدة التي بجانبه وتحاول أن ترفع رأسه لتضع تحته وهي تنحني بأكملها ليقترب صدرها من صدره، كانت ستبتعد ولكن يدِّه كانت في وجه هذا الإبتعاد، مسكها من ذراعها لـ . . ..


،

صخب بضحكته إلى حدٍ لا مُتناهي، لم يستطع أن يسيطر على نفسه وهو يرى ملامحه والدته المندهشة : أجل تان!!
فيصل بإبتسامة : الله يوسِّع صدرها بس ... أول مرة يمه أشوف وجهك يقلب ألوان كذا
والدته : مناك بس ........... وجلست بهاجسِ من أن هيفاء تغيرت ملامحها
فيصل : بس والله التان ماهو شين
والدته : أنت عجبتك ؟
فيصل هز رأسه بالإيجاب : حبيت ملامحها بس يمكن أحبها أكثر بالبياض .. بس والله السمار ماهو بشين ..
وبضحكة أردف : إلا فتنة
والدته : تقول أمها يروح بسرعة
في جهةٍ أخرى بعد أن أغلقت الهاتف منها : حسبي الله على أبليسك يا هيفا .. حسبي الله بس .. تسوين اللي تسوين ترجعين لي بيضا اليوم قبل بكرا
هيفاء : لا تخافين قبل العرس بتشوفيني قشطة
ريَّانة جلست وهي تشتمُ حظَّها : أنتِ وأختك تبون تجننوني!
منصور : ريم مانزلت اليوم؟
ريَّانة : بغرفتها! تبي تقهرني .. من أول مشكلة خذت أغراضها وجت
منصور : يمه لا تزيدينها عليها! لو المشكلة بسيطة كان ماخذيتها بس خلِّي ريان يتأدب
ريانة : وريان وش سوَّى ؟ قولي وش سوّى
منصور تنهد : هذا بينها وبينه .. المهم أنه ريم ما ودَّها فيه واللي شرع الزواج شرع الطلاق
ريانة تضرب صدرها : طلاق في عينك !! هذا وأنت الكبير العاقل تبي أختك تتطلق
منصور : دام ماراح يتفاهمون ليه تكمل معه بكرا تجيب منه عيال وتبتلش! الطلاق الحين ولا الطلاق بعدين ..
والدته : منصور لا ترفع ضغطي ..
يوسف دخل على نقاشهم الحاد : وش فيكم ؟
والدته : أخوك كبر وأنهبل! يبي ريم تتطلق
يوسف ألتفت على منصور : ممكن أفهم وش هالمشكلة العظيمة اللي بين ريم وريَّان! يخي خلنا على بينة عشان نعرف نتصرف
منصور : إذا ريم تبي تقولك خلها تقولك .. لكن مسألة أنه ريم ترجع له أنا ماراح أوافق
والدته بعصبية : عساك ما وافقت! بس يجي ريان ماتتدخل بينهم وخلهم يحلون مشاكلهم بروحهم
منصور بغضب : لآ بتدخل! ريم ماراح ترجع له يا يمه ولا تخليني أحلف لا والله ..
تقاطعه بغضبٍ كبير وهي التي لا يرتفعُ صوتها على منصور كثيرًا : تحلف عليّ! هذا اللي ناقص بعد
يوسف وقف : منصور أمش معي ..

،

بعصبيَة يشتمُ كل شيء أمامه، لم يعد يتحمَّل كل هذا، لا يتحمَّل هذا الهراء الذي يعني أنها تتذكر الماضي وتنساني! هذه الذاكرة العاصية لقلبٍ متولِّعٌ بها من قدميه حتى أطرافِ شعرَه، هذه الذاكرة التي لا تحاول أن تُفكِّر بطريقةٍ ترحم بها جسدًا يشتهِي عينيْها ويغرقُ بتفاصيلها، أأستخرج عن الحُب كفَّارة حتى تعودِي لأحضاني؟ أم أنسى أنكِ غادة وأنسى هويتي! كُنت أخبرك دائِمًا بأن عيناكِ وطن وأنكِ إنتماء، كُنت أخبرك بأنكِ هويتي إن ذهبتِ ضاعت أوطاني، أنا المواطنُ لأرضِك ولشفتيْك.
: يعني ؟
غادة بضيق : ماأبغى أروح لندن!
ناصر : غادة! أنا ماآخذ رايك أنا قلت لك راح تروحين يعني الموضوع مافيه نقاش
غادة : وأنا ماأبغى .. ماأبغى ابعد لمكان ماأعرفه
ناصر بصراخ : لندن ماتعرفينها؟
غادة : ماأعرفك أنت
ناصر بحدَّة بعد أن وضع حقائبه في سيارته وعزم على الذهاب: راح تروحين .. وغصبًا عنك بعد ماهو برضاك ...
غادة : يخي أفهمني أنا ..
ناصر يقترب منها ليلتصق ظهرها بالجدار، أحاطها بيديْه ليهمس : أولاً إسمي ماهو يخي! ثانيًا ماراح تنامين اليوم الا بلندن إن شاء الله! ثالثًا! لا تحاولين تستفزيني بكلمة ماأعرفك وماأتذكرك عشان ما أنسيك إياهم كلهم وأخليك تعرفين تتذكرين صح!!
غادة بربكة بعد أن ألتصق بطنها ببطنه، شتت نظراتها المرتجفة
ناصر : مفهوم ؟
غادة بهمس : ممكن تبعد شوي
ناصر يُضيِّق عليها بعنادٍ سَادِي : مفهوم ؟
غادة أرتبكت لترفع عينيْها وشتمت نفسها من أنها رفعت رأسها له في هذه اللحظة الضيِّقـة ، وهذه الفرصة لا تضيعُ عليّ . . . . . .


،

تطرق باب غرفته التي حجزها بجانبهم بعد أن نامت ضي وعبير، أشعر بالضجر والملل وكل الأشياء السيئة في ليلٍ طويل كهذا، وفكرة ان أخرج مع عبدالعزيز ليست سيئة ما دُمنا في وضع الهدنة التي عزمنا عليها في الأيام الماضية.
أنتبهت للباب المفتُوح، لتطِّل والظلام يغشى المكان، أقتربت بخُطاها للداخل وهي تبحثُ بعينيْه عن سريره ، شعرت بالباب وهو ينغلق لتتجمَّد أقدامها و لا لفظِ يأتِها سوى الصيغة العاميَة التي تعني " أم الركب " ، ألتفتت بخوف لتتراجع حتى أرتطمت بالتلفاز وهي تحاول أن . . . .



.
.

أنتهى نلتقي الخميس بإذن الله في بارت قريب من قلبي وجدًا وإن شاء الله يكون جميل أيضًا في عيونكم :$()

.
.


إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()

لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.

و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.


أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة


*بحفظ الرحمن.




 
 

 

عرض البوم صور طِيشْ !  
قديم 06-12-12, 08:42 PM   المشاركة رقم: 62
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق



البيانات
التسجيل: Mar 2012
العضوية: 240258
المشاركات: 744
الجنس أنثى
معدل التقييم: طِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالق
نقاط التقييم: 2673

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طِيشْ ! غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طِيشْ ! المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية

 

-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()



المدخل لنزَار قباني من قصيدة القرآر " لازم تقرونها كاملة عشان تشوفون سر الفتنة في هالإنسان :( "

يا أنتِ .. يا سُلْطَانتي ، ومليكتي

يا كوكبي البحريَّ .. يا عَشْتَاري

إني أُحبُّكِ .. دونَ أيِّ تحفُّظٍ

وأعيشُ فيكِ ولادتي .. ودماري

إنّي اقْتَرَفْتُكِ .. عامداً مُتَعمِّداً

إنْ كنتِ عاراً .. يا لروعةِ عاري

ماذا أخافُ ؟ ومَنْ أخافُ ؟ أنا الذي

نامَ الزمانُ على صدى أوتاري

وأنا مفاتيحُ القصيدةِ في يدي

من قبل بَشَّارٍ .. ومن مِهْيَارِ

وأنا جعلتُ الشِعْرَ خُبزاً ساخناً

وجعلتُهُ ثَمَراً على الأشجارِ

سافرتُ في بَحْرِ النساءِ .. ولم أزَلْ

_ من يومِهَا _ مقطوعةً أخباري..




روَاية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية ، بقلم : طِيشْ !
الجُزء ( 62 )



أولاً عسى أفراحكم يالإمارات دايمة، كنت حاطة في بالي من بارت الإثنين أهني المتابعات الإمارتيات الجميلات لكن نسيت والعتب على الذاكرة :( لكن الله يديم مجدكم وأفراحكم ويحفظ لكم شيوخكم ولا يريكم فيهم مكروه والله يحفظ بلادكم وبلادنا وبلاد المسلمين جميعًا من كل شر ()
+ ثانيًا -> راعين طويلة اليوم :P
تغيرت مواعيد البارتات صارت كل ثلاثاء وجمعة، لأنهم يناسبوني أكثر وبعد خذيت راي البنات في تويتر والأغلب كان مؤيد للموضوع، ()
+ ثالثًا -> أتمنى جد محد يقرآ البارت إلا ببال صافِي وبدون إزعاج، فيه أشياء كثير مهمة من هالبارت ()
+ رابعًا -> امزح بس عجبني الوضع :( قراءة ممتعة جميعًا :$




ينظرُ إليْها وهي تلتفت للخلف خشيَّةً من أن تصدر صوتًا مُزعجًا، تقف على أطراف أصابعها كنايةً عن توترها، تطرق الباب بخفَّة حتى تجمدت عينيْها من أنه مفتوح، يتأملها بإبتسامة تتسع شيئًا فشيءٍ، لن تتركين أبدًا التطفل والتسلل إليْ وتقولين بكل ثقة " أنا قادرة على نسيانك " تقولينها بطريقة تُوحي أنني لا شيء وأنا في عينيْك كل شيء مهما أنكرتِ، مهما قُلتِ " لا " فهذا يعني في قاموسي " أحبك جدًا يا عزيز " ، قُلنا هدنَة ولكن المعذرة من هذه الهدنَّة أن أختلت ليومٍ واحد، تقدَّم لغرفته بعد أن أغلق الهاتف، كان الظلام يُسيطر على غرفته التي لا يرى منها شيئًا سوى الضوء المنبعث من النافذة، ألتفتت بخوف لتتراجع حتى أرتطمت بالتلفاز وهي تحاول أن تصرخ ولكن الصوتُ يموت بها في كل مرةٍ تخاف بها لا تملك حبالاً صوتية تقوى على الصراخ.
أبتسم وهو يحاول أن يُخيفها أكثر، أخرج سلاحه من جيبِ بنطاله ليخرج صوت الزناد كرصاصةٍ تخترق قلبِها الرقيق، شعرت بأن صدرها ينفصل بمُجرد ما سمعت هذا الصوت، تموت؟ أنا فعلاً أموت ببطء بهذا الخوف الذي يقتنص قلبي، ضغط على مفتاح الإضاءة لتُضيء الغرفة بأكملها : عندنا ضيوف اليوم!
أتت ردة فعلها جامدة وهي تنظرُ إليْه بأقدامٍ ثبتت في مكانها إذ لم تكُن متجمدة، وملامحٍ تشرَّبها الخوف حتى أستكنت بشحُوب، نزلت دمعة يتيمة ولا صوت يخرج منها. هذه الدمعة ليست ضعفًا ولكن دمعةُ اليأس، دمعةُ اللاشيء، دمعةُ الإفلاس الحقيقي.
وضع السلاح على الطاولة ليقترب منها ولكن سرعان ما تراجعت بخطواتها للخلف لتصرخ به : ماترتاح إلا لما تجلطني .... أتجهت نحو الباب، مرر ذراعه من خلفها ليُثبتها على الباب ويُعيقها من الحركة،
بصوتٍ يضيق بحزنه : يا عمِّي أنا آسفة أني جيتك أنا الغبية أني جيتك .. ممكن تتركني الحين ؟
عبدالعزيز : ماني عمِّك
رتيل ومازالت لم تلتفت عليه ومازال يُحاصرها من ظهرها: ماهو جو أنك تتمصخر! ..
عبدالعزيز : وش كنتِي جاية عشانه ؟
رتيل عقدت حاجبيها : طفشت ومالقيت غيرك لكن دايم أكتشف أني غلطانه ودايم أكتشف أني أكبر حمارة عرفها التاريخ!
عبدالعزيز تنزل أصابعه من عند الباب لتتجه نحو خصرها، يستعمرها بأصابعه وبذراعه التي تلتفُ حولها كهالةٍ لن تُمحى بسهولة، ألتفتت عليه ولا هواءٌ يتجرأ أن يفصل بينهُما، شعرت بأن أوكسجينها ينسحب من الغرفة وينسحبْ إلى رئتي عبدالعزيز ويتركها خاليَة، بهذا القُرب المقدَّس بين عينيْهما تاهت الكلمات المتزنَة، يطيلُ الوقت بالتأمل وعينيْها لا ترمش ولم تكُن عينيه أفضلُ حال وهي تتجمدُّ في عدسةِ عينِ رتيل، إنَّنا لا نعرف كيف نعقد العهود! إننا لا نعرف كيف تُقام الهُدن وكيف تتزن شروطها؟ إننا أسوأُ من البعد، من الغياب، إننا نغرق بوعودٍ وهميَة ومصطلحاتٍ زائفة، نُعيد تعاريف الأشياء لتُصبح خفيفة عابرة في قواميسنا، الهدنَة التي تعني الصلح الذي يسبق الحرب، أو الهدنة التي تعني حربٌ لاذع يستمرُ في الصمت حتى يخرج صوته فنقول إننا نواجه الحرب! هل هذه الهدنَة يا عزيز؟ أم أن الهدنة التي أستخرجناها من جحيم ثغرك تعني أن نقترب بكامل رضانا ونحنُ نكابر! أنا أضيع، أين قلبي؟
تعلمين يا رتيل أنني الأسوأ في كل شيء، الأشدُ سوءً من عينيْك المعصيَة، رسائِلُ القدر التي تهمس لي مرارًا " أنت تغرق ولا حبل نجاة ينتظرك " أنا الأسوأ من الحياة التي تُقيم مراسم تأبين عائلتي أمامي في كل لحظة/في كل ذكرى دُون أن تلتفت لقلبٍ لم يُدفن بعد، لقلبٍ يحاول أن يقف وفي كل مرةٍ يسقط!، أنا الأسوأ ولكن عيناكِ كارثة! وأنا اتحملُ معنى هذه الكلمة وهذه الجريمة، أتحملُ ما تؤول إليه التفسيرات، بالله عليكِ! كيف أنظرُ لنفسي للمرآة وأرآكِ؟ كيف أشعرُ بأنكِ مرآة تلاحقني في كل مكان، كيف تكُوني بهذه الصورة اللاذعة! أنا لولا عينيْك كان بإمكاني التقدمُ في أمرِ زواجنا بصورةٍ سلبية كانت أم إيجابية ولكن هذه العينيْن تعرقلني، والله تعرقل رجلٌ مثلي لا يتحمَّل سمراءٌ نجدية مثلكِ، ليتني أستطيع أن أتواضع قليلاً لأجلِ عينيْك وأقُول " سحرٌ أنتِ أم أنا المجنون ؟ "
أرتفع صدرَها بشدَّة وهي تسحبُ أنفاسها التي بات يسرقها من شفتيْها، لا أعرف لِمَ أغمض عيني في الحُزن/الفرح، لِمَ عينايْ لا تقوى أن ترى الفرح إن تشكّل أمامي، لا تقوى أن ترى بُكاء الحزن في داخلي، والآن أغمضها لأنني لاأعرفُ كيف أصنِّف هذا الشعور؟ هذا الشعور فوق كلماتِي فوق تحكمُ عاطفتي، هذا الشعور فوق السيطرة. هذه القُبلَة تنزلُ بخفَّة لقلبي، هذه القُبلة تنامُ في صدرِي.
تضع يدها على صدره لتفتح عينيْها بإطمئنانِ الحياة التي بثَّها في داخلها، كيف للقُبلات هذه المقدرَة الخرافية؟ كيف لها أن تتشكلُ كالحياة وأحيانًا تتشكلُ كالموت. دفعتهُ قليلاً وهي تحاول أن تبتعد بعد أن أستسلمت لقلبها الذي أندفع بإتجاهه، وعدتُ نفسي مرارًا وأعترفُ أنني خائنة الوعود! قُلت كلامًا لا يحكمهُ عقلي، أصبح الكلام تحت سُلطته وأنا كاذبة في كل أقوالي إلى الآن، إلهي إجعلني فقط ألتزمُ بوعدٍ واحد حتى يعرفُ أنني مازلتُ لست راضية.
أبتعد بخطواته للخلف : عن الحُكم؟ نقدر نقول بطَلت الهدنة ؟
رتيل دُون أن تنظر إليْه : لا
نظر إليْه بحدةِ حاجبيْه التي تشابكت فيما بينها، تقدَّم مرةً أخرى عدة خطوات ليقترب منها : شيئان لا تصدق فيهما قولاً إمرأة عيناها من شدةِ الصدق تكذب و إمرأة من شدةِ الكذب عيناها تُكذِّبها جهارًا.
بلعت ريقها من وصفه المباشر لها، بللت شفتيْها بلسانها وهي لا تستطيع رفع رأسها لتنظرُ إليه، شتت أنظارها لتُردف ومشاعرها المتلخبطة أحمرّ بها وجهها الشاحب، هرولت الحُمرَة في جسدِها بأكمله، أهذه ربكةُ الحب؟ أأنا واقعةٌ به؟
: تصبح على خير ... ألتفتت للباب وهي تحاول أن تفتحه ومن التوتر الذي أصاب اصابعها أطالت في فتحه حتى وضع يده على كفِّها المثبتة في مقبض الباب : لمعلوماتك عيونك تِبطِل أشياء كثيرة
رتيل بسخرية : منها مقولتك اللي ماأعرف مين قائلها!
عبدالعزيز بإبتسامة لاذعة وهذه الإبتسامات تُصيب الإناث في مقتل : لا.
رتيل لم تفهمه، ألتفتت وبنبرةٍ جادة مازال في المتسع أن لا نستسلم : وش تبغى توصله ؟
عبدالعزيز بنبرةٍ متلاعبة : أسأليني
رتيل لم تفكك الخبث المنحصر في كلماته لتُردف بصفاءِ قلبها : وش الأشياء الكثيرة اللي تقصدها
عبدالعزيز : تقصدين وش الأشياء اللي تبطلها عيونك ؟
رتيل تشعرُ بإستفزاز أسئلته لتُردف : وش الأشياء اللي تبطلها عيوني؟
عبدالعزيز : الوضوء
شعرت بأنها تختنق فعليًا، فتحت الباب بقوَّة لتخرج بخطواتٍ متخبطة مرتبكة، دخلت غرفتها وهي تضع ظهرها على الباب ويدها على صدرها تستشعرُ حرارة الكلمة المنصهرة في يسارِها، أتجهت نحو الحمام الذي كان قريبًا جدًا لتُبلل وجهها الذائِبُ بحرارته بماءٍ بارد، أنتشر صدى أنفاسها التي تأخذها بتسارعٍ، كل شيء يختلُ توازنه، صوتُ ضربات قلبي ترتعشُ معها أذني وكأن قلبي يُريد أن يوصل إليْ بنبرةٍ مستعارة " أنني لا أملكه " فـ ورقة الملكية في جيبِ عزيز، مع كامل الحُب والأسف.


،

وهذه الفرصة لا تضيعُ على رجلٍ يتشربهُ الإشتياق كل دقيقة وكل ثانية وكل لحظة، هذه الفرصَة كفارةٌ عن نفسكِ التي بادلتني بالبرود بعد كل هذا الغياب، أتريْن كيف الفرص تقفُ بصفِّك؟ ليست هي فقط بل قلبي أيضًا، تقف بكل شموخٍ تواسيني وتحاصرك، هذه الفرص مدعاةُ للسخرية إن ذابت قبل أن ألمسها، كيف تضيعُ منَّا الحياة؟ إني أسألك بحقِّ الله كيف أشتاقُك وأنتِ أمامي؟ إني أسالكِ بحق الربّ الذي صقلَ جسدكِ من ماءٍ وطين! إنِي أسألكِ بحقِ العظيم كيف لعينيْك هذه المقدرة من الذوبان والطوفان؟ أعلنُ إنشقاقِي من البشر، من الأرضِ والطين ورسائِلُ عينيْك الكاذبة، أعلنُ الإنتماء لشفتيْك ولوجهكِ وكل شيءٍ فيك لا أعرفهُ بأحدٍ غيرك، إنّ وجهُكِ ديارِي وإنكِ هويتي، يا حاكمتي بغيرٍ ذنب إني واقعٌ في معصيتك، يا خطيئتي بغيرٍ حساب إني لا أطلبُ الغفرانِ عنكِ، يا حبيبتِي من أيّ العوالمِ أنتِ أتيتِ ؟ هل من العدل أن تأتِ بحرًا يغرقني أم من العدل أن تأتِ كرياحٍ هائجة لا تُبقي ليْ جذورًا؟ إنهُ من الظلم أن لا أحبكِ، أني عادلٌ جدًا وأني أحبك جدًا جدًا.
عيناها تطيل الوقوف في عينيْه لتراه كصورةٍ أخرى، تغرق تمامًا وهي تسترجعُ تفاصيلاً أخرى لا تعلم موعدُها ولا تاريخها ووقتها، بلعت ريقها وهي تُغمض عينيْها لتستذكر ما حصلَ بالسابق.
" في محطة القطار التي فرغت تمامًا في ساعةٍ متأخرة، بتلاعب أقترب منها وهو يلاصقها، أبتسم ومازالت عيناه تنظرُ لسكةِ القطار الخاوية، تُبادله الإبتسامة وعيناها أيضًا تنظرُ للسكةِ الحديدية، عانق أصبعها السبابة بكفِّه لتلتفت إليْه وهي ترفعُ حاجبها : باقي 10 دقايق. ناصِر بإبتسامة شاسعة يتلاعبُ بها : 10 دقايق تحديدًا يمدينا نسوي فيها إيش؟، غادة بضحكة : يمدينا نطلب قهوة تصحصحنا على هالفجر. ناصر يُجاري ضحكاتها : ويمدينا نسوي شي مجنون مثلاً ... يقترب أكثر .. يعني مثلاً .. يُراقب بعينيْه محطة القطار التي كانت خاويَة تماما عدا شخصٌ نائم على الكرسي البعيد ليلتهمها وسط ضحكاتها التي أعتلت وهي تحاول أن تُبعده وتُذكره بمكانهما، نحنُ في الحب مجانين، نحنُ في الحبِ لا ننتمي لأيّ عرقٍ أو طائفة، نحنُ في الحُب ننتظرُ نوم العالم حتى نصخب بضحكاتنا/بجنُونا، نحنُ في الحب نمارس قدسية الجسد كما ينبغي وكما يُرضي الله.
فتحت عينيْها لتُبعده بيديْها الرقيقتين، شعرت بأن حرارتها ترتفع مع الذكرى التي تجهلُ بأيّ مكانٍ وقعت، ترنُ في داخلها الضحكات، يصخبُ رنين خلخالِ الحُبِ في قلبها
أخذت نفسًا عميقًا وهي تقف بربكةٍ في المنتصف، ألتفت عليها ليتجه نحو الباب وهو ينطقُ بهدُوء : أنتظرك تحت . . . .

،

مسكها من ذراعها لتسقط على صدره، رفعت جسدها حتى لا تؤلمه وهي بدأت تكتشفُ مكان إصابته، أنساب شعرها لجهةِ اليمين وهي تنظرُ إليه بإستغراب من التناقضات البشرية التي تكمنُ في داخله، من حربُ عينيْه وقلبه، أتعلم مالشيء الذي يليقُ بعينيْك في هذه الساعة، أن يُصيبها شيءٌ يجعلك تستعيذُ ثلاثًا من فكرة تجاهلِي وأنا إمرأة لا تخافُ التحدي ولكنها واقعةٌ بِك وهذا ما لا يقبلُ به التحدي إن كان إحدى الطرفين منحاز للآخر، للأسفِ الشديد عيناك (حليَانة) وأنا أتولعٌ بِها!
سلطان رُغم أنه يشعر بألمِ مفاصله الذي تسربَّ من صدره إلا أنه يواصل إستحلالُها، " فأستسلتمي لإرادتي ومشيئتي، واسْتقبِلي بطفولةٍ أمطاري ، إنْ كانَ عندي ما أقولُ .. فإنَّني سأقولُهُ للواحدِ القهَّارِ...عَيْنَاكِ وَحْدَهُما هُمَا شَرْعيَّتي. " شرعيةُ قلبٍ رُبما يُبطلها متى ما أراد مزاجه وأنا كائِن مزاجِي لا يرضخُ لعواطفه وهذا عيبٌ بشرِي لا أظنُ أنه يختلف عليه إثنان، وأنتِ تعلمين يالجوهرة أنني قادر على التعايش بعكسِ دواخلي، قادر وجدًا أن لا أختارُ بين الحب واللاحب، قادر تماما أن أنفيكِ وأقربكِ وأستوطنِك وأعلنُ رفع حصارِي عنك، يا مدينةٍ مقدَّسة أنتِ ويا حكُومتي الطاغية.
: عسى سرحانِك بشي معقول!
تُهينني كثيرًا بكلماتِك، تقسُو كثيرًا ولكن كل هذا لن يُحرِّك بيْ ما ترجيه، إن كُنّ النساء يرتفعُ سقف طموحاتهم عندما يرونك، عندما يُشعرني الجميع بأنّ حظِّي في هذا الدنيا كبير لأنك زوجِي فأنت ذو حظٍ أعظم لأني مازلت أراك، أبتسمت بسخرية وهي تعلن الإنشقاق عن ملكيتِه : وش الشي المعقول أصلاً ؟
صغيرة جدًا على محاولاتِك الإستفزازية بالكلمات، أنتِ أصغرُ بكثير من أن تُبددني كلماتك، يسحبها بقوَّة حتى ينسحبُ الهواء ببطءٍ بينهما ليلفظ وهذه المرَّة الكلماتٌ لا تُرسل لأذنها مباشرةً بل الوساطةٌ تنتقل لشفتيْها المتوردتيْن، أضنيتني بالبُعدِ كل هذه الفترة ما أظلمك! أكان الغربة عن شفتيكِ واجبًا؟ لو رآكِ غيري لحرَّم على نفسِه النساء من بعدِك : هذا المعقول
الجُوهرة تسحبُ نفسها بربكةٍ تحمرُّ بها خجلاً، لتُردف بكلماتٍ مرتبكة متقطعة : ومن ضمن هالمعقول أنك تتجاهلني وأنا من طحت بالمستشفى لا ليلي ليل ولا نهاري نهار !!
سلطان بسخرية لاذعة وهو يفرغُ غضب العملِ بها : تصدقين لولا إنتظارك ما كان صحيت! شكرًا على الوقت اللي راح وأنتِ سهرانة ... كنت راح أضيع
الجوهرة تدافعت العبرات في حنجرتها، أمالت فمِها، تحاول أن لا تُضايقه وهو مازال مُتعب، تحاول ولكن يستفزها بكل شيء حتى في مرضه، أتى صوتها مختنقًا : أنا أسأت الظن فيك بس أكتشفت أني أحسنته، لأن سوء ظني عمره ما وصل لمرحلة أني أتخيلك تتمصخر عليّ بهالطريقة!
سلطان وهو الذي يضيقُ من نفسه أكثر من ضيقه منها، بهدُوء : مزاجي ما يتحمَّل أسمع كلمة ثانية
الجُوهرة شدَّت على شفتِها السفليَة محاولة أن لا تبكِي، " ما عادَ يَنْفعُكِ البُكَاءُ ولا الأسى فلقدْ عشِقْتُكِ .. واتَّخَذْتُ قراري.. "
بلعت ريقها لتُظهر صوتها متزنًا رُغم عينيها المختنقة بالدمع : ممكن يتنازل هالمزاج شوي وتفكر بطريقة تعتذر فيها ليْ
سلطان أتسعت محاجره بالدهشَة، لم تترك له فرصة للحديثِ بصوتها الخافت : لأنك غلطان! ومن شيم الرجال الإعتذار عند الغلط .. وأظن ماينقصك عن الرجال شي.
سلطان بعصبية أستفزت كل خلية بجسدِه : لا تحاولين تستغلين تعبي بأنك تمررين الكلام بدون لا تحسبين حسابه، تراني قادر الحين أقوم وأعلمك كيف تكلميني!
الجوهرة ببرود : أعرف كيف أتكلم قبل لا أسمع لإسمك طاري في حياتي
سلطان بحدة : الجوهرة! والله ..
تُقاطعه بمثل حدتِه : لأنك غلطان! لأنك عاجز حتى أنك تعترف بغلطك .. فأسهل وسيلة أنك تعصب وتحلف .. لكن لو أنك مقتنع باللي تقوله كان واجهتني بالحجة ..
سلطان يحاول أن يستعدِل وملامحه الحادة يرتسم عليها تعبه وثقل جسده عليه، في جهةٍ كانت تنظرُ إليه وهي تجاهد أن لا تضعف أمامه، تتألمُ من ألمه وتعبه، هذا التعب أشعرُ به يشطرني قبل أن يشطره.
ألتفت عليها : و رحمة الله يا بنت عبدالمحسن لا أوريك الحجَّة اللي بتندمين بعدها.
فهمت تهديده تمامًا، بلعت ريقها الذي تحشرج بها، ضغطت على زر الإنارة لينتشر الظلام عليه وتخرج دُون أن تلفظ بكلمة، من شأنِ هذا التهديد أن يقتلع الأمان من قلبها، لا يفهم ولا يريد أن يفهم بأني أحبه رُغم كل ذلك، ولكن هذا الحُب يومًا عن يوم يضيعُ بي وأخشى أن يأتِ اليوم الذي أفلس به من الحُب، من كل شيء يتعلقُ بك وأبقى خطٌ محايد لا ينتمي إليْك ولا ينتمي إليْ، لحظتُها بإمكاني أن أقول لك " وداعًا " دُون أن أرمش ندمًا ولكن أنت وحدة من ستندم.

،

قبل عدةٍ أيامٍ طويلة، دخلَ الجناح الخاص بهم وهو يبحثُ بعينيْه عنها، أتجه نحو الجهةِ الأخرى التي تضم دواليبهم، بصوتٍ هادىء : رييييم!! ...
نظر للسرير المرتب الذي يُثبت له بأنها لم تنام في الظهيرة كعادتها في الأيام الماضية، عقد حاجبيْه من فكرةِ خلو الجناح منها، بغضب يُمسك هاتفه ليتصل عليها ولكنه " مغلق " تأكد تماما بأنها خرجت دُون علمه، لا يتصوَّر كل هذه الأفكار السوداوية التي تنهمر عليه في لحظةٍ واحدة، في الوقت الذي نزل به كانت الخادمة تُبلغ والدته ما رأت.
والدته بهجومٍ شرس: أنت وش مسوي مع البنت ؟
ريَّان : وش قالت لك ؟
والدته : الشغالة تقول أنها راحت مع أخوها ومعاها شنطتها!
ريَّان بحدَّة : طيب .. مثل ماراحت ترجع وأنا أعلمها كيف تروح بدون علمي
والدته بغضب : من جدك يا ريان تبي تقصِّر لي عمري!! ..
ريّان : يمه لا تزيدينها عليّ لو انها متربية ما تركت البيت بدون علمي .. بس والنعم والله فيها والنعم في أخوانها اللي مخلينها تمشِّي كلمتها عليهم – أردف كلماته الأخيرة بسخرية شديدة رُغم القهر الذي ينتشرُ على جسده –
والدته برجاء : أتصل عليها لا ترفع ضغطي
ريان : ماراح أتصل ولا راح تتصلين يا يمه .. أنا أعرف كيف أربيها! إذا ما خليتها معلقة لين ترجع برجولها ما أكون ريان ...

في هذه اللحظات تجهلُ ردة فعله ولكن كانت تتوقعُ أن يتجاهلها، أن لا يتصل، أن لا يحاول أن يستعيدها، تعلم أنه لا يكِّنُ لها أيّ شعور حتى يفتقدها، مرّ أسبوع وهذا الأسبوع الثاني ولا خبرٌ عنه ومنه، تتكوَّرُ في فراشها كالجنين، هذه الوضعية التي تحنُّ إليها، تكتمُ ملامحها البيضاء في الوسادة القطنية، لا تتحملُ كل هذا الألم، كل هذا الوجَع الثقيل على قلبها، كلمة " مطلقة " التي تأتِ كشبحٍ وكابوس على قلبها، في عُمرٍ أصغر من أن تتحملُ كل هذا العناء، لم أتوقع ولو للحظة ان تصل بنا الحياة لهذا المفترق، أن يلتصقُ بي " الطلاق " في وقتٍ قصير، ولو كُنت أكثر المتشائمين لمَا توقعت أن يكُن ريَّان بهذه الشراسة وهذه الحدَّة التي تُصيبني في غثيانِ الأحلام الزهريَّـة.
تمسحُ دموعها وهي تعتزلُ الجميع وتتوحدُ بغرفتها، سمعت طرقات الباب لتلفظ ببحة : تفضل
طلت هيفاء وهي تضيقُ اكثر وأكثر بمنظرِها منذُ ان أتت : ما نمتي ؟
ريم : لا
هيفاء : طيب أنزلي تحت، أبوي ومنصور ويوسف مجتمعين و ... يتكلمون بموضوعك .. تعالي وقولي لهم قرارك قبل لا تضيق بينهم كلهم لأن حتى أمي عصبت
ريم عقدت حاجبيْها لتتنهد بضُعف، وقفت وهي ترفعُ شعرها كذيلِ حصان وتنزلُ مع هيفاء، بنبرةٍ خافتة : أستخيري قبل كل شي
لم ترد عليها، هي مع ريان تجاوزت الإستخارة بكثير، لم يعد هُناك شيئًا يجعلني أتمسك به، لا شيء يُخبرني بأن هذه الحياة ستبتسمُ وأنا بقُربه.
نظرت إليهم ولحدةِ النقاش والكلمات التي تُقذف بينهما، تفاجئت بنبرةِ يوسف وهو يقول : إذا جاء ريان ذيك الساعة محد بيمسكها ويقولها لا ، بترجع له
ألتفتوا عليها، والدها : تعالي .... أشار لها للمكان الفارغُ بجانبه.
جلست ليحتضنها من كتفيْها، هذا الدعمُ الذي يبثُّها فيه والدها يُشعرها بالأمَل رُغم كل الإحباط واليأس، بنبرةٍ هادئة : أنا ماأبي الموضوع يكبر ويآخذ أكبر من حجمه ... أنا قررت وأنتهينا
يوسف : على الطلاق؟
ريم هزت رأسها بالإيجاب.
يوسف : أنتِ عارفة وش يعني طلاق؟ مهما كان فيه مشاكل بينكم فهذا شي طبيعي ببداية كل زواج! أنتِ بيوم وليلة صرتي بحياة ثانية أكيد بتواجهكم عقبات، ماراح يكون بهالسهولة! لكن أنك من أول مشكلة قلتي طلاق هذا شي مرفوض طبعًا
ريم : لما كنت تبي تطلق مهرة ماكان بيوقفك كلامنا .. ليه الحين بيختلف الوضع
يوسف بغضب : لآ تربطين الأشياء في بعضها! مهرة غير وأنتِ غير ... تصرفك غبي أنك تجين وبدون لا يدري والمشكلة من الكبير بعد
منصور : يوسف أحفظ ألفاظك كويس
ريم بعصبية رُغم أن عيناها تتلألأ بالدمع : يعني بتغصبني مثلاً؟ قلت ماأبيه .. أنا إنسانة ما اصلح لزواج ولا أصلح لأيّ شي
والدها : ريم حبيبتي سواءً كنتِ رافضته أو موافقته أنا بكون معك لكن بتآخذين بنصيحتي أكيد ؟ .. لا تتصرفين تصرف أنتِ متأكدة أنك راح تندمين عليه بعد فترة
والدتها بإنفعال : رافضته!! عقب العرس وكل اللي صار تجي الحين تقول رافضته!
ريم وصوتها يختنق بالعبرَات : طيب أنا ماأرتحت له، ماأبغاه
والدتها : وليه توّك تقولين هالحكي! كلمتك يوم كنتِ في تركيا وقلتي أنك مرتاحة ومزاجك عال العال .. وش تغيَّر الحين؟ ولا هو لعب بزارين قالك كلمة وعلى طول زعلتي... لو كل البنات سوو زيّك ما بقى بيت عامر! لكن الشرهة على اللي ما عرف يربيك ولا عرف يعلمك كيف تحفظين بيتك وتصونينه ... وخرجت غاضبة لا تحتمل أبدًا وقوف الأب والأخ الأكبر معها، لا تحتمل أنّ إبنتها تُدمِر بيتها وهي التي تتأملُ منها أحفادًا وحياةً زهريَة لا تذبل.
أخفظت رأسها، كلماتُ والدتها أتت موجعة لها في وقتٍ جفَّ به جسدُها وكل شيء عدا عينيْها التي لا تتوقف عن البكاء،
يوسف بهدوء : تعوذي من الشيطان هذا طلاق ماهو لعبة! لا تهدمين شي بكرا بتندمين عليه
والدها : لا تسمعين لأحد، أنتِ بروحك اللي قرري ووقتها أنا بنفسي بكلِّم ريان وأبلغه

،

في الصباح المضطرب، يضع الأوراق أمامه وهو ينظرُ للقائمة التي وقعت بدخولها للأرشيف الذي يعتبر مستودعِ أسرارٍ محظور، رفع عينه : ومين بعد ؟
أحمد : بس هذا ما يخص شهر أوقست
عبدالرحمن بإرهاق يضغطُ على عينيْه : أبي أعرف مين مسك هالأوراق غيري؟
أحمد : الله يسلمك عطيتك الأسماء وأنا متأكد أنه ما سقط ولا إسم سهوًا
عبدالرحمن : باقي يشككونا في نفسنا
أحمد بكلماتٍ مرتبكة يحذرُ منها : أعذرني على التدخل لكن ما تحس أنكم تشكون في شخص وبعدها يطلع دليل يبرئه .. ممكن يكون فيه شخص قاعد يشككم بناس مالها دخل عشان ينفذ مخططاته، أنا أشوف يا طويل العمر أنه السالفة تتعلق بشخص واحد اللي قاعد يحاول يضرب روسكم في بعض.
عبدالرحمن رفع عينه إليْه : ومين هالشخص اللي قاعد يشتتا بنظرك ؟
أحمد : أحذر صديقك قبل عدوك
عبدالرحمن تنهَّد : شاك في أحد يا أحمد ؟
أحمد : لا، لكن دامه يعرف كل هالأمور أكيد أنه قريب مننا
عبدالرحمن : تقدر توصلي لسكرتير سلطان العيد الله يرحمه
أحمد : أستقال من فترة طويلة
عبدالرحمن : طلعه من تحت الأرض، شف لي عناوينه وروح له .. لازم أشوفه ضروري

،

يكتبُ في الصفحة 77 " حقلٌ محظور : في الأرض التي رأيتكِ بها ربيعًا أقتلعتِ أشجاري ولم يعد للحطابِ شيئًا يفعلهُ سوى عدِّ النجُوم ليلاً " ينظرُ لوالده المشغول بأعماله، يراقب تصرفاته الدقيقة التي يشتركُ بها معه، نظرته الحادة وتلك الهادئة، عدسةِ عينه التي تتجه للأعلى في حالةِ غضبه، هذه الحالة التي ينظرُ بها للسقف معبرًا عن ضيقه ومعبرًا عن تهديده الذي إن عاد ونظر للشخص الذي أمامه سيقتلعُ جذوره، هذه الحركات البسيطة تُشبهه تمامًا حتى وإن حاول إنكارها.
لاحظ نظراته ليلتفت إليْه : لا يكون أنا إلهامك!
أبتسم : كنت بجاملك وبقول محظوظ أنك أبوي
رائد : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههه شكرا على صراحتك ..
لتتغير ملامحه بغضب مصطنع ويُكمل : قم أنقلع عن وجهي منت كفو
فارس يقف : طولوا وما ردّوا علينا! يمكن يرفض
رائد : مو سأل عنك يعني معناته أنه مقتنع بس أنت أنتظر يومين بالكثير وبتلقاه يتصل على أبوك .. *أردف كلمته بسخرية*
فارس : تراني بلغت أمي
رائد بسخرية لاذعة : عز الله راح الزواج في خبر كان
فارس نظر إليْه بغضب من أنه يهين والدته أمامه : يبه!!
رائد ويُكمل بسخريته وهو ينظرُ لأوراقه : من باب مالاتعلمه عن امك تراها إذا ما بغت شي يصير ومقدرت توقفه .. الله وكيلك يصير اللي تبيه عاد كيف! لا تسألني ... كيد أعوذ بالله منه
فارس : لكن هي موافقة وأنبسطت
رائد : غريبة! عاد أمك نكدية درجة أولى! إذا مالقت شي تبكي عشانه قامت حضرت لها فيلم تبكي فيه .. عقد الله يبعدك عنها
فارس : أنا الغلطان اللي فتحت سيرتها، على الأقل أحترمها عشاني
رائد : أنا أتطنز عليك ولا عليها؟ عليها إذن إكل تراب ومالك دخل ..
فارس يجلس أمامه لا يستطيع أن يجادله بشيء لأنه يعرف ردة الفعل المستقبلية لذلك، تنهد ليُردف : متى بنرجع الرياض؟
رائد : متى ما طقَّ بمزاج .. مين؟
فارس : بمزاج رائد
رائد : وحطبة!
فارس بإستفزاز صريح له : هالحين موضي اللي مو عاجبتك متزوجة ومبسوطة! وأنت مقلق نفسك ولا تزوجت
رائد يضع أوراقه في الدرج ليرفع عينه : الحريم مايناسبوني
فارس : وش يناسبك؟
رائد بنظرةٍ الشك : هذي الأسئلة ماهي لله! لايكون تكتب عني! تراني أنبهك عشان ما يكتبون فارس الله يرحمه
فارس : كان مجرد سؤال

،

تقيأت كثيرًا هذا الصباح، تشعرُ بأنَّ روحها تخرج في سعالها الذي قطَّع أوردتها، لن يعجب عبدالرحمن الخبر، يُمكنني تصوِّر ردة فعله إن عَلِم! إنقطاعي عن حبُوب منع الحمل أتى مُكلفًا، سيغضب لو علِم! بالتأكيد سيشعر أنني أستغله أو أرفض أوامره، يالله مالحل! لو أخبرته وهو في الرياض لن يترك لي فرصة بشرحِ الأمر! ماذا لو لمْ اخبره رُبما يغضب بعد أن يعرف ويشعر بأني أستغفله! مسحت وجهها بالمنشفة وهي تخرج لترى عبير تُسرِّح شعرها.
أخذت نفسًا عميقًا لتُردف : أنتم أطلعوا أنا برجع أنام.
عبير تتأمل شحُوب وجهها الذي لا يبشر بالخير : فيك شي؟
ضي تستلقي على السرير وهي تضع يدها على بطنها : لآ بس تعبانة شويْ شكله من الاجواء
رتيل الغائبة فعليًا عنهما، تُغلق أزارير معطفها دُون ان تنطق كلمة مازالت آثارُ البارحة تُجفف حقل الكلام في صدرها.
عبير : إذا ماطلعتي معنا محنا طالعين .. نسيتي أبوي وش قال؟ يا نطلع كلنا يانجلس كلنا
ضي : بقفل عليّ الباب وماراح يجيني شي إن شاء الله
رتيل تجلس بالسرير الذي يجاورها : أمس ماكان فيك شي! لا يكون مآكلة شي ومخليك تتعبين كذا!
ضي بتوتر : لآ ماكليت الا اللي أكلناه مع بعض .. أنا أعرف نفسي أحيانا أتعب ويجيني خمول زي كذا فجأة
عبير تنهدَّت : طيب أجل بنجلس معك
ضي : وش تسوون معي! خلاص قلت لكم بنام وماعلى تجون بتلقوني شبعت نوم
عبير : أنتِ أول وحدة نمتي أمس .. وش هالنوم اللي جايك فجأة
أرتبكت ضي لتُردف وهي تبلع ريقها : وش فيكم مستغربين! قلت لكم تعب عادِي بس أنام برتاح
سمعُوا طرق الباب لتتجه عبير وترى من خلال العين السحرية، ألتفتت : هذا عبدالعزيز ... أتجهت رتيل وهي تأخذ نفس عميق : أقوله بنجلس ؟
عبير : إيه خلاص أنا بجلس
فتحته وهو يقف مبتعدًا عدة خطوات ويُعطي الباب ظهره، ألتفت ليُطيل صمته بعينيْها : صباح الخير
رتيل : صباح النور .. أغلقت الباب لتتمسك بقبضته وهي تتحدثُ معه ... ضي وعبير بيجلسون اليوم، مو مشتهين ينزلون تحت .. وأنا بعد
عبدالعزيز : مو مشتهين! ولا بتحاولون في غيابي تنزلون!
رتيل : جد أكلمك مو مشتهين .. ماراح ننزل تطمَّن
عبدالعزيز : طيب .. وأنتِ ؟
رتيل بهدُوء : ماني مشتهية بعد
عبدالعزيز : طيب، تبون أجيب لكم شي ؟ نزلتوا أفطرتوا ؟
رتيل : لا مو مشتهين
عبدالعزيز بشك : كلكم مو مشتهين!
رتيل بتوتر : إيه
عبدالعزيز : ماشاء الله كلكم مو مشتهين تآكلون وكلكم مو مشتهين تطلعون ..
رتيل تنهدت : قلت لك مو مشتهين يعني فيه شي غريب بالموضوع؟
عبدالعزيز : إذا صاير شي قولي لي! أتركي خلافاتنا على جمب ولا تخبين شي
أبتسمت : الحين صارت خلافاتنا!! قلت لك مافيه شي
عبدالعزيز : طيب تعالي معايْ .. بننزل نفطر
رتيل : مو مشتهية! نفسي منسدة
عبدالعزيز كان سيتحدث لولا هاتفه الذي أهتز بيدِه : هلا أثير
أرتفع نبضُها بإسمها الذي لا شأن له سوَى أن يعبرُ لسان عزيز، تنظرُ له وهي تتأملُ صوته، تتأملُ الكلمات التي تخرج منه، لا قوة لديْ لأصطبر على أنك تُحادثها، لا قوة لديْ لأتحمل كل هذا، وإن كُنت لا تعنيني إلا أنني أنانية جدًا بك، أنانية لدرجة لا تستوعب أن هذه الأنثى تسمعك، تراك، تُحدِّثك، تعانقك.
عبدالعزيز مُشتت نظراته بعيدًا عن رتيل التي تشتعلُ غيرة : ... طيب ... إن شاء الله الساعة 5 ............لا مو أكيد ...... طيب بحفظ الرحمن ... أغلقه.
رتيل بهدُوء تخفي الغيرة المتوجهة في عينيْها : تبي شي ثاني ؟
عبدالعزيز : لآ ولا تطلعون .... لم يترك لها فرصة للتعليق وهو يتجه نحو المصاعد الكهربائية.
دخلت وهي تشتمه بكل الكلمات وتصخبُ بألفاظها حتى قاطعتها عبير : وش قالك على هالصبح بعد!
رتيل : الله يآخذ أثير أخذ عزيز مقتدر
ضحكت ضي بين وجعها وإضطراب مشاعرها لتُردف : مدري كيف فيه حريم يقدرون يعيشون مع الضرة! شي يحرق القلب
رتيل : ومين قال بعيش معها! يا أنا يا هي .. وطبعا هو ما يقدر يتنازل عن حبيبة قلبه .. إثنينتهم كلاب ..
عبير عقدت حاجبيْها : ما أتخيل حتى لو كان شخص ماأحبه بس فكرة أنه فيه وحدة غيري بحياته بحد ذاته هالشي يقطِّع قلبي
رتيل بضيق : شكرا لأنكم تزيدونها عليّ
أبتسمت ضيْ : قلنا لك روحي له بس أنتي تكابرين وتقولين لا ومستحيل وماأعرف أيش .. خلي حججك تنفعك
رتيل وهي تُقطِّع أظافرها بأسنانها من حرقة الغيرة التي لا تنطفىء أبدًا : اكيد الحين راح لها ..
عبير : بتضلين طول الوقت تفكرين وتقولين الحين جمبها والحين هي وياه والحين مدري وش يسوون! ... لاتفكرين بهالأشياء وتشيبين عمرك

،

في مدينة الضباب الماطرة على الدوام، تتأملُ ملامحه وهو نائم على الأريكة بعد ان جلبت له غطاءً قطني يُدفئ أطرافه، تتوافدُ عليها الذكريات بمُجرد ما تُمارس معه الأفعال، كل أقواله التي يستمر بالضغط بها عليْها لا تجلبُ لها ذكرى واحِدة و قُبلَة فقط قُبلة جعلتها تعُود لمكانٍ تجهله على وقعِ ضحكاتها، ما يُثير في نفسها ألف علامة تعجب كيف كانت تُمارس الحب معه في الأماكن العامة؟ من المستحيل أنها كانت تُمارسه معها! ولكن في كل ذكرى لا أتذكر أن أحدٍ معنا أو بجانبنا، كُنت أول رجلٍ ألحظهُ بحياتي، أول رجلٍ هُذِّبت به مراهقتِي، كنت فارس أحلامي الذي يجيء يوميًا مع عبدالعزيز لأتلصص عليه بالنظرات، كان إعجابًا بِك وبشخصيْتك التي كُنت أراها فريدة، ولكن الآن لا أعرف ما شعُوري نحوك؟ من انا بالضبط ومن أنت!
أستيقظت عيناه ببطء ليراها، شعرَ أنه مازال غارقٌ في حلمه، أن يبدأُ صباحه على هذا الوجه الذِي لا يُشبهه أحد، الذي يليقُ بأن يكُون تمثالاً رومانيًا ولا غير ذلك، كيف للنساء هذا الكم من الفتنة؟ الفتنة القدريَة التي لا سلطة لنا عليها، وأنا أعني بـ " النساء " أنتِ وحدك، فلا قبلكِ نساء ولا بعدكِ.
أرتبكت لتحك رقبتها، هذه التفاصيل الصغيرة التي تتمسكُ بها رُغم كل الذي حصَل، وقفت وهي مُشتتة لا تعرف مالعمل هُنا؟
ناصر يستعدِل ودُون أن يلفظ كلمَة أتجه نحو الغرفة، لا أفهم ماهي الخسارة؟ أأنا خسرتُ نفسي أم خسرتُ غادة!
دقائِق واسعة تركها تتوحدُ مع ذاكرتها الخاويَة العاقَّة، بينما إستحمامه لم يستغرق الكثير، خرج ليلفظ : قومي ألبسي بنطلع
غادة رفعت عينها بهدُوء : ليه تبي تحبسني عندِك ؟
ناصر : أستعجلي بأنتظرك هنا
غادة لا تتحمل تجاهله : أبي إجابة لسؤالي
ناصر يجلس أمامها : ماعندي إجابة، أنتِ تعرفين لو تبينها تذكري مثل ما تتذكرين ناس كثير غيري
يُحاول تعذيبي، يحاول أن لا يُجيب عن أسئلتي حتى أبحثُ عنها بذاكرة فارغة، أردفت بهدُوء وفي داخلها تغلي : أجل ماهو مهم أتذكر دامه يعنيك
رفع عينه بحدةِ غضبه وهي تتجه نحو الغرفة، رمى هاتفه الذي بين إيديه على الطاولة الزجاجية ليقف مُتجهًا إليْها، فتح الباب دُون أن يطرقه وعيناه تجلد جسدِها الرقيق بالنظرات، تقدَّم إليها ليسحبها من ذراعها : الحين صرت ماني مهم!!
غادة : أترك إيدي
يلويها أكثر ليشدَّها نحوه : أنا أسألك
غادة بحدة تتألمُ من ذراعها : ماعندي إجابة
ناصر : لا تحديني أتصرف بأشياء لا ترضيك ولا ترضيني
بلعت ريقها، تخافُه كثيرًا، تخافُ قربه، لا يُمكنها أن تثق به أبدًا : ممكن تترك يدي!
ناصر بوعيد : كلمتين ولا غيرهم! لو جربتي ترمين حكي منتِ قدَّه بيكون حسابك عسير ... اللهم بلغت
ترك يدها لتضمّ ذراعها إليْها بعد أن شعرت أنها تتمزق بقبضته، أحمرَّت محاجرها بالدمع : طيب أتركني لحالي
ناصر يتجه للباب : أنتظرك برا
غادة ودمعها ينزُل بخفوت : ماأبغى أطلع
ناصر الذي تُضعفه هذه الدمعة كثيرًا، تُضعف قلبه الذي أصطبر على البُعد وحين رضخ لأقداره وآمن سخطت عليْه الحياة لتُعيده لبدايةِ حُزنه، : قلت أنتظرك برا! ما قلت وش رايك نطلع ؟
غادة تعضُّ شفتها السفليَة لتمنع دمعاتها من المسيرة نحو خدها : يعني غصب؟ ليه ما تفهمني؟ ليه ما تحاول تفهمني!
ناصر تنهَّد ليُردف : أحاول! طيب أنتِ ليه ما تحاولين، ليه ماتفهمين كيف كنا عايشين قبل! كنا غير .. كان لكل شي بهالوجود معنى ، كل شي حلو كان إسمه غادة .. كل شيء .. والحين؟ ولا شيء! ولا شي من هالوجود يعكسك، الكل يذبل لأنك منتِ غادة اللي أعرفها
غادة وتتذكرُ ما حدث في محطةِ القطار، كيف كانت تضحك بغرقه بها، كيف كان الضحكُ يصِل لأعلاه وهي تحمرُّ خجلا، كيف هي الأشياء تزهر و تتورد بين شفتيّ، أخاف مِنك وعليك، أخافُ منِّي وكيف للأشياء تضيعُ وتندثر مع رجلٍ يحتفظُ بكل الأشياء الصافيَة وتلك الشائبة، كيف يعيشُ شخص دُون ذاكرة؟ كيف يستطيع أن يعيش دُون ذكريات؟ نحنُ الذين كُنَّا نطلب النسيان من الله هل فكرنا كيف من الممكن أن نعيشُ بعد النسيان؟ هذه الذاكرة وإن أحتفظت بأسوأ الأشياء تبقى إرثٌ للنفسِ البشرية، وإن أندثر الإرث رخِص القلب! رخِص وبشدَّة، كان يجب أن أنظر للذاكرة بنظرةِ النعمة حتى أشكر الله عليها مرارًا وتكرارًا، كان يجبْ أن أستودعها الله وأستودع من يسكن هذه الذاكرة.
ناصر : ما أبغى نقاش ... وخرج ليتركها في وعثاءِ حزنها، لا شيء يُحتمَل هُنا.

،

تترتبُ الأسماء الأكثرُ ضياعًا وتشتتًا، كان الإسمُ الأول يرقد بسلام " سلطان العيد " و صح صغيرٌ بجانبه أضاع حياته، فقط " علامة " من المحتمل أن تسرق روحك، بإبتسامة هادئة يضع دائِرة حول إسمه البسيط " ناصر " ليُردف بإنكليزيَة سمراء : كل الأشياء يجب أن تتلاشى من جذورها.
. . .

،

تجاهلت كل كلماته الحادة وقسوةِ كلماته الأخرى الضيِّقة، منذُ ان دخلت عليه فجرًا لتلمس جبينه الذي يرتفعُ بحرارةٍ فظيعة وهي تفتعل النسيان لكل الأمور الرمادية، ما يشغلُ عقلها هو صحتِه وفقط.
وضعت الكمادات الدافئة على وقعِ دخول حصَة الهامسة : ماصحى؟
الجوهرة : لا
حصة : طيب روحي نامِي وأرتاحي أنا بجلس عنده
الجُوهرة : لا خليني مو جايني نوم أصلاً
حصة : شوفي وجهك من سوء التغذية وقل النوم كيف صاير! يالله يالجوهرة لا تخليني أشيل همك فوق همه
الجُوهرة برجاء تتوسلها : الله يخليك لو تعبانة صدقيني بناديك
حصة أخذت نفس عميق، لا سُلطة لديْها تمنعها : طيب، أنا بجلس بالصالة بس يصحى ناديني
الجوهرة : إن شاء الله ...
خرجت لتعُود عينيْها تتأمله، من التعب لم يشعر كم من الوقت نام، يكاد يستغرق أكثرُ من 15 ساعة في نومه، بربكة تُخلخل أصابعها في شعره القصير، وهذه التفاصيل البسيطة التي كانت تتلهفُ تجربتها كان يمنعها عنها بكلماته، والآن لا شي يمنعني فنومُك العميق يترك ليْ فرصة التأمل دُون توقف، يترك لي فرصة لمسك وتحسسك دُون أن تشعر بيْ، هذا الشحُوب الذي يتكىء في ملامحك لا يسرقُ منك حياتك فقط بل يسرق حياتي أيضًا، تُمرر أصابعها على رأسه ووجهه مُغرِي جدًا بأن أتخلى قليلاً عن المُكابرة/الخجل مادام لا يشعر بمن حوله، أنحنت لتُقبِل جفنه العلوِي، دائِمًا ما كانت عيناه حادَّة تُقيم في قلبي الكوارث، من النادر أن أراها نائِمة كملاك، المُثير للشفقة في كل هذا أننا نحتدُّ بأقوالنا يومًا وباليوم الآخر نقترب من بعض، هذه الكيمياء التي بيننا مازلت أجهلها ولا أدرِي إن كُنت تلتفت إليها أساسًا، عرفتُك متغطرسًا لا تُلقي للأشياء التي تخصُّنا بالاً.
فتح عينيْه بتضايق من نُور الغرفة وهو يشعرُ بحرارةِ جسده المرتفعة، أبتعدت بتوتر لتلتقِي عيناه بعينيْها.
سلطان ببحة : كم الساعة ؟
الجوهرة : 3 العصر
عقد حاجبيْه من فكرة أنه نام كل هذه المدة من الأمس، شعر بالكمادةِ التي على جبينه، الجوهرة : أرتفعت حرارتك الفجر
سلطان بضيق يُبعدها ليحاول أن يقف، الجوهرة بهدُوء : راح أجهز لك ملابسك ما على تقوم وتصلي اللي فاتك،
خرجت لتُطمئن حصة : توه صحى، تركته يتوضأ ويصلي صلواته وبروح أجيب له ملابسه
حصَة وهي تتجه نحو المطبخ : أجل دام كذا بحضِّر له أكل من أمس ما أكل شي يا عيني
صعدت بخطوات سريعة متجهة نحو الدولاب، لتستخرج له بيجاما خفيفة، سقطت عيناها على قمصانِ نومها المرتبة بعناية والتي لم تلبسها قط، هذه الأشياء تخدشُ روحها، هذه الجمادات المصنوعة من قُماش لها قُدرة في الوجَع. أغلقت الدولاب لا تُريد التفكير من هذه الزاويَة التي دائِمًا ما تحسسها بالنقص عن بناتِ جنسها، نزلت لتفتح باب غرفته بهدُوء وتنظر له على السجادة، يركع بصعوبة ويسجِد بصعوبة أكبر، عقدت حاجبيْها من منظره مازال جرحه لم يتلئم، مازال يُؤلم ويهيجُ عليه في كل حركة.
أنتظرته كثيرًا حتى سلَّم من صلاة العصر، ألتفت عليها دُون أن ينطق شيئًا.
الجوهرة : ليتك صليت وأنت جالس .. الدين ماهو عسر زين كذا تعبت نفسك!!
سلطان : عمتي وينها ؟
الجوهرة بإبتسامة : على فكرة نظام تتجاهلني وتحسب أنك بتوجعني ماعاد ينفع
سلطان لم يستطع أن يمنع نفسه من الإبتسامة : أهنيك!
الجوهرة تضع ملابسه على السرير : طيب إلبس ما على حصَة تجهز لك الأكل من اليوم تنتظرك تصحى
وقف ليأخذ ملابسه : جيبي لي مقص
الجوهرة رفعت حاجبها : ليه ؟
سلطان بعد أن كحَّ ببحةٍ موجعة : شايفة صوتي تعبان مافيني حيل أتكلم كثير
الجُوهرة بتوسِلٍ للإجابة : طيب وأنا ماأبي أتعبك بس وش له داعي المقص!
سلطان الذي أستصعب على نفسه نزع بلوزة البيجاما القطنية بسبب مكان الجرح: مالي خلق أنزع ملابسي .. مفهوم؟
الجوهرة : كلها بلوزة!
سلطان رفع عينه بحدة جعلتها تتراجع بخوف : الحين بروح أجيب لك .... وخرجت ليستلقي على السرير بإرهاق فعلِي، ينظرُ للسقف الشاحب بنظرِه، يبدُو ليْ أنني أغرق أكثر، ولا شيء تقرأهُ الدنيا في وجهِي جهارًا غير كلماتٍ تُرضي غروري البشري " إنّي عشِقْتُكِ واتَّخذْت قَرَاري فلِمنْ أُقدِّمُ يا تُرى أَعْذَاري ؟ ، لا سلطةً في الحُبِّ .. تعلو سُلْطتي فالرأيُ رأيي .. والخيارُ خِياري ، وأنا أُقرِّرُ مَنْ سيدخُلُ جنَّتي وأنا أُقرِّرُ منْ سيدخُلُ ناري أنا في الهوى مُتَحكِّمٌ .. متسلِّطٌ. "
دخلت لتمدُّ له المقص، أستعدلَ بجلستِه وهو يُقطِّع بلوزتِه الخفيفة أمام أنظارها، عندما أقترب من مكان الجرح مسكت يدِه بشعورٍ لم تفهمه ولا تفهم إندفاعها به : خلاص .. وتسحب المقص من بين يديْه التي أصبحت في لحظاتٍ مُطيعة لها.
بيديْها مزقت بقية البلوزة ليتعرى بصدرِه العريضُ أمامها، بلعت ريقها بصعُوبة وهي تبعدُ سنتيمترات قليلة عنه، هذه التدريبات المُرهقة صقلت جسدِه وعضلات صدره بشكلٍ كبير، أتى في بالها هيئة عمها عبدالرحمن، أجسادهم تؤلم العين من فتنتها، أرتدى بلوزته بسهولةٍ أكثر دُون أن ينظر إليْها، تذكر أنه أخبر عبدالرحمن بأن يجيء بمتعب إليْه! رفع عينه : ما أتصل أحد اليوم ؟
الجوهرة بربكة مازالت تسرحُ به : ها !
سلطان : ما أتصل أحد؟
الجوهرة : إيه .. لآ .. أقصد إيه ما أتصل أحد
سلطان وقف لتتجه بخطواتٍ سريعة نحو الباب وهي تلفظ بحرج : ننتظرك برا ...
لم يستغرق الكثير حتى يأتِ خلفها ويتجه خلف كرسي حصَة وينحني ليُقبِّل رأسها من الخلف، ألتفتت عليه بعينيْن مُتلهفة : بعد عُمري والله ... كِذا تخوفنا عليك!! هالشغل ما خذينا منه إلا الشقا
أبتسم وهو يجلس أمامها لتُكمل : وفوق هذا طلعت من المستشفى قبل لا يأذنون لك! ودِّك تشقيني وبس
سلطان : جو المستشفى يزيدني كآبة .. هنا مرتاح
حصَة : طيب تشكي من شي؟ يوجعك شي؟ لا تخبي عليّ!
سلطان : لو أشكي شي ما جلست قدامك
الجُوهرة وكأنها تنتقم منه في لحظاتها التي كان يتمتع في تعذيبها : ماشاء الله الله لايضرك على هالقوة
ألتفت عليها بنظرات تفهم معناه ليتمتم بهمسةٍ لم تسمعها سوى الجوهرة : جايتِك هالقوة قريب

،

بغضبٍ كبير يُقاطعه لم يعد يتحمل أكثرُ من هذا الشتات التي تعيشه عائلته : شف سكت مرة ومرتين وقلت معليه حياته ولا تتدخل فيه لكن توصل أنك تقرر بعد تعلقها وتلحقّها بمُنى ماراح أرضى !
ريَّان بهدُوء يحاول أن يمتص غضب والده : تركت البيت بدون لا تترك لي خبر! وش تبيني أسوي؟ أركض وراها وأترجاها ترجع!
عبدالمحسن : ماقلت تترجاها! أتصل عليها وتفاهم معها ولا روح الرياض رجعها معك! عيب اللي تسويه هالتصرفات ما تطلع الا من المراهقين!!!
ريَّان ويعلم تماما ردةُ فعلها إن أتى الرياض : طيب تبيني أروح الرياض عشان أطلقها؟ أبشر من عيوني
عبدالمحسن بحدة: ريَّان!!!! لاترفع ضغطِي، قلت لك روح وجيبها
ريان : هذا اللي ناقص يايبه! الحين أخوها لو فيه خير ما خلاها تترك البيت بدون لا تعطيني خبر! بس دامه كذا خلهم أنا من وراهم ماني شايف خير ولا أرتجي الخير اصلاً
عبدالمحسن : هذول متربين أحسن منك على فكرة! على الأقل ما يتلاعبون في البنات ويشكون في ظلالهم!
ريان أحتقن بالغضب : إيه أنا شكاك! شي يرجع لي وأنا حُر فيه، وريم أنا أعرف أربيها خلها تنثبر في بيت أهلها والطلاق تحلم فيه ..... وخرجْ بخطواتٍ غاضبة.


،

وضعته في سرير بعد أن نام بهدُوء، لترفع عينها وبصوتٍ خافت : أنا أشوف أنك يا منصور تتحمل جزء من الغلط! يعني ماهي حلوة بحقه بعد تطلع بدون لا تقوله أكيد الحين بيقول زي ماطلعت ترجع ! كِذا تحط نفسها في موقف محرج لها ولك ..
منصور المستلقي وأعصابه متوترة بتصرفات يُوسف ووالدته : كنت معصب وقتها من سالفة انه يمد إيده عليها!
نجلاء بسخرية : كأنك ما مديت إيدك عليّ من قبل!
منصور بغضب : أنتِ غير وهي غير! هُم في بداية زواجهم يعني توهم في طور تعرفهم لبعض أما أنتِ كنا نعرف بعض ونعرف شخصياتنا وتعرفين أنه لما امد إيدي عليك ما أكون قاصد اهينك لكن ريَّان من شخصيته واضح قاصد يستقوي عليها
نجلاء تجلس بمُقابله : أنا أقول تعوّذ من الشيطان، ريم توها صغيرة بدري عليها تتطلق في هالعُمر، خلها تصلح أغلاطها بنفسها وترجع له، وإن جت بالمرة الثانية ذيك الساعة تقدرون تتدخلون لكن من أول مشكلة وصارت كل هالضجَّة! كِذا ريان بيحس بالإهانة منكم لأنكم تدخلتوا في حياته وكأنه هو عاجز أنه يحل مشاكله بنفسه.
منصور : أنتِ ما تشوفينها لما تبكي! تقطع قلبي واضح أنها ماهي مرتاحة معه .. وش يرجعها مرة ثانية!
نجلاء : ما مرّ أكثر من شهر ونص على زواجهم وتبونها تتطلق! يا منصور هذي مشاكل دايم تصير لا تخلونها تكبر بتصرفاتكم وبعدها هي اللي بتندم وبتحس أنك ظلمته

،

على بُعدٍ ليس بالطويل كانت جالِسَة تُفكر بتناقض رأيْ يوسف إتجاه ريم وإتجاهها، بهدُوء : يوسف
رفع عينه من هاتفه الذي أنشغل به
مُهرة : لاتحسبني أتدخل بس أبي أعرف رايك بالموضوع! ليه ماتبي ريم تتطلق؟
يُوسف : لأن توها ماصار لها أكثر من شهر معه! من الظلم أنها تتطلق الحين وهي ماعرفت أطباع الرجال ولا هو عرفها
مُهرة : بس دامها ماهي مرتاحة وش تسوي!
يُوسف : ترجع وتجرِّب! ما قلت أني بغصبها على حياة ماتبيها لكن تعطي نفسها فرصة عشان تقرر بحكمة أكثر
مُهرة ألتزمت الصمت وهي تُميل فمها، دائِمًا ما تتسع دهشتي بِك! دائِمًا ما لاترضاه على عائلتك ترضاه على غيرك، أخذت نفس عميق لتُردف : مشتهية أروح حايل!
يوسف بإبتسامة حميمية : لآ يا ملي
أبتسمت من كلمته الأخيرة لتُردف : والله ودي أروح
يُوسف عقد حاجبيْه : ما صار لك يا مُهرة! أنتظري بس هالفترة وبعدها أبشري
مُهرة وقفت لتجلس بجانبه وتلتفت بكامل جسدِها نحوه : ممكن أسألك سؤال؟
يوسف : تخوفني صيغة هالأسئلة
مُهرة بتوتر : بس أبي أعرف أنا وش أعنيك؟
تفاجىء من سؤالها حتى ضاعت الكلمات منه، لا يعرفُ أيّ إجابة تليق أو أيّ إجابة يجب أن يمتنع من قولها.
وتشتته كانت دلالة لشيءٍ يخدشُ قلبها : تفكِر! ... انسى السؤال خلاص
يوسف : لآ ماهو أفكر! بس .... أنا فاشل بالتعبير والله
أتسعت إبتسامتها بشحُوبِ ملامحها الذي أُختطفت منه الحُمرة بتردده وضياعه.
يوسف : جد اكلمك! فاشل مع مرتبة الشرف ... بس كل اللي أعرفه أني ما أعرف يومي بدونك
بلعت رجفةُ قلبها بريقها، تجمدَتْ ملامحها والحُمرة تسيرُ إبتداءً من أقدامها حتى جبينها، أبتسم لخجلها ليُقبِّلها بجانبِ شفتيْها قليلاً بإتجاه اليمين، هذا المكان الذي ينتمِي إليه ويُفضِله دومًا، لايعرفُ كيف لهذا الجزء قدسية في قلبه.



تُعضعض شفتيْها حتى تشققت، لا تعرفْ كيف تُبلغه تخشى أن يهجرُها كإعلانٍ منه على رفضِ الذي في بطنها، توترت مع الدقَّات التي تطرق سمعها ودقاتِ قلبها التي تطرق صدرها، تاهت بينهُما وهي تجهلُ الفرح في كل مرة، في كل مرةٍ أبحث بها عن من يُشاركني الفرح لا أجِد أحد سواك يا عبدالرحمن ولكن هذه المرة يبدُو أن لا أحدًا سيشاركني هذه الفرح، رُغم أنني أعرف عواقب هذا الحمل ولكن أريده، أُريد أن أصبح أم وأن أربِي طفلاً يقف معي ويكُن كل شيء في هذا الكون، أُريد هذا الطفل بشدَّة، أُريد من يشبهك ويشبهني أن يأتِ إلى الحياة بسرعة ولكن أخشى! أن ترفضه. قاطع سلسلة أفكاره وهو منهكٍ في العمل أنتبه متأخرًا لهاتفه الذي يهتز : مساء الخير
ضيْ : مساء النور .. شلونك ؟
عبدالرحمن : بخير الحمدلله، أنتِ بشرنيي عنك وعن البنات؟
ضي : كلهم بخير، للحين في الشغل ؟
عبدالرحمن : إيه
ضيْ : طيب ما أعطلك كنت بتطمن عليك
عبدالرحمن بهدُوء يستشفُ من صوتها : فيك شي؟ مو على بعضِك!
ضي : لا ولا شي حبيبي، بس .......... هذه الأحلام من شأنها أن تُضعفها وتُضعف نبرتها التي تجاهد بها أن تتزن، تُجاهد كثيرًا أن تخرج بمنظر المرأة الصلبة ولكن في كل مرة تفشل ... فاقدتك
عبدالرحمن بهدُوء : ما تفقدين غالي، إن شاء الله بس يقوم سلطان بالسلامة أرجع
ضيْ : إن شاء الله

،

في مكانٍ بعيد عن ضواحِي باريس المُزدحمة، يجلسُ بمقابله : بس يرجع راح يبلغك أكيد
فارس : وهي ؟ وافقت ولا إلى الآن!
عبدالعزيز : والله مدرِي بس ما أتوقع بترفض
فارس عقد حاجبيْه : على فكرة أبوي بدآ يشك فيك وبدآ يشك في كل اللي حوله أصلاً
عبدالعزيز : يسأل عني؟
فارس : كثير، يحاول يستغل طيحة سلطان بس ماهو لاقيك
عبدالعزيز أبتسم : ولا راح يلاقيني! لأن مدري وش بيقررون لكن الأرجح أنهم بيفصلون موضوع رائد وبيوكلونه لشخص ثاني
فارس : تعرف شي! رُغم أني أعارض أبوي بكل شي لكن ممكن أسوي المستحيل عشان ما ينمسك!
عبدالعزيز كان يعرف ردة فعله مُسبقًا من حُبه الكبير لوالده إذا ماوصل لمرحلة العشق لأنه ببساطة والده مهما فعل وكل شيء في حياته : هذا أنت تلاقيني! ما خفت يعرف ويشك فيك؟
فارس : هذا شي وهذاك شي ثاني! أنا مستحيل أضر أحد من كلا الجانبين وأكيد أبوي مستحيل أضره
تنهد بهدُوء الذِي لم يفهم من لقاءه الأول معه سوَى أنه يُريد عبير ولا عُرضةً بذلك للأكاذيب لم يعرف أنه على علاقة بها منذُ سنة وأكثر، لم يعرف أبدًا عن الرسائل والحُب الكبير المجهول الذي ينمُو بينهما، يثق بفارس كثيرًا حتى لو كان إبن مُجرم! يكفيني صدقه وعدم كشفه لشخصيتي أمام والده.
: بس والله أبوك مو هيِّن لصقك بإسم وبشهادات وأقنع بوسعود فيك
فارس ضحك ليُردف : ما صار رائد الجوهي من فراغ!!
بإبتسامة يُجيبه : بهذي صدقت!
فارس ينظرُ لِمَا خلف عبدالعزيز، إحدى رجالِ والده الذين يحفظهم جيدًا : لا تلتفت
عبدالعزيز بجمُود رفع حاجبه.
فارس : توقعت أني ضيعتهم معي .. روح قبل لا يشك فيك!
عبدالعزيز أخذ نفس عميق ليقف : طيب .. أشوفك على خير ....... أتجه نحو الأمام دُون أن يلتفت ليشعر بوخزٍ في يسارِ صدره، يشعرُ بصوتٍ يفتكُ بجسدِه، شغل سيارته لتتعدى سُرعته الـ 120 كيلومتر في الساعة، تضببت رؤيته والأصواتُ التي كانت تأتِيه بعد الحادث مباشرة تعود إليه بقوة، وقف عند الإشارة الحمراء ليمسح وجهه بيديْه، لا يتحمَّل هذه الصرخات التي تنهشُ بأذنه/قلبه، أخذ نفس عميق ليُحرك السيارة وصوتُ غادة الطاغي بصرخاته يُمزَج بصوتِ والده الخافت، ولوالدته النصيبُ الأكثر من البكاء المتداخل فيما بينهُما، يشعرُ بصمتِ هديل، بصمتها المُهيب الذِي يُشتت عليه كل أفكاره، ركن سيارته بجانب المقبرة ليدخلها بحشرجةِ روحه، بخطواتٍ يائسة وقف أمام قبورهم ليُحييهما بتحيةِ الأحياء " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته "
وقف كثيرًا دُون أن ينطق شيء، عيناه مازالت تنظر إلى الأسماء المحفورة بالحروف الإنكليزية، جلس على ركبتيْه لم يعد له طاقة بالوقوف، أستغفرك يالله من كل ذنبٍ وكل خطيئة وكل حرام، أستغفرك يالله من كل شيءٍ يحول بيني وبين جنتِك، يالله! يالله أرزقنا رحمةً منك تلطفُ بأجسادنا التي أنهكها الإشتياق، يالله أرزقنا إنا عبادِك أبناء عبادِك، يالله إرحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء وأرزقنا الصبر والإصطبار، نظر لقبرِ والدته ووصل الحنين إلى أقصاه، هذه أعظمُ إمرأة عرفتها في حياتي، كم من الوقت يلزمني حتى أنساها، أنسى كيف أشتاقُ إليْها، إلهي! كم من طاقةٍ تودُّ نفسي بها حتى تقف وتصطبر على شرِّ القضاء، ليتكِ تعلمين فقط بأني أفتقدك بأضعافِ هذه الأرض التي تفتقدك، تفتقدُ خطاكِ الخفيفة الروحانية، تفتقدُ صوتُكِ الربَّاني الذِي يُرتِّل الآيات بإستمرار، كل الأشياء التي تحبس تفاصيلك بصدرها تثور بالحنين في كل لحظة يهبطُ الليل ولا تجدِك بقُربها، كل الأشياء يا أمي " أتفه " من أن تتحمل غيابك، وأنا أصغر بكثير من أن أتحمل غيابُ قلبي معك، أنا أفقدني في كل لحظة، أفقدُ صفاتي التي تربيت عليها بين يديْك، أنا يا أمي والله والله أشتاقك فوق الإدارك وما يُعلم ولا ما لا يُعلم.
أطال في مكوثه، في أحاديث النفس الرماديَة، كيف يأتِ الموت سريعًا؟ كيف يختطف الناس دُون سابقِ إنذار! في المقبرة أنت تدخل ولا تعلم هل تستغفر وتدعِي من أجل الموتى أم تستغفرُ لنفسك قبل أن يُصبح حالك مثل حالهم، الموت لا ينتظر أحد، وأخشى ان يأتِ ولم أُقدِّم شيء يشفعُ لي بأن أشارك الجنان معكم.

،

تسيرُ بجانبه ولا تعلم لأيّ مكانٍ يذهبُ بها، هذه الأجواء الباردة تُجمِّد عقلها معها من التفكير بأيّ شيء سواءً كان صغير أم كبير، دخلا لممر ضيِّق إختصارًا من المرور بالطريق العام، أمامهما إحدى مداخل حديقة الهايدبارك ولكن كانت توجهات ناصر مختلفة ولم تستطع أن تناقشه بشيء، لآ تُريد أن تفتح معه حوارًا أبدًا.
شعرَ بأن أحدٍ خلفهُما، لم يُطيل بالتفكير حتى ألتفت ووقعت عيناه على شخصٍ يُمدد السلاح عليه، أتسعت محاجر غادة من هذا المنظر، لم تعتاد أبدًا أن ترى " سلاح " حقيقيًا أمامها حتى والدها لم يكُن يجيء بهذه المستلزمات، في لندن المدينة الشاهقة كان لابُد من وجود عصابات الشوارع ولكن هذه الملامح لا تُوحي بعصاباتٍ ومُشردين وإلى آخره من هذه الأفكار، سحب غادة لتكُون خلفه، يُفكر بطريقةٍ يفلت بها دُون أن يُصيب غادة شيئًا، قطع سلسلة أفكاره بإنكليزية مغلظة : للمرة الأخيرة يجب أن تُحذِّر من يحاولون تهميشك أن لا يعبثون معنا أبدًا
ناصر بهدُوء عكس ما بداخله : من تقصد؟
: إن كنت صدَّقت الخدعة التي لُفقت لك فأنت مع كامل إحترامي غبي! يجب أن تسأل من تقف خلفك من كان معها الأيام الماضية؟ هل وليد الذي جلبه سلطان بن بدر أم عبدالرحمن! أم فيصل. *أردف الأسماء بأسلوبٍ ركيك يوضِّح به أصوله الإنكليزية رُغم ملامحه السمراء*
ناصر تجمدَّت عيناه، أكثرُ مما يتحمل، أكثر بكثير من أن يُصدِق كل هذا، بلكنةٍ فرنسيَة مُكتسبة حاول أن يختبر جنسيته : وكيف أصدقك!
بالفرنسية يُكمل معه : لا يعنِيك من أكون! أنا أقول لك ما يجب أن تعرفه يا "ناسِر" ! أصدقائك هم من منعوك عن من تقف خلفك، يُمكنك ان تسألها وتتأكد
ناصِر تسترجع ذاكرته حواره مع سلطان، عندما قال بكُلِ إتزان إن كُنت أستطيع أن أسامح أحدٍ على فعلٍ ما؟ هل هذا الفعل؟ هذا لم يكُن فعل يا سلطان هذه كانت كارثة وربُّ من خلق السماء بغير عمد إنها كارثة لا تُحتمل أبدًا، لا تُحتمل بان أصدِق تجاهلك لمشاعري ولإنسانيتي، هذا فعلا اكبر بكثير منِّي.
تراجع الأسمرُ عدةِ خطواتٍ للخلف ليُردف بفرنسية يقطعها بكلمةٍ إنجليزية : الآن يُمكنني القول أنني من قضيتك I'm out
تجمدَّت خلايا المخ لديْه امام الأمطار التي هطلت وكأنها تواسيه، كانوا يعلمون! كانوا يعرفون! كل هذه المدة كانوا يشاهدُوني كيف أتقطَّع وأضيق وتركوها! تركوها ولم يبلغوني!
ألتفت عليْها لتُردف قبل أن يندفع عليها بالكلمات : ماأعرف أيّ شي عن اللي قاله . . . . .
يسحبها بشدَّةٍ لم يتعامل بها مع إمرأة من قبل، لم يترك لها فرصة تُفسِّر وتُبرر، هذه المرة لن يقف بوجهي أحد، هذه المرة والله وأنا أحلفُ برحمةِ الله أن أقتصُّ منهم واحِدًا واحِدًا ، ورحمةُ الله التي جعلتني أصبر كل هذه المدة لِيُصبهم زمهرير جهنم مبكرًا ولن أُبالي بالأسماء.

،

يتراجع بخُطاه للخلف قبل أن يدخل لوالده وهو يسمعُ صراخه وغضبه الكبير الذي ينفجر بالشتائم والكلمات الحادة، لم يستوعب شيئًا ولكن يعرفُ الجحيم الذي يُقبِل عليه.
رائِد يصرخ : 10 شهور وأنا ماأعرف مين الكلب ولد سلطان ولا صالح! أقسم برب الكعبة لا أوريهم كيف يلعبون عليّ !
: طال عُمرك أنت أهدى إحنا جبنا كل المعلومات وهو زوج بنت عبدالرحمن وكل شي تحت سيطرتنا
رائد : سيطرتك في ******* ، 10 شهور وتوِّك تجيب المعلومات الله يلعنك ...
لم يُبالي باللعن الذي يطرده من الجنة في حديثٍ صريح لا يتحملُ تأويلٍ غير الطرد، في قولٍ روحاني نُطِق به " لا يدخل الجنة لعانًا " لم يُبالي بشي وهو ينطق بكل ما يُذهب به إلى جهنم فأنفاسه تتصاعدُ بحرارةِ جهنمِ الدنيا.
أردف بصراخ : هذا عبدالعزيز تجيبونه لي من تحت الأرض، أنا أوريهم .. والله ما أخليهم في حالهم ! هم بدوها حرب وأنا أخليهم بنفسهم يترجوني عشان أنهيها!
ركض بالسلالم للأسفل ليخرج من منطقة والده بأسرع الخُطى وهو يكتب رسالةٍ لعبدالعزيز ولم ينتبه لهاتفه البلاك بيري الذي يراقبه رائد عن كثب بعكس هاتفه الآخر " الآيفون" :" أطلع من باريس في أقرب وقت، أبوي كشفك "

،

والأخبار تخرج على السطح بصورةٍ سريعة، تنتقل للرياض بصورةٍ أسرع، متعب الذي كان مُتملل وهو يراقب قصر رائد الجوهي الخاوي حتى سمع الحديث الذي يحصل بين إحدى رجاله.
: والله توه مكلمني أسامة وبلغني .. طلع عبدالعزيز ولد سلطان العيد!
*: من جدِك!! وش سوَّى رائد؟
: قايمة الدنيا هناك في باريس!!! أنا بس سمعت وش قال أسامة وأنا قايل بتصير الكارثة
*: وش قال بعد!
: رائد بجلالة قدره قال والله مثل ما بدوها حرب لأخليهم يترجوني بنفسهم عشان أنهيها
*: الله لايبشرك في الخير! الحين بيكرفنا!!
ترك متعب السماعة وهو يتجه بخطوات سريعة نحو الطابق الثاني لمكتبِ عبدالرحمن بن خالد، طرق الباب حتى دخل : عذرًا على المقاطعة
رفع عينه عبدالرحمن : تفضل متعب
متعب برجفةِ شفتيه من تهديد رائد المباشر لهُما : رائد كشف عبدالعزيز
وقف وأعصابه تتجمدُّ في مكانها : وشو؟
متعب : هذا اللي صار! الدنيا قايمة في باريس ورائد بيبداها معاكم ومع عبدالعزيز مثل ما قالوا رجاله
عبدالرحمن بغضب يتجه بخطوات سريعة وكل تفكيره أنحصر بدائِرة ضي وبناته : أتصل على عبدالعزيز بسرعة .... نزل بالسلالم للطابق الآخر وهو يأمر بأن يوفرون الحماية لعائلته في باريس من قبَل الحرَسِ هناك.
متعب الذي كان خلفه : عبدالعزيز جهازه مغلق
عبدالرحمن بصراخ جن جنونه : شف اي طريقة تتصل فيها عليه!
متعب بلع ريقه ليحاول أن يكتب له رسالة بأصابع بدأت ترتجف من الكوارث التي ستحصل.
ألتفت على زياد المسؤول عن أمنِ الحراسة : حيّ سلطان مأمن؟
زياد الذي كان يجري عدة إتصالات حتى لا يتم الإعتداء على بيُوتِ العاملين ذو المناصب الكبيرة: كل شي تحت السيطرة
عبدالرحمن أطمئن من ناحية سلطان وزاد خوفه من ناحية عائلته وبدأ يشتم نفسه من أنهُ تركهم لوحدهم! كان يجب أن يفكر بعواقب الأمور، تصرفاتي بدأت تصبح غبية في الفترة الأخيرة، دون أيّ تفكير ومنطق تركتهم!
وضع يده على جبينه وهو يحاول أن يفكر بطريقة متزنة، أتصل على ضي النائمة، ومع كلِ رنَّة يزيدُ بخوفه ورهبته من أن أمرًا حصل لهما، هذه المرة لن يرحمهما رائد، لن يرحمهما أبدًا! هذه المرَّة ستتلاشى عائلتي مثل ما تلاشت عائلة سلطان العيد ومثل ما تلاشت عائلة سلطان بن بدر من قبل، لن أتحمل كل هذا، والله لن أتحمل.

،

يمسك رأسه وهو لا يعرف كيف يُفكر وبأي طريقة، رمى هاتفه في عرضِ نهرِ السين بعد أن أكتشف أنه مراقب من أجهزةِ رائد وسهلٌ عليه أن يكتشف مراقبته من الرسائل التي حُذفت دُون أن يحذفها بنفسه، والإتصالات التي أستقبلها هاتفه رُغم أنه لم يستقبل شيء، ترك سيارته حتى تُشتتهم قليلاً، بخطوات سريعة قطَع الطُرق ويتمنى لوهلة أن يصِل وأن يجدهم بسلام هُناك.
أخذ نفسًا عميق بعد أن أقترب من منطقته، رجع عدة خطوات وهو يرى ملامحهم، رُغم ملابسهم التي تُوحي انهم طبيعيين ولكن يعرف جيدًا من هُم، دخل إحدى المحلات القريبة ليرتدِي نظارته الشمسية رُغم الجو الغائم ويُغلق معطفه عليه ليتسلل إلى باب الفندق، لم يتحمل إنتظار المصعد ليركض بالسلالم نحو طابقهم، طرق باب الغرفة ومع كل إنتظار يندفعُ قلبه بإتجاه صدره ... من المستحيل أنهم لا يسمعون.


،

رمى هاتفه الذي راقبه ليأخذ سلاحه وبحافتِه الحادة يصفعه بقوة حتى أنحنى فارس ليتقيأ دماءه، صرخ به : ولدي يسوي فيني كذا !! بس والله يا فارس لا أوريك كيف تغدر!
فارس وهو يبصق الدماء على الأرض : ما كنت أبي أضرِّك ..
يُقاطعه بغضب : واللي سويته! والله ... ولا خلني ساكت! أنا أعرف كيف أربيك
فارس كان يستكلم لولا هيجانُ والده الذِي يُشبه البركان إذ لم يكُن هو البركان ذاته : وعبير! مالي علاقة زوجها منت زوجها إن شاء الله ******** تجيني هي الثانية
فارس أتسعت عينيْه بالدهشة : لآ مستحيل
رائد بغضب يرمي عليه علبةُ ثقيلة ذات حجمٍ متوسط يحتفظ بداخلها السلاح : مستحيل في عينك! أقسم بالعلي العظيم لو ما تطيعني يا فارس لا أقطعها قطع قدامِك! وهذاني عند حلفي
فارس يشعرُ بأن والده يخترق قلبه بعنف/بوحشية : مستعد أسوي لك اللي تبي! تبيني أضرّ مين؟ مستعد بس عبير لا .. خلاص أتركها عنك ما عاد أبيها
رائد بحدة : بس أنا أبيها! وإن ماجت منك بتجي من غيرك وأنت أختار
فارس : يبه ..
رائد بصراخ : لا تناقشني! لك عين تناقشني بعد!!! عندِك 24 ساعة .. بس 24 ساعة تجيني فيها ومعك عبير!
فارس ازداد صراخه مع صراخ والده : مقدر ! ماهي زوجتي كيف أجيبها
رائد بغضب : الله عليك يالمحترم! يالشريف ياللي ماتقبل تلمس وحدة ماهي زوجتك! أقول بلا كلام زايد وتجيني عبير ! وعبدالعزيز اللي مخليه صاحبك انا أعرف كيف أجيبه ... والله لاأوريهم نجوم الليل في عزّ الظهر... والله لا أخليهم مايتهنون دقيقة في حياتهم.
فارس بحدة : مقدر .. مقدر كيف أجيبها ! ماهي زوجتي ما هي حلالي
رائد يقترب منه ليطوِّق رقبته بيديه وهو يعصرها بأصابعه الغاضبة ليدفعه على الجدار : ماهي زوجتك! أنا أعرف كيف أخليها زوجتك! بس ساعتها أنت اللي بتندم!!!

،

أرتفع صدرِه بهبوطٍ شديد، بلع ريقه الجاف ليردف وهاتفه مثبت بإذنه : طيب .. أنا بتصرف.
: أسمعني يا فيصل! اللي قدامك أكبر منك . . . قاعد تدفع ثمن أغلاطك
فيصل بهدُوء رُغم الفوضى التي تهيجُ في داخله : طيب ..
شعر بأن كلماته تذبل ولا إتزان يستطيع أن ينطق به ليُكمل : بحاول أكلمهم اليوم
: ماهو اليوم! حالاً !! حالاً يا فيصل ولا بتضيع
فيصل : طيب ... إن شاء الله
: يا ما قلت لك أبعد عن هالخراب! لكن ما سمعتني .. شف وين وصلت نفسك!!
فيصل : ماني متحمل أحد يعاتبني يرحم لي والديك ....
: طيب أنتبه لنفسك وطمني بس تتم أمورك .. مع السلامة
فيصل أغلقه ليلتفت وتتسع محاجره من والدته الواقفة ودمعُها يجتمعُ في محاجرها : مين هذا ؟
فيصل : صاحبي
والدته : ماأقصد مين يكون! أقصد أيش اللي قاعد يصير!
فيصل يقترب من والدته لتبتعد عدة خطوات للخلف : لا تلمسني! مستحيل تكون كذا
فيصل : يمه فاهمة غلط! أنتِ سمعتي جزء من الموضوع ... هي سالفة قديمة لا تشيلين في بالك
والدته بغضب : ما فكرت فينا! ما فكرت بمين لنا من بعدِك! دايم أناني يا فيصل .. دايم تفكر بنفسك وتنسانا! تغيب بالأشهر وترجع بدون لا تفهم وش يعني وجودك في حياتي وحياة ريف!! .... ودخلت غرفتها دُون أن تترك له مجال يُفسِر ويشرح.
ضرب بقبضة يده على الجدار ليتألم من ضربته، يشعرُ بأنه في حاجة للتفريغ، أن يُفرِّق كل هذه الشحنات التي تهبطُ على قلبه.

،

يُغلق الهاتف وأصابعه فعليًا تتجمد، شعر بأنه يختنق وأن حرارةِ جسده ترتفع، يشعرُ بأن إغماءة بسيطة تتسلل إليه وهو الذي كان يُضرب به المثل في الإتزان والصبر، لم تكن تهزِّه المصائب ولا تُحرِك به شعرة ولكن إرهاق جسدِه يتواطىء مع كل هذه المصائب، مسح وجهه بكفِّه الحارَّة جدًا، نادى بصوتٍ عالٍ : الجوووووهرة
ماهي إلا ثواني حتى دخلت إليْه، ألتفت عليها : طلعي لي ثوب وأيّ شماغ بسرعة!
الجوهرة : كيف تطلع وأنت بهالحالة!
يصرخ عليها ببحةٍ قاتلة لترتجف أطرافُها الهشَّة : قلت روحي جيبي!
الجوهرة عقدت حاجبيْها وهي تحاول أن لا تتأثر عاطفتها وتسقطُ بوحلِ دموعها : الدكتور ما راح يسمح لك ولا أنا ... يتقدم نحوها ليدفعها قليلا ويخرج متجهًا للأعلى.
تتخطاه لتقف أمامه معلنة رفضها خروجه وهو بهذه الحالة الضعيفة : سلطان ما ينفع! شوف حالتك كيف!
سلطان بحدة الغضب : أبعدي عني دام النفس عليك طيبة
الجوهرة : لآ ما راح أبعد ...

،

يُغلق الباب بعدةِ قفلات أمام إعتراضاتها ومحاولاتها اليائسة بفتحه، وصوتها تدريجيًا يموت بداخلها كجنينٍ يستعمرُ بأكثرِ من 9 أشهر : تكفى لا !

.
.

أنتهى نلتقي الثلاثاء بإذن الله.

.
.


إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()

لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.

و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.


أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة


*بحفظ الرحمن.




 
 

 

عرض البوم صور طِيشْ !  
قديم 12-12-12, 02:14 PM   المشاركة رقم: 63
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق



البيانات
التسجيل: Mar 2012
العضوية: 240258
المشاركات: 744
الجنس أنثى
معدل التقييم: طِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالق
نقاط التقييم: 2673

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طِيشْ ! غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طِيشْ ! المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية

 

-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()

أولاً عذرًا على التأخير والله مافيني حيل أكتب كثير حتى الكلام اللي قبل البارت مجهزته من يومين عشان تنشطون ذاكرتكم وكذا، المهم الله يسلمكم من كل شر وإن شاء الله ما يتكرر هالشي مررة ثانية :*
+ البارت الجاي بإذن الله بيكون من أدسم البارتات في الرواية لأن بارت اليوم هو بدايته أو مثل ماتقولون " تمهيد " ماراح يمديني أكتبه في هاليومين فإن شاء الله بيكون لقانا يوم الثلاثاء الجايْ ومايمنع إن قدرت أخلصه بدري يكون يوم السبت وحتى يمكن الجمعة بين إيديكم. لكن إن مقدرت فأمرنا لله وبيكون الثلاثاء.


المدخل لخالد الفيصل :
يا صاحبي مني لك الروح مهداه
والله لو به غيره اغلى هديته
ما قلت لأحد غيرك الروح تفداه
انت الوحيد الي بروحي فديته
وانت لولاك ما قلت انا آه
ولا شكيت من الهوى ما شكيته
يا زين حبك عن هوى الناس عدّاه
جميع وصف كامل بك لقيته
سلم المحبه ما وطا الزين ناطاه
حد الخطر لعيون خلي وطيته
والي يودك كل ما منك يرضاه
حتى عذابك يا حبيبي رضيته





روَاية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية ، بقلم : طِيشْ !
الجُزء ( 63 )




قبل كل شيء، بعطيكم لغز يخص الرواية :$ واللي تحله لها شي جميل مني () وعادِي لو ثنتين حلوه مع بعض يعني وحدة كتبت رد ونست شي تجي الثانية تكمل عنها ()
لأنكم ضعتوا مرة ولخبطتوا الأمور، لكن لو تركزون بتلقون أنه كل شي واضح.
على العموم نبدأ بسم الله من بداية حادث سلطان العيد.
فيه طرف ثالث بنسميه " سين " -> محد بيدخل الرياضيات الحين في الموضوع : (
لا جد جد نتكلم :$ فيه " سين " هدفه أنه يضرب رائد ببوسعود وبسلطان ..
في البداية كان رائد يهدد سلطان العيد فأستغل " سين " هالشي وهو اللي دبَّر الحادث وخلَّا الكل يشك في رائد لأنه كان يهددهم لكن سلطان العيد لو كان يعرف أنه رائد قادر يسوي شي ماكان خذآ عايلته وياه . . هذا يعني أيش ؟ أتركها لكم.
بعدها رائد خطط أنه يستغل عز لصفَّه وطبعا مين خلاه يفكر بهالشي ؟ شخص يخونه! صارت هالفكرة برآس رائد مع العلم أنه فيه شخص قريب من رائد يعرف أنه هذا " عبدالعزيز ولد سلطان " لكن كان ساكت عشان " سين ".
وصل خبر وفاة عايلة سلطان العيد للرياض! بعدها بأيام وصلهم أنه عز ما يدري عن غادة وأنها حيَّة! وسلطان بن بدر وبوسعود ماكانوا عندهم خبر في هالحادث وبتفاصيله فكانوا حالهم حال مستقبلين الخبر! بعدها بفترة جاهم مقرن وقال أم غادة حيَّة وهي معاها! هنا خيط الموضوع " مقرن ماهو خاين لكن وش اللي خلاه يقول أنه أم غادة حيَّة " ؟
بعدها سلطان وبوسعود تعاملوا مع الموضوع وعرفوا خطورة الوضع فقالوا راح نآخذ عز! هنا كانت بداية الرواية يوم يقولون نبيه ويشتغل معنا والخ.
هنا جاء فيصَل وأرتكب " خطأ فادح " أيش الخطأ ؟ مانعرف! لكن يخص غادة وناصر! ترك أمل تروح لوليد ويبعدون عن باريس بعدها بفترة خانتهم أمل! لما خانتهم بتجنينها لغادة .. خلت كل الانظار تروح لمقرن! ويشكون في مقرن!
هنا مقرن مقدر يسكت فـ راح وبلَّغهم أنها ماهي أم غادة! وأنه أم غادة ميتة .. فصار زي ماتبي أمل وخلتهم يشكون في وضع مقرن.
الرجل الخاين اللي من جماعة رائد هو اللي خبره عن عبدالعزيز في الوقت اللي راح رجل من " سين " إلى ناصر وخلاه يشك في " فيصل + بوسعود + بو بدر "
طبعًا رجال " سين " هم نفسهم اللي سببوا حادث رتيل وعز عشان يخلون رائد يشك في " صالح المزيف "
الحين بعد كل هذا نعرف أنه " سين " قدر يخلي الكل يشك في صديقه وعدوه بعد! بدون لا يسبب شوشرة حول نفسه بيخليهم " يتذابحون " يعني هذا " سين " مشى عليهم واحد واحد .. بدايةً من رائد اللي خلاه ينخدع بعزيز مع أنه كان يقدر يكشف الأمور هذا معناته أنه " سين " ما يهمه " رائد " ولا هو صديق لـ " سلطان بن بدر وبو سعود والخ "
ومعناته أيضًا أنه " سين " يخون اللي يشتغلون معه .. كيف يخونهم ؟ بعطيكم حدث صغير والباقي عليكم. مقرن وفيصل .. كانت امورهم كويسة فجأة أنقلبت .. مين اللي قلبها ؟ هو نفسه " سين "
شفتوا هذي الأشياء اللي كتبتها تراها أنذكرت بالرواية وبتفصيلها لكن بفترات زمنية لكن الحين رتبتها لكم.
بعطيكم إجابات مستحيلة يعني لا تفكرون فيها " صالح اللي يستنكر فيه عز لأنه ماله وجود + كل شخص أنذكر " رائد + فيصل + مقرن " لأن كلهم أنكبوا " وبقية الخيارات مفتوحة.
على العموم إذا مقدرتوا تعرفون الإسم بالضبط تقدرون تحلُّون لي بقية الأسئلة يعني " ليه أخفى مقرن موضوع أمل .. والخ كل الأسئلة اللي كتبتها أو اللي بسطتها "




يُغلق الباب بعدةِ قفلات أمام إعتراضاتها ومحاولاتها اليائسة بفتحه، وصوتها تدريجيًا يموت بداخلها كجنينٍ يستعمرُ بأكثرِ من 9 أشهر : تكفى لا !
بلا رحمَة، تستعمره قسوةٌ بعد سنةٍ و 5 أشهر و ثواني! لم تكُن ثواني قليلة! لم تكُن ثواني سهلة! كانت صعبة قاسية حادة! كانت سنين! كانت عُمرًا! عُمرًا يا غادة وليتك تفهمين ما يعنِي العُمر؟ ما يعني أن أعيش دُون وجهة! دُون حياة! هل جربتي العيش دُون حياة؟ هل جربتي العيش وكأنكِ عدَم! لم تشعري أبدًا بحُرقة الشوق فيني! ولن تشعري أيضًا! يسمعُ صوتها من خلف الباب، هذه نبرةُ قلبها أعرفها جيدًا، هذه نبرةُ البكاء التي تثقب الجسد بالنُدب، جميعكم! جميعكم والله ستدفعون ثمن هذا غاليًا، أنا الذِي دعوتُ الله: يا ربّ خذني إليْها! ليتني حددتُ في أيّ دارٍ ألقاكِ! يا ليتني قُلت " الجنَّة ولا غيرها " ولم أراكِ في هذا العالم الوضيع! ومازلت أبحثُ عن إجابة يا ضيّ عُمري . . لِمَ أنطفأتِ ؟ لِمَ حين حلمتُ بكِ كقصيدة أضعتِ القوافي منِّي؟ أني أبحثُ عن عينيْك وعن وطنِي الذي نكرني! أني ضائع ولن أسامح من أضاعني حتى لو كان يجاور كتفِي طيلة سنواتِ حياتي.
توجه نحو هاتفه وأطرافه ترتجفُ من الغضب الذي يسدُ الفراغات بين أصابعه، كتبَ رسالةٍ لفيصل تحملٌ تهديدًا لاذعًا " و رحمة الله ماراح تفلت منِّي أنت واللي وراك "
جلست على الأرضِ الباردة وهي تسندُ ظهرها على الباب، أجهشت بالبكاء، لم أعد أُريد شيء، لا أريد أن أرى أيُّ أحدٍ من الذين مضيتُ معهم عُمري السابق، كشجرةٍ لا ظلّ لها في منتصف الصحراء أنا حزينة، كجفافِ أوراقها أنا عطشانة. أكره هذه الحياة، أكرهكم جميعًا.

،

يطرق الباب للمرةٍ الأخيرة حتى ألتفت للمصعد الذي تخرج منه عبير ورتيل، توجه إليهما وبحدة : وين ضي ؟
رتيل بإستغراب : في الغرفة!
عبدالعزيز يكاد ينفجر بهذه اللحظة، كل الأفكار تختلط في رأسه، كل الأشياء تهرب منه : وين كنتم ؟
رتيل : نزلنا نجيب بطاقة شحن ... وش فيك؟
عبير أبتعدت عنهما لتدخل الغرفة وعقلها يغيبُ بأمرِ عبدالعزيز المُريب.
عبدالعزيز : طيب روحي شوفي لي مرت أبوك
رتيل تنهدت : وش صاير لك؟
عبدالعزيز بغضب كبير : مو قلت لا تطلعون!
رتيل : طيب ! ما طلعنا من الفندق بس نزلنا لـ ..
يُقاطعها : رتيل قلت لا تطلعون! واضح كلامي ولا لا
رتيل بقهر : لآ تصرخ عليّ ماني أصغر عيالك! ...
عبدالعزيز يسحبها من ذراعها ليقف أمام غرفتهم : ولا تطلعون ولا تفتحون الباب لأي أحد حتى لو كانوا من العاملين بالفندق .. مفهوم ولا أعيد الكلام مرة ثانية! حتى أنا لا تفتحين لي لأن عندي مفتاحكم!
رتيل بعدم فهم : كيف مانفتح لك؟
عبدالعزيز عض شفتِه السفليَة من غباءها في هذه اللحظة : ركزي معي قلت لا تفتحين الباب لمين ما كان! طيب؟
تسحب ذراعها دُون أن تجيبه ليُردف بحدَّة : مفهوم!
رتيل بخفُوت : إيه
عبدالعزيز : أدخلي شوفيها وتعالي بسرعة
دخلت وهي تتأفأف منه، لتلتفت لضي التي أستيقظت بإنزعاج : يالله رحمتك بس!!
بخطوات بطيئة أتجهت نحوه : مافيها شي! بخيــ
يسحب الباب دُون أن يترك لها فرصة إكمال الكلمات، أتجه نحو غرفته ليُخرج جوازه وأوراقهم المهمة من الخزنَة التي تنزوي في الدولاب ليبحث بعينيْه عن مكان يُدسسها به ،بالتأكيد مثلهم لن يستصعب عليهم فتح الخزنَة بأدواتهم التي أجهلها، نظر للوحة تتوسط الجدار، قلبهَا ليفتح البرواز ويضعها خلفها، نظرَ وهو يبعد اللوحة بيديْه حتى يتأكد، شعرَ بأنها مثقلة، أتجه نحو دولابه ليبحث عن " تي شيرت " يحتوِي على رسومات تناسب أن توضع كلوحة، بدأ يرمي ملابسه على الأرض وهو يبحث حتى أستخرج " تي شيرت " أبيض وضعه في البرواز ليعلق اللوحة في مكانها، أطال في نظرته حتى يتأكد من أن لاشيء غريب يظهر عليها، أتجه نحو نافذته ليرى كم يفصله عن الأرض، من حسن الحظ ان النافذة تطل على الشارع الخلفي، فتحها ليُخطط كيف يسقط للأسفل وبأيّ وسيلة يقفز، بالإمكان أن أتجه يمينًا نحو المنزل القريب ومن أنبوب المدخنة أنزل حتى أصل للسلالم وأحطُّ على الأرض، هذه الطريقة الوحيدة، تراجع ليأخذ سلاحه ويجهزه.
في داخله كان يشعرُ بأن لا أمل، ولكن هُناك محاولة فقط محاولة إن ذبلت فـ " ليْ الله "، كم من الذكاءِ أورثهُ سلطان العيد لإبنه حتى ينظرُ للأمور بنظرةٍ بعيدة وكم من الحيرة جعلتني أعيش يا أبي!
على بُعدِ مسافاتٍ قليلة كانت تسيرُ بإرتباك وهي تتصل على عبدالرحمن الذِي أتصل عليها مرارًا في نومها.
ضي بضيق : أكيد صاير شي! قلبي يقول فيه شي ..
رتيل اللامُبالية أستلقت على السرير وهي تلعبُ بخصلةِ شعرها : يارب أني أنام بس وماأصحى الا بعد ما يجي أبوي
عبير عقدت حاجبيْها وهي تجلس على طرف السرير : ما ردّ ؟
ضي تختنق في داخلها من أثرِ الغصَّات التي توافدت على قلبها : مارد للـ .. لم تُكمل من صوته الرجولي الذي دائِمًا ما يأتِ كقصيدةٍ عاصفة تقلبُ في قلبها كل الكلمات : ألو
ضي بلهفة أجابته : هلا ... كنت نايمة لما أتصلت ...
عبدالرحمن : طيب .. كلكم بالفندق ؟
ضي : إيه .. وش صاير؟
عبدالرحمن وهو يسيرُ بالممر الذي ينتهي بمكتبه، يتجاهلُ سؤالها بربكةِ ما يشوش عقله : وعبدالعزيز ؟
ضي : توَّه جانا
عبدالرحمن : طيب ضي خلِّي رتيل تكلمه عشان يفتح جواله!
ضي : الحين؟
عبدالرحمن يدخل مكتبه ليجلس على مقعده الجلدِي : إيه.. ولا أقولك عطيه جوالك أنا بنتظر على الخط!
ضي : طيب ... رتيل عطيه عبدالعزيز .. تمدُّ هاتفها لها لتندفع رتيل بضيق : عشان يعلقني معه! أصلا هو يبيها من الله
ضي : طيب أبوك يبيه ضروري!
رتيل تنهدت واقفة، أخذت الهاتف من يدِها الناعمة لتخرج وتشتمُ باب الغرفة التي كانت تُريد أن تجعله مفتوحا حتى تعود بسرعة ولكن أرتد وأُغلق بسرعة، نظرت للممر الخاوي سوى من عامل النظافة الذي كان يحملُ عربته ولا يقف بجانبِ أيّ غرفة، بالعكسِ تماما كان واقفًا في المنتصف، بلعت خوفها لتتجه نحو غرفته، طرقت الباب لتتجمَّد عروق عبدالعزيز الذي كان يُغيِّر ملابسه متجهزًا للخروج، بلع ريقه بصعُوبة ليتجه نحو الباب دُون أن يلفظ حرف وهو يتوقع أسوأ التخمينات على الإطلاق.
وضعت رتيل الهاتف على أذنها : يبـه . .
وقبل أن تُكمل فتح الباب ليسحبها للداخل، لا يعرف كيف يتحمل هذا الإستهتار منها، سحب الهاتف بعد أن رمقها بنظرةٍ أربكتها، أجاب : ألو
عبدالرحمن بضيق : وين جوالك يا عبدالعزيز! يعني من متى وأنا أتصل عليك طيحت قلبي الله يصلحك
عبدالعزيز : راقبوا جوالي! مسحوا كل شي فيه .. وحذفته بالنهر
عبدالرحمن بشك : كيف وصلوا له؟
من المستحيل أن أنطق " فارس " في وقتٍ كهذا، أردف : مدري
عبدالرحمن : طيب أخذ جوال رتيل! عشان أقدر أكلمك منه .. الحين الفندق إن شاء الله محد بيقدر يدخله، لآيطلعون ياعبدالعزيز ولا يعتبون الباب! لين ما يهدآ الوضع وبتطلع من باريس .. مفهوم؟
عبدالعزيز : بس أنا لازم أطلع بشوف ..
يُقاطعه بحدة : ولا لمكان يا عبدالعزيز! أجلس لين أتصل عليك
عبدالعزيز تنهد : مقدر أنا ..
ولا يُكمل كلماته في حضرة غضب عبدالرحمن الذي لا يخرج دائِمًا : عبدالعزيز إحنا مانلعب! قلت مافيه طلعة
عبدالعزيز : طيب راح أشوف الوضع برا بدل ما أجلس! وأشوف لنا طريقة نطلع فيها من باريس بأقرب وقت
عبدالرحمن : ماراح تقدر لأن رائد ..
يُقاطعه : عارف! كل الموضوع واصلي
عبدالرحمن صمت قليلاً ليُردف : مين موصله لك؟
عبدالعزيز : وصلني وبس
عبدالرحمن يقف بجنُون ليصرخ : قلت مين وصله لك ؟
عبدالعزيز تنهد : شخص من رائد أتعامل معاه
عبدالرحمن : وضامنه؟
عبدالعزيز : إيه ضامنه
عبدالرحمن بغضبٍ : قل آمين الله يآخذ عدوّك كانك بتجيب آخرتنا .. الحين تجلس في الفندق ولا تطلع منه .. مفهوم ؟
عبدالعزيز بعناد : لآ مو مفهوم وماراح اجلس! وأنا أعرف وضعي وأعرف كيف أطلع منها
عبدالرحمن بقهرٍ حاد : لآ تستغل غيابي وتلوي ذراعي!
عبدالعزيز : ماألوي ذراعك أهلك بالحفظ والصون ماعدا ذلك لا تتدخل فيه
عبدالرحمن بغضبٍ خافت : طيب يا عبدالعزيز! بس لو مقدرت ترجع شف عاد وش بتخسر!
عبدالعزيز : أوامر ثانية
عبدالرحمن : جوال رتيل خله عندك
عبدالعزيز : طيب .. مع السلامة .. وأغلقه.
رفع عينه : وين جوالك ؟
رتيل : بالغرفة
عبدالعزيز : طيب روحي جيبيه بسرعة ... ومدّ لها هاتفُ ضي.
فتح لها الباب لينظرُ للعامل الذي كان بجانب بابهم تمامًا، سحب رتيل بقوَّة ليرتطم رآسها بحافةِ الجدار، كانت ستصرخ لولا كفُّ عزيز التي وضعها على فمها، أغلق الباب ليضع السلسلة فوقها حتى يتأكد من عدمِ فتحها، شعر بالدمعة التي تعانق كفِّه، قشعريرة حارقة أصابت جسدِها، ألمٌ لا يساويه ألم، وكأنها دخلت عملية جراحية دُون أن يفلح المخدر بشيء، أبعد يدِه ليضعها خلف رأسها وكأن لمساته ستخفف وقع الألم.
همس : تحملِّي ...
أتجه نحو السرير ليأخذ جاكيته الخفيف، ألتفت عليها وبصوتٍ خافت : خليك بغرفتي لا تطلعين أبد ! طيب؟ ولا حتى لغرفة أختك!
رتيل برجاء وهي ترتعشُ من خوفها : لآ تخليني ..
عبدالعزيز يقترب منها ليُطمئنها : ماراح يصير شي! فيه أمن برا .. و
رتيل : بس فيه ناس بهالطابق! الله يخليك عبدالعزيز لا تخليني بروحي
عبدالعزيز : مضطر أروح! أنتِ بس خليك هنا وأنا ماراح اتأخر
رتيل سالت دموعها بلا توقف لتُمسك كفَّه برجاءٍ أكبر : تكفى لا .. الله يخليك عبدالعزيز
عبدالعزيز يشعرُ بأن عقله يتشوش ولا تركيز يُسعف في هذه اللحظات الضيِّقة، جلس على طرف السرير ويده على جبهته يحاول أن يُفكر بِحَل، سمع صوتُ الباب ومحاولة فتحه ليرتفع صدرُ رتيل بشهيقٍ دُون زفير، تجمدَّت أقدامها، ليُشير لها بأصبعه أن لا تصدر صوتًا، فتح النافذة ونزع حذاءه ليضع أثارًا من الطين الذي ألتصق بوقعِ الأمطار على عتبةِ النافذة، أرتدى حذاءه مرةً أخرى ليأخذ رتيل ويدخل بها لزاويـةٍ من الغرفة تحتوي دواليب الملابس ولا يُخفي أجسادهم شيء سوى الجدار القصير، ألتصق صدره بصدرها الذي كان يرتفع ويهبط بشدةٍ كان يشعرُ بها، كان يشعرُ بضرباتٍ قلبها تتجه نحو قلبه مباشرةً، وضع يده مرةً أخرى على فمها ليكتم أنفاسها الصاخبة، سمعا صوتُ الباب وهو يرتَّد.
أقترب الرجل ذو رداء عامل النظافة إلى النافذة الذي شعر بأنه هربا منها من أثرِ الأقدام التي عليها، بالنبرةِ الفرنسية البحتة شتمهم، لتضيع نظراته في أرجاء الغرفة، أطال بنظرة للجدار الذي يُخفي خلفه دواليب الملابس، أقترب منه حتى ألتفت للجهة المعاكسة من رتيل وعبدالعزيز، عندما رأت ظهره شعرت بأن قلبها سيتوقف عن النبض حالاً، بينما كانت كفُّ عبدالعزيز قاسية وهو يزيدُ بكتمانها، أتى شخصٌ من خلفه يستعجله بالفرنسية : يجب أن نخرج حالاً الأمن في الأسفل ..
تراجع بخطواته ليخرجان وتبتعد يد عبدالعزيز، رتيل بعدم إستيعاب، لا تفهم كل ما يحصل بها الآن، هذا أكثرُ مما يستوعبه عقلها البشري! أكثرُ مما تستوعبه فتاةٌ مثلي، شعرت بأن أصابعه توشم آثارها حول ثغرها.
رتيل بصوتٍ مرتجف تُعبِّر عنه دمعاتها الشفافة في محاجرها : وش قاعد يصير! ماني فاهمة شي
يتجاهلُ سؤالها وهو يغرق بتفكيره، لا بُد من حل ينقذهما من هذا المأزق، لن يرحمنا الجُوهي هذه المرَّة وهو يكتشفُ أعظمُ ما أخفيناه.

،

تنظرُ إليه بحشرجةِ الخوف في عينيْها، أترانِي أخافك؟ أما أخافُ عليك؟ أجهلك والله إنني لا أعرفُ عن مزاجاتِك السماوية ولا أفقهُ بِك شيئًا سوى قلبك يا شريعتي في الحُب، يا التشريع الذي لا يأتِ إلا بعينيْك، وجَّه سهامهُ بنظراته الحادة التي أرجفت صدرها حتى أزاحت يمينًا رُغمًا عن قلبها! رُغمًا عن كل شيء، وإن مرَّ من العُمرِ لحظاتٍ كثيرة إلا أن عينيه إن ضاقت غضبًا يرتجفُ جسدِي بأكمله. دخل الغرفة وهي من خلفه، بدأت تُقطِّع أظافرها بربكةِ أسنانها التي تصطدمُ ببعضها البعض، بنبرةٍ متذبذبة : طيب والله جرحك ماألتئم! كيف تطلع كذا؟
لا يُجيبها، يُمارس التجاهل الذي يسيرُ كشريانٍ في جسدِه، أخرج ثوبه لينتزع بلوزته بصعُوبةٍ بالغة، رماها ونظرت للحُمرة التي تظهر من خلفِ الشاش الأبيض لتتسع محاجرها برهبة : سلطان! .. والله ما يصير
غيَّر ملابسه أمام عينيْها التي تشتت لكل شيءٍ في الغرفة، حتى باتت علبة المناديل مغرية للتأمل، أرتدى ثوبه وبحركةِ يديْه شعر بأن غليان يهرول في رأسه : بدل هذرتك تعالي سوِّي لك شي مفيد
تقدَّمت إليْه وأصبحت الحُمرة هي التي تهرول في ملامحها : بكلم عمي عبدالرحمن
لم يجيبها وعينيْه تُشير لها بأن تغلق أزارير ثوبه، وضعت أصابعها في أعلى بطنه لتبدأ بالأزارير السفلية.
سلطان : قولي لعمتي ماتطلع من البيت!
الجوهرة تغلق آخر إزرار لترتبِك أصابعها من لمسةِ رقبته، رفعت عينها : أنتبه لنفسك ترى عمتك تبيك
أتجه نحو الأرفف ليأخذ شماغه وعقاله : بس عمتي؟
الجوهرة أخذت نفس عميق لتُردف : لو يكتبون عن فن التعامل مع مزاجك صدقني ماراح يكفيهم كتاب واحد!
ألتفت عليها وبإبتسامة في عزِّ الربكة والفوضى أعقبها بنبرةٍ ساخرة : أجلسي وأستغفري ليْ عن مزاجي عسى الله يتوب عليّ .... ونزل للأسفل ولم تتركه أبدًا وهي تسيرُ كظله لتندفع بكلماتها كالطفلة التي لا تعرف كيف تختار مصيرها : طيب! بستغفر عن نفسي اللي صابرة
ضحك بخفوت وهو ينحني ليأخذ حذاءه ويخرج دُون أن يعقب ضحكتِه بأيّ حرف، في الثانية الواحِدة كم مرةٍ تتغيرُ سماءِك؟ في جُزءٍ من الثانية أنت غاضب وفي جزءها الثاني أنت تضحك، إلهي يا سلطان " وش قد تعذبني! ".

،

يجلس بصمت بعد أن أُستِنزف لسانه بالكلماتِ الجارحة الناقصة المذمومة السيئة، يُراقب الوضع الذي يعيشه، يُراقب الخطر الذي يحاصره، يُراقب أسوأ الأشياء التي تحصل له، كم شهرٍ مضى وأنا أخطط وأخطط وبالنهاية! لا شيء. وأنا رجل لا أقبل باللاشيء، لا أقبل بالقليل أبدًا ولا يُغريني النقص، أحاول أن أكفّ بطش غضبي عنكم ولكن أنتم من تريدون ذلك، لا أصدق بأن خدعة مثل هذه تمرُّ عليّ بسهولة، خدعة كان من الممكن أن أكتشفها لو كنت أعرف عن " عبدالعزيز إبن سلطان " لمَا أستصعب عليْ أن أعرفه ولكن شخصٌ أسمع بإسمه ولا أراه بالقُرب بسهولة أسقط في فَخه.
يلعبُ بمُجسَّمٍ صغير الحجم على شكلِ سلاح، رفع عينه الغاضبة : انا شغلي يتم وفي الوقت اللي كنت مخطط له عاد بعبدالعزيز وهو متنكر ولا بعبدالعزيز وهو مدري كيف! المهم أنه بيصير اللي أبيه وساعتها أعرف كيف أتعامل معهم
: طال عُمرك ... عبدالعزيز ماهو بالفندق ومانقدر ندخل له أصلاً
رائد بهدُوءٍ مُخيف يحك عوارِضه : مقدرتُوا تدخلون! برافو والله ... تقدر تروح ترتاح
يعرف أنه يسخَر ليبلع ريقه بصعوبة : حاولنا نهرِّب أحد وأكتشفنا أنه قدر يهرب قبل لا نجيه
رائد بصرخة أرجفت الجسد الثقيل الذي يُقابله : قلت يجيني قبل هاليوم ينتهي !! مفهوم ولا أعيد كلامي مرة ثانية
بضيق : مفهوم طال عمرك لكن جواله موقف عند إشارة وحدة ولا نقدر نراقبه أو نحدد مكانه الحين
رائد يقف ليتراجع دُون إرادته الشخص الآخر للخلف، ضرب بكفِّه على طاولة مكتبه : تحفر لي باريس شبر شبر لين يطلع !
وبصوتٍ خافت يُكمل : و الخمَّة اللي معه؟
: واضح أنهم ما هُم في الفندق بعد!
رائد : طيب! لِك لين الليل إن ماجاني عبدالعزيز وش يصير فيك؟
: بحاول إن شاء الله
رائد بصراخ : ماأبيك تحاول! أبيك تجيبه ... مفهوم !
: إن شاء الله
رائد يجلسْ ليتلاعب بالأقلام بين أصابعه : الحين أذلف عن وجهي ولا عاد أشوفك إلا وهو معك
خرجَ رجُله بإمتعاض وهو يفكر بطريقةٍ يصِل بها لعبدالعزيز، كان جالسًا بالقُرب منه، لا يصدر صوت ولا ينطق بكلمة، كل الكلمات تنزوي في صدره دُون أن تتجرأ على الوقوف في حنجرته، كيف يجلبُ عبير؟ ليس هذا المهم! كيف أرضى عليها أن تُعامل بهذه الطريقة، سهلٌ عليّ أن أتقطع أجزاءً ولا أراها تحت بطش والدِي! سهلٌ عليّ أن أفعل كل الأشياء الغبية الصعبة السهلة التافهة القوية الخشنة الناعمة عدا أنني أمام عبير لا أرضى ولا أستطيع أن أرضى بأيّ فعلٍ يُبدد الأمن من قلبها البِكرْ، أنحنى بظهره ليطوِّق رأسه بكفيْه وتبدأُ شفتِه بالنزيف دُون أن يتحرك أو يُفكِر بمسح دماءه، لا تزول آثار ضربك يا أبي بسهولة! يجب أن أتحمل عقباتها حتى في أشدِ الأوقات حسرة.
يقطعُ سلسلة أفكاره بسخرية قاسية : كلم عبدالعزيز وخله يساعدك كان فيه خير
لم يُجيبه ولم يرفع عينه له، كم دفعنا أخطاء الآخرين حين كُنَّا مُكرهين على أشياءٍ لم نحبها يومًا وكم كُنا ضعفاء في وجه الأشياء التي نحبها حين أستصعب علينا أن نتمسكُ بها، لا قُدرة لدي والله لا أملك القوة الكافية حتى أسرقك يا عبير من حدُودِ موطنك الذي رسمه والدك، لا أملك هذه القوة التي تجعلني أتخلص من مبادئي الثابتة وإن تذبذبت يومًا بسهولة، صعب عليّ والله وليت والدِي يعلم.
رائد : الوقت يمّر وأنت جالس بمكانك بس أنا عند حلفي والله إن ماجتني يا فارس لا أخليك تتحسر عليها عُمر كامل
فارس عقد حاجبيْه ويشعرُ بالألم يتدفق من أنفه وليس دماءً وحسب، كلماتُ والده توجعه، توجع قلبه الذي يعشق، سحب منديلاً ليخرج مشتتًا ضائِعًا، يقف أمام واجهة الدكان الصغير ليعكسُ وجهه المحتقن بالغضب، نظر لإحدى الجرائد السعودية التي تصدر من لندن تعتلي الرفّ الباريسي وبالخطِ العريض " خطف شاب سعودي في سياتل "
بلع جفافه الذي كسى لسانه، أعتاد أن يقرأ هذه الأخبار على الدوام، يجهل شعور أهله ولا يشعر بشيء سوى الشفقة ولكن هذه المرة يعرفُ كيف هذه الكلمة التي تحتوي على ثلاثة حروف بمقدورها أن تحوِّل الحياة إلى جحيم.
هل يجب أن أقُول الآن " آسف " لقلبِك لأني لم أكن رجلاً مناسبًا لكِ يومًا ما، آسف لأنني لا أستطيع أن أتمرد عن من يعقبُ إسمه إسمي، آسف لأنني أحببتُك بطريقةٍ لاذعة قاسية، آسف لأن ذنبكِ كان أني أحببتك، آسف من أجلِ الصور التي وقعت بين يدايْ في لحظةٍ لم أكن أبحث بها عن الحُب، آسف لعينيْك التي أتت كـ أرق في ليالٍ عديدة، آسف لأني حاولت أن أبحثُ عن هويتِك الضائعة وأنا أخمِّنُ من صاحبة هذه الصور ؟ آسف على كل شيء جعلني أتضوَّرُ شوقًا لمعرفةِ إسمك، آسف لأنني علمتُ إسمك عن طريق رجال والدِي، آسف لأنني أستعملتُ كل الأشخاص الذين حولك في حُبي، آسف من أجلِ السائق الذي كان يُخبرنِي عن خروجك ودخولك يوميًا، آسف من أجلِ الخادمة التي كانت تُعطيني تقريرًا يوميًا عنكِ، آسف من أجلِ اللحظات العصيبة التي مررتِ بها تحت وطأة الضمير الذي يجلدك، آسف من أجلِ ألاعيبي التي لم تنتهي، آسف من أجل خياناتي التي لم أستطيع أن أتجاوزها، آسف من أجلِ الخمر الذي أحاول أن أنساكِ به ولكن أتذكرك في كل لحظةِ سُكرٍ و صحوةٍ، آسف لله عليكِ يا عبير.

،

مسك رأسه يُريد أن يتزن، أقصى أحلامه في هذه اللحظة أن يتلاشى الصداع ويستطيع أن يفكر بإستقرارٍ أكثر، نظر للساعة، يترقب الموعد اليومي الذي يستطيع به أن يتصل وأن يتحدَّث، أحدٌ يحركنا كيفما يشاء وكيفما يُريد، أحدٌ لا يرحمنا أبدًا ويجعل كل شخصٍ يشكُ بالآخر وها هو أتى دوري ليجعل ناصر يشك بيْ، تنهَّد، أذهب أم لا ؟ أقول أم لا ؟ أعترف أم لا ؟ . . أضيع أم "لا ؟
وقف ليتجه خارجًا، لا حل غير ذلك، كل الحلول يجب أن تقع تحت عينِ بوسعود وسلطان حتى لا يقع الذنب كله عليّ، ركب سيارته ليهتز هاتفه برسالةٍ تجلدُه بكل ماهو لاذع/حاد " حذرتُك أكثر من مرَّة، ولكن في حال أثرت غضبي سأرسل كل ما لديْ لمكتب من توَدّهم .. ولك حرية الإختيار "
إذن؟ ضرب على مقوده، كل شيء يقف ضده، لاشيء يستوي وينقذه، إلهي كُن معي في هذه اللحظات، لا يخيبُ من يطلب رجاءك، اللعنة على كل الأشياء التي صيَّرتني بهذه الصورة، أين عقلي حين رضيتُ بذلك؟ كنت أعرف والله كنت أعرف أنهم يخونون أصدقائهم ولكن أنا السيء على كل حال وأستحقُ هذا العذاب.

،

في مكتبِ عبدالرحمن بعد أن طُلِب بإتصالٍ منه، يجلس عبدالله اليوسف أمامه : وبس؟
عبدالرحمن : إيه هذا اللي قريته هو نفسه اللي صار! أحيانا أقول هو شخص واحد وجالس يلعب فينا ومرات أقول هو ما يلعب فينا هو قاعد ينفذ أهدافه وبعدها بيبعد ... وبينهم إحنا ضايعين
عبدالله الذي تلتصقُ بيدِه إحدى الأوراق : خلك من كل هذا أرجع للحادث! بدايته .. أسمح لي ياعبدالرحمن لكن هذي كيف تضيع منكم؟ ماني مصدق! يعني دفنوا جثث ماهي جثث حقيقية! إلا أخته الصغيرة وأمه وأبوه بعد! أما أخته الكبيرة حيَّة ! وبعدها تصدقون أنه أمه حية بسهولة بدون لا تبحثون بالموضوع! في المستشفى هنا بدت نقطة التحول، تحاليل ال DNA اللي ثبتت أنهم عائلته مين زوَّرهم ؟ طيب وكلتوا موضوع غادة لمقرن! وخليتوا مقرن هو المسؤول عنه وتطمنتوا عليها لكن مقرن ماخبركم عن هاللي ماأعرف إسمها! وقبل فترة وبوقت إختفائها مع وليد اعترف لكم مقرن بأنها ماهي أمها! ليه هالوقت بالذات! هذا يعني أنه مقرن قاعد ينقذ نفسه من الشك، قبل لحد يفضحه .. لكن هذا مايعني أنه مقرن هو المسؤول الأول لكن أظن أنه مقرن تحت ضغوط ثانية وأنت فاهم قصدي زين .... أظن يا بوسعود أنكم جالسين تدفعون ثمن أخطائكم اللي خليتوها تحت رحمة ناس مالها حيل ولا قوة مثل مقرن.
عبدالرحمن تنهَّد : كنا واثقين! كنا نقول أنها بخير دام مقرن يتابع حالتها لكن أكتشفنا العكس
عبدالله : والحين وينها؟
عبدالرحمن : يراقبها سعد
عبدالله : وهذا بعد واثق فيه ؟
عبدالرحمن بضيق ألتزم الصمت
عبدالله : ماتدري إذا هي حية ولا ميتة!! جالسين تستمرون في الغلط نفسه! اليوم قبل بكرا لازم يدري عبدالعزيز بموضوع أخته .. وناصر بعد ..... حمايتكم لها قاعد تضرّها! هي ماعادت تحتاج لكم .. هي تحتاج أهلها ولا ترتكبون جريمة ثانية في حقهم! أنا أحترم انكم في البداية ماكان قصدكم سيء وكانت نيتكم هي حمايتها بس لكن الحين نيتكم هذي صارت شي ثاني وتحولت لضرر وأنت تعرف يا عبدالرحمن حجم الظلم والظلم ظلمات يوم القيامة
دخل سلطان : السلام عليكم
: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جلس بمُقابل عبدالله وقبل أن ينطق كلمةٍ واحد : تو أقول لعبدالرحمن أنه لازم ناصر وعبدالعزيز يدرون عن غادة!
سلطان : بهالوقت! مستحيل .. إحنا ما نضمن تصرفات عبدالعزيز وهو معصب من موضوع تافه كيف لو كان الموضوع يخص اخته
عبدالله : إن ما درى الحين بيدري بعدين! المصيبة هي نفسها ماراح تزيد ولا راح تنقص، ومهما أختلف الوقت يبقى الموضوع صعب عليهم مهما حاولتوا تخففونه!
سلطان: خلنا من هالموضوع الحين، كنت أبغى أسألك إذا قد تناقشت مع بوعبدالعزيز الله يرحمه وجاب لك سيرة شي يخص شخص ثاني غير رائد وشلته .. حاول تتذكر إذا طرآ لك مرة أحد وبشكل غريب .. يعني إحنا ماندري عنه
عبدالله عقد حاجبيه : لا .. كل الاشياء في الملفات والمجلدات اللي بالأرشيف مافيه شي جديد
عبدالرحمن : حاولنا نوصل لسكرتيره لكن قالوا مريض وبديرته بعد! تعرف يا عبدالله أنه في ليلة الحادث وقبلها بأيام كان جوال بوعبدالعزيز كله تهديدات من رائد لكن صار الحادث ورائد مايدري عن توابع هذا الحادث! والشي اللي مهبل فيني أنه لو كان سلطان شاك واحد بالمية بجدية التهديد كان ما خذا أهله وياه .. فيه شي ماني قادر أفهمه وبنفس الوقت أحس العلم عنده الله يرحمه
سلطان يسحب حلقاتٍ معدنية كانت تتراكم فوق بعضها على مكتبِ عبدالرحمن وتزيّنه، يُرتبها على الطاولة ليرمز لها : هالشخص هو نفسه المسؤول عن الحادث لكن خلانا نشك في رائد، هو نفسه المسؤول عن عزل غادة في البداية عشان يخليهم بعدين يتهمونا ويحسبونا إحنا اللي أبعدناها في البداية وإحنا اللي زورنا بالتحاليل، هذا الشخص هو نفسه المسؤول عن تعطيل سيارة عبدالعزيز عشان مايخليه يقابل رائد وعشان يخلي رائد يشك فيه، هذا الشخص هو نفسه المسؤول عن أمل اللي كانت مع غادة ..... هو اللي جالس يتلاعب فينا وفي رائد بعد! لكن مين له مصلحة في كل هذا ؟
عبدالله يضع حلقةٌ صغيرة تربط بين الحلقات الكبيرة : وهنا مقرن! اللي واضح أنه تحت ضغط هالشخص نفسه! لكن ماهو خاين! وجالس يشككم فيه مثل ما شكك رائد وشكك غيركم .. هذا الشخص جالس يمشي عليكم واحد واحد ويذبحكم بالشك بدون لا يتدخل .. يعني بالعربي يحارشكم على بعض بدون لا يوجه العيون عليه
عبدالرحمن مسح وجهه بتعب : والحل الحين ؟
عبدالله : الحل الحين! المشكلة أنه رائد خرج عن سيطرتكم! وشغلكم هذا كله طار .. صرتوا مكشوفين قدامه، و ... أظن أنه الشخص *يُشير إلى الحلقة الواسعة* اللي جالس يتلاعب فيكم ممكن يتعرض لكم! وماأستبعد لو كان قد تعرض لكم لكن فهمتوها على أنه رائد وغيره.
عبدالرحمن يشعرُ بأن عقله يضطرب بشدَّةٍ لا يستحملها : خاطرنا كثير يوم خلينا عبدالعزيز في وجهه!
عبدالله : طيب أنا أقول دام الموضوع فيه خسارة لكم .. قللوا قوتها، يعني طيعوه في اللي يبي بس لاتطيعونه بشي كامل يعني مثلاً بنص الطريق غدروا! أظن الغدر في أشكاله شرف!
سلطان : كيف نطيعه؟ الحين رائد عرفنا كلنا! وعرف طريقتنا وخطتنا! وعرف عبدالعزيز .. يعني موضوع باريس بالنسبة له أنتهى وأنه فلوسه راحت خلاص لأنه بسهولة ماراح يقدر يكمل بدون صالح اللي هو عبدالعزيز ... فهو غصبًا عنه لو يبي يكمل شغله محتاج عبدالعزيز بدون أيّ ضرر لكن .. ماينضمن الجوهي
شعر بأن ضغطه ينخفض والزُرقَة تجتاح ملامحه، تجاهل كل أوجاعه ليُكمل وصوتُه يبدأ بالموت في داخله وتتذبذب نبرته في العلو والخفوت تدريجيًا : راح نبعد عبدالعزيز عنه هالفترة . . . . . . – شتت نظراته للسقف وهو يبلعُ الطعمُ المرّ الذي تدفق على لسانه – . . نشوف أول شي ردة فعله كأفعال ماهو تهديداته اللي ماتنتهي ونقرر بعدها
عبدالرحمن : أنا أقول كذا لكن صعبة نصبر بعد
عبدالله يُراقب حركات سلطان التي بدأت تتجمدُ معه مفاصله حتى سقطت الحلقة الحديدية الصغيرة من بين أصابعه لتُصدر طنينًا في وسط الطاولة الزجاجية.
يُثبت عينه : سلطان ؟
لم يشعرُ بشيء سوى جرف الحرارة التي ترتفع من رئتيه مرورًا بقلبه إلى حنجرته، تتضببُ رؤيته وغبارٌ يطغى على الملامح، هذا العالم يلتف بلا توقف، تغيبُ الملامح عنِّي في الوقت الذي يجب به أن أكون مستيقظًا، يشعرُ بشيءٍ يعيق عليه عملية تنفسه، سقط جانبًا بقوةٍ مُهيبة و بجانبِ صدره يحمرُّ ثوبه لتتسع بقعة الدماء التي يغرق بها، بخطواتٍ سريعة خرج عبدالرحمن ليصرخ : أطلبوا الإسعاف!!!

،


تنزلُ دمعاتها الشفافة بصمت وهي تسمعُ الطرف الآخر من الهاتف، تؤمن بذلك وهي أمام هذا الغرق الكبير الذي يجتاحها، كيف تقوى؟ كيف تنطق بإنسيابية دون أن يتعثر لسانها، يأتِ صوتها الحنُون : يا ريم أنتِ غلاك من غلا الجوهرة وأفنان .. ما يصير كذا من أول مشكلة رحتي! أتركي لنفسك فرصة على الأقل! لو كل البنات سوو مثلك كان نصهم مطلقات! أكسبي بيتك وزوجك وكل شي له حل
ريم بضيق لا تعرف ما يجب عليها قوله وما لا يجبْ، لتُكمل : ريان وأبوه إن شاء الله جايينكم بكرا!
ريم بخفُوت : إن شاء الله على خير
أم ريان : يا يمه أنا ما أتصلت عليك إلا وأنا أبي لكم الخير! ماهو عاجبني لا حالك ولا حاله ... الله يبعد عنكم كل ضيق وحزن ويجمع قلوبكم على بعض
عقدت حاجبيْها، شعرَت بأن قلبها الذي بحجمِ الكفّ يتفكك، لا تتزن في تفكيرها ولا تعرف مالصح ومالخطأ، ما ينبغي فعله ومالاينبغي، يا ربّ الفرح خُذنِي لديارٍ لا تبكِي.
أم ريان : تآمرين على شي؟
ريم : سلامة قلبك
أم ريان : بحفظ الرحمن يا بنتي ... وأغلقته.
وضعت رأسها على ركبتيْها لتنخرط في بكاءٍ عميق، بدأ الندمُ يتشكل كصداعٍ في جبينها الناعم، لو أنني لم أوافق؟ لا أريد يالله أن أفتح للشيطانِ بابًا ولكن ليس هُناك أشدٌ حزنا من الندم، ليس هُناك معنى يصف الشعور بالندم أبدًا لقلبِي الصبي، لم أنضج تمامًا حتى أقف بثبات أمام كل هذه الأشياء المتداخلة.
على مسافاتٍ بعيدة في شرقِ المملكة : وش؟ يمه مو قلت لا تتصلين!!!
والدته :أنا كلمت أبوك وبكرا بتروح لها
ريَّان بغضب : يمه أنتِ على عيني وعلى راسي لكن مشاكلي ماأبي أحد يتدخل فيها! تدخلتِي بزواجي وقلت يالله معليه!! لكن تتدخلين بعد بهذي لا وألف لا
والدته بضيق : تعال أضربني بعد!
ريَّان : أنتم بقيتوا فيني عقل .. ماعاد أفهمكم
من خلفه بصوتِه الحاد : لا تعلي صوتك على أمك!!
ألتفت لوالده : عاجبك اللي يصير! هذا اللي ناقص شوي وتترجاها وتكفين أرجعي يا ريم!
والده : كلمة ثانية يا ريَّان بحق أمك وماتلوم الا نفسك! ... تروح الرياض وتجيبها معك أما سالفة أنك بتخليها معلقة تحلم!! بكرا تلحقها الجوهرة وأفنان وأنت عارف أنه الجزاء من جنس العمل ... يا تطلقها يا ترجعها غير هذا مافيه
والدته بإندفاع : وش يطلقها! ما كملوا إلا شهر وتبيهم يتطلقون!!
والده : أستح على وجهك غيرك عياله طوله وأنت من أول مشكلة أنهبلت! اعقل وخلك رجَّال وروح جيبها معك
ريَّان : أشوفكم واقفين بصفَّها!
والده : واقفين مع الحق! انا عارف ومتأكد أنه السبب منك أنت مو منها! من رجعتوا وأنا ماعاد أشوفك بالبيت! طول يومك برا من عذرها يوم تزعل وتروح بيت أهلها
تنهَّد بغضب : طيب! راح أرجعها وغير كذا ماراح تتدخلون في حياتي وزي ماأبي بتصرف ! .... خرج بخطواتٍ مستثارة بالحدَّة.
تراجعت للخلف وهي تأكل تفاحتها الصفراء، لن تنتهي المشاكل أبدًا في هذا البيت. صعدت لغرفتها لتُثبت الهاتف بكتفها وتُكمل أكلها.
أجابتها : ألو
أفنان : مساء الخير
الجوهرة : مساء النور ... تآكلين؟
أفنان بسخرية : من حرقة الأعصاب اللي صايرة في بيتنا! صايرة أحط حرتي بالأكل
الجوهرة : ليه وش صاير؟
أفنان : من غيره ريَّان، تدرين أنه ريم عندكم!
الجوهرة : متهاوشين ؟
أفنان : إيه ... والحين عصب من أمي عشانها كلمتها بس يقول بكرا بيروح يجيبها
الجوهرة بسخرية : والله إحنا عايلة بالمشاكل محد يغطي علينا
أفنان أبتسمت : قالتها قبلك عبير! كل آل متعب لو مالقوا أحد يتهاوشون معه تهاوشوا مع نفسهم
الجوهرة : خليها على ربك .. صدق أبوي شلونه؟
أفنان : بخير على حاله ..
الجوهرة : الحمدلله
أفنان : شفتي تركي غيَّر رقمه وما أرسل لنا الرقم الجديد! وأمي تقول أنه متهاوش مع أبوي ومدري وش سالفته! ياربي بس عاد تركي مفلِّم مرة من هوشة يزعل ويقطع
أرتبك قلبها لتلتزم الصمت دُون أن تعلق بأيّ كلمة، أردفت أفنان : ألو؟
الجوهرة : معك
أفنان : عندك رقمه الجديد؟ تكلمينه؟
الجوهرة : لا من وين بجيبه
أفنان : يختي ليه كذا يصير فينا! يعني أخو أبوي من لحمه ودمه يقطع فينا كل هالفترة ويغير رقمه ومايقولنا!
الجوهرة بغصّة تشابكت مع حبالها الصوتية، الذي من لحمه ودمه لم يصون عرضَه قبل كل هذا حتى يحفظُ حقوق أهله عليه : أكيد بيرجع زي كل مرة
أفنان : بس هالمرَّة طوّل! طوّل مررة
الجوهرة تنهدت لتُضيّع الموضوع : أبوي بيجي معاه الرياض؟
أفنان : أمي قالته لريم لكن شكله ماراح يروح من كلامه مع ريان ...... أنتِ قولي لي وش أخبارك مع سلطان وعمته؟
الجوهرة : تمام الحمدلله
أفنان بسخرية : يعني كأني منتظرة غير هالإجابة أنتِ حتى لو ميت عندكم أحد قلتِ الحمدلله بخير
الجوهرة : وش تبيني أقول يعني؟ والله محنا بخير وشوي ونموت من الضيق
أفنان : طيب طيب حقك علينا لا تآكليني

،

وضعت يدها على قلبها الذي ينبض بشدَّة تجاوز أيّ شدةٍ سابقة، نظرت لضي التي تضمُ وسادة نحو بطنها الذي لا يفكُّ عن إيلامها : بيصير زي 2006 ! يالله لا
ضي : وش صار في 2006 ؟
عبير بصوتٍ خافت تشعرُ بأن الأمان يتلاشى من قلبها : وقتها جلس أبوي 3 شهور ما يتحرك من سريره
ضي بحشرجة الخوف : لا إن شاء الله .. ربي لا يعيده عليهم! ....... عطيني جوالك
عبير تمدّه لها لتتصل على رجُلها الوحيد، الله يعلمُ أنه منذُ أن تشابكت يدي بيدِه أبصرتُ الحياة من جديد، الله يعلمُ منذُ أن رأيته ولدتُ من جديد، يالله إنه لا يعجز عنك شيئًا فأبقِه بجانبِ قلبي.
على بُعدِ مسافةٍ قصيرة كانت تجلسُ بمقابله وهو يستلقي على السرير يتأملُ السقف ويغرق بتفكيره وعلى بطنه يستقر السلاح وهو يتلاعبُ بأصبعه ليجعله يدُور بتأنِي يُشبه تفكيره الذي يبتعدُ عن الواقع بأشياءٍ كثيرة.
مسكت رقبتها المشتعلة بالحرارة، لتقف متجهة إلى الحمام غسلت وجهها بالماءِ البارد لتُثبت كفيَّها على المغسلة، يالله كم يلزمنا من قوة حتى نتحمل كل هذا، تعبتُ من الحزن الذي يتسلل إليْ في كل مرَّة أريد بها أن أبتسم، تعبت من أن أخفي مشاعري وأكذب بها، تعبت من أن أحزن وأكابر وأنا والله لستُ إلا كاذبة جيِّدة، تعبتُ منك يا عزيز، تعبت من عيناكِ الغاوية، تعبت منَّا كلانا، أيّ هدنة نتحدثُ بها؟ هذا والله هراء.
تسترجعُ في الأسبوع الماضِي كيف أتفقا على الهدنة بعد ليلةٍ بكت بها وأجهشت بالبكاء أمامه، كلماته التي أتت مؤلمة لقلبها الذِي يشيبُ على حبه " طيب يا رتيل أنا ماعندي مانع! قلت لك قبل هالمرة خلينا ننسى كل اللي صار على الأقل هالفترة وبعدها قرري بكيفك وش تبين! تعاملي معي كعبدالعزيز بس! أعتبريني أيّ شخص وأنا بعتبرك بعد أيّ شخص هالفترة وبعدها يصير خير! .. أتفقنا ؟ "
كيف مرَّت الأيام بعد الإتفاق هادئة تصخبُ به ضحكاتهم، لا تعرف كيف الدنيا تفتحت وأصبحت ربيع بمجرد غياب أثير لعدةِ أيام مع والدها خارج باريس، كيف للحياة كل هذا الإغراء بمجرد ما أستشعرت أنه ينام لوحدِه ويستيقظ لوحدِه دون أن يراها، أن يأكل أيضًا لوحدِه، هذه الأنانية التي جعلتني أفكر بهذه الصورة جعلت أيامي الماضية " جنَّة " ولكن سُرعان ما تلاشت، عادت وعاد حُزني معها وعُدت أنت كشخصيتِك التي لن تتغيَّر أبدًا.
سحبت منديلاً لتخرج ولم تراه على السرير، أنقبض قلبها بخوف حتى تنهدت براحة وهي تراه يسكبُ له من الماء. ألتفت عليها : قلت ماراح أطلع وجالس عندِك .. وش فيك خفتِي!
جلست على طرف السرير : ولا شي
جلس بجانبها ليمدّ لها كأس الماء، تعلقت عيناها بيدِه لثواني حتى أخذته، شربت الرُبع منه وهي تُبلل قلبها ببرودتِه، أخذه منها ليشرب من موضعها، ألتفتت عليه لتتشبثُ عيناها بفمِه، ماذا تفعل بي يا عزيز؟ بربِ السماء ما أنت بفاعلٍ بقلبٍ هشّ ؟ تقتلني أكثرُ من مرة وتُشتتني مرَّات ومرات، والآن ؟ مالذي تُريد أن تصِل إليْه؟ إنِي أسألك بحقِ الأيام التي ضاعت بيننا ماذا تريد؟ إني أسألك بحُزنِ عيني التي منذُ أن رأتك أغمى عليها، حياتِي لك، قلبِي لك، وكل التفاصيلِ لك ولكن لمرةٍ واحِدة أعدنِي إليْ.
وضع الكأس على الطاولة ليلتفت إليْها وبهدُوء : في كل مصيبة لي لازم ألقاك بوجهي! ... أظن هذا له دلالة قوية
رتيل تُشتت نظراتها : أصلاً لولا أبوي تأكد أني ماكنت راح أجيك بس قال ضروري عطوا الجوال لعبدالعزيز
عبدالعزيز : وأنا مصدقك
رتيل الذي فهمت من نبرته أنه يسخَر : أنت بنفسك سمعت
عبدالعزيز : والله مصدقك يا بنت الحلال .... قطع الصمت الذي ساد لبُضعِ دقائق .... يوم جيتيني وراسِك مغطيه الشاش، وش كان صاير لك ؟
ضحكت بسخرية : بدري سؤالك!
عبدالعزيز بمثل نبرتها : أعرف أروض نفسي وفضولها بسهولة!
رتيل : طحت
عبدالعزيز : وين ؟
رتيل : ببيتنا بعد وين! طبعا عشان تحس شوي على نفسك تراها بسببك
عبدالعزيز الذي كان يشعرُ بأن خلف الجرح الذي بين حاجبيْها حكاية ولم يخيب توقعه : وش سويت هالمرة بعد ؟
رتيل : سمعتك وأنت تبشر صاحبك كيف أنه شخصيتي تصلح لفترة مؤقته وبعدها خلاص!
عبدالعزيز : وبس هذا اللي سمعتيه؟
رتيل بقهر وهي تتذكرُ كل كلمة، كل حرف نُطِقت به شفاهِه لتنغرز بقلبها، مازالت آثار حدِيثه باقية في قلبي ومازال جبيني الذي يشهدُ بالحزن معي بالندبَةِ الواضحة بين حاجبيّ أيضًا باقية : ما أبغى أتذكر ذاك الموضوع، ممكن ؟
عبدالعزيز : أكيد ممكن بس على فكرة كلامي مع ناصر ذاك اليوم كان في وقته يعني تغيرت أشياء كثيرة بعده
رتيل تُعيد كلماته بحزنٍ يستعمر قلبها : أنا أعرف كيف أتكيف مع أثير وأقدر أعيش معها .. متى بس أنتهي من هالحياة وهالرياض وأفتك منها وأعيش زي ماأبي بدون أيّ أحد من هالعايلة ..
عبدالعزيز : كل شي يتغير حتى قناعات الشخص
رتيل : وش تغيَّر فيك يا عبدالعزيز ؟ أنك صرت عادل ماشاء الله وماتبي تظلم أثير
عبدالعزيز : أنتِ دايم تحطين نفسك قدام أثير ماهو قدامي .. لآ تقارنين وبترتاحين
رتيل بعصبية : لأنه عمرك ماراح تحس بشعوري وأنا أشوفك معاها! مهما حبيتك .. ماراح أقبل والله لو أيش أني أتنازل وأرضى بأنها تشاركني!!
عبدالعزيز تنهد : هالموضوع لو فتحناه ماراح يتسكر
رتيل : أنتم الرجال تحسبون الحريم مايقدرون يعيشون بدونكم لأنهم ببساطة يموتون فيكم! لكن صدقني مافيه بنت تحب وتنسى عقلها! مهما جنَّت فيك بالنهاية تقدر تنسحب بهدُوء وتعيش عذابها مع نفسها بدون لا تشارك أحد فيه لكن أنتم تنسحبون وتظلمون بنات غيركم لأنكم تدورون عن اللي تحبونه في الغير بس البنت عمرها ماتدوِّر أحد! إما أنه يجيها اللي تبيه ولا تبطِّل حُب، هذا الفرق بيننا وبينكم!
عبدالعزيز : وأنا ما دورت عليك عند أثير! حطي هالشي في بالك
رتيل : سوّ اللي تبيه وعيش حياتك مثل ماتبي لكن ماراح تقدر تجمعني معها أبد! .. ماراح تقدر يا عبدالعزيز لو صار أيش ما صار!
عبدالعزيز بقسوة : وليه ضامنة أني أبيك في حياتي!
رتيل بحدة تنظرُ إليه، هذه الحدة التي تلمعُ في عينيها كدمعة تُسجن في محاجرها، صمتت وعينيْها التي أستلمت الدفاعُ عن كلماتها، لوَت طرفِ شفتها السفلية إلى الداخل وهي تشدُّ عليها خشيةً من البكاء.
كان سيتحدث لولا صوتها الخافت : متناقض! عمرك ماراح تعرف تفكر زي الناس! قلت هدنة وأنا أعرف وش غايتك منها! وقلت يالله ورجعت بكلامِك لأنك ماتعرف تثبت على رآي!
عبدالعزيز بجديته أقترب منها : آسف
رفعت عينها بدهشَة من أنه يتنازل ويعتذر، رمشت كثيرًا حتى تستوعب ما قاله، صعبٌ عليها أن تُصدِق هذا الأسف بإنسيابية صوتِه.
: أنا ماأعرف بالهدن شي ...
رتيل : تعتذر عشانك ماتعرف بالهُدن شي؟
عبدالعزيز : قلبك مثل ما يبي يفهمها يفهمها
رتيل عقدت حاجبيْها : تنازل لو مرَّة!
عبدالعزيز بإبتسامة يقتل بها قلبها : أعتذر لمقامِك السامي يا رتيل بنت عبدالرحمن بن خالد آل متعب .. أتمنى أنه تنازلي هالمرة ما تجحدينه مثل ما جحدتِ غيره وتعرفين أني قادر أعتذر متى ما أخطأت بدون لا ينقص هالشي منِّي
رتيل بتلذذ في " تفشيله " : وإعتذارك مرفوض.
عبدالعزيز : ههههههههههههههههههههههههههههههه شكرًا لك
رتيل : العفُو يا ... بو سلطان
عبدالعزيز غرق بضحكتِه ليُردف بخبث : مين بيجيب لي سلطان ؟
رتيل : الله يخلي لك أم عيالك اللي تبيها في حياتك ... أردفت كلمتها الأخيرة بسخرية لاذعة على كلماته الأخيرة معها.
عبدالعزيز : يعني أفهم أنه حياتي ماهي مغرية لك؟
رتيل رفعت حاجبها وهي تقلدُ صوته بطريقةٍ ساخرة : أنتِ ماراح تكونين أول بنت في حياتي! أنتِ مستحيل تكونين أول بنت! أنتِ ... وأنتِ وأنتِ ... أذكرك إذا نسيت
عبدالعزيز : أجل أنا أعتذر عن كلماتي بعد .. تقبلين إعتذاري يا حرم عبدالعزيز العيد ؟
فهمت من كلمته الأخيرة كيف يُريد أن يربط مصيرها به، أخذت نفسًا عميقًا وهي تنظرُ لإبتسامته التي تُربكها، أخشى على نفسي من هذه الإبتسامة وفتنتها.
أردفت : أفكر
عبدالعزيز بضحكة وكأنه يحاول أن يهرب من واقعه بكلماته معها، يحاول أن ينسى ما يحدث بالخارج : طيب يا أم سلطان فكري وخذي راحتك بالتفكير
رتيل شتت نظراتها بعيدًا عنه : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه عفوًا؟
عبدالعزيز : أحاول أكون لبق وذوق بس عاد الشكوى لله
رتيل : بوردون
عبدالعزيز تذكر أشهرُ ما يحفظه من الشعر الفرنسي لينطق بلكنته الفرنسية المكتسبة : tu peux dire à la rivière de ne plus couler .au soleil de ne plus coucher et même à la terre de ne plus tourner mais jamais à mon cœur de ne plus t'aimer " يمكنك ان تقولي للنهر أن لا يجري أبدا، للشمس أن لا تغرب أبدا و حتى للأرض أن لا تدور أبدا لكن لاتستطيعين مطلقا أن تقولي لقلبي أن لا يحبك أبدا. "
رتيل التي لم تفهم ولا كلمة مما قيل أردفت : طيب ترجم عشان أفهم!
عبدالعزيز بلكاعة يغيِّر المعنى : أن الحياة ما توقف عليك وأنه رجل مثلي بإمكانه نسيانك في الوقت اللي يفكر فيه كيف يقضي فراغه مع أصدقائه
رتيل : شفت الوقت اللي أسرِّح فيه شعري ؟ في هذا الوقت أنا قادرة أنهيك مثل لما أتهوَّر وأقص خصلة من شعري
عبدالعزيز : تتهورين! لهدرجة مسألة نسياني تعتبر تهور بالنسبة لك
رتيل أنقهرت من تمويهِه لكلماتها : أفهم على كيفك!
عبدالعزيز أبتسم : جوتيم .. أترجمها ؟
رتيل : هههههههههههههههههههههههههههههه مغازلجي فاشل!
عبدالعزيز و يحجِّرُ لها : أجل علميني كيف الغزل يكون؟ نتعلم من خبرتك
رتيل بضحكة تستفزه لتلتفت عليه بكامل جسدِه وهي تقترب منه : يقولك خالد الفيصل سلم المحبه ما وطا الزين ناطاه، حد الخطر لعيون خلي وطيته ، والي يودك كل ما منك يرضاه ، حتى عذابك يا حبيبي رضيته . .
عبدالعزيز غرق بضحكة طويلة ليُردف : الله يعاقبني دام مخليني بارد والدنيا قايمة برآ

،

يقف بإتزان بعد أن أجتاحته برودة التبلد وخاب كما يخيبُ الجميع، لم تكُن هناك فرصة أن أضطرب أو أقلق فقد فقدتُ كل أملٍ يتعلق بها، بصوتٍ هادىء : هل بإمكاني أن أتحدث .. أمر ضروري
: بالطبع .. تفضل.
ضغط الموظف الأشقر على رقم غرفتها ليُسلِّم السماعة ليدِ فارس، أخذ نفسًا عميقًا ليلفظ بصوتٍ حاول أن يُغلظه أكثر لتتغيَّر النبرة : عبير؟
عبير بنبرةٍ يتضح بها الخوف : أيه!!
فارس : إذا ممكن تنزلين! عمك مقرن ينتظرك تحت
عبير : مين أنت ؟ ليه مو هو اللي أتصل
فارس : تبين تكلمينه؟ هو قاعد يكلم أبوك لكن إذا تبين الحين أخليه يكلمك
عبير بإقتناع : و عبدالعزيز ؟
فارس : ماهو موجود .. على العموم لازم تنزلين بسرعة
عبير : بروحي؟
فارس : إيه .. إذا تبين أتصلي على أبوك وأسأليه
عبير : لآلآ خلاص .. ثواني ونازلة
أغلقه ليتجه بخطواتٍ سريعة نحو المصاعد ويتجه نحو طابقهم، ألتفتت على ضي التي أستسلمت للنوم بتعبٍ شديد، أخذت هاتفها وخرجت بهدُوء لتضغط على المصعد، أنتظرت وهي تتشابكُ بأصابعها بقلق، أنفتح لتحاول الدخول ولكن من خلفَّها شدَّها وهو يكتمُ أنفاسها بقوةِ كفِّه، همس وهو يُقرِّب المشرط الحاد من ملامحها : ولا كلمة !
لم تستطيع أن تراه وهو يحاصرها من ظهرها، ولكن صوتها تشعر أنها سمعته من قبِل، لم تُطيل التفكير والتخمين بمن صاحب هذا الصوت وهي تنتفضُ وتحاول أن تُبعده ولكن بتهديدٍ لاذع أستسلمت : عبدالعزيز . . رتيل . . ضي . . ؟ مين تبين بالضبط ؟
فهمت ما يقصد، لتهدأ، سحبها للمصعد ولم يجعلها تراه وهو يحاول أن يثبِّت كتفيها من الخلف، أنهمرت دمعاتها وهي تتوقع أسوأ السيناريوهات التي ستحدث بعد قليل، لا تعرف كيف تتخلصُ من هذا الرجل؟ وكيف تهرب! كيف تصرخ لعبدالعزيز وتناديه! يا غبائي! ليتني جلست مثل ما قال عبدالعزيز، كيف صدقت أن عمي مقرن يُريدني! فتح المصعد ليسحبها بيدِها دُون أن يلتفت عليها وهي لا ترى سوى شعره القصير من خلفه وجسدِه العريض، أركبها السيارة ليكتمُ أنفاسها بقوةٍ جعلتها تستلمُ للإغماءة المفتعلة بعد أن أتسعت محاجرها وهي تنظرُ إليه وتتعرفُ على وجهه، هذه آخر الحلول يا عبير! و رأيتك بأسوأ موعدٍ عرفهُ الحب، ومسكتُ يدِك بأسوأ لقاءٍ من الممكن أن يكُن، أنا آسف هذه المرة لأني سأجعلك تشعرين بحُرقة الذنب ونظر الله إليْك، ليتني أملك هذه الخشية من الله لمَا تجرأت أن أُسمعكِ صوتي.

،

أقتربت من الدرج وهي تتمسك بقبضته، شعرت أن قلبها يندفعُ بالعمق إلى بطنها، تشعُر بالنبض في بطنها يؤلمها بشدَّة، تيبست يدَها على طرفِ الدرج والضباب يغشى رؤيتها، كانت تُريد أن تنادي أيّ إسم وعقلها يدُور بها بلا ثباتْ/إستقرار، شعرت بوَجعٍ وكأنها تحتضِر، وضعت يدها على بطنها المنتفخ لتحاول أن تبتعد عن الدرج ولكن لم تكُن ترى شيئًا سوى بياضًا بإمكانه ان يعيقها عن الحركة لتنزلق من أعلى الدرج ورأسها يرتطم بقوَّة.
كان صوتُ سقوطها مهولاً في بيتٍ هادىء كهذا، رفع عينه : هذا أيش ؟
هيفاء : يمكن شي من المطبخ!
يوسف مسك هاتفه ليسمع صرخة الخادمة، تركه وهو يهرول سريعًا لتتسع محاجره من منظرها! كانت الدماءُ تنزفُ من رحمها، رفع رأسها من الأرض ليضعه على فخذِه،
هيفاء المندهشة ركضت للأعلى نحو جناحهما لتجلب عباءتها، وضع يده على رقبتها ليتحسس النبض والدماءُ بدأت تغرق كفوفِه، غطاها ليحملها متجهًا نحو سيارتِه ومعه هيفاء، وضعت هيفاء رأسها على فخذيْها بالمرتبة الخلفية لينطلق يوسف بسرعةٍ جنونية.
عقله غائب عن كل شيء، لا يستطيع التفكير بأيّ شيء وبأيّ تفصيلٍ صغير، مشتت ضائع لا يملك أدنى فكرة عن شعوره في هذه اللحظة.
هيفاء التي كانت ترتجف وهي تحاول أن تدعي بكل شيءٍ عملته في حياتها، لا حيلةً لها غير ذلك، نظرت لنهايةِ أقدامها والدماء التي تصلُ إليْها! هل هي تُسقِط الجنين الآن أم لا ؟ يالله أحفظها وأحمها.
ركن سيارته بمكانٍ خاطىء دُون أن يلتزم بأيّ مرورٍ وتعليمات، أدخلها إلى الطوارئ وقلبهُ يرتفع ويهبطُ بعلوٍ، مسح وجهه بكفيّه لينتبه بأن صمته هذا يجعله ينسى اللجوء إلى الله، في داخله بحّت نبرةُ قلبه بالدعاء، يارب لا تُريني بها مكروهًا.
جلست هيفاء وأصابعها تتشابك ببعضها البعض، تشعرُ بأن أمرًا سيء سيحصل، لا تعرف كيف تتحمل هذا الشعور! ولكن هُناك أمرًا يُخبرني أنه سيصيبها شيء، كل هذه الدماء لن تجعلها تسلم إلا .. إن رحمها ربي، يارب أرحمها وأرحم ضعفها ولا تُرينا بها مكروهًا.
أستغرقت الدقائِق الطويلة وهو يسيرُ ذهابًا وإيابًا، كل أعصابه بدأت تفلت منه وهو ينتظر أحدًا يُطمئنه، بعد تضاربِ قلبه الشديد خرجت الدكتورة : أنت زوجها؟
يوسف : إيه .. كيفها الحين ؟
الدكتورة : هي بخير الحمدلله .. لكن مقدرنا ننقذ الجنين .. يعوضك الله ... تركته وهي تجهل ماذا سببت له! تجمدَّت أقدامه على الأرض دُون أن يفهم شعوره، يجهل نفسه، صمت رهيب يُعيق لسانه عن الكلام، قبل أيام كنت أراه بعيني وهو في رحمها واليوم؟ في اللحظة التي شعرتُ بها بالأبوَّة غادرني هذا الشعور أسرعِ مما يُمكن، في اللحظة التي بدأتُ أحسب كم أسبوعًا بقي حتى أراه، رحَل. ولكنِي أريده يالله! كنت أتوق لرؤيته كثيرًا!
تنهد بطريقةٍ جعلت دمعة هيفاء تنزل بهدُوء، همس : الحمدلله على كل حال ... ألتفت عليها .. خليك بروح الحمام وراجع لك ... أتجه ليتوضأ بخطواتٍ خافتة ليعقب ذلك لمصلى المستشفى، لأن لا أحد يواسي خيباتنا، لا أحد يواسي أحزاننا سوى الله فأنا لا أعرف طريقًا للشكوى سوى السجود، لأني أحتاجك يالله أن تربت على كتفِي وتُجلي حزني، أحتاجك أن تُخفف هذا الحزن، في المرة التي أردتُ بها أن تكون الحياة " إبني " مات.


،

في ليلِ الرياض الطويل، كانت تتوضأ في مغاسلِ الصالة لتطل عليها حصَة : أيّ صلاة؟
الجوهرة : لا مو صلاة! بس كذا من كثر ما أشوف سلطان يتوضأ صرت زيه
أبتسمت : عقبال ماأكسب هالعادة
الجوهرة وهي تُغلق صنبور المياه : حلو الواحد يكون على وضوء دايم يعني وش بتخسرين كل مادخلتي الحمام توضي كلها دقيقة وتخلصين!
حصَة : السالفة مو كذا بس تنسين إذا ماكان وقت صلاة
الجوهرة بهدُوء : أنتِ ماتعرفين متى تقبض روحك فخليك دايم على طهارة . . . سمعُوا صوت السيارة بالخارج . . . هذا أكيد عمي جاء . .
حصة : طمنيني ولا تخليني أنتظر
الجوهرة : إن شاء الله . . . .
دخل لتُقبِّل رأسه، وبقلق : وش صار عليه ؟
عبدالرحمن : ماعليه خوف لكن أمرنا لله بيجلس في المستشفى هالأيام
الجوهرة : بس مافيه شي ! يعني واعي لا تخبي علي شي
عبدالرحمن : واعي وكلمته والحمدلله
الجوهرة برجاء : طيب طلبتك خلني أروح له
عبدالرحمن تنهد : وين تروحين له! خليك مرتاحة وهو صدقيني بخير ..
الجوهرة : الله يخليك عمِّي! لا تردني
بمُجرد ما نظر لعينيْها حتى رضخ، هذه العينيْن مقنعة وجدًا : طيب ... روحي ألبسي عباتِك
ركضت الجوهرة للأعلى ليبتسم عبدالرحمن، هذه الجميلة بقُربِ بناته وأكثر، حظُك يا سلطان البائس أظنهُ يبتسم إن أتى بإتجاه جوهرتك.
نظر لعائشة : جيبي لي مويا
عائشة بغمضة عين مدَّت له الكأس، رفع حاجبه عبدالرحمن بشكٍ من امرها المُريب : فيك شي؟ صاير شي هنا
عائشة : لآ بابا .. الحين بابا سولتان شنو فيه
عبدالرحمن ضحك ليُردف : الله يرزقنا حُبكم لهالسلطان! مافيه شيء بخير الحمدلله
عائشة بنبرةٍ سريعة : أنا واجد خوف بابا هادا بابا سولتان واجد زين هو مو واجد زين بس يأني*يعني* هرام*حرام*
عبدالرحمن أبتسم : ليه مو واجد زين؟ وش مسوي لك!
عائشة بإبتسامة واسعة : يأني هو زين انا ما يقول مو زين بس واجد آنقري*عصبي*
عبدالرحمن يرفع عينه للجوهرة التي تلبس نقابها، مد لها الكُوب : شكرا
عائشة : أفوَّا
خرج مع الجوهرة متجهان للمستشفى، بنبرتها الخائفة : قلت له لا يروح بس ما سمع كلامي!
عبدالرحمن : الحمدلله عدّت على خير بس هالمرة مستحيل يخلونه يطلع من المستشفى! عاد الله أعلم كم بيجلس يمكن أسبوع وأكثر.
الجوهرة : طيب وش اللي صاير في شغلكم ؟
عبدالرحمن وهو يقف عند الإشارة الحمراء : تعرفين سلطان وش وظيفته بالضبط؟
الجوهرة : لا
عبدالرحمن بإبتسامة : إذن ماراح تعرفين وش صاير
الجوهرة : لا يعني أبي أتطمن
عبدالرحمن الذي يشعرُ بأن اليوم كان ثقيلاً على قلبه أكثر مما يجب، ولا يعرف كيف سينام الليلة وعائلته هُناك! لا تكفي إتصالات عبدالعزيز لا يكفي هذا الإطمئنان من عزيز : كل شيء تمام الحمدلله .. تطمني.
تمرُ الدقائِق طويلة شاقَّة في تقاطعات الرياض المزدحمة حتى ركن سيارته في مواقف المستشفى : يمكن نايم ماراح نطوّل طيب لأنه ماهو وقت زيارة
الجوهرة :طيب . . . . دخل معها وبمسافةٍ قصيرة فتح باب غرفته المخصصة، ألتفت عليها : نايم!
فتح عينيه وهو الذي كان يحاول أن ينام بعد أن أستغرق يومه في النوم تحت وضعية التخدير، أبتسم بوسعود : كويِّس مانمت!
نظرت إليْه وهي ترى شحُوب ملامحه وصُفرةِ ملامحه المربكة لحواسِّها، عقد حاجبيه ليلفظ ببحة : ماكان له داعي
عبدالرحمن : أعقل هذي مرتك وتبي تتطمن عليك! .. جوهرة حبيبتي ماعليك منه أجلسي وبجيك بعد شوي ... وخرج.
أقتربت منه : تحب تعذب نفسك وتعذبنا معاك
سلطان بضيق : عسى ما روعتي عمتي؟
الجوهرة : لآ .. كيفك الحين ؟
سلطان : أنتِ وش شايفة ؟
الجوهرة بوجَع والدموع ترتفع بسلالمٍ هشة نحو عيناها : ممكن تتكلم معايْ بأسلوب أكثر لباقة
سلطان : مو قلت ماأحب أحد يجيني المستشفى!
ألتزمت الصمتْ وهي تتأملُ ملامحه التي أشتدَّت، أعرفُ أن التعب يجعل الشخص يرضخ قليلاً ولكن أنت يا سلطان شيءٌ آخر، شيءٌ لا أعرف ما منتهاه! مرةً أقُول أنك وطن ومرةً أقول أنك منفى.
يلتفت عليها : تطمنتي؟
الجوهرة : بتطردني يعني؟
سلطان بهدُوء : أنا سألتك
الجوهرة تنزع نقابها لتستفزه وهي تحاول أن تُوصل له بأنها ستطيل المكوث، غرق في عينيها اللامعتين لتُردف : جوابي وصل ؟
سلطان نظر للجهةِ الأخرى دُون أن ينطق بكلمة أو حتى حرف.
أبتسمت، لتجلس على السرير بجانبِ بطنه مما جعله يزيح قليلاً، هذه المرَّة من يستعمرك ويعبثُ بك : أنا ولست أنت، أيقنت أن الحياة أقبح من أن أتحداها بالقوَّة، أيقنت تماما بأن الخيبة التي تترسبُ في قلبي أخفُ وجعًا من أن أقسى وأُكابر، وضعت كفَّها على كفِه الباردة بإستحلالٍ تام لجسدِه : أقدر أرجع أسألك مرة ثانية كيفك؟
كان يعرف ما خلف هذه النبرة، يشعرُ بلمسةِ كفِّها وبالكلمات التي تنتقل من جلدها إليْه، يعرف تماما ما تقصد وما تعني بجملتها، تستفزني كثيرًا في وضع لا أستطيع به أن أقف وأروضها، أبتسم ليُعاكس البركان الذي يشتعل في صدره : وأقدر أجاوبك مرة ثانية وأقولك أنتِ وش شايفة ؟
أبتسمت بطريقةٍ لاذعة مستفزة لعينيْه التي تعلقت في شفتيْها : طيب الحمدلله، عمي عبدالرحمن يقول أنك بتجلس أكثر من أسبوع طبعا ماراح تخليني أنا وعمتك في البيت محروقة أعصابنا! ياليت تتحمل زيارتنا الثقيلة يوميًا .. " شدَّت على كلمتها الأخيرة "
عض شفتِه السفلية : عندِك دقيقة وحدة لو ماأبعدتي عن وجهي بتشوفين شي . .
وضعت أصابعها برقة على شفتيه لتمنعه من الكلام وهي تستلذُ بتعذيبه : أشوف إيش؟ معليش يا سلطان أستحمل لو أنك جالس في البيت وسمعت كلامي ماصار كل هذا! لكن أنت تحب تأذي نفسك وتأذينا معك
سلطان يعضّ أصابعها لتسحبها بقوة وهي تُطلق " آآه ": أنتهت الزيارة مع السلامة
الجوهرة بعناد : أنتظر عمي يجي .. ولا تبيني أطلع وأدوِّر عليه
سلطان بهدُوء : والله شكلك شايلة في قلبك كثير والحين تردين عليّ فيه!
الجُوهرة بمثل إبتسامتها المستفزة التي تتصارعُ مع ملامحها الناعمة البريئة : ماعاش من يشيل في قلبه عليك
سلطان : الجوهرة أحفظي نفسك أحسن لك
الجوهرة : جرِّب شوي الشعور اللي تخليني أحسه كل يوم
سلطان بحدة : جاية تتشمتين!
الجوهرة بجدية : أبوي ما رباني على الشماتة
سلطان : أتصلي على عبدالرحمن وخليه يجي ولا عاد أشوفك هنا
الجوهرة بهدُوء : قلت لك تحمَّل زيارتنا الثقيلة!
سلطان بغضب : لآ تعانديني قلت مافيه يعني مافيه!
الجوهرة : طلبك مرفوض
سلطان حاول يستعدِل بجلسته ليُفرغ غضبه بسهولة ولكن يدِها توجهت لصدره لتُرغمه على الإستلقاء وبصوتٍ خافت : يعني وش فيها لو جيناك! حرام ولا عيب!
سلطان : عندي حرام وعيب ومكروه!
دخلت الممرضة الناعمة لتطمئن على وضعه، لم تكن نظرات سلطان تتوجه إليْها بقصدها ولكن من غضبه شتت نظراته عليها دُون حتى أن يُفكر بتفاصيل الوجه الذي يراه.
بحركةٍ جريئة لم يتوقعها أبدًا وضعت يدها على ذقنه لتلفهُ نحوها . . . .

،

يُطيل النظره به دُون أن يفهم ما يقصده بكلماته : طيب؟
: وش طيب! أنا أقولك اللي عندِي! مو تبي تطلع حرتك
ناصر : إيه كلهم بلا إستثناء من سلطان إلى فيصل
: خلاص أعتبر موضوعك خالص، خلال يومين بنفسك راح تنتقم لنفسك ! وش تبي أكثر من كذا ؟
ناصر بهدُوء : ولا شيء! أبيهم يجربون شعوري خلال سنة كاملة وأكثر! أبيهم يحسون وش سوو فيني
: ماراح يحسون بشعورك سنة! بخليهم يشوفون هالسنة في يوم واحد . . .

،

وضع رأسه على الباب، صداعًا يُفكِك خلاياه ولا تركيز يُسعفه وينقذه، ألتفت عندما سمع صوت خطواته ليشدُ على قبضة الباب : يبه أترجاك لا تقرب لها
رائد : أبعد عني
فارس : لآ ماراح أخليك تدخل!
رائد بحدة : قلت أبعد
فارس بتوسل : ماراح تدخل ولا اللي معك راح يدخلون عليها!
رائد : فارس!!! لاتعصبني .. قلت أبعد
فارس يُغلق الباب بالمفتاح ليضعه في جيبه وهو مازال يشدُ على الباب حتى وهو مقفل : يببه تكفى .. تكفى هذي أول مرة أطلب منك شي يخصني
رائد بهدُوء ينظر إليْه : طيب أبي أشوفها ! أبي أتأكد
فارس بغيرة لاذعة : لآ .. ماتشوفها
حمد الذي كان بجانبِ رائد أردف بنبرةٍ ساخرة: على فكرة دينك يقولك يجوز أبو الزوج يشوفها
رائد إبتسم في عزِ غضبه ليصفعه فارس بحقد وهو الذي يحتبس غضبه منذُ ساعاتٍ طويلة، كان لا بد أن يفرغه بوجهِ أيّ أحدٍ يقابله.
رائد : حمد أطلع . .
حمد بنبرة التهديد وهو خارج بعد أن أحمَّر خدِه الأيسر : طيب يا فارس
رائد : طيب .. الحين مع كامل الأسف راح تتصل على عبدالعزيز! بعطيك رقم زوجته المحترمة! وبتقول لعبدالعزيز بالحرف الواحِد : إما يجي بكرامته ولا عبير بتروح في خبر كان .. مفهوم ولا أعيد كلامي مرة ثانية ؟
فارس بوجَع يظهر في عينيْه التي تتوسلُ بكل شيءٍ : يبه .. تكفى بس هالمرَّة! الله يخليك سو فيني اللي تبيه بس أتركها
رائد بحدة : عرفت وش تقول!
فارس بضيق : يبه ما ينفع كذا!
رائد بصراخ : أجل وش اللي ينفع يا حضرة الإستاذ!! أنك تقابل ولد الكلب الثاني
فارس تعتلي نبرته : طيب أحبها! تبي تذبح ولدك معاها! أقولك أحبها ماأرضى عليها ليه ماتفهم! لمرة وحدة تنازل بشي عشان ولدِك اللي من لحمك ودمك
رائد : حبتك القرادة قل آمين .. الحين بتتصل ولا قسم بالله يا فارس تحلم تشوفها
فارس بخضوع يمدُ يدِه ليأخذ الهاتف الذي يرنُ على رقمِ رتيل.
في جهةٍ أخرى أستيقظت وهذا الحمل يجعلها تنام لساعاتٍ طويلة دُون أن تشعر، ألتفتت لتبحث بعينيْها عن أحدٍ، أتجهت نحو الحمام لتغتسل ودقائِق طويلة حتى خرجت وهي تسمع نغمة هاتف رتيل.
تقدمت إليه وهي قلقة من عدم وجود عبير ورتيل، نظرت للسماء التي تُشير إلى مغيب الشمس المتأخر في باريس، ردَّت على هاتفها ليصِل صوتُه الرجولي : ألو
ضي بربكة : هلا .. مين معاي؟
فارس : عطي الجوال عبدالعزيز
ضي : أنت مين ؟
فارس بهدوء : عطي الجوال عبدالعزيز
ضي : طيب أنت مين
فارس يُكرر عليها : عطي الجوال عبدالعزيز بسرعة
ضي : عبدالعزيز مو هنا! مين أنت ؟
فارس ينظر لوالده الذي يشير إليه بأن يقول لها : توصلين له هالكلام! لو يبي عبير حيَّة يجي بنفسه خلال 24 ساعة ولا يترحم عليها . . أغلقه.
على بُعدِ خطوات ناما بتعبٍ وإرهاق، نامت على السرير في حين هو نعس على الأريكة، فتح عينيْه وهو ينظرُ للساعة ليشتم نفسه من غرقه بالنوم في وقتٍ مثل هذا.
وقف لينتبه للورقة النائمة أسفل الباب، تقدَّم إليها وهو يفتح الظرف بهدُوء، ورقة بيضاء توسطها بالخط العريض " Ask Nasser Where is your sister? " – أسأل ناصر، أين أختك ؟ -


.
.

أنتهى نلتقي على خير.



إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()

لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.

و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.


أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة


*بحفظ الرحمن.




 
 

 

عرض البوم صور طِيشْ !  
قديم 18-12-12, 05:22 PM   المشاركة رقم: 64
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق



البيانات
التسجيل: Mar 2012
العضوية: 240258
المشاركات: 744
الجنس أنثى
معدل التقييم: طِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالق
نقاط التقييم: 2673

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طِيشْ ! غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طِيشْ ! المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية

 

-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()

طيب نجي للغز ماراح ينكشف كله ببارت واحد، بنلاحظ في كل بارت معلومة جديدة تثبت لنا شيء، نجي للبنات اللي حلُّوا اللغز طبعًا يمكن فيه أغلاط عندهم لكن جابوا الأسماء اللي هم " خريف البعد ، w.as ، Najoudh ، بنت رادوي ،
@Abeer_Alsaeidi " ماشاء الله تبارك الرحمن أذهلوني صراحةً وفيه بنات حللوا تحليل خلوني أتجمَّد من كثر ماهو قريب لكن جابوا العيد بالأسماء :$ بيجيكم شي على الخاص في هاليومين إن شاء الله :$() + إن شاء الله ماأكون نسيت إسم لأني قريت كل ردودكم مرتين عشان أتأكد، و أخيرًا إن شاء الله بارت اليوم يروق لكم ، قراءة ممتعة وأقروه على رواق وقبل كل شيء الرواية تنتظركم في الوقت اللي تبونه لكن الدراسة ومستقبلك لا، ويوفقكم الرحمن جميعًا كل اللي عندهم إختبارات ويسهِّل عليكم.


+ تنبيه كإبراء ذمة بخصوص أشعار نزار قباني ، جتني هالفتوى من الجميلات

حذف الرابط ؟!

الله يغفر لنا ما جهلنا ويتُوب علينا، ()


رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ !
الجزء ( 64 )


المدخل لـ فاروق جويدة .

إذا كنتُ قد عشتُ حلمي ضياعاً
وبعثرتُ كالضوءِ عمري القليل
فإني خُلقتُ بحلم كبير
وهل بالدموع سنروي الغليل ؟
وماذا تبقّى على مقلتينا ؟
شحوبُ الليالي وضوء هزيل
تعالي لنوقد في الليل ناراً
ونصرخ في الصمتِ في المستحيل
تعالي لننسج حلماً جديداً
نسميه للناس حلم الرحيل



يقرأ بعينيْن خاملتيْن، لا تفهمان بأيّ حرفٍ يقفَان ويُركزان " Ask Nasser Where is your sister? " ماذا يعني؟ ماذا يعرف ناصر من الأساس حتى أسأله! من أين تأتِ هذه الورقة؟ من أيّ عقلٍ يأتِ كل هذا الجنون، توقف عقله عن التفكير بعائلته، وأحاطت خلاياه بأمرِ " ناصر " لِمَ يجيءُ إسمه في هذا الوقت؟ في هذه اللحظة وهو في الرياض لا يعلم شيئًا عني، كيف أتصل عليه الآن وهاتفِي غارق بمياهِ السين؟ أيّ أخت؟ غادة! ، بحق الله أسأله عن ماذا ؟ عن هذا الجنون!
أهتز هاتف ضي في جيبِ رتيل النائمة بخفَّة جعلتها تستيقظُ مع أولِ إهتزازٍ، عقدت حاجبيْها من إسمها الذي توسط الشاشة لتُجيب : ألو
ضي بصوتٍ مرتبِك يختلطُ بنبرةِ البكاء الضيِّقة : وينكم ؟
رتيل : بغرفة عبدالعزيز
ضي : عبدالعزيز عندِك؟
رتيل وقلبها ينقبض تدريجيًا، هذه النبرة الحزينة تُسقط أعوادًا على قلبٍ هشّ : إيه
ضي أخذت نفس عميق : عبير مو هنا ..
برجفةٍ اكملت وصوتها يأتِ متقطعًا في لحظةٍ كان يقترب عبدالعزيز من رتيل : أتصلوا ناس ماأعرفهم وماأدري كيف دخلوا وخذوا عبير لأن ما حسيت في شي .. إما يجي عبدالعزيز ولا ماراح نشوف عبير
رتيل تجمدَّت أصابعها التي تُحيط بالهاتف وعينيْها تخترقها الحُمرَّة ، في هذا الوقت السيء يشاركني قلبي الحزن في هبوطِه وعلوِّه، عبدالعزيز : مين ؟
رتيل بنبرةٍ تهطلُ عليها الرجفات من كل جهة : ضي
عبدالعزيز لم يكُن ينتظر أن يسمع شيئًا، أنحنى ليرتدِي حذاءه ويأخذ سلاحه : أستعجلوا ... وعجن الورقة إلى أن دسَّها في جيبه، خرجت دُون أن تلفظ كلمة لتفتح باب غرفتهم، دخلت لترى ضيْ جالسة وأقدامها تهتَّز بخوف ويديْها تعتصر بطنها بوجَع.
رتيل بلعت ريقها وهي تبحثُ بعينيْها وكأنها لا تصدق ما سمعت، أطالت في وقوفها حتى تستوعب ما يحدث، أتجهت نحو الدولاب لتستخرج معطف ضي وتمدّهُ نحوها : عبدالعزيز ينتظرنا برا
ضي بنبرة تُوحي عن ألمٍ فظيع تشعر به : عطيني جوالي
رتيل تمده لها وهي في دورها تأخذ هاتفها : لا تتصلين على أبوي أنتظري عبدالعزيز
ضي : وين بنروح؟ ماني فاهمة شي
رتيل تُمسك يدها لتتجمع في عينيْها الدموع دُون ان تتجرأ أن تنزل واحِدة تُريحها : طيب قومي الحين ... أكيد عبدالعزيز عنده مكان ثاني
وقفت بلا قدرة على المناقشة أو القرار، أرتدت معطفها لتسحب حجابه وتلفُّه، خرجت مع رتيل لتلتقط عين عبدالعزيز الفرد الناقص : وين عبير ؟
رتيل التي لم تستطع أن تُخبره ولم يترك لها وقت للكلام، رفعت عينها بمحاولة أن توضِّح لها بنظراتها.
عبدالعزيز بدأت البراكين تشتعل في صدرِه وعقله معًا، ضي : أتصلوا على جوال رتيل!
رتيل تفتح هاتفها : أنا عندي أبلكيشن يسجل المكالمات، . . . . ثواني قليلة حتى فتحت المكالمة وصوتُ فارس الواضح تعرفه إذن عبدالعزيز.
بدأ يتشابك في عقله ألف فكرة، مالذي يجعل فارس يُخطط على أخذها وكيف خرجت له أو أنه دخل! شعرَ بالغيرة وكأنها أخته وليست أخت زوجته التي رُبما لا تعني له شيء بمفهومِ عقله، كل هذه الأشياء تُقذف عليّ في دقيقةٍ واحدة، ناصِر الذي أجهلُ حاله هذه الأيام و عبير التي تُسرق من جيبٍ شعرتُ أنه من المستحيل أن تتمردُ يدٍ عليه والآن؟ مالعمل!
عبدالعزيز موجهًا سؤاله لضي : من متى ؟ وكيف ما قلتي لي ؟
ضي بربكة : صحيت ومالقيتها وبعدها دق جوال رتيل
عبدالعزيز أخذ نفس عميق وهو يشعر بأن المصائب تتواطىء عليه من كل ناحية، كيف يتصرف ؟ لا رجل هنا حتى مقرن مختفي ولا يُجيب على إتصالاته! لا أحد من الممكن أن يثق به ليذهب لرائد فلا حل آخر ولكن " رتيل و ضي "، وقفَا بالممر لوقتٍ طويل وعقل عبدالعزيز يغيب وهو يبحث عن حل، لا مجال للمساومة أبدًا على رُوحِ عبير، مسح على وجهه بكفيّه وهو ينحني قليلاً مطلقًا تنهيدته الموجعة، رفع عينه ليضغط على زر المصعد. أدخل يديْه بجيبه ليُمسك الورقة، لا يُريد لعقله أن يتشوش من أمرِ ناصر، عقد حاجبيْه ليخرجان من الباب الخلفي، اخذ من الفندق سيارةً اخرى ليخرج مبتعدًا عن إزدحام باريس : لا تقولين لأبوك أيّ شي .. سامعة ؟
رتيل وهي تحاول أن تقاوم بكائها : طيب
وقف عند الإشارة الحمراء لينظر لرتيل وهي تُجاهد أن لا تنزل دموعها، في جهةٍ أخرى كانت ضي تسند رأسها على الشباك وتغرق بتفكيرها في الطريق.
مرر يدِه بجانبها ليشدّ على قبضته عليها، يُريد أن يبعث لها بعض الراحة من ملامسة يدها المرتجفة ، أخذت شهيق مبحوح دُون أن تنظر لعينيْه، أتى حُبك مفاجئًا، مروِّضًا لكل الأفكارِ السيئةِ عنك، أتى حُبك عقابًا لعنفواني إتجاهك، أتى سقوطِك بذرةً للحُب لم اكن أتخيل يومًا أن تصِل لهذه الحدائِق التي زرعتها في صدرِي، و " يا ما جفَّ في صدرِي حكي كثير ويا ما قلت أنك ظالم بإيدك ترويني و تحرمنِي منه يا عزيز " ، كل الخلافات التي تتشعب من صدرِي تجعلني أضعف بصورةٍ عميقة، تجعلنِي أتمنى لو كنت مكان عبير وأن لا يصيبها شيء، تراودني كل القصص التي أنتشرت في مجتمعنا بضيق شديد، تلك الفتاة التي أختطفت أمام بيتها ولم يراها أهلها منذُ 15 سنة ومازالوا، تلك العائلة التي أحتجزتها إحدى العصابات في إحدى الدول العربية وضجَّت بها القنوات، كان من النادر أن يختطف أحدًا ويعُود بكامل عافيته، وأخشى على عبير، أخشى أن لا أراها بعد الآن، جربتُ الفقد كثيرًا ولا طاقة لي بأن أفقد أمي مرةً أخرى، هي أمي و أختي وصديقتي و كل شيء أعرف تصنيفه ولا أعرف ماهيته، هي الأشياء الجميلة الناعمة التي لاأعرفُ أحيانًا كيف تُفكر وماذا تخفي، أفعلي بيْ ما تُريدين، حتى تلك الصفعة كرريها لو تودِّين ولكن لا ترحلين، لا تغيبين تعرفين ما أقسى شيء يواجه شقيقتك ؟ أقسى شيء الغياب الحاد الذي يشطرُ قلبي نصفيْن، أنا أتراجع عن كلماتي السابقة بحق عبدالعزيز بأنه له حرية العيش وأن لا يستغرق حدادُه على عائلته كثيرًا ولكن الآن – لا - ، لا أريد أن أفكر بصعوبة عودتِك، يالله ردَّها لنا، ردَّ لنا روحنا.
ركن سيارته في الضفةِ الخضراء المزدهرة والهدُوء يسكن جهاتها الأربع، أبتعد عن باريس كثيرًا. هذا البيت الخشبي الصغير الأشبه بالكُوخ أنسبُ مكان حاليًا وأأمنُ مكان، تقدَّم وأخذ الطبق المصنُوع من الفخَّار المزخرف ليقلبه ويجد المفتاح كما كان يعتاد سابقًا، فتحه لينظرُ للأثاث المرتب والمغطى بقطع قماش خفيفة، مسك الباب ليدخلان بتجمُد من برودة الجو هنا.
رتيل ألتفتت عليه : بنجلس هنا ؟ إلى متى ؟
عبدالعزيز : لين الله يفرجها .. وخرج لخلف البيت لتتبعه : بتروح لهم ؟
عبدالعزيز يبحث عن الحطب دُون أن يجيبها بكلمة، ينزل دمعها بحرقة - اللاعبير – و بحُزنٍ – عزيز – عليها.
لمّ بين ذراعيْه الحطب ودخل ليضعها في المدفأة الجدارية، أشعلها : شوي ويدفأ البيت ... أتجه نحو الشبابيك ليتأكد من إغلاقها، توجه للخارج ليلتفت لرتيل : بمِّر أجيب لكم أكل دقايق ماني مطوِّل
رتيل راقبت إبتعاده بسيارته متجهًا للدكان الصغير في محطة الوقود القريبة من عينيْها، دخلت لتجلس بمُقابل ضي وهي تُقدِّم أكمامها لتدفىء يديْها : ضيْ ..
رفعت عينيْها الغارقة لتضيق نبرتها المبحوحة : مافيه أحد جمبنا .. وعبدالعزيز ما قصر بس كثير عليه
رتيل بعُقدة حاجبيْها : تعدِّي .. إن شاء الله تعدّي
ضي بضيق : ودي أقولك شي
رتيل : وشو ؟
ضي صمتت قليلاً حتى أنهارت ببكائها، جلست رتيل بجانبها : بسم الله عليك ... أهدِي
لم أجرِّب معنى العائلة، لم أجرِّب خوف أبٍ عليْ أو حزن أمي ، لم أجرِّب فرحة شقيقاتْ بزواجِي ولم أجرِّب أيّ شعُورٍ باللذة في حياتي الحامضة، كل أمُورِي تأتٍ باردة لا ذكر لها إلا عندما أتى عبدالرحمن والآن حين أردتُ الشعور بالحريَّة، الحريّة التي تجعلني أكوِّن عائلتي أشعرُ بأن كل شيء ينهار أمامي، أشعُر بأن وجودي خاطىء، بأني في المكان الخاطىء، بأني حزينة وحزينة جدًا، أنا التي حلمتُ كثيرًا حتى سقطتُ كثيرًا، أنا التي أحببتُك بكل الدوافع التي أفهمها ولا أفهمها أشعرُ بعنفِ غيابِك عليّ، ليتني ذهبت معك، ليتني أجاورك كظلِك وأُخبرك عن الذي في بطني دُون أن تضيق، دُون أن تغضب، أُريد أن أجرِّب طعم مرور هذه الكلمة على لساني، أُريد أن أقول " أنا حامل " لأرى ضحكتِك وإبتسامتِك.لأرى المطر في غير موسمه والغيمُ يتشكَّل لنا، أُريد وبشدَّة يا عبدالرحمن ولكن أشعرُ بكارثة تقترب منَّا، لا أُريد أن أتشائم ولكن لا أُريد أن أموت ببطء بفعلِ حُزني على نفسي وعليْك وعلينا جميعًا.
رتيل وهي تمسحُ على شعرها : ضي تكلمي شغلتي بالي ...
وهذا الضعف منها لم تراه رتيل من قبل وبين ذبذباتِ بكائها يأتِ صوتها متقطعًا مرتجفًا ببرودةِ الأجواء : حامل
توقفت يدِها من المرور على شعرها وهي تتلقى الخبر بصدمَة رُغم أنه أمرًا طبيعيًا ولم تكُن ستستغرب أبدًا لكن بمُجرد ما سمعته شعرت بدهشةِ قلبها، أخذت نفس عميق : أبوي يدري ؟
ضي هزت رأسها بالنفي والتعب يحاصرها من كل زاويَة وجهة، رتيل : خايفة من ردة فعله ؟ صح ؟ . . .
ضي بحزنٍ يغرزُ قلب رتيل معه : لأن ماني قادرة أفرح بأيّ شي .. بزواجي مقدرت .. والحين ماني قادرة .. وفي كل مرة .. مقدر، دايم أحس أني جاية في وقت غلط! جاية في مكان غلط .. دايم أحس أنه مالي وجود .. مالي مكان ..... ممكن بسهولة الكل ينساني
رتيل يتحشرجُ صوتها بالرجفة : ليه تقولين كذا ؟ هذا مكانك ولك وجودك في قلب أبوي وفي قلوبنا كلنا .. لا تقولين كذا ضي يمكن الظروف ماهي واقفة معنا كلنا مو بس أنتِ لكن هذا ماهو معناته أننا ما نبيك بيننا حتى عبير اللي كانت رافضتك بالأخير رضت وشفتيها آخر فترة كيف متقبلتك ..
ضي تمسح وجهها بكفيّها الدافئة : أبوك مايبي مني عيال ولا راح يرضى فيه ..
رتيل تنهدت : أكيد مو قاصد بهالمعنى الحرفي .. يمكن بهالفترة بس
ضي تهطلُ دموعها بغزارة الحزن الذي يسكنُ بطنها : وش أقول غير الحمدلله؟
تشدَّها نحوه لتعانقها وهي تحاول أن تبعثُ بعض القوة لها : ماتدرين الخيرة وينها . . . . أطالت في عناقها وهي تشعرُ بمسؤوليتها إتجاه زوجة أبيها، لا تعرف ماهو إحساسها أول ما سمعت " حامل " ، شعرت بشيء يندفع نحو قلبها بشدَّة، حامل؟ هذه الكلمة من حقها أن تُلخبطني.
سمعَا صوت السيارة لتُردف : أكيد عبدالعزيز جاء ... أبتعدت عن الجلسَة الريفية لتفتح الباب قبل أن يأتِ، وضع الأكياس على الأرض : جبت لكم الضروري .. إذا صار شي أتصلي علي بس لا تفتحون الباب ولا تطلعون .. تمام ؟ .. عطيني جوالك عشان تتصلون
رتيل تمدُّه له دُون أن تنطق شيئًا وعينيْها تحكِي خوفها اللاذع عليه،
عبدالعزيز أبتعد ليلتفت متنهدًا : ممكن ما أرجع اليوم .. ولا بكرا .. المهم لا تشغلون بالكم مو صاير شي ..
رتيل لوت شفتِها السفليَة للداخل وعيناها تفيض، أقترب منها ليُقبِّل ما بين حاجبيْها، وقفت على أطراف أصابعها لتعانقه بشدَّة لم تسبقها شدةٍ من قبل وهي تدسُّ وجهها في عنقه وذراعيْها تُحيطان رقبته، رفعها لمستواه وذراعه تُحيط بظهرها، والهواءُ البارد يدُور حولهما ليخرج كبخارٍ أبيض بين شفتيهما، لا أدرِي ماذا يُخطط رائِد أن يفعل بيْ هذه المرَّة، كان لزامًا عليهم أن تختفي عائلتنا بأكملها، بقي فردًا وكان من اللازم على رائِد أن يُنهيه، لا أتوقعُ الكثير هذه المرَّة ولكن الموت الذي يقترب منِّي أعرفه جيدًا، أعرفُ كيف سيهدد بيْ إلى أن يُسقطني، لا مفَّر بوجود عبير! سيجبرني على الموت مثلما أجبرَ أبي أم أجبره غيره فالحكايةُ نفسها تُعاد، كُنت أقول أن طيف المقبرة ألمحهُ على دوام، على دوام يا رتيل، وأخشى أن يأتِ حقيقة، وأتى مثلما لمحتهُ ، أتى بضراوةٍ لم أتوقعها، هل هذا عناق الوداع؟ وهل هذا نتاجُ معصيتي؟ هل تأتِ نهايتُنا أسرع مما نتوقع، أسرع مما يجب ؟
بللته بدموعها وحرارةُ أنفاسها تلتصقُ بجلدِه، لم نكُن نقوى أبد على لفظِها حتى في أشدِّ الأوقات، ليتني أستطيع أن أقولها يا حبيبي، لِمَ الكلمات تستنكرني؟ تهربُ منِّي وتكره أن تأتِ على لساني.
يهمسُ وهو الغارق بها، هل يُجدِي الإعتراف بشيء الآن، كنت أتمنى للحظة أن لا يضيعُ العمر من تحتنا ولكن ضاع، ضاعت أيامٌ كثيرة كان من الظلم أن تضيع، كان من الغباءِ أن تسيرُ ببطء أمامنا ونراقبها بعينٍ مفتوحة دُون أن نفعل شيء : أنتبهي ليْ . . . وتركها متجهًا لسيارته، تراقب خطواتِه بعينيّ البكاء، " أنتبه لك في بُعدِك " أيعني هذا أن قلبُك معي ؟ أتعترف يا عزيز الآن ؟ " وين أروح ؟ " في غيابِك، ماذا لو فعلُوا بِك شيء ؟ ماذا لو تبخرت من حياتي؟ يالله! إني أستودعتُك إياه وأستودعت قلبي الذي يملكه فلا يمسّه ضرًا ولا سوءً. شدَّت على بلوزتها الصوفيَة وهي تحضنُ نفسها ببكاءٍ يغرقها، تراقب الطريق الخاوي أمامها، ذهَب ولم أخبره بأني والله العظيم أحبك.

،

بحركةٍ جريئة لم يتوقعها أبدًا وضعت يدها على ذقنه لتلفهُ نحوها : مضيِّع في وجهها شي ؟
لم تفهم الممرضَة ما قالت لتنسحب بهدُوء بعد أن أطمأنت متجهة للغرفة التي تليها، سلطان ينظرُ لها بعُنفِ عينيْه إن غضبت : عطيني جوالك
الجوهرة : وش تبي فيه ؟
سلطان بحدة لم يعتاد على هذه القوة/العناد منها : الجوهرة! قلت عطيني
الجوهرة مازالت تخاف من نبرته الرجولية الصاخبة التي تُحدث ضجيجًا في قلبها وبصوتٍ خافت : طيب ولا تزعل الحين بطلع ... شكرًا على حسن إستقبالك . . تآمر على شي ؟
سلطان لم يُجيبها وكأنه يردّ لها العذاب النفسي الذي تلذذت به قبل قليل، أطال بنظره بعينيْها دُون أن يلفظ كلمة.
الجوهرة تنهدت : ماتبيني أقول لعمتك شي مثلاً ؟
سلطان يبعد أنظاره للنافذة، وكأنه يخبرها " مع السلامة " بطريقة لا تليقُ إلا بقوته التي لا يتخلى عنها بسهولة، بحركاتٍ غير محسوبة تُفرط في إظهار قهرها منه وهي التي أعتادت الكتمان : الله يآخذك من أوجاعي. . . أخذت نقابها لترتدِيه أمام عينيْه التي أستدارت نحوها، يراقب تفاصيل عقدتها للنقاب خلف رأسها، ينظرُ ليديْها الشديدة الفتنة : غطي إيدِك
الجوهرة بإستغراب لم تجادله فيه، مدَّدت أكمامها لتُغطيها : بالأوامر جاهز بس لما . .
يُقاطعها : بحفظ الرحمن
الجوهرة عضت شفتِها السفليَة من خلف النقاب : تعرف شي ! راح أزِّن على رآس عمتك لين أخليها تجيك يوميًا وتنشب لك وأنا ماني جايتك عشان تعرف تقدِّر حضوري زين
لم يمنع نفسه من الإبتسامة على كلماتها الطفولية ليُردف ببحتِه : والله يا جوهرتي بديتي تخربطين !
الجوهرة تكتفت وهي تنتظر حضور عمها : ماني جوهرتك لا تحاول تتملكني!
بمزاجِ الإستلعان الذي يتواطىء معه على الجوهرة : أتملكِكْ! قديمة مرة هذا الكلام لو قايلته من زمان كان ممكن يتصدَّق بس الحين أنتِ هنا يا ماما .. *أشار لإصبعه*
الجُوهرة تفيضُ بالقهر وهي تحاول ان تمسك لسانها من قول رُبما تندم عليه : طيب يا سلطان!
بإبتسامة ينظرُ لعينيْها وهي تختنق بالقهر والغضب : سلمي لي على عمتي وخليها تجيني بعد
الجوهرة : على فكرة تصرفاتك صبيانية
سلطان بإستفزاز صريح : مو يقولون كلنا بالحب مراهقين
و تسرِي الحرارة من عنقها بإتجاه قلبها مباشرةً، تشعرُ بماءٍ حارّ يصبُّ عليها بكلماتِه، بكلمةِ " الحب " تحديدًا، أرتجف قلبها ليعلُو ويهبط بإضطراب أنفاسها.
سلطان وحصلَ على مُرادِه : شفتِي! كيف أقدر احركك حتى لو بكــــــــذب! .. توِّك صغيرة على عنادِي
ودائِمًا تهزمني، حتى لحظةِ إنتصاري عليك سُرعان ما تتلاشى وتبقى أنت بقوتِك وسيطرتِك عليْ، لا شيء يسقط بيدِي يُنهِي عذابِي منك، لا شيء يا سلطان، كُل ما أوَّد أقوله لعينيْك بذاتِ النبرة " الله يآخذك يا سلطان من كل أوجاعِي وحُزني، الله يآخذك لسماءٍ تُمطِر عليّ "، المؤسف أنك تُعيد تشكيلي كما تشاء؟ أنا الصبيَّة الهادئة المتزنة أمام الناس وأمامك انا المندفعة المتناقضة الصاخبة الهادئة الحزينة السعيدة الـ كُل شيء و لا أعرفُ أين أنا من كل هذا ؟ وكيف اقُول كلماتٍ لا أتحاورُ بها أبدًا. قاسي جدًا وعيناك أقسى والله.
دخل عبدالرحمن بخطواتٍ هادئة : يالله مشينا . . توصي على شي سلطان ؟
سلطان بتشفِي حقيقي : لا . . . أنتبهي لنفسك زين يالجوهرة عشان قلبك مايوجعك مرة ثانية
عبدالرحمن الذي يفهم سلطان كثيرًا : ضربت فيوزاتك!
بإبتسامة للذي فهمه تماما : أنا ؟ بالعكس
ألتفت للجوهرة : أمشي ماهو كفو أحد يجيه !
الجوهرة " ترد له الصاع صاعين " : نام كويس يا بو بدر عشان ما يضرب لسانك معك وتقط خيط وخيط
عبدالرحمن لم يتوقعها من الجوهرة لينفجر بضحكته : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه تصبح على خير و ترى ماهو في صالحك تحط راسك في بنت جدها خالد آل متعب
الجوهرة وشعرت بالنشوة من دعم عمها البسيط بكلماته : نوم العوافي .. توصي على شي؟
سلطان ينظر إليْهما والحدَّة تعقد حاجبيْه : سلامتك
عبدالرحمن بإبتسامة تُبيِّن معها أسنانه : فمان الله .. وخرج معها.

،

بهدُوء يعطِّل آخر كاميرَا متواجدة خلف الجدار، ليلفظ : كذا وصلت المعلومة لهم . . في كل مرة ألاحظ أنه حتى أذكى الناس فيهم جانب غبي!
: هم قالوا بيذبحون ولد سلطان ؟
: الله اعلم ! بس أسامة يقول أنه رائد يبي ينهيه بطريقته .. هههههههههههه الشماتة شينة بس أتخيَّل منظر عبدالعزيز قدامه . . . . . . هالمرَّة ماظنتي رائد بيرحمه والله لا يطلِّع جنونه كلها عليه
: ههههههههههههههههههههههههههههههه أنا أقول خلنا نهرب قبل لا يشكون فينا ... أتوقع خلصنا أمورنا ورائد مو سائل عنَّا
: لحظة أنتظر سليمان وش يقول يمكن يحتاج شي من قصره!
: مو محتاج شي خلاص كل شي عندنا و أسامة مضبط كل أموره هنا وأصلا هو يخطط بعد يهرب منه قبل لا يبدأ بموضوع عبدالعزيز
: طيب . . . ألتفت عليه وهو يصعد للأعلى . . . قالها عمر كل الأشياء بتختفي من جذورها يعني سلِّم على عبدالعزيز واللي معه
يتنهد الآخر وهو يتبعه : سلطان العيد لو كان من البداية ريّح نفسه ماكان صار فيه اللي صار هو وأهله والحين سلطان و بوسعود يسوون نفس ما سوَّا ! يتحملون اللي يجيهم دام هم ما تعلموا من سلطان
: بس سلطان العيد لا تنسى أنه كان بعد تقاعده يعني مليون بالمية ما كان عند سلطان وبوسعود علم بالموضوع! كِذا ولا كِذا أظن أننا قدرنا ننجح . . وبإبتسامة النصر : يبي لنا نحتفل ؟ بقى شويَّة وتنضرب الروس الكبيرة في بعضها ويتبخرون مثل ما تبخَّر سلطان العيد من قبلهم
بإبتسامة : تصدق ماتوقعت أننا بنكمل لين النهاية ومثل ما خططنا! ولا شكوا واحد بالمية في سليمان الفهد .. ولا شكوا فينا .. والله يبي لنا نحتفل على شرف غبائهم
: أنتظر بس الجو بيحلى مع أسامة بعد ...
: صدق وش بيصير على حمد ؟ بتقولون له ؟
: وين نقوله أصلاً أسامه بيسحب عليه هو وعده وقاله بخلصك من رائد وبخليك تشتغل بشغلة ثانية بس أسامة ماله نية يقول لسليمان عنه ولا راح يقول هذا اللي أظنه .. خله حمد عبد لرائد *أردف كلمته الأخيرة بضحكة شامِتة*
: طيب بكرا الفجر نطلع أنسب وقت ؟
: إيه أكيد
ينظر للورقة التي بين يديْه وهي تنقش أسماء كثيرة مشطوبة، الأسماء الأخيرة التي لم تُشطب كانت واضحة جدًا بالحبرِ الأسود " سلطان بن بدر الجابر ، عبدالرحمن بن خالد آل متعب ، فيصل بن عبدالله القايد " و أسماءٌ على الجانب الأخير تُحيطها الدائرة " ناصر الثامر ، عبدالعزيز بن سلطان العيد " : حط هالورقة معك لا تضيع
الآخر يستلم الورقة بإبتسامة شاسعة : قريبًا كلهم بحّ !
بضحكة صاخبة : soon يا حبيبي soon

،

يطلّ عليها وهي مستلقية على السرير الناعم وتُعطي الباب ظهرها، لم تنتبه لوجودِه، يسترجع أولُ ما أدخلها إلى هُنا وصراخها الذي لم يتوقف، رُغم أنها لم تنتبه لصوتِه ولم تربطه بشيء سوى كلماتها التي أتت بحرقة تُقطِّع صدرِه العاشق " أبعد عننييييييييييييي لا تلمسني .. لو فيك ذرة رجولة ما قرَّبت لبنت! لكن أنتم ناس قذرة جبانة ما تعرفون توقفون مع الرجال وجه لوجه أنتم تلوونهم بالحريم لأنكم ناقصين! " . . ثارت بكلماتها بغضبها بحزنها ببكائها حتى خرج تارِكًا ثورتها خلف ظهره، ألتفتت بفزع لينطق بهدُوء الحب الذي يسكنه : بسم الله عليك.
عبير تستعدِل بجلستها وهي تحكمُ الشدّ على معطفها : وش تبي؟ . .
فارس: جبت لك الأكل ..
عبير أخذته بهدُوء لتطمئن ملامح فارس براحة لتُفاجئه برميْها على وجهه بعنف : ما أبي شي منكم
فارس الذي تبلل بالعصير، سحب منديلاً وهو يمسح وجهه بجمود ملامحه التي لم تشتدُ بغضب ولم ترتخِي أيضًا : عبير .. قلت ماراح اضرِّك بشي
عبير بعصبية وأعصابها تتلف شيئًا فشيئًا كل الخوف الذي كان يسكنها يتبخر أمامهم جميعًا لتثُور بغضبها : لا تقول إسمي، راح يجي أبوي وصدقوني ماراح تفلتون أبد! راح تشوف انت وأبوك والكلاب اللي معكم
فارس : طيب .. ممكن تسمعيني ؟
عبير بحدة : لا
فارس لا يصطبر على وجهها القاسي، لم يتوقع يومًا أن يرى جمالاً بهذه القسوة، بهذا العنف الذي لا يعرفُ كيف يقف أمامه، يجهل تماما كيف لإمرأة تجتمعُ جميع الإناث في وجهها، كيف لجمالٍ ناعمًا أن يكُون قاسيًا يجلد عينيْه في كل مرةٍ ينظر إليْها، كيف لصوتٍ حادٍ يشعرُ بأن طعمهُ ألذُ من السكر، هل للصوتِ طعم؟ أثقُ بذلك ما دامتْ عيناك تملكُ رائحة الزهر، أنتِ الإستثناء من هذه الحياة ومن هذه المعتقدات. : ماراح أضرِّك .. أفهمي هالشي
عبير وهي تتأملُ صوته، تتأملُ كلماته، أرتجفت فكوكها وهي ترتطمُ ببعضها البعض، تغرقُ عيناها شيئًا فشيء، بلعت ريقها الجاف دُون أن تلفظ كلمة. تتكوَّرُ في جُحرِ صمتها و تضيعُ نظراتها بهذه النبرة.
شعر بأنها تتعرفُ عليه، تأكد من نظراتها أنها بدأت تدخلُ في مرحلة شكوكها ليلفظ بنبرةٍ أبكتها : فارس يا عبير . . قلت لك مرة كيف ألوِّن تعاستِك ؟
أنحنت لتُغطي وجهها بكفيّها وهي تحفظُ الرسالة تمامًا، عندما أرسلها في وقتٍ ضاقت بها كل الدنيا ومساحاتها " هذه التعاسةُ الرماديّةُ في عينيك ما سرُّها؟ وماذا أستطيعُ أن أفعلَ كي ألوّنَها؟ " غرقت بحزنها الظالم على قلبها الهشّ، لم تتوقع أبدًا! لم تتوقع يومًا أن مجرمًا تعشقه لهذا الحد، كان عقابًا من الله أنتظرته، في الوقت الذي عصيتُه به لم يكُن عصياني شيئًا سهلاً وهو يُسجَّل في صحيفتي، كان قويًا بحقِ من أعطاني كل هذه النعم، كان قاسيًا بحقِ نفسي، وهذا أنا أدفعُ الثمن، غلطتِي أدفعُ حسابها فأنا لم أحب شخصًا عاديًا، أحببتُ مجرمًا حتى أذوق لوعة هذا الحُب كما يليقُ بهذه المعصية. يالله يا عذابُ حبِّك، كيف أراك بعد هذه السنة وأكثر ؟ كيف أتعرفُ عليك بهذا المكان، كُنت أمامي ولم أعرفك، رأيتُك قبل هذه المرة ولم أعرفك، والآن تتجردُ أمامي من كل شيء وتُخبرني أنك فارس، فارس الإسم الذي أخفيتهُ لتجعل لعقلي حرية التفكير لأيّ الأسماء تعتنق؟ لأيّ العوائِل تنتمي؟ لأيّ المدن جذورك؟ يا قسوة حروفِ إسمك وهي تعبر قلبي، أنت عذاب لا أستطيع الوقوف منه، كنت أريد الجنَّة التي تخيلتها في عينيْك، ولم أتصوَّر يومًا أن أغرقُ بجحيمٍ كهذا، أنا يالله أموت لا أتحمَّل أكثر من ذلك، أرجوك يالله خُذني، خُذني بخاتمةٍ حسنَة وأغفر لي ذنبِ حُبه، أغفر ليْ ذنبِ حُبه ولا تفضحني به أمام الخلائِق، أرجوك يالله خُذني ولا تُريني والدِي مكسورًا منِي، لا تُريني نهايتي على أيديهم.
لم يتحمَّل بكائها، قاسية يا عبير حتى في البكاء، أنا الموشومُ بِك كيف أصلح حالِي ؟ والله لا أرضى عليكِ المهانة ولا الذل وليتكِ تفهمين أنه رغمًا عني، لو لم أجلبك معي كانوا سيأخذونِك، في نهاية الأمر ستكونين هُنا ولكن إما معي أو مع رجالاً من أبغض الخلق على قلبي ولن أسمح لأحدٍ غيري أن يراكِ، لن أسمح يا عبير فارس وقلبِه، قلبي يبتهِّل " أغار عليك من عيني ومني ومنك ومن زمانك والمكان ولو أني خبأتك في عيوني إلى يوم القيامة ما كفاني "
ياليتني أستطيع أن أعانقك أن أخفف من حدةِ بكائِك، ليتني أستطيع ولكن رُغم ذلك أعترف أني أخشى الله، أعترفُ أنني متهورًا في الأقوال وفي التصرفات من بعيد ولكن بهذا القرب أنا والله أخافُ الله لأنكِ تخافينه أكثرُ مني.
نظر إليْها برجاء : عبير . . بس أسمعيني وبعدها خلاص
دُون أن ترفع عينها تلفظُ بحرقةِ صوتها : كنت تستغلني عشان أبوك .. أنت أحقر إنسان شفته في حياتي .. أرتحت الحين! صار اللي تبيه أنت وأبوك ..
فارس : ما كنت أستغلك والله العظيم ما كان عند أبوي خبر عنك من الأساس
عبير تحبسُ بكائها ليسُود الهدُوء، مسحت بكائها الذي يرتجف على ملامحها البيضاء، رفعت عينيها بحدَّة : كذاب! ممكن الحين تطلع! أهون عليّ أشوف كل هالكلاب اللي عندكم ولا أشوفك
فارس بهدُوء غضبه الذي لم يتعوَّد أن يصخب به : على فكرة زواجي منك بيتم قريب
عبير : تحلم! تعرف وش يعني تحلم لو على جثتي ما وافقت عليك
فارس شدّ على شفتيْه وهو يشعرُ برماحٍ تقذف بإتجاه قلبه : مضطرة توافقين للأسف
عبير بحزن عميق ودموعها لا تتوقف عن الهطول : الله يآخذك .. الله لا يوفقك أنت و أبوك
فارس يتركها ليخرج قبل أن يستمع بقيَة كلماتها الغاضبة التي تحزنه أكثر منها، أغلق الباب ووضع المفتاح بجيبه.
شعرت بحاجتها بأن تفرغ حزنها، " ليه " ؟ صعب عليّ أن أتقبل أنه مجرم، أن حبيبي الذي شعرتُ بإنتمائِي إليْه هذا هو! قاسيًا ذنبي عندما جاء بِك وقاسية أنا عندما عارضتُ الله في أوامره.

،

يقف أمام الباب، أخذ نفسًا عميقًا وهو يستودعُ الله نفسه وجسدِه وقلبه، أغمض عينيْه لتأتِ كل الأشياء راكِضة أمامه، إبتداءً من تلك اللحظة التي أنجبر بها على العودة إلى الرياض نهايةً برتيل الموجعة لقلبه، فتح الباب صاعدًا عبر السلالم حتى ألتقطت أعين الحراس حضوره، أتجهُوا نحوه بسرعة ليقيِّدُوه ويفتشوه بصورة عنيفة. ألصقوه بالجدار لتلتف ذراعه خلف ظهره بقيدٍ ثقيل، أدخلوه بهدُوء ليرفع رائِد عينه : يا هلا والله بـ ولد سلطان . . يا هلا يا هلا
عبدالعزيز بإبتسامة خبيثة : هلابِك
رائِد يقف ليُشير للحرس بالإنصراف، وبإستفزاز لفُقدِه : جايّ تفزع لأبوك في قبره!
عبدالعزيز المُقيَّد اليديْن : حق أبوي مو عندِك، لا يكون مآخذ مقلب بنفسك وتحسب الحادث من ترتيباتِك؟
رائِد بغضب يتجه نحوه ليأخذ بطريقه علبَة صغيرة ينتشرُ على سطحها مثل الدبابيس مصنوعة من الخشب، صفعه بقوَّة ليُدمِي وجهه على هيئةِ خطوطِ.
دخل فارِس ليلتفت عليه : أطلع برا
فارس : لا
رائد بغضب : فارس لا تطلع جنوني عليك !
فارس يقف بين والده وعبدالعزيز الذي وقف بثبات والدماء تنزف منه : قلت لك من قبل مافيه شي تخبيه عليّ .. يُمسك ذراع والدِه بهدُوء ليسحبه نحو الخلف وهو يترجاه بنظراته.
رائِد : ماشاء الله تلاقوا الأصحاب .. عرفني يا فارس على اللي قدامي
فارس بضيق : يبه
رائد بصرخة أرعبته : مو هذا اللي من وراي تقابله ؟
عبدالعزيز : وين عبير ؟
رائِد يبعد فارس عنه ليجلس على طرف المكتب : تبي عبير؟ للأسف لا
عبدالعزيز : قلت . .
رائد يقاطعه : وليه تثق بكلامي؟ يخي أنا مو عند كلمتي .. عبير عاد بتكون مع فارس ! عاد الله أعلم زوجته .. ولا غيره مايهمني المهم أنكم ماراح تشوفونها إلا لما أنا بمزاجي أقرر . . عاد مزاجي مدري متى يحن عليكم!
عبدالعزيز بغضب : لا تساوم على البنت! خل كلامك معي وأتركها
رائد بإبتسامة : أحلامك كبيرة يا عبدالعزيز ..
عبدالعزيز بحدةِ عينيْه : لمرّة وحدة كون رجَّال وأبعد الحريم من موضوعنا
رائد : علم نفسك كان كنت رجَّال قبلي وقابلتني مو سويت لعبتك مع الكلاب اللي وراك .. إيه صدق وش أخبار أبو زوجتك ؟
عبدالعزيز بتجاهل يحاول أن يحرِّك وجهه ليُبعد الدماء عن شفتيْه التي بدأت تتذوقُ طعمها : اختصر وش المطلوب الحين ؟
رائِد يضع قدمًا على قدم وبإستفزاز وهو يُفكِر : والله مدرِي! مدري وش الشي اللي بيخليني أتلذذ بتعذيبك! لكن أقدر أقولك ماراح تكون لك حياة بعد ما تطلع من هنا ! لأن أصلا ماراح تطلع من هنا! شايف كيف مسألة خداعي تكلف الكثير؟ عشان غيرك يحسب حسابه ألف مرة قبل لا يقرِّب مني .. قرَّب قبلك أبوك وشوف نهايته والحين أنت وبتكون نهايتك أسوأ بكثير، أنت تلعب مع رائد الجوهي اللي برمشة عين يمحيك من هالوجود . . . يؤسفني أنك بتكون مثال للعظة والعبرة
عبدالعزيز : عبير لا تمسَّها بشي !
رائِد بضحكة : I'm sorry هذا خارج إرادتي
عبدالعزيز بصراخ : خل حكيْك معي
رائِد بتهديد شرس : أقسم بالعلي العظيم أنه عبير ماراح تشوفونها .. ريِّح نفسك من كل هالكلام!
عبدالعزيز أبعد وجهه للجهةِ الأخرى وهو يتحرك بإتجاه الجدار يحاول أن يتخلص من قيدِه.
يُكمل : أما شغلي راح يتم غصبًا عنك وعن عبدالرحمن وسلطان! وبتبقى معي إن شاء الله لين يصير اللي في بالي بعدها بفكِر بأي طريقة تبي تموت .. على فكرة أنا ديمقراطي جدًا أنت أختار الطريقة اللي تبي وأبشر باللي أعنف منها .. أردف كلماته الأخيرة بشماتة ساخرة.
أخذ المشرط ليُنادي الحرس حتى دخلُوا بمُجرد سماع صوته المنادي،
بقوَّة أجلسوه على كرسي ليلفُّوا حول جسدِه الللاصق حتى تجمدَّت حركته ولم يعد يستطيع أن يتحرك، وبعينيْه يفهم رجالِ رائد مالعمل؟ أخذ أحدهم خيطًا وربط قدمِه اليمنى ليمدّ الخيط للعمُود الخشبي النحيف، أنهى العقدة بزنادِ السلاح، بمُجردِ ما تتحركُ قدم عبدالعزيز سيضغط على الزناد لتنطلق الرصاصة بإتجاهه.
رائِد بسخرية : لا تحاول تموت بدري! تقدَّم إليه ليستفزه وهو يقرِّب المشرط من رقبته : من مين هالخطة ؟ مين اللي قالك تروح ليْ ؟ سلطان ولا عبدالرحمن ؟
عبدالعزيز لا يُجيبه، معتمدًا على التجاهل التام.
رائِد بقوَّة يسحب المشرط من يمين رقبته حتى يسارها ليكتم صرخته وهو يحاول أن يثبت أقدامه حتى لا يتحرك، فارس أبعد أنظاره لا يتحمل رؤية هذه الوحشية من والده.
رائد : وش اللي تخبونه ؟ ها ؟ ترى السكوت ماهو لصالحك
عبدالعزيز ويستحمُ بدماءه : لا تنتظر مني أيّ معلومة
رائِد بإبتسامة : حلو .. جدًا حلو ... ليصفعه بقوَّة وهو يقاوم حركة كل شيء عدا أقدامه، نظر لعصير الليمون الذي ينتصفُ الكأس ليُمسكه وبتلذذ سكبه على رقبته لتندفع صرخة عبدالعزيز.
: باقي ما شفت شي .. أنت بالذات راح أخليك تترجاني أنك تموت وبتشوف ... أبتعد ليلتفت على فارس : يالله أطلع قدامي!
فارس : ممكن تخليني شوي!
رائد بضحكة شامتة : لا تفكر يا فارس تقدر تخليه يهرب لأن هالطلقة بتجي في راسه أسرع من تصوِّرك وبتلحقه وراك .. هذا أنا حذرتك ... وخرج لأنه يعرف تماما أن فارس يستحيل عليه أن يهرِّب عبدالعزيز والحرس ينتشرون في كل مكان.
فارس يسحب منديلا ليقترب منه، يمسح دماءه وبقايا العصير، أدرك تلوث جرحه : عبير عندي
عبدالعزيز بحدَّة : وأنت مين ؟ لا زوجها ولا شي!
فارس : أنت عارف أبوي ! في كلا الحالتين كان راح يخطفها سواءً بواسطتي أو بغيري بس أنا ماأبي شي يضرها والله العظيم يا عبدالعزيز ما أبي شي يمسَّها عشان كذا سويت كل هذا
عبدالعزيز بصوتٍ خافت : واثق فيك بس أبعدها عن أبوك!
فارس : خذه وعد مني أبوي ماراح يقرِّب منها .. أنتظر لحظة . . . . . أقترب من الرفُوف ليستخرج لصقات الجروح ومعقم، عقَّم جروح عبدالعزيز ليُغطيها باللصق.
عبدالعزيز : شكرًا ..
فارس : العفو . . أبوي مقرر أنه بكرا بيخليني أملّك على عبير ويقول إن رفض عبدالرحمن فهو الخسران بكلا الحالتين ماراح ترجع له بنته
عبدالعزيز : ماراح يوافق! مستحيل أصلا
فارس : داري وأصلا مستحيل الشيخ بيرضى لأن حضوره لازم
عبدالعزيز بسخرية : كأنها بتصعب على أبوك!
فارس يستخرج هاتفه : تبيني أتصل على عبدالرحمن! كلمه وقوله
عبدالعزيز تنهَّد : أنتظر لبكرا
فارس : طيب .. تآمر على شي
عبدالعزيز : لا . . . ليستدرك شيئًا ويوقفه: فارس
فارس ألتفت عليه ليُردف : ممكن تربط رجلي
عبدالعزيز الذي شعر بأنه رُبما يغفى وتتحرك أقدامه الغير مقيَّدة، أخذ اللاصق العريض ليلفه حول أقدامه لتتجمَّد بسيقان الكرسي : كذا تمام ؟
عبدالعزيز : إيه

،

أستيقظت شمسُ الرياض بخمُولِ وهي تغيبُ خلف الغيم الذي يتكاثف ببدايةِ شتاءٍ خافت، كان جالس في المقاعد الخارجية في ممر المستشفى ينتظرها تخرج بعد أن تم الأذن لها، لم يتحاور معها ولم ينطق أيّ كلمة معها منذُ ما حدث.
رفع عينه عندما فُتِح الباب، تقدَّم إليْها : تبين كرسي متحرك؟
مهرة ببحة تُخفي وجعها : لا
خرج معها متجهًا لسيارتِه، فتح لها الباب الأمامي، الصمت الذي كان بينهما لم يُدينه أحد، لم يقطعه الكلام أبدًا طوال الطريق الطويل في صباحٍ مزدحم، تمِّر الدقائِق بثباتٍ تشطر قلبيهما.
كُنت أرفضُ هذا الحمل ولو عاد الوقت لما دعوت دعوة واحِدة على من يسكنُ رحمي، أشعرُ بأني فقدتُ نفسي معه، كل الأشياء تلاشت بسرعة أمامي، لا أريد أن أندم وأقُول " لو " ولكن أشعرُ بحاجتي لأن أصرخ بـ " لو " ، لو أنني لم أخرج من الغرفة وأنا أشعرُ ببعضِ التعب لما حدث كل هذا، يارب أني لاأعترض على قدرك ولكن أرزقني الصبر والرضا به، قبل عدة أيام كنت أراه بعيني والآن لا أحد، رحمِي خاوي من الذي أنتظرته في الفترة الأخيرة.
ركن السيارة وهو يأخذ نفسٍ عميق يشعرُ بالسوداوية تطغى على كل حياتِه، فتحت الباب لتخرج وهي تشعرُ بقليلٍ من التعب يعكسُ نفسه على خطواتها المتأنية المضطربة، أتجه معها للفوق ليفتح لها باب الجناح، نزعت عباءتها بهدُوء لتضعها على الأريكة وخلفها نقابها وطرحتها، أتجهت نحو السرير لتدِّس جسدها به، نظر إليْها وهي تُغطي ملامحها بالفراش.
نزع حذاءه وهو يضع شماغه فوق عباءتها، أتجه لناحية السرير الأخرى ليجلس بقُربها : مهرة ...
كانت تغرق ببكائها تحت الفراش، لم تتوقع أبدًا أن يصِل حالها إلى هذا الحد. لم تتصوَّر أن تبكِي بهذه الصورة القاسية، ماذا يفرق أن يموت فردٌ بعد أن يستنشق الحياة أو يموت في رحمِ أمه؟ كلاهما موت، كلاهما نهاية، كلاهما قبرٌ لروحي.
رفع الفراش بهدُوء لتُغطي وجهها بيديْها وهي تجهشُ ببكائها، خرج صوتها كأنينٍ يخترق قلبه قبل سمعه، رفعها نحوه ليضعها على صدره وهو يمسحُ على شعرها، لم أعرف كيف أواسِي نفسي حتى أواسيك؟ ولا أعرفُ أيّ طريقة تخفف وطأة الخبر علينا.
تشبثت بثوبِه وهي تُبلله بحزنٍ عميق، كل الأشياء أفقدها، كل شيء أتعلقُ به ينسحب من حياتي بهدُوء، لم أجرِّب معنى الأب، وحين جربته تلاشى، ولم أجرِّب الأمومة وحين أقتربت منِّي ذابت دُون أن ألمسها، أنا لا أعرف كيف أحافظ على أشيائي ولن أعرف أبدًا ما دُمت على الدوام أفقدها بصورةٍ مفجعة ليْ، أؤمن بالموت ولا أعترض عليه ولكن أُريد لمرَّة أن أحافظ على شيءٍ لفترة طويلة أو أرحلُوا ولكن بهدُوء، لا ترحلون بهذه الطريقة المفجعة ليْ، لا تجعلوني أتأمل لأصعد لسابع سماء وأسقط فجأة دُون سابق إنذار على أرضٍ جافة. تكسَّر ظهري وضُعلي من الفُقد، يالله أرزقني الصبر . . يا رب الصبر.
يُوسف بخفُوت : الحمدلله على كل حال ...
مُهرة بصوتٍ مخنوق وهي تدسُّ نفسها في صدره : بموت يا يوسف ..
يوسف : بسم الله عليك لا تجزعين مايجوز ...... الله يعوضنا بالذرية الصالحة . . . يستلقي ليجعلها تستلقي معه . . . . نامِي وأرتاحي
نظرت للجدار الذي أمامها ويدها ترتخي عليه، وجهها الشاحب عكِّر جمالها الناعم، كيف أنام بهدُوء وأنا فقدت طفلي الأول! طفلي الذي بثَّت به الروح في أحشائي و كلمات الدكتورة تصبّ في إذني كـ نار وأشدُ حرقة من النار " سلمي أمرك لله والله يعين عباده "
يوسف بصوتٍ هادىء : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ . . . وأكمل قراءته للرقيَة الشرعية عليها حتى نامت على صدره.

،

بحزِن عقدت حاجبيْها : الله يصبِّرها .. صدق قهرتني بس عاد حرام ما تستاهل
هيفاء بضيق : لو شفتي يوسف! قطَّع قلبي مع أنه ماقال شي بس لو تشوفين عيونه .. يا شينها عاد لا تلهفتي على شي وماصار
ريم : ترى سمعت أنه مايجوز تقولين حرام وما يستاهل! كذا إعتراض على القدر وكأنه الله ما يعرف يصرِّف أحاول العباد .. يعني تعالى الله عن ذلك
نجلاء بدهشة : لآلا أستغفر الله مو قصدِي كذا
ريم : إيه دارية بس أنا قلت لك عشان ماتقولينها مرة ثانية
نجلاء : ما قلتي لنا وش فكرتي؟ بترجعين له ؟
ريم تنهدَّت : إيه
هيفاء : هذا أحسن حل توكم حتى ما تعرفتوا على بعض زين
ريم : الله يكتب اللي فيه الخير.
نجلاء : صدقيني يا ريم بكرا تندمين على تسرعك! كل شي له حل ! الطلاق مو سهل، أكثر شي يكسر المرَة الطلاق لا تكسرين نفسك بنفسك وتدمرين حالك وأنتِ ماتدرين زين الرجَّال وشينه .. توِّك في البداية يعني لا تندفعين كثير
ريم بضيق كلماتها : وهذا أنا بسوي بنصيحتكم . . .

،

يجلس وهو يحتضن رأسه، يبحثُ عن الحلول، عن الحريَّة من كل هذه القيُود، عيناه تغرق بِـ رِيف الضاحكة وهي تقفز كُلما أخرجت من بين شفتيْها فقاعاتِ الصابُون، وقف متجهًا لغرفة والدته، طرق الباب ثلاثًا حتى فتحه ليراها مستقيمة بجلستها تقرأ كتاب " عبقرية عمر للعقَّاد " تُشبه والده كثيرًا، مِثل الطِباع تمامًا مثل الجلسَة مثل العينيْن التي تغرقُ في القراءة، كل الأشياء تكتسبها من أبي وهذه طريقةُ أمي في الإشتياق، أن تتقمصُ دوره وتقرأُ ما يُحب.
أنحنى ليُقبِّل رأسها وأطال بقُبلته التي توسدَّت كتفها، جلس عند أقدامها وعيناه تتوسَّل، قاسٍ عليّ زعلك! قاسٍ كثيرًا تجاهلُك ليْ يا جنتي.
وضعت الفاصِل المزخرف لتغلق الكتاب عليه، رفعت عينها بعتب : تضايقني كثير يا فيصل !
فيصل بخفُوت : الله لا يسلِّم فيني عظم إن ضايقتك! يمه أنتِ منتِ فاهمة الموضوع بس صدقيني مو زي اللي في بالك
والدته : أبيك الحين تجاوبني! وش علاقتك بمقرن؟ وش كنتم تسوون في باريس ؟ أبي أعرف الحين وأتطمن
فيصل بضيق : شغلي هذا اللي أسسته كله كان من باريس! ومقرن كان يساعدني بعلاقاته بس هذا الموضوع
أختنقت عيناها بالدمع : تكذب! والله تكذب
فيصل وسيُجَّن بفعلِ دموع والدته : يمه لا تعورين قلبي، تطمني مافيه شي من اللي في بالك
تنزلُ دمعتها بحزنها اللاذع الذي يجعلها تُحضِّر قلبها على فُقدِه، شتت نظراته ليس هُناك أقسى من دمعةِ الأم، قبَّل رُكبتِها ليضع رأسه في حجرها وهو يردفُ بصوتٍ ضيِّق : سوِّي اللي تبينه فيني بس هالدموع ماأبي أشوفها، لا توجعيني يمه فيك لاتوجعيني وأنا أحس بالإهانة قدام دموعك إذا نزلت بسببي، قاسي هالشعور والله.. والله يا يمه تكسرني دموعك
وضعت كفيّها على رأسه لتغرق بماءِ عينيْها، خرج صوتُ بكائها الحزين كيف لإبنِي الذِي خطّ السواد في ملامِحه أن ينحني كالطفل حتى لا يرى دمُوعي؟ أيُّ دعاء يا فِيصل خرج من لساني حتى يجلبُك الله ليْ؟ أيّ خير فعلتهُ في حياتي حتى تأتِ؟ بقدرِ الوجع الذي أشعرُ به إلا أنك لم تخرج من بطنِي وحيدًا؟ أنت خرجت ومحملاً بجُزِء منِي لذلك أشعرُ بنبضِك المضطرب لأنِي هُناك! هناك في يسارِك وليتك تعلم مامعنى أن حُزنك لا يعنيك وحدك فهو يضايقني أضعافًا وأضعافًا.

،

يدخل الغرفة الواسِعة التي تنشرُ في كل جهة ملفاتٍ كثيرة، بخُطى ثابِتة يلتفت حتى يتأكد من خلوِ المكان، أقترب من جهةٍ صُفَّت بها الملفاتٍ الزرقاء بعناية، يسيرُ خطوة خطوة بتأني شديد وهو يقرأ كل إسم حتى وقف عند – صالح العيد - ، فتحه وهو يقلبُ بأوراق الجرائم السابقة والشهادات الجنائية، حتى سمع صوتُ أحدهم يقترب، هرول سريعًا حتى أختفى خلف الرفِّ الأخير.
عبدالرحمن وبجانبه عبدالله اليوسف ومن خلفهم متعب : هنا طال عُمرك.
يقترب بهدُوء لينظر لمكانِ الملف الخالي : مين كان هنا ؟
متعب : محد الله يسلمك
عبدالله يرفع حاجبه : متأكد ؟
متعب بلع ريقه : إيه
عبدالله ينظر للملفات وهو الذي بدآ يعاونهم بالفترة الأخيرة : تدري يا بوسعود! شكله فيه ناس تلعب على الحبلين
عبدالرحمن تنهَّد : والله ما أتركوا لنا عقل
عبدالله : طيب خلنا نراجع القضايا السابقة المرتبطة برائد . . . هذا سليمان الفهد؟
عبدالرحمن ينظرُ للملف الذي بين يديّ بو منصور : إيه . . . . وين صالح العيد؟
متعب : موجود . . نظر للملفات وهو يبحثُ عن الإسم ليزداد توتره مع كل خطوة لا يجد بها الإسم المراد.
عبدالرحمن يعقد حاجبيْه وبنبرةٍ حادة : مين داخل قبلنا ؟ هيّ فوضى عشان يدخل كل من هب ودبّ!
متعب : لا طال عمرك والله محد دخل أنا متأكد و أسأل بو مساعد
عبدالرحمن : طيب يالله طلع ليْ الملف! كذا يختفي فجأة
متعب : لحظة أناديه . . . وخرج
عبدالله بصوتٍ خافت وبنبرةٍ غير راضية أبدًا : أشياء سرية وقاعدة تخترق بسهولة! وش بقى للأشياء الثانية؟
عبدالرحمن بغضب : تعرف شي؟ أنا أعرف كيف أوقفهم عند حدهم . . . . . . وخرج بخطواتٍ تهيج غضبًا.
وقف عند سكرتيره : تبلغ كل الموظفين إجتماع طارىء بعد ساعة وإن تغيَّب شخص واحد ما يلوم الا نفسه . . بما فيهم أنتم
: أبشر إن شاء الله
دخل مكتبه ليتبعه عبدالله بعد أن ترك ملف سليمان في مكانه : بتحقق معهم ؟
عبدالرحمن : اليوم أعرف مين اللي ورى كل هذا !
في جهةٍ أخرى يضع الملف بمكانه وهو يخرج بهدُوء قبل أن يلحظه أحد ليتقدم نحو مكتبه ومن خلفه : إجتماع بعد ساعة واللي ما يحضر على قولت بو سعود ما يلوم الا نفسه
بصوتٍ خافت : إن شاء الله
دخل متعب بخُطى مضطربة بعد أن خرج زياد : يارب أني ألقاه!
أحمد من خلفه : طيب دوِّر في الجهة الثانية
متعب يمسح على وجهه : مستحيل يكون في غير مكانه! محد دخل أصلاً
أحمد يبحثُ بعينيْه : قلنا بنرتاح من عصبية سلطان هالأسبوع وجاء اللي ألعن منه
وقف متجمدًا ليطِّل عليه أحمد بإستغراب : وش فيك ؟
متعب بهذيان : بسم الله الرحمن الرحيم .. بسم الله الرحمن الرحيم .. اللهم أني أعوذ بك من الشياطين ومن أن يحضرون
ضحك ليُردف : وش فيك أنخرشت؟ . . أقترب منه ليلتقط إسم صالح العيد.
متعب : والله يا أحمد أنه ما كان موجود قبل شوي!
أحمد : شكل حرارتك مرتفعة اليوم
متعب بعصبية : أقولك والله ماكان موجود! مين دخل بعدنا ؟
أحمد : يمكن ماأنتبهتوا له
متعب أخذ نفس عميقًا : اللي قاعد يصير هنا مو طبيعي! .. طلّ عليهم سكرتير عبدالرحمن آل متعب : أنتم هنا! جهزوا نفسكم فيه إجتماع بعد ساعة
متعب يسحب الملف ليتجه نحو مكتب عبدالرحمن، طرق الباب ودخل : لقيته طال عمرك
عبدالله بدهشة ينظر إليه : وين ؟
عبدالرحمن يقف مقتربًا منه ليأخذ الملف ، متعب بلع ريقه : في مكانه
عبدالرحمن : نلعب إحنا!
متعب : والله العظيم قدام أحمد حتى! لقيناه في مكانه
عبدالله : تونا قبل شوي ما كان موجود شي ، كذا نزل من السماء
متعب ويعرفُ قوة عبدالله اليوسف وغضبه : لا الله يسلمك بس هذا اللي حصَل دخلت عشان أدوّره مع أحمد ولقيناه بمكانه
عبدالرحمن بحدَّة : شف يا متعب أعصابي بروحها مشدودة لا تنرفزني أكثر!
متعب بربكة : والله العظيم هذا اللي صار
عبدالرحمن تعتلي نبرته لتصِل للممر الخارجي : قبل شوي كنا هناك وماكان فيه شي!
متعب يُشتت نظراته : تقدر تشوف بكاميرات المراقبة!
عبدالرحمن يتجه نحوه والكل في هذه اللحظة يبتعد عن طريقه، وصَلت حالة الحليم الذي أبتعد عن شرِّه إن غضب، نظر للشاشات : طلعه ليْ.
زياد بعد أن مسح الشريط الذي يسبقُ دخوله، بهدُوء ضغط على زر الإعادة ليعرض دخوله مع عبدالله ومن بعدِه دخول متعب و أحمد وما بينهما صُورة مثبتة لم تشهد أيّ تغيير لأنه أستطاع بسهولة أن يقصّها.
عبدالرحمن يُدقق في الدقائِق، كانت 8:55 و من ثم 9:20 وما بينهما أقل من 25 دقيقة : لحظة أرجع
يعُود للبدايَة دُون أن يرى شيئًا مختلفًا، عبدالرحمن ينظرُ لزياد بنظرةٍ أربكته : أعرض لي الممر اللي قدام الأرشيف
زياد يضغط على الكاميرَا الأخرى لتعرض له سير جميع الموظفين على الممر، عبدالرحمن : بعد 8 و55 دقيقة .. شف مين مشى؟
زياد يضغط على الوقت ليتم تسجيل كل من سارُوا في الممر دُون أن يتحدد من الخارج، عبدالله بدهاء : أخذ الكاميرا الأمامية
زياد مدّ قدمِه أسفل الطاولة ليسحب إحدى الأسلاك عشوائيًا وينغلقُ نظام المراقبة. رفع عينه : ممكن عطل فني .. وقف . . أشوفه بس
عبدالله بشك : يا سبحان الله هالعطل جاء الحين
عبدالرحمن : دواهم عندي
زياد ينحني خلف الطاولة بحجةِ إصلاح العطل في لحظةٍ كان يُقطِّع بها الشاشة المسؤولة عن الكاميرا الأمامية.
عبدالله ويشعرُ بالمسؤولية، بشعُور الثقل على أكتافه كما كان قبل تقاعده : وش قاعد يصير هنا! وش هالفوضى ؟
عبدالرحمن تنهَّد : يارب رحمتك . . . نظر لمتعب وهو يشعر بان فاجعة أخرى تنتظره .. يالله كمِّل علي بعد
متعب ويوَّد لو يتوسَّل إليْهم بأنه ليس ذنبه أن ينقل الأخبار السيئة، أخذ شهيقًا ليُردف : عبدالعزيز
عبدالرحمن بخوف : وش صاير ؟
متعب : عند رائد
عبدالرحمن بغضب : قلت له لا يطلع . . .
متعب بربكة حقيقية : بس .. يعني .. يعني بنتك طال عُمرك
تجمَّدت أعصابها التي أشتعلت بغضبها : بنتي!!!
متعب : عند رائد بعد . . خطفها
عبدالله أتسعت محاجره بصدمة لا يسبقها صدمة أخرى، إختطاف تعني موتٍ من نوع آخر هذا ما نؤمن به.
عبدالرحمن يشعرُ بيدٍ من حديد تقتلعُ قلبه في هذه الأثناء، كان بيدِه ملف صالح العيد ضربه في عرض الحائط ليخرج،
عبدالله بهيبته أردف : خذ الملف ومفتاح الأرشيف يجيني مفهوم يا متعب ولا أعيد الكلام ؟
متعب : أبشر!
يدخلُ مكتبه بغضبٍ كان من النادِر أن يصِل لهذا المستوى، صرخ على سكرتيره : أحجز لي على باريس بأسرع وقت!
أخذ هاتفه ليتصِل على الأمن الذي وضعه في باريس، أستمر لدقائق ولم يُجيب أيّ أحدٍ منهم، أغلقه ليتصل على هواتفٍ كثيرة أنتهت بهاتفِ عبير بعد أن ظنّ أن رتيل هي المخطوفة، على بعُدِ مسافاتٍ طويلة كان يهتز الهاتف أمامه، ضحك بشماتة وهو يقرأ الإسم " ضيّ عيني " لا أحد يستحقُ الإسم هذا غير " عبدالرحمن " وها أنت تأتِ بكامل إرادتِك، بعد أن تلاعب بأعصابه وأطال برنينه حتى أجابه بصوتِ مُنتصر : و عبدالرحمن آل متعب بجلالة قدره يكلمنا !
عبدالرحمن يُدرك من صاحب هذا الصوت : تلعب بالنار!
رائِد : وأنا أحب النار
عبدالرحمن : واجهني باللي تبيه بس بناتي خط أحمر!
رائد بتلذذ : يعني على حرمك المصون ترضى؟
عبدالرحمن بغضب : رائِد! محد خسران بهالقضية غيرك! كل الأدلة ضدك
رائد : أثبت لي دليل واحد وأرسلك بنتك جثة محروقة
عبدالرحمن تحمَّر عيناه بغضبه : كلمة وحدة ولا عندي غيرها! تترك عبير حالاً .. وأنت عارف بصلاحياتي وش ممكن أسوي فيك
رائد بهدُوء مستفز : بصراحة ما جربت المساومة إلا مع سلطان العيد وراح الله يرحمه و الحين بجربها معك وممكن بعدها تروح ونترحم عليك! يا خسارة! قايلكم من قبل لا تلعبون معي بس أنتم ناوينها حرب وأنا أكمِّلها لكم ماعندي مانع
عبدالرحمن : أنتبه لألفاظك أنا ماأساومك أنا أأمرك!
رائد : تصدق سبقتني كنت راح أتصل عليك عشان تبلغ الشيخ بموافقتك
عبدالرحمن : موافقتي؟؟؟
بضحكة يستفزُ كل عصبٍ في جسدِ عبدالرحمن : على زواج بنتِك من مشعل ولا نقول من فارس ولدي ! . . قلت أرحمك وأرسلك فارس بإسم ثاني عشان ما تجيك جلطة وتلحق خويِّك سلطان بس شفت! لأنكم لعبتوا معي مضطر وأنا كلي حزن على اللي بسويه . . على العموم في حال رفضت صدقني عبير راح تبقى عند فارس! أنت عاد قرر كيف العلاقة تكون بينهم؟
عبدالرحمن يبلع غصَّة إنكساره في إبنته : تلوي ذراعي في بنتي! لو فيك خير قابلني بقوتي!
رائد : أنا ما فيني خير . . ونقاط ضعفك هي قوة بالنسبة ليْ بالمناسبة
عبدالرحمن : أترك عبير .. أتركها يا رائد مشكلتك معي مو معها!
رائد : وتبيني أترك لك صالح . . أووه قصدي عبدالعزيز ؟ . . . أنا أقول ما ظنتي راح تشوف عبدالعزيز بعد! ممكن تزوره في قبره .. ماراح أكون حقير أبدًا وأضيِّع جثته أبد بحطها لكم قدامكم . . *أردف جملته الأخيرة بسخرية لاذعة*
عبدالرحمن : هي مسألة وقت وراح تنتهي!
رائد : ودِّك تسمع صوت بنتك ؟ ترى قلبي رهيِّف ما اقوى على بكي الحريم!
عبدالرحمن بغضب : أقسم بالحي القيوم لو تلمس شعرة منها لا أقاضيك بنفسي! وأنت عارف وش أقصد والله العظيم لألعب معك بأساليبك الملتوية ومحد بيخسر غيرك! لأن القوانين مع أشكالك ما تنفع
رائد بنبرةٍ مستفزة : لا لا ما ارضى على زوجة ولدي تنهان أفا عليك! . . بس تعرف بنتك الحلوة مع ولدِي وبروحهم! ما تجي صح ؟ وبعدين كنت راح توافق على مشعل! شفت أنك مغفل وبسهولة أقدر أخدعك! . .
في جهةٍ آخرى يقف فارس ويستهلك كل قوَّاه العقلية في إقناع الشيخ ذو الملامح البيضاء بتوكيلٍ مزوَّر : طيب هذا التوكيل؟
الشيخ : لا يا إبني الجواز مش لِعبه! بشوف ولي أمر الفتاة بالاول
فارس : طيب هو في السعودية ما يقدر يجي! وموكِّل زوج بنته الثانية يكون ولي أمرها في عقد النكاح!
الشيخ بشك : ما بقدر! هيك العقد باطل!
فارس : الشروط كلها تامة! الشهود موجودين والفحوصات الطبية قدامك والبنت راضية ووالدها راضي لكن صعب يجي الحين! نواجه ظروف صعبة يا شيخ
الشيخ : طيب بالأول تفرجيني إثبات بموافقة ولي الأمر غير هالتوكيل
فارس يمسح وجهه بعد أن أستعصى عليه إقناع هذا الشيخ، وكأنه يعرف بأنه توكيل مزوَّر لولي الأمر، أخذ نفس عميق : طيب .. تفضَّل هنا على ما أتصل وأشوف . . . . . أبتعد عن الغرفة متجهًا لوالده، دخل عليه ليستمع لكلماتِه الأخيرة: مو قلنا لكم خلكم في شغلكم وخلُّوا غيركم يشوف شغله .. الحين لا تطلب مني شي! بنتِك بعيد التفكير فيها لكن أظنك بتهوجس كثير ولا بتشوف حتى طيفها
فارس وقف أمامه ليُردف بضيق على هذا الحال : يبـه
رائد بضحكة : عن إذنك يا بوسعود بس خلك قريب من الجوال ها! لا أوصيك عشان تشهد على زواج بنتِك . . وأغلقه.
فارس : كنت تكلمه؟
رائد : جاء الوقت اللي أتشمت فيهم! . . وش سويت مع هالشيخ ؟
فارس : رفض! يقول لازم يشوف ولي أمرها
رائد تنهَّد : أقول أكرشه وأجلس ماهو لازم تتزوجها
فارس بدهشة يلفظها غضبًا : كيف يعني؟ أتركها كذا
رائد بإبتسامة : عشان يتعذبون صح
فارس : لآ يبه .. واللي يرحم لي والديك عادِك بتعذبني معهم
رائد بهدُوء : طيب وش أسوي! هذا الشيخ ورفض تبيني أبوس رجله عشان يوافق حضرته يزوّجكم
فارس شتت نظراته لا يعرف ماذا يفعل، كل الأشياء تتعقَّد أمامه، رائِد بخبث : لقيتها لك .. مكالمة فيديو تفي بالغرض!
فارس : كيف يثبت أنه ابوها!
رائد : شغِّل مخك! بيشوف صورته وبيسمع موافقته وبنثبت هالشي ببطاقته .. غصبًا عنه أصلا راح يوريهم بطاقته! وبتطابق أوراق بنته وتم الموضوع
فارس : ومين يوقِّع عنه ؟
رائد : التوكيل! الكلب الثاني جيبه وخله يوقِّع
فارس : طيب يعتبر عقدنا باطل؟ بكرا إذا صار شي . .
رائد يقاطعه : شف عاد الأشياء القانونية أعرفها أكثر منك! عقدك تام تمت الشروط فيه خلاص يكون صحيح وإن حصل شي بعدين تطمن تقدر تجدد عقد الزواج وينتهي موضوعك .. رح شف الكلب وخل أيّ أحد يشهد معكم ماعلى أشوف ولد خالد وش بيسوي!
يتصِل على عبدالرحمن من هاتفِ عبير ليُجيبه بهدُوء، لم يلفظ كلمة : أسمع من الآخر الشيخ يبي موافقتك! ويبي يتأكد من أنك ولي أمرها!
وبسخرية يُكمل : لذلك رحمةً ببنتك وفيك ياليت تقبل مكالمة الفيديو عشان حضرة الشيخ يشوفك ويسمعك وغير كذا ياليت توريه بطاقتِك اللي تثبت إسمك وصورتك ... وإلا . . تخيَّل وش ممكن يصير في بنتك!
عبدالرحمن الصامت ينظرُ للعدَم، ماهذا الخطأ العظيم الذي يجعلني أُذيق حرقته مرتين أول مرة مع رتيل والآن مع عبير، كلاهُما لم يتزوجان بصورةٍ طبيعية، كلاهما شعَرتُ بأن موتًا يقذفني ليُحييني من جديد، في أشدٍّ الأشياء يكسرُون ظهري بها، هذه إبنتِي كيف أرضى؟ كيف تحدث كل هذه الفوضى وأعجز عن فعل شيء! أُريد فقط أن أفهم لِمَ كل هذا يحدث، لن أجِد أسوأ من شعُورك بأنك عاجز! لا تستطيع فعل شيء لأقربِ الناس إليْك، يالله صبِّر عبادِك.
رائِد : أفهم من كلامك رفضك؟ يعني عبير بحّ !
عبدالرحمن بإنهزام فظيع يُقطِّع أوردته : أنتظرك
رائد أتسعت إبتسامته : واللي يبيه رائد بالنهاية هو اللي يصير! ليتكم تفهمون هالقاعدة زين . . . أغلقه ليتصل عليه بمُكالمة فيديو . . وقف متجهًا للصالة الأخرى نحو الشيخ : تفضَل تقدر تكلم ولي أمرها وتتأكد بنفسك . . .
أبتعد فارس حتى لا يظهر بجانب الشيخ، لن يتجرأ أن ينظر إليْه أبدًا.
دخل عبدالعزيز بعد أن فكّ قيدِه حتى لا يُثير الريبة في نفسِ الشيخ، بصورةٍ سريعة تسيرُ الدقائِق، بصورةٍ سريعة يتمُ نحر الحياة في قلب عبدالرحمن، بصورةٍ سريعة يسقطُ قلبه وشرايينه التي تنبضُ له، بصورةٍ سريعة يفقد الحياة مع إبنتيه، كُنت أخاف عليهما من ظلهما، كُنت أحزن عليهما من نسمةِ هواء تُضايق جدائِلهما، ولم أستطع أن أحميهما بصورةٍ كافية، أهُناك أشدُ وجعًا من كل هذا ؟ يا ضياعي وشتاتُ الأشياء منِّي، يارب إني أحسنُ ظني بك وإن هذا لحكمة منك ولكن أسألك بكل إسمٍ سميتُ به نفسك أن لا تجعلني أشهدُ يومًا ضياعهمَا مني.
أنحنى فارس ليوقِّع بعد إطالة الشيخ بأسئلته حتى يتأكد وتبقت خانة – الزوجة -.
وقف متجهًا إليْها، فتح الباب ليراها جالِسة وتضع ذقنها على ركبتيْها، رفعت عينيْها إليْه لتزحف حتى لاصق الجدار ظهرها.
بهدُوء : تعالي عشان يسمع الشيخ موافقتك!
عبير : ماني موافقة
فارس : لازم توافقين! لأن أبوك أتصل وبلغ الشيخ موافقته بعد
عبير وهي تتعبَّر : كذاب! أبوي مستحيل يوافق
فارس : والله . . ممكن تجين؟
عبير بحدة : قلت لا . . لو تذبحني ما وافقت
فارس يتأمل شحُوب ملامحها ليلفظ : بكيفك! بس تحملي وش بيصير بعدها
عبير بضيق تسقطُ دمعتها الفاتنة لقلبِ من يقف أمامها : مو قلت ماراح تضرّني؟
فارس : وعشان ما أضرِّك أنا جيتك الحين . . لو هالشي يضرك أبوك ما وافق
تهز رأسها بالرفض، بعدم الإقتناع أن والدها يتساهل بالزواج بهذه الصورة، يقترب منها : ممكن توقفين وتجين معاي؟
عبير بغضب ودموعها تسبقها على ملامحها : ما تقدرون تزوجوني بالغصب! هنا فيه قانون .. مو على كيفكم
فارس بهدُوء : مافيه شي بالغصب إذا تبيني أشيل إيدي منك وأخلي أبوي يتصرف زي مايبي بكيفك! عاد الله أعلم مين يخلي عندِك .. أنتِ حرَّة ماراح تشوفين وجهي ومثل ماتبين بيصير . . . . أعطاها ظهره متجهًا للباب وبنبرةٍ باكية أرتجفت بها الحروف : لحظة!
وقف دُون أن يلتفت عليها لتقترب بخطواتِها نحوه، نظر إليْها لعينيها المتلألأتين، يا فتنة الصِبَا رفقًا بأعصابي، رفقًا برجلٍ أصطبر عليكِ حلمًا ولم يتوقع أن يُقابلك وجهًا لوجه، " تعالي أحبك قبل الرحيل فما عاد في العمر إلا القليل أتينا الحياة بحلمٍ بريءٍ فعربد فينا زمانٌ بخيل " تعالِي قبل أن ينفكّ قيدُ الظروف وتذهبين، إن كنت ضائِعًا لا أدلُّ الطريق تعالي لأعيشُ بكِ الحلم، إني راضيًا بكُلِ الحياة التي تسكنني أن أعيشك حلمْ وأصبرُ على حقيقتِك ليومٍ لا أعرفه ولكن سأنتظره.
تقف خلف الباب ليسألها الشيخ، ثوانِي طويلة حتى لفظت بثباتٍ يعني فقدان الحياة، أن تستقبل الموت بتبلد : موافقة.
يعطي فارس الأوراق حتى توقِّع، أتجه إليْها، أخذت القلم وبرجفةِ أصابعها وقعَّت، نظرت لِمَا حولها من الصعب أن تهرب، لا مجال للهربِ أساسًا.

،

يجلس سكرتيره أمامه وهو يُلقي عليه الأخبار الجديدة : وبس هذا !
سلطان يمسح وجهه بتعب : مين اللي وثَّق أوراق رائد ؟
: والله ما عندي علم يا بوبدر .. أظن بوسعود قايل لمتعب يسويهم!
سلطان : لآ مو متعب! أبغى أعرف مين اللي تصرف بقضية رائد؟ أبي كل شخص قرأ قضيته سواءً شخص من قريب ولا من بعيد
: مافيه غيركم! الملفات ما تطلع لأحد
سلطان : طيب مقرن في الفترة الأخيرة كيف كانت تصرفاته بالشغل ؟ تذكر شي سوَّاه وأستغربت منه
: تعرف يا بو بدر أحمد ومتعب هم اللي قريبين منه أما أنا ملتزم بمكتبي ماأطلع ولا أتكلم معاه كثير
سلطان تنهد : طيب مستحيل ما مرّ عليك! تذكر حتى لو شي بسيط
بصمتٍ يطُول حتى يردف : قبل لا يروح بوسعود باريس طلب مني كشوفات لإتصالات رائد اللي قدرنا نحصل عليها
سلطان : أيه؟
بدهشة يلفظ : لا لا صح! هذي كيف ضاعت مني أذكر يوم عطاني أسماء عشان أراقبها
سلطان : مين؟
: أسامة و عمر و حسين و إسم ثاني ناسيه .. كلهم كانوا يرتبطون مع رائد
سلطان أسند رأسه لينظر إلى السقف : وش تبيني أسوي فيك؟
بحرج : ما توقعت والله!
سلطان : أبي مقرن هاليومين! يجي الرياض .. حاول تشوف أي طريقة عشان يرجع بدون لا تشككه بشي .. أتفقنا ؟
: أبشر
سلطان : تقدر تروح
: مع السلامة وما تشوف شر مرة ثانية . .
سلطان : الشر ما يجيك . . نظر للنافِذة التي لا تطل على شيء يستحق التأمل، غرق بتفكيره وهو يعزم على أن يُذيق رائِد شر هزيمة، طرأت على عقله المشوش – الجوهرة - ، تُجادل عقله في الوقت الذي يُريد أن يفكر به بالعمل فقط.
يعُود عقله لتفاصيل وقتٍ مضى، للحظةٍ رحلت ولن تعود!
في ساعاتِ الليل المتأخرة، وقمرُ الرياض يتزنُ في عرضِ السماء الداكنة، دخل وهو مضطرب المزاج لا يريد أن يحرك فكيّه بكلمةٍ واحدة، نزع حذاءه الأسود الثقيل ورمى نفسه على السرير بملابسِه العسكريَة دُون أن يخلعها من شدةِ التعب، سمع صوتُ فتح الباب ومن إرهاقه لم يلتفت.
تقدمت بخطواتها إليْه وهي تحسبه نائِمًا، اقتربت حتى تفتح أزارير قميصه الأولى لكي لا تٌضايقه، بمُجرد ما لامست أصابعها رقبته حتى فتح عينيْه.
الجوهرة بربكة : كنت أحسبك نايم . .
ينظر إليها بصمت ويشعرُ بأن الكلمة الآن لها وزنها على لسانه لذا يصرف نظره عن الحديث.
الجوهرة : طيب نام على ظهرك! هذي نومة أهل النار نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن نومة البطن
سلطان : أنا مانمت!
الجوهرة أخذت نفس عميق : طيب ... ووقفت
سلطان : وين رايحة ؟
الجوهرة : بنزل تحت
سلطان بهدُوء هامس : تعالي
وقفت دُون أن تتقدم خطوة ليُعيد حديثه : تعااااالي
وإرهاقه يجعله يتراجع عن مواقفه السابقة بصورةٍ مؤقتة، وضع رأسه في حجرها : دلكي راسي
تجمدَّت خلاياها بمُجرد ما شعرت برأسه وهو في حضنها، وضعت يدها على رأسه وهي تخلخل شعره القصير، بسخريته : قلت دلكي راسي مو ألعبي بشعري
سارت الحُمرة في جسدها بأكمله لترتجف أصابعها وهي تُدلك فروة رأسه.
أستيقظ من غيبوبة الجوهرة على سؤال الدكتور أمامه : شلونك يا سلطان اليوم ؟

،

جلس وهو يعصرُ رأسه بكلا كفيّه، وصل أعلاه، وصل لحدٍ لا يستطيع أن يقاوم كل هذه الضغوط، للتو وافق على زواج إبنته، للتو إبنته تزوجت! لا يستطيع أن يستوعب كل هذا، لا يملك القدرة على الإستيعاب أبدًا، في حين كان جالس عبدالله بمحاولةِ مواساة لم يلفظ كلمة أمامه، الصمت هو أعلى رُتب المواساة، لستُ أقل دهشةً منه ولكن صعب عليّ أن أرى عبدالرحمن بهذه الحالة التي لم أراها به منذُ سنوات طويلة : تعوّذ من الشيطان
عبدالرحمن يقف وهو لا يعرف أين يذهب، وصل لقمة غضبه، أوقفته الطاولة الزجاجية التي أمامه ولم يتردد بأن يتعارك مع " جماد " وهو يرفسها حتى تسقط ويتناثرُ زجاجها، قاسي حزن الرجال! قاسي قهرهم.
بغضبٍ يلفظ : كسرني يا عبدالله في أغلى شي عندي . .
عبدالله بهدُوء : إن شاء الله مو صاير لها شي
يلتفت عليه لينفجر بصراخه : معاه كيف مو صاير لها شي! هذا إذا ما جننها! . . يارب .. يارب بس
مسك جبينه وهو يشعرُ بـ دنوِ الموت منه، بأن روحه تصِل لحنجرته حتى تسقط مرةً أخرى في قلبه : بيذبحون لي بنتي! .. بيذبحونها يا عبدالله أعرفه وأعرف أساليبه ..
عبدالله : دامها زوَّجها ولده أكيد ماراح يسوي فيها شي . . خلنا نفكر بحَل بدل هالعصبية .. وعبدالعزيز معاها
عبدالرحمن صمت قليلاً ليستوعب : ورتيل وضي ؟ . . وينهم!
بخطواتٍ سريعة أتجه نحو هاتفه ليتصِل على هاتف رتيل و " مغلق " هذه الإجابة التي تُضيِّق عليه دائِمًا، ضغط على رقم ضي ولا طاقة له بأن يتحمل أخبارًا أسوأ.
أهتز الهاتف أمامها ورأسُ ضيء في حضنها يغفُو، سحبتها قليلاً لتضع الوسادة أسفلها، نظرت للرقم لتُجيب بسرعة : ألو .. يبه
عبدالرحمن : هلا يبه . . . وينكم فيه ؟
رتيل برجفة الكلمات التي تخرج من بين شفتيها : مدري طلعنا من باريس بس بالضبط ماأعرف
عبدالرحمن : وداكم عبدالعزيز؟
رتيل : إيه تركنا هنا وراح
عبدالرحمن : ضي وينها ؟
رتيل : نايمة
عبدالرحمن الذي أستغرب نومها في هذه الساعة، لفظ بخوف : فيها شي ؟
رتيل : لآ بس يمكن تعبت من اللي صار ... يبه وش بيصير علينا . . أردفت جملتها الأخيرة برجفةِ أسنانها.
عبدالرحمن : بجيكم إن شاء الله بأقرب وقت، الحين بخليهم يرسلون لكم حرَس وتطمنوا .. طيب يا قلبي . . . . كان يُهدئها بكلماتِه في وقت لم يستطع أن يُطمئن قلبه.
رتيل وتختنق بغصتها : وعبير ؟
عبدالرحمن : وعبير بخير .. مو صاير لها شي بإذن الله
رتيل : لآ تخبي علي شي
عبدالرحمن : يبه رتيل تطمني إذا مو بكرا إن شاء الله اللي بعده أنا عندكم . .
رتيل لم تتمالك نفسها أكثر لتبكِي ومن بين دموعها : يبه كيف أصبر لبكرا ولا اللي بعده! والله خايفة لو صار شي مقدر أتصل على أحد .. عبدالعزيز مو هنا ولا عمي مقرن موجود
عبدالرحمن ويشعرُ بأن هذا فوق طاقته، بكاء إبنته الأخرى يعني موتٌ فعلي لخلاياه : رتيل حبيبتي قلت الحين برسلكم حرَس وبحدد مكانكم بعد . . ريحي نفسك
رتيل بنبرةٍ باكية : يبه المكان يخوِّف . . تكفى خل أحد نعرفه يجينا ..
عبدالرحمن بضيق : يا يبه قلت لك بيجونكم حرس تطمني .. أنا الحين بشوف لي أيّ حجز عشان أجيكم اليوم قبل بكرا بعد!
رتيل : طيب
عبدالرحمن : أنتبهي لنفسك و أنا كل شوي بتصِل عليكم عشان أتطمن .. أتفقنا ؟
رتيل : طيب لأن جوال ضي ما بقى فيه رصيد كثير يمكن مانقدر نتصل إحنا .. تكفى يبه أتصل بعد شوي
عبدالرحمن : إن شاء الله يا عمري ... مع السلامة ...
عبدالله : عبدالعزيز تاركهم وين ؟
عبدالرحمن : شكله مسكنهم في بيت برا باريس! الحمدلله تطمنت عليهم واثق متأكد أنه عبدالعزيز مستحيل يسوي شي بدون لا يتأكد. . . بخليهم يرسلون حرس لهم ويشوفون الرقم وش إحداثياته
عبدالله : كويّس على الأقل نضمن سلامتهم ونفكر برائِد ومصايبه اللي ماتنتهي.

،

يخترق عتمة الغرفة بدخُوله، لم يراها منذُ أمس، نظر لجسدِها الملقى على السرير ويبدُو أنها تغرقُ بنومها، أنتبه لزجاجاتِ العطر المرمية على الأرض، كالعادة تُفجِّر غضبها برميْ الأشياء، دائِمًا ما كُنتِ عنفوانية يا غادة حتى بحُبكِ ليْ، أُريد أن أعرف شيئًا واحدًا كيف تنكرين هذا الحُب؟ الحُب الذي يعني قلبك، جسدك، عقلك ، حواسك، حياتُك وأكسجينك؟ كيف تصبرين على هذا الإختناق بتوحدك مع نفسك دُوني؟ وضع قدمِه خلف قدمه لأخرى لينزع حذاءه بها، ويعاودُ حركته مع القدمِ الأخرى، وضع معطفه على الكرسي ليسحب الفراش برفق، ويدسُّ جسده خلفها، أحاط بطنها بذراعه ورأسه يغرقُ بشعرِها الطويل . . . .

،

أخذت نفس عميق منذُ أن وصلت لبيته وهي لم تنطق كلمة واحِدة، تكاد تنفجر من صمتها وهدُوء الأجواء حولها، وقفت وهي تتشابك مع يدِها، تحاول أن تجهِّز كلماتها في عقلها وتسترجع عباراتها، يجب أن أتفاهم معه أن يعرف كيف يضع حدُوده معي، ويفهم أنني عُدت لأعطيه فرصةً ثانية وليس لأعطي نفسي فرصة، أنا لم أخطىء وهذا ما يجب أن يفهمه السيد ريَّان.
خرج من الحمام و المنشفة السوداء تُغطي جزءه السفلي وتُعرِّي صدره، بلعت ريقها لتضيع كل الكلمات التي جهزتها لتُلقيها بوجهه بعد أن شعرت بأنه لا نية له للحديث والنقاش . . .

،

في ضوضاءِ الخُضرةِ المزهرة تتذبذب الأصوات يمينًا ويسارًا، سمعت صوتُ السيارة خارجًا ولا بيت بجانبهم حتى تُخمن أنه لاحدٍ آخر، بلعت ريقها بخوف لتهمس : مو قادرة أتصل! مافيه شبكة!!
ضي وتشعرُ بحاجتها للتقيؤ حالاً : كبدي تقلب!
رتيل بتوسل : تكفين بس هالدقيقة!!!

،

سمعت صوتِه وهو يقترب من الباب، وعقلها يخيطُ حيلةً للهروب، أستلقت على الأريكة وهي تمثِّل النوم مغمضة العينيْن . . .

.
.

أنتهى نلتقي بإذن الكريم يوم الجمعة.




إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()

لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.

و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.


أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة


*بحفظ الرحمن.




 
 

 

عرض البوم صور طِيشْ !  
قديم 21-12-12, 11:41 PM   المشاركة رقم: 65
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
ليلاس متألق



البيانات
التسجيل: Mar 2012
العضوية: 240258
المشاركات: 744
الجنس أنثى
معدل التقييم: طِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالقطِيشْ ! عضو متالق
نقاط التقييم: 2673

االدولة
البلدSaudiArabia
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
طِيشْ ! غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طِيشْ ! المنتدى : القصص المكتملة (بدون ردود)
افتراضي رد: لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية

 

-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()



كل عام وقطر بألف خير وعسى دياركم عامرة :$ لحد يقولي بدرِي ، تعرفون أنه نظام عقلي وصخ ودايم ينسى، المهم عسى الأفراح ما تفارقكم ويحفظ لكم شيوخكم وأمن بلدكم وبلاد المسلمين أجمعين ()

هذا الأسبوع راح نتوقف لأنها إختباراتي الفاينل وكان مفروض نتوقف من الأسبوع اللي فات لأن بكرا عندِي فاينل بعد بس عشان خاطركم والله تستاهلون أكثر من كذا، بنلتقي إن شاء الله الجمعة الجايَّة وبعدها راح نوقف فترة إختبارات المدارس بكبرها، يعني آخر بارت لنا 66 وبعدها نلتقي في الإجازة إن الله عطانا عُمر. + وشكلي بكتبها قبل كل بارت عشان محد يقولي بارت قصير : ( هذا البارت بالضبط عدد صفحاته 20. وتذكروا دايم أنه الرواية أسبوعية صعب تكون البارتات أطول من كذا وإن طالت ما تجي أكثر من 23 أو 22 + بارت اليوم هو تفاصيل لأحداث رئيسية جايَّة بإذن الكريم – ركزُوا بكلماته لأنها راح تنعاد على ألسنة أبطال ثانيين - ، و شيء ثاني بقوله هذا وانا دايخة وبنام بس شكلي راعية طويلة :p بطلت، المهم أقرأوا ولا تشغلكم عن الصلاة ( ) ودايم أعرفوا أنه الرواية تنتظركم لكن الدراسة/المستقبل ما ينتظركم.



رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ !
الجزء ( 65 )


المدخل لـ فاروق جويدة .

لو كنت أعلم أنني

سأذوب شوقا في الألم

لو كنت أعلم أنني

سأصير شيئا من عدم

لبقيت وحدي

أنشد الأشعار في دنيا.. بعيدة

و جعلت بيتك واحة

أرتاح فيها.. كل عام

و أتيت بيتك زائرا

كالناس يكفيني السلام..



ويدسُّ جسده خلفها، أحاط بطنها بذراعه وملامحه تغرق بخصلاتِ شعرها الطويلة، يا ليلي أنتِ! إني لوجه الله أترك الحياة أمامِك، لأجلِ الحُب أتركها ولكن! عيناكِ ما سرُّها؟ ما سرُّ النكران وأنا محجرُها يا غادة. تعالي، أقبلي كحشدٍ مستبِّد إني أرضى بإستبدادي، أقبلِي كحكومةٍ ترأسني إني أرضى بظُلمي، تعالي لأقُول لكِ فقط أني أحبك، تعالي كـ غادة، كروح غادة، كعيْنِ غادة، تعالي حتى أعيش، حتى أتنفس بصورةٍ طبيعية، أنا والله من بعدكِ لم أرى شيئًا يستحقُ العيش وكيف أرى بعد أن كُنت أرى الغديرُ من ضحكتكِ ينساب؟ والجنَّة بين هدبيْكِ تُرى؟ كيف أرى بهذا العالم شيءٌ يستحق التأمل وأنتِ كُنتِ حبيبتي؟ كُنتِ يا غادة والآن؟ هل تكفي المساحة؟ هل تكفي لأقول " آآآه " هل ستشعرِين ببحَّة قلبي ؟ قاسية جدًا قاسية على رجل يراكِ من هذا الكونُ كونًا آخر، قاسية على رجلٍ يُقدّم لكِ قلبهُ قربانًا ؟ أستجيبي .. من أجل الله أستجيبي ليْ لمرَّة، قولي أنكِ أشتقتِ! لا تتركيني أمُوت ولم أسمعها منك! لا تتركيني أغرق وصوتُك طوق نجاتي. لا تتركيني يا غادة وأنا عطشان، تعالي و أرويني بماءِك، - يستنشق عنقها ليشدَّها نحوه أكثر بوجعٍ أكثر – هذا الجسد كيف ينساني؟ وأنا الموشومُ بك من مفرقِ رأسي إلى أقدامي! هذا الجلد الذي يحبسُ كلماتنا وضحكاتنا كيف تفكرينه بهذه الخشونة! كيف تمحين – قلبي – بسهولة. أنا حزين! حزين جدًا وأشعرُ بالوحشة رُغم أن جسدك يُدثرّني.
تحركت وهي تتضايق من حصاره، فتحت عينيْها لتنظر إليْه بجمُود بعد أن نامت و بكائِها يتلحفها، حاولت أن تسحب ذراعها ولكن لا حيلة للهروب ويديْه تُثبتها من كل جهة، بهمس مبحوح : ممكن تبعد!
لا يُجيبها ليغمض عينيْه ورأسه يضعه على كتفها، وبمثل همسها أوجعها : إذا كان بُعدك واقع أتركيني على الأقل أحلم.
غادة صمتت لثواني وكلماته تصبُّ في قلبها كندباتٍ مالحة : لا توجعني أكثر .. أتركني لو سمحت.
ناصر بلهيبِ أنفاسه يشدُّ عليها حتى كادت تدخل به : لا تقولين لو سمحت
وتشعرُ بالألم من قبضته على جسدها : ناصر أتركني أوجعتني
ناصر بهذيانِ حُمى الحب : 5 سنين كيف تنسينها ؟ أنتِ اللي أوجعتيني .. شوفي وش سويتي فيني! مريض فيك وتعبان منك ..... ليتني ماعرفتك . . ليتني صدقت موتك وبقيت عليه، أحزن عليك ولا أضيق منك!
نزلت دمعتها بنهايةِ كلمته الأخيرة، وإن نسيتُ من أنت ولكن هذه الكلمة تُهين قلبي الذي لا يشعر بك، تُهينه لأنه متخم بالكبرياء الذي لا يروق له بأن أحدًا يندمُ على معرفته به.
يُكمل بصوتٍ ينامُ به الحزن : كنتِ تقولين الحب ما يموت! كلهم يشهدون عليك! هالجدران هذي تشهد عليك! ليه مات في صدرك حُبي؟ ليه ذبحتيني وأنا المتشفق عليك! . . . . مين المخطي؟ انا ولا أنتِ! . . قلبك هذا من أيش؟ قلبك هذا أناآآ . . وين ضيعتيني ؟ وين تركتيني ؟ . . .
وبهمسٍ يمُوت تدريجيًا : رديني . . ردِّي لقلبي حياته
تتحسسُ الحمرّة التي تنسابُ من صوته، يندفعُ قلبه بإتجاهِ صدرها الرقيق، أستسلمت من قوَّاه بين ذراعيْه، لم تستطع أن تقاوم وأفلتت كل وسيلة للمقاومة بعد كلماته، كيف تكون لهذه الكلمات حوافٍ حادة تقتلني بهذه الصورة؟ يالله يا ناصر! لو أنني فقط أسترجعُ نفسي حتى أعرفُ كيف أسترجعك.
همست بين ظلامِ الغرفَة والهواء العابر دُون أن يغطيهما شيء، كانت أجسادِهم الباردة تُدثِّر نفسها بنفسها والفراش يُغطي أقدامهما فقط. : عطني وقت! بس وقت عشان أصلح نفسي.
ناصر وهو مغمض عينيْه : عطيني عُمر! وأوعدك بالوقت.
شدَّت على شفتيْها حتى لا يخرج أنينها، لم تستطع أن تتمالك نفسها أمام كلماته المندفعة بعاطفته، هذه العاطفة الرجولية تكسرها بعنف، بضراوة لم تتوقعها. ببحَّةِ البكاء وعيناها تغرق بالدمع وهي لا تستطيع أن تلتفت إليْه ما دام ظهرها يلاصق بطنه وهو يستلقي على جانبه الأيمن : تكفى ....
ناصِر : تبين تبعدين؟ تبين تصلِحِين نفسك بعيد عنِّي! يا قساوتك
غادة وضعت يدها على ذراعيه وهي تحاول أن تفكّ قيده على جسدِها : أرجوك . . والله مافيني طاقة أتحمل كل هذا
ناصر بعنف يشدّها أكثر وهو يضغط على بطنها حتى شعرت بأنه يخترق جلدها ليطحن أحشائها بقبضته، وبنبرةٍ حادة تتركها تصرخ بألمها : أنتِ ليْ.
بضيق حنجرتها : آآآه . . خلاص .. تكفى خلااااص أوجعتني
بغياب الوعي التام يؤلمها بمفاصلِ يدِه المشتاقة، أزداد بضغطه وأزدادت بألمها، غرزت أظافرُها في ذراعه وهي تهمسُ بين أنفاسها المضطربة : نااااصر ...... كافي .. كااااااااااااااافي
بهذيان : تتذكريني! متأكد أنك تتذكريني مستحيل تنسيني لكن فيه شخص ثاني بحياتك! فيه شخص تبينه ..
فتح عينيه ليُكمل : تبينه صح؟
غادة : ماأبي أحد . . أتركني واللي يرحم والديك
ناصر : تبين وليد؟ . . . وليد بسنة خلاك تنسين 5 سنين من عُمرك! أنا بس بسألك شي واحد وبعدها بتركك
أرخى يديْه لتتنهَّد براحة بعد أن شعرت بالغثيان من معدتها، أستلقت على ظهرها وهو يفكّ قيد جسده منها، نظر لعينيْها المُضيئتيْن بالدمع كما تُضيء السماء في هذه اللحظات بماءها.
أردف : مين قال أنه المطر أنت وأنه السما ما تشبه إلا عيونك ؟
غادة تجمدَّت حواسُها في لحظةٍ لا تعرفُ ماهية نبرةُ الأحداث التي تجري على لسان ناصر.
أبتعد ليقف، يُراقب شفتيها، لا يُريد أن يفقد الأمل و موسيقى الحزن تضربُ في قلبه، أنتظر لدقائِقٍ طويلة وهو ينتظر جواب! لاتصمتِي! هذه المرة أرجوكِ اكذبي وقولي أنا وجهتُ هذا الخطاب لعينيْك. من أجل الله لا تكسري مجاديفُ الأمل في قلبي.
أرتجفت شفتيْها ليشعُر بأملٍ أن تتحدَّث ليُصدَم بفظاعة الخيبة وهي تنطق : تضغط عليّ كثير.
من يداوي الخيبات في صدرِي؟ من يشقّ طريقه لقلبِي ويضمِّد جراحه؟ من يعتذر عنها نيابةً؟ من يعتذر عن حزني هذا وسأعفُ عنه! أنا أحتاج وبشدَّة لشخصٍ يقرأ عليّ آياتِ السكينة، أن يقول " وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ " علَّه ينتشلنِي من وعثاء الحياة، يالله لا تُميت بي الحياة بهذه الطريقة.
تراجع بخطواته مضطربًا، وصوتُها الخمري يغشى عليه ليستذكر ذاك اليومٍ الماطر أسفل سماءُ باريس كان صوتُها أغنية، كيف تنسى لحنها؟
بتراقصات المطر تسيرُ معه وذراعها تتأبطُ ذراعه : أعلمك شي !
ناصر : وشو
غادة : جايني حس الشاعرية اللي عندك
وترجفُ شفتيه من البرد وأنفاسه البيضاء يزفرها : سمعينا
غادة تتنحنح لتُردف بصوتٍ عذب : و أعطشك! وأنت المطر وهذي السماء ما تشبه إلا عيُونك.
ناصر بإبتسامة شاسِعة : الله الله صح لسانك! . . . يسمح لي مقامك أني أرد عليك ؟
غادة بخجل شفاهِها التي تُصيِّر أنفاسها للبياض وهُما يدخلان الممر المغطى حتى يقيهما من المطر : إيش ردِّك؟
ناصر يقف لتلاصق أقدامه أقدامها ويدِه تُلامس ظهرها الناعم وعيناهما تُغنِي الصمت: البدر يقول .. انا قلبي عصفورك وباقي الصدر اعشاش.
عاد لواقعه، لِلاإتزان الذي يتشكلُ بها، أعطيني الكلمات حتى أسترجعك أغنية، أنا عرفتُكِ لحنٌ لا ينسى كيف قطَّع أوتارهُ ونسى؟
كيف نسى وأنا قرأتُ على قلبك المعوذتيْن و " أحبك " ، كيف نسيَ صخبُ القصائِد المقروؤة بيننا، قلت لكِ مرّة بلهجةِ مُهندس الكلمة " إنتِ عيونك هالمدى بحر وطيور مهاجرة " والآن بمثلِ القصيدة أُعيد لكِ المقطع " إنتِ عيونك نجمتين ضي ورا ضي يعود، ويادوب غابوا ليلتين خلو شموس الكون سود ، رحتي ولا ظنك تجين .. وين الوعد يامفارقه "
أتجه خارجًا وقلبهُ يسجدُ بحزنه ولا يضربُ بأوتارِ صوته سوى جملة مبحوحة – وين الوعد يا مفارقه ؟ -.

،

خرج من الحمام و المنشفة السوداء تُغطي جزءه السفلي وتُعرِّي صدره الصاخبُ بعضلاتِه المشدودة، بلعت ريقها لتضيع كل الكلمات التي جهزتها لتُلقيها بوجهه بعد أن شعرت بأنه لا نية له للحديث والنقاش، بللت شفتيْها بلسانها لتُردف : ممكن أحكي معك شوي!
ريَّان : طيب ممكن ألبس أوَّل ؟
شعرت بالإحراج يدبُّ بوجهها كقبائلٍ محمرَّة، أخذت نفس عميق لتُغمض عينيها لثواني معدودة حتى تتخلص من ربكتها : قصدي بعد ما تلبس . . . أبتعد متجهًا ليرتدِي ملابسه، أستغرق دقائِقه الممتدة ويستلذُ بجعلها تنتظر طويلاً، خلخل أصابعه بشعره المبلل وهو يتجه نحو الأريكة المقابلة لها : إيه وش عندِك ؟
ريم : أنت ما ودِّك تتكلم معي بشي؟
ريَّان ببرود وهو يسند ظهره على ظهرِ الأريكة : لا
ريم تحاول أن تُرخي أعصابها وأن تُطيل بمزاجها الهادىء معه : أظن صارت أشياء لازم نحكي فيها
ريَّان : وش الأشياء ؟
ريم : ليه تحكي معي وكأنه ما صار شي؟
ريَّان : يعني تبيني أناقشك بإحترامك وأنك طلعت بغيابي وبدون إذني؟ ولا أقول كيف أخوك الكبير المحترم جاء من الرياض عشان ياخذك! ولا أثقفك بواجباتك وبأنك ملزومة ما تطلعين بإذني! وأظنك تعرفين بالدين وتعرفين وش الواجب وش المحظور!
ريم بهدوء : الحين رحت عند أغلاطي وما شفت وش سويت قبلها! أنا بحياتي كلها ما أنمدت يد أحد عليّ وأنت بسهولة تمدَّها! وأظنك بعد تعرف بحقوقي اللي عليك!
ريَّان : أنتِ الغلطانة من البداية وحطي هالشي في بالك
ريم : لا ماني غلطانة! صبرت في تركيا وقلت معليش بس أنك تحرجني قدام أهلك كل يوم وكل ما سألوا عنك سكت وما عرفت كيف أجاوبهم ! أبسط شي عنك أنا أجهله! وفوق هذا طول اليوم طالع من الصبح لين الليل ماأشوفك ولا تشوفني! و لو مااصحى قبلك يمكن ما كان شفتك أبد!
وبإندفاع أكملت : يا روحي أبسط الأشياء اللي مفروض تكون بيننا معدومة.
صمت ينظرُ إليْها بعينٍ ثرثارة لا تفهمُ ريم منها شيءً سوى جمودها، أطال صمته لتقطعه ريم : ليه سكت؟ يالله برر ليْ
ريان : لغة نقاشك ما تعجبني!
ريم أمالت شفتها السفليَة : وأيش يعجبك إن شاء الله ؟
ريّان يتجاهلُ كلامها الأخير : أولاً أنا ما قصرت عليك بشي! لكن أنتِ اللي تبدين بكلامك وتستفزيني وأنا إنسان عصبي! يوم مديت إيدي عليك شوفي من بدآ .. كنت أسألك وكنتِ مستفزة بأجوبتك يعني أنتِ كنتِي تبينها من الله عشان تختلقين مشكلة. ثانيًا سالفة أنك تبشرين أهلك عند كل مشكلة تصير هذي كارثة بالنسبة ليْ! منتِ بزر عشان تخلين أخوك يدري عن أدق الأشياء اللي بيننا
ريم بسخرية : هذا إذا بيننا أشياء
ريَّان بهدُوء : شفتي ! لاحظتي نفسك كيف تتكلمين! وتبينا نتناقش بعد .. الكلام معك ضايع لأن أنتِ حتى السلام ويخب عليك بعد . . . وقف.
ريم بعصبية أحمرّت بها عيناها : لما يكون كلامي كِذا فهذا يعني أني مقهورة! ولاحظ أنه عمري ماأهنتك بكلامي لكن أهين المضمون نفسها لكن أنت! تهينني عند أول كلمة .
ريّان بضيق : طيب يا ريم
ريم تكتفت وهي تقف : وشو طيب؟
ريَّان : أعطيكِ إياها من الآخر. . أنا بالزواج ما أمشي .. خليك هنا معززة مكرمة لا تناقشيني ولا أناقشك لك حياتك ولي حياتي .. أتفقنا ؟
ريم أرتجفت أهدابها لتُردف : كيف لي حياتي ولك حياتك؟
ريَّان : أنا وياك ما نضبط مع بعض فخلينا منفصلين أحسن لي وأحسن لك
ريم : وش مفهوم الزواج عندِك؟
ريّان :تأكدِي أنك منتِ فاهمته بعد.
ريم : طيب ليه رجعتني ؟
ريَّان بإذلال : مزاج!
ريم بهدُوء يُغطي ثورة حزنها وغضبها : وأنا تحت رحمة مزاجك ؟
بصمت أعطاها ظهره، بحدَّة أوقفته : دام ما أنتهى كلامي ما تعطيني ظهرك وتروح!
ريَّان ألتفت عليها وبنبرة ساخرة : أبشري عمتي .. أيّ أوامر ثانية ؟
ريم بغضب سارت بإتجاه الحمام لتصفع الباب بقوَّة، تشعُر بغضبٍ عارِم يستدعي بها الحال أن تكسر كل شيء أمامها، أن تُفرغ كل هذه الشحنات و الشتائِمُ تتوافد على لسانها، أنا الغبية التي خططتُ للزهر الذي سيعانق احلامنا ولم أرى الأحلام بعد، أنا الغبية التي فكرتُ بالحدائِق ونسيتُ البذور! أنا الغبية التي رأيتُك حياةً ثانية وجئت موتٌ أثبت لي بأن هُناك موتٌ في الحياة لم نلحظه بعد.

،

أقتربت من النافذة بخُطى مرتبكة عينٌ تراقب ضي الملتوية حول نفسها وعينٌ أخرى تحاول أن تتلصص لِمَا خلف الستار، خشيْت أن ترى شيئًا مروعًا، وقفت عند النافذة كثيرًا ولا تملك الجرأة أن تُبعد الستارة قليلاً حتى تنظر وتتأكد، قرأت كل الأذكار التي تحفظها وكل الآيات التي أتت على بالها، قطع كل شيء رنين الجرس الحاد الذي أشعل في قلبها خوفٌ ما بعدهُ خوف،
ضي برجفتها تُقطِّع أظافرها بأسنانها: يمكن اللي جايبهم عبدالرحمن!
رتيل ألتفتت عليها وهي تضيعُ بالكلمات حتى تلحفت بالصمت، شدَّت على بلوزتها الصوفية الواسعة وشعرُها الداكن المموَّج يصطف خلفُ ظهرها، أتى صوتُه الرجولي الصاخب : يا أم سعود!!!
ضي شعرت بأن راحة الكون هبطت على قلبها لدقائِق، رتيل تنهدت لتقف خلف الباب : أيوا
: أنا نايف أكيد قالكم بوسعود .. على العموم راح أكون برا إذا أحتجتوا أيّ شي.
رتيل : طيب يعطيك العافية . .
أختفى صوته لتخطُو بسرعة نحو الشباك وتفرج جهةٍ بسيطة حتى ترى بوضوح : إثنين مو واحد
ضي : الحمدلله ..
أتجهت نحوها : للحين يوجعك بطنك ؟
ضي : تقلصات تجي وتروح
رتيل بعفوية : هُم اللي يحملون كذا ولا ممكن شي خطير!
ضي وتُشاركها جهلها بهذه المعلومات : لا أتوقع طبيعي .. إن شاء الله طبيعي لأن من فترة وهي تجيني
رتيل : طيب بسوي لك شي تآكلينه . . . تقدمت نحو المطبخ المكشوف على الصالة، أبتسمت وهي تنظر للأغراض التي أشتراها عبدالعزيز : وش ودِّك فيه ؟
ضي بخمُول تستلقي: أيّ شي
رتيل : طيب لا تنامين . . . أفرغت الأكياس لتُلملمها بكفُوفِها حتى ترميها، أتجهت نحو الرفُوف لتستكشف الأغراض والأواني، أخرجت كُوبيْن وطبقيْن لتُغسلهما جيدًا، بدأت تبحثْ بأسرع شيء تصنعه، قلبت كيس المعكرونة بين يديْها لتبحث عن إناء تضعه بها، أستغرقت دقائقها الطويلة وهي تبحث بكل درج، حتى وجدته غسلته جيدًا لتبدأ طبختها السريعة، أسندت ظهرها بجانب الفرن بإنتظارها أن تنضج، لتغرق عينيها بالطعام المعلَّب والأكياس الصغيرة، أنتبهت للصلصة، تقدَّمت إليها لترفع عينها لضي : ضيوو لا تنامين ..
ضي بصوتٍ ناعس : صاحية . .
رتيل تفتح الصلصة لتُردف : الكولا مضرة للحامل ولا ؟
ضي : لا ما أتوقع يعني عادي
رتيل : تشربين عصير مع مكرونة ؟
ضي : وش جوك رتيل !!
رتيل أبتسمت محاولةً تجاهل كل هذه الظروف : فيه ناس يشربون عصير والله! عشان نتطمن أكثر ..
ضي وهي تمسح على وجهها : طيب .. خلصي هالشي اللي مو راضي يخلص
رتيل عادت للفرن لتُغلقه، وزعت المعكرونة على الطبقيْن لتضع فوقهما الصلصة، أخذته لتجلس بمُقابل ضي : طيب نقدر نطلع مع هاللي إسمه نايف! على الأقل نرجع بس نجيب ملابسنا
رتيل : لآ مستحيل! خلينا هنا أخاف يصير شي هناك! . . نكلمهم نخليهم يروحون يجيبون لنا .. يعني واحد يجلس معنا والثاني يروح يجيب!
ضي : لا فشلة!
رتيل : أجل كيف نطلع؟ . . طيب أطلع أنا وتجلسين أنتِ مع واحد فيهم؟
ضي : أخاف عبدالرحمن يعصب!! أو يصير شي لا سمح الله
رتيل : لآ ماني راجعة لباريس نشوف شي قريب من هنا! . . بطاقتي معي
ضي : بس يتصل أبوك نقوله

،

سمعت صوتِه وهو يقترب من الباب، وعقلها يخيطُ حيلةً للهروب، أستلقت على الأريكة وهي تمثِّل النوم مغمضة العينيْن، فتح الباب ليطِّل عليها، نظر لهدُوئها وغرقها بالنوم، تقدَّم إليْها ليجلس على ركبتيْه فوق السجَّاد بمُقابلها، فرصَة تأملها وهي هادئة مغرية جدًا لعينيْه، وضع يدِه على جبينها ليسحبها لفوق حتى يُزيل حجابها، لأولِ مرة يرى شعرها بطبيعته بعينيْه وليست بعينِ الصور، وإن حسبتُ عمري فإن ميلاده بين خصلاتِ شعرك ونُضجه عندما أبصرك، وإن عددتُ كم من موتٍ عشته؟ فهي كل اللحظات التي قضيتها وحيدًا وأنا منذُ أحببتك جربت لأولِ مرة كيف يكون العيش، كيف أتنفس بصورةٍ منتظمة وأنا أستشعرُ بالهواء الذي يدخل إلى رئتي، كانت حالة الحُب ومازالت ذنبُ الحياة الذي لم أطلب غفرانه يومًا ولم أطلبُ نسيانه، أتلذذُ بهذا العذاب القهري وعيناكِ مغفرة، أتلذذ بقساوة أهدابِك التي تُشبه الحدائِقُ الغنَّاء، على الداوم تُغريني للرسم، تُغريني للكتابة، أنتِ الملهمة في كل شيء وفوق كل شيء. هل أبتسم لأنك زوجتي وهذا الحلمُ أصبح واقع أم أحزن لأنكِ ليست زوجتي بالمعنى الصحيح! ولكن لي الحق أن ألمس شعرك الذي أحب، لي الحق دُون أن يغضب الله منَّا بأن أتحسسُ ملامحك.
شعرت بقلبها يرتبك مع لمساتِه، وشعرها الذي بدأ يتخلخله الهواء، أندفعت الحُمرة من صدرها لتسحب من أسفل جسدها العصَا الخشبية التي كسرتها من الكرسي حتى ضربته بها، أنحنى ليضع يده على رأسه، في جهةٍ أخرى هرولت سريعًا كانت ستسحب حجابها ولكن لم تستطع، تركته لتخرج من الغرفة، نظرت للمساحة الواسعة من الشقة التي شعرت لوهلة أنها بيْت، تقدمت نحو الباب الخارجي لتفتحه لتشعر بأن الحظ يبتسم لها وهي تنظرُ للدرج الخاص بالعمارة خاليًا، نزلت سريعًا لتقف بالمنتصف وهي تسمع الأصوات التي بالأسفل، أقشعر جسدها من الحرس الذين لمحتهم، لم تُفكر كثيرًا وهي تشعر باليد التي تلفُّ ذراعها، دُون أن ينطق شيئًا سحبها للأعلى، أدخلها الغرفة ليغلقها وبغضب بعد أن تجرَّح رأسه ونزف بدماءِه : المنطقة كلها رجال أبوي! يعني وين مارحتي راح يشوفونك!!! أفهمي هالشي!
عبير بضيق : أبغى أطلع
فارس بعصبية أنفجر : يالله أطلعي وريني كيف بتطلعين
عبير أختنقت محاجرها : لآ تصارخ عليّ!
فارس تنهَّد : ليه مو راضية تفهمين؟ قلت ماراح أضرِّك بشي! والله يا بنت الحلال ماراح أقرب لك . .
جلست على طرفِ السرير السُكرِي ذو النقوشات السوداء، أخفظت رأسها لينساب شعرها عليْها، تفقد الأمل في كل لحظة تمِّر، تفقد الأمل في الخروج من هذه الدوامات، أنا التي بقيتُ لأيامٍ أواجه أرق حُبك كيف تأتِ بهذه السهولة؟ كيف بهذه البساطة يحدث كل هذا دُون ان أفكر، متى أتطهرُ من هذا الذنب؟ كيف أكفِّر عنه؟ . . ويبقى حُبك مشيئة وأنا التابعيةُ له.
فارس بهدُوء : عبير
عبير : ماأبغى أتكلم معاك، ممكن ؟
فارس بضيق يسحب الكرسي ليجلس وبين يديْه حجابها : وأنا ماراح أتحرك من هنا
عبير غطت ملامحها بكفيّها لتدخل بغيبوبة بكاءها الصامت.
يتأملها بخفُوت، ينظر لتلاعب خصلات شعرها وتبادلها الأدوار لتغطية وجهها، لو كان لهذه الخصلات صوت؟ أكانت ستصرخ بعراكها على ملامحها، لو أنني فقط أستطيع أن أتقدم خطوة إليْك دُون أن تضجري لمَا ترددت.
أطالت ببكائها وفوق ما يتصوَّر تؤثر به، تغزي قلبه بحنيَّةِ السماء والأرض معًا، أنحنت لتنزع حذاءها دُون أن تنظر إليْها بينما هو كان لا يرمش من مراقبة تفاصيلها الدقيقة، أخذت خصلة من شعرَها لتعقد بها بقية خصلاتها كذيل حصان، مسحت دموعها وهي تتجاهل وجوده، مدَّت أكمامها لتُدفىء كفوفها وعينيها الباكية مثبَّتة على الطاولة.
لم يستطع أن يقاوم هذا الجمُود وهذا الصمت وهي أمامه، وقف متجهًا إليْه لترفع عينيْها والإعتراضات تتضح من نظراتها. : بردانة ؟
عبير بقيت صامتة وعينيها بعينيْه، هذا الأسمر هو الذي كان يواصِلُ غزو قلبي طيلة الشهور الماضية، هذه العينيْن " الولعانة " هي التي كانت تستشف حالتي وتواسيني، يا سُلطة الجمال إذا نضجت عند الرجال! يا قوة هذه السلطة. كيف أفلت منها؟
شعر بأنها تسرح به، ليُعيد سؤاله : عبير بردانة ؟
أخذت نفس عميق وشفتيْها ترتجف : لا . .
فارس : محتاجة شي؟
عبير بربكة كلماتها : أبغى أكلم أبوي
فارس صمت لثواني طويلة حتى أردف : مقدر
عبير شدَّت على شفتها السفليَة تُصارع قوَّاها الداخلية التي تنهار، لم تعتاد أبدًا أن تمر أياما دُون أن تسمع صوت أبيها، تشعر بإشتياق فظيع إليه، إشتياق الخوف من الفقد. تجمَّعت دموعها في محاجرها حتى تضببت رؤيتها، لم ينزل على خدها شيئًا بقيت معلقة هُناك لتُضيء عينيها.
فارس حنّ عليها وعينيْها كيف تحبس الدمع لوحدها بالنسبة له مصيبة عاطفية : ترسلين له مسج ؟
عبير بنبرةِ باكية : أبي أسمع صوته
فارس : مقدر! والله مقدر . .
عبير مدت يدَها لتسحب الحجاب من بين يديْه ولكن ثبَّت يديْها به، أرتجفت أطرافها لتحاول أن تسحب يدها ولكن كانت قبضته أقوى، رُغمًا عنها وقفت وهي تتقيَّدُ بين أصابعه، تلامست أقدامها المغطاة بالجواربْ السُكريَّة بأقدامه، أختلطت أنفاسها البيضاء بأنفاسه، تثبتت نظراتها بعينيْه وصدرها يضطرب بقُربه، يعتلي بشهيق ويهبط بزفيرٍ موبوء، تمرُّ الثواني بضياع مرغوب، كيف أعتاد على إسمك؟ هذا الإسم الذي بين يوم وليلة أصبح يتعارك مع لساني بضراوة؟ كيف لأربعة حروف أن تُحدث كل هذا الضجيجُ بيْ ؟ كيف لكُوبليه إسمك أن يمرُّ كقصيدةٍ حادَّة تقف بثبات دُون أن يكسرها شطرٌ ولا بيتْ، ماذا أفعل؟ أنا واثقةٌ من شيء واحد أن عيناك إجرامٌ محقق وأن سُمرَةِ ملامحك لن يذهب ضحيتها إلا أنا. كُنت أجِد الصعُوبة في نسيانك وأنا فقط سمعتُ صوتك! كنت لا أعرف كيف أنساك وأنت تخترقني بكلماتك، والآن؟ مالحل؟ مالحل أمام كل هذا؟ إن كان نسيانُ صوتك صعب فما بالُ نسيان عينيْك و ملامحك وكل هذه الفتنة؟ و يا حُزني حين ظننتُك ماءً وأتيت ليْ بكل إحتراقٍ، يا خيبةُ الظنون ويا شرّ نارك يا فارس.
أخذت نفس عميق وهي تأخذُ شهيقها من أنفاسه القريبة، سحبت يدها بعد أن أرخى أصابعه، غطت كفيّها المشتعلة بحرارتها والحُمرة بأطرافِ كمّها، شتت أنظارها وهي تبتعد عدة خطوات للخلف.
فارس يسحب شال الصُوف الرقيق ليُغطيها به ويسكن رجفتها، بخفُوت : بكون برا إذا أحتجتِ شي . . وخرج.
لا تعرف كيف تُهذِّب رجفتها بمرورِ صوته الأسمر.
خرج لينظر لوالده الذي يفتح باب الغرفة التي وُضع بها عبدالعزيز، تبعه ليسمع سخرية والده : ماشاء الله فارس مو مقصِّر معقم جروحك بعد!
فارس يغلق الباب خلفه وهو يأخذ نفسٍ عميق.
رائد يضع قدمًا على قدم وهو يجلس بمُقابل عبدالعزيز الصامت الهادىء، يستفزُه بصمته وعيناه التي تنظر إليْه ببرود.
رائد بإبتسامة : بما أني رحوم وقلبي ما يقوى أشوفك بهالحالة! بجرِّب أسألك وش ودِّك فيه قبل لا تندفن؟
عبدالعزيز بمثل إبتسامته : صلِّي عليْ
رائد وشعر بأن براكينه تُثار، لم يُخفي فارس إبتسامته من جواب عبدالعزيز المستفز بصورة رهيبة.
رائد يُخفي الغضب بهدوءه : يعجبني فيك أنك تحاول تكذب على حالك! . . وقف متقدمًا إليْه وبيدِه المشرط المعتاد : أضيِّع خرايط وجهك؟
عبدالعزيز : إذا أنت عاجز تضيع هالخرايط على قولتك وأنا واقف قدامك بدون كل هالتقييد! فغيرّها بجلوسي لأنك ماتقدر تسوي شي الا وأنا منحني!
فارس بخطوات سريعة تقدَّم نحو السلاح المثبت خشيّةً من نفاذه نحوهما.
رائِد بغضبٍ كبير مرر المشرط الحاد نحو خدِه ليُدميه كما أدمى رقبته، ركل الكرسي ليسقط بقوة على الأرضية الرخام وهو مازال مقيَّدٍ لا يستطيع الإنفلات.
تحركت أقدامه ليُحرِّك فارس السلاح بإتجاه النافذة حتى نفذت الرصاصة وتناثر الزُجاج.
بعصبية بالغة يضع قدمه على بطنِ عبدالعزيز : لا تحاول تتحداني بشي أنت ما تقدر عليه! مفهوم؟
عبدالعزيز يشعرُ بغليانِ رأسه والدماء التي تثُور هناك، غشى على عينيْه الضباب وهو الذي لم يدخل بطنه شيئًا يمدُّه بالطاقة، نظر لرائد بهيئةٍ مقلوبة ولشفتيه التي تصوِّب الكلمات الخشنَة.
رائِد : ماهو من صالحك أبد! هذاني نبهتك . . أبعد قدمِه ليغرزها بقوة في بطنه الخاوي حتى يتقيأ دماءُ لثته التي جُرحت دُون أن يصدر صوتًا وهو يحاول أن لا يصرخ ويتحمَّل كل هذا.
خرج رائِد ليتركه عاقد الحاجبيْن من طعم الدماء السيئة في فمه، تقدَّم إليه فارس بحنق وهو يمسح وجهه من الدماء وملامح عبدالعزيز تذبل بشحُوبها، رفعه من ظهره ليستقيم على الكرسي، مسح شعره الذي ألتصق ببعضِ نثرات الأرض، فارس : يوجعك شي؟
هز رأسه بالرفض وهو يشتمُ كل شيء في داخله، تأتِ خيالاتِهم على باله بصورةٍ مُفجعة، ليتني ذهبت معكم ولم أشهد كل هذا، ليتني رحلت.
فارس يجلس على ركبتيْه ليُفكِك الحبال الملتفة حول قدمِه ليشدّ على عقدة الزناد فتنطلق رصاصةً أخرى وقبل أن تأتِ سحبه فارس ليرتطم خده الغائر بجرحه على الأرض.
: آسف يا عبدالعزيز ما توقعت أنه فيه رصاص . . وقف متجهًا نحو السلاح ليفكّ الحبل منه ويعُود إليْه ليرفعه وهو يشعرُ بأنه يموت فعليًا ولا طاقة له بالكلام.
فارس : كِذا تمام ؟
عبدالعزيز بصوتٍ يضيق : إيه
فارس سحب كرسي آخر ليجلس أمامه وهو يمسح على وجهه بعناءٍ شديد ويشعرُ بألمِ عبدالعزيز فوق ما يتخيَّل.
رفع عينه إليْه : أحد أتصل ؟
فارس يخرج جوال رتيل من جيبه : لا جوالك ما جاه ولا إتصال.
عبدالعزيز أخذ نفس عميق خشية من أن أمرًا حدث لهُما، لا يستطيع أن يوصِي فارس أن يذهب ليطمئن بعينيْه ورائِد يراقب خطواته.
فارس : إن شاء الله مو صاير لهم شي .. أبوي اصلا حاط في راسه أنت وعبير! . . . أنتبه لدماءُه تأتِ من رأسه . . أنتظر لحظة.
أتجه نحو المكتب ليخرج من الدرج حبات قطن، مسح رأسِ عبدالعزيز المتوجِّع بصداعِ الدماء المغلية في دماغه.
دخل رائِد بصورةٍ مفاجئة : أطلع!
فارس تنهَّد ليُمسك الهاتف الذي في حضنه ويُمسك عين رائِد معه التي تُدقق بكل شيء : هذا جوال مين ؟
فارس بهدوء : جوالي
رائد يقترب منه : عطني إياه
رفع عبدالعزيز عينه بغضبٍ كبير دُون أن يلفظ شيئًا.
فارس : الحين رضيت تسوي فيني كل شيء لكن بعد جوالي!
يسحبه بقوة وهو يعرف ماذا يُخطط له هذان الإثنان، فتح آخر المكالمات ليجِد – جنتِي ، عبدالعزيز ، عبدالعزيز ، جنتي ، ضي –
نظر لفارس بحدة : وش جايب جواله معك؟
فارس أخذ نفسٍ عميق دُون أن يجيبه بكلمة.
بغضب يتصفح الرسائِل ليجدها أحاديثٍ بضميرٍ أنثوي، فتح الصور لتتسع إبتسامته بخبث، مدّ الهاتف بوجه عبدالعزيز وكانت صُورة رتِيل العفويَة وهي ترفعُ عينها ولسانها خارجًا وشعرُها المموَّج ينعكسُ على ملامحها البروزنيَة، وبنبرةٍ مستفزة : هذي الحلوة حرم سيادتِك!
عبدالعزيز أشتعل بغضبٍ لا يوازيه غضب وهو يصرخ : و ربّ البيت لا أذوقك كل هذا في دقيقة
ضحك رائِد بسخرية : متى بتذوقني إياه إن شاء الله؟ في القبر؟ . . أنا شكلي بغيِّر رايي وبطلعها من تحت الأرض، على الأقل تسلينا
عبدالعزيز يشدُّ على شفتيْه ويشعرُ بحرقة الغبن في صدره، رفع عينيه المحمرَّة بالعصبيَة : والله العظيم يا رائد لو لمست منها شعرة لا أجننك بمعاملاتك الجاية والله ما يهمني شي لو تذبحني ولا يهمني لو تهددني بغيري .. لا أخلي سنينك هذي كلها تطلع من عيونك قدام شركائك!
رائد بإبتسامة هادئة : يعني تبي تساوم على عبير؟
عبدالعزيز بثقة : ما أساومك عليها! ولا راح أساومك على أحد! بساومك على تجارتك
رائد بحدَّة : والله وطلع لك لسان وتبي تساوم بعد
عبدالعزيز بغضب : أترك الجوال!!
رائِد بإستفزاز يتجه لصورٍ أخرى ولم تكُن هي صاحبتها حتى وجد صورةٍ أخرى بفستانِ زواج ريَّان، قدَّم الصورة المغرية له ليُثير كل الحمم البركانية في داخله، أهتز كثيرًا محاولاً الحركة وفك القيد حتى سحب فارس الهاتف من بين يدّي والده بشدَّة ورماه على الجدار ليتفكك قطعةً قطعة.
رائد ألتفت عليه بغضب وهو يُمسكه من ياقة قميصه : ناوي تبيعني عشان هالكلب!!!!
فارس بعصبية : لأن هالأسلوب ما أرضاه على نفسي!
رائد يصفعه بقوَّة دون أن يقاومه فارس، رُغم كل شيء لا يستطيع أن يدافع عن جسدِه أمام والده ولو أستطاع لقدَر أن يتوازى معه بالقوة الجسدية. دفعه على الجدار ليصطدم رأسه فوق إصطدام العصا الأولى، بحدَّة : صدقني محد بيضيِّع نفسه غيرك! للمرة المليون أحذرك لا تحاول تلعب من وراي معاه ولا والله ما تلوم الا نفسك! لأخليك تحلم بشوفة عبير فاهم! . . . وخرج.
فارس عدَّل ياقته التي أنشدَّت بحركاتٍ غاضبة و عبدالعزيز لا تهدأ النار بداخله، يشعرُ بالغيرة تأكل أطرافه كدودةٍ لا تفكّ عن تقطيع جلده وصورتها تأتِ كجحيمٍ لاذع، عيناها المكحلة بزفافٍ يجهله تُثير في داخله ألفْ علامة غضب وغضب.

،

يسجد على سجَّاد المسجد الخمرِي بعد إنتهاءِ صلاة العشاء، لتخرج دمعة القهر من عينيْه التي ذاقت كل أنواع القهر ولم تبكِي، ولكن هذه المرَّة الأمرُ يتعلق بـ - قطعةٍ من روحه - ، كيف يتحمَّل قلبي لذاعةُ الأمر و رُوحي تختطف! كيف أقف بثبات و إبنتِي بصورةٍ لم أتوقعها يومًا تتزوج هكذا! لم أفرح بأيّ منهما، لم استطع أن أسعد ليومٍ واحد! يالله أنت تعرف قيمة الأشياء بقلبي، أن هذا العالم لا يعنيني والله لا يعنيني ولكن " بناتي " لا ترني بهن مكروه، لا تُذيقني حزن واحدةٍ منهن، أنا والله أحترق من بُعدهما ومن المجهول الذي ينتظرهما، يارب القضاء والقدر إن قلبي معذبٌ بهما فلا تزيدُ من نيرانه، أني أسألك بأضعافِ القهر والغبن الذي بقلبي أن تُريِّح صدر بناتي، أن تلطف بهما وأنت عزيزٌ رحيم، يارب السعادة أهطل بفرحك عليهما، يارب أنهنّ جزءً مني فلا تزدني حرقة عليهما أكثر، يارب يا سميع الدعاء.
رفع رأسه ليلفظ التشهد ويُسلِّم، سحب المنديل الذي أمامه ليغزي عينيْه المحمَّرة، من يشعرُ بحرقة الرجال؟ من يُقدِّر حزنهم؟ أكان يجب أن نستعيذُ في كل مرة من حزنهم الذي لا يرحم.
خرج من المسجد لينحني ويُخرج حذاءه ومعها أخرج هاتفه، أتصل على هاتف ضي وأقدامه تسير بإتجاه السيارة، أطالت حتى أجابت بصوتٍ ناعس : ألو
عبدالرحمن : السلام عليكم
ضي بلهفة أستعدلت حتى تجلس : وعليكم السلام والرحمة . . .
عبدالرحمن بصوتِه المخنوق : كنتِ نايمة؟
ضي بربكة ضاعت كلماتها : إيه . . لا يعني مو مرة .. المهم بشرني عنك
عبدالرحمن : أنا بخير ، أنتم اللي بشروني عنكم ؟
ضي : تمام .. جو اليوم اللي أرسلتهم
عبدالرحمن : الحمدلله . . ما جاكم إتصال من أحد غريب ؟
ضي : لآ كل شي تمام . . .
أستغرقُوا بصمتهما حتى تقطعها نبرة ضي الباكية : وحشتني
عبدالرحمن وعاطفته ليست بخير، قلبُه لا يحتمل أكثر ليبلع ريقه الجاف : وأنا أكثر
ضي غرقت ملامحها بدمعها وهي تسمعه لأولِ مرة يصارحها بكلماته دُون أن يلفظ برسمية – تشتاق لك الجنة - ، دُون أن يقولها بصيغة الجمع المستفزة.
عبدالرحمن : ضي لا تعورين قلبي ببكيْك .. اللي فيني يكفي!
ضي وتشدُّ على شفتيها حتى تتمالك نفسها : طيب متى تجي؟
عبدالرحمن : قلت للسكرتير يدبِّر لي حجز، إن شاء الله قريب
ضي وهي تنظرُ لرتيل الجالسة تتأملهما بهدُوء لتعاود دموعها السقوط : أنتبه لنفسك حبيبي وأهتم لصحتك ..
عبدالرحمن : إن شاء الله .. بطاقاتكم معاكم؟
ضي : إيه
عبدالرحمن : كويس لأن حولت لكم فلوس خفت أتأخر عليكم وما ألقى حجز ... إذا أحتجتوا أيّ شي كلموا نايف
ضي : إن شاء الله . .
عاودَا الصمت دُون أن ينهي المكالمة أحدٌ منهما، يا مشقة الوداع و الكلمة الأخيرة بعد هذه الكلمات المخبئة لعاطفة عميقة، لم أتوقع يومًا أن تكون " مع السلامة " شاقَّة حزينة قاسية لا يُمكن لفظها بسهولة.
ركن عبدالرحمن سيارته بجانب المستشفى لينظر بعينيْه الضائعة ويديْه مازالت تُثبت الهاتف ويستمع لأنفاسها التي تُحزنه فوق حزنه، لو كنت أملك عصَا سحريَة لما جعلتُكِ تحزنين لخبئتُكِ وخبئتهم جميعًا فيِّ، لو أنني أستطيع فقط.
ضي ببكاءها أنهارت : مقدر عبدالرحمن .. والله محد يقدر فينا يتحمَّل
رتيل أشاحت أنظارها بعيدًا وهي تحتبسُ الدمع في داخلها، لتلفظ ضي بخفُوتِ صوتها المرتبك بحزنه : مدري كيف كنت أصبر بالأشهر بدون لا اشوفك! أنا هاليومين ما أعرف كيف أعيشهم والله! مافيني حيل أصبر أكثر
عبدالرحمن تنهَّد بإختناقٍ فعلي : قوِّي نفسك وأنتبهي لصلواتك والله معك ويحفظك .. لا تنامين وأنتِ تبكين، أنا محتاجك تكونين أقوى
ضي تلتزمُ صمتها، لا قدرة لها أكثر لتحمل فوضوية هذه الأحداث بحياتها.
عبدالرحمن : أتفقنا؟
ضي : إن شاء الله
عبدالرحمن بنبرةٍ حاول أن تصل إليْها مبتسمة : تبشرين بالجنة وفردوسها . . مع السلامة
ضي : بحفظ الرحمن.
نزل من السيارة متجهًا نحو الباب الرئيسي للمستشفى ودخوله صادف خروج سكرتير سلطان،
: كنت راح أتصل عليك! بوبدر واصلة معه عقب ما عرف بموضوع عبدالعزيز!
عبدالرحمن أخذ نفس عميق : طيب . . . تركه ليخطُو نحو غرفة سلطان، دخل دُون أن ينطق كلمة ليهاجمه سلطان بكلماته اللاذعة : ليه ما قلت لي عن عبدالعزيز؟ ليه خبيت عنِّي!
عبدالرحمن بهدوء : الموضوع ما صار له يومين!
سلطان بغضب عارم : كان لازم أعرف من أول دقيقة أنه بنتك عنده وعبدالعزيز معاه! أنا وش وظيفتي عشان تخبون عليّ
عبدالرحمن : طيب حالتك ما تسمح!
سلطان بصراخ : يخي مالكم دخل مريض ولا غيره! ماني جدار عشان أكون آخر واحد يعرف
عبدالرحمن بعصبية: صوتك لا يعلى عليّ! ماني أصغر عيالك
سلطان يُبعد نظره عنه وهو يشتعل بقهره، ألتزم صمته وقلبه ينبضُ بثرثرة لا تنقطع.
عبدالرحمن يسحب الكرسي ليجلس بمُقابله : وش كان بيصير لو عرفت بوقتها؟ بتتعب زيادة فوق هالتعب!
سلطان بهدُوء غاضب : ولو! كان مفروض أعرف
عبدالرحمن : طيب هذا أنت عرفت خلنا نسكر هالموضوع .. فيني اللي مكفيني يا سلطان كل واحد ضايع بطريق لا أدري وش صاير فيهم ولا وش جالسين يسوون معهم
سلطان صمت قليلاً حتى أردف : راقبت السجلات ؟
عبدالرحمن : إيه بو منصور للحين بعد في مكتبي يرتبهم بس أطلع منك راح أرجع له
سلطان : مسكتوا كل قضية!
عبدالرحمن : كل شي من الصبح إلى الآن وإحنا نراجع كل إسم حتى موظفينا الجدد قمت أراجعهم معه .. بومنصور شاك بزياد وأنا شاك معه! بس بنتظر لين بكرا وبناديه
سلطان : زياد ما غيره؟ اللي منظم أمن الحيّ ؟
عبدالرحمن صمت حتى يستوعب : حسبي الله! . . الثغرات اللي كانت تصير من الحرس ونقول قضاء وقدر أثاريه يلعبها علينا . . . مسك هاتفه ليقف متصلاً على عبدالله اليوسف :. . عبدالله زياد عندِك؟
عبدالله : توه طلع من عندي!
عبدالرحمن : أمسكه لا يروح!
عبدالله يقف من على كومة الأوراق التي تفتحت : صار شي؟
عبدالرحمن : أمسكه بالأول قبل لا يهرب! وأرجع أتصل فيني . .
عبدالله : طيب . . . أغلقه ليخرج ويُبلغ أمن البوابات أن لا يخرجوه في جهةٍ كان يركب سيارته متجهًا للخروج من مبنى العمل حتى توقفت سيارته عند البوابة وأجتاحه الإستغراب من عدم إستجابة الأمن إليْه، فتح الشباك حتى يُبادلونه بفتح الباب ويخرجونه.
زياد : وش قصتكم؟
: أسأل بومنصور .. مالنا علاقة . . قيدُّوا يديْه ودخلوا به متجهين لمكتب عبدالرحمن بن خالد.
في المستشفى كانت الأفكار مرمية بينهما، بتنهيدة : ولا عليك أمر عطني الورقة
مدّها له عبدالرحمن ليكتب سلطان ويشرح على هذه الورقة البيضاء : جاء زياد بعدها صار الإختراق لشبكتنا قبل شهور ! و قدرت جماعة عمَّار تدخل بيتك رغم أن الحي مراقب! ودخلوا بيتي بعد جماعة . . . مو رائد! مو رائد اللي صوَّب عليّ! لأن ما تكلم ولا بيَّن أنه مسؤول عن شي! و دام الحرس مقدروا يلحقونه هذا معناته أنه متعاون مع الحرس!
عبدالرحمن : فيه حرس من رائد صايرين مع حرسنَا والبركة بزياد!
سلطان : اللي في بيتي أنا متأكد منهم من أول ماجيت أشوفهم! لكن اللي معهم ما عندي خلفية عنهم!
عبدالرحمن : طيب مسكنا خيط! هو زياد لكن مين اللي وراه؟ مستحيل رائد لأن لو رائد كان عرف بموضوع عبدالعزيز من البداية !
سلطان : الطرف الثالث مافي غيره! بس لو أعرف مين والله لأطلع حرة سنة كاملة فيه
عبدالرحمن يحكُّ عوارِضه وهو يتعمقُ بتفكيره : بس ليه دايم الملفات اللي نفقدها تتعلق بسليمان و صالح بس؟
سلطان : ومقرن! يقول أنه طالب أسماء ناس عشان يراقبهم! وكل هالأسماء تتبع رائد .. فيه خونة من الطرفين
عبدالرحمن : واللي يقدر يساعدنا هو مقرن! أنا متأكد من هالشي لكنه أختفى مدري ليه يختفي بهالوقت!
سلطان : يمكن مثل ما قال بومنصور أنه تحت التهديد!!!
عبدالرحمن تنهَّد وهو يمسح على وجهه : بس لو يخلينا نكلمه كان حليناها بسهولة!
دخل الدكتُور مقاطعًا : السلام عليكم
: وعليكم السلام
الدكتور : شلونك يا بو بدر ؟
سلطان : تمام
الدكتور يأخذ ملفه المعلق بنهاية السرير : لا فحوصاتك تمام الحمدلله .. إن شاء الله بكرا راح نكتب لك إذن بالخروج
سلطان : ما ينفع اليوم؟
الدكتور بإبتسامة : الصبح لو تبي عشان نسوي لك الفحوصات الأخيرة لكن خلك اليوم
سلطان : طيب
عبدالرحمن : أنا رايح .. تآمر على شي
سلطان : سلامتك وبلغني بس يصير شي
عبدالرحمن : إن شاء الله .. بحفظ الرحمن .. وخرج.

،

دخل بعد أن تلقى أقسى صفعة بحياتِه، لم يتوقع من ناصر أن يفعل به كل هذا، حقده سيطر عليه حتى أفتعل عليه هذه المصائب ولو أنني أدرك بأن خلف هذه المصيبة رجالُ سليمان وليس ناصر وناصر مُجرد إسم ليُمرر به، كيف أحلّ هذه الديُون الآن التي أبتليت بها؟ نظر لوالدته ليتحامل ويبتسم لها : مساء الخير
: مساء النور
تقدَّم نحوها ليقبِّل رأسها وينزلُ للأسفلِ قليلاً ويُقبِّل جبينها العَطِر، جلس عند أقدامها وهو يضع يديْه على ركبتيْها : شلونك اليوم؟
والدته بإبتسامة : بخير الحمدلله .. تعشيت؟
فيصل : إيه الحمدلله . . وين ريف؟
والدته : طلعتها معي للسوق ورجعت دايخة ... زواجك ما بقى عليه شي وللحين ما سويت شي؟
فيصل : بتسكن هنا ماراح نطلع! .. كم بقى على العيد ؟
والدته : الأسبوع الجاي يا روحي
فيصل تنهَّد لتُردف والدته : مفروض تكون أسعد إنسان هالأيام
فيصل بإبتسامة : ومين قال أني ماني سعيد؟ بس لأن عندي أشغال فقمت أحاتيها
والدته : طيب وش رايك تآخذ بريك من كل هالأشغال وتسافر مع هيفاء تشم هوا جديد وبعيد عن كل هالمشاكل
فيصل : ليتني أقدر! بس عندي شغل مقدر أهمله
والدته بضيق : يعني يوم بغيت أفرح فيك تشغل نفسك بهالشغل اللي ما يخلص!
فيصل تنهَّد : وش أسوي! بعدين تتراكم عليّ وانا مااثق في أيّ أحد
والدته : طيب أهم شي أشوفك بالبشت وأفرح فيك
فيصل بإبتسامة تسرق من تفاصيل والده الكثير : بتفرحين فيني إن شاء الله وبتفرحين بعيالي بعد
والدته وتعيش الحلم بلهفة : يالله يا فيصل بروحي أحسبها يوم يوم والحين بحسب بعد متى يجون عيالك
فيصل ضحك ليُردف : الله يرزقنا الذرية الصالحة
،

بإبتسامة حانيَة وقفتْ بعد أن وضعت الطعام على الطاولة : يالله يا عُمري شدِّي على نفسك وأكلي ..
مُهرة بحرج : إن شاء الله .. تعبتك معي ما تقصرين
ريَّانة : هالرسمية مفروض ما تكون بين الأم وبنتها
مُهرة أبتسمت بشحُوبِ ملامحها : الله يحفظك ويخليك لنا
ريَّانة : آمين .. يالله تصبحون على خير . .
يُوسف يقبِّل رأسها : وأنتِ من أهل الخير . . خرج مع والدته لتلتفت إليه . . أنتبه لها يا يمه
يوسف : إن شاء الله لا توصين حريص
والدته : وخلها تآكل مو زين تهمل صحتها وهي تعبانة
يوسف : إن شاء الله
والدته وهي تشعر بحزنِ إبنها ولمعة الوجَع في عينيْه : الله يعوضك بالذرية الصالحة
يوسف : آمين . . . راقبها حتى دخلت لغرفتها ليعُود لمُهرة التي جلست حتى تأكل.
جلس بمُقابلها : ما خبرتي أمك؟
مُهرة : لا . . رفعت عينيها . . متى ما رحت حايل قلت لها! .. بتوديني صح ؟
يُوسف بضيق : طيب
مُهرة أنتبهت لنبرته : إذا مشغول هالأسبوع عادِي بعد العيد
يُوسف ويُمرر يدِه على رقبته التي تضِيقُ عليه : لا عادِي
مُهرة تركت الملعقة وهي تستشف أمرًا بعينيْه : صاير شي؟
يُوسف بهدُوء : لا .. كملي أكلك لا يبرد
مُهرة تنظر إليه بريبَة : إلا صاير شي
يوسف : مو صاير شي بس ما نمت ومزاجي مش ولا بُد
مُهرة : طيب خلاص نام أنا بنزل الصحُون تحت
يوسف : لآ بنتظرك
مُهرة بهدُوء أردفت : ماتبيني أروح حايل؟
يوسف صمت لثواني طويلة حتى يُردف : أهلك ماراح أمنعك منهم!
مُهرة : فيه أحد من خوالي مكلمك؟
يوسف بإبتسامة : ملاحظة أنك تسألين اليوم كثير!
مُهرة : مدري أنت شككتني!!
يُوسف : أنا بس ما ودِي تروحين لهم وأنتِ تعبانة! يعني أنتظري لين ترجع لك صحتك زي أول وأحسن وبعدها روحي لهم! لأن ما أظن الجو هناك جو صحي وأنتِ عندك مشاكل مع زوجات خوالك وبناتهم
مُهرة عقدت حاجبيْها : بس ودي أشوف أمي.
يُوسف : طيب مثل ما تبين ..

،

في مكتبِه لم يستطع أن يسيطر على أعصابه المشدودة ليصفعه بقوَّة حتى أدمَى شفتيْه، لم يُفكر عبدالله أن يوقفه تركه يفرغ قهره على عائلته به. ليشدّه من ياقته التي أحمرَّت : كلمة وحدة ماراح أعيدها مين اللي أرسلك؟ لا تقولي رائد عشان ما أنهي لك حياتك!!
زياد لا يُجيبه، لا ينطق بكلمة وهو مرمي على الكرسِي ينتظرُ الموت ولا ينتظرُ أن تُكشف الحقيقة، بغضب عارم : واحد . . إثنين . . . ثلاث . . أربع . . . خمسة . . ستة . . . يُخرج من جيبه السلاح ليوجهه لزيَّاد . . . سبعة . . ثمانية . . . تسـ
بصوتٍ ضيِّق : أسامة
عبدالرحمن : اسامة مين ؟
زياد : أسامة محسن
عبدالرحمن بنبرته الجادَّة المائلة للحدَّة : و إيش سويت؟ . . يتجه نحو درجه بمُراقبة عبدالله الصامت، أخرج آلة التسجيل ليُشغلها . . : يالله أنا أبغاك تقولي وش سويت من الألف إلى الياء
زياد بهدُوء : ما أعرف شي .. اللي فوق أسامة ما عندي خبر عنه
عبدالرحمن يسحب كرسي ليجلس عليه : معليه بتعرفه إن شاء الله . .
عبدالله بسخرية : نذكرك فيه
زياد : طلبت من أمين الأرشيف يآخذ إجازته السنوية وإلا بنلبسه سرقة أوراق سريَة وبنورطه
عبدالرحمن : و نائبه ؟
زياد : ماعنده علم بشي لأنه يثق فيني ويخليني ادخل
عبدالرحمن يلوي شفتِه : وش علاقتك بمقرن؟
زياد : مالي علاقة فيه
عبدالرحمن : كمِّل الكذب عشان أكمل عليك بعد
زياد بربكة : والله مالي علاقة فيه
عبدالرحمن ينظرُ لعينيْه بحدةٍ أربكته جدًا : وش علاقتك بمقرن؟
زياد : مالي علاقة فيه
عبدالرحمن : أغيِّر صيغة السؤال وش تعرف عن مقرن؟
زياد : ولا شي
عبدالرحمن بحدة : وش تعرف عن مقرن؟
زياد : ما أعرف شي
عبدالرحمن يُكرر بطريقة مستفزة : وش تعرف عن مقرن؟
زياد بعصبية : ما أعرف شي
عبدالرحمن : وش تعرف عن مقرن ؟
زياد : ما أعرف .. ماأأأأعرررررررررررف
عبدالرحمن : وش تعرف عن مقرن يا زياد!
زياد يعود لنبرته الهادئة بعد إشتعالُ الغضب بها : ما أعرف شي عنه
عبدالله : نغيِّر الصيغة مرة ثالثة ونقولك يا زياد! مين اللي يهدد مقرن ؟
زياد بتوتر : ما أعرف .. ما أعرف شي عن مقرن
عبدالرحمن : وش تعرف عن مقرن ؟
زياد بصراخ : ما أعرف شي
عبدالرحمن بهدُوء : وش تعرف عن مقرن ؟
زياد أخذ نفسًا عميقًا وهو يغمض عينيْه : ما أعرف شي
عبدالرحمن : وش تعرف عن مقرن ؟
زياد بصراخه العالي : ما أعرف . . مدري عن شي
عبدالرحمن : وش اللي ما تدري عنه ؟
زياد : مدري . . مدررري
عبدالرحمن : وش اللي تبي تعرفه عن مقرن؟ . . كِذا السؤال تمام؟
زياد يشعرُ بأن الذي يجري بخلاياه عبارة عن دماءً مغلية : ما أبغى اعرف شي
عبدالرحمن : مين اللي هدد مقرن ؟ . . عسى دخل مخك هالسؤال!
زياد بوجَع يوّد لو يضرب رأسه بالجدار، هذا الإستفزاز لا يتحمله وهو رجلٌ هادىء الأعصاب لا يستطيع أحدٍ بسهولة أن يستفزه، كان يعرف أن الوقوع بقبضة عبدالرحمن أمرٌ أشبه بالعذاب النفسي الذي لا ينتهي.
عبدالرحمن : مين اللي هدده؟
زياد : ما أعرف
عبدالرحمن صفعه بقوَّة : كذبة ثانية وماراح يصير لك طيِّب! راح نشهِّر فيك عشان تكون عضة وعبرة لغيرك! . . أستوعب الموضوع مخك ولا للحين ؟
زيَّاد تنهَّد : ما أعرف
عبدالرحمن : واحد . . إثنين . . ثلاث . . أربع . . خمس . . ست . .
زياد يصرخ بقهر : سليماااااااااااان
عبدالله ضحك بشدَّة حتى أتضحت أسنانه ليردف : برااافو يعني تذكرت الحين!
عبدالرحمن أبتسم بهدُوء : سليمان الفهد، طيب يا عيال اللي مانيب قايل! . . وقف ليلتفت لعبدالله . . يا فرحة سلطان . . أخرج هاتفه : طبعًا يا زياد الحين اللي بيتولاّك سلطان مالي علاقة فيك
نظر إليْه بربكة وهو يعرف أن الجحيم الآخر إسمه – سلطان بن بدر –
عبدالرحمن : ألو
سلطان : هلا
عبدالرحمن : لك عندي بشارة!
سلطان بلهفة : وشو؟ .. عرفتوا مين ؟
عبدالرحمن : سليمان الفهد ورى كل هذا ! ومهدد مقرن زي ما توقعنا
سلطان شعر بأن كل شيء يبتسم له بدقيقة واحدة : وش ينطرني لبكرا! أبي أجيكم
عبدالرحمن ضحك ليُردف : موعدنا بكرا إن شاء الله .. بدت تمشي أمورنا
سلطان : اللهم لك الحمد والشكر كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه
عبدالرحمن بإنتصار حقيقي ولذة هذه الإنتصار تسري بأوردته المقهورة : الحمدلله .. نام زين عشان تصحصح بكرا
سلطان أبتسم : وين يجيني النوم! أبي أشوف بس زياد أطلع حرتي فيه بعدها يصير خير
عبدالرحمن : لآ أفا عليك ما قصرت فيه
سلطان : كفو والله . .
عبدالرحمن : يالله تصبح على خير .. بشوف هالبلوة اللي قدامي!
سلطان : وأنت من أهله ، مع السلامة . .
عبدالرحمن ينظر إليْه : تدري وش جرايمك! أولا إحتيال ثانيًا إفساد ثالثًا زرع الفتنة . . عاد الله أعلم القاضي كم بيصكك سنة! وأدعي ما يكون فيها تشهير بعد!
زياد برهبة : أنا بس . .
عبدالرحمن بقهر : أنت بس إيش؟ هذي بلدك! مفروض تخاف عليها أكثر من نفسك! وش أستفدت؟ شوية فلوس طيب تعال لنا نوظفك وكل سنة تستلم زيادة وعلاوات! قولي وش اللذة بأنك تخون بلدك! فيه أحد يخون نفسه؟ فيه أحد يخون الأرض اللي رفعته؟ . . لا تبرر ما فيه أيّ تبرير يخليني أقول حرام مسكين! أنا بناتي الحين ما أدري وش صاير فيهم والبركة في مين؟ فيك! تعرف ليش؟ لأنك سكت ولأنك ساعدت! واللي يسكت عن شي فهو مجرم! فما بالك باللي فعل؟ . . صدقني أقسى العقوبات راح تكون على ظهرك وبتعرف ضريبة الخيانة زين! أنك تخون أشخاص ممكن نقول نعفُو ونسامح! لكن أنك تخون وطن لا والله لا تذوق حرّ الخيانة بعيُونك!

،

بإبتسامة صافيَة أستلقت ليتناثر شعرها في حجرِ حصَّـة، خلخلت أصابعها بخصلاتها الطويلة، حصَة : تعرفين فيه أغنية كنا نغنيها دايم .. على هالجو يبي لنا نسمعها .. بس ترى الكلمات مضروبة لأن ماهي لأحد يعني إحنا أخترعناها
الجوهرة وهي تنظرُ للفراغ الذي أمامها : وشو .. سمعيني
حصَّة بصوتٍ خافت عذب تُلاعب شعرها : هذا الأسمر يا ميمه روَّح ليْ قلبي . .
الجوهرة بضحكة تُقاطعها : أعرفها أعرفها هي عراقية أذكر يوم طحنا في اللهجة العراقية كانوا يغنونها البنات بالمدرسة . .
وبصوتٍ هادىء مبحوح تُكمل الجوهرة : هذا الأسمر يا ميمه روّح لي قلبي ، ضليت أعدِّ له الجيّة وهو كاتلني بعينه
حصَة بإبتسامة شاسعة : يا ميمه عيونه كتَّالة . .
الجُوهرة ويأتِ على بالها سلطان بسُمرته الواضِحة و عيناه – القتالة – فعليًا، تُغني حصَّة وتدخل هي في دوامته، أتلاحظ أني أشتقتُك؟ وأن يومًا كاملاً دُونك لا يجب أن يُدرج في أوراق التقويم! تبًا لوسامتك يا سلطان كيف أتجاهلك؟
: وأنا لعيونه هذا الأسمر يا ميمه أروح له فدوة . .
الجوهرة ألتفتت عليها لتقف وشعرها متناثر لتندفع بعاطفتها : بروح أكلم سلطان . . .
حصَّة بضحكة : مين اللي قال ماراح أكلمه خل يحس على دمه!
الجوهرة : أنا كذابة وشكرًا لأنك تذكريني بهالشي
حصة أبتسمت : يارب يارب يارب يا الجوهرة يا بنت عبدالمحسن أسمعك اليوم قبل بكرا تبشريني بالبيبي
الجوهرة تجمدَّت أصابعها على الهاتف لتلتفت إليْها والحمرة تهرول بجسدِها : وشو!!
حصة : أدعي لك ..
الجوهرة أرتبكت بتوتر شديد : طيب . . رفعت السماعة . . تهقين نايم ؟
حصة : دقي بس مهو نايم
الجوهرة : إذا رد وصوته مليان نوم بخليك تكلمينه
حصة : طيب ولا يهمك الحين دقي
الجوهرة بهدُوء تضغط على أرقامه لتُطيل الثواني الشاهقة ولم تسمع صوته : شكله نايم
حصَة : لا أنتظري مستحيل ينام بهالوقت!
رفع الهاتف سلطان وصمت بهدُوء وسكينة الجدران التي حوله وهو يسمع أحاديثهما، غرقت الجوهرة بنبرةِ حصة ونست الهاتف عند أذنها تنتظر إجابته.
حصة : وش دعوى ينام الحين! هو ما ينام الا بعد صلاة الفجر
الجوهرة : يمكن نام بدري اليوم أو تعبان!
حصة : بسم الله عليه مو تقولين صار أحسن وعمك قال بعد
الجوهرة : إيه بس أخاف يخبون علينا ....
حصة بهدُوء : لا تخليني أوسوس الحين
الجوهرة بضحكة : هذي من أغنيتك ما يجي منها خير
حصة بإبتسامة : حافظتها أكثر مني يالخير
الجوهرة بمثل إبتسامتها تُدندن بمجاراةٍ لها : هذا الأسمر يا ميمه عيونه كتلتني
حصة بخبث : هذا سلطان لو سمحتِ
الجوهرة : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه
: والله الضحكة قتلتني
الجوهرة بربكة عارمة عادت للوراء ليسقط الهاتف وتدفع المزهريَة التي تتوسط الطاولة حتى تناثر زجاجها حولها.
حصة كادت تموت من ضحكاتها الصاخبة، مُجرد صوته فعل بها كل هذا، رفعت الهاتف لتُجيب سلطان : هلا بالغالي
سلطان بإبتسامة : هلابك . . وينها؟
حصة : ذابت
سلطان بضحكة أردف : وش تغنون ؟ خربتيها
حصة : ما خربتها والله! أصلا مهي أغنية يعني كذا قصيدة مغناة . .
سلطان : طيب عطيني إياها
حصة : أول قول لنا وش أخبارك؟
سلطان : عال العال
حصة : عسى دوم .. طيب فرحنا معك
سلطان : متى يصير مزاجي عال العال ؟
حصة : إذا مشى شغلك . . طيب خذها خربت لنا الصالة . .
الجوهرة ووجهها يصخب بالحُمرة والحرارة، تنحنحت وهي تهمس : مدري كيف ما حسيت فيه . . ألو
سلطان أطال بثواني صامتة حتى أردف : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شعرت بأنه يستهزأ بها لتُردف بهدُوء : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
سلطان بخفُوت : مين اللي عيونه قتلتك ؟
الجوهرة أبتسمت وهي تلاحظ نظرات حصَة التي تبثُّ بها شغف الخبث : أسأل عمتك وش يعرفني فيه
سلطان : طيب غنيها خليني أسمعها كاملة
الجوهرة : ماني حافظتها
سلطان : يا كذبك!
الجوهرة بتضييع للموضوع : كيف حالك اليوم ؟
سلطان : بكرا إن شاء الله بطلع
الجوهرة : الحمدلله .. مو قالوا اسبوع؟
سلطان : لآ الفحوصات تمام
الجوهرة : بتنوِّر بيتك
حصة همست : بيطلع ؟
الجوهرة هزت رأسها بالإيجاب لتُردف : طيب ما أعطلك .. تآمر على شي
سلطان : غنيها ليْ يا بخيلة
الجوهرة : صوت عمتك أحلى
سلطان : أبي أسمع بصوتك!!
الجوهرة بإستلعان رتَّلت بصوتها الخافت : إذ يغشيكم النعاس آمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام.
سلطان : تصبحين على خير
الجوهرة : هههههههههههههههههههههههههههههههههه وأنت من أهله
سلطان : تعرفين تحجرين للواحد
الجوهرة : أتعلم منك
سلطان بوعيدٍ خافت : لاحقين لاحقين .. أنتظريني بكرا
الجوهرة بتوتر : طيب تبغى شي ثاني
سلطان أنهاها بضحكته التي لا تسمعها كثيرًا ليغلقه دُون أن ينطق شيئًا، الجوهرة : سكره بوجهي
حصة : هههههههههههههههههههههههههههههههه تصير بأحسن العوائل

،

في أطرافِ الليل كانت تستلقي عند المدفئة الجداريَة وهي تتأملُ بالنار التي تحرق الحطب، وتشعرُ أنها تصعد بها حتى تحرقها، تتناثر دموعها وقد أعتادت الدمع في الأيام الأخيرة، مدَّدت أكمامها لكفيّها الباردة وهي تُبصِر اللاشيء، كل الأشياء تتوافدُ من خيالها المبحوح بحزنه، كل الأشياء تقف عند قلب عزيز و نبرته مازالت تتردد في عقلها " أنتبهي لي " ، كيف تتطمئن عليه؟ كيف تعرف أخباره؟ كيف تشعُر به بعمقٍ أكثر! عادت ذاكرتها للأيام التي غادرت بها أثير باريس لتخرج معه بهدوءٍ دُون إستفزاز، كانت الريحُ تهبّ من كل جانب حتى وضع ذراعه على كتفيْها. أبسط الأشياء منك تكُون حميمية بصورةٍ كارثية لقلبٍ بكر حين جرَّب الحُب كنت أول تجاربه ويبدُو أنك آخرها . . . تلك الحديقة موبوءة بك . .

،

ثبَّت كتفيْها لتصرخ بآآآهٍ مقتولة، تحاول أن تقاومه و الدموع لا تنفَّك من تشتيتِ بصرها، شعرت بأن يديْها تنكسران وهما تحاولان دفعه، ضاقت أنفاسها لتهمس بوجَع : لا

،

تبحث بكل زاويَة عن أوراقٍ تُوصلها لشيء، و عن أرقامٍ تكشف لها أيُّ شيء، كانت تُفتش أوراقه بلهفة لمعرفة ما يحدثُ بحياتها وتجهله، سمعت صرخته لتتجمَّد أصابعها على الطاولة الخشبيَة . .
غُرِز السكينُ حتى شعرَ بأن الرُوح تصعد . . .

،

أنتهى





إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()

لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.

و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.


أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة


*بحفظ الرحمن.





 
 

 

عرض البوم صور طِيشْ !  
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)
facebook




جديد مواضيع قسم القصص المكتملة (بدون ردود)
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


LinkBacks (?)
LinkBack to this Thread: https://www.liilas.com/vb3/t186834.html
أرسلت بواسطة For Type التاريخ
ظ„ظ…ط­طھ ظپظٹ ط´ظپطھظٹظ‡ط§ ط·ظٹظپ ظ…ظ‚ط¨ط±طھظٹ طھط±ظˆظٹ ط§ظ„ط­ظƒط§ظٹط§طھ ط£ظ† … - ط¹ط¯ظ„ظ‰ ظ…ظ†طµظˆط± ظ†ط§ط¦ظ… This thread Refback 17-03-16 06:19 PM
[ظ‚طµط© ظ…ظƒطھظ…ظ„ط©] ظ„ظ…ط­طھ ظپظٹ ط´ظپطھظٹظ‡ط§ ط·ظٹظپ ... | grosiralami.com | PinBB: 541310B9| SMS/WhatsApp: By Request This thread Refback 10-05-15 01:15 AM
Untitled document This thread Refback 08-03-15 01:41 AM
Untitled document This thread Refback 22-12-14 12:07 PM
Untitled document This thread Refback 20-12-14 09:56 AM
Untitled document This thread Refback 28-11-14 03:53 AM
Untitled document This thread Refback 28-11-14 03:49 AM
Untitled document This thread Refback 28-11-14 03:38 AM
Untitled document This thread Refback 19-11-14 12:20 AM
Untitled document This thread Refback 15-11-14 01:52 AM
Untitled document This thread Refback 14-11-14 12:56 AM
Untitled document This thread Refback 11-11-14 08:37 PM
Untitled document This thread Refback 10-11-14 12:04 PM
Untitled document This thread Refback 03-11-14 07:03 PM
Untitled document This thread Refback 22-07-14 03:55 PM


الساعة الآن 02:48 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية