لمشاكل التسجيل ودخول المنتدى يرجى مراسلتنا على الايميل liilasvb3@gmail.com






العودة   منتديات ليلاس > القصص والروايات > سلاسل روايات مصرية للجيب > روايات أونلاين و مقالات الكتاب
التسجيل

بحث بشبكة ليلاس الثقافية

روايات أونلاين و مقالات الكتاب روايات أونلاين و مقالات الكتاب


د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الشيء في الصندوق (3)

السلام عليكم و رحمة الله وبركاته د. أحمد

إضافة رد
نسخ الرابط
نسخ للمنتديات
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-04-13, 02:00 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الشيء في الصندوق (3)

 
دعوه لزيارة موضوعي

السلام عليكم و رحمة الله وبركاته

د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الشيء في الصندوق (1)

الصندوق

على ضوء الكشاف يعمل اللحَّاد في فتح القبر (رسوم: فواز)




فريشت.. فريشت.. فريشت..
الصوت يحطم الأعصاب. يمكنك أن تجن بلا مبالغة. هناك تلك النغمة المكتومة، وهناك ذلك الإحساس القوي بالتربة الرطبة.. قليلة هي الأصوات التي تنقل لك رائحة العفونة، لكنها الحقيقة..

فريشت.. فريشت.. فريشت..
كلب ينبح من بعيد وهو مولع بأن يطيل نغمة النباح لتتحول إلى عواء طويل موحش. أما عن ذلك الصوت فأنا لم أسمع صوت البومة إلا في السينما.. ربما كانت بومة.. لو لم تكن فهي كارثة..
على ضوء الكشاف يعمل اللحَّاد في فتح القبر. لا تراه إلا بصعوبة، لكنك تعرف مهمته المشئومة.. بينما يقف هشام وصلاح خارج القبر متوجسين يتلفتان في ذعر.. أخوان.. يمكنك أن تدرك هذا من الملامح المتشابهة..

هذه ملامح أكلة لحوم بشر أو مصاصي دماء.. لا شك في هذا.. الوجه الأسمر والنظرات الزائغة والخدان الغائران.. الحقيقة هما ليسا مصاصي دماء بالمعنى الحقيقي بل بالمعنى المجازي.
هشام يمسك بلفافة تبغ متوترا وينفث كميات دخان لا يمكن وصفها.. السبب هو أنه يريد أن ينسى الرائحة الكريهة الخانقة. صلاح لا يدخن، لذا لف أنفه بمنديل وحاول ألا ينظر..

فريشت.. فريشت.. فريشت..
الهواء يدخل إلى العمة التي توفيت منذ أسبوع.. طبقة الأسمنت ما زالت هشة بليلة من الداخل. الرائحة قاتلة.. وفكرة أن تفتح العمة عينيها القاسيتين لتقول لهما:
- مش عيب كده يا ولد منك له؟
لن يعيشا بعدها. سوف يسقطان ميتين.. هذا أكيد.

لكن اللحَّاد بالداخل، وهو يعرف ما يفعله.. مع اللحَّاد أنت مطمئن. الطمأنينة الرتيبة للاحتراف.. هذا أقوى من أي شبح أو مسخ. هناك على الأرض بعض من لا يخافون الموتى.. من يؤمنون أن هذا القبر لا يحوي إلا بروتينا متحللا وكبريتا وكربونا وهيدروجينا..
سحابة دخان أخرى..

أخيرا تظهر الساقان النحيلتان للحَّاد وهو يخرج.. بالطبع يمارس عمله بالكلسون الداخلي، وعندما يخرج تدرك أنه رجل نحيل ضامر..
- سيجارة !
ناوله هشام سيجارة بيد راجفة وأشعلها له. جفف اللحَّاد عرقه وسحب نفسا عميقا ثم قال:
- هذه هي..

في يده كان الصندوق الصغير.. الصندوق الذي يذكرك بعلبة شاي مبطنة بالقطيفة. بالطبع صارت لهذا الصندوق أهمية سيكولوجية ثقيلة بعد ما ظل في كفن الفقيدة أسبوعا كاملا. لقد اتسخ بتابوت الموت لو كنت تفهم ما أعنيه..

كانا يعرفان أن الصندوق يحوي سرا مهما.. ويعرفان أن العجوز ظلت تحتفظ به حتى آخر لحظة في حياتها، ويعرفان أنها طلبت أن يدفن معها فلا يراه أحد سواها..

كان الصندوق مفعما بالاحتمالات.. صندوق بهذا الحجم لا يمكن أن يضم مالا.. على الأرجح يضم حجرا نفيسا أو قطعة حلي لا تقدر بثمن. إن أسرة الفقيدة نفذت الوصية حرفيا.. العمة لديها أغبى مجموعة من الأولاد يمكنك أن تجدها في حظيرة.. لم يخطر ببال أحدهم أن يفتح الصندوق أو يلقي نظرة. نفذوا وصية أمهم حرفيا وخاطوا الكفن على السر..

حسن.. هناك أشخاص لا يقبلون الأمور كمسَلّمات. هذه هي العجينة التي جاء منها المستكشفون القساة الذين ذبحوا شعوب أمريكا الجنوبية، ولم يكن هشام وصلاح يحبان عمتهما البتة، كما أنهما كانا من الطراز.. لن أقول الطراز المفلس.. بل هما من الطراز الذي تتجاوز طموحاته وشهواته دخله. هكذا وجدا أنهما يرغبان فعلا في معرفة محتويات ذلك الصندوق..
لن يؤذي هذا العمة العزيزة.. الشاه لن يضيرها سلخها بعد ذبحها، والقصة كلها رمزية على كل حال.. تغيير وصية ميت أمر ذو قيمة معنوية أخلاقية لا أكثر.

وعندما أخذا الصندوق كانا يشعران باحتقار بالغ نحو اللحَّاد برغم كل شيء.. كل اللحَّادين لصوص قبور بطبعهم، وهم مستعدون لبيعك لمن يطحن عظامك ليجعلها سمادا أو لطلبة الطب أو لمن يطعمك للخنازير.. لكن يظل السؤال قائما: هل فتح اللحَّاد الصندوق؟ هل أخذ شيئا ما؟
احتمال قائم خطر.. لكن كيف يثبتان العكس؟.. خطر لهما على كل حال أن الوقت ضيق.. لم يجد اللحَّاد فرصة ليسرق ما في الصندوق.

وأخيرًا نقدا اللحَّاد ماله، واتجها بالصندوق المريع نحو البيت..
الصندوق

فتح هشام الورقة الصغيرة وقرأ بصوت عال (رسوم: فواز)


**********
لدى الأخوين شقة مفروشة يقيمان فيها بعيدا عن باقي الأسرة، وبما أن مزاجهما واحد فقد كانا يتبادلان ساعات استخدام الشقة.. الليلة هما بحاجة لأن يكونا معا..
عالج هشام الصندوق.. كان هناك مسمار محوي صغير يغلقه فرفعه، وألقى نظرة للداخل. رائحة العمة العطرية الخفيفة تملأ داخل الصندوق فعلا.

أخرج وريقة صغيرة مطوية من داخل الصندوق.. ثم بدت على وجهه خيبة الأمل.. لا شيء.. لا شيء على الإطلاق.. فتح الصندوق بقوة، ثم استلّ سكينا فراح يمزق أستار الصندوق.. بعد لحظات تحول الصندوق إلى نفايات.. لا يوجد شيء..

همس صلاح وهو يرتجف:
- افتح الورقة
بيد واحدة فتح هشام الورقة الصغيرة، وقرأ بصوت عال:
- هذا شعر.. بيتا شعر يقولان:
ولما توارى شعاع الأصيل..
وعدنا من الغاب نبغي الرحيلا..
دعتْ لي بسلوى وصبر جميل..
إذا ما الوصال غدا مستحيلا..

قال صلاح في خيبة أمل:
- ما هذا الكلام الفارغ؟
قال هشام محاولا الفهم:
- صبرا.. هذه قصيدة.. هناك شفرة كالعادة.. شفرة كلمات معينة تقود لمكان كنز.. أنا متأكد من هذا, لا أحد يصر على دفن هذا الهراء معه في القبر ما لم يكن..

ثم راح يحرك شفتيه محاولا الفهم:
- ربما هناك شارع اسمه الأصيل. ربما هناك غابة دفن فيها المال.. من هي سلوى؟
نهض صلاح غاضبا:
- القصة بسيطة.. المرأة قد جنت.. هذا كل شيء..

ثم تقلص وجهه وهتف في توحش:
- أو اللحَّاد قد خدعنا..
- هذا وارد
وتبادلا نظرة وحشية.. لم يكن عنده وقت كاف للسرقة..
أم كان عنده؟

الأمر ليس صعبا.. في ظلام القبر يجد الصندوق.. يزيح المسمار. يجد جوهرة أو حلية.. يدسها في جيبه. يخرج مغبرا لاهثًا إلى الأبلهين في الخارج..

ما يعرفه صلاح هو أنه تناول سكينا بينما تناول هشام خنجرا، وانطلق الاثنان لا يلويان على شيء نحو المقبرة.
يجب أن يتكلم اللحَّاد وإلا فالذنب ذنبه..
يُتبع

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس

قديم 17-04-13, 02:02 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي رد: د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الشيء في الصندوق (3)

 
دعوه لزيارة موضوعي

د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الشيء في الصندوق (2)





أمسك صلاح الرجل من فتحة الجلباب وجذبه (رسوم: فواز)




عندما يخرج الجنون من القمقم، فلا شيء يقدر على إعادته..
لأسباب ما يخرج هذا الغاز من الأنبوب، ثم يتسرب في كل مكان. لا أحد يقدر على جمع الغاز أو حبسه..
هكذا كان اللحاد جالسا في تلك الغرفة الصغيرة عند مدخل المقبرة.

كان جالسا أمام بابور الجاز -موقد البريموس حتى لا يتضايق اللغويون- وقد وضع فوقه إناء صغيرا به ماء ولحم وبصلة.. وكان يرمق النار متلمظًا.. الليلة سيكون العشاء دسما. صحيح أنها لقمة جاءت من نبش القبور.. أي أن ما يطبخه هو مجازيا لحم موتى، لكنه كان قد تجاوز مرحلة هذه الاعتبارات الأخلاقية.
سمع طرقات على الباب الخشبي المتداعي. فنهض ليفتح.

في اللحظة التالية كان الأخوان في الغرفة، وقد استطاع أن يرى الشيطان في عينيهما.. الشيطان.. هذا مشهد رآه من قبل ويعرفه..
- خيرا؟ لماذا عدتما؟
قال هشام لاهثًا:
- الصندوق خاو.. لا يوجد شيء..
- هذا شأنكما.. ليست مشكلتي
هنا قال صلاح وهو يمسك بالرجل من فتحة الجلباب ويجذبه:
- نحن نعتقد أن شيئا كان في الصندوق وقد تمت سرقته..

صاح الرجل أنه لم يفعل.. عندما تكون ضيق العينين خبيث النظرات نحيلا كفأر، فإن إنكار التهمة هو بالضبط الأسلوب المناسب لجعلك تبدو كاذبا..
راح الرجل يقسم.. أنتما حصلتما على الصندوق.. أنا نلت الحلوان.. انتهى الأمر.. ماذا تريدان بعد هذا؟
- نريد الشيء الذي في الصندوق.
- لم يكن هناك شيء في الصندوق.

كان الغضب قد بلغ الذروة.. وكل محاولة إنكار تؤكد لهما أنه سرق شيئا.. هكذا ازداد الضغط على ذراعه.. يمكنك سماع العظم الهش وهو يوشك على التحطم..
- تكلم!

السباب ينهال على رأس الرجل، والصفعات.. شابان قويان غاضبان مع رجل هش وحيد. في النهاية سقط على الحصيرة الموضوعة على الأرضية فراحا يوجهان الركلات لرأسه.. لم يعد هناك تعقل.. ركلة... ركلة.. ركلة... سوف يمر وقت طويل قبل أن يدركا أنهما أحمقان وأن فرصة استجوابه انتهت..

توقفا ونظرا إلى المشهد..
- لقد مات يا صلاح!
كان المشهد مؤكدا ولا يحتاج إلى تخطيط مخ وتخطيط قلب للرجل الراقد على الأرض. وفي لهفة راح الشابان يفتشان في الغرفة. عن ماذا؟ لا يعرفان.. عن الشيء الذي جعلهما يقتلان لأول مرة. الآن برز احتمال معقول هو أن الرجل صادق.. لقد تسرعا جدا..

لم يتفقا على الخطوة التالية، لكنهما وجداها بديهية.. كل شيء في هذه الغرفة يحمل بصماتهما.. لذا أطفأ هشام البابور -موقد البريموس حتى لا يتضايق اللغويون- وفتح الصمام ثم راح ينثر السائل قوي الرائحة في كل مكان. للأسف لن يأكل أحد هذا اللحم الذي نضج.. لكن دعنا نتذكر أنه معنويا أقرب للحم الموتى. على باب الغرفة ألقى هشام بالثقاب المشتعل، وفرا بعيدا قبل أن يتعالى اللهب..
سوف يحترق كل شيء..

على الأرجح لن يتعب الطبيب الشرعي نفسه في البحث، ولن يجد آثار التهشيم في عظام الجمجمة.. لسنا في قصة لأجاثا كريستي هنا..
فلنفر..
*******


جلس هشام يدخن وينظر إلى الصندوق (رسوم: فواز)




كانا يرتجفان.. وشعر هشام بأن القتلة أشخاص فوق الواقع. كيف تمارس حياتك بشكل طبيعي بعد الفتك بإنسان؟
هناك في الشقة دخل كل منهما الحمام ليغتسل، ممارسا مشاعر ماكبث بعد قتل دونكان (لو اجتمعت بحار العالم جميعا على محو هذا الدم ما استطاعت).

في النهاية جلس هشام يدخن وينظر إلى الصندوق المربع الصغير. مشئوم.. نحس.. مد يده وعالج المسمار المحوي.. استطاع أن يفتحه ويخرج الوريقة الغامضة التي حيرته من قبل، فراح يتأملها:

ولما توارى شعاع الأصيل
وعدنا من الغاب نبغي الرحيلا
دعت لي بسلوى وصبر جميل
إذا ما الوصال غدا مستحيلا
وتسمع في الليل همس القبور
وأنفاس من غاب عودا نحيلا

ما معنى هذه الأبيات السخيفة؟
قرأها بصوت عالٍ على مسمع صلاح، وكان الأخوان يمقتان الشعر طبعا ولا يفهمانه لهذا لم يحصلا إلا على فكرة عامة عن معنى هذه الأبيات..
جلب صلاح زجاجتي خمر، وصب في كأسين كبيرين.. منذ زمن عرف الأخوان أنهما لا يتصنعان أي شيء أمام بعضهما. لهذا فعلا كل الموبقات أمام بعضهما دون خشية..

بعد الكأس الرابعة قال صلاح بلسان معوج:
- أنا قد أكون وغدا منحلا.. لكني لست قاتلا.. هذا أقوى مني
قل هشام بلسان أكثر اعوجاجا:
- يجب أن تنسى هذه الجريمة.. تنساها وتنسى أنك نسيتها.. لم يبقَ منها سوى غرفة محترقة ورماد
- ربما احترقت لكنها ستظل حية في ذاكرتي.. سوف يطاردني المشهد ما حييت.

ثم نهض مترنحا نحو الباب وهو يستند إلى الجدار..
- إلى أين العزم؟
قال صلاح:
- لا أستطيع قضاء الليل هنا.. لا أستطيع أن أراك أمامي.. سوف أبحث عن مكان آخر
- ليس من الحكمة أن تخرج وأنت ثمل.. من الوارد أن ينزلق لسانك.

قال صلاح وهو يعالج المزلاج بيد راجفة:
- هذا ما أنويه فعلا... سوف ينزلق لساني..
- هل تمزح؟
- ربما كان في هذا خلاصي
وواصل معالجة المزلاج..

الخمر لها إرادة خاصة بها.. تدهشك دوما بما تفعله وأنت لا تعرف أنها فعلته. لا يعرف هشام كيف طارت الزجاجة من يده لتضرب أخاه في مؤخرة رأسه..
عندما سقط صلاح على الأرض تذكر هشام الألعاب الغليظة الخشنة التي كان يمارسها في طفولته مع أخيه.. كان يمزح.. هذه ألعاب أطفال خشنة نوعا لكنها ألعاب.. هو لم يقتله.. بالتأكيد لم يفعل.. فقط أراد منعه من التمادي..

صلاح يرقد الآن خلف الباب والدم ينزف من مؤخرة رأسه والزجاج المهشم تناثر على الأرض..
إنه نائم.. بالتأكيد هو نائم.. لا توقظوه..
ضحك هشام كثيرا وهو يراقب أخاه النائم.. لعب أطفال ظريف..
عاد للمقعد وأشعل لفافة تبغ أخرى.. الدخان يرسم اسم هشام واسم صلاح في فراغ الغرفة..

صندوق لعين قذر.. لقد جعل الأخوين يتشاجران.. صب لنفسه كأسا أخرى..
مد يده إلى الصندوق وراح يعبث بأنامله.. لقد عبثت بهما العمة اللعينة.. لم تترك شيئا لكنها تركت لهما دعابة قاسية فعلا..
أخرج الوريقة المقيتة التي كتبت فيها الأبيات..

ولما توارى شعاع الأصيل
وعدنا من الغاب نبغي الرحيلا
دعت لي بسلوى وصبر جميل
إذا ما الوصال غدا مستحيلا
وتسمع في الليل همس القبور
وأنفاس من غاب عودا نحيلا
وقابيل يلقى أخاه الحبيب
فتجري الدماء ويهوى قتيلا

حك رأسه مرتين.. أغمض عينيه وراح يحاول أن يجعل بصره أقوى.. وربما بصيرته..
هذه الأبيات اللعينة.. كانا بيتين فقط.. هو متأكد من هذا.. لا شك في هذا..
هذه القصيدة تستطيل! إنها تزداد بيتا كلما هلك إنسان آخر!
يُتبع

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
قديم 17-04-13, 02:04 PM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
اللقب:
عضو فخري


البيانات
التسجيل: Jul 2007
العضوية: 32680
المشاركات: 18,283
الجنس أنثى
معدل التقييم: عهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسيعهد Amsdsei عضو ماسي
نقاط التقييم: 9761

االدولة
البلدYemen
 
مدونتي

 

الإتصالات
الحالة:
عهد Amsdsei غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : عهد Amsdsei المنتدى : روايات أونلاين و مقالات الكتاب
افتراضي رد: د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الشيء في الصندوق (3)

 
دعوه لزيارة موضوعي

د. أحمد خالد توفيق يكتب.. الشيء في الصندوق (3)





في الكهف يمكنك بصعوبة بالغة أن ترى ذلك المشعل (رسوم: فواز)



هناك في تلك الكهوف المظلمة في صحراء تسيلي، يمكنك أن ترى أن الليل قد دنا، ومعه بدأت الشمس الحارقة تبدي شيئا من الرحمة..

الذئاب تعوي فيرتجف رجال "التبو" الجالسون حول النيران ليلا، ويتبادلون النظرات من وراء ألثمتهم.. بينما تطلق الجمال والإبل رغاءها وحنينها بالترتيب..

هناك في تلك الكهوف المظلمة وخلف منطقة الرمال المتحركة، حيث لا يجسر أحد على الدنو، يمكنك أن ترى ذلك الكهف الذي احتشدت الصخور على مدخله.. هل صخور حقا؟ بل هي جماجم بيضاء نظّفتها العواصف والرمال الناعمة..

هناك عاصفة دانية بلا شك في الغد..
داخل الكهف يمكنك بصعوبة بالغة أن ترى ذلك المشعل الواهن، وجواره يجلس كيان فارع مفزع يخيل لك أنه هيكل عظمي، يمسك بريشة هائلة الحجم ويضع أمامه لفافة.. عينان واهنتان تراقبان الورق وسط الضوء الخافت..

إنه "أوبار" الشاعر الملعون.. الشاعر الذي نشرت أشعاره الطاعون وسببت المذابح، وأدت إلى انتحار عشاق وموت أطفال وهم يصرخون..
هناك في هذا الكهف ينتظر "أوبار" عدة عقود.. عدة قرون.. من أجل قصيدة جديدة، قصيدة مكتملة الأبيات.

غير أن قصائده كانت ذات خاصية غريبة، هي أنها تكتب نفسها بنفسها؛ يبدأ أول بيت فقط، وأفعال البشر هي التي تكملها.
كل قصيدة صنعها الطمع والجشع والمقت والحسد والكفر والشهوات.
"أوبار" ينتظر، منذ قرون..

هناك قصائد بكل اللغات تتناثر من حوله.. قصائد باللاتينية، بالآرامية، بالسويدية، بالإنجليزية، بالمسمارية، بالأترورية، قصائد اكتملت جميعا وعادت له، وعندما يحرق اللفافة فإنها تصل إلى سيده الدائم، سيده الذي لا يجرؤ على ذكر اسمه..

على اللفافة التي أمامه بدأ يقرأ الحروف التالية تكتب بالدم:
ولما توارى شعاع الأصيل..
فتجري الدماء ويهوى قتيلا..

تحركت شفتاه فيما يشبه ابتسامة قاسية؛ سوف ينتظر.
*******

الصندوق الصغير ظل على الأرض فترة طويلة..
يمكن أن ألخّص الموقف لك بأن رجال الإسعاف ألقوا بالجثة على المحفة في إهمال، ومن الواضح أنها كانت تقبض على الصندوق الصغير الذي لم يلحظه أحد، قبل دخول السيارة سقط الصندوق على الأرض وركلته الأقدام جوار جدار.

وضعوا في السيارة جثة هشام أولا ثم جثة صلاح..
صلاح قد هشّمت زجاجة رأسه من الخلف، أما عن هشام فقد فتح النافذة ووثب إلى الشارع ليتهشم جسده على الإفريز، برغم هذا يبدو أنه ظل ممسكا بالصندوق فلم يتخلَ عنه إلا لحظة دخول السيارة كما قلنا..

انطلقت السيارة وعواؤها الكئيب يمزق الأعصاب قبل أن يمزق الصمت. ولحق بها عدد من الصبية يتصايحون مرحا..

يمكنك أن ترى الصبي عماد والصبي مصطفى.. إنهما يسكنان بالمنطقة، وهما شيطانان صغيران، لهما بالضبط نفس ملامح ونفسية قراصنة الكاريبي. عندما أسرعت الإسعاف مبتعدة أدركا أن اللحاق بها مستحيل، برغم أنهما كانا يشتهيان رؤية الميت، تعثّر عماد على الأرض فسقط جوار الصندوق الصغير، التقطه ودسّه في جيبه ليفهم فيما بعد..

هناك يقف الصبية في ركن الشارع يتبادلون التحدي والسباب. عماد يدخن لفافة تبغ إذ تأكد من أن أحدا من الكبار لا يراه، وهذا يعطيه سطوة لا شك فيها على باقي الصبية الذين لا يجسرون على تخيّل مغامرة كهذه.

يقول لهم عماد:
- وعهد الله.. وعهد الله..
لسبب ما لا بد أن يقسم هؤلاء الصبية بعهد الله.. لا يستعملون طريقة قسَم أخرى..
- وعهد الله أنا فعلت هذا..
قال مصطفى في تحدٍ:
- إنت كذاب..
- وإنت ابن "...".

وانقض الصبيان بعضهما على بعض يتبادلان الركلات واللكمات.. حاول عماد أن يفعل هذا كله ولفافة التبغ في فمه، لكن الأمر كان صعبا.. وقبل أن يفهم ما يحدث وجد أذنه في يد قاسية ترفعه عن الأرض.. وعندما نظر بحذر رأى أن هذه هالة أخته.. أخته في العشرين من عمرها، وليس لديها عمل في الحياة سوى أن تجعل أيامه قاسية..
- سجائر وشجار! انتظر حتى أخبر أباك بذلك.

تراجع الصبية في ذعر، بينما الأخت الغاضبة كآلهة الأوليمب تجر الصبي من أذنه نحو ساحة الإعدام، وهي لا تكف عن الشتائم وتوجيه الصفعات له.. كان يعرف أن أمره انتهى.. التدخين جريمة لا تغتفر في بيته..

برغم هذا كان يكره أن يراه الصبية في وضع مخزٍ، لذا صاح آمرا بينما هو يبتعد:
- الليلة سوف أريكم إن كنت كاذبا.




كانت قضبان القطارات تتلوى وتتعاقد في الأفق (رسوم: فواز)




في البيت لم يكن الأب القاسي الغضوب موجودا، فتوعدته هالة بأنعقابه قريب فعلا. لاحظت الصندوق الصغير الذي في يده فسألته عن كنهه.. قال إنه وجده في الشارع ولا يعرف ما به..

مدت يدها في حذر وفتحت الصندوق.. ذات مرة ألقى أحدهم عملا سحريا على بابهم، وكان بداخله قطعة قطن التفت على أشياء عضوية مرعبة، مع لفافة ورقية كهذه.. شعرت بقشعريرة وخطر لها أن تتخلص من الصندوق، ثم مدت يدها تفتح اللفافة وقد غلبها الفضول..

ولما توارى شعاع الأصيل..
وعدنا من الغاب نبغي الرحيلا..
وقابيل يلقى أخاه الحبيب..
فتجري الدماء ويهوى قتيلا..
لقد حان حينك يا ابن الدياجي..
ألا تسمع الموت يأتي عجولا؟

مطت شفتها في عدم فهم؛ كانت تتوقع على كل حال أن تقرأ تعاويذ وكلمات سريانية غامضة، أو ترى رسوما غير مفهومة. لكن هذا شعر.. مجرد شعر سخيف، ليس فيه حب ولا غرام ولا سهاد.. هناك كلمة "عجولا" في نهاية القصيدة تبدو نابية للأذن، بالتأكيد ليست عجول الجزار، ولكنها تدل على التعجل..

توعدت أخاها المدخن بالويل، ثم اتجهت إلى الهاتف لتثرثر مع صاحبتها..
لاحظ عماد بعد ساعتين أن جريمته لم تذكر؛ لم تقل هي شيئا ولم يعرف أبوه القاسي بشيء، إنه في غرفته يلهو ويتظاهر بالاستذكار كالعادة، لكن لا شيء غير هذا..

الصبية ينتظرونه كما وعدهم. إن هالة اللعينة غافية الآن بعد ما شبعت نميمة وتهريجا على الهاتف؛ لن يلاحظ أحد أنه خرج..

بعد لحظات اتخذ قراره، اتجه إلى باب الشقة بحذر وفتحه وفرّ إلى الخارج. هناك في الشارع عنصره الطبيعي، هناك يصير حرا، يصير ملكا، يصير قائد الشلة الذي يبهر الأنفاس..

هناك كان الصبية يقفون في تحدٍ بانتظاره، وكان أكثرهم تحديا هو مصطفى.. قال له في سخرية:
-هل علّقك أبوك من السقف؟
لم يرد.. سرعان ما اجتاز الفرجة بين الجدارين وراح يركض عبر الخرابة. كان الليل قد بدأ يزحف فلم يعد هناك سوى لون أزرق بكل درجاته، وهناك كانت المساحة الواسعة ممتدة حيث قضبان القطارات تتلوى وتتعاقد في الأفق.. قطار الثامنة سوف يمر بعد قليل..

بلع الصبية ريقهم وهم يرتجفون من هول المشهد القادم، هو نفسه كان خائفا لكنه كان بحاجة إلى أن يعرفوا من هو؛ بعد هذا لن يفتح أي أحمق فيهم فمه..
جرى بحذر إلى أن بلغ المسافة بين القضيبين، ورقد على وجهه وغطى رأسه بكفيه..
فلتمر اللحظات التالية بسرعة..
يُتبع

 
 

 

عرض البوم صور عهد Amsdsei   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الشيء في الصندوق, احمد خالد توفيق, قصة
facebook




جديد مواضيع قسم روايات أونلاين و مقالات الكتاب
أدوات الموضوع
مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع
تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 02:32 PM.


 



Powered by vBulletin® Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
SEO by vBSEO 3.3.0 ©2009, Crawlability, Inc.
شبكة ليلاس الثقافية