كاتب الموضوع :
♫ معزوفة حنين ♫
المنتدى :
القصص المكتمله
رد: عزرائيلي الهوى ، للكاتبة : Sameera kareemy
(68)
"( .... ) و ( ... ) .. يا ابن (..) "
تدافعت الألفاظ القذرة من فاه عبد الرحمن الذي وقف مواجهاً لفاضل بعنف ..
وقف بسترته البيضاء الداخلية التي اصفر لونها من كُثر ارتداؤها ..
يلف حول وسطه ازاراً بالياً ..لازال يتلفظ بأبشع الكلمات و على وجهه برزت إمارات الغضب..
تراجع فاضل هامساً :" أبي ! لا تشتمني رجاءاً ! "
زمجر عبد الرحمن بقوة :" اخرررس يا ابن الساقطة .. تذهب للمبيت عند يوسف هاه؟؟؟ أقسم أني سأحرمك من كل شيء ! "
نظر له فاضل هامساً :" أبي ! أنا ذهبت لـ... "
ارتفع كف عبد الرحمن لتقع بقوة على وجه فاضل ..
انكمشت بتاثر .. و شعرت برغبة بحماية ابني ..
اندفعت ناحيتهما و وقفت أمام عبد الرحمن قائلة بتوتر :
" فاضل ذهب لهناك لأنه يفتقر للكثير هنا يا عبد الرحمن !! لم يذهب عبثاً و لم يخبرك بذلك كيلا يجرحك لأنك لا تستطيع تلبية كل حاجاته "
نكّس فاضل رأسه فصرخ عبد الرحمن :
" و ماذا ينقصه؟ أنا منذ الصباح أعمل في المحل إلى الليل ..
و أعطيه مصروفاً بشكل يومي ! لكن هذا ( الحقير) متعاون مع يوسف ضدي .. الأوغاد ! "
انسحب فاضل مُسرعاً خاطفاً مفتاح السيارة فأوقفه عبد الرحمن بزمجرة :
" اترك مفتاح سيارتك ! كيف سأذهب للعمل غداً برأيك ؟ ( بسخرية )
إذهب و اطلب و سيارة أخرى من بابا نويل يوسف "
تأملت فاضل و هو يتوقف لبرهة! ثم يرمي بمفتاح السيارة على الأرض و هو يهمس :" تباً !"
و يخرج مسرعاً صافعاً الباب من وراءه !
كُنت أتأمل خياله باستياء! رُبما لا يعود فاضل مجدداً للشقة ..
لجأت للمطبخ أهرب من ثرثرة عبد الرحمن القاتلة و تلويمه لي على ذنب لم أقترفه ..
صرت أغسل الأواني بجد قبل أن يأتيني صوت صراخ عبد الرحمن من الحمام ..
كان يناديني مفزوعاً !
" رباب !!!!!!! " " رباب "
تركت كل شيء و هرولت للحمام ..
فتحت الباب و أنا أنظر لعبد الرحمن الذي يقف يتأمل أنحاء جسده ثم رفع عيناه لي بصدمة ! تحجرت عيناه و ثمة خوف يموج على صفحة وجهه الذابل ...
همس و هو يقترب مني و أشار لكتفه و صدره و بطنه هامساً :
" أليست هذه العوارض هي نفس العوارض التي بجسدك ؟"
قربت وجهي ناحية جسده بتوتر لأرى بثور سوداء مريعة تنتشر بشكل مريب بجذعه ..
انتفاخات مُحمرة مخيفة هنا و هناك !
رفعت رأسي له بقلق و هززت رأسي ايجابياً :" نعم ! "
زمجر حتى أفزعني و قد برزت عروق جبينه :" أي مرض معدي تعانين منه؟ ماهذا !!!"
أقدامه تهتز على بلاط المشفى بتوتر ..
كنت أجلس بجواره بعباءتي الفضفاضة المُحتشمة ..و حجابي الأسود السميك ..
لأنظر بقلق لملامح الغضب المتراكم على وجهه !
همست و أنا أقرب وجهي ناحيته هامسة :
" عبد الرحمن ! إهدأ ! ربما تكون مجرد فطريات أو .... "
قال و هو يكز على أسنانه باشمئزاز من دون أن ينظر لي :
" أخرسي و أبعدي فمك النتن عني ! "
تراجعت مصدومة فهمس مشيحاً بوجهه :
" من أعلاك حتى أسفلك أمراض مُريعة! تخفينها أسفل ملابسك المهلهلة ! ملوثة!"
استندت على الكرسي أحاول ضبط أعصابي و في نفس الوقت ! كنت أفكر ..
كيف أصيب عبد الرحمن بنفس مرضي !؟
و لماذا العلامات التي على جسده دانكة و متقرحة و متهيجة أكثر !
لم أعد أكترث إن كان يشتمني بشكل مهين ! فها قد ذقت السُم الذي تجرعه يوسف!
في غرفة الفحص تم فحصي و فحصه كلٍ على حدا و استمر أمر استخراج النتائج فترة من الزمن ..
فترة .. قضاها عبد الرحمن في شتمي و شتم نفسه و شتم يوسف!
ما دخل يوسف ؟ لا أعلم !
و لكن يوسف صار مُحور كل حديث يدور بيننا !
" عبد الرحمن .. رباب ! نتائج الفحص "
نهضنا سوية و القلق أخذ مني الكثير ..
واجهتني الممرضة بابتسامة لطيفة :" رباب أولاً ! سيكون هناك حديث خاص معها ! "
تشنجت و أنا أسير ناحية الغرفة تُشيعني أنظار عبد الرحمن الحادة ..
أربض أمام مكتب الطبيب الكهل الذي ابتسم لوهلة لي و هو يثبت نظارته أمام عينيه ..
" رباب؟"
شتتت بصري بحرج :" نعم "
ابتسم و هو يراجع الأوراق هامساً :
" كان هناك سوء تشخيص في زيارتك الأولى للمركز الصحي !
أخبروك أنها عوارض بسيطة تزول مع المراهم !
و لكنها في حقيقة عوارض لمرض معين ينتقل بالجنس !"
تخشبت لبرهة ثم همست :" أهو ؟ أهو خطير ؟"
ابتسم :" لا !
بالنسبة لك لا يوجد أي خطر .. هو مرض تكون نسبته طفيفة جداً لدى النساء!
و قد ظهر عليك و يمكن معالجته بجراحة بسيطة
أو ربما لا تحتاجين للجراحة إذ واضبتِ على حضور بعض الجلسات !
لكن ! ( رفع عينيه و انزلقت نظارته الطبية على أنفه لتكشف عن نظرة مُربكة )
زوجك الآن مصاب بالمرض و عند الرجال هذا المرض يعد من الأمراض المؤذية جداً لجهازه التناسلي و بقية الأجهزة العضوية كالكبد و المعدة ..
إذ تأخر في إجراء العملية ربما !! ربما ينتشر السم التي تفرزه الغدد النابتة على جسده و بالتالي !
لن نستطيع فعل أي شيء !
ربما يموت ! "
ثارت معدتي بشكل مُفاجئ ..
أصبت بالغثيان ..
أحاول استيعاب الفكرة
و أنا أعود لأنظر للطبيب الذي لازال يبتسم تلك الابتسامة
التي لا تتناسب مع ما يرميه من قنابل نووية ..
أكمل و هو يحاول ترميم مشاعري هامساً:
" ليس قصدي أن أخيفك و لكنها الحقيقة !
(مستدركاً) أخت رباب أنتِ انفصلتِ مؤخراً عن زوجك السابق
و اسمه يوسف كما هو مدون في الملف الخاص بك !؟ أليس كذلك "
" يُوسف؟"
نطقت اسمه بهمس ! لماذا يقفز اسمه في زحمة الأحداث هكذا لأتذكره رغماً عني ؟
قال الطبيب بعملية :
" أخشى أن يكون هو الآخر مصاب بالمرض ! أيمكنك إعطائنا رقم هاتفه للتواصل معه ليأتي لإجراء الفحص "
لبرهة شعرت بالذُعر ! من إمكانية إصابته بالمرض ! و صرت أسترجع السنوات الماضية خائفة !
متى آخر مرة استقبلت يوسف في سريري؟
في الحقيقة هي مرات متباعدة جداً !! بشكل كبير!
مرات استدعيت فيها يوسف لسريري لأحضّر له ليالي مشؤومة لن يتذكرها بسعادة أبداً !
أمارس حبي الشاذ لإذلاله و تجريحه و معاملته بحيوانية و سادية..
ثم أطرده من غرفتي بإهانة !
خاطبت الطبيب بخوف :" هل يمكن أن يصاب الذكر بالمرض و لا تظهر عليه العوارض ؟ "
ثم بُهتت لفترة ! و أنا غافلة عن إجابة الطبيب ..
كانت شفتيه تتحركان و لكني راجعت أفكاري !
منذ متى أنا رأيت جسد يوسف أصلاً؟
تذكرت كلام فاضل عن يوسف :" يُخفي تحت ملابسه جروح مريعة يا أمي ! أظنهم عذبوه !"
أجهل كل ما يعانيه يوسف لحد الآن !
بل أجهل كيف هي معالم جسده الحالية و هل يحمل نفس العوارض أم لا !
أجهل حتى معالم حياته ! هواياته ! ما يحب و يعشق ! ما يكره و يشمئز منه ! لم أكن أهتم !
شعرت بالنيران تَضرم من جديد بصدري..
أنهيت الإجابة عن أسئلة الطبيب و ذهني شارد ..
نهضت ملتقطة حقيبتي التقليدية و أنا أقبض على عباءتي بقوة .. أرفعها جيداً على رأسي ..
مشيت مشتتة و صرت أتمتم باسمه للحظات ...
" يوسف ،، يوسف"
هل كُنت تعشق امرأة ملوثة مثلي كما يصفني عبد الرحمن!
نظرت لملامح عبد الرحمن المقتضبة و هو يمد ساقيه إلى منتصف الممر
رامياً بفردة نعاله البالي في مكان مرور الناس ! كما العادة!
نهض عبد الرحمن من مكانه عاقداً حاجبيه ..
ينتظر مني إجابة على استفاهماته حول ملامحي الميتة..
بحثت عن إجابة جيدة و لكني كنت أجبن من أني أكون من يواجه عبد الرحمن بالحقيقة ..
أنه مصاب بالعدوى من مرض قد يقضي على صحته الجَسدية لفترة من الزمن ..
يحتاج للعلاج في الخارج على أقل تقدير ..
أخبرته أن الطبيب ينتظره و جلست على المقعد يغلفني السكون !
و لا أعلم حقيقةً ما هي ردة فعل عبد الرحمن حينما يعلم بالمصيبة التي نقلتها إليه !
ظللت أحدق بباب الغُرفة مُطولاً ! مُترقبة!
و لاحت بذهني ذكريات بشعة ..
أغتصب قبلة من شفتيه المحمرتين المرتجفتين
و أنا أقف على أطراف أصابع أقدامي قابضة على قميص بيجامته بعنف !
أبث في أذنه كلاماً مسموماً !يطعن بقسوة برجولته و أقف مبتعدة قائلة بنبرة آمرة متجبرة :
" تريد تجربة سريري اليوم ؟ عليك خوض اختبار الرجولة ! إذا رسبت ستُطرد من غرفتي كالكلب "
كُنت في بداية زواجي به ! إمرأة مجنونة تستلذ بهذا الدور الوحشي .. و تُعذب ذلك العاشق بشكل غريب !
و هو ؟ كان قابلاً بهذا التعذيب على أن يظفر بحبي في النهاية ! لقد كان معتوهاً !
رفعت عيناي و قد اعتراني شعور بالعار !
أتراه يتذكر تلك الليالي ؟؟ مؤكد ذلك !
لم أكن في كامل قواي العقلية! كُنت لازالت تحت وطأة الصدمة بفراق عبد الرحمن!
و رُبما !
لهذا أنا أتلقى العقاب !
أن أصاب بمثل هذا المرض !
ماذا يعني هذا يا ترى ..
إنه نذير !
أنه عِقاب إلهي !
على التكبر الذي أمارسه بجنون !
على الصدود الذي أنتهجه و التمنع لسنوات طويلة متجاهلة رجولة فذة و رغبات طبيعية !
هُنا ..... رفعت رأسي لأقدام عبد الرحمن تتقدم ..
ظهر محني و رأس مُطاطأ !
شفتين دانكتين تهتزان و ممرضة تقف بجانبه ترافقه حَذرة !
رفع رأسه فهالني منظر هذا الوجه !
جحظت عيناه غضباً حيوانياً !
يعض على شفتيه يكاد يمزقهما ..
قال بنبرة مرعبة و هو ينظر لي بكره :
" أيتها الماجنة ! أيتها الحقيرة ... سأقتلك "
و هم ليهجم علي ! ليفترسني !
تجمدت ! إثر صرخة :" رباب ابتعدي !!!!!!!!! "
ذلك الصوت ........................
نبض قلبي لبرهة!
قبل أن أستجمع كل قواي لأدير رأسي .. كُنت أريد أن ألمحه !
بغض النظر عن عبد الرحمن الذي تقدم ناحيتي مسرعاً و قد رفع ساعديه لينال مني !
لم أكن مكترثة لعينيه المُحمرتين اللتين تهتزان غضباً جنونياً !
كُنت فقط !
قد خُيل لي أني سمعت صوتاً أعرفه حق المعرفة !
قلبي بدأ يضخ دماً جنونياً ! أطرافي تهتز في وهن !
لازلت متسمرة على مقعدي ألتفت برأسي ناحية مصدر الصوت !
وجه فاضل !
حركت عيناي بسرعة ! فما عادت هناك ثواني كافية لأسرق نظرة !
أيادي عبد الرحمن تطبق على جسدي ..
ينتزعني من المقعد بعنف و أنا كالمغيبة أفتش بين الوجوه عن مصدر ذلك الصوت الذي يأتي من بعيد ..
أفتش ! أفتش بين الوجوه عن وجهه الطيب و ابتسامته الملائكية !
ذلك الرجل الأشقر !
الذي أسرني طيلة الفترة الماضية في دهاليز الندم و التحسر .. لتطفو فوق عيني دمعة!
مليئة بالتوق ! قد كُنت أتمنى رؤيته فقط ! فقط !
نهاية الجزء !
في لقاء قادم معكم
للجزء النهائي الختامي للقصة !
و هاقد شارفت القصة على الانتهاء !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا احلل مسح اسمي من على الرواية ..
تجميعي : ♫ معزوفة حنين ♫..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(69)
المَقطع مآ قبل الأخير
أيادي تتشابك في صخب الزغاريد ! و تحت هطول أوراق المشموم الندية ..
مخلوطة بأوراق نقدية ! تناثرت هنا و هناك لتكون أمنية لحياة جميلة !
كفه البيضاء السميكة كانت تمسك بكفها النحيلة السمراء !
عريس ملطخ بالعار و عروس ملطخة بالغرور !
هو الذي عاش في مستنقع الحرام منذ طفولته !
و هي التي عاشت في كنف أسرة متشبثة جداً بمفهوم الشرف !
هو الذي خُلق ساذجاً ! يبتسم رغم كل شيء ! و يظل يؤمن أن هناك ضوء قادم
و هي التي خُلقت امرأة نرجسية عواطفها شبه معطلة .. و ابتسامتها تخبئها عميقاً عن من تحب..
هو الذي تزوج بها باحثاً عن الحُب
و هي التي تزوجت به ! لتنتقم من الحُب !
كل المعطيات تشير أن ليست هناك نتيجة من هذه المعادلة الصعبة !
و أن الفراق أفضل حل ! ( منطقي و عقلاني على الأقل )
و لكن ! كل الحسابات تتغير ! و تتدهور في ذلك اللقاء !
قبضتين سمراوتين تراودان اللكم بشكل سريع و هائل ..
رجل أربعيني نحيل و امرأة ملقاة على الأرض متدثرة بعباءتها خائفة !
حشد من النظرات الفضولية المتطفلة و بعضهم نهض من كرسيه ليقترب ليرى هذا المشهد !
و ممرضة وقفت بارتباك لا تعلم ما تفعل !
كانت تتمسك بعباءتها أكثر التي سقطت على كتفيها لتغمض عينيها صارخة بخوف ..
و كانت الذكريات أبشع سوط يلسعها في ذلك الوقت !
حينما تذكرت نفسها و هي تقف تشهد سقوطه على الأرض و عصاةُ عبد الرحمن أتت بكل ما أتت على جسده !
كان يترجاها أن توقفهما ! لكنها وقفت كالحجر!
هل حان دورها في كل شيء ! هل ستذوق كل شيء ذاقه يوسف؟
ضمت ساقيها بخوف و هي ترفع ذراعيها تحمي جسدها المريض من لكماته !
صرخة اخترقت الفوضى العارمة التي حلت في رواق المشفى ..
" رباب ابتعدي ...."
رفعت عيناها ! و قد تصلب كيانها كُلياً ..
و رغم أيادي عبد الرحمن المعتدية فأنها كانت تبحث عن عينيه !
طفت في عينيها دمعة!
مُدة طويلة جداً تلك الذي عاناها قلبها بفراقه !
و كم هو حُب موجع ! ملوث بالألم و الندم ..
به حُرقة !!
طفت على ملامحها دهشة كبيرة و هي لازالت في معترك البحث عنه !
لا تزال تريد استيعاب حقيقة وجوده هنا!
لا تزال مأخوذة !
تتلفت حولها رغم لكمات عبد الرحمن ..
في آخر الممر ..
يقف هو بجسده المتناسق و شعره الأشقر الساطع !
بجانبه يقف فاضل الذي ارتسمت على وجهه ملامح الاستنكار
و هو يرى أمه ملقاة على الأرض تصد بذراعيها ضربات عبد الرحمن الذي لم ينفك عن شتمها ..
الذي لم يكف عن إطلاق عليها تلك الألفاظ الدنيئة ! علناً !
و أمام تلك الجموع ! ليطعن في شرفها ! و يتهمها أمام الملأ بأمور هو أعلم أنها لم تفعلها !
" عبد الرحمن !! "
زمجرة أتت لتقطع سيول شتائمه القذرة..
ليقف يوسف أمامه مباشرة فاصلاً بينه و بين رباب الملقاة على الأرض
لترفع وجهها في ذهول ! و الدموع تنهمر على خديها ..
شفتيها ترتجفان و خمارها الداكن انسل ليكشف عن خصلات شعرها السوداء ..
واجه يوسف عبد الرحمن بوجهه الصافي و ملامحه الجميلة .. لتعلوها تقطيبة حاجبين حادة .. ليقبض بعنف على قميص عبد الرحمن المهترئ .. خاطبه بحدة :
" أجننت !؟ فقدت عقلك !"
و دفعه بقوة ناحية باب غرفة المعالجة حيث تقف الممرضة ..
ليرتطم جسد عبد الرحمن الواهن بالجدار ..
علت ملامحه حقداً مدوياً و هو يبصر يوسف قبل أن يهمس :" أهذا أنت ؟"
خاطبه يوسف بهمس .. :" حتى لو أصابتك أمراض الدنيا !
و كُنت على مشارف الموت ! لا يحق لك الانتقام من شخص لا ذنب له !
أنها مشيئة الله .. و لا ذنب لرباب !"
لفظ أسمها بلفظ خاص ! أهكذا شعرت رباب و هي بين يدي فاضل
الذي أتى ليساعدها على النهوض من الأرض و الجلوس على المقعد ..
كانت تحدق به و دموعها لا تزال تسيل ! عاضة على شفتيها بحنق !
هي حقاً نادمة ! و تتلظى من الألم !ً
تتحرق حُبا جنونياً إليه !
تلفظ اسمه بلا شعور هامسة :" يوسف ! يوسف"
أيادي الممرضين جاءت لتطوق عبد الرحمن و معهم فاضل يحاول تهدئة والده ..
لم يتمكن من لفظ أي شيء و لكنه كان يحدق بيوسف بنظرات مبهمة
و فمه يعج بالكلمات إلا أنه لم يُمنح الفرصة ليقولها !
ليؤخذ عنوة إلى طابق آخر .. يلحقه فاضل قلقاً ..
عيون يوسف كانت تراقب عبد الرحمن .. كان يسير بضعف ! منكساً رأسه !
يتمتم بأمور لا يسمعها إلا هو ! زفر يوسف قبل أن يلتفت لرباب !
و كم كانت عينيها حكاية طويلة جداً من الشوق و الوله ..
لتضغط على شفتيها بقوة قبل أن تحني رأسها !
مُجهشة بالبكاء ..تخبئ كل مشاعرها و هي تقبض بأصابعها النحيلة على عباءتها !
هو ؟ هاله هذا المنظر !
رباب رغم إهمالها سابقاً لنفسها !
لم تكن بهذا الوجه الذابل و الجفون السوداء ! كان الحُزن قد نشر آثاره عليها ..
" رباب !"
رفعت رأسها لتبصر ابتسامته الجميلة !
لُطفه اللامتناهي !
عينيه العاشقتين لها إلى حد الجنون ..
ابتسم هو بدروه بحنان ثم همس :" لا تبكي ! كل شيء سيكون على ما يرام !
الله يحبك كثيراً !
و لن يدعك تتألمين ! ثقي أن هناك سعادة بانتظارك..
لا تيأسي أبداً"
تخشبت الدموع في محجريها و هي ترمقه فاغرة الفاه ..
تسبح في عالم آخر و هي التي عادت لها الحياة برؤيته !
تأملت هي يوسف الذي أودع في بداخلها أملاً و غادر بسكون !
أما هو ؟
فالأمل في صدره أثمر ليشق الممرات بعجالة !
ليقف أمام غرفة عبد الرحمن المخصصة له في الوقت الحالي ..
لم يأتي يوسف لفحص جسده !
فهو يعلم علم اليقين أنه لا يعاني من أية أمراض سوى مرض واحد فقط !
حُب رباب ..
ثمة كلمات كانت تجاهد للخروج من فاه عبد الرحمن و لكنه لم يجد سبيلاً لاستخراجها !
الأمل أنار قلب يوسف و هو يطرق الباب بتوتر مُمراً أصابعه في شعره الكثيف ..
كان يُفكر بابتسامة..
أنى لهذا العِشق أن يجعلك تبحث بجنون عن الأبواب التي تؤدي إليه !
عينا رباب كانتا عذاباً مهولاً بالنسبة ليوسف !
رغم أنه لم يحب أن يرى دموعها و لكنه شعر بالملائكة تحلق حوله فرحاً لأنها بكت عِشقاً له !
هل أحبتني فِعلاً كما أحبها؟
ذلك السؤال مازال يرواده ليشعره بالغبطة الخفية !
كان أمامها عاشقاً مجنوناً مستعداً لينتشلها الآن ليهرب بها لمنزله!
مستعداً لتلك الرغبة الجنونية لولا أن أجبر نفسه للابتعاد فقلبه ينبض بعنف !
لازلت ابتسامته تتسع في شفتيه حُباً لها
و لم يقطع هذه الحالة الهُلامية الفريدة التي عاشها سوى صوت فاضل :" أدخل "
فتح الباب ببطء ليبصر عبد الرحمن الذي يجلس على سرير طبي
و قد سحب الملاءة البيضاء على جسده الواهن !
يحدق بيوسف بذهول ! قبل أن ينكس رأسه متوتراً ..
و بجواره فاضل الذي أدار رأسه ليوسف حاملاً على وجهه إمارات الاستياء من حالة والده ..
جلس يوسف في الكُرسي المقابل و هو يبتسم بلطف لتنعكس أشعة الشمس المتسللة بخفوت على وجهه السمح ..
كفه تمسك بكف عبد الرحمن بتشجيع ! همس وهو يرفع حاجبيه :
" عبد الرحمن ! المَرض ليس خطيراً لدرجة أن تيأس تماماً !
يمكنك العلاج مبكراً ! هناك مستشفيات جيدة لإجراء العملية !
( يبتسم )
أنت عُشت طوال عمرك متعلق بالله سبحانه و تعالى !
و ليس صعباً عليك أن تصبر على بلاءه !
(بود)
بالنسبة لك البلاء نعمة ! لأنك أعلم من غيرك برحمات الله الواسعة !
ثق بالله عز و جل و اصبر على ما أصابك ! و ثق أن هناك فرج !
( يشدد على كفه)
أنا مستعد لادعمك مادياً
و يمكنني أن أأخذك لمستشفى موثوق به أنا أتعامل معه في تجارتي ..
المرض ليس نهاية العالم كما تعلم !"
رفع الآخر عينيه الحادتين ليوسف ليتأمل هذا الرجل مُطولاً ..
ابتداءاً من ابتسامته التي تشبه ابتسامات الأطفال النقية..
و مروراً بعينين المتلألتين اللتين تشعان طيبة ..
في نظره !
كان يوسف مُجرد رجل منحرف !
عديم الشخصية و تلائمه كله الألفاظ النابية التي يقذفها به ..
في نظره كان يوسف الرجل الأشقر الذي جاء من بيوت الحرام متجرداً من الشرف و الطهارة ..
تأمله عبد الرحمن بابتسامة مبهمة قبل أن يهمس :" لماذا تتصرف هكذا؟
لماذا تنسى بسرعة ؟ و تقنعني أكثر بأنك ساذج !"
عيون يوسف ترقبه بسكون ليكمل الآخر بانفعال ..:
لماذا تنسى أني من نهبك أموالك التي ستساعدني بها الآن؟
لماذا تزورني لتشجعني و أنا الذي لم أزرك إلا لأحبطك و أنال منك !
( ابتسم ابتسامة مُطعمة بالغرور )
أنت مُخطئ يا يوسف !
أنا لست طيباً مثلك لأقبل بمساعدتك هذه !
فهي بالنسبة لي تاكيداً على خسارتي
( ضحك بسخرية )
هه ! نعم يا يوسف أنا معك في حرب دامية و أنت من فاز في النهاية ! يا للعار !
رغم أنك لا تملك أي سلاح ! سوى الطيبة !
( بحزم )
لن أقبل مساعدتك هذه و لا حتى زيارتك هذه
و سوف أبيع محلي الذي أقمته بأموالك و أموال تلك الـ (... )
و بتلك الأموال سأتعالج !
هه !
أما الله الذي تحدثني عنه !
لم يرزقني بأي شيء جيد ! (بحنق )
لا بزوجة صالحة و لا بابن بار و لا بأموال و لا بسعادة و لا حتى بصحة!
تتوسع عيني فاضل بدهشة فيكمل قائلاً بغضب :
عبدته ليل نهار ! صليت أكثر منك و صمت أكثر منك و دعوته أكثر منك !
و لكنه لم يرزقني بشيء !
صاح فاضل مصعوقاً :" أبي أجننت ؟ انتبه لحديثك ! أنت تكفر !!! "
تتسع ابتسامة في شفتي عبد الرحمن الضامرتين ليهمس:
أهذه لعنتك يا يوسف؟
( رفع بصره ناحيته بحقد )
يوسف !
( رفع ذراعه ليشير بسبابته ناحية الباب )
أخرج من هذه الغرفة للأبد !
أنت طاهر! ( بابتسامة )
فعلاً ! أثبتت أنك أنت الطاهر !
و أنا هو القذر ..
أخرج و خذ معك زوجتك !
رباب لم تكن لي منذ أن نهبتها منك !
خذها !
و عِش بسلام بعيداً عنّي !"
يُغلق الباب ليرفع رأسه لفاضل الذي يقف جواره ..
و الذي قال بضجر :" أبي ! أنه لن يتغير ! عقله متحجر ! أنه ..."
قاطعه يوسف هامساً :" فاضل عُد له !
هو الآن مريض ينبغي أن تجاوره في هذا ! مهما كان قاسياً و فظاً هو من رباك يا فاضل !
( بجدية )مسألة الانفاق ليست مسألة تستدعي أن تهجره !
لن يعوضك أحد عنه ! فهو أباك رغم كل شيء !
ينبغي أن تتحمله و تداريه ! لطالما كان يعتني بك و يعلمك !
ليس السهل أن تتركه !
عُد إليه ! و لا تكترث بكلامه هذا !
هو مجروح من الداخل ! و يحتاج من يسانده ! أنت الوحيد الذي سيفعل ذلك !
حياتك معي لا معنى لها ! أنت أصلاً لست سعيداً بها و لست مستقراً !
عد إليه وصُب كل اهتمامك عليه! أنه يحتاجك !"
و ربت بكفه على كتف فاضل الذي عقد حاجبيه لفترة يُفكر ..
لينظر لباب غرفة والده! كأنه يشعر بأكوام من الحزن و العجز تنبث منها !
عاد ينظر لذلك الرجل الذي يسير بهدوء ناحية المصعد ..
كيف لك يا يوسف أن تسامح بُسرعة هكذا! كيف تستطيع ؟
|