كاتب الموضوع :
♫ معزوفة حنين ♫
المنتدى :
القصص المكتمله
رد: عزرائيلي الهوى ، للكاتبة : Sameera kareemy
(34)
ماذا جرى ؟
لا أعلم ..
و لكن أجنحة عزرائيل خيمت على بيتي لأيام طُوال !
أظلم المكان بشكل مُهيب !
و صُرت أسمع همسات أشباح الوحدة تأتيني من وراء الجدران التي بدأت تضيق علي أكثر فأكثر !
أتقلب في سريري بجنون و الظلام الدامس صار حليفاً للفراغ و السكون ضدّي ..
أدفن وجهي في الوسادة و أنا أرمش لاهثاً ! أشعر بالنيران تلسع جسدي !
أقبض بأصابعي بعنف على شعري و أنا أعض شفتاي ..
كوابيس أتت كمطارق فولاذية على رأسي !
لتطرأ في ذهني صورة !
طفل تُرك بلا أوشحة !
تُرك عاريا ملطخاً بالقاذورات
ليرمى على بوابة المشفى في ساعة متأخرة من الليل !
صراخه المخنوق لم ينتبه له أحد ! فالجميع منشغل بنفسه !
طِفل ! كُتبت عليه الذلة و الوحدة منذ أن أبصر هذه السماء المعتمة !
الوحدة ! أبشع كابوس عِشته في حياتي !
و شيطان رباب كان ونيساً لي طيلة الست السنوات التي مضت !
كان عذابي لذيذاً ! فقط لأني كُنت ضمن أسرة ! و هذا ما يُهمني !
و اليوم وجدت المنزل فارغ ! عدا عن همهمات الخادمات ! شعرت بسموم الوحدة تغزوني من جديد ..
بودي لو أصادق أي شخص ألاقيه ! بودي لو أحتضن أي جسد أراه ! أشعر باليُتم !
لو كان لدي أم ! لو كان لدي أب ! لو كانت لدي أسرة !
لو كُنت عشت انساناً طبيعياً ينتمي إلى نطاق معين ! ينتمي إلى أي شيء ! لما احتجت لشيطان رباب !
أنا الآن وحيد ! أحتاج شخصاً !
أحتاج ليد ! تخرجني من العتمة التي أغرق فيها !
أحتاج لحضن يمتص مني كل أوجاعي !
أحتاج لطُهر ! أحتاج لأكون شخصاً طاهراً ! لأستطيع العيش في حياتي من جديد !
**
في الفترة التي تلت رحيل رباب .. فأني عشت حالة هلامية من الوعي و اللا وعي !
كُنت أعيش بعالم آخر ! عالم لم أعرفه منذ فترة !
ثمة ضوء وردي ينبثق من فوهة في سمائي المظلمة فيخترق عتمة منزلي !
ثمة شخص يشعر بالوجع بداخلي ! بالاستصراخ في أحشائي ! بالنزيف .. بالاحتضار !
ثمة شخص يراقب !
ثمة شخص يُحب !
ثمة أيدي بيضاء تستحثني أن أنهض ! أن أخرج من العتمة ! أن أتطهر ! أن أتغير ,,
كوابيسي المرعبة انقشعت لتحل مكانها أحلام مبهمة !
كأنها إلهام !
أراني مجدداً أمام نهر صافي ..
و أرى كل نساء الأرض الطاهرات يجلن حوله ..أتعطش لأشرب منه رشفة ! قطرة ! فلا أستطيع !
** هو !
نعم أنه هو !
أنه يحثني على الاقتراب من سماءه !
يحثني أن ألقي بالنجاسة من داخلي !
أن أتوب !
أن أبحث عن أبوابه !
يخبرني أنه فتح أبواب المغفرة لي !
علي فقط أن أعبرها !
فقط !
**
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا احلل مسح اسمي من على الرواية ..
تجميعي : ♫ معزوفة حنين ♫..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(35)
مطلقة !
شعور مفزع يراودني !
هذا اللقب عندما يطوقني من جديد فأنه يذكرني بمشاعري السابقة..
في الأيام التي تلت طلاقي من عبد الرحمن !
جالسة في منزل أهلي بشعور مقيت!
اشعر أني ضيفة ! ضيفة فقط ..
ضيفة صار مكانها فراش أرضي في غرفة مُنى و بجانبها يرقد طفلها !
بعد أن كانت غرفتي واسعة كبيرة
تطل على غرفة أخرى للملابس
حاجياتي و هدايا يوسف الثمينة و ملابسي التي جلبها لي من أفخم المحلات المعتبرة
أودعتها لخزانة منى و أخبرتها أنه بامكانها أن تمتلكها !
فهي جديدة لم تمس !
لم أنزع حتى اللاصق الذي يحوي السعر ...
لم أستخدم شيئاً أهداني إياه يوسف !
و كُنت أرتدي القلادة التي أهداني إياه عبد الرحمن مسبقا !
رغم أنها عتيقة مزرية !
أما مجوهراتي !
سلاسل الألماس و خواتم الذهب المرصعة بالياقوت
و اللؤلؤ الاصلي التي ينتقيها يوسف بخبرة عميقة ..
لم أمسها هي الأخرى ! لذا أعطيتها لمنى التي قالت بقوة :
" لا ! إذ كنت لا تريدينها أعيديها ليوسف ! "
قُلت :" لا يُمكن ! "
عادت تقول :" و رصيدك المكتنز بالأموال يا رباب !!! أعيدي الأموال لصاحبها قبل أن تتطلقي ! "
أموال يوسف الذي كان يهبها لي من فترة لفترة
و يودعها في رصيدي قائلاً أنني يمكنني التصرف بها كما أشاء !
أشتري أي شيء أريده بها ! محلاً ! سيارة ! أرضاً ! عمارة !
رغم انه لم يقصر أبداً في الانفاق علي و كتب لي العديد من الممتلكات باسمي ..
لكنه أصر أن يبقى هذا الرصيد الهائل لي وحدي !
قالت منى بجدية :" أعيدي له كل شيء ! "
قُلت بهمس :" ذلك من حقي كزوجة !"
فكّرت في ذلك لفترة!
هل كُنت حقاً زوجة ؟
و لكني تعلمت ألا أضيع نفسي ؟
عبد الرحمن إذ تزوجته فهو مِسكين فقير ! من المفترض أن أسانده بأموالي !
أقف أمام المرآة!
أشعر بتغير طفيف في جسدي ! تغييرات كريهة حقاً ..
رغم كل ما فعلته لأبدو رائعة .. أراني أمرر كفاي المبللتين على صدري و كتفي المترهل ..
بشرتي تغير لونها بشكل غريب ! جمالي يتناقص بسرعة!
امرأة بعمري ماذا تنتظر ؟
أين أنت يا عبد الرحمن ! دعنا نعيد أيامنا السابقة قبل ان تسلب مني الدنيا كل شيء..
خَجل يعتملني ! عبد الرحمن لن ترى فيّا رباب السابقة !
الجميلة ! الفاتنة ! المهتمة بنفسها و بكل شيء ..
سترى فيا امرأة عجوز رغم كل ما فعلته لتبدو أصغر ..
لم أعد ألاقي يوسف أبداً !
يأتي لرؤية ابنه و اصطحابه ليوم كامل ثم يعيده نائماً !
و لم يعد يسأل عني و كذلك أنا !
بالرغم أنه الوضع الذي أريد إلا ان أبي ثار ليصرخ في وجهي :
" ماذا فعلتِ ليوسف هاه ! "
صار يصرخ بشكل مزعج و يخبرني أنني لست مراهقة لأعود لبيته في أي وقت ! و علي التحكم بنفسي ..
كنت أشيح بوجهي عنه كيلا أضطر لمجادلته
و هو بدوره كان يصر على اثارتي و هو يصرخ :
" هل تريدين الطلاق ؟ نعم تريدين الطلاق !
لن تتطلقي فهمتِ !
لن تتطلقي !
إن تطلقت هذه المرة أقسم أني سأتبرأ منك و من أبنائك
و لن أفتح بيتي لك مجدداً فهمتِ !
استوعبي أنك عجوز !
ألم تعلمك أمك كيف تحترمين زوجك و تقدرينه
و تلزمين بيتك؟
مُخجلة يا رباب ! "
كززت على أسناني فتراجع هو قليلاً ليأخذ نفساً !
كان يحملق بي بنظرات مرعبة حقاً و كنت أخشى عليه من العصبية فهي ليست جيدة لصحته ,,
اقترب مني و جلس قبالتي و انحنى بوجهه لينظر لي بعمق ثم همس :
" ما هو خلافك مع يوسف ها؟
ماذا فعل ؟( قال بنبرة أهدئ) يوسف هذا الرجل المسكين
ليس له في هذه الدنيا إلا أنتِ يا ابنتي ! "
همست بحنق :" أبي انت من زوجتني بشخص ليس له أصل و لا عائلة تردعه ! "
قال بانفعال :" و ماذا فعل لك هذا المسكين ؟
ألم تريه في التلفاز ؟ مَظلوم ! صدقيني يا ابنتي أنه مَظلوم ..
هل سألتيه ؟ هل تحققتِ من الأمر "
صحت بقوة :" أبي لا يهمني ما قال على التلفاز و أنا خلافي معه ليس بسبب ذلك !
أبي يوسف اقترف جرماً آخراً لا يمكن أغفره له أبداً!
لأني منذ البداية لا أطيقه !"
زفر أبي ثم همس :" رباب !
يوسف مسكين و يحبك ! ستر عليكِ و ساندني مادياً..
هذا الشخص طيب و مَظلوم طيلة حياته ! أنه متعلق بك كثيراً يا رباب ! أنت كل شيء بالنسبة له ..
لقد اضطهدوه في طفولته كثيراً يا ابنتي !
لم يكن يعيش حياة طبيعية و لذلك هو متعلق بك ..
هل ستتركينه ؟ سيضيع ! و سيضيع عمار أيضاً !
و ستضيعين أنتِ أيضاً "
ربت على كتفي:" فكري في الموضوع يا ابنتي"
يا أبي.. لا حياة زوجية تبنى على الشفقة فقط ! تبن على الحُب أولاً و المعرفة و العِشرة و التجانس !
هذا الرجل لا أحبه و لا أعرفه و لا أتجانس معه أبداً !
أشعر بقذارته !
أشعر بأنه مملوء بالخطايا !
جينيات الحرام تسري في دماءه !
لا يمكن أن أتقبله !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا احلل مسح اسمي من على الرواية ..
تجميعي : ♫ معزوفة حنين ♫..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(36)
أقف بين موظفيني القلة !
أتأمل موظفتي ( رحمة )
و هي تطلعني على كمية الخسارات التي تعرضت لها الشركة ..
أقبض بأصابعي بعجز على مسند كرسيها و أنا أضغط على صدغي ..
خسارات متتالية دون أن أستطيع أن أتفادها او أحسن من الشركة .. اتنهد و أنا أرخي ربطة عنقي و يستدير لي الموظف الآخر قائلاً :
" الديون تكاثرت على الشركة سيدي !
يجب أن نفعل شيئاً ! الشركة تنهار تماماً ! "
ضغطت على شفتي و أنا أنظر لشاشة الحاسوب مجددا ثم همست :" لا أعرف حقاً ماذا أفعل ! "
استدارت لي الموظفة رحمة باستنكار لأنسحب باستسلام متجهاً لمكتبي تتقاذفني الهواجس !
ترى ماذا أفعل! الشركة كانت قائمة على عمل الاختصاصيين !
و على المعاملات مع بقية الشركات و الوكلاء !
أما الآن ! فلا الاختصاصين بقوا في شركتي و لا الوكلاء يريدون التعامل مع شركتي
و الحكومة ؟ الحكومة ادّعت أنها ستساندني ! فأين المساعدة ؟
خلعت جاكيتي لأضعه على كتفي الكُرسي الجلدي ..
و ارتميت عليه متنهداً .. أطرقت برأسي و أنا أنظر للهاتف بعجز ..
هل ؟ هل أطلب المساعدة من الحكومة ؟؟
مددت أصابعي بتوتر للهاتف ! من المفترض أن أكون مقرباً لهم !
كانت الأفكار تتقاذف في ذهني ! هل سأغرق في التعامل مع هذه الفئة الظالمة من الناس ؟
قطع تفكيري طرق الباب .. لأرفع رأسي قائلاً :" تفضل ! "
ينفتح الباب و تُطل الموظفة رحمة ! صرت أخشى حقاً من دخول الموظفين لمكتبي ..
أخشى من استمارات طلب الاستقالة التي يضعونها على مكتبي بجحود ..
تقدمت رحمة و هي فتاة عشرينية مجدّة في عملها و لم يسبق و إن تغيبت عن العمل ..
دعوتها للجلوس و نهضت بدوري لألتقط من يديها الأوراق المطبوعة لأجلس قبالتها ..
وضعت الأوراق على المنضدة هامساً :" أنا أعتذر ! رُبما سأضطر لأغلق الشركة "
كانت تتأملني بصدمة و في كل مرة تتوسع فيها عينيها الداكنتين و يهتز فيها حاجبها الأيمن أشعر بالأسى بعمق ..
و أنا أشتت بصري في الأوراق التي على المنضدة ..
" أأنت جاد سيدي؟"
قلت و أنا أشبك أصابعي ببعضهما البعض في انهيار .. :
" رُبما ! الشركة تنهار ! ليس هناك مقوم واحد لنجاحها !
الديون كثرت ! لا أستطيع حتى دفع الرواتب بشكل منتظم ..
لا يوجد في الشركة اختصاصيين كفؤ لفحص الأدوية قبل بيعها ..
الشركة تفتقر للموظفين و للمعاملات !
الشركات ترفض التعامل مع شركتي !
ذلك كله سيؤدي بشركتي للانهيار ! "
و رفعت حزمة الأوراق من المنضدة مبتسماً :
" كل شركة لها فترات صعود و هبوط
و ربما يؤدي الهبوط لعدم قدرتها على الصعود !
و هذا ما تمر به الشركة "
كُنت أتحدث بشكل يائس حقاً !
لم أعتد أن أبث لموظفيني هذا الوهن و لكنه الواقع ..
انفعلت رحمة :" و لكن ! الشركة لم تصل لتلك المرحلة بعد "
نسقت خمارها حول وجهها المدور متأهبة لقول ما لديها في تصميم .. نظرت لي بتركيز ثم همست :
" سيدي أنت تتغير ! لم تكن كذلك ! ( تفحصتني )
سيدي ! يمكننا إنقاذ الشركة ! لماذا نيأس ؟
لماذا نعلق آمالنا دائماً بمن يرفضوننا؟
لماذا نعلق مصيرنا بإشارة منهم !
هل هم يستحقون منا ذلك؟
دائماً كل شخص يستطيع العيش حتى لو فقد كل من حوله
شركتنا يا سيدي لن تنهار لأن الشركات الأخرى قاطعتها
(باصرار) و لن تنهار لأن الموظفين قدموا استقالتهم !
سيدي ! ( رمقتني بعمق )
سيدي ! أنت طاقة لا تخمد ثق بذلك !
لماذا نعتمد على الداخل أصلاً ؟ لماذا ؟
لماذا يا سيدي لا نستورد الموظفين من الخارج الذين لن يكونوا عنصريين تجاه شركتنا
لماذا لا نتعامل مع شركات عبر الانترنت ؟
نعم يمكننا أن ننهض ببطء هكذا !
نتعامل مع الشركات الأجنبية التي لا تضع شروطا معينة مع من تتعامل مع شركات ..
الخارج يا سيدي !
دعنا ننظر للخارج بما أن الداخل يرفضنا !
سيدي !
أنا مستعدة أن أبقى معك للنهاية بشرط ألا تستسلم و تقفل الشركة ! ( باصرار )
بشرط ألا تستعطف الشركات الذي خذلتنا
بشرط أن تصمد أكثر يا سيدي
و تشكل نفسك من جديد و تقوي عزيمتك "
كُنت حينها أصغي لها بعمق
و كلماتها تحثني شيئاً فشيئاً أن أرفع عيناي من أوراق الخسارات
إلى النجاح التي تصفه بعينيها ..
كانت حوراء العينين ..
قوية ! بكلماتها المزلزلة لغفوتي ..
ناعمة الملامح إلا أن عينيها الحوراوتين فيهما قوة هائلة ..
و أصررت بدئاً من كلماتها أن أستنهض شركتي من جديد إلا أني !
عندما عدت لبيتي .. و تدثرت بالأغطية مستعداً للنوم !
مرت كلماتها في ذهني و كأنها تحمل معاني أخرى !
لماذا نعلق آمالنا دائماً بمن يرفضوننا؟
لماذا نعلق مصيرنا بإشارة منهم !
هل هم يستحقون منا ذلك؟
هل رباب تستحق؟
|