كاتب الموضوع :
عبير قائد
المنتدى :
سلاسل روائع عبق الرومانسية
رد: 34 - رواية "شيوخ لاتعترف بالغزل" لِ عبير قائدالفصل ال24 الرواية قمة في التميز
جلست على المقعد الذي كان يجلس عليه قبل قليل وناظرت طعامها الذي كانت تعده منذ الصباح فقط لأجله.. والذي قبع يناظرها بسخرية.. ضاحكاً من سخافتها وتهورها ..مضى بعض الوقت وهي تفكر شاردة بماحدث حين رن هاتفه المحمول الموضوع على طاولة الى جوارها..
لقد نسيه..!!
رأت الرقم الذي يحمل اسم سلمى العزب وعقدت حاجبيها.. ربماشقيقته؟؟
فتحت المكالمة بأصابع ترتجف:
-مساء الخير..
-السلام عليكم.. من معي؟؟
سمعت الصوت لامرأة ما فأخذت نفساً قبل ان تهمس بصعوبة:
-وعليكم السلام.. انا اميرة مساعدة السيد قحطان وهو قد نسي هاتفه في المكتب..
-انا والدته ياابنتي.. انا وشقيقته على باب المكتب الخارجي وكنا نريد ان نلقاه..
نهضت بسرعة وتوجهت الى الباب الخارجي كانت المرأتان واقفتان بالفعل فاغلقت الخط وتقدمت لهما بابتسامة مضطربة:
-انا اسفة حقاً,, لقد نزل منذ بضع لحظات الم تلتقوه..؟؟
-لا لقد وصلنا للتو..
قالتها سلمى وهي تنظر للفتاة الجميلة جداً والتي وقفت امامهما بارتباك..
اشارت لهما بالدخول هامسة:
-لقد نزل مسرعاً ونسي هاتفه..
-لقد اتفقنا ان نلقاه هنا.. فسنعود معه الى المنزل اليوم..
قالتها هدية بحنق.. قبل ان تدخل الى المكتب وتنظر بدهشة الى الطعام المتروك:
-هل تناول غدائه هنا؟؟
علت الخيبة ملامح أميرة وهمست دون ان تفكر:
-لم يذق سوى لقمة.. يقول انه اعتاد الطعام المحروق..
نظرت لها هدية بدهشة وقد تخضب وجهها بالاحمر القاني وعلت ضحكات سلمى المرحة هاتفة:
-ياالله.. يبدو ان البعد والشوق يلعبان بعقل أخي هذه الايام.. اين ذهب بالمناسبة؟؟
-سلمى...
زجرتها أمها بغضب فكتمت سلمى ضحكاتها وهدية تنظر لوجه الفتاة المحتقن والدموع التي تلألأت في عينيها وهي تكاد تقسم بوجود خطب ما.. ويبدو انها ستتدخل..
-منذ متى تعملين لدى ولدي؟؟
-منذ فترة قصيرة فقط..
-وكيف يعاملك؟؟
ارتسمت ابتسامة على شفتي اميرة وهي تهمس:
-انه رائع..
نظرت لها هدية بدهشة امتزجت بالخبث لتتلعثم الفتاة وتضيف باضطراب وهي تلملم الطعام:
-اعني في العمل.. انه كريم ومحترم وهادئ للغاية.. يدير كل شيئ بكفائة.
راقبتها سلمى بتوتر وهي تفكر مارأي سيادة بماتقوله هذه المرأة.. ووجدت نفسها تقبض على سلسالها والخاتم المعلق به بقوة.. لاتعرف لماشعرت بشيئ يمر عبر طيات قفصها الصدري وكأن تلك المرأة تغازل حبيبها هي.. ربااااه.. هل يعقل ان تكون الغيرة موجعة هكذا..؟؟ ماذا ستكون ردة فعل سيادة ياترى؟؟
-انه قحطان العزب بكل تأكيد يابنتي.. والان اتركي كل هذا وتعالي هنا..
جلست هدية مشيرة للمقعد جوارها والذي تقدمت اليه أميرة بتوجس.. وفعلت سلمى الشيئ ذاته وهي تنظر الى امها بريبة.. مالذي تنوينه ياامي؟؟ فكرت سلمى بحنق..
وهدية تتبادل الكلمات والاسئلة الشخصية جدااا مع أميرة.. وسلمى تقتنع اكثر وأكثر بضرورة اعطاء بعض الاخبار لسيادة الغافلة كمايبدو عمايدور حولها...
***
كان يقود لفترة طويلة.. بعصبية شديدة.. مالذي دهاه..؟؟ لم لم يستسغ الطعام الشهي؟؟ لم لم يرى امامه سوى بعض الارز الناشف والدجاج المحروق..؟؟ كيف له ان يقارن مافعلته اميرة بتلك الكوارث التي كانت تصنعها .. سيــادة...
اغمض عينيه بحنق .. تباً لها متى تعتقـــه؟؟؟
يداه تضغطان على المقود بقوة تكاد تمزق جلده الثمين بينما السيارة الضخمة تنهب الطريق نهباً لمكان لايدركه ولكنه يريد من الطريق ان يطول ويطول.. فقط ليفرغ حنقه في دواسة الوقود والمقود البائس بين يديه..
ماهذا الشوق العارم الذي اعتراه لرؤيتها لضمها بين ذراعيه لمرة فقط.. بعد أيام من البعاد .. لم يمضي الوقت الطويل وهاهو يتوق اليها.. ياله من ضعيف.. بائس.. أحمق..
هو من ضن انه قادر على الابتعاد لسنوات.. شهور.. اسابيع ربما فكر بتخاذل.. هاهو لايطيق الايام..!!
ضغط مكابح السيارة بعنف لتتوقف امام شاطئ مهجور قديم نسيه الناس بسبب كثرة صخوره الحادة.. فتح الباب ونزل الى الحيد الصخري.. كانت الريح القوية تتسبب بتناثر مياه البحر الثائر بعد اصطدامها القوي بالصخور.. لم يأبه للمياه الباردة بل تسمرت نظراته على الصخور التي تتلقى الضربة تلو الاخرى وتبقى ثابتة في مكانها لايزحزحها شيء.. هو كتلك الصخور..
ثابت قوي..
لايزحزحه شيئ..
حتى جائت هي.. ترقبها من بعيد موجة بريئة.. تقترب بتؤدة من الصخور,, لم يعي مدى كبرها ولاقوتها الهادرة حتى أصبحت تحت قدميه.. تراجع بحدة يريد الهروب منها الا انها كانت اكثر قوة وشراسة.. هاجمت الصخور بعنف وتناثرت فوقه ليشعر بعدها بألم حاد يشق وجنته وهو يتراجع يكاد يقع على ظهره لولا بدن سيارته التي استند عليها لاهثاً وهو يكاد يجن من فكرة ان تلك الموجة استهدفته بالتحديد..
تراجع شاتماً بحنق.. ونفض ثيابه المبللة..ليجد حجراً حاداً تعلق بها... نظر للحجر بدهشة تلتمع عليه بضع حشى حمراء اللون..!!
تباً.. تلك الموجة لابد حركت الحجر وقذفت به في وجهه.. قبض على الحجر بأصابعه بقوة.. وعاد الى سيارته بأعصاب ثائرة تفوق ثورة الموج بمراحل.. لتتوقف عيناه بدهشة على مرآة السيارة الداخلية وهو يطالع خيط رفيع من الدماء ينساب بثقل على خده حيث اصابه الحجر..!!
***
نهض من فراشه بهدوء.. اقترب من صينية الطعام المتروكة على الطاولة قباله بقرف قبل ان يزيح غطاء احد الاطباق بعنف ويرمي محتوياته في سلة المهملات بلاتقدير ليسمع صوت الارتطام بوضوح حينها لمعت عيناه ومد يده يلتقط الكيس البلاستيكي محكم الاغلاق والذي فضه بسرعة ليكشف عن هاتف محمول صغير.. سرعان ماشغله لتمضي بضعة دقائق قبل ان يهتز بيده معلناً ورود اتصال..
فتح حسن الخط وانصت محدثه للحظات قبل ان يهمس بخشونة:
-لقد وقعت مشكلة وقحطان الان يتحكم بكل شيئ.
انصت للحظات بعد وعاد يقول بصوت خفيض وعيناه على الباب:
-لم لاتفهم.. اقول لك انه قحطان ابن عمي.. ان عقليته اقسى من الصخور ولن يتعامل معكم ابداً اتفهم.
ثم اخذ نفساً عميقاً وهمس:
-أخرجني من هنا.. اخرجني وانا سأساعدك على القضاء عليه تماماً والتحكم بالسوق هنا كما اتفقنا قبلاً.
انصت لدقائق قبل ان يومئ برأسه:
-حسناً.. سوف انتظر ولكن لاتتأخر.. ذلك الوغد كما سمعت ينوي انهاء كل مابدأناه..وهو سيفعل مايقول.
قالها واغلق الخط ثم اخفى الهاتف الصغير جيداً في ملابسه وعاد يستلقي على الفراش وعقله يدبر المكائد تلو الاخرى للتخلص من وضعه المزري والانتقام من ابن عمه الذي رماه في هذه الحفرة.. ولكنه على الاقل هنا استطاع الوصول الى هاتف والاتصال بالرجل حلقة الوصل بينه وبين اعضاء عصابته القذرة..
لولا تلك الممرضة التي خدعها لتعطيه هاتفها ليجري اتصالاً واحداً لكان بقي محبوساً هنا ولايعرف حتى متى..
ولكن لقد حان الوقت ليتحرك..
حان الوقت ليذوق الجميع طعم انتقامه..
وبالذات ذاك الوغد .. قحطان العـــزب..
***
-الى متى تترددين؟؟
انتفضت نادين وهي تنظر لشقيقتها همس التي ظلت تناديها لفترة قبل ان تهزها من كتفها بقوة تسرقها من شرودها وهي تتأمل المدينة الغارقة في الظلام والتي تبتعد لتصبح مجرد اضواء متراقصة.
-عليكي أن تكوني قوية لقد مررت بماتمرين به الان نادين قبل سنوات رحلت عن هذه المدينة في عتمة الليل كلصة تتسلل هاربة بعد أن نبذتني العائلة الوحيدة التي عرفتها..
لمعت عينا همس بالالم وهي تتذكر تلك الايام التي ظنت أنها قد نسيتها والى الأبد.. ولكنها كانت مخطئة فمأساة شقيقتها تذكرها بها نفسها.. وكأن الايام تعود من جديد..
-أنت كان لديك يوسف..
همست نادين مرتجفة لتبتسم همس وتقترب محتضنة شقيقتها بقوة:
-وأنت لديك انا ويوسف وحتى سارة.. ولاتنسي ليان وسالم..
ابتسمت نادين بتعثر وهي تنظر ليوسف الذي وقف بعيداً برفقة الاطفال الثلاثة.. يحمل سالم بين ذراعيه بينما تتقافز حوله ليان وسارة بشقاوة طفولية غير عادية..
الليلة سيسافرون جميعهم عودة الى ألمانيا.. حيث وعدتها همس بحياة جديدة.. خالية من الظنون والمتاعب..
تنهدت وحملت حقيبة كتفها الخفيفة ومضت مع همس تنضم لعائلتها الجديدة تخفي حزنها ورعبها من القادم خلف ابتسامة ركيكة.. بانتظار سماع نداء الرحلة المنتظرة..
لم تخبر همس بالحقيقة كلها بعد.. لازالت لاتقوى على افشاء اسرارها حتى على شقيقة دمها.. لاتزال بشاعة الحقيقة مختبئة.. لم تحاول همس ان تسألها وان ظهر فضولها في عينيها.. وعيون افراد عائلتها كلهم..وان التزموا الصمت وتفهموا حقيقة ان الحياة التي عاشتها كانت قاسية وكفى..
جلست معهم حول طاولة صغيرة وضع يوسف عليها المشروبات الساخنة وهو يحذر:
-نادين عليكي بشرب الكثير من السوائل الدافئة فرانكفورت باردة للغاية ولانريدك ان تمرضي حال وصولك..
ابتسمت وتناولت الشاي لتشعر بسارة تندس بقربها هامسة انها تريد الذهاب للحمام.. فنهضت تستأذن منهما لأخذها..
-لاتتأخري فموعدنا قريب..
هتفت همس فأومأت لها نادين ومضت تسحب سارة خلفها..
أدخلتها للحمام النسائي وبقيت تنتظر في الاستراحة.. راقبت وجهها عبر المرآة.. رغم الحزن فقد تألقت عينيها الخضراوتين بلمعان شديد.. هل كانت على وشك البكاء؟؟ لا لا.. لم تشعر برغبة في البكاء.. كانت متحمسة فقط..
ابتلعت ريقها وهي تعدل من حجابها.. خصلات الصبغة الشقراء بدأت بالانحسار عن شعرها.. ليظهر لونه الكستنائي تحتها.. تنهدت ولامست خطوط الارهاق تحت عينيها.. الهالات السوداء التي نقشت محجريها.. عظام وجنتيها البارزتين.. كل هذا سيختفي نادين.. وعدت نفسها بصمت قبل ان تشعر بسار تجذبها من ذراعها:
-نادين هل نمتي؟؟
نظرت لها نادين بدهشة قبل ان تبتسم باضطراب:
-لاحبيبتي.. هيابنا.
وقبضت على ذراعها بشدة وهي تتذكر كيف فعل يوسف المستحيل ليحصل على وصاية الفتاة الصغيرة بعد وفاة والدتها وزج والدها السجن بفعل جرائمه.. لولا نفوذ أخيه لمااستطاعوا اخراجها من البلاد حتى..
-ناديــــــــــن..
تسمرت مكانها..
كانت تقطع الممر الى منطقة المغادرة حين تصلبت ساقيها بفعل صوته..
مستحيل..
التفتت ببطئ لتجده واقفاً هناك.. ينظر لها بذهول بينما تتراجع سارة للتشبث بعبائتها وتخفي وجهها فيها فهي لم تنسى كل ماارتبطت به ذكر علي في نفسها..
-ماذاتفعل هنا؟؟
همست بشحوب ليقترب بتردد. سؤالها صدمه بقوة؟؟ مالذي يفعله هنا؟؟ لقد أمضى اليومين السابقين يقيد نفسه كي لايبحث عنها.. واليوم في المشفى سمع صدفة فقط ان يوسف الشهري في طريقه للسفر في طيارة الليلة ولم يعرف مافعل حتى وجد نفسه هنا أمامها..
كان يدور حول نفسه في المطار يبحث في الوجوه وهو يصرخ بداخله انها لابد رحلت.. لابد قد طارت بعيداً ولن تعود حتى رأها.. تجر اختها الصغيرة خلفها وتسرع باتجاه صالة المغادرة..
لم يكن ينوي التحدث اليها لم يكن ينوي حتى ان تعرف بوجوده..
ليغادره اسمها دون شعور..
-سترحليـــن؟؟
غمغم بشرود.. عيناه تلتهمان تفاصيلها التي كادت تختفي من فرط نحولها.. تحاشت النظر لعينيه وهمست:
-سأرحل والى الأبد لاتقلق..
ثم أضافت بسخرية:
-لم يكن هناك داعٍ لتأتي وتطمئن بنفسك انا راحلة بالفعل يادكتور.
غص بألم.. لتباعدها الذي جرحه دون سابق انذار..رأى عينيها تلمعان..تهربان منه كي لاتراه..أتكرهه الى هذا الحد؟؟
-لاأريدك أن ترحلي..
همس لتنظر له بصدمة.. فاغلق عينيه بشدة وهو يواصل بلاتفكير:
-لايجب ان تتركي كل شيء وترحلي هكذا..
شعرت بالمرارة.. بالحنق.. بحقد يملئ قلبها فصرخت دون ان تخفض صوتها:
-لم يعد لي شيئ هنا لأتركه.. كل ماهو لي كان...
وحبست ال " أنت " اللتي كادت تغادر شفتيها بقهر واستدارت بألم هامسة:
-كل مااملكه هو معي يادكتور.. لم أترك شيء خلفي فاطمئن.
نظر لظهرها المشدود بتحفز واقترب متسائلاً:
-هل أنت متأكدة؟؟
استدارت تنظر له باستغراب.. كلماته الغريبة ونظراته الأغرب:
-مالذي تريده مني بعد ياعلي؟؟ ألم يكفك كل مافعلته؟
رفع حاجبيه بتأثر وهو يسمع اسمه منها.. ياالله كم اشتاق لنبرتها المدللة وهي تناديه.. بكل ذلك الغنج .. سيدفع عمره فقط ليسمعها تناديه مرة اخرى بتلك الطريقة.. ولكن.. نبرتها هذه المرة كانت مشروخة..
دامعة تحمل من الألم والدموع اكثر مماتحمل من الدلال والغنج..!!
مالذي يريده منها؟؟ هو نفسه لايعرف؟؟ لايفهم سر الانجذاب القاتل الذي يعشعش في دمه.. لايكاد يستطيع الخلاص منه؟؟
-لااعرف..
همس بضياع ليظهر الالم في عينيها والذي سرعان ماتمالكته وهي تسمع النداء لطائرتها.. تراجعت وهي تقول ساخرة:
-لاداعي لأن تعرف يادكتور.. لقد انتهى الامر.. وانتهى مابيننا أوماظنناه بيننا..أرجوك ..أرجوك اتركني بسلام.
وقبل ان تنتظر منه الرد كانت تشق طريقها باتجاه بوابات المغادرة.. تخفي دموعها التي تجمعت في عينيها وهي تلتقي بشقيقتها وزوجها وترافقهم الى الحافلة الخاصة لنقل الركاب..
كان قلبها يخفق بجنون.. تشبثت بيد سارة وهمس بقوة..
كانت المرة الاولى لها على متن طائرة.. لم تشعر بالخوف من الطيران.. بقدر خوفها من ساقيها اللتان كانتا ترتجفان بقوة مهددتان بالنهوض والركض اليه..
تبــاً.. تباً..
شهقت بخفوت وهي تشيح عن العائلة المرحة الى جوارها لتنظر عبر النافذة الصغيرة لأضواء الفجر المتلألأ تخفي دمعة رقراقة تسللت عبر اطارها الحازم على وجنتها.. سرعان مامسحتها بقسوة.. فلم يعد الوقت مناسباً ولاحتى كافياً لدموع سبق ان ذاقت مرارتها قبلاً.
بقي لبعض الوقت بعد أن غادرت الطائرة محاولاً استيعاب انها رحلت فعلاً وأنه لن يراها بعد؟؟
حبه الأول.. وربما الأخير قد رحل.. لقد أحبها فعلاً.. ربما كان خطئاً فادحاً ربما كانت هي خطيئته الوحيدة ولكنها كانت المرأة التي أشعلت أولى شرارات النار في قلبه وجعلته يتعرف لأولى خفقاته المجنونة..
أخذ نفساً عميقاً شعر به كحجر ثقيل يجثم على أنفاسه قبل أن يخطو لخارج المطار بخطوات ثقيلة تجر نفسها جراً.. ولايكاد يتحملها.
-المعذرة..
سمع الكلمة المقتضبة من رجل اصطدم به على عجل رفع وجهه اليه ولم يتبين سوى الملامح المتجهمة لرجل لف عنقه بشال من الحرير قبل ان يومئ له علي بلامبالاة ويستمر في طريقه الطويلة كمافكر الى سيارته..
أماالرجل بالشال الحريرية فقد تلفت حوله بحنق ناظراً لساعته التي تشير لتأخر سائقه لنصف ساعة كاملة قبل ان يرى لافتة ورقية بدائية تحمل اسمه والرجل خلفها..
-تأخرت..
زمجر بغضب حقيقي جعل السائق المسكين يرتجف وهو يقول:
-الطائرة موعدها في السادسة.. انا اسف سلطان..
تالق عينا السلطان الشاب بحدة وهو يهتف:
-ووصلنا قبل الموعد.. كان عليك ان تكون هنا قبل الخامسة..اعطني المفاتيح..
ناوله الرجل المفاتيح بتوتر ليأمره:
-عد الى منزلك فلست بحاجة اليك منذ الان..
وقبل ان يترك له حرية الرد كان يرمي حقيبته الوحيدة في المقعد الخلفي ويستقل السيارة ليمضي بها بعيداً..
كان يقود السايرة متجهماً نحو مصير لايدرك نفسه مايخبيه له.. لقد أطاع والده وهاهو الان في بلاده التي لم يزرها منذ سنوات ليست بالقليلة.. لايزال يحتفظ ببعض الذكريات ولكنها كلها لاتساوي شيئاً أمام مهمته القادمة..
فقد قرر ان يطيع والده وينتقم من قحطان العزب لمافعله بابن عمه المدلل.. وبنفس الوقت قرر ان يأخذ الابنة الصغرى لأل العزب له..
وبين تحقيق الاول والثاني.. كان عليه اكتشاف الطريقة المثلى لفعل الاثنين معاً..!!
***
-الى متى تنوين هجره؟؟
أشاحت بوجهها بعيداً وكفها تستريح على بطنها التي نالها انبعاج خفيف لايكاد يلاحظ من سواها بسبب الحمل.. ونظرت الى الصحراء التي تلونت بألوان المساء وحارت بماتجيب الجوهرة؟؟
لقد مر وقت طويل.. تشعر وكأنها لم تره لسنوات.. لاأحد يفهم الشوق الذي تحاربه كل ليلة وهي تستلقي وحيدة على فراشها الضيق بعد ان رفضت البقاء في جناح نومهما.. لم تتصور رائحة وسادته دفئ سريره من دونه الى جوارها.. لااحد يفهم مقدار رغبتها بتواجده الى جوارها كماكان.. يأخذها بين ذراعيه ويهمس لها بصوته الاجش كم أنها دافئة وناعمة.. قبل ان يغرق وجهه في طيات شعرها الاحمر ثم يجرفهما الحب بعيداً..
لاتستطيع انكار شوقها لقوته.. حمايته والامان البالغ الذي تشعره بوجوده قربها.. كم حاولت من مرة تذكر مافعله بها قسوته وجحوده.. اتهاماته الباطلة وتعجرفه ولكن.!
لاشيئ يتبادر الى ذهنها سوى محاسنه التي تغرقها في حبه يوم بعد يوم أكثر وأكثر..
-لاأعرف..أشعربالخوف من مجرد التفكير بالعودة لماكنا عليه..
-عليكي ان تقرري الابتعاد لفترة طويلة ليس مفيداً لكما سيادة.. أنت حامل ويجب على شقيقي التواجد من أجلك وأجل الطفل.. لايجب ان يبقى بعيداً.
تنهدت بحرقة ومضت تظفر خصلات شعرها التي استطالت بشكل ملفت هامسة:
-لاأستطيع اتخاذ القرار أحيانا أفكر انه هو من يجب أن يأتي.. يجب أن يعود باحثاً عني وليس العكس.
نظرت الجوهرة لماتفعله بشعرها وهتفت بحنق:
-اخبريني كيف يطول شعرك هكذا وانت حامل؟؟
رفعت سيادة عينيها لها بدهشة لتصيح:
-كل النساء اللذين اعرفهم يعانون الامرين مع الشعر اثناء الحمل .. تقصف وتجعد وتساقط بلاحساب وأنت ماشاءالله انظري اليه.
لم تتمالك سيادة نفسها وقهقهت:
-يالك من مجنونة جوجو..
-انا اتكلم بصدق..انظري اليه..مالذي تفعلينه اعترفي؟
حاصرتها بمرح حتى رأت عينيها تتألقان بصدق لتبتهج هاتفة:
-هذا ماأردته.. انظري كيف تبرق عينيكي حين تضحكين.. لايجب علينا ان نقضي العمر كله في البؤس ياابنة عمي.
تبدلت النظرات المرحة في عيني سيادة وهمست:
-اتمنى ان نتخلص من كل هذا البؤس حقاً ياجوهرة..
-سنفعل لاتقلقي..والان لاتخرجيني عن الموضوع.
وعادت تزم حاجبيها :
-ماذا تفعلين لشعرك..؟؟
عادت سيادة تضحك وهي تهتف بمرح:
-أقسم انني لاأفعل شيئاً.. ولكن يبدو ان الهرمونات الزائدة تفيد ذوات الشعر الأحمر..
تأملتها الجوهرة بحسرة وهي تمسد شعرها الذي بالكاد عاد لطبيعته بعد مافعله بها زوجها ثم همست:
-اشتقت لسلمى..
|