كاتب الموضوع :
عبير قائد
المنتدى :
سلاسل روائع عبق الرومانسية
رد: 34 - رواية "شيوخ لاتعترف بالغزل" لِ عبير قائدالفصل ال22 الرواية قمة في التميز
-انه لايريدني.. أليس كذلك؟؟ هو لم يعد يريدني ولايأبه بي حتى؟؟
هتفت سيادة وهي تسقط على الارض.. تحيط ركبتيها بذراعيها بقوة.. تحيط جسدها الذي ارتجف بصورة مرعبة.. لتلحقها الجوهرة وتحوطها بذراعيها هي الاخرى هاتفة:
-لاتقولي هذا سيادة لاريب انه غاضب منك بسبب ما وسيعود عن غضبه ويهدأ..
لم تصدق ماقالته هي نفسها لتقنع به ابنة عمها التي انهارت على صدرها باكية بحرقة:
-انه يكرهني ياجوهرة.. يكرهني ويرغب بموتي.
-تعوذي بالله من الشيطان سيادة .. قحطان قد يكون قاسياً وجلفاً ولكن قلبه رقيق و...
-قلبه حجر.. مجرد حجر لايلين..
صرخت بألم لتصمت الجوهرة وقد نفذت منها الاعذار التي لم تستسغها نفسها في حين عادت سيادة للصراخ:
-لماذا يفعل بي هذا لماذا يتلذذ بتعذيبي...
ونظرت لابنة عمها هاتفة بحرقة:
-انا لم اطلب منه الزواج بي ياجوهرة .. انا لم افعل له شيئاً.. لم أؤذه بشيئ فلماذا يقتلني بكل هذه الكراهية.. لماذا ينتقم مني بهذه الطريقة؟؟
-صصه.. لاتقولي هذا الكلام.. قحطان لايكرهك لايعقل ان يفعل ماتقولينه..
-انظري لي.. انظري لكل ماسببه لي من تعاسة..
شهقت بالبكاء.. كانت تشير لنفسها بقهر وتصرخ بحرقة جعل الجوهرة تناظرها بصمت مرتعب:
-انا سيادة العزب.. انظري لحااالي الان.. انظري مافعله بي.. لقد قهرني ياجوهرة.. شقيقك قهرني.. ويصر على التمادي في قسوته وجبروته..
لم ترد عليها بل تسمرت تراها وهي تنهض من سقوطها بسرعة هاتفة بجنون هستيري:
-انا لن أسمح له.. لم أعد أطيق هذا الوضع.. لن اسكت عمايفعله بي.. لن أسكت وسأريه من تكون سيادة العزب.. سأغادر هذا المكان.. سأرحل عن هنا ولن يعرف لي طريق لا أنا ولا ولده الذي في بطني.
-هل جننتي؟؟؟
صاحت بها الجوهرة لترد بصوت شحب من فرط البكاء:
-لااا لم أجن.. ولكنني عقلت أخيراً.. شقيقك تمادى ولن أسمح له.. لقد تحملت لوقت طويل.. طويل للغاية.. والان لم اعد اهتم بشيئ.. لايهمني شيئ ابداااا...
-لايمكنك الرحيل الان سيادة لااحد سيسمح لك وقحطان بالذاات..
شعت عينيها الخضراوتين بالجنون وهي تصرخ:
-سأريه من أكون حقاً ولنرى مايقدر على فعله..
-سيادة لاتكوني مجنونة..
هتفت الجوهرة بتحذير وقد رأت الجنون بعينه يطل من عيني المرأة المقهورة.. لترفع سيادة رأسها عالياً وتشمخ بذقنها هامسة بتحدٍ:
-انا لست مجنونة.. أنا حــرة.. ولن أسمح لأحد بمعاملتي كالرقيق.. أتفهمين..
وقبل ان ترد عليها كانت تسرع لالتقاط غطاء رأسها وتشق طريقها متجاهلة تحذيرات الجوهرة التي تعالت خلفها.. لم تعد تحتمل.. لقد فاض بها الكيل ولم تعد تقوى.. كانت لاتزال شامخة بذقنها.. لاتزال قوية وتظهر قوتها للجميع ممن رآها ومن ضمنهم حماتها التي رشقتها بنظرات مستغربة لخروجها بتلك الطريقة.. تجاوزت الممر الصغير الذي يفصل بين المنزل الكبير والديوان الخارجي الذي يجلس فيه شيخ العزب الكبير.. ودون اهتمام لمن قد يكون مع الشيخ بالداخل أسرعت اليه.. تحاول اخفاء دموعها التي انسابت بغزارة على وجنتيها وهي ترتمي امام جدها الذي تفاجئ بمجيئها بتلك الطريقة ..
-سيادة .. بنيتي .. ماذا أصابك؟؟
بكت بحرقة وقتها.. بكت وهي ترتمي على حضنه.. وتمسك كفيه بقوة مجهشة بالبكاء.. لتثير رعب جدها الذي بدأ يعيذها من الشيطان ويقرأ عليها بصوت مرتعش.. تنازلت عنه قوته وهو يشعر بالرعب من منظرها.. أيعقل انه سنده هو من تبكيــه؟؟!!
قحطااان.. ابــن قلبه..
أيعقل ان مكروهااً قد أحاط به وهو بعيد عنه؟؟
-مالذي حدث بنيتي ؟؟ بالله عليك بنيتي..لاتخيفيني.. اهو قحطان ولدي؟؟ اهو من تبكينه؟؟
شهقت بالدموع بحرقة.. رفعت عينيها اليه نظرت لوجهه الاسمر المليئ بالتجاعيد.. وهمست محروقة:
-بل هو من أبكاني ياجدي.. هو من أبكاااني...
-لاحول ولاقوة الا بالله..
شهق جدها بالكلمات وعاد يطبطب عليها.. لايعرف أيرتاح لاطمئنانه ام يُجن من خوفه وقلقه على سيادته التي أعادت الحياة لعلاقته بابنه.. واعادت ربط فصام العائلة الذي انفرط !!
-مالذي فعله لكي بنيتي ؟؟ مالذي فعله؟؟
همس لها محاولاً الابتسام.. محاولاً تمكين الدعابة من صوته المرتجف .. غضباً وحنقاً.. لترفع له زمردتيها الحالكتين بفعل الحزن وهمست بحرقة:
-لقد قهرني ياجدي.. حفيدك قهرني ومرغ بكرامتي للأرض..
اتسعت عينا الشائب بصدمة بينما واصلت سيادة بقهر:
-حفيــدك منذ زواجنا يعاملني كمجرد خادمة .. أمة.. مجرد شيئ مغصوب عليه مضطر ان يتحمله.. استحملت الكثير والكثير دون ان يتدخل احد لمساندتي.. وصبرت جدي.. صبرت لوقت طويل.. والان بعد تحملي لكل تقلباته ومزاجيته.. بعد ان جعلني الامس السماء سعادة هاهو يتخلى عني.. يتخلى عني ويتركني اسقط الى الارض دون رحمة.. ودون ذنب ياجدي..
واجهشت بالبكاء ليحتضنها العجوز مرتجفاً.. بالقلق.. بالغضب.. بمشاعر لم يحسب انها قد تطاله تجاه حفيده المفضل.. شيخ العزب.. عزوته وكرامة قبيلته كلها..
-اخبريني بماحدث.
طلب منها بصلابة.. لترتفع عن حضنه وتنظر في عينيه وتهمس:
-انظر الي.. انظر كيف أصبحت وستعرف وحدك ماعانيته مع حفيدك.. انظر وقارن ماتراه بماكنت حال وصولي من باريس قبل شهور.. اهي انا سيادة التي كانت ياجدي؟؟ انظر كيف أصبحت بعد أن فرغ حفيدك مني..
رقت عينا الشيخ العجوز وهو يفعل ماتقول حقاً.. كيف جائت اليهم بكل ذلك الاشراق.. بكل ذلك الفرح والعشق للحياة الذي كان يشع من عينيها وروحها..
عينيها اللتان كانتا مشرقتين بالسعادة والحماسة .. انطفئ نورهما وكستهما الظلال..
وجهها الممتلئ فرحاً وصحة.. ذبلت وجنتيه وخبا نوره وتشققت نعومته بفعل اخاديد حفرتها الدموع.. حتى خصلات شعرها الشمسية تهدلت دون رونق ولاقوة..
مالذي فعلته بسيادة ياولدي؟؟
فكر بذعر وهي تهمس له بألم:
-وفوق كل مافعله.. هاهو يبتعد عني ياجدي.. يهجرني عقابا على ذنب لم أرتكبه.. يعاقبني بكســري ألماً.. وقهراً.. يريد ان يمرغني في التراب..
-مااعاااش من يفعل ياابنتي..
صاح جدها بغضب.. ليعود وتتسع عيناه بذعر وهو يستغفر دعوته على حفيده.. فلذة قلبه..
-قحطان لايفعل هذا.. ليس لأحد غريب فمابالك بابنــة عمه .. زوجته وأم ابنه القادم؟؟ لاتفكري بهذه الطريقة ولاتظني هكذا بابن عمك.
انسابت دموعها بقهر وهمست:
-ولكنه فعل جدي.. رحل وتركني.. انه حتى لايريد ان يكلمني.. والأدهى من هذا كله.. انه يهددني بالزواج علي.
اتسعت عينا الجد بصدمة.. زواااج؟؟؟ مالذي يخطط له حفيده؟؟ لقد اقنعوه بالكاد بالزواج في المرة الاولى والان يفكر بالثانية؟؟ مالذي حدث؟؟؟ مالذي فعلته ياسيادة ليعاقبك قحطان بهذه الطريقة؟؟
-لن يدخل قحطان عليك بامرأة أخرى.. ليست سيادة العزب من تشاركها اي امرأة ..
لمعت عينيها وخطتها بادخال جدها لمعركتها مع زوجها تعطيها القليل من الثقة والامل.. لتقترب هامسة بصوت خاضع:
-هل ستساعدني جدي..؟؟ انا وحيدة هنا.. والدي بعيد وشقيقي في اخر الدنيا.. ومن تركوني في عهدته وحمايته.. " وتحشرج صوتها وهي تبكي" هجرني وتركني وحدي.. ظلمني ياجدي.. وانا لم يعد لي سوااااك..
ثارت ثورة الشيخ..
أمانة .. لقد اعطاها له امانة ليحافظ عليها وانظروا مافعل..
كان غضبه عارماً.. حتى ارتجفت أصابع يديه وهو يهمس لها :
-لاتقلقي يابنتي.. انت في عيني وقلبي.. وانا وكيلك.. لن يظلمك أحد وانا بي نفس يشم الهواء.. وزوجك هذا انا من سيربيه.. وسيعود اليكي رغماً عن أنفه..
ابتلعت ريقها بقوة تكتم صيحة فرح .. خفضت عينيها بسرعة تخفي جنون فرح شق طريقه عبر عينيها وهي تشعر بنفسها تكاد تطير من السعادة والفرح..تكاد تحلق معلقة بحبال الوعد الذي قطعه لها شيخها.. يقينة هي من تنفيذه ولو كلفه الكثير.. وستنتظر بصبر.. ولن يتأخر صبرها..
***
فتح عينيه فجأة..
حلقت حدقتاه بالسقف خلف ستار النعاس الذي تغشاه كانت أطرافه مخدرة وكأنه مشلول.. عقله يخرج من ضباب النوم ولازال باقي جسده ينعم بسكينته.. بالكاد استطاع تحريك رأسه ملقياً ببصره للمكان الذي رقد فيه.. لايشبه من بعيد ولاحتى من قريب منزل عائلته الفاخر.. ولاشقته العصرية وسط مدينة نيويورك.. أين هو؟؟
سمع فرقعة الخشب في المدفأة الحجرية.. الصوت بعث الحياة لأطرافه المتصلبة.. هب يستند على مرفقه يفتح عينيه على وسعهما متذكراً أين هو ومايفعله بالضبط في هذا المكان.. والسؤال الأهم الأن.. أين هي بالضبط؟؟
-سلمى؟؟
صرخ بأعلى صوته وهو يقفز على ساقيه.. عيناه تبحثان عنها في الغرفة الضيقة وكأنها قد تقفز من خلف أحد المقاعد او تخرج من وراء احدى السائر الثقيلة ولكن لاشيئ..!!
تحرك يبحث عنها بسرعة وقلق بالغ .. بحث في غرفتي النوم المتجاورتين.. الحمام.. المطبخ.. ودون ان يتلكك كان يضع حذائه ويرتدي معطفه الثقيل ويسرع للخارج..
حالما فتح الباب الخشبي الثقيل صفعته الريح الباردة بقوة.. جعلتها يغمض عينيه دون ارادة منه وجسده تجتاحه قشعريرة مخيفة وهو يصرخ باسمها بقوة تردد صداها في الانحاء.. محملة ببرودة المساء الذي يقترب بسرعة مخيفة.. لقد ظهرت الشمس برتقالية تميل الى الاحمرار وهي في طريقها لتختبئ خلف قمم الجبال.. لو حل الظلام قبل أن يجدها!!
هز رأسه بعنف وهو يطرد التفكير من رأسه بقسوة.. سيجدها.. الى أين يمكن أن تذهب في عز هذا البرد.. في منتصف البروفانس البعيد.. والمنعزل عن الجميع..
الى اين ذهبت؟؟ ركض نحو الطريق الذي يقود الى عمق الغابة التي تصل بين سفح الجبل حيث الكوخ والطريق الرئيسي.. مسافة طويلة لايعقل ان تقطعها سيراً على الاقدام.. ستموت من شدة البرد اذا لم تضع من الاساس..
"سلمـــــى..."
صرخ بقوة .. ركض بسرعة يدير عينيه بحثاً عنها .. تجول عيناه في الاشجار المتزاحمة على جانبي الطريق الضيق.. يبحث عن أثر.. أي أثر..
"سلماااااااااااااااا"
صرخ بقوة اشد.. دعك كفيه ببعضهما ينشد بعض الدفئ.. والذعر ينخر في عظامه .. اين هي؟؟
فكر بجنون.. لو فقدها الأن؟؟ يالله أين يمكن أن تكون؟؟
تحرك بشكل أسرع.. يدير رأسه في كل مكان.. اين يمكن ان يبحث؟؟ لايستطيع البحث عنها وحده يحتاج الى مساعدة... فكر بالاتصال برجاله اللذين أخذو السيدة العجوز للبلدة التي تبعد ساعتين بالسيارة.. حتى يبقى معها لوحدهما وأمرهم بألا يعودوا حتى يتصل بهم فقط..
طريق العودة يستغرق ساعتين.. وهو لايعرف منذ متى وهي في الخارج..
شعر باليأس وهو يلعن نومه الثقيل.. فتش بعينيه عن دليل اي شيء..
-يالله...
صرخ برجااااء.. وكاد يناديها مجدداً حين رأآآه..
اتسعت عيناه بذهول وهو يركض الى الشجرة البائسة وقد تعرت غصونها من الاوراق وان حملت شيئً جعله ينتفض اليها.. كان قماشاً ما.. انتزعه بصعوبة من الغصن الذي اشتبك به.. وكأنما انتزع بقوة من باقي الرداء.. يعرف هذا القماش.. كان جزءاً من رداء سلمى الصوفي الذي كانت تضعه عليها..
قرب القماش الناعم وتشممه بلهفة..
تباً انها رائحتها.. رائحة القرنفل والياسمين..
تنهد بثقل.. انها قريبه.. القماش لايزال دافئاً.. لم تنخره البرودة ولم تزل رائحته عنه..
لم تبتعد كثيراً كما يأمل,, واصل مسيرته وهو يصرخ باسمها دون توقف.. الضوء القادم من الشمس الغائبة بدأ يخبو.. بدأ ينحسر.. أخرج كشافاً وبدأ ينير طريقه وهو يصرخ منادياً لها بلاتوقف..
سمع صدى صوته يتردد في الظلام.. تعيده عليه بعض حيوانات الليل التي لم تخشى الظلام والبرودة القارصة.. تلسعه نفحت البرد وتنخر عظامه ويتخيل ماتعانيه سلمى.. وحيدة.. مذعورة.. ضائعة..
شعر بقلبه يعتصر بين ضلوعه.. تباً له من شعر يداهمه للمرة الأولى في حياته.. يخشى عليها عواقب الفشل في هروبها أكثر من غضبه عليها.. سمع صوت عواء ذئب.. بعيد كصدى وربما اقرب بكثير.. واتسعت عيناه بذعر وهو يتخيلها تسمع الصوت ذاته.. اخذ نفساً عميقاً.. وصرخ باسمها مجدداً لتردد صداه الذئاب بصوت جهوري واحد يكاد يمزق نياط الظلام من حوله..
ابتلع ريقه .. بخوف حقيقي.. عليها وعلى نفسه..
لاأحد يقطع هذا الطريق في الظلام.. لااحد يفعلها وينجو..
تقدم برعونة.. وتعثر بشيئ ما جعله يشتم قبل ان يوجه كشافه اليه وتنعقد حاجباه بحيرة.. حذاء؟؟!!
التقطه ونظر اليه بذعر.. انه حذاء سلمى الرياضي..
الحذاء الابيض الذي كانت ترتدي في الصباح.. رفع رأسه محملقاً في الظلام.. عارية القدمين.. !! سيقتلها البرد.. وتجرحها الاغصان الجافة والحجارة.. ورائحة الدم الحارة ستجذب نحوها كل الحيوانات الجائعة وسط هذا الصقيع..
-سلمـــــــــــــــــــى .. سلمــــــــــــى...
صرخ بجنون راكضاً.. ويده الأخرى تجذب مسدسه من جرابه,, قفز متجاوزاً غصناً يابساً وقع وسط الطريق وتابع ركضه بسرعة يبحث عن المرأة التي رماها بيده الى التهلكة..
كان الثلج قد بدأ بالتساقط والهواء قد تكاثفت ذراته وبات يستحيل تنشقه دون ان تفتح فمك شاهقاً.. فخرج اسمها من بين شفتيه بين الشهقة والأخرى,, يحمل خشيته وخوفه عليها..
لايعرف كم ركض من وقت وكم قطع من مسافة.. ان يركض بجنون.. يبحث عنها في ضوء الكشاف الضئيل.. يصرخ باسمها دون توقف..ربااااه اين هي؟؟
فكر بجنون.. قبل ان يتوقف بحدة وتتسع عيناه بذعر.. وهو يواجه عينين حمراوتين.. تلمعان وسط الظلام.. اسنان مكشرة بزمجرة شرسة تحمل اثار الدماء والموت بين فرجاتها..
تيبس جسده وهو ينظر للذئب الضخم الذي يواجهه.. لم يواجه ذئباً قط من قبل..؟؟
لم يواجه حيواناً متوحشاً ابداً في عمره فماهو فاعل؟؟
زمجر الحيوان بشراسة اكبر وهو يشتم خوف الرجل امامه.. زمجر بجنون وهو يدور حوله بحذر.. جعل سيف يناظره بتوتر.. يبتلع ريقه بصمت.. وعقله يحاول التفكير بطريقة تنقذه من بين براثن هذ المتوحش المفترس..
زمجر الذئب مجدداً.. لينتفض سيف وبلحظة تذكر المسدس بيده.. ودون تردد رفعه ليصوبه تجاه العدو المتوثب.. ربما لايفقه الحيوان لغة البشر ولكنه بالتأكيد يفهم لسعة النار حين تقترب منه..
-لاتقترب مني والا قتلتك..
همس بشحوب لتفترش زمجرة الذئب العابسة بقوة اكبر.. جعلت يده الممسكة بالمسدس ترتجف للحظة قبل ان يثبتها ويضغط على اسنانه واصابعه تضغط الزناد وتنطلق الرصاصة مصيبة الارض الى جوار قائمة الذئب الذي قفز مبتعداً بعواء خفيض مذعور.. وقد لسعته حرارة الطلقة.. وقبل ان يطلق سيف الطلقة الثانية كان الذئب يولي بعيداً..
لوقت قصير على كل فكر سيف بقلق.. سيعود الذئب ولن يكون وحيداً..
رفع يديه يضغط على جانبي رأسه بقوة.. يريد ان يفكر بشيئ ما.. فكرة تنقذه مماهو فيه وتنقذ سلمى.. سلمى!!
شعر باليأس للحظة.. حين سمع ذلك الانين..
فتح عينيه بقوة واادار كشافه يتبعه بعينيه.. حتى وقع بصره عليها!!
هذا ماكان الذئب يحوم حوله..؟؟ جسدها المكوم هناك.. ربااااااااااه..
-سلماااااااااااااااا...
صرخ بذعر وهو يسرع اليها.. يجثو نحوها ويتفقدها بعينين ويدين مذعورتين..
-سلمى اانت بخير..؟؟
هتف بجنون.. يتذكر منظر الذئب وتكشيرته الدامية.. رأى وجهها الشاحب.. شفتيها الجافتين المزرقتين.. رأى عينيها الزائغتين.. وشعر بأصابعها باردة كالثلج.. تحسس نبضها.. كان ضعيفاً.. بالكاد شعر به...
أحاط وجنتيها بكفيه وقرب وجهه الى وجهها هامساً بشحوب:
-سلمى.. انظري الي.. سلمى استيقظي..
لم تكن لتجيبه بأي حال من الأحوال.. شعر بخيبة امل قاسية تعتصره وهو ينهض نازعاً معطفه.. محاولاً الباسه اياها.. كانت متصلبة من البرد..سمع تأوهها الخافت.. ولم يتوقف.. عليه ان يخرجها من هناك بأسرع وقت ممكن قبل عودة الذئاب.. ولاتزال امامه مسافة طويلة لقطعها عودة الى الكوخ..
ابتلع ريقه بصعوبة وحملها محاولاً اخفاء وجهها عن الثلج المتساقط.. مقرباً جسدها من دفئه.. مشي بها بسرعة بالاتجاه الذي جاء منه.. لايزال الكشاف بيده.. ينير له طريقاً بدت معالمه بالاختفاء بسبب الثلوج..
-انت لن تموتي..
همس لها.. شفتاه قريبة من أذنها.. يسمع حسيس انفاسها بصعوبة..
ضمها اليه اكثر وصرخ بألم:
-لن أسمح لك بالموت الان ياسلمى.. ابداً لن اسمح لك..(استغفر الله)
تسارعت خطواته بقوة النبض الضارب في اعماقه.. والذي تسارع بصورة لم يختبرها قط من قبل وهو يواجه تحدياً لم يواجهه في حياته .. حتى الأن..
النجاة.. مهما كلفه الأمر.. لأجل المرأة التي اكتشف الأن فقط انه لم يكن يركض خلفها لشيئ سوى الحب..
سلمى العزب.. امتلكت مالم تمتلكه اي امرأة قبلاُ.. امتلكت قلبه القاسي.. وهاهي تبعثه للحياة بكل دفئ.. حتى وهما يصارعان الضياع والموت وسط غابة في عمق البروفانس المغطى بالثلوج؟؟!!
نهاية الفصل
بيرو
|