كاتب الموضوع :
عبير قائد
المنتدى :
سلاسل روائع عبق الرومانسية
رد: 34 - رواية "شيوخ لاتعترف بالغزل" لِ عبير قائدالفصل ال21 الرواية قمة في التميز
البارت الواحد والعشرين
الجزء الثاني ...
انها ليلة طويلة ومتعبة..
جلس يسند ظهره المجهد الى مقعد خشبي تأوه لملامسته عضلاته المنهكة من الوقوف الطويل ولساعات في غرفة العمليات دون فترة راحة حقيقية بين العملية والاخرى.. لايكاد يصبر ليعود الى منزله ويغفو أخيراً الى جوار حبيبته.. كانت الساعة بالكاد تتجاوز منتصف الليل ببضعة دقائق.. انه هنا منذ الصباح.. وغداَ سيكون يوم الراحة الوحيد في المخيم الجراحي الذي يقيمه..
سمع هاتفه يرن.. وحين رفعه اتسعت عيناه وهو يجد كم المكالمات الهائل.. يالله .. همس ستقتله..
-السلام عليكم..
همس لتصرخ عليه:
-لاسلام لي معك ولاكلام.. اين أنت؟؟
ضحك بخفوت لتجتاحها راحة عميقة وهي تستقبل صوته بخشونته المثيرة:
-وأين سأكون حبيبتي.. لقد انتهينا للتو..
-انا اتصل بك منذ زمن.. انظر لهاتفك لما لم ترد؟؟
هتفت بحرقة ليجيبها بهدوء وصبر:
-لقد كنت في العمليات حبيبتي وهاتفي وضعته في المكتب.
تنهدت بضيق وهي تتنقل في ارجاء بهو منزلها المطل على الشاطئ هاتفة:
-لاتفعلها مجددا يوسف كدت أجن قلقاً عليك..
ضحك بخفوت ثم سألها بحنان:
-هل ستردين سلامي الأن؟؟
ضحكت رادة عليه السلام قبل ان يهمس هو بارهاق:
-سأغير ملابسي واعود للمنزل..لن اتأخر.
-عشائنا جاهز سأسخنه فقط وأجهز لك الحمام.. لاتتأخر.
-لن أفعل حبيبتي..لاتقلقي.
-ولاتقد السيارة بسرعة..
أضافت موصية ليضحك مؤكداً لها .. قبل ان يغلق الهاتف ويشرع بتغيير ملابس الجراحة..
كان في طريقه للخروج حين تذكر تلك المرأة...
توقف زافراً بضيق ولكن تغلبت عليه مشاعر الطبيب وعاد أدراجه لغرفة العناية المركزة وهو يلقي التحية على الاطباء المناوبين.. وهناك توقف بحيرة..
كانت تقف مديرة له ظهرها.. فتاة بعبائة تغطي شعرها وكلها متصلب.. تناظر المرأة النائمة بتأثير المهدئات.. ولاتكاد تتحرك..
من تكون؟؟ فكر بحيرة ؟؟ أيعقل ان تكون ابنتها الغائبة؟؟
اقترب ليلفت انتباه الفتاة.. والتي سرعان مالتفتت له هي الاخرى بحدة.. تناظره هي بعينين غارقتين بالدموع.. بشهقة انحبست بين شفتيها بينما تصلب هو بذهول يناظرها..!!
..
لم تكن تريد المجيئ..
لم تكن تنوي العودة الى الدوامة التي شقت طريق خروجها عبرها بالدم.. ولكن كلمات علي وقفت لها بالمرصاد.. كان عليها المجيئ.. ربما.. فقط ربما تُخفف بعض من ذنوبها.. ربما يكون هذا فعلها الصالح الذي قد تُثاب عليه..
ولذا جائت للمشفى.. في اواخر الليل كما اللصوص.. تتسلل علها لاترى أحد.. وبعد توسل مبكي للمرضة وافقت على ادخالها.. وهناك وقفت تناظر المرأة التي غابت ملامح وجهها ولم يتبقى منه سوى شحوب أهلك عافيتها.. لم يبقى سوى جسد ضئيل.. ضامر.. وقفت تبكي بحرقة..
هذه المرأة التي ضحت لأجلها بكل شيئ.. هذه المرأة التي جعلتها تفقد كل ماهو مهم لها في حياتها.. جعلتها تفقد نفسها.. روحها .. والأهم.. شــرفها وعفتها..
هي من جعلتها تقف امام الجميع ك*****.. فتاة تبيع شرفها كل ليلة كي تعيش..
من أجلها هي.. فقدت كل شيئ.. فقدت الرجل الذي تحب.. والى الأبد..!!
خدعتها باسم الأمومة.. خدعتها ومثلت عليها بل هي خطفتها من عائلتها .. وليتها لم تفعل.. ليتها تركتها تواجه مصيرها هناك مع ابيها الذي قالت انه لم يكن يرغبها.. ربما كان ليسترها.. ولم يكن ليبيعها رخيصاً كمافعلت هي؟
أخذت نفساً ,, ملئته الدموع.. وهي تفكر هل يجوز لها ان تكرهها.. هل يجوز لها ان تقترب منها الان وتزيح عنها خرطوم الاوكسيجين وانابيب السوائل المغذية وتتركها لتموت..
أم يجب عليها ان تنتحب وترفع صوتها بالعويل لأن الام الوحيدة التي عرفتها في حياتها.. تمــــوت؟؟!!
حينها سمعت الخطوات خلفها.. التفت بسرعة وتراجعت شاهقة وهي تقف امام ذاك الرجل الضخم..
رأته يناظرها بذهول فهمست متحشرجة:
-من أنت؟؟
ضاقت عينا يوسف بذهول وهو ينظر للفتاة الصغيرة .. مستحيل..
حرك رأسه بحدة.. كان ينظر لها بطريقةفجة أجفلتها وجعلتها تتراجع صائحة عليه بان لايقترب منها.. ولكنها..!!
فكر بذهول وهو ييل النظر لعينيها..
عينين لم يرى في حياته مثلها.. الا عيني زوجته.. همس؟؟!!
-من أنتي؟؟؟
هتفت بخشونة.. لتجفل من صوته واللكنة الاجنبية التي لاتزال تتحكم بمخارج حروفه..
-اانااا..
وتلعثمت باقي الحروف.. ماذاتقول عن نفسها..
انا ابنتها؟؟!! أم انا ضحيتها ؟؟!!
ولذا أثرت الصمت.. احتبست الكلمات في صدرها.. ليسألها يوسف باهتمام:
-أأنت ابنتها؟؟ انت من كانت تنتظر؟؟
لم تجد بُداً من هز رأسها.. بتردد موافقة على مايقول..
فعقد حاجبيه وهو يتعجب من الشبه الكبير.. لم تكن تهمه الملامح.. ولكن العينين؟؟ يارب الكون.. وكأنه ينظر في عيني زوجته.. اللون.. النظرة .. تلك العاصفة التي تبدو وكأنها دوماً على وشك الهبوب ولاتهب ابدااً..
حينها فقط وعى لنفسه يطيل النظر بالفتاة التي تعلقت به عينيها برعب.. فتراجع مستغفراً وهو يشيح بعينيه .. همس لها:
-أمك بحاجة اليكي ياانستي.. انها تعاني الكثير ولااعتقد ان لديها الوقت..
نظرت له بانكسار وهي لاتعرف ماتقول.. رأته يتراجع لتهتف به :
-هل ستموت؟؟
توقف بأسف ونظر لها:
-كلنا سنموت يوماً..
-ولكنها ستموت قريباً.. أليس كذلك؟
همست باصرار لينظر لها باستغراب.. أكانت تتمنى موتها؟؟ مالذي يحدث؟
-انا لاأعلم الغيب انستي.
-أأنت الطبيب المسؤول عنها؟؟ أليس كذلك؟
-هذا صحيح..
صمتت للحظات تتأمله.. لاتعرف ماهية شعورها وهي تنظر اليه.. ارتياح.. ارتياح غريب وهي تسأله:
-كيف حالها؟؟
تنهد قبل ان يهمس:
-سيئـــة.. جداً.
نظرت لأمها .. ولم تشعر بشيئ .. تجمدت مشاعرها وقسى قلبها بطريقة لم تتخيلها .. لم يكن الحزن لها الان.. لقد حزنت على نفسها وبكتها كثيراً وهذه المرأة قد تستحق تعاطفها ولكن لاشيئ أكثر.. أبداً..
ولكنها لم تأتي الى هنا للتعاطف.. لم تأتي للحزن.. لقد فكرت مطولاً واتخذت قرارها.. يجب ان تعرف .. ان تفهم.. يجب ان تعرف عائلتها..
-متى ستستيقظ؟؟
-انها تحت تأثير المهدئات القوية.. لااعرف متى بالظبط..
قالها يوسف بأسى.. لتنظر له هامسة:
-أتتركنا وحدنا لبعض الوقت؟؟
عقد حاجبيه ولكنه لم يفكر كثيراً بل اومأ بتفهم وتراجع ليغادر بصمت.. في حين التفتت نادين لأمها واقتربت هامسة:
-استيقظي..
لم ترى اي رد فعل.. وبعد تردد قصير مدت يدها تهزها برفق..
-قلت استيقظي.. ألم تكوني بانتظاري.. هاانا قد جئت..
رأت حركة طفيفة في جفنيها .. فشهقت متراجعة.. وأمها تفتح عينيها ببطئ.. وانفاسها تتسارع...
-نـ..ناااديـــ..نااادييين؟؟ انت هناا؟؟!!
همست بشحوب لتبتلع نادين ريقها وتهمس:
-انا لم آتي هنا للاطمئنان عليكي.
بكت المرأة حينها بمرارة.. بكت وهي تهمس باختناق:
-انت هناا؟؟ قولي انه ليس حلماً.. ارجوكي بنيتي..
-لاتناديني بابنتي..
صاحت نادين بقهر.. عينيها تشتعلان بثورة وهي تقترب من المرأة هاتفة بحقد:
-انا لست ابنتك.. ولن أكون.
انهمرت دموع امها بقهر وهمست :
-سامحيني نادين.. سامحيني ياابنتي .. ارجووكي..
لمعت عينا نادين بالدموع ولكنها لم تسمح لها بالسقوط على وجنتيها قط.. سيطرت بقوة على نفسها وهي تهمس بصلابة:
-انا لن أسامحك ابداً.. لن اسامحك على كل مافعلتيه بي طيلة تلك السنوات.. لن اسامح بيعك لي مراراً وتكراراً.. لن اسامح ابداا..
قالتها بقهر وامها تذرف الدموع بلاقياس ونادين تواصل بحدة غير مبالية بحالتها الصحية:
-لم أتي هنا من أجلك.. لقد فكرت مراراً وقررت انني يجب ان اعرف كل شيئ.. أريد أن اعرف اين هي عائلتي.. أريد أن اعرف اسم أبي.. وأين مكان شقيقتي..
اتسعت عينا امها بذهور بينما نادين تصر:
-أخبريني كل شيئ.. افعلي الشيئ ولو لمرة واحدة في عمرك..
-اانااا,, اناا لااعرف..
همست امها بتخاذل لتصرخ:
-بلى تعرفين.. انت تعرفين اسم ابي..
-لا.. لااتذكر..
بكت المرأة بتعاسة لتصرخ بها نادين وقد فقدت سيطرتها على دموعها فانفجرت بقوة:
-اتوسل اليكي.. اخبريني.. لاتتركيني ضائعة بهذه الطريقة اخبريني الحقيقة.. أين ابي وشقيقتي؟؟
...
كان في الخارج.. لم يقدر على المغادرة والابتعاد كماطلبت منه الفتاة.. بل انتظر في الخارج.. وهنا سمع الصراخ.. في البداية لم يحاول التدخل ولكن.. الصرخة الاخيرة كانت مدوية حتى انها لفتت انظار بعض الممرضين المتواجدين خارج الغرف.. ولذا دخل بسرعة..
كانت نادين تشرف على سرير امها وتهزها بكتفيها بقوة:
-اخبريني .. قولي اين هي شقيقتي؟؟ اين ابي؟؟
ابعدها يوسف بقوة وهو يصيح بها:
-هل جننتي؟؟ ابتعدي عنها ستقتلينها..
-ارجوكي بنيتي.. انا لااعرف عنها شيئاً..
-اخبريني اذن عن زوجك.. اخبريني اين أخذها؟؟
نظر يوسف لهما بذهول لاهذه تنوي التوقف .. ولاالاخرى تتوقف عن البكاء والتوسل..
-كل مااعرف.. ككل ماعرفه انه مات .. مات محاصراً في الجبل.. ولم يجدوا معه الطفلة.. لم يعرف احد اين أخفى اختك ابداً..
اتسعت عينا نادين وهي تحاول التملص من قبضة ييوسف وهتفت:
-وأبي؟؟ ماذا عن ابي؟؟
-لقد رحل.. لم يبقى ابداً لمعرفة مصيركما..
قالتها المرأة بصوت مخنوق.. لتنهار نادين ارضاً وهي تبكي بحرقة:
-لقد حطمتما كل شيئ.. فرقتما بيني وبين شقيقتي التي يعلم الله اين تكون؟؟ ان كانت حية او ماتت وسط الجبل؟؟ وانا..
ورفعت للمرأة عينين غارقتين بالدموع:
-قتلتماني انا ايضاً.. حطمتماني بلارحمة..
-بنيتي..
همست امها بألم.. لتغمض نادين عينيها.. بحرقة وتجهش في البكاء.. لافائدة.. لافائدة ابداً .. ستظل بلاهوية.. ستظل مجرد فتاة رخيصة بماضٍ قذر.. دون عائلة.. دون مأوى..
|