كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
سلاسل روايات احلام المكتوبة
رد: 293- دمعة تضئ القلب - سلسلة روبين دونالد (الجزء الثانى)
فى برودة شقتها الآمنة ألقت نظرة سريعة إلى صورتها فى المرآة فأجفلت من ذلك الوميض المحموم الذى بدا فى عينيها الشاحبتين و ذلك التورد المتمرد فجأة فوق عظمتى خديها.
من الطبيعى أن تشعر بالإثارة و التململ لكنها لن تتمكن من النوم و هى فى هذه الحالة . كانت لا تزال ترتجف من الداخل فأعدت لنفسها كوباً من الشوكولا بالحليب حملته إلى طاولة الكومبيوتر و جلست تبحث على الإنترنت عن معلومات تتعلق بـ لوكا باغانون
و بعد مرور ساعة أطفأت الكومبيوتر و وقفت تمط عضلاتها التى أصابها التيبس بينما كانت تقرأ أخبار الأمير لوكا أوف داسيا.
قالت و هى تلتقط كوب الشوكولا الفارغ :"لا عجب فى أن يشعر بهذا القدر من الاكتفاء الذاتى"
نجح والد لوكا بالوصول إلى الإمارة عندما كان فى الثامنة عشرة من عمره و ذلك عندما كانت داسيا تتعرض للاجتياح من إحدى الدول بدافع اليأس على الأرجح , تزوج من الابنة الوحيدة للحاكم الذى كان يهدد بلاده, و قد نجحت خدعته.... و حافظت داسيا على استقلال نسبى و بعد عام ولد الأبن الوحيد من هذا الزواج.
قالت الكسا و هى تتثاءب :"آمل أن يكونا قد تحابا و إلا فإن كلاهما عاش فى جحيم من دون شك"
و فى صباح اليوم التالى و قبل مغادرتها إلى العمل رن جرس الباب فانعقد حاجبا الكسا معاً و خرجت لترى من القادم.
فتحت الباب فإذا برجل يحمل باقة ضخمة من الزنابق المنسقة بدقة و التى تبدو هشة بلونها النحاسى
سألها الرجل:"الآنسة الكسا مايتون ؟"
و عندما أشارت بالإيجاب قدم لها الباقة . حملت الكسا الهدية الرائعة بصورة آلية و هى تنظر إلى الأسفل لترى المغلف المرفق بها و الذى يحمل اسمها و قد كتب بلون أسود ثخين و بحروف واضحة تماماُ و راح قلبها يرتجف و هى تقول :"شكراً لك"
عادت إلى شقتها و وضعت الزنابق فى إناء زجاجى مقابل النافذة مبدية
إعجابها بانعكاس أشعة الشمس على تلك البتلات الحريرية شبه الشفافة .
أتراه اختارها لتنسجم مع لون شعرها؟
عندئذ فقط و بعد أن تخطت ترددها فتحت المجلد لتجد فى داخله هذه العبارة:"آمل أن تكونى بحال أفضل هذا الصباح"
و تحتها توقيع بحرف (ل) متغطرس.
جعلتها المفاجأة تشعر بوميض سريع من الإثارة . لقد كانت الزنابق رائعة , هكذا فكرت و هى تتحسس إحداها برفق بطرف سبابتها .
حسناً لابد أن الأمير أمر أحد أتباعه بأن يرسل تلك الأزهار إلى هذا العنوان , ثم نسى مباشرة كل ما يتعلق بهذا الأمر. إلا أن ذلك أمر لطيف من قبله. و التقطت الكاميرا , ليتها تتمكن من التقاط تلك الشفافية الحريرية .....
ألقت نظرة سريعة على ساعة يدها ثم وضعت الكاميرا من يدها و هى تشعر بالآسف . فهذا الأمر يمكنه أن ينتظر.
عادت الكسا إلى شقتها بعد ظهر ذلك اليوم و هى لا تزال مشدودة الأعصاب , بعد جلسة رهيبة مع إحدى الممثلات التى أصرت على أن يتم تصويرها برفقة زوج من الكلاب المخبولة.
أضاءت الكسا النور فبدت الزنابق لامعة كقطعة من القماش الشفاف النحاسى اللون فتحول سخطها إلى امتنان عذب.
كانت كارول قد اتصلت بها لتعلمها بأن جدول الخدمة لديها مكتمل فأدركت أنها لن ترى الأمير لوكا ثانية, إلا أنها سوف تتذكر دوماً لطفه و أزهاره . وكانت قد كتبت له عبارة تشكره فيها على الأزهار , و هى تنوى إرسالها إلى الفندق خلال دقائق.منتديات ليلاس
رن جرس الباب محدثاً جلبة فى أنحاء الغرفة فقالت:"آهـ , رائع!"
ألقت حقيبتها على الكرسى فلعل الطارق صديق يود دعوتها لتناول القهوة . لكن الرجل الذى طالعها لم يكن أحد أصدقائها , مع انه بدا لها مألوفاً بشكل غامض. و قبل أن تتمكن من تحديد هويته , تكلم الرجل بلهجة أنبأتها بسبب تلك الألفة :"آنسة مايتون؟"
تسارعت دقات قلبها :"أنا الكسا مايتون"
ــ يود الأمير أن يراك.
قال الرجل ذلك بهدوء بينما راحت عيناه الداكنتان تتأملان وجهها بتريث و قد بدتا عميقتين فاحصتين :"آسف. إنها فقط ملاحظة قصيرة لكن إن كان بإمكانك المجئ معى...."
قطب عندما رأى ترددها, و قال :"إنى آسف"
ثم سحب بطاقة قدمها لها بشكل بالغ التهذيب . قلبت الكسا البطاقة على الوجه الآخر و عيناها تتفحصان ما كتب على ظهرها....لقد كتب الأمير لوكا:"أرجوك, رافقى ديون"
و اتبع هذه العبارة القصير بحرف (ل)
لعلها أصيبت بعقدة الارتياب بعد ما عانته الليلة الماضية , إلا أنها لن تذهب فى سيارة مع شخص غريب عنها تماماً.
ــ أنا ذاهبة إلى الفندق بعد عشر دقائق و سأتصل و أنا فى طريقى.
بدا أن الرجل فوجئ بهذا الرد لكنه قال بتهذيب :"أجل, طبعاً سوف انتظرك عند المصاعد فى الطابق الثالث "
شعرت بلبهجة الممزوجة بالخجل و التحفظ. كانت ترتدى بذلة أنيقة مع بنطلون بلون برونزى و هو لونها المفضل و قميص حريرى مناسب تحت سترة فضفاضة . أغلقت الباب خلفه و انطلقت مسرعة إلى داخل الشقة لتجدد احمر شفتيها , قبل أن تلتقط مفاتيح سيارتها.
لِمَ يود الأمير رؤيتها؟ كانت مترقبة و تشعر بقلق غريب.
ركنت سيارتها فى الموقف المخصص للزوار و استقلت المصعد إلى داخل الفندق
كان ديون ينتظرها قرب المصعد بثقة تامة. و بالرغم من ترحيبه الحار بها إلا أن الكسا شعرت بتحفظه و هو يفتح باب مصعد آخر بالمفتاح و يقودها إلى داخله.
أحست باضطراب فى معدتها فراحت تحدق إلى الحائط إلى أن توقف المصعد فى الجناح المخصص للأمير حيث فتح لها أحد رجال الأمن الباب و قادهما معاً إلى داخل الردهة.
قال مرشدها و هو يفتح باباً آخر :"من هنا سيدتى"
و تراجع إلى الوراء بينما دخلت الكسا ثم توقفت ما إن أقفل الباب وراءها .
تجاهلت زهرة منسية كل ما فى الغرفة الضخمة من مفروشات فخمة و ركزت نظرها على الرجل الذى استدار نحوها بعد أن كان يتأمل غياب الشمس القرمزى اللون و نظر إليها بعينين خطيرتين.
تذكرت ان المرء عندما يكون فى حضرة شخصية ملكية عليه أن ينتظر إلى أن يتم التحدث إليه. و مع أنها اضطرت لابتلاع الكلمات التى راحت ترتجف على لسانها بينما راح هو يراقبها بتمعن شامل مثير للرعب إلا أنها وقفت تنتظر صامتة و عيناها تشتعلان غضباً أمام نظراته العديمة الرحمة.
سألها بصوت عميق بارد:"هل رأيت صحف اليوم؟"
قطبت بعد أن تخلت عن كل محاولة للالتزام بالشكليات و البروتوكول:"كلا, لماذا؟"
أشار إلى جريدة موضوعة على طاولة القهوة :"ربما عليك أن تقرئيها الآن, أنظرى إلى العمود الأخير فى الصفحة الثالثة"
بعد نظرة ملؤها الارتباك سارت باتجاه الطاولة و التقطت الجريدة.
كانت أخبار المؤتمر تملأ الصفحة و فى عمود الأخبار الشخصية رسم أحدهم بقلم أسود دائرة حول أحد المواضيع إنه القلم نفسه الذى اُستعمل لكتابة الحرف(ل) على البطاقة التى تلقتها الكسا مع الأزهار.
راحت تقرأ الخبر بارتياب.
ــ بعد زواج أمير أيليريا , بات أمير داسيا الآن هدية من السماء لأولئك الرومانسيين المتابعين للأخبار الملكية . فقد أخبرنى مصدر خاص أنه شُهد الليلة الماضية و هو يوصل إحدى المصورات الشابات الأكثر نشاطاً فى أوكلاند إلى منزلها و ذلك بعد المأدبة الخاصة بمؤتمر المصرفين , و كانت الشابة ترتدى سترته. فما الذى يمكن أن يعنيه ذلك باعتقادنا؟
سألها بدقة فيها شئ من الازدراء :"أنت من سرب هذا الخبر؟"
انتفضت رأس الكسا إلى الأعلى و شعرت بالمرارة...و الارتباك...و ألم... فحملقت فيه بغضب :"بالتأكيد أنا لم أفعل ذلك؟"
ــ كيف وصل الخبر إذن إلى منتديات ليلاس الجريدة؟
لم تعرف ما الذى يرعبها أكثر....غضبه المتجمد و الخشن كعاصفة ثلجية تهب على القطب الجنوبى, أم قدرته الصوانية على السيطرة على نفسه.
قالت :"ليست أدرى"
ثم تابعت متمسكة برباطة جأشها :"أتصور أن أحدهم قد رآنا فى مركز الشرطة , لحسن الحظ أنه لم يربط بينك و بين شخص محدد"
قال بصوت حاد وساخر:"يمكن ان يدس أسمك فى المرة القادمة بشكل ما"
انتفض رأسها يميناً و يساراً و اصطدمت نظراتها بنظراته.فسألته و هى تشعر بجفاف فى فمها :"لِمَ قد يكون هناك مرة أخرى؟"
ــ أى من كان يمد هذه المحررة بالمعلومات فسوف يحاول التأكد منها لاحقاً .
قالت محاولة أن تكون منطقية :"اسمع, إن المسألة مثيرة للغضب لكنها ليست نهاية العالم و سرعان ما سينسى الناس الأمر"
فقال :"أنا لا أريد أن أنسى"
كانت عيناه المخبأتان وراء ستار رموشه تراقبان انسياب النور من خلال شعرها المتناثر حول وجهها . وقال بدقة متناهية :"لا أحب أن يستغلنى أحد يا آنسة مايتون"
شعرت الكسا بالحرارة و الارتباك و الغضب معاً و هى تواجه غطرسته المفعمة بالسخرية. فجابهت طعنته المؤلمة تلك بإنكار ملؤه الاضطراب و قالت ساخطة:"لِمَ قد أقوم باستغلالك؟"
ــ عادة ما يكون ذلك من أجل المال.
و استدار بحدة ليقضى على محاولتها إبداء التعاطف حين أضاف:"و غالباً ما يكون طمعاً بالشهرة....أتصور وجود صلة تربطك بى , مهما كانت واهية , سوف يساعدك للتقدم فى مهنتك . أرجو ألا تكونى قد التقطت لى صورة الليلة الماضية"
التمعت عيناها الشاحبتان و أخذت تصر على أسنانها . استعادت فى ذهنها حديثها مع كارول حول إمكانية إخفاء كاميرا بين ثيابها فشعرت بتأنيب الضمير و تصاعد الدم إلى بشرتها....أما هو فقد لاحظ ذلك بوضوح.
ردت بشكل جازم :"لم التقط أى صورة , و لم أسرب الخبر للصحافة تلك القذارة..."و تابعت بازدراء مشيرة إلى الجريدة:"....إنها مشكلتك و ليست مشكلتى. كما أن الخبر لا يستند إلى أى إثبات"
ــ هل أنت حقاً مقتنعة بذلك؟
صار باتجاهها قاطعاً الغرفة بخطوتين و حبط محاولتها التراجع إلى الوراء عندما أمسك بكتفيها .
فى الليلة الماضية شعرت الكسا بقوة يديه و دعمهما . أما الآن و فيما هى تشعر بالألم و تكاد تفقد توازنها لم تجد فيهما سوى دلالة على قدرتهما على السيطرة.
ــ ليتنى أستطيع التصديق بأن ذلك الخبيث الذى دس هذه القذارة لا يستند إلى أى إثباتات.
قال ذلك و السخرية تلتمع فى عينيه كالنار المتجمدة :"لكننى شخص واقعى"
و أحنى رأسه ليعانقها ببطء.
فيما بعد حاولت الكسا بصعوبة إقناع نفسها بأن المفاجأة جمدتها و منعتها من الاحتجاج على عناقه لها.
لكنها لم تخدع نفسها فمنذ اللحظة الأولى التى رأت فيها لوكا راح وعيها يمتلئ به بحدة و فعالية. و بالرغم من قدرته الفولاذية على سيطرته على نفسه , كانت تدرك أنه يشعر بما تشعر هى به تماماً . و فى كل مرة تلاقت فيها عيونهما كانت تتبادل رسائل ليلاس خفية غير منطقية تثير فيها شعوراً قوياً.
تلك الرسائل السرية ذات الطبيعة البدائية كانت تنمو محدثة فيهما طاقة تغذيها غرائزهما , مزيلة فى طريقها كل إحساس بالحيطة و الحذر.
كانت الكسا تنتظر هذه اللحظة من دون وعى منها. فكل ما هو أنثوى فيها كانت تعى أنها سوف تحين.
منتديات ليلاســ
|