كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
سلاسل روايات احلام المكتوبة
رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
و قبيل منتصف الليل فتحت لانث باب غرفة نومها الواسعة فى دار الضيافة و بالرغم من الإسم الرسمى لم يكن حفل الاستقبال رسمياً, لكن أليكس لا يحتاج إلى مثل هذه المظاهر لأن فتنته الطبيعية تغنيه عنها
قالت لنفسها و هى تنظف وجهها و تفرك أسنانها : لقد أنتهى الأسواء فعلاً و ما عليها سوى أن تعمل فى الأسابيع القليلة القادمة لتعود بسرعة إلى نيوز يلاندا و تعتنى بأحلامها المسروقة بسلام.
و مر شريط الذكريات فى ذهنها و كثرت الأفكار و الصور فجافاها النوم...و مع حلول الظلام فوق أليريا مات صوت المدينة و استلقت فى سريرها مفتوحة العينين متململة و قد شوشت عقلها أفكار ما أنفكت تنصب على الموضوع عينه.
أليكس من الأسرة المالكة ثرى و له نفوذ و من المتوقع أن يتزوج زواجاً جيداً...وجود اللايدى صوفيا الارستقراطية التى ترعاها أمه جيداً خير دليل على ذلك.
هل يخطط ليرضى رغباته بغرام سرى؟ هل هذا ما تعنيه تلك النظرة الملتهبة فى عينيه؟ لقد انجذب إليها فى نيوزيلاندا فهل يعتقد أن هذه الفرصة مؤاتية ليكمل ما لم يبدأه؟
أحست بالغثيان لهذه الفكرة التى راودتها و قالت لنفسها:لا...أنت تحملين نظرة واحدة أكثر مما تستحق.
استدارت إلى جانبها و حاولت أن تسترخى فأخذت تعد و تتنفس بعمق إلى أن عاودتها الأفكار المعذبة مجدداً.
لقد أحبت أليكس و هى تحبه الآنو لن تقيم أى علاقة سرية معه لأنها ستفسد حياتها و لن تستطيع إصلاحها فيما بعد.
تركت أخيراً الفراش و سارت نحو النافذة.منذ ألتقت أليكس أمضت ساعات تنظر إلى الخارج..و كانها امرأة سجنها ضعفها فى برج و لزمها بعض الوقت لتكيف ناظريها مع الظلمة....و من فوق الأسوار العالية رأت الأنوار مضاءة فى ثلاث نوافذ دون ستائر.
أليكس؟
لا.... فكرت بغضب و هى توبخ نفسها لبد أنه ينام قرير العين مع أو بدون اللايدى صوفيا.
و تساءلت بانقباض : إذا طلب منها أن تصبح عشيقته فماذا سيكون ردها؟
أغلقت الستائر بحدة و عادت إلى سريرها مصممة على أن تنام .
كانت تأمل أن تطوى رحلتها إلى أليريا صفحة الماضى و أن تضع الأختام على تلك الأيام التى وقعت فيها فريسة جاذبية أليكس التى لا تقاوم....وبدلاً من ذلك اتجهت و بشكل محتم نحو الخطر إلى حقل المعركة المدمر , نحو الحب.
* * *
قال بيل يمازحها و هما على مائدة الفطور :"عيناك كعينى الباندا محاطتان بالسواد"
ــ أعرف.... لم أستطيع أن أنام . لكن لا تقلق سأنام الليلة دون حراك.
قال:"لعل السبب كثرة الإثارة . بدا أنك و الأمير لديكما قواسم مشتركة"
ردت بصوت بارد ثابت :"تكلمنا عن الدلافين...إنها مهمة جداً بالنسبة لشعبه"
هز رأسه:"إنها رمزهم و نحن لن نجرح أحاسيس أحد...اقترح علىّ بعض مستشارى الأمير جولة سياحية لكن حين سألت أليكس كونسيدين لم يلتزم بشئ"
مال المصور فوق الطاولة ليأخذ قطعة توست و قال :"قد يعتقد المرء أنه يسعى جاهداً لجذب الناس إلى هنا و كلما كثر عدد السياح كلما كان أفضل فـ أليريا تبدو فقيرة جداً"
هز بيل كتفيه و قال:"هى كذلك فعلاً, و هو يريد أن يحولها إلى دولة مثالية لكن حسب شروطه . أمام الأمير عمل شاق و ضخم و هو لم يصل إلى القمة فى دنيا الكمبيوتر بالعناد أو التسرع. لقد رأى أخطاء الحكام الآخرين و لن يدعها تحدث فى دولته الصغيرة..."
ثم نظر إلى الجالسين حول الطاولة و أكمل:"...سنغادر بعد نصف ساعة لذا كونوا مستعدين"
امتدت النصف ساعة إلى ما لا نهاية...البقاء...القصر...و التساؤل أين أمضت الليدى صوفيا ليلتها...كاد يدمر أعصاب لانث و كلما رفعت نظرها نحو القصر كانت ترأه يبتسم أمام عينيها...و فكرت فى أنها ما أن تخرج من البلدة حتى تنسى أوهامها.
كانت السيارة تنتظرهم فى الفناء الخارجى.
قال بيل لـ لانث و هما يخرجان من الباب:"هذا هو المرافق, سيمهد لنا الطريق إذا جاز التعبير"
ما أن تترك المدنية و تبتعد عن اليكس و قصره المهييمن حتى يخف هذا الألم و تنشغل بعملية التصوير لكن هذا ما لم يحدث.
لقد انشغلت فعلاً فالبحث عن الدلافين و تصويرها أخذ كل وقتها و اهتمامتها بالرغم من أنها كانت أكثر جبناً من تلك التى اعتادت عليها , إلا أنها تمكنت من إقامة علاقة مع المجموعة حتى اعتادت أكثر على المركب , و انجذبت لانث أكثر فأكثر إلى الغموض الذى يلف حياة الدلافين و سارت عملية التصوير بشكل جيد مع بعض المحاولات الفاشلة التى أثارت غضب بيل.
لكن كمنت وراء سعادتها ظلمة أشد حلكة تتربص بها و بمشاعرها.
كانت أليريا فى الربيع رائعة جداً فقد امتدت الألوان من الوادى إلىالجبال لتخفى سحب الشتاء الرماديةو بدت البحيرة لامعة و حدائق المنازل فى القرية متألقة.
قال بيل:"أنه طقس رائع للتصوير"
ففكرت لانث فى أنهم إذ ما أنهوا العمل بسرعة سيتمكنون من مغادرة البلاد بسرعة و ستبتعد عن أليكس.
و كان الرجال يُقيمون فى كوخ فى قرية صيادين صغيرة قرب شقة خُصصت لـ لانث .
قال لها لوتشيو :"لن تكونى وحيدة"
قال له:"أنها جميلة"
و تمتعت بخلوتها لكن اكثر ما أعجبها فى الأمر جيرانها فكلما كانت تصعد إلى شقتها أو تنزل منها كانت ترى شخصاً ما , المرأة او الجدة المحنية الظهر التى فقدت أسنانها كلها, او ولدين صغيرين فى الفناء الملئ بالزهور.
فى البداية كان الجميع خجولين و لكن حين أخذت تحييهم راحوا يصححون لفظها . و أصروا على أن تتكلم إليهم بالأليرية لتتعلم لغتهم.
خلال العشاء ذكرهم بيل بأن أليكس سيأتى معهم فىاليوم التالى وحذرهم من أن الأمير يرغب فى أن تكون زيارو ودية.
أرادت لانث أن تهرب أن تختفى فى ظلمة الليل و ألا تعود إلى الظهور إلا فى نيوزيلاندا لكنها وبخت نفسها ساخرة و غادرت السرير , أنت جبانة تافهة , ملوعة بالحب, ومثيرة للشفقة! إكبرى!
نظرت من نافذة غرفتها و راحت تسخر من الصورة التى تخيلت فيها نفسها مسجونة فى برج...كان الظلام مخيماً لكنها رأت أنواراً خافتة متفرقة فى الساحات و هب من حولها هواء عليل عابق بعطر الزهور , برد خديها الدافئتين
منتديات ليلاس
كان بإمكانها أن ترى البحيرة من موقعها و مالت إلى الأمام لترى ما يحرك سطح الماء الساكن. لكنها لم تشعر بريح يلامس وجهها قد تكون الدلافين و استقامت لتتبين الأمر رغم عتمة الليل.
و بعد عشر دقائق كانت تمر بهدوء قرب المبنى الحجرى تحت أشجار الساحة و قوارب الصيد القابعة على الرمال.
و تذكرت بحيرة أخرى أصغر من هذه و أكملت طريقها مقطبة , إنها تعانى من أزمة رومانسية لم تتح لها الفرصة لتتعرف إلى أليكس جيداً لكن شخصيته كانت نافذة جداً فاستسلمت لها و وقعت فى فخ الأيام الرائعة التى قضياها معاً
إلا أنها لم تقع فى حب أليكس الثرى , صاحب السلطة , الأمير....بل فى حب الرجل و هى تعرفه على حقيقته متسلط, متعجرف, شجاع و قوى و....عطوف و شريف فهو لم يحاول إقامة علاقة معها لأنه يعرف أن لا مكان لها فى حياته . فهل قرر أن يخصص لها مكاناً؟ مكاناً سرياً بالطبع بعيد عن اعين الناس؟
و انفطر قلبها...لا...اعترف أننى أحبه لكننى أستحق أكثر من هذا .
و جفلت حين أحست بحركة فى المياه فتقدمت خطوة لتتأملها م تلاحق التموجات التى تدل على وجود الدلافين.
و شعرت فجأة بشئ من الخوف حين لمحت حركة على الشاطئ.
فاستدارت و عرفت على الفور الشخص الذى كان يسير نحوها بالرغم من الظلمة الحالكة. انتظرت و هى عاجزة عن تحمل نبضات قلبها المتسارعة وراحت تتذكر ليلة أخرى و بحيرة أخرى و عالماً بعيداً و رجلاً ينتظرها خفية كما يفعل الآن تحت النجوم فى الظلام.
همست:"أليكس"
ابتسم فبانت أسنانه بيضاء لامعة :"اود أن أموت و أنا أصغى إليك تهمسين اسمى بهذه الطريقة"
سألته :"و أين اللايدى صوفيا؟"
ــ فى إنكلترا...لقد ابتعدت عن القرية....ألا تؤلمك ساقك؟
ابتلعت ريقها لتهدئ صوتها ثم قالت:
ــ لا...إنها على ما يرام....حرصت على أن أكون بحالة جيدة قبل أن أعود إلى خليج الجزر و قد تابعت التمارين.
رد و كان شيئاً أخر يشغل تفكيره:"عظيم"
فكره مشغول بالطبع و ها قد عدت تعلقين أهمية كبيرة على كل ما يقوله.
قطع حبل أفكارها بقوله:
ــ صوفيا أبنة صديق لى و حسب. جاءت إلى هنا لتقضى عطلة قصيرة لأن قلبها محطم....و....لا...لم أحطمه أنا . ولقد قررت العودة لتواجه الأمور بدلاً من أن تهرب منها.
و سألته بسرعة وغيرة :"و ماذا عن المرأة الفرنسية ؟"
فقال بنفاد صبر:" مجرد شائعات . لانث, أنت تعرفين جيداً أن الناس يطلقون الشائعات و هذه إحدى سيئات الشهرة"
ــ وهل الأمر أكثر سوءاً الآن و أنت الأمير الحاكم؟
ــ معظم الشائعات لطيفة فى أليرياو أنا لا أهتم ببقية العالم.
لا....بالطبع لا...فثقة أليكس بنفسه تمكنه من تجاهل الشكوك و الشائعات و الأكاذيب التى تحيط بالأثرياء فهو سيد عالمه.
قال :"ما رأيك بـ أليريا و قد مرّ عليك شهر كامل فيها؟"
فردت عليه بصدق:"لقد أحببتها إنها بلاد جميلة و الشعب ودود جداً لقد تقبلوا وجودنا كلياً"
قال بصوت ازداد عمقاً :"كنت آمل أن تعجبك....لانث....أنظرى إلىّ"
رفعت عينيها المتسعتين إليه و لمع نور النجوم الباهت فوق شعره الأسود وعلى قسمات وجهه فابتلعت غصة كبيرة فى حلقها.
قال بصوت حساس أجش:
ــ أعرف أن الوقت مبكر...وكنت انتظر إنقضاء أسبوعين آخرين...و لو لم نلتق هنا صدفة لانتظرت.
حسناً....سيطلب منها أن تكون عشيقته و ضغطت بيدها على قلبها و كأنما لتبقيه فى مكانه.
أكمل:"لكنك حطمت حصونى و لا أستطيع الانتظار أكثر"
ــ أليكس...لا تقل هذا.
جاءت كلماتها مؤلمة قاسية باردة.
و ساد الصمت ثم سأل بخشونة :"هل أنا مخطئ؟"
همست :"ارجوك"
أسكتها بلمسة على ذراعها و أدارها نحوه فرأى فى ضوء النجوم الدموع تتلألأ فى عينيها
قال و الكلمات تخرج مخنوقة من حلقه :
ــ لانث...رحمة بى....لانث حبيبتى الصغيرة....لا تبكى....كنت اعلم ان مجيئك إلى هنا مغامرة أدركت كم ستكرهين الحياة هنا لكننى كنت آمل....
نظرت لانث إليه و أحست بالهدوء فى عينيه ثم أدركت فجأة كم يبذل من الجهد ليسيطر على نفسه و يحافظ على هدوئه و فاض قلبها و كبتت شهقة بكاء عظيمة.
قال بصوت أجش و قسماته تزداد قسوة :"لا بأس عليك"
فقالت يائسة:"أنا أحبك كثيراً, و مستعدة أن أعيش معك إلى الأبد....لكن ألن يحتقرك شعبك لو أتخذت عشيقة؟"
فرد بشراسة و حدة:"لا أريدك أن تكونى عشيقتى! حين أتذكر كم قاومت و تعذبت كى لا أتصل بك لأن هذا لن يكون عدلاً لاسيما و انا أعرف مشاعرك نحو الحياة التى يجب أن أعيشها..."
فجأة فقد سيطرته على نفسه و لم تعد عيناه باردتين و قال بصوت منخفض:
ــ أحبك....و قد أحببتك منذ وقعت عيناى عليك....و خلال نصف ساعة نظرت غليك و تبدد العالم من حولى....بطريقة ما , ودون أن تحاولى ذلك وجدت لنفسك مكاناً فى قلبى ...و قد حاولت و من أجل مصلحتك أن أبعد عنك فلم أتمكن من ذلك. لانث , فى آخر يوم لنا معاً فى نيوزيلاندا قلتِ إننا لا نعرف بعضنا جيداً.
قالت و كأنها توبخ نفسها :"كنت أحاول أن أقنع نفسى"
ــ وهل لازلت تعتقدين ذلك؟
ــ لا...أشعر و كأننى كنت أنتظرك طوال حياتى.
وقف مستقيماً و كأنه يشدد عزيمته ورفع رأسه الأسود المتعجرف لكن صوته لم يكن سوياً:
ــ و أنا كذلك...لانث هل تمنحينى شرف أن تصبحى زوجتى؟ أعرف أنك ستجدين الحياة هنا صعبة....
أخيراً بدأت تصدق ما تسمعه فردت بحرارة:
ــ أوهـ....أليكس....بالطبع سأتزوجك! و أنا أحب اليريا. لكن , حتى و ان لم أحبها, سأكون معك و هذا كل ما أريده.
أرجع رأسه إلى الوراء و ضحك ثم أطبق ذراعيه حولها كقضبان حديد و عانقها بحرارة وشوق .
|