كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
سلاسل روايات احلام المكتوبة
رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
وقفا بصمت يراقبان المطر المنهمر ينصب فوق سطح البحيرة فى دورة لا متناهية من التجدد و التغيير .
قضى التوتر على رباطة جأش لانث و أحست بخطر يهددها , خطر اختلط مع ترقب غريب.
أحست بهذا الشعور حين غطست عبر الجدار الأزرق للمرة الأولى.
لم تشعر بمثل هذا الترقب الجامح الحارق من قبل....حتى مع الرجل الذى خططفه الموت. لقد أحبت كريغ كثيراً و حزنت عليه لسنوات إلا أنها لم تعد تذكره بأكثر من الحنين . كان يضحك كثيراً و حزنت و يسخر من مخاوفها و قلقها لتتخلص منها و يشع دفء لم تستطيع أن تقاومه يوماً.
اكن أليكس أقترب من ناحية أخرى. كان يسيطر على حيويته بإرادة من حديد لتصبح قوة صلبة تخيفها. حين أعتقد أنهما لن يلتقيا من جديد عانقها بشوق و إلحاح بشوق و إلحاح شرس اخترق دفاعاتها لكن هذا العناق الأخير لم يكن شخصياً كان يحاول ان يواسيها.
سألها أليكس:"أترغبين فى شئ تشربينه؟ يبدو لىّ أن ليلاً طويلاً فى انتظارنا"
قالت باستسلام :"نعم....شكراً لك"
تحرك بسرعة وثقة وحضر قهوة متازة أدهشتها براعته فى المطبخ فقد كان كريغ أبناً وحيداً و مدللاً منذ صغره.
فكرت بنفاد صبر : كم يتغير الزمان....ولقد تغيرت هى كذلك, لقد أصبحت فى السادسة و العشرين من عمرها و لم تعد فى الواحدة و العشرين و لا يمكنها أن تعود إلى الوراء.
فتح أليكس باب خزانة المطبخ و أخرج علبة بسكويت ثم فتح الغطاء و مد يده بالعلبة.
أخذت واحدة منها و هى تقول :"يبدو و كأنه منزلى الصنع....إنه ألذ بسكويت تذوقته.
ــ لقد صنعه مارك.
و ضحك لذهولها
هل يقوم مارك بالطهو,أم أن أليكس قادر على تحضير وجبة طعام؟
و كبحت لانث السؤال. فهى تريد معرفة كل شئ عنه, لكنه لن يطلعها عن شئ.
لماذا بحق السماء روت له قصة عائلتها؟ و تملكها الإحراج و الخجل.
و فى غرفة الجلوس قالت بصوت هادئ:
ــ تبدو غرفة مشمسة و صيفية بالرغم من سوء الطقس. لابد أنك استخدمت مهندس ديكور بارع.
ــ بارع جداً.
شربت بعض القهوة و رفضت قطعة بسكويت أخرى. و استندت إلى ظهر مقعدها متجاهلة الصمت الذى طال.
قال أليكس بصوت عادى محايد:"قُتل والدى و أنا فى العاشرة من عمرى"
أحست لانث بالصدمة...فرفت بعينيها قائلة :"لابد أن هذا كان رهيباً"
ــ كان مثلى الأعلى و مثل أمى أيضاً. كنا فقراء لكن بوجوده كانت الحياة وليمة فاخرة.
لكنه لا يتصرف كأنه تربى فقيراً. فمثل هذه الثقة و الإرادة التى لا تلين تقف عادة على من ولدوا فى أحضان الثروة و السلطة.
قالت بصوت مرتفع:"هذا ميراث جيد"
ازدادت قسوة وجهه و هو يضيف:
ــ أجل....موت والدى دمر أمى...و بالرغم من أنها لم تكن تملك شيئاً إلا أنها تمكنت من بناء حياة جديدة لنا .
ــ ألا زالت حية؟
رفع رموشه الثقيلة للحظة ثم أسدلها و أجاب :"إنها حية تُرزق"
من السخف اعتبار تحفظه الطبيعى رفضاً فهو يحمى خصوصياته وحسب...و لا شك أنه عرف التزلف و التملق اللذين يحيطان بأصحاب المال و السلطة. على أى حال لا يمكنه أن يعرف ما إذا كانت ستتوجه مباشرة إلى إحدى الصحف لتكشف التفاصيل التى أسر بها إليها و خبر لقاءاتهما القليلة فيقرأها كل متلهف .
مع ذلك تألمت, يجب أن يدرك أنها مختلفة و عرفت أن الفكرة غير منطقية حتى و هى تتكون فى رأسها
و بعد نظرة سريعة إلى ساعته قال :"هل تمانعين إن شغلت جهار التلفزيون؟"
ــ لا....بالطبع لا أمانع
كان الجهاز موضوعاً خلف أبواب خزانة عصرية و أداره أليكس على محطة إخبارية و تراجع ليجلس . وفى صمت شاهدا تقاريراً عن الإعصار كلها تنذر بالسوء.
أطفأ أليكس الجهاز و قال :"يبدو الأمر مؤكداً حتى و أن تراجع فى آخر لحظة سننال نصيباً من الريح و المطر"
وجدت نفسها تبتسم و هى تجيب:
ــ يبدو ذلك . لقد كنت متسلطاً جداً....لكننى سعيدة لوجودى هنا. ما كنت لأحب البقاء وحيدة.
ــ يدهشنى أن والدك لم يصر على عودتك إلى أوكلاند.
جلست لانث مستقيمة قليلاً و قالت:
ــ لم يعد لوالدى أى سلطة على من زمن طويل....هل لك أن ترينى أين سأنام....أرجوك؟ سأعلق ثيابى و ربما أستطيع مساعدتك فى تحضير العشاء بعد ذلك؟
قال و هو يقف على قدميه بحركة رشيقة :"سأكون ممتناً لأى عون أحصل عليه. أنا طباخ مقبول لكن قدراتى محدودة فى هذا المجال "
سألت و هى تتوجه إلى الغرفة التى نامت فيها من قبل:
ــ لماذا لم ينقطع التيار الكهربائى كما فى البحيرات الأخرى؟
ــ أن مصدر التيار هنا هو من الشمال... و الآن , هل لديك كل ما تريدين؟
ــ أجل ....شكراً لك.
حين عادت إلى الغرفة ثانية جلسا ليشاهدان الأخبار بصمت زهرة منسية وعرض التلفزيون صوراً للإعصار ودعا أهل نورتلاند إلى توخى الحذر و إلى تدعيم الأبواب و النوافذ و البقاء داخل المنازل.
و تبع التقرير برنامج عن الأسرة المالكة فالتقطت لانث مجلة و بدأت تتصفحها بتكاسل.
سألها أليكس :"هل يضجرك التلفزيون؟ هل أطفئه؟"
ــ أوه .... لا...ليس إذا كنت تريد مشاهدته.
ــ أرغب فى رؤية الأخبار العالمية.
ــ أجل....بالطبع.
قال بصوت متحفظ:"أنت لست من أنصار الملكية ....أليس كذلك؟"
ــ بل أشعر بالأسى عليهم....أى نوع من الحياة لديهم؟
رفع حاجبيه و أضاف :"أنهم يعيشون حياة النجوم و الممثلين....و قد اخترت العمل فى التلفزيون و أنت تدركين كما أفترض أنك ستكونين هدفاً للإعلام؟"
ــ لم يخطر هذا ببالى, حين اخترت أن أقوم بهذا العمل . كما يمكن المحافظة على الحياة الخاصة إذا ما رغب المرء بذلك...بينما تولد الأسر المالكة تحت الأضواء و بقدر ما تكره ذلك لا خيار لديها.
هز كتفيه و قال :"أن يولد المرء فى الأسرة المالكة يسهل عليه الأمور"
هزت كتفيها بدورها و صرحت :
ــ أنا معجبة بالجيل الجديد فى الأسرة المالكة , لما يقوم به من عمل....لكن الأمر أشبه بالعبودية بالنسبة لى.
قال و عيناه باردتان ضبابيتان :"إنها كلمات قوية"
ردت باعتدال :"لأقد دفع والدى تكاليف تعليمى فى مدرسة خاصة و كانت إحدى التلميذات من العائلة بارزة فى بلد آسيوى و فى آخر سنة لها وقعت فى حب صديق أخيها الذى كان فى الجامعة و خططا للهرب معاً . كانت تعرف أنه لن يُسمح لها بالزواج من الرجل الذى أحبته لأنه لم يكن مناسباً"
و لم يقل شيئاً حين صمتت فتابعت :
ــ أكتشف أخوها أمرها و أعلم والده فأعادها إلى ديارها قبل أن تتمكن من الهرب و خلال ستة أسابيع زوجها من رجل آخر أكبر منها سناً لكنه مناسب جداً بحس مقاييسه....التقيت بها بعد حوالى ثلاث سنوات فوجدتها تعانى من أزمة نفسية ...أوه....كانت حية تُرزق لكنى لم أرّ مثل هذا البؤس المروع فى عينى إنسان.
ــ و أنت تلومين والديها على هذا؟
أحست بالحرج لغضبها فقالت :
ــ لا يتعلق الأمر بأبويها فقط....بل بالأسرة كلها و أنا لا ألومهم بل ألوم النظام الذى يجعل الزواج أكثر أهمية من سعادة الإنسان.
ــ أنت تتحدثين عن الصراع ما بين الثقافة العائلية المتأصلة و الثقافة الفردية و لكليهما حسناته و سيئاته.
قالت:"منذ مئة سنة كان من الممكن أن تتغاضى المرأة عن احتياجاتها و تتزوج رجلاً يتطابق مع المواصفات التى تفرضها عائلتها لكن هذا مستحيل فى أيامنا هذه"
قال:"فى المواقف كلها هناك الخاسر و الرابح و بطريقة ما كانت صديقتك مثل أمك...كان بإمكانها أن تختار حياتها"
ــ ربما هذا صحيح....لكن من الصعب أن تختار حين تدرك بالضبط....أنك لا شئ...مجرد دمية يستخدمها والداك من أجل مصلحتهما.
و ضربت المنزل رياح عاتية لتهدأ على الفور تقريباً...لكن المطر ازداد حدة.
لمس أليكس جهاز التحكم و ارتفع صوت المذيع :"هناك على الأقل ثلاث وفيات و يعتقد أن من سحب إلى داخل الثكنات العسكرية حُرم من الرعاية الطبية. وبما أن أكثر الجنود لا يرغبون فى إطلاق النار على مواطنيهم لم يرتفع عدد الوفيات أكثر.....على أى حال يستبعد أن تستسلم الأسرة الحاكمة للرأى العام و تتخلى عن الحكم بهدوء...و بما أن لا أثر للأمير المفقود من المتوقع أن يراق المزيد من الدماء"
أطفأ أليكس جهاز التلفزيون ليغمر الغرفة صوت المطر المنهمر دون انقطاع.
قالت لأنث:
ــ أشعربالأسى حيال(الاليريين) لقد مرت بهم أوقات صعبة جداً.....لماذا يتمسك معظم الناس بالسلطة؟
رد أليكس بصوت كئيب :"العلم عند الله وحده"
قالت بغضب :"لا يبدو أن هناك الكثير للتمسك به بحق السماء! بلد صغير فى الادرياتيكى, بقاية صغيرة من الإمبراطورية البيزنطية....لما لا تهرب تلك العصبة الحاكمة بالأموال التى سرقتها من الفلاحين و تعطيهم ما يريدون؟"
قسّت السخرية الباردة صوته:"وهل تعرفين ماذا يريدون؟"
ــ الحرية كما أعتقد.
و جاءت ابتسامته خالية من المرح:"بل أكثر من هذا بكثير , يريدون عودة أميرهم"
ــ أميرهم؟ أوه...تعنى الأمير المفقود؟ أنها مجرد أسطورة.
استند إلى ظهر مقعده الكبير و نظر أمامه مباشرة بعينين نصف مغمضتين...فانعكس جانب وجهه بوضوح صارخ على الجدار الشاحب اللون:"يبدو أنهم لا يعتقدون ذلك"
ــ أوليس ميتاً؟
منتديات ليلاس
ــ بالتأكيد تقريباً....لكن حين يحكم أمير بلداً ما لألف سنة أعتقد أن من الصعب التخلى عن هذه العادة .
و كان صوته رتيباً دون مشاعر
كافحت لانث لكبت فضولها و قالت بصوت سوى:"يبدو أنك تعرف الكثير عن هذا المكان المغمور؟"
ــ لدى مصالح هناك .
ظنت للحظة أنه سيترك الأمر عند هذا الحد , لكنه أكمل دون اكتراث :
ــ لعائلتى جانب أليرى.....و كلهم أموات الآن.
سألته لانث و هى تختار كلماتها بحذر :"كيف استطاع الأمراء الحفاظ على إمارتهم سالمة عبر القرون؟"
ــ البلد أساساً سلسلة من الجبال فيها واد مركزى و منفذ صغير على البحر و ليس فيها معادن و أهلها مشهورون ببأسهم .
ــ إذن لا تستحق القتال من أجلها.
جعدت ابتسامة خده و أدار رأسه نحوها و قال :"لقد فهمت"
ــ حسناًَ....تُركوا و شأنهم مع أمرائهم لألف سنة فكيف خسروا أميرهم؟
ــ اختفى حين استولى الشيوعيون على الحكم.
تنهدة:"أوه أعتقد أنهم تخلصوا منه يا للرجل المسكين"
ارتفعت كتفاه العريضتان وهو يقول:"لا أحد يعرف"
سألته باهتمام غامض:"هل كان له عائلة؟"
ــ كان متزوجاً....و يصر الكثيرون من أبناء أليريا على أنه و زوجته تمكنا من الهرب....و حين انهارت الشيوعية جرى عندهم ما يفترض أن يكون انتخاباً ديموقراطياً. لكن أولائك الذين تم انتخابهم كانوا من الطينة ذاتها التى تنحدر منها الزعماء القدامى....و الشعب اكتفى منهم . ويبدو أنهم يعتقدون أنهم لو تظاهروا طويلاً سيعود أميرهم و ينقذهم.
ــ يبدو هذا كلاماً رومانسياً لا يُصدق لكن لو أنه نجا و لا زال فى مكان ما فقد يقول: "شكراً...لا شكراً" و يتابع حياته العادية.
التوى فمه و قال :"و هل هذا ما كنت تفعلينه لو كنت مكانه؟"
ردت بحرارة :"أوه....أجل....بكل تأكيد"
ــ حتى ولو كان هؤلاء الناس يعتمدون عليهم لينقذهم؟
تطلعت إلى ألسنة النار المتأججة و قالت:
ــ لا أفهم كيف يمكن لمن اعتاد على الحياة العادية أن يعود إلى هذا النوع من الحياة.
ــ حتى و لو كان من مسؤوليته أن يعود؟
قالت:"إحساسك بالمسؤولية عظيم,أنا أشعر بالأسف من أجلهم....لكن أميراً لن ينقذهم...المساكين!"
وراحا يتحدثان فى مواضيع مختلفة و مع زحف الظلمة إلى الغرفة تكلما و تكلما .
كان أليكس ذكياً للغاية....لكن, يجب أن يكون ذكياً إلا لما أصبح من نوابغ عالم الكمبيوتر و عالم الأعمال كما تبين لها أنه ذو نظرة ثاقبة و صاحب اهتمامات متنوعة و آراء فريدة حول مواضيع شتى.
و بعد حين وقف على قدميه و أضاء المصباح. بدا بسيطاً فى الغرفة المليئة بالظلام...صلب, رشيق , و مسيطر....و أضاء مصباحاً آخر فحدد نوره معالم وجهه بهالة ذهبية .
كان يبدو متمدناً جداً و أحست لانث بجفاف فى فمها...كانت ثيابه عادية لكنها لفتت نظرها...فقد بدا و كأنه خارج من صفحات مجلة أزياء رجالية...أما قسمات وجهه فقسمات قرصان تبعث الرهبة فى النفس و تعكس قوة شخصيته.
إنها تعرف القليل عنه لقد تربى فى أستراليا قبل أن يرتفع نجمه فى عالم الأعمال و لم يخط خطوة خاطئة واحدة منذ أسس إمبراطوريته.
قال:"لقد حان الوقت لتحضير العشاء. ألا زال عرض المساعدة قائماً؟"
كانت الوجبة ممتازة, حساء و طبق لوبيا فضلاً عن التوست و الجبن الأزرق و سمك السلمون مع الكوسكوس و علمت لانث أليكس كيفية تحضير الصلصة المناسبة للسمك.كما حضر سلطة الطماطم .
سألها بعد أن ابتلعت آخر لقمة من السلمون و الكوسكوس :"أترغبين فى الحلوى؟ لدى الفاكهة أيضاً"
تنهدت و قالت :"يا إلهى ....لا ! شكراً لك. كانت وجبة ضخمة و أنت كاذب"
ابتسم:"لماذا؟"
قالت :"أنا لا أدعو هذا طهواً عادياً لقد كانت وجبة رائعة لذيذة المذاق"
ضحك بهدوء :"أنا مسرور لأنك تمتعت بالطعام. إنها وجبة أمى المفضلة"
كانا قد تحدثا فى أمور شتى خلال تناولهما الطعام لكنهما لم يتطرقا إلى أى موضوع شخصى و إن قال لها إنه يحب قراءة القصص البوليسية و كتب الرحلات و إنه يحب الأوبرا
و اعترفت له بولعها بالسينما الفرنسية و الأفلام القديمة بالأبيض و الأسود حيث النجوم رجال مثيرون و نساء شريرات لا رحمة فى قلوبهن. و دهشت حين علمت أنه شاهد بعضاً منها و أعجبته.
كان الكلام معه سهلاً و هما يغسلان الصحون و مع ذلك فقد أحست بحاجز يفصل بينهما.
رفع رأسه فجأة و ابتسم فاعتصر ألم مجهول قلبها.كما أنا محظوظة أننى لفم أعرفه طويلاً لأقع فى حبه و ردت على ابتسامته بأخرى ضعيفة .
ارتجفت الأنوار و بعدها سادت عتمة الليل.
فقال أليكس فى العتمة :
ــ اللعنة...لا تهتمى....سأحضر مشعلاً يدوياً و أشعل قنديل الغاز كما لدينا غاز للطهى لهذا لن نموت جوعاً , هل ترغبين فى فنجان قهوة؟
نظرت إليه و حاولت أن تبقى صوتها سوياً و هى تجيب:"أجل....شكراً لك"
حضرا القهوة و شرباها بينما استمر هطول المطر على السقف الذى يقيهما غضب الطبيعة و يفصلهما عن العالم.
كانت قد وضعت فنجانها فى صحنه حين دوى قرع على الباب الخلفى....فالتفت حولها مجفلة و قالت :"لِمَ بحق السماء يخرج أى إنسان فى ليلة كهذه؟"
ــ سأذهب لأعرف.
وقفت على قدميها لكنها بقيت فى مكانها و راقبت نور القنديل يبتعد فى الممر القصير الذى يؤدى إلى الباب الخلفى ازدادت حدة صوة المطر مما يعنى أن الباب قد انفتح و سمعت شهقة مكبوتة ثم عاد الضوء مع عودة أليكس برفقة امرأة نحيلة فى أواخر الأربعين من عمرها. كان شعرها و بشرتها يلمعان من الرطوبة و دخلت و نظرة حولها كما لو أنها تبحث عن شخص آخر.
قال أليكس أمراً:"أحضرى فنجان قهوة للسيدة...."
ردت المرأة عبر أسنانها المصطكة :"شاندون...لكن ليس لدى الوقت...أليست مارك هنا؟"
ــ لا.
أخذت المرأة نفساً متقطعاً و قالت:"ظننته هنا"
و صمتت تنظر إلى أليكس بحيرة . وكأن ما دفعها إلى باب داره قد تبخر فجأة فاستيقظت من حلم.
سألها أليكس بلطف:"لماذا تريدين مارك؟"
و حثها لتجلس بينما صبت لها لانث فنجان قهوة.
قالت المرأة :"خرج زوجى لينقل بعض الماشية"
و نظرت إلى فنجان القهوة و كطأنها تنظر إلى شئ غريب . و بدا إنها تحاول استجماع أفكارها و بالرغم من القشعريرة التى كانت تهز جسمها .
ــ لقد نقلها بالأمس إلى مناطق مرتفعة لكنه عاد اليوم إلى دراغافيل....أنا ممرضة مسئولة فى المستشفى و حفيدى هناك مصاب بالتهاب السحايا....لكنه يتحسن و اليوم عيد ميلاده ....إنه فى الثالثة من عمره فقط.... وتلاشى صوتها . فقال أليكس بهدوء :"إذن , نقل زوجك المواشى"
ركزت المرأة على وجهه و ردت بهدوء :
ــ أجل....لقد أمضيت بعد الوقت مع جوى , حفيدى. ولم أعد إلا بعد السادسة و كان روب قد ترك لى رسالة على الطاولة : لقد اقتحمت العجول الصغيرة السياج و توجهت إلى المراعى الكبيرة, قرب النهر فذهب هناك ليعيدها و يبعدها عن النهر.
أدنت لانث فنجان القهوة من شفتى المرأة فأطاعتها و شربت منه .
انتظر أليكس حتى انتهت و سألها :"هل ذكر الوقت فى رسالته؟"
نظرت إلى ساعتها و أجابت:
ــ أوه...أجل...منذ حوالى ثلاث ساعات. حاولت أن ألحق به لكن النهر أرتفع و الجسر أختفى . ولم أره أو أرى الماشية....نحن نعرف مارك جيداً....و لطالما تساعدا....لهذا جئت إلى هنا.
صمتت فجأة و عضت على شفتيها .
حثتها لانث على شرب المزيد من القهوة فى حين سألها أليكس :"هل اتصلت بأحد آخر؟"
ــ خطوط الهاتف مقطوعة..على أى حال , لن يستطيع أحد
الوصول إلينا, لأن الطريق انهارت قرب بوابة أرضك تماماً كما انهارت الحافة و استطعت أن أرى الصخور و الوحول تغمر الطريق كلها.
هز أليكس رأسه و قال :"أشربى القهوة لا أرى إذا كان بإمكاننا طلب النجدة عبر الهاتف الخلوى"
حين عاد وضعت السيدة شاندون فنجان القهوة الذى كاد يفرغ من يدها و سألته :"هل يمكن لأحد أن يأتى ؟"
ــ لا....كيف وصلت إلى هنا ؟
ــ فى السيارة
ــ سنعود فى الرانج روفر....لا يمكننا أن نتوقع أى مساعدة...حتى و أن استطاعوا إزالة التربة المنزلقة. قال عامل الهاتف إن فرق الطوارئ مشغولة كلها فى إزالة الركام عن الطريق الجنوبى لـ دراغافيل...كما سيرتفع المد يضرب الإعصار , لهذا يقومون بإخلاء الناس من المنطقة . ولا يمكن لأى طوافة أن ترتفع عن الأرض فى مثل هذا الطقس
|