كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
سلاسل روايات احلام المكتوبة
رد: 218 - دموع و دماء سلسلة روبين دونالد (الجزء الأول)
3 - نار من قلب الماء
كادت تصل إلى الأرض الصلبة حين أمسكتها يدان قويتان و شدتاها بقسوة إلى أن توقفت عن المقاومة. ومالت نحوه بعجز , وقد غاب الذعر ليحل الإرهاق و الخجل مكانه.
قال أليكس بهدوء:"لا بأس عليك...لا بأس يا لانث...أنت آمنة"
ردت بصوت مخنوق:"أعلم"
و حاولت أن تبعد عنه فقد كان من السهل الاستسلام دون تفكير لقوته و سلطته.
و قالت لقلبها الخافق :"هذه مواساة بسيطة ليس إلا"
لقد منحها الشئ الوحيد الذى تحتاجه فى تلك اللحظة...دعمه و مساندته.
استدار بسرعة و أجبرها على أن تستدير معه بحيث وفرت لها كتفاه العريضتان غطاء من النظرات الفضولية. ثم تركها فألقت حولها نظرة سريعة أنبأتها بأن أحداً لم يلاحظ ما حدث. و أحست بارتياح جزئى لتفاديها بعض الإذلال.
لكن حين نظرت إلى أليكس مجدداً لم تستطيع الخلاص من هاتين العينين اللغز....عينان خطفتا أنفاسها و خدرتا حواسها . تمتمت :"لا تشفق علىّ"
و ظهر فى عمق عينيه الباردتين وميض وحشى و هو يقول :
ــ أشفق عليك؟ أنا لا أشفق عليك لانث براون. بل أنا أبعد ما يكون عن ذلك.
شدت أصابعه على ذراعها , و أدارها نحوه ليدس يده تحت مرفقها و يضيف:
ــ حسناً جداً....سنسير تحت ظلال الأشجار.ما هى أنواع الطيور التى تصادفينها عادة فى هذه البحيرات؟
فأجبرت لانث نفسها على الرد:
ــ أعشاش طير الزقزاق تنتشر على الرمال و فى الربيع و الخريف تشكل البحيرات ملجأ مؤقت للطيور المهاجرة.
بدا لها صوتها و هى ترد كليلاً عادياً...لكن ما أن وصلا إلى المنزل حتى أضحى الذعر الذى أنتابها طىّ النسيان
قالت:"أود الجلوس فى الخارج"
انتظر أليكس حتى اختارت مقعداً قديماً مريحاً ثم أسند نفسه على حافة الشرفة وراح ينظر إليها قبل أن يسألها :
أخبرينى لما تختار امرأة تخاف الماء الإقامة فى مكان لا يبعد عنه سوى خمسة و عشرون متراً
إنها تدين له بتفسير لكن كل ما استطاعت أن تقوله :"أنا بحاجة لأن أعتاد على الماء مجدداً"
و اخترقت نظرته الثاقبة قوقعة هدوئها الهشة, فمزقتها إرباً...و بعد صمت متوتر فاق طاقتها سألها:
ــ ألم تتمكنى من السباحة منذ هاجمك القرش؟
فردت بصوت أجش:"لا, و الأمر لا يتعلق بالماء....بل بالأسنان...فأنا أحلم بالدلافين, أراها تلعب و تبتسم ثم تنقلب الابتسامات فجأة إلى أسنان...و...أحس بخوف من أن يمسك بى شئ ما,و يجرنى نحو الأعماق..."
قال بصوت عميق :"لانث"
و تقدم ليجلس إلى جانبها و يمسك يدها بيده القوية الدافئة .
تخبط قلبها بين ضلوعها و تمتمت بسرعة :
ــ أنا لا أخشى الماء...فأنا أستخدم المغطس كما أقود سيارتى فوق جسر الميناء دون أن يرف لى جفن. حتى أنى اسير على طول الشاطئ..لكن إذا ما....حسناً جداً لقد رأيت بنفسك.
ــ إذن...جئت إلى هنا لتتغلبى على خوفك؟
ارتجفت لانث للسخرية القاسية فى صوته, فأجابت و قد سمرت عينيها على سطح البحيرة :
ــ تعلمت السباحة هنا. وهنا كنا أنا و تريسيا نلعب فى المياه الضحلة.. ثم علمتنا أمها السباحة و بدا لى من الطبيعى جداً أن أعود إلى هنا, لأكون فى منتديات ليلاس أمان تام. فى أول صيف لنا أمضيناه سمحت لنا بالسباحة حتى الجدار و كان هناك أمامنا مغرياً و محرماً....
ــ ماذا تعنين بالجدار؟ أعتقد أنه حدود المياه العميقة, فلقد لاحظته...إنه واضح بشكل مذهل.
ــ إن قعر البحيرة هو تحت مستوى البحر.وهذا العمق , وصفاء المياه, و بياض الرمل اللامع عوامل تجمعت كلها لتكون (الجدار)
أشاحت بوجهها و حاولت سحب يدها من يده. كانت نبضاتها تتسارع فى شرايين معصمها الرقيقة الهشة, وحين نظرت إلى يده لاحظت أصابعه النحيلة الطويلة.
فكرت بدهشة أنها ليست مسترخية, لا....فقد ظهر التوتر فى تلك الأصابع السمراء و تكاد تشعر به حول أصابعها...وهى لا تلومه فلابد أنها تحرجه جداً وهو لا يستطيع الابتعاد بسرعة.
استقامت فى جلستها و سرحت بنظرها بعيداً دون أن ترى شيئاً ثم أكملت حديثها :
ــ كانت السباحة عبر ذلك الجدار أشبه باختراق حاجز ما....و كلما توغلت كلما أحسست بنشوة أكبر. وفى تلك اللحظة التى اخترقت فيها الجدار و انطلقت إلى المدى الأزرق الواسع, أحسست أننى قوية و مختلفة و أننى شخص يستطيع صنع المعجزات.
قال بحزم:"أنت فعلاً من النوع الذى يستطيع فعل أى شئ ...و ما تشعرين به أمر مؤقت إنه رد فعل طبيعى على المحنة و الألم و الصدمة و الرعب"
و تصاعد الغضب فيها....مفاجئ , حار, و شرس.
ــ أنا عاجزة حتى عن وضع قدمى فى الماء! كنت آمل أن يساعدنى الحضور إلى هنا .
ــ إذن..لم تنجحى بعد.أعطى نفسك بعض الوقت و سوف تنجحين.
وقف على قدميه و سار نحو الحافة و استند إليها و راح ينظر إلى البحيرة.
راحت لانث تراقبه وهو يتحرك برشاقة و قالت ببرودة:"بدأت أتساءل حول جدوى ذلك...لقد رأيتنى حين زلت بى القدم....هذا ما يدعى نوبة ذعر"
ــ أنت تتوقعين الكثير و فى وقت قصير جداً. هل استشرت أحداً؟
هزت رأسها :"ما عدا تريسيا لا أحد"
ــ لماذا؟
حملت نبرة صوته تجهماً مكبوتاً فشدت يديها فى حجرها. وركزت على الشمس التى عكست أشعتها عليهما فأبرزت بشرتها الشاحبة.
قالت ببطء :"لأننى أشعر أنى....ناقصة, على ما أعتقد.و لم أدرك هذا حتى جئت إلى هنا...فأنا لا أواجه مشكلة فى بركة السباحة....كنت أعرف أن البحر يخيفنى, إلا أننى لم أكتشف السبب. ظننت أننى بحاجة إلى أخذ الأمور بروية فأصبح على ما يرام بعد وقت قصير"
أدار رأسه لينظر إليها و قد بدت عيناه كشعلتين فى ظلام وجهه.
ــ لا يجب أن تكونى وحدك....أين عائلتك؟
ــ أمى متوفية...و أبى مشغول بزوجته الثانية و عائلته الثانية....على أى حال لست بحاجة إلى أحد....و ماذا بإمكانهم أن يفعلوا؟
منتديات ليلاس
رفعت رموشها الثقيلة و تمكنت من لوى شفتيها بما يشبه الابتسامة و أضافت:
ــ فى الواقع بدأت اليوم الخطوة الأولى...بقيت فى الماء جزءاً من الثانية و لم أصب فعلياً بالهستريا.
قال بحدة :"لقد رأيت كم كلفك هذا....أنت بحاجة إلى المساعدة و ليس إلى العزلة و قوة الإرادة. هل هناك من يمكنه أن يقيم معك؟ تريسيا مثلاً صديقتك؟
ــ لا.....أنها متزوجة و لها طفل صغير و حياة خاصة.
ثم غطت تثاؤبة بيدها و قالت:"أنا آسفة لكننى متعبة فعلاً"
فقال بلهجة آمرة تقارب نفاذ الصبر :"إذن أدخلى و نامى"
تهاوت و هى تقف. لكنها كانت مستعدة لليد الرشيقة التى امتدت هذه المرة لتساندها...و كررت :"آسفة"
ــ لِمَ الأسف ؟ أ لأنك حاولت البقاء فى المياه بالرغم مما يكلفك هذا معنوياً و عاطفياً؟ ربما كان هذا غباء لكنه يثير الإعجاب هل ستكونين على ما يرام لوحدك؟سابق هنا لو أردت ذلك.
رأت لون عينيه يزداد عمقاً فتراجعت و أجابت :"لا! لا.....أنا بخير"
أجبرتها قوة أرادتها على الصمت. وأبقاها الصمت الثقيل جامدة و لم تلتفت إليه....لكن عيناها لاحظتا ارتجاف عضلة فكه.
و قال بعد حين :"حسناً جداً. لا تعودى إلى الماء مرة أخرى"
هل يظن حقاً أنه يحق له إصدار الأوامر و هل يتوقع منها أن تطيعه؟
قالت و هى تتنفس بسرعة:"قد تكون الصدفة أمراً جيداً"
اجبرها على إقفال البابين الأمامى و الخلفى و بعد أن غادر جلست تنتظر إلى أن سمعت صوت مركبه يبتعد. ثم ترنحت حتى دخلت إلى غرفة النوم حيث ارتمت على السرير الضيق و نامت نوماً عميقاً.
حلمت بالدلافين....ناعمة لامعة لعوبة, رشيقة قوية و غامضة, عيونها بلون البحر ساعة الفجر و قاومت لتستيقظ...لأنها تعرف ما سيحدث.
لكن, و فيما هى تسبح معها انقلبت إحداها إلى حورى بحر...أمسك بيدها و سحبها نحو الشاطئ, فتوقفت عن المقاومة و غرقت فى عينيه الشاحبتين الشفافتين.
حين استيقظت تململت متعبة و فكرت بقلق أن معنى هذا الحلم جلى....و سرت رعشة فى جسدها...فمثل هذا التجاذب الفورى لم يحصل لها من قبل.لكنها سمعت ما يكفى عن (الانجذاب) و أعراضه لتتقبل هذا الأمر بسهولة.
منتديات ليلاس
|