كاتب الموضوع :
♫ معزوفة حنين ♫
المنتدى :
القصص المكتمله
رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
هو ذاته ... يفتح الباب ليقف بطوله الفارع و بنيته الحديدية .. وجهه الحنطي اللون بعينين ثعلبيتان عسليتان .. بِحدة ! رشقني بنظرة عَميقة ... ثم انفرجت إحدى زوايا فمه بتشفي ..
رَمقته مُطولاً ثم أشحت وجهي ناحية حسناء التي ابتسمت لي بخبث و هي تعقد ذراعيها أمام صدرها ..
خطوات فؤاد تقترب مني بريبة .. عُدت أرمقه مُتنفساً بصعوبة فوقف أمامي و هو ينظر لي بنظرات باردة ثلجية قَبل أن يهمس :" الدكتور مُحمد "
اتسعت ابتسامته الغريبة لتتحول لضحكة عالية أطلقها و هو يضع كفيه على رأسه .. راح يضحك بصوت عالٍ و هو ينظر لي بدهشة .. أخيراً عاد لهدوءه قبل ينحني لي و يواجهني بعينين عسليتين حادتين ..
هَمس :"لم أكن أتوقع أنك تستهدفني "
نظر لي باحتقار ثم عاد يهمس :" كُنت تُراقبني منذ لحظة رؤيتك لأختي في المشفى و أنا في كل مرة أشك فيك أعود لأنظر لوجهك البريء و ابتسامتك المغفلة و أقول بيني و بين نفسي محمد لا يفعلها "
رفعت عيناي له فقال :" لكن في كل مرة يزيد يقيني بأنك من تلاحقني يا ...."
صرخ :" يا منافق"
خاطبته بهمس و أنا أعض على شفتي :" لماذا قتلت وداد ؟؟"
تأملني لبرهة ثم تراجع و هو يدور حول نفسه و هو يمسح وجهه بكفه .... قبل أن يباغتني بلكمة موجعة ..
أغمضت عيناي بألم ثم عدت أنظر له و من فمي يسيل الدم .. رأيته ينظر لي لاهثاً ثم صرخ :" لا تذكر اسم أختي على لسانك يا قذر "
ازدردت ريقي و قميصي امتلئ بالعَرق .. نظرت لحسناء المرتبكة ثم عدت أنظر لفؤاد بحدة :" إذ كانت أختك فلماذا قتلتها ؟؟ و لماذا تحاول قتل الأخرى هذا إن لم تكن قد قتلتها .. لماذا لا تفهم ؟؟ لماذا تُريد ايذائهما لصالح فضولك و جنون تجاربك الدنيئة"
نظر لي و زمجر :" أولاً يمكنني قتلك الآن فقط لأنك دخلت بيني و بين أخواتي دون أن تدرك جيداً أن كل ما أفعله لصالحهما ... لم أكن أركض وراء تجارب .. كنت أريد تحقيق تلك الامنية "
و قرب وجهه ناحيتي و هو يهمس :" من له مآرب و نوايا دنيئة فقط أنت ... يا من دخلت بيتي من دون علمي يا نجس"
خاطبته بحدة منفعلاً :" دخلت لأنقذ أختك منك ! نعم أنا من أفسد أجهزتك لألا تفعل بها كما فعلت بأختها "
تأملني بنظرات كالسهام قبل أن يمد أصابعه لينتزع نظارتي .. تأمل النظارة و عاد ينظر لي بسخرية و احتقار :" أنت قصير النظر بالفعل .. لا ترى أبعد من أنفك .. مسماك الوظيفي لا يدل إلا على غبائك .. شخص مثلك درس الكتب الدراسية و حفظها حفظاً دون أن يفكر أن هناك سطور مخفية لو ركز قليلاً لسوف يرى أن هناك أشياء نستطيع أن نكتشفها حقاً "
نظرت له باستنكار :" عمّا تتحدث ؟؟"
حدق بي طويلاً قبل أن يهمس :" أتحدث عن إمكانية إعادة وِداد لقيد الحياة "
صحت :" أنت شخص مخبول ! على أية أسس و نظم حددت هذا !! هل فقدت عقلك ؟؟ الدين و المنطق يخالفان ذلك نهائياً .. "
ابتسم :" أنا بحثت طول هذه الفترة في هذا الأمر و هو إمكانية إحياء وداد في جسد ياسمين .. بما أنني أملك أجهزة تحفظ ذكريات وداد فإن بإمكاني أن أمسح ذاكرة ياسمين و دس ذكريات وداد في دماغها.. و بالنسبة لشكل الجسد طبيعي أن جسد ياسمين لا يمكن تغييره كُلياً ليصبح كجسد وداد و لكن أنا لدي الجينات الوارثية الخاصة بوداد التي يمكنني بها تغيير بعض المعالم الأساسية .. كلون البشرة و ملامح الوجه .. هي أشياء سأستطيع تغييرها في جسد ياسمين شيئاً فشيئاً بما أني أستطيع تغيير شريط الجينات الوراثية.. "
تنهد و هو ينظر لي :" المخ هو المتحكم بكل شيء ! و بما أنك طبيب مخ و أعصاب من المفترض أنك تفهم هذا الأمر "
تأملته بغير اقتناع :" هذا امر مستحيل الحدوث "
اتسعت ابتسامته بخبث :" أتريد أن ترى بأم عينك؟؟ "
فتحت عيناي بدهشة و هو يبتسم و ابتسامته هذه تخيفني بالفعل .. همست :" ماذا أرى ؟؟ "
اقتربت ناحيتي و هو يضع النظارة امام عيناي ثم همس :" ألا تريدني ان أطبق كل هذا أمامك "
نظرت له بريبة :" ياسمين هنا؟؟"
أطلق ضحكة ساخرة و عاد ينظر لي :" لا ! للأسف ياسمين هربت من المنزل بالأمس !! "
نظرت له بصدمة :" هربت ؟؟! "
قال مصطنعاً الأسف :" نعم هربت و أنا قلق عليها حقاً لا أدري إلى أين ذهبت ! و على هذا ستكون التجربة على ........"
و صمت و هو ينظر لي مبتسماً بخبِث ..ازدردت ريقي و خشيت أن يطبق تجربته الخطيرة علي أنا .. لكنه استدار ببطء ليواجه حسناء المرتعدة الخائفة .. همس :" أحببت أن أعيد وداد في جسد ممشوق جميل .. أحببت أن أعيدها في جسد هذه الحسناء "
---
صرخت حسناء بذعر و هي تضع كفيها على فمها ..فتحت عيناي بصدمة و أنا أنظر لفؤاد لاهثاً .. أراه يتقدم بخطوات مريبة لحسناء التي تتراجع بخوف و وجهها ظهرت عليه معالم الفزع و الروع..
كنت أشعر بقلبي هذا يقرع كطبل أفريقي مجنون .. أشعر بالحرارة ! أشعر بالرهبة ! أشعر ان شيئاً فضيعاً ! فضيعاً جداً ! سيحدث الآن ..
بعنف سحبها فؤاد من عباءتها فصرخت :" محمد !! محمد سيقتلني "
لم أتمالك نفسي فزمجرت به :" أتركها !!!! "
نظر لي بابتسامة خبيثة و هو يرفع حاجباه :" ألم تكن هذه الفتاة من تريد النيل منك؟؟؟ ليتك تعلم ما نواياها قبل أن تدافع عنها أيها المسكين المغفل "
عدت أصرخ به :" أياً كان ! أتركها ! إن كانت لديك تجارب تريد تجريبها ! فهاك أنا .. جرب كل التجارب التي تريد تجريبها ! و حتى لو كنت تريد تحويلي لوداد فلتفعل !! لكن أترك حسناء ! "
نظر لي لبرهة قبل أن ينفجر ضاحكاً :" تريد أن تتحول لوداد ؟؟ لا أريد أن تعود وداد للحياة لتجد نفسها رجلاً .."
ثم نظر لحسناء هامساً:" ما اريده أنثى شابة .. أريد أن تعيش وداد سعيدة بعد عمرها الطويل الذي لم تجد فيه يوماً هنيئاً ! كل أيامها كانت تعيش تعيسة ! لكن حان الوقت لتعيش عمرها الحقيقي"
حسناء التي تريد الفكاك منه كانت ترمقني بنظرة استجداء عميقة .. و لم يكن بيدي أية حيلة للأسف الشديد ..
هُنا و بعنف نزع منها خمارها الاسود بقوة قبل أن يتناثر شعر حريري فاحم .. كانت تصرخ بخوف و الكحل يسيل على وجهها الشديد البياض .. صاحت :" ماذا تريد أن تفعل "
ابتسم و هو يُخرج حقنة من جيبه :" نفس الحقنة التي حقنتِ بها حبيبكِ "
قبل أن تصرخ هي او تدافع أو تفعل شيء .. خارت كل قواها مع وغزة الحقنة .. كنت أنظر لها بصدمة و انا أفكر بالخطوة التالية التي سيخطوها فؤاد ! نظرت له مزمجراً و قد بح صوتي :" بربك أتركها و اعقل ! صدقني لن تعود وداد و أنا أراهن عن هذا ..لا تفسد حياتك بجريمة قتل جديدة .. "
نظر لي قبل أن يحني راسه و هو ينظر لحسناء المترامية على الأرضية .. همس :" في كل الأحوال حياتي بائسة ما بين تأنيب ضمير و ألم و وحدة .. هذه الأشهر القليلة على فقدان وداد كانت كالقرون تمضي علي! كل شيء في حياتي من سيء لأسوأ .. لن أستطيع العيش دون وداد ! و إن لم تعد أنا مستعد لقتل نفسي "
نظرت له مصعوقاً .. و هو ينحني ليحمل حسناء النحيلة..ثم يتوجه بها نحو السرير .. عضضت على شفتاي بحنق و أنا أحاول فك الحبال عن معصماي و لكن كل محاولات تبوء بالفشل ..
أرى فؤاد يفتح الادراج المجاورة ليستخرج مقصاً .. نظرت له مشدوهاً و هو يقص شعر حسناء بضحكة ماكرة .. صرخت به :" كفى ! كفى ! كانت تطيعك و جلبتني هنا لأجلك لماذا تفعل بها هذا"
نظر لي بابتسامة و هو يحمل شعرها المقصوص و جعل يعبث به قبل أن يرميه ناحيتي صارخاً :" أنت مغفل! كانت تريد الانتقام منك .. و لكن لا تقلق دورك سيأتي بعد قليل"
نظرت لوجه فؤاد المخيف و خفوت الأضواء يوحي بأن هذه الليلة ستكون مفجعة .. أنظر لحسناء النائمة بسكون غير عالمة بما سيجري لها بعد قليل .. نظرت لخصلات شعرها المتناثر قرب قدمي ..لهثت و أنا لفؤاد و يجلب معداته و قواويره و أدواته !! و جهاز جديد وضعه أمامي قبل ان يهمس :" أنا مستعد لشراء جهاز جديد مهما بلغت قيمته ! فقط لاعادة وداد "
ازدردت ريقي و أنا أراه يجلب صندوق زجاجي يحوي محلول أصفر به الاجسام المعدنية المشئومة ..تاملته بحقد و هو يضع الصندوق على المنضدة .. حينها .. أمسك هو بمشرط صغير ناوياً إجراء جراحته الشيطانية في حسناء .. عيناي فُتحتا بذهول! حقاً فقدت كل الآمال في أن تعيش حسناء و أعيش أنا !
و لكن الله بعث فيّ الأمل في أمر لم يكن بالحسبان أبداً ..
فجاة تراجع فؤاد ليدفع من وراءه المنضدة .. عيناي تراقبان الصندوق الزجاجي و هو يهوي من المنضدة إلى الأرض .. فؤاد تسمر و تصلب نهائياً ..و هو يرى الصندوق يتحطم كُلياً .. و تلك الأجسام تتناثر لتستقر على السجاد...
تجمدنا طويلاً و من ناحيتي لم أعرف الأمر الذي جرى قبل أن يصرخ فؤاد :" الأجهزة!! لامست الأرض"
هب كالمجنون يجمع تلك الجزيئات المعدنية بيده و صار يتلفت حوله يبحث عن شيء .. صرخ :" لسوف تفقد كل البيانات المخزنة اذ لم تعد إلى المحلول "
صار يدور في الغرفة و هو يحمل بكفيه الأجسام المعدنية ... يصرخ بهستيريا :" المحلول ، المحلول "
رأيته يخرج من الغرفة يركض ركضاً .. و كنت أراقبه بذهول ! و تمنيت أن لا يجد المحلول الذي يتحدث عنه إلا بعد فوات الأوان .. كنت أفكر هل من المعقول !!! أن تطير كل أوهام فؤاد في لحظة !! ابتسمت و أنا أنظر لحسناء و عدت أنظر للباب .. أتمنى أن تفسد تلك الأجسام و تريحنا !
صرت أسمع صراخه الذي يدوي المنزل كله ! و كأن أمنيتي استقبلتها السماء و استجابتها بكرم .. أسمعه يصرخ بجنون و أسمع تحطم الأشياء و أرفع رأسي هامساً بعمق :" أشكرك ربي ! أشكرك "
فتح الباب من جديد و وجهه غدا مختلفاً ! كان مختلفاً و قد رسمت على وجهه تعابير الفجيعة و الأسى .. صرخ بي :
" وداد ذهبت للأبد !! وداد ذهبت للأبد يا محمد ! لقد فسدت الأجسام !"
تهاوى على الأرض و هو يصرخ بدموع هزتني .. رفع ذراعيه بحزن عميق صارخاً :" وداد !!!!!!!!!!! "
نظرت له بأسى على حاله ! فِعلاً شعرت بمأساته و كيف كان يعيش على أمل عودتها بمجرد أنه كان يملك بيانات طارت من يديه في لحظة !
و كنت أنا و حسناء كمن كان على الخط الفاصل بين الحياة و الموت قبل أن تطير أحلام فؤاد هباءاً و يعود إلى واقع موت وداد !!
هل كان سيتقبل موت أخته ببساطة؟؟ ! و هو الذي عاش على أمل عودتها و رسم الآمال لعيشها من جديد ؟؟
كُنت أراقبه و هو يرتعش و ينتفض.. أين ذلك الرجل الجدي الذكي الرزين ؟؟ أفكار جنونية منه أحالته إلى شخص مجنون بشكل كلي !
--
|