كاتب الموضوع :
♫ معزوفة حنين ♫
المنتدى :
القصص المكتمله
رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
وقفت أراقب علياء و هي تستلقي على سريرها ثم تنظر لي بحدة :" قلتُ لك سأبيت هنا انصرف رجاءاً "
تأملتها مُطولاً ثم همست :" لا بأس ! و لكن "
استوت على السرير قائلة بنفور :" ماذا لديك بعد ؟؟"
اقتربت منها و وضعت حقيبتها بجانبها قائلاً :" جلبت لك حقيبتك إذ كنت تريدين شيئاً اتصلي بي .. "
و انحنيت لأنتشل العكاز من الأرض و أسنده على الحائط قائلاً :" و ها هو العكاز إذ كنت تحتاجينه "
نظرت لي بنظرات مُلتهبة :" لست أحتاجك و لا أحتاج العكاز و لا أحتاج شيئاً ! فقط ابتعد ! عُد إلى الشقة "
نظرت لها لُبرهة ثم قلت مُبتسماً :" سأبقى وحدي الليلة ! ألست أثير شفقتك؟ "
نظرت لي بضجر و رمت بجسدها على السرير .. فانحنيت و قبلت جبينها و انسحبت بهدوء .. وعَلمت أن علياء ليست قاسية لهذه الدرجة و لكنها الغيرة ! أنا أعذرها حقاً !
و لن أخذلها مُجدداً و سأثبت لها أن حُب حَسناء انتزعته نزعاً من قلبي ! يا ليتها تعلم علياء أنها الوحيدة التي تتسيد هذا القلب ..
--
وَصلت لشقتي و دخلت الغُرفة و انشغلت بتبديل ملابسي ..و انتشلت الحاسوب المحمول و خرجت به إلى الصالة .. جلست في الصالة على الأريكة و تناولت هاتفي .. نظرت للساعة ! كانت العاشرة .. هل أتصل بياسمين ؟؟ هل سترد يا تُرى ؟؟ هل سيكشفني فؤاد ؟؟
جاءني صوت بلغة ركيكة :" سَيد مُحمد ؟؟"
استدرت لها ... كانت الخادمة ! على وجهها ملامح استغراب و هي تقول :" أين مَدام علياء؟"
نظرت لما أرتديه و شعرت بالحَرج ! كيف نسيت وجود الخادمة للمرة الثانية .. رفعت رأسي قائلاً :" علياء في منزل والدتها .. يمكنك النوم "
اقتربت مني قائلة :" هل أصنع لك العشاء ؟"
" لا لا أبداً ! يمكنك النوم "
قالت بحرج :" سيدي أتمنى أن تشتري لي بطاقة كي أتمكن من الاتصال بأهلي "
هززت رأسي :" بالتأكيد .. في الغد إن شاء الله "
انصرفت فتنهدت بارتياح و تناولت الهاتف و أنا أُفكر ! هل أتصل ؟؟ و ماذا سأقول ؟؟ و هل ستخبرني بشيء !
عضضت على شفتاي و ضغطت الزر الأخضر ..
وضعت الهاتف على أذني و أنا أضرب بيدي على رُكبتي بتوتر .. و مع فترة طويلة من عدم ردها أيقنت أنها لن ترد لذلك أبعدت الهاتف بيأس قبل أن أسمع صوت ..
" آلو ! "
أسرعت بالرد :" آلو ! .. ! أ .. أ "
توترت كثيراً مع صمتٍ من الطَرف الآخر .. و تخيلت أن فؤاد يجلس معها فيكشف لُعبتي !
أعدت قول :" آلو .. مَرحباً ؟ ! "
بخفوت :" أهلاً .. مَن معي؟؟"
" آنسة ياسمين؟؟"
بتوتر :" نعم؟؟"
و باصرار :" من معي ؟؟ من؟؟"
تشجعت لقول :" أنا طبيب مخ و أعصاب ! لدي فضول حِيال ! حِيال "
و لم أكن أعرف من أين أبدأ و كانت هي تفضل الصمت ..
كان صوتها طفولياً سلساً شجعني لأكمل :" أحببت محادثتك عن أختك المتوفاة وِداد !"
صمت طَويل فقلت :" أفضل أن تكوني وحيدة لأتحدث معك من دون اثارة شكوك لأي شخص "
هنا قالت بحدة :" ماذا تُريد؟؟ "
همست :" أختك وِداد؟؟ و أخاك فؤاد ! بالتأكيد هُما سبب معاناتك الآن ! "
و قلت برجاء :" حدثيني عن كُل شيء "
قالت :" بصفتك من و كيف أطمئن لشخص مثلك ؟"
قلت :" بصفتي دكتور مُحمد ، شخص يسعى لمساعدتك ! "
و أخذت نفساً قبل أن أقول :" عَرفت مسبقاً أن فؤاد يريد بأي طريقة اجراء تجربة لاستعادة وداد "
همست بضيق :" هي تجاربه الجنونية و التي ستوصلنا إلى الهاوية كما حدث لدى وداد "
و قالت :" اسمع ! سأنتقل للجلوس في غرفتي كي أخبرك شيئاً ! علك تفلح في ايقاف فؤاد "
و قالت بحزن:" حقاً ! آمل أن أخرج من هذا الكابوس "
انتظرتها و أنا أشعر بالحماس يدب فيّ مجدداً .. بعد أن فقدت قيمتي و ثقتي بنفسي أمام حسناء و أمثالها !! ها أنا أشعر أني أستطيع فعل شيء ما لهذه الشابة!
لحظات و عاد صوتها قائلاً :" أنت معي؟؟ "
" نعم"
" أولاً ! اقسم أن نيتك مساعدتي و عدم التلاعب بي أو .."
قاطعتها لطمأنتها :" أقسم أني منذ زمن طويل أبحث في أمرك و أمر أختك كي أساعدكما ! ليس لدي هدف سوى المساعدة "
قالت بنبرة ألطف :" أشكرك قبل كُل شيء .. كنت بحاجة لمن يسمعني ! فاسمع قصتي منذ البِداية!
أصيبت أمي بمرض غريب نادر يجعلها تلتبس شخوصاً أخرى أو أرواحاً أخرى ! كان الجميع يقول أن جِنية ما لبستها و سيطرت عليها ! لأنها كانت تتحدث حسب شخصيات أخرى! و تنكر أنها تعرفنا ..و تنادي شخوصاً أخرى ..
عرضها أبي على المستشفيات النفسية و كان شديد القلق عليها لأنها كانت صغيرة إذ لم تتجاوز الثلاثين بعد ..و كُنا صِغاراً آنذاك..
لم يجد والدي أي علاج من الأطباء و بعضهم ممن كانوا يبتغون الأموال كانوا يماطلون في علاجها و لم تحدث أي نتيجة .."
قلت متحمساً :" كم كان عمركِ و عمر وداد في ذلك الحين؟؟"
قالت :" كُنت صغيرة جداً لم أدخل المدرسة بعد و كان فؤاد في الصف الرابع الابتدائي و كانت وِداد في الثانوية .. طبعاً هذه القصة لا أذكرها كانت وداد رحمها الله هي من ترويها لي "
و اختلج صوتها بنبرة حُزن لذكر وداد فقلت أنا لأطرد هذا :" أكملي ! أنا معك ! "
" آه نعم كانت أمي غير قادرة على الاعتناء بنا كما في السابق و لذا وداد هي من كانت بمثابة أمنا رغم صِغر سنها آنذاك ! حَتى توفي أبي إثر مرض الخبيث و صار على وداد العمل لجلب لقمة العيش و لذلك عملت في مشغل خياطة و كان مدخولها ضئيلاً ..
لكنها كانت تعتني بي و بفؤاد كثيراً و خصوصاً فؤاد كانت تدعمه و تشجعه ! و لكن مَرض نفسي لازمها مع بلوغها الخامسة و العشرين جعلها كثيرة الانزواء و التفكير بأمي .. و الخوف منها فمنعتنا من زيارتها لأسباب مجهولة .. و كنا أنا و فؤاد أيضاً نخشى أمي لتصرفاتها المخيفة و لذلك تركناها جميعاً و لم نعرف عنها شيئاً حتى ماتت بعد ثلاث سنوات في المصحة النفسية..
لكن بداية القصة بدأت مع بداية دراسة فؤاد في الجامعة حيث اختار أن يكون طبيباً و كان مهووساً بأشياء غريبة تتعلق بالمخ و مكنوناته ! و كان كثير السؤال عن حال أمي بالضبط عند وداد "
قلت :" ماكانت علاقته بوداد؟؟؟"
" ممتازة !! بل رائعة !! كان يحبها كثيراً !! كثيراً فوق ما تتصور .. لكنه انزوى أكثر في مرحلة الجامعة و قد كانت له أفكار يصعب علي شرحها لتعقدها ... و كُنت أنا مهمشة بالنسبة له و غير مهمة ! فقد كان يأتي لمحاورة وداد و الاطمئنان عليها لكونها تعاني من خوف من المستقبل و خوف علينا و خوف من الكثير و لذلك أصبح فؤاد طبيباً لدافع قوي لإرضاء وداد و إزالة مخاوفها ! "
همست :" إذاً ماذا جَرى؟؟"
قالت بتنهيدة :" الذي جرى أن حُب فؤاد لوداد كبر و كبر و كبر ! مع رؤيته لها تذبل و تفقد حيويتها لذلك منعها من العمل كي لا تجهد نفسها .. لكنها رفضت .. و اتفقا أن تقوم هي بالعمل يومين في الأسبوع لألا تجهد نفسها ..كان يحيطها بالرعاية و الاهتمام حتى بدأ يعالجها بنفسه في المنزل و يقوم بدس المخدر لها في الطعام ليتمكن من ايصال أجهزة معينة لمخها ..
حتى بدا لي الأمر مثيراً للشكوك و القلق ! ففؤاد زاد في هذه العلاجات المزعومة لها و بات منزلنا مشحوناً بالأجهزة للتجربة على وداد .. و اتضح أن فؤاد لم يتمكن من معالجة وداد ! كان يرى أن لديها جينات وراثية كأمي قابلة لمرض غريب نادر كالذي تعاني منه أمي ..
و لكن فؤاد لم يقدم الوقاية لوداد بل ساعد على اثارة هذا المَرض لفضوله و جنونه ليرى بنفسه عوارض هذا المرض بعيداً عن امكانية العلاج .. و كان يفرح برؤية وداد تهذي و كأنها شخص آخر ..كإنجاز عظيم بالنسبة له لرؤية ماضي أمي من جديد! لا أعرف ما هي أسبابه و لكنه كان في ذلك الوقت مخيفاً يفعل هذا لوداد مستغلاً قلة حيلتها و مرضها النفسي..
كان ذلك يرعبني و يجعلني أصرخ و أحاول منعه لكن جنونه أقوى من كل شيء و وداد كان أضعف من أن تعي ما حولها ! فالمرض الجديد سيطر عليها ..
و شعرت بها كأنها أمي .. و هي تعيش بيننا كشبح مخيف أتخفى كي لا ألاقيها و أفزع منها و أتهرب من مجالستها .. أما فؤاد كان كالمغيب مهووس بالتجربة و التجربة على وداد من خلال احداث اضطرابات في بيانات مخها عمداً كي يسجل نتائج ذلك ..
و لكن الصاعقة التي حدثت!! أن فؤاد تجرأ لجلب أطباء غريبين معه للمنزل ثم باشروا بجبر وداد على خلع خمارها .. و هي "
و صمتت لبرهة و هي تجهش بالبكاء ثم أكملت :" رأيتها تهرب منهم خائفة و فؤاد هو من سحبها عنوة و بقسوة و جردها من خمارها أمام الأطباء ثم حقنها بمخدر .. لم أكن أعرف ما ينوون فعله فقد زجر بي فؤاد لأغادر .. و بعد ذلك اكتشفت أنهم يجرون جراحة غريبة لوداد "
قلت مسرعاً :" دس أجسام معدنية تحفظ ذاكرتها و بيانات مخها كافة أليس كذلك "
قالت باستغراب :" نعم! ماذا يدريك أنت؟"
" أكملي"
" حدث ذلك .. و صارت وداد كالميتة ! و بعد فترة أدرك فؤاد خطئه و تندم على ذلك كثيراً .. و صار متأثراً لحالها ..و أحياناً أراه يبكي لحالها و يلوم نفسه و جنونه لأنه هو من أخذته شهوة العلم لاكتشاف شيء ما .. لاكتشاف مرض أمي .. لكنه من دون أن يشعر حطم مستقبل وداد التي لم تعد تذهب للعمل .. و بسبب ضغوطه النفسية صار يعاملها بقسوة و عنف و أنا أيضاً ..
راح فؤاد يسعى لانقاذ وداد بإعادة تنظيم بيانات مخها من جديد و لكنه فشل ! و لذلك قتلها ليتخلص من تأنيب الضمير .."
حبست أنفاسي مع آخر جُملة لها ..
قالت ذلك بحزن قبل أن تُكمل بحشرجة :" ظننت ذلك ! ظننت أنه قتلها لتأنيب ضميره و لكن فؤاد لديه مُخططات أخرى .. في ذلك اليوم ! رحت أصرخ و أبكي في المنزل بعد أن أخبرني هو أنها ماتت ! و هو قد خلصها من هذا الهم ..
وفاتها كانت طبيعية أمام الطبيب الشرعي ! و لا قطرة دم واحدة .. ما فعله فؤاد العبث في تنظيمات أوامر المخ التلقائية لدرجة فشله تماماً عن القيام بأي أمر و لذلك ماتت أمام الطبيب الشرعي بسبب مرض في المخ يبدو طبيعياً !
إلى ذلك الوقت كنت غارقة في الحزن و لم أكن أعرف أن فؤاد سيعود لي و ينظر لي بنظرات مريبة .. مردداً (( وداد ستعود!))
ظننته نادم على ما فعل و لكن اتضح أن له نوايا أخرى .. فقد صحبني للمختبر الخاص على أنها نزهة فقط ! و شرح لي عمله المعقد .. و في النهاية أخبرني أن وداد لن تعود إلا من خلالي أنا !! و علي التضحية لتعود هي !"
ألجمتني بما تقول فقلت :" مُستحيل ذلك .. كل القيم العلمية و الطبية تقول أن هذا مستحيل "
قالت :" لا أعلم عن الطب و العلم شيئاً ! لا أعلم إلا أني سألقى حتفي قريباً "
قُلت و قد شلتني الصدمة :" هذا لا يصدق! ! "
كُنت أفكر مصعوقاً !! كيف؟؟
بعد لحظات صدمة اعترتني بعد اكتشاف هذه الحقيقة !! صحت بانفعال :
أخبريني ما اسم الجهاز الذي يستخدمه و يجرب عليه ؟؟"
" آه لا أعلم ؟"
" هل الجهاز عندك في المنزل ؟؟"
" نعم في غُرفته و لديه أكثر في مختبره "
" حَسناً أين فؤاد؟؟"
" ممم .. في غرفته لمَ؟"
" سوف آتي لعندك غداً في وقت عمله "
باستنكار :" ماذا قُلت ؟؟ "
" أقصد "
صرخت :" إياك و الاقتراب من المنزل "
" اسمعيني ! سوف آتي لرؤية الجهاز و تعطيله .. و هذا ما سأفعله في الأجهزة الأخرى في المختبر"
" تعطيله؟ "
" نعم سوف أعطله بشكل يوحي بأن العطل من الجهاز نفسه و ليس بفعل فاعل ! سأفعل ذلك مؤقتاً ريثما نجد حلاً جذرياً "
بقلق :" ربّاه ! أخشى أن يكتشف فؤاد ذلك "
" لن يكتشف شيء ! سأكون عندك تمام الساعة الثامنة صباحاً ! "
" سأكون بانتظارك "
أقفلت الخط متنهداً ..
بعد تلك المكالمة المكثفة باستغاثات فتاة على حافة الهاوية .. أراني شُعلة من جنون ! أريد فِعل شيء! حتى لو كشفني فؤاد !! سأقف بوجهه سأمنعه !! سأقتله !! فقط لايقاف جنونه !!
لا تقولوا أن الأمر لا يخصني !
يخصني !! وِداد المتوفاة تخص كل قيمي العلمية و العملية ! ياسمين السجينة تخص كل قيمي الأخلاقية .. و فؤاد !! فؤاد خلاصة منافسة شرسة بيني و بينه ..
حسناً موعدنا في الغَد !!
|