كاتب الموضوع :
♫ معزوفة حنين ♫
المنتدى :
القصص المكتمله
رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
في صباح اليوم التالي كُنت متجهزة ليأخذني محمد للمشفى ! لم يخفى علي أنه كان مشغول التفكير بأمور أخرى ... وصلنا للمشفى فهبط هو من السيارة و أخرج الكرسي من الصندوق .. هُنا لاحظت أنا قدوم رجل ضخم البنية معه فتاة أخرى قصيرة القامة .. يرتديان رداء المشفى الطبي ..
اقتربا بمرح و سلما على محمد و تبادلا الأحاديث معه .. نظرت للفتاة و هاجت الغيرة من جديد في صدري ..و كيف كانت تتحدث مع محمد بكل أريحية! هُنا حاولت أن أتعقل و أقنع نفسي أن محمد طبيب و بالتأكيد سيكون له معارف كثيرة و صديقات طبيبات ..
صديقات؟؟؟! حقاً لا أقبل بأي صديقة لزوجي ..
فتح محمد الباب و أشار لي :" و هذه زوجتي "
طلت الفتاة علي و مدت يدها للسلام مبتسمة بارتباك :" كيف حالكِ ؟ أنا نوارة .."
و قال الرجل :" و أنا عادل .. نحن مع محمد في نفس المكتب "
و تنهدت الفتاة و هي تنظر لمحمد :" لقد كنا نقول أن محمد مجنون ! نحن لا نحتمل جنونه فكيف بزوجته "
ضحك محمد و هو ينظر لها و همس :" نوارة ألا يجب أن تمدحيني أمام زوجتي "
راح الثلاثة يتبادلان الأحاديث حتى انتبه محمد لي و قرب الكرسي المتحرك لي ثم مد يده لي :" هيا "
لم أكن أريد منه أن يساعدني للنزول أمام أنظار هذين .. لكن هذا ما حدث ..
و تأملت تلك الفتاة المرحة ( بشكل مبالغ ) و هي تضع يديها على خصريها و تقول لمحمد :" محمد لم أكن أعرف أنك خبير بتدليل زوجتك "
و قال الرجل الذي يدعى عادل ساخراً :" يبدو أنه تعلم دورات كثيرة قبل أن يتزوج "
ابتسم محمد و رمقني .. فلما رأى الاستياء على ملامحي حاول صرف الاثنين و هو يقول :" المعذرة عادل و نوارة سألاقيكما فيما بعد"
و جر كرسيي و من خلفه يصيح صديقه :" عندما ألاقيك في المكتب سأضربك لأنك تفقدني هيبتي أمام معارفك "
ضحك محمد و هو يدفع بكرسيي ناحية باب المشفى التلقائي :" مزعجان أليس كذلك؟؟"
رفعت رأسي له و قلت بحدة :" نعم "
جفل من نظراتي و انشغل بالتسليم على أصدقائه الذي يمرون و يسخرون منه قائلين :" محمد ياه ! كل يوم مع مريض ! "
و آخر يقول :" ارحم نفسك عمودك الفقري سيتفتت "
يجب أن أغضب أليس كذلك؟؟ فمظهري لا يوحي إلا بمريضة يساعدها الدكتور محمد الذي يملك شعبية كبيرة ! بل أن الأطباء و الممرضات يقفون معه و يبادلونه الأحاديث المرحة و هو يتهرب من تقديمي له بصفة ( زوجته )
ثرت حقاً عندما سمعت أحدهم يقول :" سُعاد الممرضة تنتظرك على أحر من الجمر ... أنتما ثنائي رهيب بالفعل "
ثنائي رهيب!! من هي سعاد أيضاً؟؟
كانت كل حواسي متيقظة !!! و هو يدفع بكرسيي ناحية مكتبه .. فتح الباب و ابتسم :" ياه سعاد تنتظرينني؟ "
نهضت فتاة صغيرة العُمر خجولة النظرات و هي ترتدي لباس الممرضات ثم تقترب منه قائلة :" التقارير يجب أن تسلمها حالاً دكتور فؤاد يريدها "
دخل هو الغرفة تاركاً إياي هكذا !! و أسرع ليجلس على المكتب و ينثر الأوراق أمامه بينما تلك الفتاة من حوله تناوله هذه الورقة و هذه الورقة .. و فجأة رأيتهما يتجهان ناحية الحاسوب .. فتجلس الفتاة ملاصقة جداً لزوجي !
بالكاد و تقع في حضنه !!! أهذا عمل؟؟ يبدو أن من البديهي أن يحصل هذا خصوصاً بأنه عمل طارئ ! و لكن هل يستدعي كل هذا القرب ؟؟
و أخيراً أصدرت الطابعة الأوراق فأخذتها الفتاة و خرجت مسرعة ..و رأيته محمد يلملم الأوراق بسرعة و يخرج من المكتب من جديد .. فينظر لي قائلاً :" عزيزتي أعطيني دقائق لدي أمر طارئ .. هل يمكنك البقاء ريثما أعود؟"
قطبت حاجباي :" لا ! سآتي معك "
و لو كنت سأسبب لك الحرج ! سآتي معك !
و لو كنت مصدر شقاك و تعبك .. سآتي معك !
و لو كنت بشعة و كل تلك الممرضات تطرن من حولك ! سآتي معك !
رأى الاصرار في عيني فلم يعارضني و دفع بكرسيي .. رأيته يتركني قليلاً و هو يقترب من حشد الأطباء و هم أمام غرفة الملاحظة .. كانوا يتناقشون و راح محمد يتناقش معهم ..
لبرهة تأملته بينهم و كم كان وسيماً بل أكثرهم جاذبية ..وقت غير مناسب لملاحظة شيء كهذا أليس كذلك؟؟ لطالما حسسني محمد أنه مهمش و بلا قيمة في المشفى ! لكني أرى الجميع من حوله يتناقشون معه كأنه هو الخبير ..يتوسطهم و هو يخاطبهم بحدة .. كم بدا منفعلاً لأمر ما ..
فجأة خرج رجل طويل القامة من غرفة الملاحظة و زمجر بشكل مُرعب :" مُحمد! "
أيعني بذلك مُحمد زوجي؟؟
استدار محمد له بنظرات استفهام فصرخ الآخر :" لماذا تأخرت ؟؟ مجدداً تتأخر؟؟ مُجدداً ؟؟ "
و عض شفتيه :" للأسف أنت الوحيد التي يتقن استخدام جهاز الفحص اهذا.. هيا أدخل و افحص المريض بسرعة!"
زفر محمد و هو ينظر له :" لا أظن هذا يستدعي الصراخ يا دكتور فؤاد.. كما أني جئت مبكراً جداً .. تأكد من صحة ساعتك "
و اقترب لذلك الرجل قائلاً :" أنا فحصت هذا المريض مسبقا و أخبرتكم بضرورة اجراء العملية لكنكم أنتم من تماطلون في ذلك .. الآن يقع اللوم علي؟؟ بدل أن تضيع وقتك في الفحص يا دكتور فؤاد انقل المريض لغرفة العمليات لاجراء العملية"
صرخ الرجل :" قلت لك أدخل و افحص الرجل ! فوراً "
كم بدا مخيفاً ذلك الرجل و هو يزمجر و يتجرأ أن يهين زوجي أمام حشد الأطباء الذي صمتوا بخضوع! بعد أن كان زوجي يخاطبهم بثقة يتجرأ شخص مثل هذا أن يتطاول عليه أمامهم جميعاً ؟؟
كنت أتوقع أن يدخل محمد لاجراء الفحص لطبيعة شخصيته المسالمة لكنه فاجئني عندما هتف بحدة :" بدل أن تلقي أوامرك العشوائية فكر قليلاً "
ثم قال بنظرة احتقار :" أم أنك لا تبالي بأرواح الناس ؟ شيء طبيعي من شخص مثلك "
التهب وجه ذلك الطبيب و أخافني بالفعل بنظراته لكن محمد أمر الأطباء بنقل المريض لغرف العمليات ..
تحرك الأطباء كلهم لنقل المريض و ابتعدوا ناحية المصعد ... نظرت لمحمد و هو يتصفح الأوراق بيده و ذلك الرجل المخيف يرمقه بحدة عاضاً على شفتيه .. اقترب منه .. فرفع محمد أنظار حذرة ناحيته .. و كنت أراقبهما بوجل !! كم كان ذلك الشخص يحمل نظرات ناقمة على زوجي ..
جذبه من قميصه بعنف فكتمت شهقتي و أنا أراقبهما .. همس ذلك الشخص ببضع كلمات و مضى غاضباً ..
تأملت مُحمد و هو يراقبه متنهداً ثم انتبه لي و اقترب قائلاً :" هيا علياء! "
و جر كرسيي و هو يتنهد مستاءاً .. خاطبته :" مُحمد من هذا و لماذا يعاملك هكذا؟!! "
تنهد :" لا تكترثي به علياء! "
و ابتسم و هو يحني رأسه لي :" سنذهب الآن لقسم الأطراف الصناعية ! أأنت متحمسة؟ "
بادلته الابتسامة:" نعم"
وصلنا لهناك و بدأوا بفحص ساقي و التحدث مع محمد بشأن حالتي و حددوا موعداً لتجريب الساق الصناعية بعد اسبوعين .. طبعاً أنا اشترطت أن تكون الساق طبيعية شكلاً و مناسبة لجسدي تماماً .. و رغم التكلفة الباهضة أيدني محمد في ذلك .. هو أكثر شخص عانى بسبب منظر هذه الساق المبتورة و بالتأكيد سيريحه إذ بدوت طبيعية أكثر ..
و بعد تركيب الساق الصناعية بالتأكيد سأساعده في أمور كثيرة و أخفف عنه العبئ و أتخلص من هم هذا الكُرسي المتحرك ..
طبعاً أفكار كهذه أسعدتني كثيراً .. و الذي أسعدني أكثر ابتسامة مُحمد لي المُشجعة .. ثم سأل الطبيب :" هل ستسطيع علياء المشي؟؟ "
ابتسم الطبيب :" نعم .. لأن ساقها متشوهة فحسب ليس هناك عضلات تالفة .. و يمكنك أن ترى أنها تستطيع تحريك ساقها من منطقة الحوض و الفخذ .. و لم يبقى إلا الجزء السفلي من الساق .. طبعاً ستواجه صعوبة في المشي بادئ الأمر لكنها ستتعود "
هنا رأيت ملامح السعادة على وجهه :" أشكرك كثيراً .. إن حدث هذا فعلاً يا دكتور خالد لسوف أدعوك على عشاء فاخر "
ضحك الطبيب و هو يربت على كتف محمد :" تستحق كل خير يا دكتور مُحمد .. و سأفعل ما أستطيع فعله"
--
لو تعلمون كم فرحت لعلياء ! قد تتسائلون لماذا تأخرت بنقلها للمشفى لصنع ساق صناعية و سأجيب بأني كنت قلقاً بأن يكون رد الأطباء سلبياً بأن حالة علياء لا تتقبل الساق الصناعية .. و كنت أخشى على مشاعرها قبل شيء! و لكن مع اصرارها أخذتها للمشفى و كنت متشائماً .. إلا أن الدكتور خالد أحيا التفائل بداخلي من جديد .. و كدت أن أعانقه من فرحتي الكُبرى ! ..
و بينما كنت أساعد علياء على النزول من السرير و الجلوس على الكرسي المتحرك .. هَمس الدكتور بأذني :" محمد أريدك "
خرجت معه خارج الغرفة و أنا أراقب علياء التي تحكم خمارها .. ما إن التفتت لي .. ابتسمت لها ببهجة و خرجت .. هنا خاطبني الدكتور خالد هامساً :" هل هي المَدام؟ "
هززت رأسي :" نعم هي زوجتي "
قال :" هل هي حَامل؟ "
|