كاتب الموضوع :
♫ معزوفة حنين ♫
المنتدى :
القصص المكتمله
رد: حالة جنون ، للكاتبة : سلمى
بعد سنتين !
رُبما تتساءلون ما هو وضع دكتور محمد بعد سنتين كاملتين !!
و سأخبركم أين أنا الآن .. أنا الآن في منزل أمي .. بأصابعي أمسك بأيدي صغيرة ..
" هيا .. ممتاز ! هيا .. خِطوة خِطوة "
كنت أمسك بيديه الصغيرتين و أتأمله بشغف و هو يخطو خطواته الأولى .. يرفع وجهه الملائكي البريء ,, و بعينيه الواسعتين ينظر لي قبل أن يتقوس فمه للأسفل و تبرز شفته السفلى تنذر بالبكاء ..
نظرت له بدهشة و سرعان ما حملته و أنا أقول :" يا وَلدي إلى متى ستمشي قد كبرت و أقرانك كلهم سبقوك بأميال "
جلست على الأريكة و أنا أمسح بيدي على رأسه الصغير .. هنا جاءني صوته و هو يضحك كما العادة بسخرية :
" محمد ابنك كسول ! الا ترى أنه بدين مثلك"
نظرت لسراج أخي و هو يجلس بجوار شروق المنشغلة بالحاسوب .. صحت به بجدية :" سراج! كم مرة أخبرك ألا تركز على وزن ابني "
أطلق سراج ضحكة عالية قبل أن يقول :" أنصحك بأن تتبع معه نظام ريجيم لينحف "
شروق تحاول كتم ضحكتها و هي تنظر لولدي الذي يلعب بكرته الصغيرة بشغب طفولي .. استندت إلى الخلف و أنا أقول :
" حسناً يا سراج البغيض ! و كأنك لم تكن بديناً و أنت صغير .. أذكر أني لم أكن أقوى حتى على حملك "
صاح سراج بفوضوية :" أيها الكذاب !! صوري التذكارية كانت خير برهان بأني كنت نحيفاً .. "
خاطبته باستسلام :" كفى ! نعم أنا و ابني بدينان هل هذا يريحك .. يا لك من مزعج! "
أنظر لشروق التي تحدق بشاشة الحاسوب تبتسم تارة و تفتح عينيها بدهشة تارة أخرى ..كان واضح جداً أنها تخاطب خطيبها ( ياسين )! عبر برنامج محادثة..
نعم لتوها انخطبت من ستة أشهر فقط ! بعد فترة طويلة مع الاقناع لأمي التي كانت صعبة جداً جداً!
شروق أيضاً كانت صعبة! و كل الظروف كانت صعبة! و لكن ياسين كان مُصراً و مُلحاُ في طلبه حتى نال مطلبه!
ربما تتساءلون ! ما الذي جاء بسراج في منزل أمي! و سأقول لكم بأن نهلة كانت تهدف لشيء و حققته حقاً!!
لن أقول أن العلاقات كلها عادت كما السابق ! فلا تزال أمي تحمل الحقد على نهلة و هذا شيء طبيعي و أعذرها على ذلك ، لكن ما حدث بأنها تقبلت دخول سراج منزلنا ! و رغم أنها تتظاهر أنها تتذمر منه إلا أنها من داخلها أحبته.. و أحبت فوضويته!
رُبما تسألونني ! مُحمد ماذا جرى لفؤاد؟؟
سأخبركم! فؤاد يعيش الآن في مصحة نفسية !
لم يعد دكتور فؤاد الذي يستهدفني و أستهدفه ! بعد فقدانه لوداد أو بالأحرى لبياناتها كان لابد أن يزور المصحة النفسية .. هي حالات جنون راودته بعنف حتى حولته لشخص مهووس بخيال ما إن عاد للواقع لم يتحمله أبداً !
يَاسمين ، التي اتصلت بها بشكل تكراري لأعرف وضعها .. اتضح لي أن عادت لمنزلها و كم آلمني أن فقدت فؤاد بعدما فقدت وداد بل بعدما فقدت والدتها ! ها هي تعيش وحيدة بعدما رأت أهلها جميعاً يرحلون بشكل موجع و قاسي !
لم تتقبل مني المساعدة و لم أحب أن أتدخل أكثر ..
حسناء؟؟
حسناء أيضاً ليست هُنا ! دَعوني أتذكر كيف خرجنا من منزل فؤاد و كلانا لا يستطيع النظر لوجه الآخر ! ما حدث غريب و قاسي .. بالنسبة لي تسائلت : كيف تسعى حسناء للنيل مني بمساعدة فؤاد !! و بالنسبة لحسناء خُيل لي أنها تفكر في الجراحة الخطيرة التي كانت ستخوضها كطريق مظلم يقودها للموت الوشيك !
في ذلك الحين استيقظت حسناء لتنظر لفؤاد الذي يتصرف بغرابة و جنون و هو يضم تلك الأجسام المعدنية لصدره كأنه يضم رفات أخته كنت أنظر له بأسى و لم أحاول أن أمنعه من فعل ذلك ليقيني أنه جُن و انتهى الأمر ..
حسناء التي صارت تتلمس شعرها المقصوص ثم صارت كالمجنونة تتفحص جسدها و تعود لتمسك برأسها صارخة :" ماذا فعل بي؟؟"
نظرت للأرض بهمس :" لم يفعل شيئاً سوى ......"
كنت أنظر لخصلات شعرها المتناثرة قرب قدمي .. نظرت هي لي بشهقة و أسرعت لترفع الخمار على رأسه بتوتر ثم نظرت لفؤاد الذي لازال يهذي و هو ينظر للأجسام المعدنية :" وداد تسمعينني؟؟ وداد ؟؟ هل ذهبت ؟؟ لماذا؟؟ "
نظرت لي حسناء بنظرة استنكار و همست :" ماذا حدث ؟ هل جُن ؟"
هززت رأسي و أنا أتأمله :" على ما يبدو .. "
نهضت هي مُسرعة :" علينا الهَرب قَبل أن يزيد جنونه "
سَارعت هي بفك الحبال عن معصماي فرفعت عيناي لها بلوم :" لماذا؟؟ "
عضت شفتيها هامسة :" لقد آذيتك كثيراً و لن ترى وجهي بعد الآن "
--
حَسناء الآن متزوجــة و مُهاجرة مع زوجها للبحث عن فرص عمل أكثر .. زوجها .. بالطَبع ذلك الحُسام و لم أعد أغار و لم أعد أشتاق لعِشق حسناء تعلمون لماذا ؟؟
سأخبركم الآن ..
جاء صوتها بمرح :" المَكرونة ، المَكرونة ! من يُريد ؟؟! "
بمرح تأتي لتضع على المنضدة الأطباق التي تتصاعد من الأبخرة قبل أن يُصفر سراج بشغب :" ياه! ما هذه الابداعات يا علياء؟؟ "
ابتسمت علياء و هي تنظر لشروق :" شروق اتركي هذا الحاسوب و تناولي عشائك "
همهمت شروق :" حسناً.. حسناً ! شيف علياء "
نسقت أنا أمامي الصحون قائلا :" المكرونة فعلاً شهية سنلتهمها إذ لم تتركي الحاسوب .. ياسين لن يفيدك "
شهق سراج بفوضوية :" هل كانت تتحدث مع خطيبها؟؟؟؟؟ قد كذبت و قالت أن لديها مشروع مهم "
ثم نهض و سحب الحاسوب منها بعنف :" هاتي حاسوبي يا كذابة !! "
صاحت شروق :" سراج! صدقني أنا أعمل على المشروع أنظر أنظر للصفحات المفتوحة "
نظرت لهما ضاحكاً و عُدت أرمق علياء التي انحنت لتقبل ابننا بحنان :" حبيبي هل أنت جائع؟ دقائق "
استوقفتها مبتسماً :" أنا أيضاً جائع "
و غمزت لها فنظرت لي هامسة :" ستشبعك المكرونة "
و مضت ..
اكتشفت أن هناك قفزة نوعية تتعرض لها الفتاة لتتحول فجأة من فتاة مدللة لامرأة ناضجة .. و كانت هذه القفزة لدى علياء لحظة خروجها من غُرفة الولادة .. مع وجود الطفل ! تخلت علياء عن كل التصرفات الطفولية!
و لكني أحمد الله أني أطعتها في شيء واحد !
حينما طلبت مني أن أسكت عن موضوع الاجهاض و طلبت مني الدعاء فقط لتسري الأمور على خير ! كنت أنظر لها على أنها مجنونة لا تعي مصلحتها و كنت واثق من عودتها لسابق عهدها .. مُقعدة!
لكن جسدها كان أقوى و أسرع ليتمكن من تماسك الساق مع الجسد بشكل سريع لم يؤثر عليه الحمل ! حمدت ربي و أيقنت أنها رحمة إلهية و رغم انني لم اكن متحمساً لهذا الابن القادم ..
إلا أنه جاء أخيراً .. ها أنا أرى ابتسامته الرائعة! بربكم لم أعش أياماً أجمل من هذه الأيام و أنا أستيقظ كل صباح على صوته بكاءه ..
ابتسمت و أنا أمط خديه بمشاكسة و سَرحت لفترة .. و أنا أنظر له و هو يتمسك بأصابعه الصغيرة بقميصي و هو ينظر لنظارتي بفضول .. يمد أصابعه الصغيرة بمحاولة لنزعها .. أشحت بوجهي .. ثم عدت أنظر لها و هو يعاود المحاولة ..
فكرت .. يا وَلدي هل سأتمنى لك أن تصبح مجنوناً مثلي؟؟
سؤال لحّ علي كثيراً !
هل كانت الأجسام المعدنية قادرة فعلاً على اعادة وداد؟؟!
رُبمـا!
تمت –
16 – 2 – 2011 مـ
|