كاتب الموضوع :
ام المنكاشه
المنتدى :
روايات عبير المكتوبة
رد: جحيم هواك - شارلوت لامب - روايات عبير الجديدة
ابتلعت ريقها وقالت "لين..." للاسم الفة بعيدة وحدقت به متسائلة ماذا كان يعنى بالضبط حين قال انها تنتمى اليه.
"اذا كنت تعلم من انا فلماذا لم يخبرنى احدا بهذا؟".
"كنا ننتظر لنرى اذا كنت ستستعدين ذاكرتك بنفسك, وبشكل طبيعى دون اى تدخل خارجى من احد. فى البداية بدا كان الجرح فى جبهتك هو الذى سبب فقدانك للذاكرة لكن حين بينت الفحوصات ان الجرح خارجى فقد بدا من الممكن ان فقدانك للذاكرة هو لسبب اخر تماما".
نظرت اليه باستغراب وسالت "اى سبب؟".
هز كتفيه وقال وفمه متصلب "من يعلم؟".
جلست واخذت تحدق بالغطاء الابيض لسريرها واصابعها تعبثان بطرف الغطاء بتوتر وسالته "حدثنى عن نفسى... اين اعيش؟ ماذا اعمل؟".
"كنت تعملين كمساعدة فى معرض للفنون" قال وهو يحدق باصابعها التى كانت تعبث بعصبية بطرف الغطاء وتابع "الى حين تمت خطوبتنا".
"خطوبتنا؟" وارتفع راسها وحدقت به وعينيها الخضراوين غير مصدقتان وتابعت "كلا! هذا غير صحيح! عندما تقابلنا فى الاحراش كنت غريبا... لقد شعرت كم كنت انت متوترا وغير مكترث لى. لو كان هناك شئ بيننا لما تصرفت بتلك الطريقة. انت تكذب... تكذب بدافع الشفقة..." وتدافعت الدموع من عينيها وغطت وجهها بيدها واخذت تنتحب وتقول "انا لااريد شفقتك, اريد ان اعرف الحقيقة".
انحنى نحوها واحاطها بذراعيه ووضع راسها على كتفه وقال "انها الحقيقة".
"لماذا تكذب على؟" سالته وهى تبعد وجهها عن كتفه وتحدق بوجهه "لو انك تعرفنى كنت ستظهر هذا. كنا انا وانت غرباء".
تصلب فكه وقال "عندما تقابلنا فى الاحراش كنت متفاجئا لرؤيتك. كنت غاضبا ايضا, فقد تشاجرنا قبل عدة ايام وظننت انك ذهبت الى يورك. وفى البداية كنت غاضبا جدا لدى رؤيتك ثم حين سمعت عن الحادثة التى تعرضت لها ورايت راسك اخذتك الى ويندتور ثم اتيت بك الى المستشفى".
"لماذا لم تخبرنى انك تعرفنى؟" سالته وهى تتذكر بوضوح التجرد الكامل الذى عاملها به, امه كذلك... كان هناك غرابة فى طريقة معاملتهم لها, غرابة قد تفسرها الان كلماته الشارحة لها.
"فى البداية ظننت انك كنت تتظاهرين بفقدان الذاكرة".
حدقت به بغضب ودهشة وقالت "اتظاهر؟ لماذا؟".
هز كتفيه وقال "كان هناك اسبابا عدة. لن نتحدث عن كل ذلك الان. لقد اخبرتك لقد حصل شجارا لين".
نظرت بقسوة اليه محتارة ومشوشة. بالطبع لو انهما كانا مخطوبين فلابد ان شيئا ما بداخلها كان سيجعلها تشعر بالفة لدى رؤيتها له لاول مرة, لكنها لا تزال واثقة انها لم تراه ابدا قبل لقاءهما فى الاحراش.
"كيف التقينا؟" سالته ببطء.
اجابها "لقد زرت المعرض حيث تعملين ودعوتك لتناول العشاء معى وبعد ثلاثة اسابيع تمت خطوبتنا".
جحظت عيناها من الدهشة وقالت "بهذه السرعة".
اجاب بجفاف "عمل سريع من قبل احد الاطراف".
احمرت وجنتاها ولم تفهم سبب لهجته هذه وسالت "هل كنا مخطوبين لفترة طويلة؟".
"لمدة شهر" قال باختصار وهو يحدق فى وجهها.
"شهر!" نبرتها المندهشة ارتجفت, فحدق بها فقالت بخجل "انها... انها فترة قصيرة... نحن بالكاد نعرف بعضنا اذن".
"نحن نعرف بعضنا اكثر مما تظنين" قال بلهجة مبطنة.
لون الاحمر خديها وتسالت ماذا يعنى بقوله هذا؟ التقى بنظرتها وعينيه الرمادتين تخترقانها وكانه يريد ان يقرا ما خلف هذه العيون الخجولة المندهشة.
"على كل حال" قال بعد لحظة "لا جدوى من التحدث بكل هذه الامور الان. لقد وعدت الطبيب اننى ساعتنى بك. فيجب ان يكون عندك شخصا مسؤولا عنك اذا اردت ان تغادرى هذا المكان. لا تستطيعى ان تعودى الى شقة صغيرة لتعتنى بنفسك وحدك, لا خيار لديك سوى العودة ثانية الى ويندتور معى".
ويندتور كانت تقع على تلة بجانب الاحراش, حجارة البيت الصخرية الرمادية كانت تعكس تاريخ البيت المبنى منذ فترة طويلة.
كان هناك بعض الاشجار حوله وبعض الصخور بالاضافة الى حديقة واسعة تحيط به واشجارها ذات الاوراق الصفراء والحمراء كانت تدل على فصل الخريف الذى كان فى منتصفه الان.
جايك قد احضر لها بعض الثياب واخبرها بصراحة ان هذه الثياب هى لها وكانت موجودة عنده فى البيت اثناء زيارتها لهم. كانت تشعر بالفضول اتجاه نوعية هذه الثياب فلابد انها ستعطيها شيئا عن شخصيتها وطبيعتها التى لا تذكر منهما شيئا.
هل كانت فعلا تحب مثل هذه الثياب؟ بنطال ابيض مصنوع من الصوف السميك, ضيق جدا لدرجة انه يظهر تفاصيل ساقيها بكل دقة وقميصها اخضرا مهفهفا وطويلا, ازراره قليلة وفتحة رقبته تنخفض حتى اول صدرها.
حدقت بنفسها باستغراب فى مراة حمام المستشفى وهى تشعر بالنفور مما رات. الانعكاس بدا خاطئا, نوعا ما. احست كانها شخصا وجد نفسه فى الجانب الخاطئ من الزمن والوقت والمكان.
عندما خرجت لتواجه جايك اخذ ينظر اليها بتمعن لمدة طويلة ووجهه الصلب جامد.
احمرت وجنتيها وقالت "لابد اننى قد ازددت وزنا اثناء اقامتى فى المستشفى, فالثياب بالكاد على مقاسى".
علت وجهه ابتسامة ساخرة وقال "تحاولين اصطياد الاطراء! لين؟ انت لا تحتاجى لى لاخبرك انك تبدين رائعة".
ابتعدت عينيها عنه وهى تشعر بالارتباك وقالت "انا لم اكن اصطاد الاطراء!".
ثم دخلت الممرضة الرئيسة وبقية الممرضات واخذن يودعن لين ويضحكن ويثرثرن معها وكانت لين تشعر بالحزن داخلها لانها ستفارقهن, فقد كان عالمهم هو عالمها خلال الايام القليلة الماضية التى قضتها فى المستشفى كانت تسعد لاخبارهن واحاديثهن عن الممرضين والاطباء الوسيمين واصدقائهن من الشباب, عن الافلام الحديثة والتفاصيل المهمة لحياتهن. كانت كل كلمة كقطرة الندى بالنسبة لها.
"انت مستمعة جيدة لين" قالت الممرضة المتمرنة ذات الوجه المورد جانيت وعينيها الزرقاوين تنظران باسف الى لين وتابعت "مرى علينا حين تعودين للفحوصات التطمينية لاحقا".
"بالطبع سافعل" وعدتها لين بابتسام.
نظرت جانيت نظرة مغرية واثقة باتجاه جايك وقالت له "ستعتنى بها جيدا سيد فورستر اليس كذلك؟".
هز جايك راسه موافقا باختصار "نعم".
لطالما كانت جانيت تشعر بالاثارة لدى زيارات جايك فهذا الرجل الطويل القامة بضحكته الهازئة كان يختلف عن باقى الزائرين ولابد ان جانيت ذات الثمانية عشر عاما كانت من المعجبات بهذا الرجل المتميز. فكرت لين بهذا وهى تعانق جانيت مودعة وهمست فى اذنها بمرح "بالرغم من انى راحلة الان ايتها العفريتة الصغيرة, لا اريدك ان تعطى جايك مثل هذه الابتسامات المغوية".
احمرت وجنتا الفتاة قليلا وعانقت لين وهى تقول بفرح "اوه, انت والاشياء التى تتفوهين بها".
ورافقتها الى باب المستشفى ووضعتها فى مقعدها فى اللاند روفر وظلت تلوح لها حتى غابت كليا وابتعدت. التفتت لين مرة تلو المرة وهى تلوح لجانيت والدموع تلمع داخل عينيها الى ان اختفت هذه الاخيرة كليا ودخلت ثانية الى المستشفى.
والان بعد ان ركن جايك السيارة فى مراب البيت. اخذت لين تحضر نفسها لمقابلتها مع والدته, فكما بدا من لقاءهما السابق هذه الوالدة لا تكن مشاعر الود لها ولم تكن متحمسة لرؤيتها ثانية.
نظر جايك اليها وسالها بصوت جاف "هل انت بخير؟".
طاطات براسها موافقة. وهى تشعر بالخواء والفراغ الهائل داخلها وداخل عقلها. نظرت الى الاسفل بارتباك. وراقب جايك تقاطيع وجهها البيضاوى الصغير وعينيه الرماديتين تمسح خطوط وجنتيها الرقيقتين ورقبتها ونعومة فمها الزهرى وقطب بشدة.
ثم قال لها "لقد احضرت لك بعض ادوات التجميل... لم تستعملى ايا منها".
رفعت حاجبيها, قطبت قليلا ثم هزت راسها. لقد نظرت الى الادوات فى حمام المستشفى لكن الالوان كانت غامقة جدا ولم تشعر برغبة فى استعمالها.
"لم لا؟" سالها بجفاف "ماذا بحق الجحيم تلعبين الان لين؟ ما هى هذه اللعبة الجديدة؟".
"ماذا تقصد؟" سالته وهى تبلع ريقها بصعوبة "الامر انه... ان الالوان كانت غامقة جدا, كلها خطأ".
رفع حاجبه وقال "هكذا اذن, انا اسف, تقصدين انهم لا يناسبوا الوان ملابسك؟ لقد احضرت الاشياء التى كانت موجودة فى غرفة نومك... كان هذا ما وجدته".
احمرت وجنتيها وتعبير غريب ملأ عينيها الخضراوين وقالت "غرفة نومى؟".
"لقد قضيت معنا اسبوعين هل تذكرى؟" وقست ملامحه وتابع "لقد اخبرتك هذا. لقد تركت بعض الاشياء وراءك. قلت انك سترسلين بطلبها لاحقا".
تنهدت وقالت "طبعا".
وخرجا من السيارة واتى الكلب الاسود بسرعة ليستقبلهما وهو ينبح بفرح. توقف واخذ يحدق بلين مدت يدها وابتسمت قائلة "سام... مرحبا سام".
تصلب قليلا ثم لم يلبث ان مد راسه باتجاه يدها التى اخذت تربت عليه بحب وحنان. لقد كان اول صديق لى فى الاحراش فكرت لين واخذ الكلب يهز ذيله معبرا عن فرحه فركعت لين بقربه ونظرت مباشرة الى عينيه السوداوين وقالت بفرح "كيف حالك ايها البطل؟".
كان جايك واقفا يراقبهما وتعبير قاسى على وجهه وقال بقسوة "ادخلى الى البيت فالجو بارد هنا. وانت لا تزالين ضعيفة. يجب ان تخلدى للنوم فورا".
وقفت بسرعة وتبعته وهو يمشى باتجاه باب البيت الخلفى عبر ممرا مرصوفا بالحجارة الصوانية.
سالته "هل كان هذا البيت مزرعة من قبل؟".
"نعم" وافقها "ليس تجاريا طبعا. فالارض كانت غير خصبة فكنا نربى بعض الارانب والدجاج لحاجات البيت فقط طبعا. فالوالدة تحب البيض واللحم الطازج".
وكانا قد دخلا الى مطبخ كبير. ووقفت وسام يقف بجانبها كمظل وفى واخذت تحدق حولها بانبهار. فالغرفة كانت من الخشب البنى اللامع والسقف خشبى ومعلق به بعض رزم الثوم والبصل وفى الوسط طاولة خشبية ضخمة تشغل معظم المكان. كانت السيدة فورستر تقف قرب حوض الجلى, وتفرغ بعض المربى فى اوعية زجاجية وهى ترتدى مئزرا ابيض اللون.
نظرت باختصار الى لين وعينيها تظهران عدم ترحيبها وقالت الى جايك بتردد "من الافضل لها ان تذهب الى النوم... لقد حضرت الغرفة لها".
"انا بخير" قالت لين "حقا انا لا اشعر باى تعب وانا افضل البقاء هنا".
"بالطبع تفضلين هذا" قالت السيدة فورستر بغموض وهى تغلق اغطية الاوعية.
"تعالى" امرها جايك وهو يشدها من ذراعها.
"اوه, لكن..." ونظرت اليه بتوسل.
"لقد اخبرتك" قالت السيدة بحزم "اننى لا اريدها حولى لتثير المشاكل كل النهار. لقد قلت انها ستبقى فالتبقى, لكنى لا اريدها فى طريقى جايك".
استدارت لين مبتعدة وفمها يرتجف من القهر وهى تتبع جايك الى الغرفة التى ستبقى فيها. كان كل شئ حولها جميلا ومرتبا بزوق وحين وصلت الى الغرفة فتح جايك لها الباب ودعاها للدخول.
علت الدهشة والاعجاب محياها حين رات هذه الغرفة بجدرانها البيضاء وستائرها الخضراء والحمراء والزرقاء والتى تتناسب مع غطاء السرير الكبير الاخضر اللون وخزانة الثياب الضخمة والكنبة الخضراء التى كانت فى جانب الغرفة وكان هناك مغسلة ابتوسية ضخمة فى احدى الزوايا وخلفها على احد الرفوف يوجد مزهرية صينية وابريق مزخرف والوانهم الفيكتورية الزهرية لاتزال لامعة.
كان جايك يراقبها وهى تنتقل باعجاب ومرح فى الغرفة دون ان يظهر اى تعبير على وجهه. استدارت وتطاير شعرها الاسود الداكن المنسدل على كتفيها وابتسمت له وقالت بغبطة "انها غرفة رائعة".
لم يعلق على كلامها لكنها لاحظت بعض التصلب على وجهه وقال "ملابسك موجودة داخل الخزانة".
نهاية الفصل الاول.
|