9 ـ
لن يفهمني !
حاولت سيلينا أن تأخذ الأمور ببساطة , لكن فكرة لقاء أسرة ليو
جعلها تشعر بالتوتر ولم تستطع أن تسترخي . لقد قال إن رأسها مليء
بالأفكـار المسبقة , وهذا صحيح جزئياً . كان خوفها كله مركزاً على
فكرة الإتيان بتصرف أو النطق بكلمة قد تحرج ليو وتجعلهم يرمقونها
بنظرات جليدية . إنها تفضل أن تركب ثوراً على أن تخاطر بأن تبدو
حمقاء أمامهم .
منتديات ليلاس . . جمرة لم تحترق
وقبيل الموعد بأيام قليلة , تغير المنزل رأساً على عقب . فقد بدل ليو
وسيلينا غرفتيهما , وانسحبا إلى غرفتين أصغر حجماً في الجهة الخلفية
من المنزل , لكي يتمكن عمه وزوجته من الحصول على أفضل غرفة ,
فيما ينزل غويدو و دولسي في الغرفة المجاورة .
وراحت سيلينا تحدق مدهوشة إلى جينا وهي تحضر المنزل
للاحتفال , بمساعدة خادمتين وطاهٍ وفتاتين إضافيتين من القرية . كما
أثار أعصابها أن يقوم بخدمتها عدد من الخدم .
قال ليو : (( حسناً , أنت سيدة المنزل الآن , يمكنك أن تصرفي
العديد منهم . اجعلي البيت بيئتك فعلياً )) .
فسألته محبطة : (( أحقـاً ؟ )) .
وكانت عينا ليو مليئتين بمرح شرير و هو يقترح : (( كما يمكنك أن
تتولي مهام الطبخ )) .
ـ وهل تذوقت يوماً طهوي ؟
منتديات ليلاس . . جمرة لم تحترق
ـ أكلت منذ بضعة أيام سندويشاً أعددته , وما زلت أستيقظ ليلاً
بسببه . دعيهم يقومون بعملهم يا عزيزتي , واهتمي أنت بعملك , وهو
الجياد .
كانت قد بدأت فعلياً بإدارة هذه الناحية من الأعمال , فالأمور
أسهل مع الجياد إذ أنك تعلم ما هو متوقع منك . عملها هذا جعلها
تفكر في أليوت , فتملكها شعور بالحنين إلى الوطن . كان أليوت
صديقها الوفي الذي عاش معها في ظروفها الصعبة , والذي قد لا تراه
مجدداً . منتديات ليلاس . . جمرة لم تحترق
بعد نوبة الحنين الأولى , وجدت أن هذا الشعور قد يباغت المرء في
أي لحظة ومن دون سابق إنذار . فخامة المنزل المطلقة بعد أن انتهت
جينا من تغييره , تركت في فسها الأثر نفسه , إذ جعلتها تفكر في
شاحنتها الصغيرة التي تجر خلفها مقطورة , وفي أليوت وفي نفسها وهما
يطاردان الآفاق البعيد مع مال بالكاد يكفي ليصلا إلى المحطة التالية ,
ثم يتكلان على بعضهما البعض ليربحا بعض المال للمرحلة التالية . ثمة
آفاق بعيدة هنا , هذا ما خطر لها وهي تتأمل تلال توسكانا , لكنها
بدت لها الآن خالية من المتعة بعد أن عرفت أنها ملك ليو , وبالتالي
ملكها , فما من ألغاو وأسرار في أفق تملكه , و ما من إثارة أيضاً . لكنها
دفعت هذه الأفكار جانباً . كانت تعلم أن هذه الزيارة مهمة لليو .
منتديات ليلاس . . جمرة لم تحترق
ومهما قال لينتقص من خلفيته الأرستقراطية , فهؤلاء الأشخاص هم
العائلة التي يحب , وهي تشك في أنه يشاركهم قيمهم أكثر مما يدرك .
هذه الفكرة جعلته يبدو بعيداً بعض الشيء .
مع اقتراب اليوم المنشود , راحت معنوياتها تضعف وازداد
ارتباكها بحيث إنها لم تبدِ أي معارضة حين اقترح عليها ليو أن تشتري
بعض الفساتين . اختارت أثواباً غير ملفتة قدر الإمكان لأنـها لم تعد
واثقة من نفسها , ولم تشأ أن تلفت الأنظـار إليها .
منتديات ليلاس . . جمرة لم تحترق
قرر الكونت فرانشيسكو كالـﭭـاني أن يقطع المسافة من البندقية إلى
المزرعة في سيارته الليموزين الخاصة , لأنه شعر أنها ستكون مريحة أكثر
لحبيبته ليزا التي لا تحب السفر في القطار . وسافر غويدو ودولسي في
سيارتهما الرياضية الأنيقة . توقفا في فلورنسيا لتناول الغداء , فوصلا
إلى بيللا بودينا في وقت متأخر من بعد الظهر . لقد انطلقا قبل الكونت
ووصلا إلى مقصدهما قبله . قال غويدو وهو يصافح سيلينا : (( لم نعد
قادرين على الانتظار لنلقاك )) .
أحبته على الفور , لم يكن يشبه أخاه , لكن عينيه تلمعان بالمرح
نفسه . ولعل الوميض في عيني ليو أكثر دفئاً فيما هو أكثر عبثاً في عيني
غويدو .
منتديات ليلاس . . جمرة لم تحترق
كانت دولسي نحيفة بقدر سيلينا نفسها , لكنها تتميز بشعر طويل
أشقر متموج , حسدتها عليه سيلينا في سرها . احتضنتها المرأة , وقالت
بشوق كم يسرها أن يصبح لديها أخت جديدة قريباً . وبدأت سيلينا
تسترخي . . .
وبعد دقائق قليلة , اجتمعوا في الخــارج لاستقبال الكونت
و الكونتيسة كالـﭭـاني . انزلقت السيارة اللماعة السوداء حتى توقفت
تماماً , ثم خرج منها السائق وعمد إلى فتح أحد أبوابها , ترجلت منها
امرأة صغيرة البنية , ذات وجه نحيل وعينين مخيفتين . ساور سيلينا
شعور غريب بأنها كانت متوترة للغاية وهي تتأمل ما حولها .
وفكرت في أنها تنظر بازدراء لأنها وجدت نفسها في مزرعة ,
وهي التي اعتادت أن تعيش في قصر . . . ثم رأت الكونت يترجل من
جهته ويبتسم لزوجته التي بادلته الابتسام ووضعت يدها على ذراعه .
دخلا المنزل معاً وتم التعارف .
منتديات ليلاس . . جمرة لم تحترق
كان الكونت كالـﭭـاني يتمتع بسحر العائلة الموروث . صافح سيلينا
وكأنها ابنة طال غيابها , وراح يحدثها بإنكليزية ممتازة . ابتسمت ليزا
لها وصافحتها , ثم ألقت خطاب ترحيب قصيراً و رسمياً , توجب ترجمته
إلى الإنكليزية . شكرتها سيلينا بتعابير متكلفة أيضاً , تعابير ترجمها
الكونت إلى الإيطالية .
منتديات ليلاس . . جمرة لم تحترق
وبصفتها سيدة المنزل , رافقت سيلينا ليزا إلى غرفتها , وشكرت
دولسي التي رافقتهما وترجمت لهما . وأخيراً , فرت شاكرة الرب على
خلاصها الرحيم , وتملكها شعور رهيب بأن رد فعل الكونتيسة مماثل
لرد فعلها .
بدا ثوبها مزرياً إلى جانب أناقة الكونتيسة الهادئة وجمال دولسي
المتوهج . وعندما سحبتها جينا إلى غرفة الطعام لتلقي نظرة على الطاولة
الأنيقة , رغبت في أن تختفي عن الأنظار لاقتناعها بأن جينا تعرف أن
العشاء الأنيق سر ولغز بالنسبة إليها , وأنها تستخف بها لهذا السبب .
قال بيأس : (( عظيم , الطاولة تبدو رائعة يا جينا )) .
ـ الطعام جاهز سيدتي .
منتديات ليلاس . . جمرة لم تحترق
ـ في هذه الحالة . . . أفترض أن علي أن أدعوهم للدخول .
قامت بذلك عبر إعلام ليو الذي أعلن الأمر بنفسه . علمت أن
عليها أن تقوم بذلك بنفسها , لكنها تفضل أن تمتطي ثوراً على أن تقف
أمام هذا الجمع وتدعوهم إلى غرفة طعامها . وبدأت تتساءل عن موعد
الرحلات إلى تكساس .
تحسنت الأمور بعض الشيء حين وجدت نفسها تتحدث إلى
دولسي . تبادلت المرأتان القصص عن (( الحياة قبل لقاء احد أفراد أسرة
كالـﭭـاني )) , على حد تعبير دولسي , التي أثارتها خلفية سيلينا . وقالت
بتوق : (( لطالما أحببت أفلام الغرب الأميركي . أكنت تقومين بأعمال
الغرب الحقيقية فعلاً ؟ كاستخدام الحبال وامتطاء الجياد وما شابه ؟ )) .
ـ أنا أمتطي الجياد . لكنني لا أستخدم الحبال . . . إلا أنني
أستطيع ذلك . فقد علمني أحد الشبان , وقال إني أجيد ذلك .
منتديات ليلاس . . جمرة لم تحترق
ـ هل ستقدمين عرضاً بالحبال غداً في غروستو ؟
هزت سيلينا رأسها وردت : (( النساء لا يقدمن عروضاً بالحبال في
الروديو , بل يشاركن في ساق البراميل )) .
كانت عينا دولسي تلمعان وهي تقول : (( أتظنين أن منظمي الروديو
في غروستو يعلمون ذلك ؟ )) .
كشرت سيلينا وقالت بتقدير : (( أنت خطيرة )) .
فأومــأت دولسي برأسها .
ومن الجهة الأخرى من الطاولة , راح غويدو وليو يراقبان
شريكتيهما برضا . وعلق غويدو : (( نحن نفعل ذلك دوماً )) .
فسأله أخوه : (( ماذا نفعل ؟ )) .
منتديات ليلاس . . جمرة لم تحترق
ـ يقول العم فرانشيسكو إن أفراد أسرة كالـﭭـاني يختارون الأفضل
دوماً : أفضل طعام , أفضل شراب , وأفضل النساء . لقد أحسنا
الاختيار , يا أخي , كلانا .
كانت الوجبة رائعة , هنا الكونت طاهي ليو وأصبح الجو ممتازاً .
واستمر هذا الجو حتى أثير موضوع الزفاف , فأعلن الكونت على الفور
أنه سيُعقد بالطبع في كاتدارئية القديس مارك في البندقية .
قال ليو : (( رأينا وسيلينا أن كنيسة الأبرشية في مورنزا تناسبنا )) .
ـ الأبرشية . . . ؟
بدا وكـأن الكونت لا يجد الكلمات المناسبة . لكنه عاد وسأل
باستهجان : (( أحد أفراد أسرة كالـﭭاني يتزوج في قرية ؟ )) .
فرد ليو بثبات : (( هذا موطننا , وهذا ما نريده أنـا وسيلينا )) .
ـ لكن . . .
كن ليجادل أكثر , لكن الكونتيسة وضعت يدها على ذراعه وقالت
شيئاً لم تفهم سيلينا منه سوى اسمها .
قال يسترضيها : (( حسناً , حسناً , لن أضيف أكثر )) .
منتديات ليلاس . . جمرة لم تحترق
وغطى يد زوجته براحته وأجابها باللغة نفسها التي استخدمتها .
لا يحتاج المرء لأن يكون نابغة ليعرف ما قالاه , هذا ما رأته
سيلينا . فالكونتيسة لا ترى ضرورة لهذا الهرج والمرج حول الموضوع .
وكاتدرائية القديس مارك أهم وأفخم من أنت تتزوج فيها سيلينا
غايتس , وقد وافقها الكونت الرأي .
ولحسن الحظ , رغب الجميع في الخلود إلى النوم باكراً , استعداداً
لمسرات اليوم التالي . وقد اعتادت سيلينا أن تنام بسهولة , لكنها بقيت
الليلة مستلقية في فراشها لساعات وقد جفاها النوم , تتساءل عما تفعله
هنا . منتديات ليلاس . . جمرة لم تحترق
عند الصباح , غادروا المنزل باكراً وتوجهوا إلى غروستو , لتتمركز
العائلة في غرفة الفندق التي حجزها لهم ليو , والتي تشرف على
الاستعراض . أما ليو وسيلينا , فتوجها مباشرة إلى نقطة انطلاق
المركب . كانا اليوم مجهزين بأفضل ما وجداه عند داليا , قميصا رعاة
بقر مقفلان حتى العنق , حذاءان ملونان وحزامان بإبزيم فضي . وعندما
ثبت ليو القبعة الطويلة بشكل زاوية على رأسه , واعتمرت سيلينا قبعتها
بأناقة , أصبحا جاهزين للمشاركة في الاستعراض .
بعد الاستعراض , انتقل الجميع إل حقل مجاور حيث ستجرى
المسابقات بعد الظهر . وأول المسابقات , كانت ركوب الجياد غير
المروضة , وقد شارك ليو فيها , وجاءت نتيجته مشرفة وإن لم يربح .
بعدئذ , وُضعت البراميل , وتعالى صوت عبر المكبرات يخبر الحشود عن
إنجازات سيلينا , و يشير إلى أنها ستقطع الجولة في أربع عشرة ثانية كحد
أقصى .
منتديات ليلاس . . جمرة لم تحترق
شكل هذا الأمر تحدياً حقيقياً لها , إذ وُضعت البراميل بعيدة عن
بعضها البعض , كما أن باري تفتقر إلى الخبرة و التمرين . أعطى الاثنان
أفضل ما عندهما , وسجلا أرع عشرة ثانية ونصف , لكن هذا لم يمنع
المعلق من أن يصرخ (( أربع عشرة ثانية )) فور انتهائها . وقد سلم
الجمهور السعيد بصحة كلامه .