6 ـ
وداع أم لقاء . . .
الوصول إلى موقع الروديو أشبه بالدخول إلى قرية . ينقسم الموقع
إلى حلبة حيث تجري المباريات , ومكان مخصص لتسليم الجياد
وتجهيزها , ومركز للتسوق حيث تعرض داليا والعشرات غيرها نختلف
أنواع البضائع .
سعى ليو إلى امتطاء الثور في اليوم الأول , (( لتنتهي الكارثة
سريعاً )) , بحسب تعليق سيلينا . وكما توقع , وجد فرقاً شاسعاً بين الثور
الذي تمرن على امتطائه و الثور الضخم الهائج الذي قابله الآن . ما من
شيء في الأيام القليلة الماضية , بما في ذلك تمارينه على الآلة , حضرة لما
يواجه . بدا وكأن الثور قرر شخصياً أن يسحق عظامه كعقاب له على
محاولته الغبية هذه .
عليه أن يحاول تحمل هذا مدة ثماني ثوانٍ , كما خطر له فيما كان
دماغه يرتطم يميناً و يساراً بجمجمته .
منتديات ليلاس . . جمرة لم تحترق
لكنه ثور ضخم . وتمكن من رميه خلال ثلاث ثوانٍ , حط ليو على
الأرض بقسوة لكنه نجا , فقد أصبح يجيد الوقوع أرضاً , بعد كل
التمارين التي مر بها .
وفيما كان يخرج من الحلبة , سمع تصفيق الحشود , تعبيراً عن
تقديرهم وإعجابهم بجسارته لأنه حاول الصمود على ظهر ذاك الثور .
ورأى آل هانوورث يصفقون له بحرارة الأصدقاء , باستثناء بولي الذي
بدت السخرية على وجهه بشكل فاضح .
منتديات ليلاس . . جمرة لم تحترق
أما سيلينا فلم تكن تسخر منه , كانت عيناها تلمعان من المتعة لأنه
نجح في محاولته , وحملت ابتسامتها وعداً وتذكيراً . ابتسم ها ليو ابتسامة
عريضة , ابتسامة سعادة ورضا . وليذهب بولي إلى الجحيم !
خلف ابتسامتها , كانت سيلينا تلوى . فعندما طار ليو من فوق
رأس الثور غرزت أظافرها في راحة يدها ترقباً حتى استقام مجدداً . لم
يدق عنقه . . . إنه حي . . . يمكن للأرض أن تدور من جديد . وبخت
نفسها لأنها بالغت في رد فعلها وقلقت حيث لا ينبغي ذلك , فكم من
رجل رأته يُرمى عن ظهر الثور ؟ لكن أياً منهم لم يكن ليو .
انسحبت لتتحضر بدورها , كان جيبرز ينتظرها بهدوء . لقد سجلا
معاً نتائج طيبة في حلبة التمرين , لكن الأمر مختلف الآن , إنها ليلة
الافتتاح . أحكمت وضع قبعتها الطويلة على رأسها , ففقدانها قد
يجعلها تخسر نقاطاً قيمة .
سبقها إلى الحلبة خمسة متبارين , وسجلوا كلهم نتائج طيبة . قالت
لجيبرز : (( حسناً , المهم ألا تدعهم يخيفونك . أنت لا بل نحن جيدان
بقدرهم . هيا يا فتى ! لنثبت لهم ذلك )) .
وما إن قُرع الجرس حتى طارت فوق خط البداية متوجهة نحو أول
برميل داخل المثلث ثم انعطفت بشكل حاد لكنها تركت لجيبرز مكاناً
كافياً ليتحرك , دار حول البرميل ثم حول البرميل الثاني وتوجها نحو
الأخير ومنه إلى خط النهاية وشعرت بالبهجة حين أظهرت الساعة أنها
في الطليعة .
منتديات ليلاس . . جمرة لم تحترق
كان ليو بانتظارها خارج الحلبة فوقفا معاً يشاهدان المتسابق
التالي . قال لها بصدق : (( لا مجال لمقارنتها بك , لا أحد من المتبارين
يضاهيك )) .
المتباريتان التاليتان كانتا بطيئتين . وبقيت سيلينا في الطليعة .
وأخيراً تعالى الهتاف مع دخول المتبارية الأخيرة إلى الحلبة .
ـ لا أستطيع أن أنتظر .
قالت سيلينا هذا وهي تدفن وجهها في صدر ليو , فما كان منه إلا
أن طوقها بذراعيه , فيما سألته : (( ماذا يحصل ؟ )) .
ـ البرميل الأول , إنها سريعة لكنك لا تزالين متقدمة , البرميل
الثاني . . . والآن الثالث . . .
أصبح هتاف الجمهور الآن يصم الآذان . وتنهد ليو وهو يشد
ذراعيه حولها , ويريح رأسه على رأسها .
صرخت : (( آه , لا ! لا , لا , لا! )) .
قال ليو : (( بعُشر الثانية , أنا آسف حبيبتي )) .
قال الكلمة الأخيرة بالإيطالية , فرفعت رأسها وسألته : (( ماذا
دعوتني ؟ )) .
ـ كانت كلمة إيطالية .
ـ أعلم , لكن ماذا تعني ؟
ـ حسناً . . .
لكن , وفيما راح يتساءل عما إذا كان عليه أن يخاطر ويخبرها
بمعنى الكلمة , سمعا صوت بارتون العالي والعميق يهنئها ويواسيها في
الوقت عينه . ومرت تلك اللحظة , وبقي ليو يفكر في أن تردده أضاع
عليه الفرصة , وإن لم تضع فقد تأجلت إلى وقت لاحق .
عاد الجميع مسرورين إلى البيت تلك الليلة , فقد حققت داليا
أرباحاً جيدة , وفازت سيلينا ببعض الجوائز النقدية لحلولها في المرتبة
الثانية , كما بقي ليو على ظهر الثور مدة ثلاث ثوانٍ , كل هذه الأسباب
دفعتهم للاحتفال حتى وقت متأخر من الليل .
منتديات ليلاس . . جمرة لم تحترق
وبالرغم من هزيمتها , شعرت سيلينا بالسعادة , فالمبلغ المخصص
للمرتبة الثانية أفضل مما تجنيه عادة , وجدها ليو جالسة على الشرفة
تتأمل المال بسعادة لا متناهية .
ـ أنا غنية , غنية !
سألها ساخراً : (( تعتبرين نفسك غنية لأنك كسبت مئة دولار )) .
ـ إنها فدية ملك حسناً , ربما ملك صغير جداً . ومن يرغب في
دفع فدية ملك , على أي حال ؟ فليذهب الملوك إلى الجحيم !
كان النجاح قد أثمها , فراحت تضحك وهي تتكلم , مهاجمة
مجتمع النخبة بجسارة ومرح . وعلق ليو : (( هذا كثير على الأسرة المالكة .
يبدو أنك لا تؤمنين بهم )) .
منتديات ليلاس . . جمرة لم تحترق
وسألته : (( لديكم منهم في إيطاليا , أليس كذلك ؟ )) .
ـ ماذا ؟
ـ الأرستقراطيون .
فاجأته كلمة أرستقراطيون , فقال بحذر : (( إيطاليا جمهورية . . . إنما
لا يزال لدينـا بعضاً منهم )) .
ـ هل التقيتهم يوماً , أعني هل تحدثت إليهم وجهاً لوجه ؟
ـ ليسو نوعاً من أنواع الزواحف يا سيلينا .
ـ هذا ما هم عليه . يجب أن يوضعوا في قفص في حديقة
الحيوانات .
ـ لكنك لا تعرفين شيئاً عنهم .
ـ حسناً , وهل تعرف أنت ؟
ـ أعرف أنهم ليسوا جميعاً سيئين .
ـ لِمَ تدافع عنهم ؟ ينبغي أن تكون إلى جانبي . . . فليسقط
الأرستقراطيون , وليحيا العمال .
ـ أتودين إرسالهم جميعاً إلى المقصلة ؟
هزت رأسها : (( لا , سأجعلهم يوسخون أيديهم في الحقول , مع
العمال , مثلنا )) .
فقال : (( أنت لا تعرفين أني عامل , من يعلم ماذا أفعل عندمـا أعود
إلى إيطاليا ؟ )) .
منتديات ليلاس . . جمرة لم تحترق
تركت ما كانت تفعله وأخذت إحدى يديه بين راحتيها . بدت يده
كبيرة وخشنة . فقالت : (( طبعاً أنا أعرف , فهذه يد عامل , لقد تعرضت
للأذى مرات عدة , فيدك تحمل ندوباً )) .
وكان هذا صحيحاً , لكن الحقول كانت حقوله و هي تدر عليه
ثروة أكبر من ثروة بارتون . خدعته الصغيرة باتت تثقل كاهله , وفجأة
لم يعد قادراً على التحمل
ـ سيلينا . . .