كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
سلاسل روايات احلام المكتوبة
رد: 374- عاصفة فى قلب - كايت والكر
بقيت إستريللا تعانى من صداع قاس طوال الأسبوع و كانت الليلة قد فقدت قدرتها على التحمل . وعندما أعلن أبوها أنهم يتوقعون ضيفاً للعشاء, لم تفهم ما يعنيه إلا بعد دقائق.
فهمت ما عناه بعد أن رأت تلك النظرة فى عينيه و الحزم فى فمه .
فهمت أن ذلك الزائر ليست زائراً عادياً من أصدقاء أبيها بل هو خاطب جديد لها .
ــ أبى....أرجوك لا تفعل هذا......
كان قد مضى بعض الوقت منذ حاولت الاعتراض لكن بعد الإحراج و الإذلال اللذين ذاقتهما على يدى رامون داريو أدركت أن عليها أن تحاول فهى لا تستطيع أن تعانى مجدداً ما عانته.
لكن جدالها و توسلاتها ذهبت عبثاً فقد كان أبوها مصمماً تماماً و لا شئ يمكن أن يغير رأيه .
ــ لو لم تمرغى أسم مدرانو فى التراب و تعبثى مع رجل متزوج محطمة بذلك حياة امرأة و ولدين مسكينين لما أصبحت فى هذا الوضع. لكننى أحذرك يا فتاتى من أن صبرى كاد يفرغ.
و اقترب منها وحدق إليها بعنف بالغ جعلها تنكمش خوفاً .
ــ أما أن تفعلى شيئاً لتؤمنى حياتك بسرعة و إما أن تجدين نفسك فى الشارع حيث مكانك.
ــ بابا......
ــ لا..... لا أريد جدلاً . إما أن تتزوجى بشكل محترم و أما أن تخرجى من هذا البيت بملابسك فقط.....و سواء غرقت أم نجوت فهذا لا يهمنى.
لم يكن لديها شك على الإطلاق فى أنه يعنى ما يقول كما أن طبع ألفريدو لا يمكن الوثوق فيه و مزاجه غامض خطر . كانت خائفة رهيب مما قد يفعله.
و فجأة لم يعد عرض رامون لشغل وظيفة لديه يبدو لها غير مقبول .
و لكن إذا عادت و قبلت الوظيفة فسيكون عليها أن تتوسل إليه ليسدى لها هذه الخدمة التى سبق و رفضتها بفظاظة . تذكرت كيف صفعته و أدركت أنها فقدت فرصتها حينذاك . بالتالى ما من وظيفة و من المحتمل أن يحذو رامون حذو أبيها فى صفق الباب فى وجهها من دون أن يهتم مثقال ذرة لما سيحدث لها.
و بعد أن رأت أن الحذر أفضل من الشجاعة فى الوقت الحالى أطاعت أوامر أبيها فى الظاهر على الأقل. فاستعدت للعشاء و ارتدت ثوباً حريرياً أزرق تبعاً لإرشاداته و وضعت زينتها و رفعت شعرها إلى أعلى رأسها . لكنها بقيت تشعر بالغثيان و الخوف مما ينتظرها . لم تكن تخشى الخاطب الذى يظن أبوها أنه اشتراه و دفع ثمنه بل مواجهة أبيها و التى لا مناص منها لاحقاً.
حينذاك سيكون مزاجه مفزعاً .
كان الوضع أسوأ مما توقعت . إستيبان راميرز الذى اختاره لها أبوها هذه المرة رجل يماثله سناً كما أنه بدين للغاية و شعره
دهنى و رائحة جسده مقززة. لكن هذا لم يمنعه من أن يتفحصها من أعلى إلى أسفل كما يتفحص بهيمة معروضة للبيع كما أنه أغتنم كل فرصة سنحت له للاحتكاك بها و التربيت عليها بيده الساخنة المبللة.
قال لها و هو يقودها إلى غرفة الطعام:"أنت شئ جميل..... جميل. وأنا واثق من أننا سننسجم معاً"
كان الطعام بمثابة محنة لها فهى لم تستطيع أن تأكل شيئاً . كانت تكوم الطعام فى صحنها و ما أن ترفع الشوكة إلى فمها حتى تشعر بالغثيان فتعيدها و تسارع إلى كأس العصير تأخذ جرعة منه . ومن حيث لاتدرى تدفقت الذكريات إلى ذهنها فأرغمت نفسها على بلع العصير كيلا تختنق . فسألها أبوها بحدة وقد لاحظ ضيقها :"هل ثمة ما ضايقك؟"
فقالت و هى تشهق:"لا, لا, أنا بخير"
لكن الخير كان عكس ما تشعر به . فقد انتعشت الصور الحارة التى كانت شغلت أحلامها خلال فترات نومها القليلة طوال الأسبوع.
وراحت تتخيل صوراً لــ رامون بجسمه الطويل و شعره الأسود.
و عادت تسمع صدى كلماته :"أتريديننى أن أتزوجك ؟ و لماذا أنا بالذات ؟"
ــ ماذا.... ما أسمه؟
كان هذا صوت أبيها . وكانت هى من الاستغراق فى ذكرياتها بحيث لم تنتبه للخادم و هو يدخل و يهمس شيئاً فى أذن أبيها.
ــ مـــن ؟
ألقى عليها أبوها نظرة تقيم باردة ازدادت معها ملامحه تشنجاً مما جعل معدتها تتوتر فتشهق ألماً .
ــ داريو ؟
ظنت للحظة أنها لم تسمع جيداً لكن أباها التفتت إليها :"يبدو أن رامون داريو جاء ليراك . أتعلمين لماذا؟"
فتحت فمها لكنها لم تنطق بشئ . لا شئ سوى غمغمة غير مفهومة .
هذا مستحيل, لا يمكن أن يأتى رامون إلى هنا . شعرت أن رأسها يدور, و كأن أفكارها استدعته...و هزت رأسها عندما حملق أبوها فيها.
ــ حسناً من الأفضل أن نرى ما يريده, أخبر السيد داريو أن يدخل.
حتى هذه اللحظة لم تكن مقتنعة بأن الأمر حقيقى . وسيعود الخادم فى أى لحظة ليقول إن الأمر مجرد غلطة أو ستكتشف أنها سمعت خطأ و سيحضر الخادم شخصاًَ آخر.
لكن الخادم عاد و فى أثره ذلك الرجل الطويل الأسمر الذى احتل أفكارها فى اليقظة و النوم منذ اليوم الذى ظهر فيه فى حياتها .
كان يرتدى ملابس بالغة العفوية هى عبارة عن قميص أزرق و بنطلون جينز محكم على جسمه بحيث جعل فمه يجف.
إذا أدهشه أن يراهما يتناولان العشاء و معهما راميرز , فهو لم يظهر دهشته و اتجهت نظراته مباشرة إلى حيث كانت تجلس فى الجانب البعيد من المائدة مقابلاً عينيها البنيتين المنزعجتين بنظرة حملت الكثير من التحدى . ثم جالت عيناه على المائدة فتوقفتا لحظة على ألفريدو و من ثم على راميرز و رأت عيناه تضيقان بسرعة قبل تعودا إلى والد إستريللا
ــ سيد مدرانو .
كانت ابتسامة رامون السريعة قمة التهذيب وحدها إستريللا بحساسيتها المفرطة نحو كل ما يتعلق به لاحظت أنها لم تكن طبيعية تماماً , إذ تردد لحظة قبل أن يبتسم ابتسامة تلاشت بسرعة . وراء تلك الابتسامة مسافة معينة جعلت فكه متوتراً و كذلك ملامحه محولة عينيه العاصفتين إلى شظيتين من الثلج الرمادى.
ــ إستريللا ....
جاهد رامون ليتكم بصوته رغم اضطراره إلى كبح اشمئزازه و غضبه و هو يقيم الوضع فى غرفة الطعام الفسيحة الرسمية هذه .
لم يتطلب إدراكه لما يجرى ذكاء حاداً فقد استوعب الوضع بنظرة واحدة متفحصة .وإذا كان بحاجة إلى برهان على صحة حكمه فقد وجده فى وجه إستريللا الذى عكس القصة لمن له عينان يرى بهما.
و شعر رامون إن بإمكانه أن يقرأها كما يقرأ كتاباً .
كانت ترتدى ثوباً أزرق بسيطاً إنما بالغ الأناقة كما كان شعرها مرفوعاً إلى أعلى بتسريحة معقدة و قد زينتها بمشابك ما جعل أصابعه متلهفة إلى سحب تلك المشابك . أم الإفراط فى زينة وجهها و الظلال و الأوان فلم تستطيع أن تغطى الظلال تحت عينيها و خطوط الإجهاد حول فمها.
بدت مذهلة , أروع مما يتذكرها . لكنها بدت أيضاً ضائعة , خائفة و ضعيفة بشكل مدمر. و ذلك الضعف حرك فيه كل ما فى الرجولة من شهامة و رغبة فى حماية الضعيف .
بدا واضحاً أنها تتمنى أن تكون فى أى مكان آخر عدا هذا المكان و سبب كآبتها كان واضحاً. ذلك المخلوق القصير البدين الذى يشبه الضفدع الجالس أمامها على المائدة , إنه الرجل الذى لم يعجبه أن يقاطع العشاء لأنه كان مشغولاً بتعرية إستريللا من ملابسها بعينيه الباردتين النهمتين .
إنه رجل آخر يحاول أبوها أن يبيعها له . الخاطب الحادى عشر إلا إذا كان مخطئاً . وجاهد لكى يكبح طباعه التى تهدد بأن تنفجر فى داخله , أشبه بالنيران الحمراء الساخنة التى تغلى فى بركان ناشط
ــ أى خدمة يا سنيور داريو؟
أظهر أبوها بوضوح أنه لم يكن مسروراً بهذه المقاطعة رغم أنه بذل جهداً لكى يحافظ على المظاهر الحسنة أمام إستبيان راميرز يبدو أنه شعر بأن ظهور خاطب سابق حاول أن يرشوه سيعرقل خطته للإيقاع بالخاطب الحالى.
قال رامون بهدوء و تهذيب بالغ :"سامحنى يا سنيور مدرانو , لم أكن أعلم أننى سأقاطع وجبة طعامك بهذا الشكل.....إستريللا "
و تملك إستريللا الاضطراب و هى تراه يوجه اللوم إليها قائلاً برقة :"كان يجب أن تخبرينى أن أباك يستضيف زميلاً فى العمل لأبكر بالحضور أو كنا تدبرنا تأجيل ما سنعلنه إلى مناسبة أخرى"
ما سنعلنه؟؟؟
ــ أنا....
منتديات ليلاس
و إذ رأته يرمقها بنظرة متوهجة من عينيه الفضيتين , ابتلعت صيحة التعجب الذاهلة التى كادت تنطلق من بين شفتيها . لم يكن لديها فكرة عن اللعبة التى يلعبها رامون حالياً لكن و حتى تكتشف ذلك من الأفضل أن تلزم الهدوء.
سألها أبوها بحدة و هو ينقل نظراته بينها و بين القادم الجديد :"أى إعلان إستريللا ؟"
لكنها لم تستطع أن تجيبه و هى لا تعرف ما يسعى رامون إليه . ولم تجرؤ على المغامرة بفتح فمها . و هكذا لوحت بكأسها نحو الرجل الطويل الواقف إلى الناحية الأخرى من المائدة مشيرة إلى أنه هو الذى يُفترض به أن يتكلم و قررت أن تبقى هادئة و توافقه على كل ما يقوله .
عاد ألفريدو بانتباهه إلى رامون يسأله :"أى إعلان؟ ما الذى يحدث هنا بحق الله ؟"
ــ أرجو المعذرة ....
بدا على رامون الأسف البالغ و هو يعتذر بإخلاص ما جعل إستريللا تهز رأسها متسائلة عما إذا كانت ترى أو تسمع جيداً و عما إذا كان رامون هو حقاً الواقف هناك .....و حدقت إليه جيداً فاقتنعت بأنه ذلك الرجل المدمر الذى سرق قلبها منذ اللحظة التى تقابلا فيها و لم تستطيع أن تستعيده منذ ذلك الحين .
ــ طلبت من أبنتك ألا تقول شيئاً حتى يتسنى لنا الوقت لتخبرك معاً .
و قد اضطررت أن أجعلها تعدنى ....أرادت أن نخبرك شيئاً قبل الآن.
راح ألفريدو ينظر إلى ابنته بتشوش واضح و جاهدت هى لكى تبقى ملامحها هادئة فيما راحت تفكر فى ما يريده رامون محاولة إلا تفكر فى الأمور التى تخشاها .
تذكرت مدى الغضب الذى تملكها حين اندفعت هاربة من شقته و ارتجفت فى داخلها خشية أن يدفعه غضبه إلى أن يقول ما قد يؤثر فى حياتها حقاً.أتراه من الغضب بحيث يفعل ذلك؟
ــ لكننى أراها الآن و قد وفت بوعدها و أنا مسرور لذلك فستتاح لى الفرصة كى أقوم بالأمر بشكل صحيح . لقد حصلت على جواب إستريللا لكننى أريد الآن جوابك.
و استدار نحو ألفريدو و قد استحال فجأة رسمياً تماماً و هو يخاطبه :
"يا سيد مدرانو لقد جئت إلى هنا اليوم طالباً موافقتك على زواجى من ابنتك"
نهاية الفصل السابع
قراءة ممتعة لـ جميع الأعضاء و الزائرين
|