كاتب الموضوع :
زهرة منسية
المنتدى :
سلاسل روايات احلام المكتوبة
رد: 374- عاصفة فى قلب - كايت والكر
بدا واضحاً أنه لم يصدقها و نظر إليها متشككاً و سألها :"الاعتذار عن ماذا؟"
فارقها بعض تحكمها بنفسها مرة أخرى و فكرت فى أخذ جرعة أخرى من العصير لكن خوفها من أن تختنق بها جعلها تعيد الكأس إلى مكانها:"عن.... عن سلوك أبى و سلوكى ذلك اليوم عندما جئت إلى القصر. ما كان لنا أبداً أن....أنا أشعر بضيق حقيقى لذلك"
نظرت إليه بعينيها الواسعتين الداكنتين تتأمل ملامحه الخشنة آملة أن ترى التفهم على وجهه , لكن الوجه القوى لم يلن و بقى صلباً كالصخر , فلم تستطيع أن ترى حتى ومضة من التجاوب فى عينيه الفضيتين.
ــ أنا.....أنا آسفة .
تمنت لو يتكلم....لو يقول شيئاً....أى شئ .لكنه بدلاً من ذلك أنهى بقيت كأسه و أنتقل إلى أريكة ضخمة تتشبه الكرسى حيث جلست هى بعدم ارتياح
بقيت عيناه تنظران إليها بحدة و تقييم, ولم تستطيع احتمال هذا الصمت أكثر فأردفت :"رامون....."
لكنه قاطعها دون اعتذار آمراً بصوت خشن :"قولى هذا مرة أخرى... ما قلته لتوك قوليه مرة أخرى"
ماذا يريد؟ برهاناً على صدقها ؟ أم أنه يريد إذلالها عبر جعلها تكرر مرة بعد مرة السبب المربك الذى جعلها تحضر؟ و قالت :"أننى أريد أن أعتذر. أنا أعتذر حقاً . كان أبى مخطئاً فى طلبه منك...."
ــ فعل أكثر من مجرد الطلب.
ــ أعلم أنه جعل من زواجك بى شرطاً ليبعك شركته . ما كان له أن يفعل هذا قط . وأنا....
كادت أعصابها تخونها و كان عليها أن تتوقف ثم أخذت نفساً عميقاً مهدئاً قبل أن تجد القوة لتتابع :"ما كان لى أن أتصرف بذلك الشكل"
بقيت عيناه الباردتان تراقبانها و قد ضاقتا قليلاً و تسمرتا على وجهها تلاحظان كل تغير فى التعبير و كل شعور يرتسم على ملامحها . وأخيراً قال :"يمكننى أن أصدق تقريباً أنك تعنين ما تقولينه"
ــ و أنا أعنيه فعلاً.
أرادته أن يصدقها . كانت بحاجة إلى أن يصدق ذلك , فإذا لم يفعل لانهارت فكرتها منذ البداية .
مالت إلى الأمام فى كرسيها و عيناها مسمرتان على عينيه :"أنا أعنيه, و آمل أن تصدقنى"
سكتت راجية أن يقول شيئاً لكنه لم يفعل , بل وقف و عيناه تشتبكان بعينيها و راقبها منتظراً . وعندما أخذ صمته يضغط على أعصابها راحت تتململ فى مقعدها بضيق.
ــ ما كان يجدر بأبى أن يفرض عليك تلك الشروط مهما كانت دوافعه. و كان علىّ أن أتى إليك و أبلغك بأننى أعرف ..... حسناً , بأننى تكهنت بأنه سيسعى إلى أستخدام هذه الحيلة مرة أخرى . كان على أن أبلغك....
كانت تثرثر. أدركت ذلك لكنها لم تستطيع أن تمنع نفسها فقد أثر عليها صمت رامون و شعرت أن عليها أن تفعل شيئاً.... أى شئ لتملأه.
ــ كان علىّ أن أفعل شيئاً منذ البداية
ــ لكنك لم تفعلى .
ــ لا , لم أفعل .
ــ هل لكِ أن تخبرينى لماذا ؟
هل تريد أن تخبره ؟ هل هى مستعدة لأن تخبره ؟ و الأهم من ذلك ما مقدار ما تريد أن تخبره به؟
لم تستطيع إستريللا أن تجيب على هذه الأسئلة و لهذا لم يكن لديها فكرة كيف ستجيبه.
ــ أنا.....منتديات ليلاس
حاولت و لكن تفكيرها تعطل و أصبح عقلها صفحة بيضاء و شعرت بالاحمرار يصعد إلى وجنتيها حين قال :"أخبرينى , هل ما ستحدثينى به فظيع إلى حد أنك تجدين صعوبة فى أن تعترفى به؟"
اعترفت إستريللا فى سرها بأن ذلك لن يكون ذلك سهلاً فعلاً. فمن الصعب الاعتراف لهذا الرجل بأنها لم تستطيع طرده من ذهنها منذ عرفته , وأنه يراود أحلامها كل ليلة , وصورته لا تبارح خيالها كل يوم , رغم محاولتها للتخلص منها و للتفكير فى أى شئ ما عداه .
لكن هذا أكثر مما تجرؤ على الاعتراف به خصوصاً أن العينين الباردتين تقيمان كل ما تنطق به و كل ما تفعله.
بارتباك ميئوس منه وضعت كأسها على المنضدة و ركزت نظراتها عليها غير قادرة على مواجهة نظراته.
ــ حسناً (دونا) مدرانو؟
سألها و قد تعمد استفزازها حين ناداها بلقب (دونا) و معناه "الأميرة" بالإسبانية ما أثار طبعها و جعلها تشعر بالتمرد و دفعها إلى عدم الحذر فى الكلام :"أنت تعلم جيداً سبب كل هذا ! كل شخص يعرفه! و هذا ما جعل أبى يمارس هذه الألاعيب.... و يحاول أن يرشو الرجال , أو يرغمهم على الزواج بى . كنت تعلم ذلك طوال الوقت و أنت الشخص الذى أتى على ذكر كارلوس حينذاك"
(أنا ليست من اللهفة بحيث أرغب فى ما نبذه كارلوس بيريا)
هذا ما قاله حينذاك فجرحتها كلماته كثيراً . والآن و هى تنظر إلى ملامحه الباردة رأت الازدراء و الاشمئزاز القاسى نفسيهما.
ــ نحن نتحدث عن كارلوس بيريا ؟ عجباً و لِمَ كل هذا ؟ هل تريدين ان تدعى بأن كارلوس بيريا لا وجود له ؟ وأن قصة علاقتكما مجرد شائعة ؟
كم تتمنى لو تستطيع ذلك! و تمتمت بتعاسة :"لا. لن أدعى ذلك لا أستطيع....فهذا لن يكون صحيحاً. كارلوس ....كان لـ كارلوس وجود"
ــ و الآن , هل لك أن تفسرى لىّ لماذا اخترت رجلاً متزوجاً؟ و كيف أغريته حتى يترك زوجته و ....هل كانوا ثلاثة أولاد ؟ تركهم من أجلك؟
فتمتمت بلهجة دفاعية :"بل كانا ولدين.....ولدين فقط"
ــ أتظنين أن ذلك يشكل فرقاً ؟
ــ لا أظن أن هناك ما يشكل فرقاً
ومن المؤكد أن ما من شئ أراح ضميرها كما يبدو أن ما من شئ يمكن أن يحسن سمعتها بعد الآن.
ــ لا.
وافقها رامون الرأى ساخراً و هو يقف فجأة و يبتعد عن مقعده و كأنه لم يعد يطيق الجلوس بقربها ثم أضاف :"لا أظن أن أياً من ذلك يهمك...حقيقة أن لديه زوجة و طفلين فى البيت و أنه حطم قلوبهم جميعاً بالركض خلفك.... هذا لم يكن مهماً بالنسبة إليك , أليس كذلك؟ لقد حصلت على ما تريدين من دون أن يهمك كم كلف هذا كل واحد منهم"
فى الماضى ظنت أن من المستحيل أن يتمزق قلبها أكثر مما تمزق و أن تعذبها ذكرى غلطتها المرة بطريقة أكثر إيلاماً . لكنها لم تشعر قط بأنها بهذه الضعة و التفاهة و إنها رخيصة للغاية كما شعرت الآن .
حتى عندما اكتشفت الحقيقة عن كارلوس لم تشعر بهذا القدر من الحقارة كما تفعل الآن مع سماع الاحتقار العميق فى صوت رامون .
لم تستطيع التحمل أكثر, فاندفعت واقفة بصعوبة و أرغمت نفسها على رفع رأسها عالياً بينما عيناها تلمعان تمرداً :"لم أكن بهذا الشكل يا سنيور داريو"
سرها أن تستطيع السيطرة على صوتها و أن تمنعه من الارتجاف , رغم أن الجهد جعله يبدو حاداً و بارداً إلى حد مؤلم . لكن , هذا أهون الشرين , كما رأت و الحزن يتملكها :"لم يكن الأمر بهذا الشكل على الإطلاق لكننى لا أتوقع منك أن تصدقينى . لقد تساءلت عما إذا كنت مختلفاً و لكن يبدو أننى أنا مخطئة . طبعاً مخطئة ! أنت لست مختلفاً....أنت كالآخرين.....كأبى....!"
ــ يا لجهنم, كلا !
لقد أصابت منه وتراً حساساً فبدا غاضباً للغاية و التهبت عيناه و توترت شفتاه . لكنها انفجرت تقول :"يا لجهنم ! نعم فأنت مثله , ترى ما تريد أن تراه و تصدق ما تريد أن تصدقه . أنت لا تريد أن تنظر أبعد من الأشياء لترى ما يمكن أن تكون الحقيقة"
ــ أتريدين أن تقولى .....؟
ــ لا أريد أن أقول شيئاً ما عدا تصبح على خير.
و استدارت بسرعة و اختطفت حقيبة يدها و تشبثت بها بشدة حتى ابيضت سلاميات أصابعها . بشئ من السرعة ستصل إلى الباب و عادت تقول و هى تصر بأسنانها :"تصبح على خير يا (سنيور) داريو . شكراً على الاستقبال , أتمنى لو أستطيع القول إنه كان جيداً لكننى لا أريد أن أكذب "
ظننت أنه سيدعها تذهب . وحين رأته ينظر إليها يصمت و هى تعبر الغرفة اقتنعت بذلك و بأنها نسفت حظها و أحرقت خلفها الجسور و أن أى أمل لها فى أن تتحقق خطتها تلاشى إلى الأبد . لم يعد لديها أمل على الإطلاق فى أن يساعدها .
لم تكن هذه الفكرة هى التى جعلت عينيها تغرورقان بالدموع بل عملها بأنها أخفقت مرة أخرى فى أن تقنع شخصاً بأنها ليست كما يظنها . و رغم انه غريب تماماً إلا أنها كرهت ان ترى رامون يدينها كالآخرين من دون أن يسمع قصتها. عندما وصلت إلى شقته فى هذا المساء لم يكن أملها كبيراً فى أن يقتنع لكنها بقيت على تفاؤلها و أملت فى أن يُصغى إليها.
بدا و كأن المسافة بين الباب لن تنتهى . شعرت و كأنها تغوص فى الوحل فساقاها كانتا من الوهن بحيث لم تحملاها و الدموع المنهمرة من عينها جعلتها تكاد لا ترى أمامها . لكنها لن تنظر خلفها . و لن تتردد و لن تظهر أى علامة ضعف .
ــ إستريللا جاء صوته عندما لم تتوقعه . كان فى البداية رقيقاً ناعماً لكن تركيزها على الخروج من البيت و من تعاستها هذه جعلها غير واثقة من أنها سمعت شيئاً , ثم تكلم مجدداً فتأكدت من ذلك
ــ لا تذهبى يا إستريللا
إنها المرة الأولى التى يناديها فيها باسمها ما جعلها تبطئ فى سيرها ثم تجمدت مكانها . إنها المرة الأولى على الإطلاق ....فكان ذلك أشبه بطعنة خنجر إذ أدركت فجأة أنها لم تسمع اسمها بهذه الرقة و الجمال من قبل. و انقبض قلبها و هى تفكر فى أنها المرة الوحيدة التى قد تسمعه فيها ينطق به.
لكنها مازالت عاجزة على أن تحمل نفسها على الاستدارة و مواجهته . كانت خائفة للغاية مما قد تراه فى عينيه و ما قد يقرأه فى عينيها . إذا كان عليها أن تذهب فلتذهب الآن.
و إذا ما ترددت أو ألتفتت إلى الخلف فقد لا تستطيع أبداً أن تجبر نفسها على أن تسير قدماً مرة أخرى
نهاية الفصل الثالث
قراءة ممتعة للجميع
|