لم تعد تستطيع الانتظار اختطفت حقيبة يدها و خرجت من الغرفة لتهبط السلم عائدة إلى قاعة الرقص و هى ما تزال تغنى .
كانت قد وصلت لتوها إلى أعلى السلم حيث يمكنها أن ترى القاعة المزدحمة من دون أن يراها أحد عندما لفت انتباهها صوت باب يُفتح إلى اليمن. وما رأته جمدها مكانها .
رامون. رامون و أبوها كانا خارجين من غرفة جانبية و هذا لا يمكن أن يعنى سوى أمر واحد. هذا أشبه بعصر ذلك اليوم الذى أمضياه فى المكتبة معاً و ذلك منذ أسابيع قليلة , عندما.....
لا, لا تريد أن تفكر ذلك . وتمنت لو أنها لم ترهما.
لكنها رأتهما . وكل ما تمنيات العالم لا تستطيع أن تعيدها إلى ما قبل دقيقتين حتى كانت فى الغرفة. ليتها تأخرت لكى تسوى سترتها أو تضع المزيد من الماسكارا على أهدابها فتخرج بعد ذلك و تنزل إلى مقصدها من دون أن ترى شيئاً.
فلا ترى رامون و هو يخرج قبل أبيها و يدس مغلفاً طويلاً أبيضاً فى جيب سترته الأنيقة الداخلى. ولا ترى أباها و هو يقفل قلمه الذهبى الفاخر قبل أن يعيده إلى جيبه.
لقد انتهى العرس . وتُليت العهود الزوجية و أصبحا هى و رامون زوجاً و زوجة فكان لابد من إنهاء صفقة العمل فوقعت المستندات و تم تبادل الوثائق لم يزعج نفسه بالانتظار حتى ينتهى يوم الزفاف , فأصر على أن يستلم المكافأة التى طلبها ثمناً لزواجه بها, منقذاً بذلك سمعتها. كان بإمكانه أيضاً أن يبرز الوثائق المالية فى الكنيسة لكى يوقعها ما إن يوقع وثيقة الزواج.
شعرت بما يشبه طعنة الخنجر فى قلبها طعنة هى من القوة بحيث كادت تصرخ ألماً. لكنها و بشكل ما و بجهد بالغ استطاعت أن تتحكم فى نفسها فعضت على شفتيها حتى شعرت بمذاق الدم فى فمها . إذن ستجعلينه يحبك, أليس كذلك أيتها الحمقاء ؟ همست بذلك فى سرها معترفة بأنها تركت نفسها تنسى الحقيقة المرة و راحت تحلم من غرفة الطابق العلوى و تبنى قصوراً فى الهواء . وتابعت تحدث نفسها بأنها إنما تخدع نفسها لأنها لطالما عرفت ما يريد....و ما يريده لا يتضمن الحب.
لم يرها أحد لحسن الحظ لأنها بقيت مختبئة حيث هى , من دون حراك. بقيت هناك تنظر من خلال غشاء من الدموع , دموع غالبتها رافضة أن تدعها تنهمر.
ستعد حتى الثلاثين ثم تنزل إلى القاعة . ثلاثون ثانية كافية تماماً .
واحد.....اثنان....
ولكن هذا غريب....لم تستطيع أن تمنع نفسها من تأمله . فرغم أن هذه اللحظة هى لحظة انتصاره اللحظة التى ربح فيها كل ما يريد كل ما تزوج من أجله ....إلا أن البهجة لم تظهر عليه. بل على العكس تماماً. العبوس القائم كسحب العاصفة هو الذى ظهر على ملامحه الرائعة , فعقد حاجبيه الأسودين و توترت عضلات فمه و فكه حتى بدا خطراً كقنبلة موقوتة قد تنفجر فى أى لحظة . يبدو أن شخصاً ما و لعله أبوها , قد أشعل الفتيل و وقف بعيداً عن الانفجار الذى يوشك أن يحصل.
أربعة عشر.....
أم لعل الرقم أصبح عشرين؟
لقد نسيت العد تماماً . لم تعرف أين هى أو ماذا تفعل. ربما عليها أن تبدأ من جديد...أو....
ــ إستريللا !
منتديات ليلاس
لم تخطئ معرفة هوية صاحب هذا الصوت أو عدم الصبر العنيف الذى يحمله و أدركت متأخرة أن رامون انتقل إلى أسفل السلم ورفع بصره إليها . بإمكانه من هناك أن يراها بكل وضوح . ويبدو انه أراد أن يعلم ماذا تفعل بتسكعها عند أعلى قمة السلم و كأنها نسيت كيف تنزل إلى القاعة.
ــ إستريللا بدا صوته أهدأ هذه المرة و لكنه لم يكن بأقل عنفاً . النبرة التى استعملها و أوضحت أنه غير مستعد أن ينتظرها بينما تقف هى فى الأعلى ترتجف حيرة و تردداً .
و بعد أن غلبت الدموع التى غشت عينيها من الاضطراب و الصدمة رأته يصعد أول درجة و يمد لها يده بكل غطرسة السيد, يستدعيها إلى جانبه. لن يصعد و يمسكها بيده. كانت إشارته تعنى أن مكانها هنا إلى جانبه ومن الأفضل أن تسرع لتكون معه. كانت تعلم جيداً أن التردد يعنى التمرد و أن التمرد أمر لا يُحتمل , فأسرعت تنزل السلم بقدر ما يسمح لها كعبا حذائها العالى من سرعة . وما إن وصلت إلى جانبه حتى مد يده الضخمة يمسك بيدها بقبضة قوية جعلتها تشعر بالضيق .
ــ أجاهزة أنت؟
كانت لهجته مختلفة جداً , جداً عن تلك التى استعملها فى الكنيسة .
أكان ذلك منذ خمس ساعات فقط؟
ــ نعم ......
كان هذا كل ما استطاعت قوله . وعندما قادها عبر القاعة يجرها تقريباً فى إثر خطواته الواسعة الغاضبة, راحت أفكارها تدور مجاهدة لتجد سبباً لتغير سلوكه هذا, رافضة أن تدرك ما هو واضح.
لقد تزوجها رامون ليحصل على شركة التلفزيون, وعلى الإرث الأرستقراطى لأولاده إذا ما أنجبا و الآن و بعد أن حصل على ما يريد, توقف عن ادعاء الميل إليها و الاهتمام بها. و لابد أن تصرفاته كانت ادعاء و إلا لماذا تبدو ملامحه بهذا الشكل من التوتر و القسوة؟
إلا إذا استعمل أبوها بعض حيله و مكره أو لعله تراجع عن الاتفاقية التى وعده بها . ولكن إذا ما فعل أبوها ذلك فما هو مستقبل زواجهما ؟ هذا إذا ما حصل بينهما زواج على الإطلاق .
لم تعرف شيئاً فيما بدا واضحاً أن مزاج رامون لا يسمح له بأن يخبرها و الآن يُفترض بها أن تذهب مع هذا الرجل الغاضب و أن تمضى شهر عسل لأكثر من أسبوعين مع هذا الغريب الخطر. منذ دقائق فقط كانت تتوقع كل ما هو بهيج و مثير . والآن تبد كل هذا كما يتبدد الهواء من بالون مثقوب فتركها تشعر بالغثيان و الإرهاق و الذعر.
استطاعت بشكل ما الوصول إلى الباب رغم أن ساقيها كانتا غير ثابتتين. وبعد ذلك استطاعت أن تبتسم و تحتضن و تقبل و تشكر المهنئين رغم عدم تميزها لهم لتدخل سيارة الليموزين من دون أن تتعثر أو يصطدم رأسها بالسقف.
و قبل أن تجد وقتاً لتستعيد توازنها جسدياً و نفسياً و قبل أن تجد بعض الراحة صعد رامون إلى المقعد الجلدى الناعم بجانبها و دق على الحاجز الزجاجى بينهما و بين السائق . وكان كل ما قاله "هذا حسن"
و عندما تحرك السائق بالسيارة صفق الباب و بقيا معاً فى بقعة محدودة مسورة.