المنتدى :
مملكة الجن
جمعية الأدباء الصامتين حتى الموت..أرواح و أشباح..إلا هذا البيت..
إلا هذا البيت...
هذا التحذير يردده عشرات من الزملاء في جامعة كامبريدج. ولكن لهجة التحذير لا تدل على شيئ مخيف. فمن عادة الطلبة أن يسخروا من كل شيئ. و حتى لا يتهمهم أحد بالهدم فإنهم يكونون جمعيات لكل رغبة خاصة. ففي مدينة كامبريدج توجد جمعيات من كل نوع..جمعية محبي الخمور. و جمعية اللذين يكرهونها. و جمعية هواة طوابع البريد و جمعية اللذين لا يؤمنون بالبريد. و جمعيات المشي و الجري و السباحة و النوم في فراش لآخرين و النوم وحيداً حتى الموت. و جمعية المعاني الأبدية و ((جمعية المعاني الهدامة إلا قليلاً)).. و اللذين يحبون الزجاجات الفارغة و أغطية الزجاجات و جمعية خطف الملابس الداخلية للفتيات ((و احراقها في إحتفال مهيب)).
و هناك جمعية تقول: من السهل على أي إنسان أن يقف على قدميه. ولك نمن الصعب أن يقف على أكتاف الآخرين. فكيف يكون ذلك سهلاً إذا أردت ولفترة طويلة؟!
و معروف في مدينة كامبريدج هذه لكل الناس أين يجتمع هؤلاء الشبان و في أي وقت من النهار و الليل. و ماذا يشربون و ماذا يأكلون. ليس هناك سر. فالكل يعرف ما يدور في رءوس الكل. و من شاء غنضم إلى الجمعية أو النادي الذي يريده. فمن المه جداً أن يكون للإنسان نادٍ. و أن يكون هذا النادي أكثر قداسة من الكنيسة. إن كانت لها قداسة في هذه المدينة الجامعية.
إلا هذا البيت...
إنه التحذير الذي يتردد في كل مكان. مع أن هذا البيت الذي يحذرون الناس منه ليس أقدم البيوت و ليس أبعدها عن المدينة..إنه واحد من ألوف البيوت التي عمرها 200 سنة. صحيح إن بابه ضيق و سلاسمه مظلمة. ولكن أين هي البيوت القديمة ذات الأبواب الواسعة و المداخل المشرقة؟ و لا حتى بيوت الأمراء و لا قصور النبلاء في ذلك الوقت من القرن الثامن عشر –عصر الملك جورج الثاني-، ولم يكن هذا الملك يحب النكتة. و إذا حاول إنسان أن يكون ظريفاً في حضوره فالعقوبة معروفة: يأمر الملك بإلقائه في الماء البارد و هو يضحك. الملك يضحك و محكوم على هذا الشخص أن يضحك و إلا تركوه عارياً في الماء.
ولما قيل عن هذا الملك إن (هذا) البيت قديم و إنه خانق..كان رده: إننا جعلنا الأبواب ضيقة ليكون هناك فارق بين أبواب البيوت و أبواب السماوات!
و كان اللذين يسمعون مثا هذه الردود السخيفة يهزون رؤوسهم طرباص لفصاحة الملك. و لمل قيل له: و لماذا لا تهدم هذا البيت مادام الناس يخافونه؟ ويكون جواب الملك: ولماذا لا نشنق لهم الملوك و رجال الدين مادامو يخافونهم؟
و كان الناس يفزعون من مثل هذا الإجابات السريعة و يهنئون أنفسهم على أن السماء قد وهبتهم مثل هؤلاء الملوك، و وهبت الملوك مثل هذه البديهة الحاضرة. و يتناقل الناس رأ الملك و يفسرونه الف تفسير. فكلامه ليس ككل كلام.. و إنما إذا صدرت للملك عبارة، قامت العبارات الأخرى و انحنت أمامها!
و معنى ذلك أن الملك ورج الثاني ليس في نيته أن يهدم هذاالبيت. هذا واضح من كل ردوده على عقلاء البلات و ثرثارات القصر، ولكن لماذا قرر الملك فجأة أن يهدم هذا البيت و تمايل الناس حوله خوفاً عليه.. و خوفاً على أنفسهم.. ثم لماذا قرر في آخر لحظة ألا يهدم البيت!؟
إن سير كيلى كوش أستاذ الادب الإنجليزي المعروف عنده تفسير لذلك و قد جاء تفسيره في كتاب صدر له سنة 1037 عنوانه (خرافات مفيدة) خرافات هذا صحيح. ولكن مفيدة؟ لابد أن يكون المقصود بالفائدة إنه نشرها في كتاب و كسب منها. أي إنه استفاد من مخاوف الناس و أوهام الناس، و هو في ذلك مثل رجال الدين و السياسة يبيعون أوهام و أحلام الناس للناس و في كل العصور-و الناس آخر من يعلم-!
و هو في هذا الكتاب يروي كيف إنه ذهب إلى كامبريدج و ارتفعت الأيدي و الحواجب و الأكتاف تحذره من (هذا) البيت. و ذهب الأستاذ كوش إلى أرشيف الجامعة. حتى عثر على التاريخ القريب لهذا البيت.. وقبل أن نمشي وراء السير كوش نقرأ سطوراً عن هذا الأستاذ الجليل: أنه استاذ الأدب الإنجليزي و حاصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعات كامبريدج و أكسفورد و بريستول و ابردين و أصدر 53 كتاباص و رئيس تحرير مجلة (النثر) و له دراسات في الفلك و اجتهادات في علم النفس. و في آخر أيامه اتجه إلى دراسة الروح و ما وراء الموت.
ذهب السير كوش إلى البيت. مشى وراء حارس كبير في الس. الحارس يفتح لهالباب. الباب له صوت غريب. أو ليس غريباً من باب قديم لا يفتحه أحد إلا كل عشر سنين.. فعندما انفتح تساقط بعض التراب و نزلت أحجار صغيرة من السقف. و ترامت عليه روائح كريهة. هذه الروائح مألوفة في البيووت المهجورة. أما الحارس فقد ترك الباب مفتوحاً و هو يقول له: أنا قد رويت لك القصة و أنت ماتزال شاباً شجاعاً باحثاص عن الحقيقة. و أنت حر.. و قبل أن أتركك أريد أن أسئلك ياولدي: ما هو نوع الزهور التي تحب أن أضعها على قبرك!
و قال الستاذ كوش و هو يضحك: أي نوع!
و مضى الحارس بسرعة كأنه يخاف أن تمتد إليه أذرع خفية و تسحبه إلى الداخل. و دخل الأستاذ كوش..صعد السلا.. اتجه إلى الغرفة التي تكسرت تكسرت فيها المقاعد و الزجاج و الأطباق و تناثرت الشوك و السكاكين و الزجاجات الفارغة..و الاقلام و الأوراق. و بقيت في مكانها هذا منذ أكثرمن مائتي سنة!
أما الذي فعله الأستاذ كوش فهو مالم يتصوره أحد –و أن كان الأستاذ كوش كان قد سجل هذا في كتابه-. لقد أمضى الليلة في الغرفة الرئيسية..نام..و نام..و بعد أيام ألف كتابه هذا. و بعد صدور هذا الكتاب بسبع أسابيع مات في فراشه. و قد وجدوه جالساً إلى مكتبه. كأنه تعب من القرائة و الكتابة فقرر أن ينام في مكانه!
نعود إلى عهد الملك جورج الثاني و زوجته التعيسة الملكة كالورين التي سمعت بقصة هذا البيت كاملة. و لم تشأ أن ترويها لأحد. و إنما أفضت بسرها إلى إحدى وصيفاتها.و أوصت بكل شيئ بعد أن تموت. ولكن الوصية لم تنفذ. فالوصيفة قد ماتت بعد وفاة الملكةو لم يعرف أحد بهذه إلا بعد ذلك بمائتي سنة.. و كان الأستاذ كوش هو الذي اكتشف سر الملكة و سر (هذا) البيت.
ففي سنة 1730 تكونت جمعية من سبعة من الشبان. هذه الجمعية اسمها جمعية (السبعة الدائمين أحياء أو ميتين). هذه الجمعية تضم سبعة من الشبان تتراوح أعمارهم بين الثانية و العشرين و الثلاثين. هؤلاء الشبان اعتادو أن يلتقو في هذا البيت في اليوم الثاني من شهر نوفمبر من كل سنة. هذااليوم هو (يوم جميع الأرواح). و ليس عندهم برنامج يناقشونه. و إنما يأكلون و يشربون و يرقصون و يغنون و يلعنون كل المقدسات من أولها إلى آخرها و من كل دين! و في ساعة متاخرة من الليل يهدأ الجميع و يعودون إلى لبيوتهم على أمل أن يستأنفوا اجتماعاهم الأيام السبعة التالية..
و من الغريب أن هؤلاء الشبان كانو يحتفظون بمحاضر لجلساتهم. و الذي يقرأ المحاضر التي عثر عليها الأستاذ كوش يندهش كيف أن هؤلاء السكارى يكتبون كل شيئئ بمنتهى الدقة و الأناقة.. مثلاً في أول اجتماعهم يدور مثل هذا الحوار: ((إذن نحن قررنا أن نجتمع اليوم. ثم ماذا بعد ذلك..يسأل واحد منهك: لابد أن تكون هناك حكمة.. لابد ان يكون لذى كل واحد منا سبب وجيه)).
و يقول أخر: إذن نحن اجتمعنا هنا دون أن يكون عندنا سبب!
و يرد عليه أحد الحاضرين: ((ليس من الضروري أن يكون لكل شيئ سبب..اجتمعنا..و جلسنا..و تناقشنا..لأننا إن لك نتكلم متنا..وواضح أننا لا نريد أن نموت..فقد ارتدينا ملابس ثقيلة خوفاً من البرد..و اكلنا خوفاً من الجوع..و ضحكنا حتى لا يقضي علينا اليأس..وكل واحد منا روى قصة غرامه اعتزازاً برجولته..وواضح أننا نريد كل اللذي فعلناه و هذا يكفي)).
ثم يوقعون بأسمائهم على محضر الجلسة..
أما اللائحة الداخلية لهذه الجمعية فتنص على أن الجمعية تتكون من سبعة أعضاء، أحياء أو موتى فالذي يموت يظل عضواً فإذا مات الجميع انحلت الجمعية. أو لم يعد لها وجود!! و تنص أيضاً على أن مبادئ الجمعية غير قابلة ااتغيير. و على أن الأعضاء دائمون، فلا يدخل منها أحد و لا يدخلها أحد. و أن اللذي يتخلف عن الحضور لأي سبب لابد أن يوقع عليه الأعذاء العقوبات المنصوص عليها..و هناك نص يقول: و يمكن في حالة الغضب الشديد و الجنون المطلق عند الجمعية أن يتغير اسم الجمعية إلى اسم: جمعية الأدباء الصامتين في الموت. و هناك تحفظ في محضر الجلسات يقول: هذا في حالة إيمان الأعذاء بأنه لا فائدة من الكلام الذي يقولونه، أو عندما يفقد الأعذاء أية شهية للكلام فيما بينهم. هنا فقط يجب أن يسكتوا إلى الأبد!
و توقفت نهائياً محاضر الجلسات يوم 2 نوفمبر سنة 1766. و جاءت توقيعات الأعضاء في غاية الوضوح و الأناقة.
و اكتشف الاستاذ كوش شيئاً غريباً بتاريخ 30 نوفمبر سنة 1743. ففي هذا اليوم بالذات ثبت من الدفاتر الرسمية أن رئيس الجمعية و اسمه (ألان ديرمو) قد اشتبكة في معركة مع أحد خصومه الذي اصابه بالسيف في بطنه و راح ينزف من فمه حات مات في باريس. هذه حقيقة مؤكدة. و في نفس هذا اليوم انعقد اجتماع (جمعية السبعة) في كامبريدج و جلسوا و تناقشو ووقعوا بامضاءاتهم السبعة في نهاية الجلسة. و الجلسة قد رفعت بعد منتصف الليل بقليل. و من المؤكد أن الرئيس ديرمو قد قتل قبل هذاالموعد بدقائق في باريس! أي أن هذا الشاب قد قتل في باريس و حضر الإجتاع الذي استغرق أربع ساعات في مدينة كامبريدج و المسافة بين المكانين تقدر بئات الاميال في عصر ليس به طائرة و لا أي اتصال سلكي أو لا سلكي. و في محضر الجلسة قال الرئيس: اننا ملتزمون باللائحة الداخلية للجمعية. فالواحد هنا يظل عضواً في الجمعية حياً أو ميتاً.
و لما سأله أحد الأعضاء: و هل هذا معقول؟
فقال الرئيس: طبعاً معقول..اعطني شيئاً معقولاً واحداً في هذه الدنيا و أنا أجد في شيئ (لا معقولاً)!
ثم أخرج من جيبه كتاباً صغيراً أسود ووضعه على رأسه و هو يقول: خصوصاص هذا الكتاب –ثم القاه على الأرض!
و لأول مرة في تاريخ هذه الجمعية بعد أن يتم إقفال المحضر، يعودون و يقررون أن الرئيس قد مات! و أن واحداً منهم يجب أن يقوم بدور الرئيس! كيف أنهم لم يشعروا بأنه مات ثم كيف عرفوا أنه مات بعد وفاته بدقائق؟ ثم كيف أنهم لم يدركوا أي تغير في (الشخص) الذي كان معهم بعد أن مات؟!
و في اليوم التالي أعلن الرئيس ديرمو أنه اصبح عضواص ميتاً، و كتب بخط يده ذلك. و يقول الأستاذ كوش: إن خطه كان أنيقاً جداً.
و في 2 نوفمبر من العام التالي انعقد الإجتماع في نفس المكان.. و أعلن واحد من الاعذاء أنه أصبح عضواً ميتاً. أما هذا العضو فهو من ذباط الحرس الملكي و قد كانت وفاته معروفة. فهو قد ركب أحد الخيول و عندما أن يقفز به من أحد التلال سقط ميتاً، و من الثابت في دفاتر القصر أن هذا الضابط قد توفي قبل انعقاد الجمعية بساعات قليلة. ولكن الأستاذ كوش عندما قارن بين امضاء هذا الضابط (ميتاً) و انضائه (حياً) لم يجد أدنى فارق!!
و اقام الأعضء الخمسة الباقون حفلة العشاء التقليدية لكنهم انزعجوا عندما اكتشفو الحقيقة المخيفة إنهم يأكلون و يشربون مع اثنين من الموتى. و تفرقوا. بعد أن اتخذوا قراراً ألا يجتمعوا بعد ذلك.. و في العام التالي و دون أن يوجهوا الدعوة للحضور، التقوا في نفس البيت و في نفس الغرفة.. و اعلن واحد آخر أنه اصبح عضواً ميتاً. و تحرر محضر بذلك ووقعوا بأسمائهم!
و بعد أسبوع توفي عضو رابع و بعد شهرين توفي خامس.
و في يوم 2 نوفمبر سنة 1766 ذهب إلى المكان الاجتماعات العضو الوحيد الباقي. و كان في نيته أن يشرب و أن يرقص وحده و أن يغني و أن يشعل النار في المكان..و أن يحر دفتر الإجتماعات. و ذهب، و فتح الدفتر و كتب: ((أنا العضو الوحيد الباقي قررت أن أنهي كل شيئ. و أحرق الوثاشق التي تدل على هذا العمل الجنوني.. الذي لا أعرف كيف حدث.. و لا كيف أجئ.. إنني أرى طريقاً فأمشي..و أقف أمام باب ينفتح..و أضع رجلي على عتبة الباب فيحملني السلم إلى أعلى.. و أجلس على مقعد يندفع إلى الامام و أسحب دفتراص مفتوحاً و أمد يدي إلى قلم يسبقني إلى الورق.. و أكتب و أوقع باسمي.. و أفاجأ بأن ستة إمضاءات أخرى و قد تراصت الواحدة إلى جوار الأخر.. ولكن سوف أحرق كل شيئ)).
و لم يستطع أن يفعل أي شيئ.
و إنما جاء في المحضر ان العدد القانوني قد تكامل و أن على العضو الباقي أنيعلن نفسه عضواً ميتاً.. و من الثابت أن اللعضو السابع و اسمه الأستاذ بلاسيس كدري الادب الإنجليزي قد عاد في نفس اللسلة إلى بيته و مات في الساعة العاشرة مساءً.. و لكن بالرجوع إلى محضر الجمعية نجد أن الإجتماع قد انتهى في الساعة الحادية عشرة و أربعين دقيقة. و في المحضر يعلنون أنهم اصبحو جميعاً اعضاء موتى.. و يختمون اجتماعهم بتحطيم كل شيئ في البيت: النوافذ و الأبواب، و المقاعد و الأكواب و الاطباق.. ولكن بقي هذا الدفتر كما هو ليهتدي إليه الأستاذ كوش بعد قرنين في إحدى مكتبات جامعة كامبريدج.
و في 2 نوفمبر من كل عام يسمع الناس ضوضاء و أصواتاً غريبة صارخة تنطلق من هذا البيت. فاذا دخل أحد لم يجد أي أثر لأي شيئ.. و لم يجد أثراً لهذه الأطباق أو المقاعد.
و في آخر أيام الأستاذ كوش أعلن أنه بالرغم من كل ما كتب و ما رأى و ما سمع في غرفة الإجتماعات التي نام فيها ليلة، فإنه لا يجد تفسيراً لما سمع و رأى و قرأ، و ما يرويه الناس في كل مكان..إنه في دهشة..و لا يكذب ما يرى، ولكن لا يعرف كيف يثبته بالفعل! و في 2 نوفمبر سنة 1940 توفي هذا الأديب و المؤرخ الكبير!....
منقول من كتاب أرواح و أشباح لأنيس منصور.......
إنشاء الله المزيد قريباً...
تحياتي..
|