إنها تعرف أنه من الافضل لها البقاء على الطريق , لذا سارت في الطريق نفسه الذي اخذه روس في سيارته . كانت خائفة من السكون حولها والاصوات الوحيدة التي سمعتها كانت أصوات الحيوانات الليلة وهي تطارد فرائسها , وأصواتها تترد حولها وكأنها شياطين تسخر منها . حثت حصانها على الاسراع وعقلها يتساءل عن الحكمة من هذا العمل .
وأخيرا وصلت إلى المنطقة التي كانت فيها مع روس في النهار , حين اكتشفت السلالم . سلطت جيمسي مصباحها إلى ما حولها ولكنها لم ترا أي طريق , ولا أي مدخل على الاطلاق . مشت بجوادها ببطء إلى ان وجدت أخيرا مكانا , حيث الجدار متداع وقفزت من فوقه بحصانها .
إنها لا تستطيع أن ترى إلا بصعوبة , فهي تعتمد الان كليا على حاسة حصانها . همست مشجعة في أذن الحصان وهي تنحني عليه وتداعب رقبته . كانت فارسة ماهرة وأمبر جواد رائع , وبوقت قصير وصلت الى الانقاض وترجلت عن جوادها شاكره له , وربطته الى شجرة قريبة .
غطت الانقاض مساحة أكبر مما تراى ء لها من قبل ,وأحست بالحسرة , لان منزلا كبيرا كهذا قد دمر . الاحجار تحت قدميها تتكسر محدثة صوته في سكون الليل جعلها تقفز. أضاءت مصباحها ببطء على الحجارة المتكسرة ورأت المكان مدمراً بشكل مرعب وقد أخفت الاعشاب بعض الحجارة الصغيرة فتعثرت جيمسي أكثر من مرة .
منتديات ليلاس
أخيرا وجدت ما تبحث عنه . صفا صغيرا من السلالم مغطى بالطحلب و الاعشاب . سلطت مصباحها الى الاسفل , لم يكن هناك أي شيء يدل على وجود مدخل لكن كان هناك تلال من الصخور والقرميد والفتحة وراءها لا تبدو بالتأكيد واسعة بما فيه الكفاية لتدخل فيها .
أبعدت جيمسي الاعشاب عن جانبي الفتحة , لتفسح لنفسها طريقا . كانت الدرجات لزجة وكادت في لحظة ان تفقد توزانها .نظرت من خلال الفتحة واشتمت رائحة العفن والرطوبة المتراكمة عبر السنين . تجهمت وسرت فيها رعشة الخوف وترددت , هل هي فعلا ,تريد الدخول إلى هذا المكان ؟
كلا , لا تريد أن تتراجع في اللحظة الاخيرة , يجب ان تجد ما يثبت أن اسلافها لم يكونوا لصوصا . عندما تجد البرهان , سوف تتركه لسام وترحل , وهذا يكفي لتحقير روس ستيورات . فكرت ثم اندفعت بالعمل على ما جاءت بشأنه بفعل الغضب الذي اعتراها .
أزاحت الصخور التي أمامها الى ان اتسعت الفتحة بما يكفي للدخول عبرها . يثبت أحد طرفي الحبل على الصخور بعناية , ولفت الطرف الاخر حول وسطها ثم اندفعت والخوف يملأها , الى الداخل .
فوجئت , عندما وجدت ان المكان يتسع لها وقوفا . سلطت المصباح على ما حولها , جدران رطبة يرشح منها الماء , وممر مظلم يمتد أمامها , والمصباح لا ينير إلا مسافة خطوات قليلة . وجدت صعوبة في تقرير من أين تبدأ , في مكان مليء بالانقاض والصخور والصلصال . بالاضافة الى أن التقدم في طريق مظلم ومجهول كان مخيفا .

ظنت أنها سمعت أصواتا فتوقفت وسلطت مصباحها الى ما حولها , ولكنها لم ترا شيئا , وعلى الرغم من ذلك , تزايد خوفها و شعرت بتسارع نبضات قلبها .
"من هناك ؟"
صاحت بصوت مرتعش . ولم تسمع إلا صدى صوتها . انصتت ثانية , ولم تسمع , إلا سقوط بعض قطرات من الماء .
تابعت طريقها , وهي لا تدري عما تبحث أو ماذا تأمل أن تجد . تفحصت الحبل , لم يبق من طوله إلا متران , وأصيبت بالاحباط , لقد سارت كل هذه المسافة من دون ان تعثر على شيء.
انتهى الممر الى حجرة . وعندما سلطت المصباح على محتوياتها , صرخت ببهجة "وجدتها !"
لقد رأت صندوق مجوهرات ملقى على الارض . انحنت وتلمست محتوياته بعد ان فتحت الغطاء من دون عناء , وشهقت لروعة المجوهرات التي لم تخف , طبقات القذارة والغبار جمالها .
تفحصت جيمسي احجار الياقوت الحمراء الدافئة , والزمرد الاخضر ثم أعادتها الى الصندوق وقلبها يخفق من شدة الفرح , أخيرا , وجدت البرهان وبرأت ساحة عائلتها .
وضعت يدها على فمها في محاولة لمنع نفسها من الصراخ , عندما رأت بالقرب من صندوق المجوهرات هيكلا عظميا , لرجل , مسندا إلى الحائط .
منتديات ليلاس
تراجعت جيمسي وهي تحمل صندوق المجوهرات الى صدرها , ولكنها رأت أن يد الهيكل العظمي كانت ممسكة بكتاب . استجمعت شجاعتها , واقتربت من الهيكل العظمي وانتزعت الكتاب من يده .
سببت حركتها الفجائية انهيار وتهاوي الهيكل العظمي , ارتاعت جيمسي وفرت لا تلوي على شيء . وبسبب خوفها تعثرت , ولم تحمها يداها الممسكتان بالصندوق والكتاب من السقوط . صرخت من الالم واحست بالدم يتدفق من رأسها .
بقيت في مكانها , تتنفس بصعوبة , لا تجرؤ على الحراك لأن المصباح انكسر ولم يعد بإمكانها الرؤية . حاولت الوقوف ولكن كاحلها المصاب لم يساعدها , فسقطت ثانية وصرخت . حاولت أن تجرجر نفسها الى المدخل الذي أتت منه , ولكن , الالم في رأسها منعها من ذلك واخذ الدم يتدفق بشكل خطير . سمعت خطوات تقترب منها من دون أن تر أحدا , انكمشت على نفسها واخفت الصندوق خلف ظهرها , ربما القادم لص , يسعى وراء المجوهرات .
"من هنا ؟"صاحت بشجاعة ثم فركت عينيها عندما سلط عليهما نور قوي .
"من تعتقدين أن يكون ؟"صاح روس وقد بدا امامها ووجهه قاتم كالليل نفسه . ارتعشت جيمسي .
"نعم , روس ."قال , بنبرة حادة .
"ألم أحذرك , ايتها الحمقاء الصغيرة ؟"
قساوة تعابيره كانت على خلاف لطافة يديه وهو يمسح الدم عن وجهها .

"لقد وجدتها يا روس , المجوهرات ."قالت بضعف والالم يتزايد .
"أخرسي ."
أمرها ببرود وهو يضغط بصلابة على جرح رأسها ليوقف الدم المتدفق . صمتت جيمسي . هل أصيب بالخيبة لأنها اكتشفت المجوهرات ؟ إنه بالتأكيد لا يريد التباحث في الامر , فكرت جيمسي .
"أن كاحلك متورم جدا , هل لويته ؟"سألها وقد انحنى عليها , فيما أصابعه القوية تمسكه بقوة ولكن بلطف .
"نعم ."
ابتلعت ريقها وهي تحس بغضبه وتتذكر تحذيره لها .
"لا أعتقد أنني أستطيع أن أمشي ."اعترفت بصوت ضعيف , كارهة اعتمادها عليه .
أحاطها بذراعيها ورفعها عن الارض بسهولة . استطاعت ان تشعر بعضلاته تتقلص تحت معطفه الاملس وهو يضمها نحوه . احست جيمسي بتورد في وجهها عندما اصبح رأسها على صدره .
"إنك أكثر مشاغبة مما ظننت ."
وجه ملاحظته بجفاف وصوته يخبىء دفئا مفعما , وأحست جيمسي بأنها تغرق في عمق عينيه .
"هنا ."قال ووضعها بقرب الحائط وجلس بقربها .
"ألسنا عائدين ؟"سألت وقد شعرت فجأة بالارتباك .
"طبعا , أنا لا أدعي بأنني سأمضي بقية حياتي هنا , ولكن انا عكسك , لست مستعدا للمجازفة في حياتي .سوف نبقى هنا حتى الفجر لأني لا انوي محاولة حملك في الظلام."
أضاف بتجهم وعيناه تحدقان بقدمها . يبدو أن التورم يزداد , شعرت جيمسي بألم عميق وادركت نظرة الغضب في عينيه فأعتذرت على الفور.
"أنا آسفة , كان علي أن أجد ذلك ."
تجهمت ثانية والالم يزداد , شدها روس نحوه .ارتمت على صدره الصلب الدافىء . وأحاطها بذراعه .
"أخبريني كل شيء عن ذلك . انها ستأخذ عقلك ."أمرها وقد جلس وعيناه مغلقتان .
"الدليل الاول كان يوميات هيثر ستيورات , وكانت واقعة في حب دنكن ماكدونالد. أتصدق ذلك , ستيورات وماكدونالد يقعان في حب ؟"
قالت بحزن وهي تغرق أكثر في صدره.
"كلا ." أتى صوته متذمرا بعمق ومستنكرا . ولكن جيمسي تابعت غير وجلة .
"على كل حال , لقد كانا , ولا حاجة للقول بأن عائلتيهما عارضتا ذلك لذا تقابلا في السر عبر الممرات السرية التي تصل البيتين ببعضهما ."
منتديات ليلاس
تمتمت مبعدة رأسها عن صدره غير مهتمة بالجرح ثم تأوهت عندها أحست بموجة من الالم تسري في جسدها , عادت واغرقت رأسها ثانية . تجمد روس على الفور , بفعل صرخة الالم التي أطلقتها .
"ما هذا , جيمسي ؟ هل تشعرين بأنك أسوأ حالا ؟"
سأل ,وعلى الرغم من غضبه استطاعت أن تشعر باهتمامه . حرك يده نحو وجهها وأبعد برفق الشعر المبلل بالدماء من على جبهتها وتنهد بعمق .
"أنا , بخير دعني أخبرك القصة ."
رجته وهي ترى نظرات الاستنكار في عينه , غريب , من المفروض أن يكون غاضبا ولكنه بدا رقيقا جدا , استغرقت جيمسي في تفكيرها وهي تسترخي بجانبه . بدت وكأنها تستمد الدفء والقوة من رجولته القوية .
"في تلك الليلة بالذات , عندما أتت هيثر لتقابل دنكن سمعت صوت والدها في الممر , لذا ركضت بعيدا ولم يُرا دنكن ثانية على الاطلاق."
انتهت منتصرة .

"اذا ؟"قال روس وكأنه لم يستوعب القصة , وتساءل عن مدى اصابتها .
"حسنا . يوجد هيكل عظمي هناك , لابد أنه دنكن , لم يسرق المجوهرات . إنها فقط طريقة آل ستيورات في الانتقام . ولتغطية جريمة قتل دنكن , وضعت المجوهرات مع جسده الذي لم يعثر عليه , وطردت عائلتي بسبب ذلك ."
"هل تعنين ان آل ماكدونالد أبرياء وأفراد عائلتي مجرمون كاذبون ."سأل صائحا ."ألست خائفة من أن يقع لك ما وقع لدنكن ؟"
قال ممازحا ولكن جيمسي التصقت به أكثر وهي تحك وجهها بوجهه مثل القطة الصغيرة .
"كلا , أشعر بأمان تام معك ."تمتمت مقتربة منه أكثر . أطلق روس شخيرا خفيفا وهو يقترب منها ولكن أحكم ذراعه حولها وشدها نحوه .
"هل تشعرين بالبرد ؟"سألها روس وهو يشعر بارتجافها , لقد كان هواء الليل باردا بالتأكيد , والرطوبة تعم المكان .
"قليلا ."اعترفت وبدأ روس يخلع معطفه , ولكن جيمسي اعترضت .
"لا حاجة لأن ...."ابتدأت .
"أنا من سيقرر ما يجب فعله من الان وصاعدا وليس أنتِ."قال بحزم , خلع معطفه ولفه حول كتفيها .
"الان حاولي ان تستريحي ."وكأنه يتحدث مع طفل .
"ولكن يا روس ...."
"أستريحي ."قال بحدة .
منتديات ليلاس
اغمضت جيمسي عينيها على الفور , من دون ان ترى ابتسامة الارتياح على وجهه .استلقيا بعذوبة في تناغم لطيف إلى أن رأيا أول شعاع من الفجر , حاول التمدد , لكن رجليه تجمدتا وأطرافه تؤلمه .
"جيمسي ."همس وهو يراقبها عن كثب , ولكنها بقيت صامتة , وقد أزعجه الامر .
"نعم ؟"أجابته وعيناها مثقلتان تحاول فتحهما ولكن جفنيها مثقلين أجبراها على اغماضهما ثانية .
"جيمسي."صاح وهو يقف , حملها بين ذراعيه الى الخارج .
"روس , علبة المجوهرات ."قالت بكسل وهو يهم ان يعود بها .
"انسها !"قال بحدة ."لا أستمتع بها ."
كانت جيمسي على وشك الاعتراض , معلنة براءة عائلتها , لكن الكلمات ماتت على شفتيها وهو ينظر اليها . بدت عيناه فجأة تشعان أكثر , النار التي في داخلها لم تلحظها قبل الان .
الجو بينهما كان دائما منفعلا , صمت حاد بقوة , لكن هذه المرة شعرت من اعماقها . بعواطفهما المتبادلة . رفعت يديها لتعانق رقبته وأحست به يتجمد من لمستها . اطلقت صرخة ألم عندما بدأ قلبها يخفق بطريقة غير محتملة .
"ما الخطب ؟"سأل وصوته ينم عن الاهتمام . تجهمت جيمسي وتأوهت برقة .

"إنه رأسي ."
قالت وفقدت وعيها . آخر صورة رأتها كانت وجه روس وهو ينظر اليها . نظرة القلق في عينيه وابتسمت برقة . اهتمامه في الواقع يبدو صادقا , وذلك أسعدها .
تحركت جيمسي ورف جفناها واستعادت وعيها .فتحتهما قليلا , استطاعت رؤية وجه روس الوسيم والقاسي , بدت هيئته المتعجرفة قد انتزعت , ولكن قبل ان تنظر حولها ثقلت عيناها وعادت للنوم .
بدا أن النوم يدعوها باستمرار , رأسها بدا مثقلا , عيناها ترفضان ان تنفتحا , حتى عندما تبدو كأنها تستجمع قوتها لترتشف بعض الشاي الخفيف وكان وجه روس الصارم هو الذي يحييها .
كان وقتا متأخرا عندما استيقظت على صوت الستائر تفتح وتدفق النور فجأة , في الغرفة , فتحت عينيها لتستقبل النهار , غير مدركة بأنها لوقت طويل . كان الطبيب قد اكد لروس انها واهنة , ليس فقط بسبب الجرح الذي في رأسها .
"مرحبا ,يا سارة ."قالت بضعف , تفرك عينيها . استدرات ساره حولها وعيناها تشعان بالاثارة .
"جيمسي!"صاحت وهي تركض نحو الباب ثم صاحت على قدر ما تستطيع "لقد أفاقت , لقد أفاقت !"
امتلأت الغرفة في لحظات , سام و روس حتى جيني .
منتديات ليلاس
وقفوا عند أسفل السرير والكل يحملقون فيها .شعرت جيمسي بالارتباك للحظة . وحدقت فيهم مندهشة من تصرفاتهم , وكان روس اول من أدرك على الفور حيرتها .
"ألا تذكرين ؟ أليس كذلك ؟"سألها وهو يراقبها بتمعن .
فكرت جيمسي بصعوبة , وزالت الغشاوة عن عقلها وتألقت عيناها وهي تسترجع ما حدث .
"الليلة الماضية , المجوهرات !"صاحت . عبس روس .
"نعم , الليلة الماضية ."ذكرها بغضب بارد .
بانت الحقيقة وغرقت جيمسي في وسادتها لتستجمع أفكارها . لقد اكتشفت الحقيقة ومن الطبيعي أن يغضب .
"رأسي."همست بلطف وأمسكت الضمادة على جبينها ."و رجلي."وشعرت بالألم عندما حركتها .
"ابقي ساكنة !"أمرها روس وأمر الجميع بالخروج من الغرفة وأقفل الباب بهدوء.
انحدرت جيمسي أكثر تحت أغطيتها وشعرت بأن روس على وشك البدء في حديث عن غبائها .
"أنا آسفة يا روس , كان يجب ان أصغي لتحذيرك , لكن على الاقل وجدتها . هل وجدتها ؟"
سألت فجأة , وهي لا تعرف بالتأكيد . جلس روس على طرف السرير وصوته منخفض وغاضب .
"نعم , لقد وجدتها . هل هذا هو كل ما تهتمين به , شرف عائلتك الثمين ؟"
انتصبت جيمسي . هاهما يعودان إلى طبيعتهما المعهوده .
"لقد اعتذرت , إني آسفة للإزعاج الذي سببته , ولكني مسرورة لأني وجدتها , وأستطيع العودة الان وقد أبرأت إسم عائلتي ."
سرت لأنها برأت اسم عائلتها ولكن السعادة بالنصر لم تجعلها سعيدة , وعوضا عن ذلك شعرت بوحدة باردة تغلف قلبها .