كاتب الموضوع :
Eman
المنتدى :
روايات احلام المكتوبة
تابع ..الفصل الأول : الرجل والعقرب
يتبع الفصل الأول..
وقف لويس فازكيز بجانب نافذة غرفة المراقبة ذات التقنية العالية، ناظرا إلى أسفل،حيث أرض كازينو هذا الفندق الذي هو آخر مقتنياته في سلسلة فنادقه الفخمة.
لم يكن بمقدور أحد أن يراه من أسفل، كانت النافذة تسمح له بالنظر إلى الخارج، ولكنها لاتسمح لأحد بالنظر إلى الداخل. وخلفه،كانت المراقبة الحقيقية قائمة بواسطة شاشات تلفزيونية يراقبها موظفو الأمن عنده بأعين كأعين الصقور. وكانت النافذة مجرد وسيلة ثانوية يمكن بواسطتها مراقبة أرض الكازينو بشكل عام.
يفضل لويس تفحص الأرض بعينيه هكذا، وهي عادة تملكته عندما كان لايثق بما لايراه بنفسه.
والآن اختلفت الأمور.فهو لم يعد بحاجة إلى المخاطرة لكي يعيش إذ أصبح يملك الثروة والقوة وإحساس عميق باحترام الذات.
وقطب حاجبيه،فاحترام المرء لذاته لايكسبه احترام الآخرين بشكل آلي، إنه درس قاس تعلمه يوما، وينوي أن يعود إليه لمعالجته وتعديله بشكل أفضل.
كان هذا في الواقع مشروعه الأهم.
تقدم "فيتو مارتينيز" المسؤول عن أمن الفندق، ووقف بجانبه وقال"
"لقد عادت إلى غرفتها وهو وصل لتوه إلى مقصف الكازينو".
-هل هو متوتر؟
فأجاب فيتو: "إنه يدندن متوتراً لقد نضج وحان قطافه".
قال ذلك مثبتا بهذا التعبير، نشأته في شوارع نيويورك.
أومأ لويس فازكير ثم ابتعد عن النافذة وأساريره جامدة كالعادة، وهذا ليس غريبا على شخص مثله.
-أخبرني عندما يأتي إلى الموائد.
قال ذلك ثم خرج من غرفة المراقبة بخطواته الواسعة الرشيقة، واجتاز جناحه الداخلي الخاص ذا الأرض المبلطة بالرخام الأسود والتبني اللون، واتجه إلى باب آخر دخل منه وأغلقه خلفه.
وفجأة ساد الصمت.
بينما كانت الغرفة الأخرى تعج بالحركة، انعكس الواقع في هذه الغرفة التي كان يُسمع فيها رنين سقوط الإبرة على السجادة التبنية السميكة، كانت غرفة مترفة، أثاثها عصري منجد بالجلد الأسود.
الغرفة شبيهة بصاحبها، وهي مثله لاتفصح عن شخصيتها الحقيقية، ما عدا تلك الصورة، في الإطار الأسود، المعلقة على الحائط خلف مكتب عريض أسود.
كانت الصورة بسيطة ككل شيء هنا. لاشيء فيها سوى تخطيط باهت لعقرب سام ملتصق على الخلفية البيضاء وذيله البشع المظهر ملتوي إلى أعلى، استعداداً للسع.
إن مجرد النظر إلى هذه الصورة يجمد الدم في العروق، مع أن كرسي لويس فازكيز تحت تلك الصورة المميتة، ولكنه ليس هو المهدد، وإنما أي شخص قد يدفع سوء حظه إلى الجلوس على الكرسي القائم في الجانب الآخر للمكتب.
في الصورة رسالة واضحة تقول: "اغدر بي، ألسعك".
إنها شخصيته وفلسفته في الحياة وشعاره. من زمان رافقته صورة العقرب الذهبي وكانت تزين كل مايشترك فيه لويس فزكيز، وذلك من أصبح أكثر حذقاً ودهاء. أما الآن فهو يحتفظ بهذه الصورة لأسباب شخصية فقط، من أجل تحذير أي شخص قدر له سوء حظه أن يُستدعى إلى هذه الغرفة الخاصة، تحذيره بأن لويس فازكيز الهادئ الرابط الجأش المعسول الكلام مازال في ذيله لسعة سامة.
لكنه، هذه الأيام أصبح أكثر حكمة بالنسبة إلى فلسفته الجديدة التي جعلته يمنح سلسلة فنادقه الفخمة المجددة، اسمها. ومنحته شهرة واسعة نظراً للخدمة الجيدة والراحة، التي أمنها لزبائنه في السنوات العشر الأخيرة.
لأن هذا كان "فندق الملاك"..ملاك الخير والصدق والحق.
لكن ذلك كان امتزاج السمو بالتفاهة ومثلا لما يمكن أن يفعله التسويق الجيد، لأنه في جميع فنادقه كازينوهات هي مغريات حقيقية، والإسراف الذي يستمتع به نزلاؤه الأثرياء أثناء اللعب، هو مجرد كسب إضافي له.
وربما كان "العقرب" أكثر صدقا في تمثيل شخصية لويس الحقيقية.
سار لويس ثم جلس تحت ذلك العقرب،الآن، وانحنى يفتح أحد أدراج المكتب بأصابع الطويلة الضامرة الرائعة الشكل التي تكشف المزيد عن شخصية صاحبها غير العادية بقوتها ورباطة جأشها، أصابعه هذه أخرجت من الدرج الشيء الوحيد الموجود فيه ووضعته على سطح المكتب.
كان ملفا جلدياً ثميناً ولكن ليس في مظهره أي سوء، ومع ذلك لم يفتحه مباشرة, وإنما اتكأ إلى الخلف في كرسيه وأخذ ينقر بأصابعه على المكتب، شارد الذهن، كانت ملامحه جامدة، كالعادة، فكل ماكان يجول في عقله الذكي اختفى تحت أهدابه السوداء التي تحجب عينيه عادة. تلك العينان الرائعتان البنيتا اللون اللتان لايُسبر غورهما، والمستقرتان في ذلك الوجه الآسر بوسامته, إنه أسباني الدم أميركي النشأة، ذو بشرة سمراء ذهبية دافئة تشير إلى أصله الأسباني، وذو وجنتين عاليتين، وأنف أقنى وذقن عريض وفم رائع الجمال.
ولكن كل هذه الملامح الحسنة تشكل وجها لرجل هادئ بارد..لرجل معروف أنه لايملك قلبا..أو-إذا شئنا الواقع-يملك قلب رياضي يمكنه أن يحتفظ بنبضات هادئة هي ضرورية لمداومة الأوكسجين في عقله الذكي مهما يكن مقدار الضغط الذي يرزح تحته.
توقفت أصابعه عن النقر على المكتب، وامتدت إلى الملف الجلدي تفتحه لتكشف عن رزمة مستندات في داخله.ثم أخذ يبحث بين الأوراق حتى وجد مايبحث عنه. أخرجه ثم نشره أمامه، وإذا به يجمد في مكانه وقد التمعت عيناه فجأة وهو ينظر إلى صورة ملونة لـ...كارولين.
إن جمالها غير عادي،لاشك ولا أحد قادر على إنكار ذلك: شعر بلون القمح الناضج يحيط بوجه هو من الرقة والكمال،بحيث لم ير لويس فازكيز مثله على الرغم من سنوات عمره الخمس والثلاثين،بشرتها الوردية الإنكليزية لاعيب فيها، وعينيها بلون البنفسج.. وأنفها صغير مستقيم كلاسيكي الشكل وكذلك ذقنها الرقيق التكوين.لكن الفم هو الذي أثار انتباه لويس.فقد كان ناعما مكتنزاً وردي اللون.. إنه وجه خُلق ليسلب عقول الرجال.
وكان لويس طبعا يعرف ذلك، ويعرف مدى تأثيره فيه هو نفسه..وقد صمم الآن أن يقترب منها من جديد فهو يريدها قربه..يريدها قربه..
ثقته بذلك جعلت ذلك اللهب في عينيه يعود إلى برودته العادية فقد لجأ إلى مزية أخرى من مزاياه القوية، وهي الصبر..كان هذا الرجل يتمتع بصبر غير محدود لكي بلغ هدفاً وضعه أمامه.
وهدفه التالي كان كارولين. وهو الآن متيقن أنها أصبحت بالنسبة إليه، ملك يمينه، وهذا الإيمان بنفسه هو الذي جعله يضع صورتها جانبا وينسى وجودها ليبدأ بقراءة بقية الأوراق في الملف.
كان أكثرها قوائم حسابات، إنذارات باستحقاق الدين، والاستيلاء على المرهونات من الأملاك. وأكثر الأشياء شؤما، هي القائمة الطويلة بديون القمار غير المدفوعة، القديمة منها والجديدة، أخذ يقرأ كلا منها بدورها، حافظا كل التفاصيل عن ظهر قلب قبل أن يضعها جانبا ويتناول التالية. لمع ضوء على المكتب، فجأة، فمد إصبع يضغط على زر هناك، قائلا: "نعم؟"
فقال فينو مارتينيز: "إنها تنزل إلى الأسفل، وهو يلعب بمبالغ كبيرة"
-حسناً.
قال لويس ذلك ثم ضغط الزر مرة أخرى وساد السكون.
عاد انتباهه إلى الأوراق أمامه، فرفعها كلها، بما فيها الصورة الفوتوغرافية، ثم أعادها إلى الملف وأعاده إلى مكانه في الدرج. ثم وقف وغادر غرفة المكتب.
وعندما عاد إلى غرفة المراقبة، كان فيتو مارتينيز واقفا عند النافذة فوقف لويس بجانبه، تم تابع إيماءة فيتو نحو إحدى موائد الروليت.
طويلا لطيفا بالغ الوسامة بالنسبة إلى سنه، وبالغ الأناقة كعادته، كان السير إدوارد نيوبري يقامر,, وقد بدت ملامحه متوترة جدا,
تمكن لويس من تمييز مظهره بالضبط,,كان رجلا على وشك الانفجار بعدما وقع في الفخ. بدا الآن وكأنه على استعداد لبيع روحه للشيطان نفسه.
لقد نضج، حسب تعبير فيتو.
حول لويس اهتمامه بقسوة، وعدم دهشة، بعيدا عن السير إدوارد نبويري ناظراً، في الوقت المناسب كعادته دوماً، إلى المدخل، في اللحظة التي برزت فيها كارولين. لتجمد في هذه اللحظة كل شيء في داخله.
سبع سنوات منذ وقعت عيناه عليها للمرة الأخيرة.. ومع ذلك لم تتغير. الشعر، العينان، البشرة الرائعة، الثغر البديع الجمال بشفته العليا الرقيقة والسفلى الممتلئة. ولم يفقد قوامها الطويل الرشيق، الذي يبرز جماله ثوبها الأسود البالغ الأناقة، فتوته وصلابته. بهذا كانت تحدثه مشاعره التي التهبت، فجأة، بشكل لايمكن أن يلهبها سوى هذه المرأة التي تمثل نقطة ضعفه, إن رغبة هذا الولد غير الشرعي في امتلاك هذه الفتاة الارستقراطية النشأة أقوى مما يقدر على احتماله.. إن كل شيء فيها حتى اسمها، كارولين أورورا سيلاندين نيوبري,, كان غير عادي، لها شجرة عائلية تُقر ككتاب تاريخي، وثقافة لايحظى بمثلها إلا الصفوة من الناس، ومنزلا من الفخامة والروعة، بحيث يحسدها عليه أي ملك.
كانت هذه أوراق الاعتماد التي منحت آل نيوبري الحق في اعتبار أنفسهم من طبقة النبلاء، ولكي يكون المرء صالحاً حتى يقبلوه بينهم، عليه أن يكون شخصا غير عادي، على الأقل، حتى في هذه المرحلة، وهم راكعون مذله ولايمكنهم التدقيق في الاختيار، فنشأة المرء هي المقياس الذي يقيسون به ما إذا كان الشخص يستحق منهم الانتباه.
بدت كارولين بالغة الشحوب، فراح يراقب قلقها وهي تتفحص أنحاء الكازينو باحثة على أبيها المشاكس، كما بدت متوترة وغير مرتاحة لما يحيط بها، فهي لاتحب مثل هذه الأماكن.
لمحت أبيها عندما أخذت عجلة الروليت تدور، ورأى لويس جسمها يتصلب ووجهها الجميل يتوتر وأسنانها البيضاء تعض شفتها السفلى والقد المياس يمشي إلى الأمام.
انطبقت أسنانه بشدة خلف شفتيه وهو يراها تقف خلف أبيها على بعد خطوتين، تم تعقد أصابعها على بطنها وكأنها لاتعرف ماستفعل,
في الواقع، ودت كارولين لو تمسك بأبيها من رقبته من الخلف ثم تجره خارج هذا المكان، لكن نشأتها الراقية هي التي منعتها من ذلك، وكان لويس يعلم هذا، فعلى المرء فو قوانين المجتمع الراقي ألا يثور غضبا بشكل قبيح أمام الناس، مهما كان الوضع سيئا, حتى ولو كانت تعلم أن أموالها مستدانة وأن مايفعله أبوها جريمة,"اللون الأسود" وخسر السير إدوارد، كحاله منذ وصوله إلى ماربيا ليلة أمس.
وعندما أبدى الأب إشارة إحباط، بدا على الابنة الذبول.
-بابا...
حتى لويس شعر بحذرها وخجلها وهي تضع يدها على كم أبيها محاولة أن تجعله يصغي إلى صوت العقل.
لا فائدة، كما رأى لويس, فقد جن الرجل تقريبا بحمى المقامرة، وحين تتملك الحمى المقامر، لايكون الشفاء سريعاً،فليس بإمكان السير إدوارد أن يتوقف الآن حتى لو خسر قميصه، أو ماهو أكثر من ذلك.
وهذا (الأكثر) هو ماكان يريد لويس.
بعدما أجفل السير إدوارد مدهوشا, وألقى نظرة شعور بالذنب من فوق كتفه، عادت إليه شراسته..تلفظ بشيء ما ونفض يد ابنته عن ذراعه لكي يتمكن من وضع كدسة أخرى من الفيشات، على المائدة.كل ما استطاعت كارولين عمله هو الوقوف والنظر إلى خمسة آلاف جنيه تتأرجح حتى تستقر الكرة على أحد اللونين الأحمر والأسود. "الأسود" وخسر السير إدوارد مرة أخرى.
ومرة أخرى حاولت كارولين أن تمنعه، ومرة أخرى دفعها جانبا بفظاظة. هذه المرة فقط وجد لويس يديه تنقبضان إلى جانبيه لأنه لمح بريق الدموع في عينيها الجميلتين اللتين كانت تديرهما في أنحاء الكازينو الزدحم باحثة عن عون حيث لايمكن وجوده.
ثم ودون إنذار، رفعت بصرها فجأة إلى غرفة المراقبة فاستقر عليه بدقة خطفت أنفاسه.
بقي لويس جامدا، كان يعلم أنها لاتستطيع رؤيته فهذ الزجاج لايسمح بذلك أبدا، ومع هذا,,
تملكته رجفة خفيفة في لحظة فقد فيها الشعور بكيانه وأخذ يحدق مباشرة في تينك العينين الرائعتين المتألقتين بالدموع، شعر بالاختناق وانقبض قلبه.وعندما ارتجف ثغرها الصغير بيأس بالغ ارسل في جسده رعشة كهربائية.
تمتم فيتو بجانبه بهدوء: " لقد ربح"
رأى لويس من زاوية عينه تجاوب السير إدوارد نيوبري، وهو يرفع قبضته في الهواء منتصرا. لكن انتباهه بقي مركزا على كارولين، التي بقيت واقفة تنظر بفتور وكأن الربح والخسارة سيان بالنسبة إليها.
استدار فجأة قائلا لفيتو: " سأنزل إلى الأسفل، تأكد أن كل شيء جاهز عندما نترك هذا المكان".
وعندما ابتعد، لم ينبئ صوته ولا حركاته عن شيء من المشاعر المتفجرة التي استحوذت عليه.
-نعم!
استدار السير إدوارد مسرورا وأخذ ابنته بين ذراعيه,
-ربحنا مرتين، ياحبيبتي! مرتان أخريان ونطير في السماء.
لكنه كان يطير فعلاً، فقد كان تألق عينيه مخيفاً، فتوسلت إليه كارولين: "أرجوك ياأبي، توقف الان عن اللعب مادمت ربحت، هذا,,," جنون، كانت على وشك أن تقول هذا.
لكنه قاطعها: "يالك من مفسدة للبهجة! إنها ليلة حظنا،ألا ترين ذلك؟"
وتركها وعاد إلى طاولة الروليت حيث أخذ الموظف يجمع له أرباحه ليدفعها إليه، فقال له: "ضعها في العجلة"
ولم يكن أمام كارولين إلا أن تظر بعجز إلى كل بنس ربحه وهو يوضع في دورة واحدة من عجلة الروليت.
احتشدت مجموعة حول المائدة، وتلاشت تمتماتهم المتحمسة عندما أخذت العجلة بالدوران، توقفت كارولين عن التنفس والتصق لسانها بحلقها الجاف كالورق وراحت ترقب الكرة العاجية تؤدي رقصة الحظ.
كان الغضب والثورة يجيشان في قلبها، لكنها اعتادت عد إظهار ثورات الغضب أمام الناس. ولأن أباها يعرف هذا السلاح، فقد كان سعيدا باستعماله ضدها.في مثل هذه اللحظات كان يعتمد على حسن تصرفها ويترك لنفسه حرية التصرف الشنيع.
ماكان أكثر وعودة المخلصة..فكرت في ذلك هازئة وهي تراقب، بعينين جامدتين، العجلة التي بدأت تتباطأ، وما أكثر الأسابيع والشهور والسنوات التي علمتها الثقة بأي شيء يقوله ماهي إلا طريقة لمواجهة المصائب.
لقد تبعت من ذلك، أنهكها الحرب والشجار على حساب كل شيء آخر في حياتها، وتملكها شعور مفزع بأنها لن تتمكن هذه المرة من الصفح عنه لما فعله بها مرة أخرى.
لكنها،حاليا، لن تستطيع إلا أن تتفرج. إنها فريسة لأسوأ كابوس وأين؟ في هذا المكان من العالم حيث الكوابيس مطلقة الأعنة, هذا المكان هذا الفندق .. هذا الكازينو التعس القذر. لم يعد ينقصها الآن إن يظهر لويس فازكيز أمامها فيتم الكابوس.
وإذا بشخص يقف خلفها مباشرة. شعرت بأنفاسه الحارة تداعب رقبتها.شعرت بذلك مع أن اهتمامها مركز على تلك الكرة الصغيرة المعذبة في تقافزها الماجن من لون إلى لون.
إضافة إلى غضبها وثورتها كان هناك التوتر والترقب الذي كان الإثارة الحقيقية، والجنون الفعلي. إن ذلك الغضب وتلك الثورة وهذا التوتر والترقب كان يتغلغل فيها كعقار سام لايستطبع أحد مقاومته.
-نعم!
اخترق صفير أبيها المنتصر طبلة أذنها كقرع مئات الطبول، وهتف الحشد حوله يشاركونه بهجة وحظه الحسن، لكن كارولين بدت ذاوية كزهرة تموت. كان قلبها يتخبط بحيرة في أعماقها, شعرت بالغثيان، بالدوار. ولابد أنها ترنحت قليلا لأن ذراعاُ تسللت لتحيط بخصرها تسندها. والدليل على مقدار الضعف الذي تشعر به هو أنها تركت تلك الذراع تستندها إلى الجسد الصلب المتين الواقف خلفها.
كانت تفكر بذهن متبلد أنها لن تستطيع منعه الآن. وهو لن يرضى إلا بعد أن يخسر كل ماربحه لتوه. وأكثر، فهي لاتعتبره ربحاً الآن، لأن الربح ليس الرغبة الحقيقية التي تدفع شخصا مثله إلى المقامرة، كان الأمر ببساطة رغبة ترغمه على اللعب مهما كانت النتيجة.
سرت في كيانها رجفة جعلتها تشعر فجأة تستند إلى رجل غريب. توترت وهي تبتعد قليلا واستدارت ومازالت ذراعه تحيط بها، لتتمتم بأدب بارد: "شكراً ، لكنني..."
تجمدت الكلمات وتوقفت عن التنفس ووقفت تحدق في عيني شيطان سوداوين مألوفتين لديها، عينين أوقعتاها داخل عالم مرفوض.
قال يحييها بنعومة: "مرحباً، ياكارولين".
** ** ** **
تم الفصل الأول
|