كاتب الموضوع :
رباب فؤاد
المنتدى :
رومانسيات عربية - القصص المكتملة
رد: 31_ قلب أخضر بقلم رباب فؤاد .. القلب العاشر
رفع إليها عينيه الخاليتين من أي تعبير يتأملها صامتاً للحظات جلست خلالها بتحفز على طرف المقعد المواجه له وهي تهز الأوراق أمامه متسائلة ـ"أجبني ماذا تعني هذه الأوراق؟"
تنهد في عمق وهو يلتقط الأوراق من بين أصابعها ويفرزها ممسكاً بأول ورقة ليشرح ما بها قائلاً بهدوء ـ"هذا هو عقد السيارة، وكما ترين موضح به أنني لم أدفع ثمنها مرة واحدة، وإنما على أقساط شهرية سددت أغلبها لكنني لم أنته بعد من كامل سعرها".
ثم التقط الورقة الثانية موضحاً ـ"وهذا هو عقد الفيلا. دفعت نصف ثمنها كدفعة أولى قبل خمس سنوات، وأتممت أقساطها العام الماضي".
أما الورقة الثالثة فبسطها أمام عينيها قائلاً ـ"وهذا آخر كشف حساب مصرفي. سترين أن هناك مبلغ ثابت يُضاف شهرياً ويُسحب منه في اليوم التالي مباشرة قسط السيارة".
أشارت إلى الكشف متسائلة ـ"وهذا ما يثير التساؤل يا (مازن). إنه مبلغ بالدولار الأمريكي، فلما...".
قاطعها فجأة وهو يهتف من بين أسنانه ـ"بالله عليك ألم تتوقعي أن تكون ممتلكاتي من إرث عائلي أو وديعة بنكية؟ لماذا افترضت في المقام الأول أنني أعمل لصالح أمن الدولة؟"
تراجعت في حدة لسؤاله المباغت وتلعثمت وهي تجيبه بحروف تائهة ـ" أ..أ..قلت لك إنني لا أتهمك.. فقط أريد معرفة الحقيقة".
زفر في قوة وخلل شعره بأصابعه في ضيق قبل أن ينهض فجأة متجهاً إلى الغرفة ليلتقط نفس الحقيبة الجلدية ويضعها على الفراش بحركة عصبية.
لا تدر لماذا تخيلت أنه يحزم حقائبه استعداداً للرحيل بعيداً عنها، لذا هبت من مقعدها كالملدوغة وهرعت إلى الغرفة لتجده يعتدل أمامها ممسكاً بدفتر صغير سماوي اللون يرفعه أمام عينيها قائلاً بفحيح غاضب ـ"أتكفيك هذه الحقيقة؟"
التقطت الدفتر من يده بأصابع مرتجفة لتميز على واجهته رسماً لكرة أرضية محاطة بغصني زيتون وفوقه كُتب باللغتين الانجليزية والفرنسية عبارة (الأمم المتحدة).
رفعت عينيها إليه بذهول ثم عادت تنظر إلى الدفتر وتفتحه لتطالعها صورة سينمائية واضحة لوجه زوجها وتحتها اسمه كاملاً بالانجليزية.
تاهت الحروف على شفتيها وهي تنقل بصرها بين وجهه في الحقيقة ووجهه في الدفتر لثوان، قبل أن تجد صوتها يخرج مشروخاً ـ"الأمم المتحدة؟ أنت تعمل في الأمم المتحدة؟"
هز رأسه بهدوء وهو يراقب الذهول على ملامحها موضحاً ـ"المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. مكتب القاهرة".
هزت رأسها بدورها وكأنها تتأكد أنها واعية ولا تحلم، لتعود فتسأله بذهول ـ"منذ متى؟"
مط شفتيه وتنهد بعمق وهو يجيبها ببساطة ـ"منذ عشر سنوات تقريباً".
اتسعت عيناها وهي تشعر وكأنها في حلم مزعج، بينما تابع هو موضحاً ـ"وهذا يفسر المبلغ الشهري بالدولار الأمريكي في حسابي المصرفي".
عادت تسأله بحنق ـ"ويفسر ابتعاد الجهات الأمنية عنك كذلك؟"
تنهد ثانية وهو يجيبها بهدوء ـ"إلى حد ما. موظف الأمم المتحدة يتمتع بحصانة أشبه بأعضاء البعثات الدبلوماسية. وهذه الحصانة تحميه من كل شيء عدا تهم الجاسوسية".
عقدت حاجبيها وهي تهاجمه بحدة ـ"حصانة الدبلوماسي قاصرة على البلد الذي يخدم به وليس موطنه الأصلي، ولابد وأن حصانة الأمم المتحدة مثلها".
ابتعد نحو الحقيبة ليلتقط شيئاً آخر رفعه أمام عينيها في صمت لتصرخ بهستريا ـ"جواز سفر أمريكي؟ تحمل جواز سفر أمريكي أيضاً؟"
وبشكل مباغت لا تدري كيف واتتها القوة والجرأة لتدق صدره وكتفيه بقبضتيها في غيظ مكتوم صارخة بانهيار ـ"ومتى كنت تنوي إبلاغي؟ في عيد زواجنا الأول؟"
فوجئ بهجومها الحاد فتراجع قليلاً تحت وطأة لكماتها التي أوجعته حقاً وكأنها حملت غيظها وضيقها بشكل مبالغ فيه. لكنها واصلت دق صدره وهي تضيف من بين صرخاتها ـ"لماذا تعاملني هكذا؟ ماذا فعلت لك لتعاملني وكأنني على هامش حياتك؟ لماذا؟"
أخيراً استطاع السيطرة على قبضتيها ليشد عليهما بقوة ويقربها منه حتى تلاقت أعينهما هامساً بغيظ مكتوم ـ"تسألينني متى؟ حاولت أن أخبرك كل شيء يوم تقدمت لخطبتك. أتذكرين ماذا قلتِ يومها؟ قلتِ بالحرف إننا لا نعرف حقيقة البشر من خلال الحكايات..أليس كذلك؟"
اتسعت عيناها وهي تحدق بعينيه اللتان ازدادتا قتامة وأنفاسه تضرب وجهها في عنف وهو يردف بحنق ـ"أنا لم أُخف عنك شيئاً لكنك لم تكوني مهتمة بمعرفة المزيد عني. لم تسألي عن أهلي ولا عن علاقتي بهم بينما أخبرتني كل شيء عن حياتك قبلي تقريباً."
أفلتت من قبضته بصعوبة لتبتعد عنه وجسدها يرتجف بقوة هاتفة بإصرارـ"لا تغير الموضوع. أنت تحمل جنسية دولة أخرى وتعمل بجهاز أممي ولم تخبرني بذلك. إنها أبسط الحقائق عنك ولا تنتظر إذناً مني لتخبرني بها".
ضغط فكيه بقوة ليتحكم في أعصابه وهو يسألهاـ"متى أخبرك بها؟ في يوم الزفاف أم في أسبوع العسل؟"
لوحت بسبابتها في حنق ـ"صبيحة زواجنا علمت أنني من جذور روسية وعلقت عليها بأن زوجة شقيقك أمريكية وأن والدك يعمل بالأمم المتحدة ولم تذكر أنك أمريكي من قريب أو من بعيد. كانت الفرصة أمامك لتخبرني بالكثير عنك لكنك التزمت الصمت".
قلدها ساخراً ـ"معك حق. كان ينبغي أن أقول وقتها ياللمفارقة. زوجتي أصولها روسية وأنا أحمل الجنسية الأمريكية بالمناسبة، وأعمل بالأمم المتحدة أيضاً".
صرخت بغضب ـ"على الأقل كان بإمكانك مصارحتي بهذه المفارقات بدلاً من الصمت الذي أصابك في اليومين الماضيين. ولا تقل إنك كنت صامتاً لأنك تبحث عن وسيلة لإخباري بهذه الحقائق".
تأملها بحنق وهي تتحدث معه بانفعال وكأنها مدرسة تعنّف أحد طلابها المهملين، ثم ما لبث أن تحرك بلا مبالاة ليجلس على طرف الفراش قائلاً بحزم ـ"تريدين معرفة المزيد؟ حسناً اجلسي وأنصتي جيداً".
عقدت حاجبيها وهي تراقب تحركه الغريب بعينين لم تتخلصا بعد من نظرات الدهشة، ثم جلست بتوتر على المقعد المواجهة لطاولة الزينة قائلة بنزق ـ"ها قد جلست. هل ستمطرني بالتبريرات التي لا تنتهي و..".
قاطعها بصرامة حقيقية ـ"قلت أنصتي ولم أقل ثرثري".
وابتلعت لسانها مرغمة.
|