كاتب الموضوع :
رباب فؤاد
المنتدى :
رومانسيات عربية - القصص المكتملة
رد: 31_ قلب أخضر بقلم رباب فؤاد .. القلب التاسع
تدافعت الذكريات أمام عينيه كسيل جارف منذ ترك صديقه القديم، أو بالأحرى شقيق حبه القديم.
لا ينكر شعوره بالمفاجأة منذ رأى (رأفت) قبل قليل، وكم جاهد قلبه كيلا يؤثر على نبرة صوته وهو يسأل عنها. لا يصدق أنه نطق اسمها بهذه البساطة أمام شقيقها دون أن يختلج صوته، ودون أن تلتمع عيناه بحبها.
نعم مازال يحبها ولن يحب غيرها. فكل نساء الأرض لا يملكن زحزحتها من قلبه.
حبيبته العنيدة التي لم تتفق معه يوماً سوى على مبادلته مشاعره،
وفيما عدا ذلك كانا كقضبان قطار متوازيان لا يتقاطعان أبداً.
منذ البداية لاحظ اختلافها عن باقي الفتيات في الدفعة. فقد كانت حقاً "ثورجية".
لا شيء يقف أمامها، ونيران النشاط تقفز من بين أنهار العسل المصفى بمقلتيها.
لم تترك نشاطاً لم تشارك به، ولم تترك أستاذاً دون أن تشاكسه، حتى أصبحت أشهر طلاب الدفعة.
ورغم كل ذلك، كان احترامها لذاتها يجبر الآخرين على احترامها واحترام الحدود التي تفرضها في التعامل.
لم يكن أول من حاول اختراق تلك الحدود للفوز بقلبها، لكنه كان الوحيد الذي نجح في ذلك.
فلم تكد أول الفصول الدراسية تنتهي حتى أدرك كلاهما خلال إجازة منتصف العام مدى افتقاده للآخر.
وصارحها بمشاعره في اليوم الأول من الفصل الدراسي الثاني، ليعتبر خجلها وصمتها غير التقليدي مبادلة منها لمشاعره.
وقتها لم يكن ملتزماً، لكنه لم يكن عابثاً أيضاً.
كان كباقي الشباب في الجامعة لا يهمه سوى سماع الأغاني الحديثة وترديدها على مسامع حبيبته كل حين حتى يستمتع بتورد وجنتيها وتلعثم كلماتها الذي لا يصيبها إلا وهي معه.
وانتهى العام الأول والثاني وحبهما أمر مسلم به أمام الجميع، حتى توأمها الذي لم يعترض على مشاعرهما طالما كانت علنية ولا يوجد بها ما يعيب، وطالما كان الهدف منها هو الزواج في النهاية.
لكن عامه الدراسي الثالث كان سبباً في اختلاف جذري بحياته.
ففي هذا العام تعرف إلى بعض الشباب الملتزم في الجامعة، والذين استقطبوه ليصلي معهم في مسجدهم، وتطور به الأمر ليعتنق أفكارهم ومبادئهم التي تميل إلى التشدد أحياناً.
واختلفت حياته كثيراً مع هؤلاء الأخوة.
في البداية توقف عن الاستماع إلى الغناء، واتجه إلى حفظ القرآن وتجويده.
ثم ما لبث الأمر أن تطور لتشكيكه في مدى إيمان المقربين منه،
وهي كانت أولهم.
حاول فرض الحجاب عليها قسراً أكثر من مرة، واعترض على ملابسها التي كان يراها مثيرة للرجال، رغم أنها نفس الملابس التي كان يثني عليها من قبل.
هو يدرك الآن أن ملابسها لم تكن مثيرة على الإطلاق، بل إنها لم يكن ينقصها سوى غطاء الرأس لتصبح مثل أغلب فتيات الجامعة المحجبات في ذلك الوقت.
لكن معرفته بهؤلاء الأخوة غيرت مفاهيمه وجعلته كمن تعرض لغسيل مخ قوي.
وهنا بدأ تهدم الحلم..حلم حبهما وزواجهما.
فكما انجرف هو إلى تيار الإسلاميين، انجرفت هي إلى تيار متحرر يؤمن بحرية المرأة ومساواتها بالرجل وغيره من تلك الشعارات.
وكانت النهاية حينما قالتها له صريحة.
"طريقانا لن يلتقيا يا (وجيه). أنت اخترت أقصى اليمين وأنا اخترت أقصى اليسار. ومن المستحيل أن نتلاقى".
توقف عن السير وسيل ذكرياته حينما شعر باهتزاز الهاتف في جيبه، فأخرجه وهو يدور برأسه فيما حوله محاولاً اكتشاف إلى أين ساقته قدماه اثناء شروده. مط شفتيه وهو يحاول تحديد موقعه مقارنة بما قاله له صديقه لكنه فشل، بينما توقف رنين الهاتف. لم يكد الرنين يتوقف حتى عاد يصدح ثانية بدعاء ديني فأجاب المتصل قائلاً بتوتر ـ"السلام عليكم. آسف يا عزيزتي لتأخري عليك. يبدو أنني ضللت الطريق".
أتاه صوتها القلق من الطرف الثاني تقول بجزع ـ"لا تقولها يا (وجيه)..كيف ضللت الطريق؟ أنتظرك منذ أكثر من ساعة وأوشك دورك على الشباك و..".
قاطعها وهو يشيح بذراعه في حيرة ـ"ماذا أفعل يا عزيزتي؟ أقسم لك لم أقصد ذلك. قابلت صديقاً قديماً ووصف لي أين أذهب. ولكن يبدو أنني تعجلت الطريق كالعادة لأدخل شارعاً غير المطلوب. لا أجد الجامعة الأمريكية على يميني كما قال لي و..".
بتر عبارته وهو يقترب من إحدى اللافتات ليزفر بعدها قائلاً بضيق ـ" يا إلهي..إنه ليس شارع محمد محمود كما قال صديقي..هذا الشارع اسمه الشيخ ريحان".
قضمت أظافرها القصيرة في توتر انتقل إلى صوتها وهي تهمس برجاء ـ"حسناً عد من حيث أتيت يا (وجيه). أخبرتك منذ البداية أنني غير راضية على تركي وحيدة في هذا المكان المزدحم وأنت من أصر على الذهاب لشراء مستلزمات لحاسوبك. وكأن الإسكندرية كلها لا تكفيك. هيا عد سريعاً لأنني مللت الانتظار. وصدقني سيكون إرضائي مستحيلاً إذا تأخرت أكثر من ذلك".
ضحك من تهديدها العصبي وقال مهدئاً ـ"حسناً يا عزيزتي..سأعود أدراجي من أجلك. ابتهلي ألا أكون ابتعدت عن طريقي كثيراً و..".
بتر عبارته رغماً عنه حينما انهالت كف ثقيلة على كتفه يدرك جيداً إلى من تنتمي، وسمع صوتاً قاسياً يهتف به ـ"ماذا تفعل أمام وزارة الداخلية يا هذا؟"
وكان هذا آخر ما انتقل إلى مسامعها عبر هاتفه، قبل انتهاء المكالمة...نهائياً.
*********************
|