كاتب الموضوع :
رباب فؤاد
المنتدى :
رومانسيات عربية - القصص المكتملة
رد: 31_ قلب أخضر بقلم رباب فؤاد .. القلب الثامن
ابتسمت في توتر وهي تتلقى تهنئة (راندا) الباردة كالعادة وتهنئة (سلمى) الصادقة وسط جنون صديقتها التي هتفت تعلق على ملابسها بإعجاب ـ"ما كل هذه الأناقة يا عزيزتي؟ متى اشتريت هذه الملابس؟ لا أذكر أنني اشتريتها معك".
تضرج وجهها خجلاً وهي تقول بحرج ـ"اشتريته مع (أنجي) قبل الخطبة. لمحته هي في نافذة العرض وأصرت أن أجرب ارتداء السراويل، خاصة وأن البلوزة تصل إلى ركبتي. وقررت أن أرتديه اليوم".
أومأت (سلمى) برأسها بإعجاب هي الأخرى قائلة ـ"ما شاء الله. ذوق راقي للغاية يا عزيزتي، وأنت زدته حلاوة".
لتكمل (منار) بمرح ـ"لا أدري من زاد الآخر حلاوة..هي أم الرداء؟ أم أن الزواج هو من زادك حلاوة يا قطتي".
قالتها وهي تقرص وجنة صديقتها بشقاوة قبل أن تضربها (علا) على كفها هاتفة بحرج ـ" اتركي وجنتي قبل أن تتحول إلى اللون الأزرق هي الأخرى لأصبح ملكة الأزرق بحق".
رفعت (منار) حاجبها بخبث وهي تقول ـ"ملكة الأزرق؟ ممم لماذا أشعر أنها كلمة خاصة يا ذات العيون الزرقاء؟"
همت بالرد عليها حينما تدخلت (راندا) في الحديث قائلة ببرود ـ"الرداء رائع بحق يا عزيزتي.. لكن لماذا لم ترتدي حجاباً أزرق ليتناغم مع لون عينيك؟"
تجمدت الابتسامة على وجه (علا) و(منار) اللتان تبادلتا نظرة صامتة قطعتها (سلمى) وهي تقول بثقة تُحسد عليها ـ"بالعكس يا عزيزتي (راندا)... فالرداء يجمع بين درجات الأزرق والبيج، وإن غلب عليه اللون الأزرق. لذا فالطبيعي أن يجمع الحجاب بينهما بشكل عكسي ليكون اللون البيج مسيطراً أكثر. في رأيي ذوق الحجاب الراقي زاد من جمالك يا (علا). ما شاء الله".
منحتها (علا) نظرة امتنان بينما بدا الغيظ على ملامح (راندا) التي رفعت أحد حاجبيها قائلة ـ"رائع. أتدرين أنني أنتبه للمرة الأولى أنك تجيدين تنميق ألوان الملابس والحجاب؟ لماذا لا ترتدينه إذاً؟"
ابتسمت (سلمى) بنفس الثقة قائلة ـ"ربما لا أرتديه لكنني أتحلى بخلقه. بينما هناك كثيرات يرتدينه لكنهن مثال سيء للمسلمة المحجبة. وحينما يأذن المولى عز وجل سأرتديه.. لا تقلقي عزيزتي".
ضغطت فكيها في حنق وهي تشعر بكلمات (سلمى) الواثقة كصفعات انهالت على وجهها على حين غرة، ثم جلست خلف مكتبها لتضع ساقاً فوق الأخرى في صمت كسرته (علا) وهي تسألها بود ندمت عليه فيما بعد ـ"كيف حال صغيرك؟ أحببته كثيراً يوم الزفاف رغم أنني لم أداعبه. يشبه أستاذ (حمزة) كثيراً. حفظه الله لكما".
وكأن كلمات (علا) البسيطة أشعلت نارها التفتت إليها (راندا) بتحفز قائلة من بين أسنانها ـ"صغيري بخير والحمد لله. كيف حال صغيرك أنت؟"
توترت الفتيات الثلاث من كلماتها المسمومة التي ألجمت ألسنتهن لتتغلب (علا) على اختناقها قائلة بثبات ـ"أخي بخير هو الآخر والحمد لله. أتدرين يا (راندا) أن محبتي لأخي تضاعفت لأنه كان السبب في دخول (مازن) حياتي؟ وأن محبتي ل(مازن) تتضاعف كلما رأيت تعامله مع أخي. كم هو رائع زوجي. حفظه الله لي".
اتسعت عينا (راندا) وهي تشعر وكأن صفعات (سلمى) السابقة لا تُقارن بصفعات هذه الضعيفة التي يظنها الجميع مهيضة الجناح، بينما هي في الحقيقة لبؤة شرسة تجيد الرد المفحم حينما تريد.
لم تكن تدري أن بركاناً مشتعلاً يغلي بين جنبات من تبدو هادئة أمام الجميع وهي تتغنى بحب زوجها ودفئه معها بينما هي لا تقف معه على أرض صلبة.
وحدها (منار) شعرت بها من اختلاجة جفنيها لتتناول كفها الباردة وتضغطها هامسة من بين أسنانها ـ"لا تأبهي بحديثها المأفون. لكنك أحسنت الرد".
مطت (علا) شفتيها وهي تضغط أصابع صديقتها بدورها هامسة ـ"كثرة النواح تُعلم البكاء يا صديقتي".
وكأنما تداركت خطؤها الذي تسبب في تطاير شحنات كهربية سالبة في جو المكتب، تنحنحت (راندا) لتقول بابتسامة مرتبكة ـ"ماذا حدث يا جماعة؟ لم أقصد شيئاً. فأنا أكثركم سعادة بزواج (علا). وحمداً لله أنها كوفئت برجل محترم يجيد العناية بها وبأخيها. صدقيني يا عزيزتي سعادتك تسعدني".
منحتها (علا) ابتسامة باهتة وهي تقول بخفوت ـ"بالطبع تسعدك يا عزيزتي. فلا يوجد بيننا سوى كل خير. كما أن زوجينا أصدقاء وسنتبادل الدعوات كثيراً".
ابتسمت (راندا) بدورها قائلة بحماس مصطنع ـ"بالطبع إن شاء الله. سنرتب أنا و(حمزة) لدعوتكما على العشاء في منزلنا المتواضع".
مالت (منار) على أذن صديقتها تسألها بهمس ـ"متى عاد البارحة؟ ولماذا أغلق هاتفه؟"
همست بدورها تجيبها ـ"عاد بعد انصرافكم بقليل. والهاتف كان على وضع الطيران ونسيه كذلك".
عادت تسألها باهتمام ـ"هل أخبرك أين كان طوال اليوم؟"
تنحنحت بحرج هامسة ـ"لم يتسع الوقت".
تضرج وجهها حرجاً وهي تنظر إلى جفني صديقتها قائلة بخبث ـ"أها.. عيناك تحملان الدليل".
لكزتها في جانبها بحرج حينما استأذنت (سلمى) لتهاتف شقيقها خارج الغرفة تطمئن على وصوله ويخيم الصمت على الغرفة للمرة الأولى منذ الصباح.
قطعت (راندا) الصمت وهي تناظر ساعتها وتتأفف بتبرم قائلة ـ"لماذا تأخروا في بدء الاجتماع؟ لقد تجاوزت التاسعة والنصف وطفلي لدى جارتي. لا ادري ما الحكمة في حضوري ما دمت في إجازة لمدة ستة أشهر؟"
هزت (منار) كتفيها قائلة ـ"لا أدري لماذا تأخروا. وإذا كان هناك من يستحق التبرم فهي تلك المسكينة التي قطعت إجازة زفافها وعادت إلى العمل قبل أن يمر أسبوعان على زواجها".
ضحكت (علا) بنعومة قائلة ـ"لو ترين وجه (مازن) حينما أخبرته بأمر الاجتماع أمس. كاد ينفجر غيظاً وهو يقول من بين أسنانه ليتني بقيت في شرم الشيخ. لكنه طمأنني أن إجازتنا سارية حتى الأسبوع القادم إن شاء الله".
ارتسمت ابتسامة لعوب على شفتي (منار) وهي تقول بشقاوة ـ"مالم يتم اختيار زوجك نائباً لرئيس التحرير... حينها ودعي شهر العسل عزيزتي واستعدي للعودة إلى العمل".
شهقت (علا) بدهشة ارتسمت على ملامحها وهي تقول بخفوت ـ"أتظنين أن الاجتماع لاختيار (مازن) نائباً لدكتور (مصطفى)؟ يا إلهي لا أصدق. حبيبي (مازن) يستحق كل خير و..".
قاطعتها (راندا) متسائلة بثقة ـ"ولماذا لا يكون لاختيار (حمزة)؟ فهو الأقدم والأكبر سناً. ولا أظن أن دكتور (مصطفى) سيختار نائبه بناء على أهواء شخصية أو علاقات اجتماعية".
احتقن وجه (علا) وهي تشعر بالإهانة لإشارتها إلى علاقتها بأبيها الروحي قبل أن تسارع (منار) بالرد قائلة في ثقة ـ"سواء كان اختياره لأستاذ (حمزة) أو أستاذ (مازن) فكلاهما كفاءة لا يُستهان بها. ولا شك في أن دكتور (مصطفى) يريد صالح الصحيفة ونحن كذلك. وكما قالت (علا) فكلاهما أصدقاء ولا أظن أن المناصب قد تغير من صداقتهما. أليس كذلك يا عزيزتي؟"
أومأت كلتاهما في صمت قطعه دخول (سلمى) السريع قائلة بحماس ـ"هيا بنا.. سيبدأ الاجتماع حالاً".
وكان تدخلها في الوقت المناسب.
*************
لاذ بجدران مكتبه يحتمي بينها من مواجهة أصدقاءه الصاخبة. لابد وأنهما سيشاكسانه ويستدرجانه في الحديث كعادة الشباب معاً.
بالطبع هما لن يسألانه عن أمور شخصية، وهو لن يتحدث.
لكنه يخشى (حمزة) ويخشى مواجهته كثيراً.
ف(حمزة) بارع في قراءة العيون، وهو فاشل في إخفاء ما بعينيه.
(جلال) رحمه الله كان بارعاً أيضاً في سبر أغواره، والآن أصبح (حمزة) يمتلك هذه القدرة العجيبة على اختراقه ومعرفة ما يجول بداخله بمجرد النظر إلى عينيه.
ربما لهذا السبب تعمد أن يظل مرتدياً نظارته الشمسية حتى هذه اللحظة داخل مكتبه، وكأنه يختبئ خلفها ويتحصن بها.
ولكنه لا يحظى بما يتمناه منذ الصباح..فما الجديد إذاً حينما ترتفع طرقات رصينة مميزة على باب مكتبه يدلف بعدها (حمزة) بابتسامته الودودة وبريق مشاغب يلتمع بعينيه الفيروزيتين وهو يقول مرحباً ـ"حللت أهلاً ونزلت سهلاً يا عريس المؤسسة الصحافية".
انتقلت ابتسامته كالعدوى لتضيء وجه (مازن) الذي اقترب منه يحتضنه بأخوة صادقة ـ"يا مرحبا بصديقي اللدود. افتقدت تركيباتك الأدبية الراقية".
ربت (حمزة) على كتفه بود قائلاً ـ"وأنا أيضاً افتقدت مشاكساتك يا عريس. أخبرني كيف حالك وكيف كانت شرم الشيخ بدوني؟"
ضحك (مازن) بقوة يفرغ بها توتره قائلاً ـ"شرم الشيخ كانت أكثر من رائعة.. للمرة الأولى يا صديقي أرها بهذا الجمال..هل كنت تخفيه بستار سحري كي لا أراه؟"
ارتفعت ضحكة (حمزة) وهو يقهقه رغماً عنه ويحرك حاجبيه قائلاً ـ"أهاا.. بالطبع سحر شرم لا يظهر سوى في وجود الزوجات الفاتنات..أنا أيضاً لم أشعر بجمال شرم الشيخ إلا مع زوجتي في شهر العسل".
قالها وهو يخرج لسانه ل(مازن) بحركة طفولية غير متوقعة من (حمزة) الرزين، قبل أن يستطرد مشاكساً ـ"يبدو أن السحر الذي تعانيه أنساك أن تخلع نظارة الشمس بعد دخلت مكتبك".
خلعها (مازن) مضطراً وهو يقول بابتسامة مرتبكة ـ"على العكس تماماً.. فهذا السحر هو ما جعلني أرتديها لأخفي علامات قلة النوم".
تنحنح (حمزة) في حرج وهو يلكزه بكتفه وقد تلون وجهه الأبيض قائلاً بغيظ ـ"ألن تكف عن عباراتك المسممة تلك؟ الحمد لله أن زوجتك ليست معنا وإلا كانت ذابت من الإحراج".
ضحك (مازن) بتلاعب وهو يحمد الله في داخله لنجاحه في شغل انتباه صديقه بعيداً عما يخفيه، لكنه لم يهنأ كثيراً بذلك، لأن (حمزة) عقد حاجبيه بغتة وهو يسأله باهتمام ـ"ماذا تخفي عني يا (مازن)؟ ضحكتك متوترة وليست طبيعية".
بتر ضحكته وهو يحدق في وجه (حمزة) لثوان قبل أن يهز رأسه في غيظ قائلاً ـ"ماذا بي؟ بالله عليك تطلبون من عريس قطع إجازته مع عروسه بسبب اجتماع؟ ماذا يحدث لو أبلغتني بنتيجته عبر الهاتف وتركتني أستمتع مع عروسي؟"
رفع (حمزة) حاجبه الأيمن وهو يستحثه على الكلام قائلاً ـ"(مازن)..ماذا بك؟ أنا أدرى الناس بضحكتك".
زفر بتوتر قائلاً ـ"حسناً..كنت أعرف أنني لن أصمد طويلاً أمام نظرات عينيك تلك.. أعان الله زوجتك عليها".
لكزه (حمزة) في كتفه ثانية وهو يقول من بين أسنانه ـ" أعوذ بالله من شر عينيك. دع زوجتي وعينيّ وشأنهم. هيا اعترف ماذا بك".
زفر ثانية في ضيق وهو يقول بجدية ـ"قابلت (النشار) في شرم الشيخ".
تجهمت ملامح (حمزة) فجأة وهو يسأله في سرعة ـ"(النشار)؟ (فتحي النشار)؟ ما الذي ألقاه في طريقك"؟
هز كتفيه قائلاً في حيرة حقيقية ـ"لا أدري. فجأة سمعت شخصاً يناديني بالقرب من المسبح، والتفتت لأجده أمامي يتحدث بمحاولات تزلف مستفزة. فتارة يهنئني بالزواج وتارة يُلمح إلى تقديم هدية قيمة لعروسي مقابل أن أتركه لحاله. وفي النهاية ألمح إليها وإلى الصغير وكأنه يهددني بهما".
ضغط (حمزة) فكيه في غيظ قائلاً من بين أسنانه ـ"هذا الحقير ال... وماذا قلت له؟"
هز كتفيه ثانية وهو يقول ببساطة ـ"وماذا تتوقع؟ أخبرته بالطبع أنني لا أتأثر بالتهديد ولا بالهدايا وسأظل خلفه إلى أن يعيد أموال الشعب التي نهبها. وألمحت أنا الآخر إلى حادث السيارة الأخير وأنني أعرف جيداً من يقفون خلفه لكنني تعمدت عدم الحديث عنهم إلى أن يحين الوقت".
سأله باهتمام ـ"أتظن أنه قد يجرؤ على إيذاء زوجتك أو أخيها أو..".
قطع تساؤله هجوم (رأفت) الكاسح وهو يقتحم باب الغرفة المفتوح ليحتضن (مازن) هاتفاً بحماس ـ"عريسنا وصل. حمداً لله على سلامتك يا صديقي...وكأنني لم أستقبلك في المطار".
ضحك (مازن) وهو يربت على كتف (رأفت) قائلاً ـ"(رأفت) فلاش..أرهقتك معي يا صديقي.. أتمنى أن أرد دينك قريباً".
ربت (رأفت) على كتفه هو الآخر قائلاً بود ـ"لا دين ولا شيء..لا توجد هذه الكلمات بين الأصدقاء. هيا لقد تأخرنا على دكتور (مصطفى). الطريق كان مزدحماً اليوم بشكل غير طبيعي وكأن موكب أحد الوزراء هو السبب".
وافقه (حمزة) بقوله ـ" هو ذلك بالفعل. هناك اجتماع بمجلس الشعب اليوم، ولهذا توجد إجراءات مشددة. هيا بنا".
قالها وهو يخرج من المكتب متجهاً نحو حجرة المحررات بينما تحرك (مازن) في اتجاه حجرة دكتور (مصطفى) حينما جذبه (رأفت) من ذراعه قائلاً ـ"إلى أين؟ ألن تذهب لإصطحاب زوجتك من غرفة المحررات؟"
عقد (مازن) حاجبيه قائلاً بجدية ـ"(علا) زوجتي في المنزل. أما هنا فهي مجرد زميلة".
هز (رأفت) رأسه بعدم اقتناع قائلاً ـ"الموضوع لن يقلل من شأنك. (حمزة) ذهب ليحضر زوجته وأنا سأذهب لأحضر فتاتاي (منار) و(سلمى) حتى وإن جلسنا على مقاعد متباعدة على طاولة الاجتماعات بالداخل. ثم إنك رسمياً لا تزال في إجازة شهر العسل. هيا تعال واصحب زوجتك كأي رجل متمدن".
لكزه في كتفه في حنق ليسير أمامه قائلاً من بين أسنانه ـ"أمري إلى الله يا فلاش".
واتجه مجبراً إليها.
|