سار مسلوب الإرادة برفقة اثنين لا يدري وظيفة أي منهما سوى أنهما من رجال الأمن
فقد كان معصوب العينين، والأصفاد تكبل معصميه بخشونة تؤلمه
لكن آخر آلامه في هذه اللحظة كانت تلك الأصفاد
فمنذ فجر اليوم لم يغمض له جفن، وهو ينتقل من يد إلى يد..أو بالأحرى يُقذف بينهما بعد أن انتزعوه من زنزانته الباردة إلى صقيع يناير الذي ينخر العظام
عصبوا عينيه ووضعوه في سيارة ترحيلات ظلت ترزح طويلاً حتى وصلت مبتغاها
كان فاقداً للشعور بالوقت لكن حرارة الشمس التي بدأت تضرب جدار السيارة وتلسع ظهره هي من أنبأته أنهم ظلوا لعدة ساعات في الطريق حتى أدركتهم شمس الظهيرة بقيظها غير المعتاد
والآن..هاهو يمشي معهما بعد أن فهم من سياق حوارهم مع المسؤولين بهذا المكان أنه في السجن
سجن وادي النطرون
قذفه أحدهما بخشونة إلى داخل زنزانة ما بعد أن فك أصفاده، وسرعان ما أغلق الباب خلفه ليهتف (وجيه) وهو يزيح العصابة عن عينيه ـ"لماذا أحضرتموني إلى هنا؟"
أتاه صوت الحارس الغليظ ينهره ـ"اصمت أيها السجين. بعد قليل ننقلك إلى حيث أصدقاءك".
هتف به في حيرة مؤلمة ـ"عن أي أصدقاء تتحدث".
عاد الحارس ليطل من نافذة الزنزانة الصغيرة قائلاً بتشفي واضح ـ"أصدقاءك من المحظورة..لابد وأنهم سيرحبون بانضمامك إليهم".
انهار رغماً عنه على ارض الزنزانة الباردة ليصرخ وهو يدق الأرض بجواره ـ"لست معهم... أقسم أنني لست معهم".
استدار الحارس مبتعداً وهو يشيح بيده بلا مبالاة قائلاً ـ"لا شأن لي بقسمك... الجميع يعرف ماضيك مع القاعدة".
صرخ ثانية في قهر ليأتيه حارس آخر يهتف به محذراً ـ"لو لم تصمت ستكون هناك أساليب أخرى لإخراسك..ارجع إلى عقلك وأعد لسانك إلى موضعه".
دعا ربه في صمت أن يفرج كربه، كما اعتاد منذ اعتقاله قبل قرابة الشهر، ثم ما لبث أن رفع رأسه إلى الحارس يسأله بلهجة غريبة ـ" لحظة من فضلك ... هلا أخبرتني عن تاريخ اليوم؟"
رفع الحارس حاجبيه في دهشة متسائلاً ـ"وفيم يهمك التاريخ؟ أنت هنا خارج الزمان والمكان يا هذا".
ثم ما لبث أن قال له متشفياً ـ"وعلى أي حال..اليوم هو الجمعة 21 يناير 2011".
قالها وهو يستدير مبتعداً وهو يقول في سخرية ـ"أخبرتك فقط لأن الشرطة في خدمة الشعب".
وابتعد تاركاً ضجيج ضحكته يتردد بين أروقة السجن
قبل أربعة أيام من 25 يناير
وقبل ثمانية أيام من جمعة الغضب واقتحام سجن وادي النطرون...
*************************
تمت بحمد الله
رباب فؤاد