و قال بصوت فيه بحه:
ـ لا أريد أن أخذ من وقتك أكثر من هذا, كما أن لدىّ أمور تشغلنى سأحجز منضدة فى مكان هادئ فى الثامنة. من أين أحضر لإصطحابك؟
ـ هادئ؟
ـ نعم, هادئ.
قفز قلبها فى حلقها. إن التعامل مع إيثان على هذه الصورة نون من الانتحار, بما يروق لها. و ردت ببرود:
ـ الثامنة مناسب. شارع وارف ريتش رقم 10
و غمغم بصوت يحمل شيئاً من الرعشة:
ـ يجب أن انصرف الآن. و هزت رأسها غير قادرة على الكلام. و تحرك إلى الباب, و ما أن وصل إليه حتى استدار عابساً, موجها لها نظرة لا تعرف الشفقة, رات فيها ما يدور داخلها من اضطراب و رغبة.
و قال و هو يتنفس بصعوبة :
ـ أننى أريدك و أنت تعرفين ذلك و تبادلينى نفس الشعور و لم نكد نتعرف على بعضنا, فلماذا؟
أخذت تتململ لتبعد نفسها عن المجال الذى يشدها دون هوادة, حتى لا تفقدسيطرتها على الموقف. و قالت:
ـ مجرد نشاط زائد للهرمونات على ما أعتقد.
حملق بها و قال بنعومة:
ـ لا تحاولى الهرب منى, فلنن اسمح لك بذلك, و لن اهدأ حتى نُشبع ما نحس به من جوع.
ـ جوع؟ إننا ذاهبان إلى العشاء من أجل ذلك.
و اصابها الهلع حين خطا إليها ضاغطاً على اسنانه, و الصقها بالجدارثم سحقها بجسده بلا شفقة, و غمغم:
ـ هل عدت إلى غيظى؟ يجب أن تكونى أكثر حرصاً.
همست و هى تشعر بنفسها تتخاذل:
ـ ايها الوحش, اتركنى.
قال:
ـ قولى كلاماً أكثر إقناعاً.
و كاد الدم يقفز من وجنتيها و قالت:
ـ لا, لقج غيرت رأى. و لا أريد أن اذهب إلى العشاء.
و قال:
ـ و لا أنا. و لكن ذلك نوع من الطقوس جري بها العرف. فلنحافظ عليه.
صُدمت لهذه الوقاحة منه و قالت:
ـ كلا....
و اسكتتها شفتاه عن الكلام. و اخترق جسدها ألم كالسكاكين الحادة. و حاولت الكلام, فإذا بها تطلق أنيناً على الرغم منها.
و استجمعت كل عزيمتها, مصممة على ألا تدعه يكسب و غمغمت:
ـ إيثان, إننى امرك.
ـ مرى كما تشائين, فلن اهتم
ضمت شفتيها قائلة:
ـ لا يمكن أن تتجاهلنى هكذا.
قال:
ـ أنا لا أتجاهلك هكذا. و اكتسها شعور بالخجل. فغمغمت و هى كالمخدرة مسلوبة الحيلة :
ـ قد يدخل جو فى أى لحظة.
قال و هو يبعدها:
ـ ارجو أن تكونى قد شعرت بالجوع الآن.
و انصرف. مدت يدها تمسك بالمكتب, شاعرة بالذكر لهذه الوحشية, و الرعب لتلك الجاذبية. و شعرت كما لو كانت قد اكتسحتها عاصفة هوجاء. مدت يدها إلى جهاز الاتصال
ـ لا مكالمات يا جو.
كانت الرعشة واضحة فى صوتها و سالها:
ـ هل أنت بخير؟
قالت:
ـ بعض الصداع من أثر الشراب
قرد بلا تعاطف:
ـ آه, صداع الشراب, هنيئاً لك بذكاءك.
و القت بنفسها على الريكة, و نزعت حذاءها ثم تكورت عليها, متناقضة تماماً عن تلك المرأة التى كانت متهلله فى الصباح. متجهمة و ممتقعة اللون.
إنها كلما حاولت أن تركز على ما ستساله عنه, شطح خيالها إلى نواياه تجاهها.
متصورة مصيرها معه, و قد استطاع أن يحيلها إلى كتلة ملقأة على الأريكة تتملكها الرعدة, و الرغبة. و عضت على شفتها. لقد انفجرت خطتها فى وجهها, و لكنها لن تستتلم. غن عليها أن تنجح بأية وسيلة. كل ما عليه عمله هو أن تنكب على عملها, صارفة ذهنها عما يحتمل أن يفعله أو لا يفعله, و الا يغيب عن ذهنها أنه لا يبغى منها سوى متعة ليلة واحدة.
و اخذت تشحن نفسها ضده لتصرف عن ذهنها أية رغبة مهما كانت واهية.
حتى لا ينتهى بها الأمر كضحية لنزوات ايثان. بدا الاصرار فى عينيها حملقة ملتهبة.
إنها سوف تشكره بعد تناول العشاء و تدعه يُصعق لتلك الغنيمة التافهة على ما بذل من جهد ز رفعت هذه الفكرة من معنوياتها, فلا شئ سيسعدها أكثر من أن تعطيه درساً بأنه ليس من لا تقاوم رغباته.
و ظلت فى العمل أكثر تاخيراً ما كانت تنوى.
انزلتها سيارة أجرة فى السابعة و نصف امام مسكنها, مع ذلك كان الوقت كافيا لتأخذ حمامها و تبديل ثيابها.
كانت و هى فى طريقها إلى مسكنها عقلها يستعرض الثياب فى دولابها, لتقرر ما سوف ترتديه. و لم تكن قد وصلت إلى قرارها بعد. اتكون بارده, أم مثيرة؟ هل تكون فتاة متكلفة, أم قنبلةموقوته؟
و فى المدخل, شعرن بشك حول وقع اقدام خلفها, فنظرت خلفها فوجدت رجلين يتبعانها و كان لواحد منهما ابتسامة شريرة. و اسرعت صاعدة السلم, فاسرعا ايضاً, و انتابها الذعر لأن تواجه العنف منهما. فادخلت يدها فى حقيبتها لتخرج جهاز الاستغاثة. و سمعت السؤال خلفها:
ـ هل أنت ذاهبه إلى مسكنك يا عزيزتى؟
فصرخت و هى توجه الجهاز فى وجهه:
ـ نعم.
افزعتها الصرخة التى انبعثت من الجهاز كما افزعتهما. و انطلقت باقصى سرعتها فاصطدمت بحائط من لحم و عظام. أخذت تصرخ و هى تدق بعنف على ذلك الصدر الفولاذى, و ما أن لبث أن أحاط بها ذراعان قويان, صوت إيثان يقول:
ـ لا تراعى أنه أنا, لقد فر الرجلان.
و شهقت قائلة :
ـ أوهـ, شكراً لله.
و تخاذلت فى وهن و راحة, ممنونة لهذه القوة التى حمتها, و مستمتعة بها ايضاً.
بدأت ابوا السكن تتفتح على أثر صوت الجهاز, و خرجوا يتساءلون عن الأمر, بينما اخذت الصرخة المتقطعة النكراء تذوى شيئاً فشيئاً إلى أن سكنت أخيراً.
توجهت روكسى بالشكر و التأسف لجيرانها. و قال أقرب الجيران لها مبتسماً, و كان طيار واعدته ذات مرة:
ـ بالتأكيد ستكونين أنت, هل يعرف رفيقك هذا مال الذى أوقع نفسه فيه؟
و قال إيثان ثأئراً:
ـ افتحى الباب, فأنا أكره العروض الجماهيرية.
اخرجت مفاتيحها و هى لا تزال تحت تأثير الرعب و لم يكد إلا و وجدت نفسها مع ايثان فى الصالة و تساءلت لماذا أدخلته معها مسكنها و ما الذى جاء به مبكراً هكذا؟
و سألها:
ـ هل انت بخير الآن؟
فردت كاذبة ببرود:
ـ بالتأكيد.
منتديات ليلاس
تطلع فى المكان, ثم صاح بدهشة:
ـ يا للشيطان, أيمكنك فعلاً أن تعيشى وسط هذا اللون؟
و كان يشير إلى الستائر ذات اللون الأصفر الصارخ.
قالت بلهجة دفاعية:
ـ أنه لون بهيج.
و أحست أنها توشك على أن تنفجر بالبكاء. لو وجه أى نقد فى لحظتها تلك. لقد كانت لا تزال تحت تأثير الصدمة.
و سأل متعجباً:
ـ أهو كذلك؟
و دار ببصره فى الصالة الرحبة, الستائر النازلة فى طيات مبالغ فيها, و الأرضية السوداء اللامعة, و الأثاث بلون الكروم اللامع الذى تنعكس عليه أضواء الشموع المتناثرة فى الصالة. أو تتكسر عليه أشعة الشمس بألوان الطيف البهيجة. و كان المكان فوضى عارمة, فلم يكن لديها وقت لترتيبه.
و قال:
ـ إنك سيدة
ديكور أكثر منك ربة ربة منزل.
ـ بل سيدة اعمال, رباه لابد أن أجلس قليلاً.
ـ إذن فلست بالقوة التى تحاولين إظهار نفسك بها.
و بدا و كأنه يقبل على تهدئة روعها, و كان هذا آخر شئ تريده. لقد اكتسب فرصة ضدها. و كانت تفضل أن تصرخ فى وحدتها, على أن تتعلق برقبته, و تسند رأسها على صدره الضخم, ثم لا تدرى ماذا يكون بعد ذلك؟
و قالت له بانتحاب متهيج:
ـ لا تقترب منى, فأنا على حافة الانهيار. لقد قضيت يوماً شاق , و اثار هذان الرجلان أعصابى,و أثارنى أكثر, ذلك الصراخ من هذا الجهاز. كيف حشدوا كل هذه الضوضاء فى هذا الجهاز؟ ثم يأتى على رأس هذا كله مجئيك مبكراً. إننى محتاجةالخلوة الآن لكى أهدئ نفسى.
قال بهدوء:
ـ سيكون أمامك الليل بطوله. فقد جئت لاعتذر عن الموعد, إذ لابد من عودتى الليلة.
و شعرت بومضة من خيبة الأمل, و مع ذلك قالت:
ـ لا عليك, فلدى تلال من الأعمال.
ـ هكذا؟ لكن لهجتك ينقصها الثقة, آسف, و لكنى أفضل البقاء بجوارك على السفر الليلة.
سرتها لهجة الإخلاص فى صوتهثم تذكرت فجأة أنها لم تعرف لماذا كان يبحث عنها. و هو أهم موضوع تود أن تعرفه.
و سألت فى التو:
ـ ة ماذا عن الآنسة بيج؟ لقد كنت ستقابلها غداً .
فرد متردداً:
ـ أعلم, ما مدى علاقتك بها؟
فردت بكل حرص:
ـ كصاحبة المحل, يكون علىّ احياناً أن انبهاها لواجباتها, و بأن تأخذ الأمر بجدية, و تتقبله منى عن طيب خاطر.
قال و فمه يتقلص بخبث:
ـ أنا متأكد من أنها تفعل ذلك. اخبريها إذن أننى سوف أرسل لها خطاباً بالموضوع.
و سارعت بلاقتراح عليه فى إلحاح مستميت:
ـ يمكننى أن أخبرها بنفسى, هلا تركت لها رسالة معى.
غمغم قائلاً:
ـ إنه لكرم منك
ثم أطال النظر إليها قبل أن يستطرد:
ـ حسناً, أخبريها أننى كنت أريد أن أرتب لها معاشاً صغيراً.
عبست فى دهشة, و سألت:
ـ لماذا؟
لقد بدا هذا غير متوافق مع صورة ايثان تريمين قاسى القلب , و ردد بسرعة:
ـ لقد توفيت والدتها فى خدمتنا, و هى تعرف كل شئ عن الموضوع و اشرق وجهها لذكر المعاش. إنه يعرض عليها شيئاً دون مقابل. و كان هذا كرماً أكبر من أن تتوقعه منه. ربما كانت متأثرة فى فكرتها عنه بما أشيع من أقاويل.
مــــــنــــتـــــــديــــــات لـــيــــــلاســــــ